مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

ومن الإشكال على الانحلال ما عن الخراسانيّ قده في الكفاية (ص ٢٢٨) وفي الحاشية على الرسائل بوجهين :

الأول لزوم الخلف منه والثاني يلزم من وجوده عدمه اما الخلف فلان وجوب الأقل على أي تقدير فعلا بمعنى وجوبه اما من باب كونه مقدمة للغير أو من باب وجوبه في نفسه يتوقف على وجوب الأكثر على أي تقدير أي وجوب الأكثر مطلقا سواء كان الأقل واجبا أم لا فانه لو لم يفرض كذلك فاحتمال كون الأقل واجبا مقدميا يكون ساقطا لأنه على فرض عدم تنجز التكليف بالنسبة إلى الأكثر كيف يكون الأقل واجبا بنحو المقدمية.

فتنجيز الأقل على أي تقدير يكون متوقفا على تنجيز الأكثر مطلقا وفرض عدم تنجيز الأكثر يخالف هذا الفرض فيكون اللازم من الانحلال خلف الفرض.

واما لزوم عدم الانحلال من الانحلال كذلك فلان لازمه عدم تنجيز التكليف بالأكثر على كل حال ولازمه عدم لزوم الأقل على كل حال ليكون وجوبه بالتفصيل ووجوب الأكثر مشتبها وما يلزم من وجوده عدمه يكون محالا فاللازم هو وجوب الاحتياط كما في المتباينين لعدم تمامية هذا الانحلال.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني قده كما في تقريراته (الفوائد الجزء الرابع ص ٥١) بان هذا الإشكال منه قده يكون مبنيا على كون وجوب الأقل من باب المقدمة وعلى فرض تسليمها لا يكون وجوب على المقدمة مستقلا هذا أولا.

وثانيا ان القول بوجوب المقدمة لا يلزمه القول بتنجيز تكليف ذي المقدمة بل لو كان واجبا في الواقع يكون كافيا لوجوب المقدمة فانها تابعة لذيها في الواقع ولا دخل للعلم بتنجيز تكليف الأكثر في تنجيز الأقل.

فإذا علمنا بان الأقل اما واجب نفسا أو واجب من باب كون الأكثر واجبا يكون كافيا في تنجيز هذا التكليف على أي حال فلاحظ تقريراته وهو قده لم يبين

٥٢١

وجه (١) ما ذكره في الوجه الأول من الجواب ولا في الوجه الثاني ونحن نبينه.

اما إنكاره للمقدمية فهو جيّد واما وجه وجوب الأقل على أي حال فهو ما مرّ منّا من أن التكليف يكون شخصيا ولا يكون دائرا بين الأكثر والأقل بل بين الحدين فانا لا ندري هل انقطع التكليف على هذا الجزء أو ذاك فيكون العلم التفصيلي بوجوب الأقل حاصلا ولو لم يكن الزائد واجبا وهذا كله لعدم المقدمية وعدم كون المركب الا الاجزاء بالأسر وعلى فرض كون الاجزاء مقدمة أيضا لا يكون لنا وجوبان وجوب الكل ووجوب الجزء لأن الوحدة والارتباطية تجيء من جهة الأمر والأمر الواحد ينبسط على الاجزاء.

واما جوابه الثاني قده فلا يكون تاما لأن الأقل اما ان يكون تنجيزه من جهة العلم الإجمالي فيكون من بركة العلم ويكون الجواب الانحلال واما ان يكون من جهة الوجوب الواقعي للأكثر وهو لا وقع (٢) له فان التكليف المنجز يجب إتيان مقدماته لا ما لا يكون منجزا فلا وقع للواقع بدون الوصول فالحق في الجواب

__________________

(١) بين وجهه في الفوائد على ما فهمناه وهكذا الوجه للثاني ولكن لا يتم كما ذكره مد ظله.

(٢) المراد من هذا هو إثبات وجوب الأقل على أي حال ووجوب المقدمة في ساير المقامات وان كان لا بد ان يكون من جهة وجوب ذيها على فرض كون وجه الوجوب هو المقدمية فقط وما هو المؤثر وجود التنجيز لوجوب ذي المقدمة والواقع الغير الواصل غير مؤثر.

ولكن في المقام ليس كذلك لأن المراد إثبات وجوب الأقل على أي تقدير فان الأكثر يدور امره بين الوجوب واقعا أو عدمه واقعا.

فعلى فرض تسليم المقدمية نقول لو كان الأكثر واجبا يكون الأقل من باب المقدمية واجبا ولو لم يكن واجبا أيضا لا يضر بوجوب هذه الاجزاء لوجوبها من جهة نفسها فعلى أي تقدير نعلم بوجوب الأقل وهذا مما لا شبهة فيه وما ذكره مد ظله يكون بالنسبة إلى ساير المقامات لا المقام.

٥٢٢

عن الخراسانيّ هو إنكار المقدمية.

واما بقية إشكالاتهم على الانحلال فلا نطيل الكلام فيها لعدم الفائدة فيه وقد ذكرها الشيخ قده مع الجواب عنه.

بيان النائيني قده لجريان البراءة النقليّة لا العقلية في المقام

ثم ان شيخنا النائيني قده بعد ذلك قال بما هو المختار له من عدم جريان البراءة العقلية في المقام دون النقليّة بما حاصله أن العلم الإجمالي كالتفصيلي في إيجاب الاشتغال اليقينيّ ولا شبهة في أن الاشتغال اليقينيّ يقتضى وجوب الفراغ كذلك فعلى هذا إذا علمنا بأن الواجب علينا اما الأقل أو الأكثر يكون العقل حاكما بوجوب إتيان الأكثر لأنه مع الإتيان بالأقل فقط لا يحصل العلم بالفراغ والعلم التفصيلي بوجوب الأقل يكون عين العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر فاللازم بحكم العقل هو مراعاة الاحتياط.

وبتقريب آخر منه قده أن التكليف بالجزء المشكوك أو الشرط وان لم يكن منجزا بصرف الاحتمال ويكون الاستحقاق للعقاب عليه من القول بلزوم العقاب بلا بيان ولكن في المقام نكتة أخرى تمنع عن القول بالبراءة في مقام الامتثال وهي احتمال ارتباطية الاجزاء وقيدية الزائد للأقل بحيث لو لم يكن هذا الجزء على تقدير وجوبه لا يكون للأقل أثر ولا يكون امتثاله متحققا وحيث لا يكون للعقل حكم بعدم القيدية أو وجودها ولا يكون للشرع أيضا حكم مع أنه وظيفته فلا بد في مقام الامتثال الخروج عن عهدة التكليف المسلم في البين وهو لا يتحقق إلّا بإتيان الأكثر وبدونه يشك في الامتثال لاحتمال دخل الزائد.

فان قلت الشك في الارتباطية وقيدية الزائد يكون مسببا عن الشك في وجوب القيد وتعلق التكليف به فإذا جرى الأصل بحكم العقل في الجزء وقلنا بأن العقاب عليه يكون بلا بيان فلا تصل النوبة إلى هذا الشك فان جريان الأصل في السبب يرفع الشك عن المسبب.

٥٢٣

قلت ان الشك في الارتباطية والقيدية لا يكون مسببا عن الشك في الجزء الزائد ليرفع بحكم العقل بل يكون من دوران الأمر بين وجوب الأقل والأكثر فالارتباطية تكون منتزعة عن تعلق الأمر بالمجموع لوحدة الملاك فكل جزء يكون له دخل لا الجزء المشكوك فقط.

مضافا بأن رفع شك المسبب يكون من ناحية السبب في صورة كون الترتب شرعيا أي في لسان الدليل الشرعي وفي المقام يكون عدم الارتباطية بالنسبة إلى هذا الجزء من حكم العقل بعد جريان البراءة عن الجزء ولذا نقول من شك في بقاء اجتهاده لا يجوز عليه الفتوى باستصحاب بقاء الاجتهاد لأن ترتب الإفتاء على الاجتهاد عقلي (١) واما من شك في عدالته يجوز استصحاب العدالة للاقتداء وساير الآثار لأن شرطية العدالة في امام الجماعة والشاهد تكون من الأحكام الشرعية فرفع الشك عن العدالة بالأصل لازمه رفع الشك عن جواز الاقتداء وغيره شرعا.

فتحصل أن البراءة العقلية غير جارية في المقام.

أقول ويرد عليه أن التقريب الأول في كلامه يكون هو عين تقريب صاحب الحاشية في إنكار الانحلال وقد مرّ آنفا ولم يقبله قده ولا أدري كيف تمسك به هنا وقال بالانحلال هناك.

واما التقريب الثاني من كلامه قده فهو يكون من جهة شبهة معروفة في هذا الباب وهي أن الإتيان بالأقل لا يحرز به غرض المولى فانه لو تعلق بالأكثر لا يفيد امتثال الأقل ولا ربط له بالانحلال وسنبحث عنه.

فنقول اما الجواب عن التقريب الأول فهو ما مرّ من أنه بعد كون الأقل معلوما

__________________

(١) بل شرعي لأن الشارع هو الّذي جعل المدار على الاجتهاد في الأعمال وارجع غير المجتهد إليه وان كان العقلاء أيضا يرون لكل فن خبرة وهذا الفن ليس مما يصل إليه العرف بعرفيته بل يتضح سبيله بإراءة الشرع وهذا القدر كاف في التعبد بالاستصحاب.

٥٢٤

بالتفصيل بالأمر الشخصي من دون العلم الإجمالي لا وجه لما ذكره قده فان الترديد يكون بين الحدين لا بين الواجبين الأقل والأكثر حتى يكون من المتباينين والاحتياط يتوقف على إثبات التباين وليس العلم التفصيلي عين العلم الإجمالي لعدم الدوران وهذا اضطراب في كلامه قده.

واما الجواب عن التقريب الثاني وهو شبهة الغرض فلان الإشكال يكون منشؤه ارتباطية الاجزاء فإذا شككنا في أن هذا الجزء مرتبط مع البقية حتى يكون الواجب الإتيان بالأكثر أم لا فلا أصل لنا يحكم بالارتباطية.

وبعبارة أخرى للأقل يتصور تركان ترك من ناحية نفس الاجزاء وترك من ناحية الجزء الزائد وما تم البيان عليه هو أن الترك من ناحية نفس الاجزاء معصية واما الترك من ناحية الجزء الزائد حيث ما تم عليه البيان لا يكون للعقل حكم بالاشتغال بالنسبة إليه.

لا يقال فعلى هذا يلزم أن يقال أن البراءة بالنسبة إلى الأقل أيضا جارية ولازم ذلك هو القول بجواز المخالفة القطعية وهو كما ترى اما عدم وجوب الأكثر فمن جهة الشك في الجزء واما الأقل فلان الشك يكون في وجوبه على فرض كون الزائد جزءا فانه لا يجب الأقل على هذا الفرض فيكون الشك في وجوبه فتجري البراءة بالنسبة إليه أيضا.

لأنا نقول ان التلازم والارتباطية يكون بين الواقعين لا بين التنجيزين فان وجوب الأقل لا شبهة فيه واحتمال دخل الزائد في الواقع لا يكون مؤثرا لعدم كونه منجزا.

كلام الفصول في الأقل والأكثر

الإشكال الثالث على الانحلال والقول بالبراءة عن الأكثر هو ما عن صاحب الفصول قده وقد مرّ آنفا الإشارة إليه في كلام النائيني وهو أن العقل يحكم بوجوب الفراغ اليقينيّ عما تعلق به غرض المولى ولا شبهة في أن الأوامر يكون لمصالح

٥٢٥

نفس الأمرية ويكون الكاشف عنها هو الخطاب فبالخطاب نكشف أن للمولى غرضا يجب تحصيله ومن المعلوم أن الأكثر لو كان واجبا لا يكون الأقل وافيا بالغرض بل لا يفيد أصلا من باب ارتباط الاجزاء فعلى هذا يحكم العقل بأن الواجب هو إتيان الأكثر تحصيلا للغرض وبدونه يكون الشك في تحصيله ولم يكن من الفراغ اليقينيّ.

والفرق بين اشكاله هذا وإشكال صاحب الفصول هو أنه قده في المقام جعل المدار في هذا الاستدلال على وجود مصالح في الأوامر على ما هو مسلك العدلية بأن الأوامر والنواهي تكون تابعة لمصالح ومفاسد نفس الأمرية فلو أغمض عن ذلك ما تم الاستدلال.

واما إشكال صاحب الحاشية فيكون من جهة أن الأمر في البين حيث علمنا بوجوده يقتضى أن يقال بوجوب الأكثر لأن الامتثال لم يتحقق الا بهذا النحو ولو كان المبنى مبنى الأشعري المنكر للحسن والقبح والمصالح والمفاسد في الأوامر والنواهي فهو قده في ضيق من جهة الأمر وهذا قده في ضيق من جهة الغرض فوجهة الإشكالين متفاوتة.

والجواب عنه انا لا يحكم عقلنا بأن أغراض المولى واجب الإتيان بل يحكم بأن المولى في كل مورد عمل بوظيفته المولوية وهو البيان يجب عليك العمل بوظيفة العبودية وهو الامتثال فبقدر البيان وما قام الحجة عليه يجب الامتثال ونحن في المقام ما تمّ البيان علينا إلّا بالنسبة إلى الأقل والبيان بالنسبة إلى الأكثر غير تام فتجري البراءة بالنسبة إليه.

ثم انه قد توهم أن مراد صاحب الفصول قده يكون وجوب الاحتياط من باب دوران الغرض بين الأقل والأكثر بأن يقال انا نعلم بأن للمولى غرضا فاما ان يكون متعلقا بالأقل أو بالأكثر فمقتضى الاحتياط الإتيان بالأكثر بالبيان السابق أي حكم العقل بالفراغ اليقينيّ بعد الاشتغال اليقينيّ.

فأجاب عنه بأن العلم الإجمالي إذا كان منحلا فيكون البراءة جارية بالنسبة إلى الغرض لو كان متعلقا بالأكثر وحيث تم البيان على الأقل دون الأكثر لا يجب

٥٢٦

الإتيان به.

وفيه أن هذا التوهم لا يكون مراد صاحب الفصول قده بل يكون مراده أن الغرض المتعلق بالأقل لا يمكن إحرازه الا من جهة الإتيان بالأكثر إمكان الارتباطية فان الجزء الزائد على فرض وجوبه يكون دخيلا في مصلحة الأقل فكيف يمكن إحراز الغرض المتوجه إلى الأقل بدون إتيان الأكثر فيكون كلامه قده نظير كلام صاحب الحاشية فانه قد يكون مراده أن التكليف المتوجه بالأقل لا يكون العلم بامتثاله حاصلا إلّا بإتيان الأكثر وصاحب الفصول يقول الغرض المتوجه إلى الأقل لا يوجد إلّا بإتيان الأكثر.

والحق في جوابها هو ما مر من عدم العلم الإجمالي في المقام بل يكون التكليف شخصيا مرددا بين الحدين وللواجب تركان ترك من ناحية الأقل وهو معاقب عليه وترك من ناحية الأكثر وهو لا يعاقب عليه لعدم تمامية البيان بالنسبة إليه.

ثم انه في كلام هذا القائل يكون تقسيم بالنسبة إلى الغرض بأنه اما ان يكون وجوب إتيانه بحكم العقل أو بحكم الشرع وهذا لا نفهمه لأن وجوب إتيان الغرض بحكم العقل معلوم بواسطة إتيان المحتملات واما إتيان الغرض بحكم الشرع فلا نفهمه لأن المصلحة اما ان تكون العمل وافيا بها أولا ولا حكم للشرع في ذلك (١).

ثم أن الشيخ (قده) أجاب عن إشكال الغرض بجوابين الأول ان هذا القول

__________________

(١) أقول يمكن أن يكون مراد القائل هو أن بعض الموارد نفهم من خطاب الشرع أن غرضه بحيث يجب إتيانه على أي حال ولو بالاحتياط كما في باب الفروج والدماء أو يكون امره بالمحصل كتحصيل الطهارة فان الأسباب في أمثال الموارد لا يكفى سقوط امرها بل يجب الاحتياط لأن الغرض هو تحصيل الطهور فهذا هو الغرض الواجب الشرعي.

نعم لو قلنا في الشك في المحصلات في بعض الموارد بوجود المرتبة فيكون مثل ساير الموارد في أن الواجب هو الإتيان بالسبب بقدر الحجة وهذا يظهر من مطاوي كلمات الشيخ قده في المقام.

٥٢٧

يكون متوقفا على مسلك العدلية في باب الأوامر والنواهي من جهة أنها تابعة لمصالح ومفاسد نفس الأمرية والفقهاء رضوان الله عليهم لا يكون في كلامهم تفصيل في مقام الأخذ بالبراءة أو الاحتياط في المقام.

والثاني أن مراد القائل هو إتيان الغرض بتمامه وكماله بحيث يكون المكلف محرزا لذلك وهو غير ممكن حتى مع إتيان الأكثر لأن قصد الوجه اما ان يكون محتمل الدخل أو واجب الدخل في العبادة وهو دخيل في الغرض تعيينا أو احتمالا والآتي بالأكثر حيث لا يكون له الجزم بالأمر في إتيان الأكثر حيث ما أحرز وجوبه جزما لا يمكنه إتيان قصد الوجه فاذن لا يمكنه الإتيان بالغرض كما هو حقه مضافا بأن المصلحة يمكن أن تكون في الأمر لا في المأمور به فالحق هو جريان البراءة عن الأكثر والاكتفاء بما تم عليه البيان وهو الأقل وقد أطال هذا الكلام صاحب الكفاية وأجاب عنه مع بنائه على الاختصار فيها ونحن لا نبينه فارجع إليها.

واما الجواب عن الشيخ قده فنقول أولا ان صاحب الفصول كما مر لا يكون مراده وجوب الإتيان بالغرض المردد كما مر بل يكون مراده ان إتيان غرض الأقل لا يمكن إلّا بإتيان الأكثر فهو قده لا يكون مراده إتيان الغرض مطلقا ليشكل عليه بأنه لا يمكن على أي تقدير ولا يكون مراده تعيين المصلحة في المأمور به فقط بل حيث يحتمل أن يكون المصلحة في الأمر ويحتمل ان يكون في المأمور به ولا يتعين في الأمر لعدم الدليل عليه يكون هذا الاحتمال منشأ لعدم الجزم بإتيان الغرض المتوجه إلى الأقل لو كان المصلحة فيه إلّا بإتيان الأكثر والعقل يكون حاكما بذلك.

ولا يمكن هذا القول الا على مسلك العدلية القائلين بأن الأوامر ذات مصالح واما على مسلك الأشعري الّذي هو أفسد ما يكون من عدم تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد فلا يجيء هذا القول فكيف يقول الشيخ قده لا ربط لهذا بالعدلية وكلام الفقهاء لا يكون فيه التعرض لذلك.

واما قصد الوجه فلا يكون دخيلا أصلا للإطلاق المقامي في الخطابات فان

٥٢٨

الناس من الغد إلى الليل محتاجون إليه في عباداتهم ولا يكون له في الروايات عين ولا أثر.

والشاهد لذلك انه لم يقل أحد بعدم إمكان الاحتياط في المتباينين مثل دوران الأمر بين الظهر والجمعة من جهة عدم إمكان هذا بل الإجماع على وجوب الاحتياط مضافا إلى ما مر من ان مراده قد لا يكون إتيان الغرض من جميع الجهات بل من ناحية الأقل الّذي تم البيان عليه.

ثم انه لو كان قصد الوجه دخيلا فالإتيان بالأقل أيضا لا يمكن لعدم إمكانه بالنسبة إليه لاحتمال دخل الزائد فالحق عدم دخالته ولو كان دخلا يكون الحق مع صاحب الفصول في كلامه.

والجواب الصحيح عنه هو عدم كوننا في صدد أغراض الموالي.

فتحصل ان البراءة العقلية لا إشكال في جريانها في الأقل والأكثر الارتباطي وهذا أوضح على ما مر بيانه وكذلك يكون القول بالاحتياط العقلي والاحتياط الشرعي أيضا غير مشكل على مسلك من قال به كما عن المحقق الخراسانيّ في حاشيته على الكفاية ولكن المشكل هو التفكيك بين البراءة العقلية والشرعية بأن يقال ان الأولى غير جارية بخلاف الثانية كما عن شيخنا النائيني وعنه في متن الكفاية.

في دفع إشكال المثبتية في الأقل والأكثر

ثم ان هنا إشكالا معروفا وهو أن جريان البراءة في الأكثر على فرض جريانها يكون مثبتا بالنسبة إلى وجوب الأقل لأنه من الآثار العقلية لعدم وجوبه بالأصل وهذا الإشكال على المسلك المختار لا يجيء لأن المدار لا يكون عندنا على العلم الإجمالي بل يكون التكليف الواحد الشخصي محرزا بالنسبة إلى الأقل ومشكوكا بالنسبة إلى الأكثر ولا نريد إثبات وجوب الأقل بالبراءة عن الأكثر.

وهكذا على مسلك القائل بالعلم الإجمالي ثم انحلاله لأن إثبات التكليف على الأقل لا يكون من بركة الأصل بل من جهة أنه هو المتيقن من أصل الدليل

٥٢٩

ولا فرق في ذلك بين كون النقل أي البراءة النقليّة إرشادا إلى العقلية أو واردا عليها.

واما التفكيك بين البراءة العقلية والشرعية فيختلف الإشكال فيه حسب اختلاف المسالك في القول بالاحتياط العقلي كما عرفت عن الخراسانيّ وصاحب الحاشية وشيخنا النائيني وصاحب الفصول (قدس‌سرهم).

اما على مسلك الثلاثة غير الفصول فلان عدم جريان البراءة بحكم العقل لازمه عدم جريان ذلك الأصل بحكم الشرع أيضا لأن موضوع حكم العقل بالاحتياط هو تمامية البيان بحكمه وعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فهكذا موضوع حكم الشرع بقوله رفع ما لا يعلمون وغيره يكون هو الجهل بالواقع وحيث تم البيان إجمالا وهو كاف لا يكون الموضوع وهو الجهل متحققا فلا تجري البراءة.

لأن العلم الإجمالي على فرض تحققه على ما هو مسلك القوم اما ان يكون علة تامة لوجوب الامتثال بالنسبة إلى التكليف الّذي يكون في البين كما عن الخراسانيّ أو يكون مقتضيا كما عليه شيخنا النائيني فعلى الأول لا شبهة في عدم جريان الأصل في الأطراف وعلى الثاني يكون الأصول متعارضة ولم يكن في مورده أصل بلا معارض فيكون جاريا لأن أصالة عدم وجوب الأكثر يكون معارضا بعدم وجوب الأقل فيؤثر العلم اثره.

ولذا يكون المحقق الخراسانيّ ملتفتا إلى هذه النكتة فلم يجري الأصل في الوجوب ليقال عليه أنه معارض بل يقول بأن الأصل عدم جزئية (١) الزائد ولازمه

__________________

(١) أقول أصالة عدم الجزئية وان كانت مفيدة لرفع الارتباط أيضا ولكن بلحاظ منشأها يتحقق الرفع كما سيجيء منه أي رفع الجزء فيكون رفعه بلحاظ اثره الوضعي وهو الارتباط واثره التكليفي وهو الوجوب.

ولا يمكن ان يقال انه واجب وغير مؤثر فينتج أن الأكثر غير واجب وهذا وان كان من لوازمه عقلا ولكن يرى العرف الواسطة خفية وبالاخرة يقول لا فرق بين رفع وجوب الأكثر ونفي الجزئية ويشكل التفكيك والّذي يسهل الخطب عدم تمامية المبنى وما بنى عليه.

٥٣٠

هو جعل البدل كما يظهر من عبارته بقوله (في الكفاية ص ٢٣٥) ويعينه في الأول أي يعين الواجب في الأقل.

فان قلت أي فرق بين نفي الوجوب أو نفي الجزئية في المعارضة وعدمها في الأصول : قلت الفرق هو أن نفي الجزئية لازمه نفي الارتباط بين الزائد والباقي ولكن نفي الوجوب لا يلازم نفي الارتباطية.

فان قلت الأصل العقلي أيضا يرفع الجزئية ولازمه جعل البدل : قلت جعل البدل يكون بحكم الشرع ولا سبيل للعقل إلى حكم الشرع ليجعل البدل له.

واما الإشكال بأن الجزئية لا تكون مما تنالها يد الجعل إثباتا ونفيا لأنها امر انتزاعي فأجاب عنه في الكفاية بان المراد رفعها برفع منشأ انتزاعها وهو الجزء ولكن حيث لا يكون رفع الوجوب ممكنا لأنه يعارض بنفي وجوب الأقل يكون لحاظ منشأ الانتزاع هنا لإمكان رفع الجزئية وإلّا فبلحاظ نفسه لو جرى الأصل يعود محذور المعارضة.

لا يقال نفي الجزئية لا يثبت وجوب البقية وهو الأقل إلّا بنحو المثبت وهو كما ترى لأنه من آثاره العقلية.

لأنا نقول الجمع بين الأدلة يقتضى القول بذلك يعنى أدلة الاجزاء والشرائط إطلاقها يخصص بحديث الرفع وغيره فنسبة حديث الرفع الناظر إلى أدلة بيان الاجزاء نسبة الاستثناء فالجزئية تكون بحالها الا في ظرف الجهل بها فانها مرفوعة بحديث الرفع.

وقد أشكل عليه قده بان حديث الرفع يكون لبيان الحكم الظاهري وأدلة الاجزاء والشرائط يكون لبيان الحكم الواقعي ورفع الحكم الظاهري ينافي وجود الحكم في الواقع ألا ترى أن الأحكام لا يختص بالعالمين بها وإلّا يلزم دور العلامة فحينئذ لا يمكن رفع الجزئية بحديث الرفع لمنافاته مع الحكم الواقعي المجعول في ظرف الجهل أيضا.

والجواب عنه ان رتبة الواقع منحفظة حتى في ظرف البراءة بحسب الظاهر

٥٣١

وأدلة البراءة تكون رافعة للحكم في الظاهر وحيث أن رتبة الواقع منحفظة لا يجيء هذا الإشكال هذا كلامه رفع مقامه.

والإشكال عليه أولا بان المبنى غير صحيح لعدم العلم الإجمالي في المقام بل لنا علم تفصيلي بوجوب الأقل ويكون الشك في حد هذا الواجب فلا نحتاج إلى جعل البدل وجريان الأصل بالنسبة إلى الأكثر.

وثانيا ان جعل البدل بالأصل لا يمكن إلّا بنحو دائر لأن جريانه يتوقف على جعل البدل في الواقع وجعل البدل في الواقع يتوقف على جريان الأصل وهو دور واضح ضرورة أنه لا يمكن إثبات البدل بجريانه لأن هذا يكون من الآثار العقلية فان العقل يحكم بأن الواجب هو الأقل بعد أصالة عدم جزئية الزائد ومن الواضح عدم ترتب الآثار العقلية على الأصول فاما أن يكون جعله بدليل آخر وهو في المقام على هذا الفرض مفقود أو بهذا الأصل وهو دور.

نعم لو قامت الأمارة على جعل البدل بأن قامت بعد العلم الإجمالي بأن الواجب هو هذا المقدار يكون لازمها بدلية البقية عن الواقع وحيث أن الأمارات مثبتها حجة لا يكون إشكال الإثبات فيها فلعل الخراسانيّ قده مع توجهه إلى أن الأصل لا يترتب عليه آثاره المثبتة قال في المقام بجعل البدل من باب نكتة خاصة وهي مفقودة عندنا ولا نقول به في المتباينين فانه لا يجري الأصل في طرف واحد في مثل الدوران بين الظهر والجمعة.

وثالثا ان التفكيك بين البراءة العقلية والنقليّة لا وجه له لأن العقل إذا حكم بتمامية البيان بالنسبة إلى النوع يخرج عن موضوع حديث الرفع ويصير مما يعلم لا مما لا يعلم فتحصل أن كلامه على حسب مبناه غير تام عندنا.

طريقان آخر ان للقول بالبراءة الشرعية في المقام

الأول هو ان رفع الزائد يلازم عدم وجود الحكم الواقعي بالنسبة إلى هذا الجزء وبيانه أن يقال ان الحكم الواقعي يكون ضد الحكم الظاهري فلا بد من القول برفعه

٥٣٢

في الواقع على حسب الظاهر فالواجب هو الأقل فقط لعدم الجمع بين العين أو المثلين.

والجواب عنه ان الواقع تارة يكون دليل اعتباره بحيث يلزمه حفظه ولو بجعل الاحتياط في ظرفه كما في باب الفروج والدماء والأموال وتارة لا يكون وجوده الواقعي مطلوبا الا في ظرف الوصول إلى المكلف ففي هذه الصورة إذا شك فيها يرفع في الظاهر الحكم عنه ولكن لا ينافي رفع الحكم في الظاهر وجود الحكم في الواقع لانحفاظ رتبة الواقع ومع وجود الواقع في واقعيته فنكتة الارتباط بين الأقل والأكثر تمنع عن الاكتفاء بالأقل في مقام الامتثال لأن الفرض في الأقل والأكثر الارتباطي فعدم وجوب الزائد في الظاهر لا يرفع هذا المحذور.

الطريق الثاني للقول بالانحلال على هذا المبنى هو أن نفي الأكثر يكون لازمه العرفي هو الاكتفاء بالأقل لا أن يكون هذا لازمه العقلي ليجيء إشكال الإثبات.

والجواب (١) عنه ان حديث الرفع لا يكون في وسعه التنزيل والتنزيل يكون

__________________

(١) أقول والحاصل على ما استفدنا منه مد ظله بعد الدرس انه يريد أن يقول ان كان المراد هو خفاء الواسطة ففي المقام لا خصيصة.

واما ان كان المراد هو جعل البدل بهذا الطريق ويكون من خصيصة حديث الرفع في المورد ولو لم نقل في ساير الموارد به من باب الإثبات فلا دليل له عليه لأن هذا الأثر لو لم يترتب لا يكون الحديث بلا مورد واختصاص بعض الآثار في بعض الموارد يكون من جهة صيرورته بلا مورد كما في موارد التنزيلات.

ولكن نقول بعد في الذهن شيء وهو أن موارد التنزيلات أمارات ومثبتاتها حجة كما هو رأيه مد ظله ولا يكون الكلام من جهة عدم المورد لها وان كان في الأمثلة كذلك بالنسبة إلى الآثار ولا مطابقة لها ولا بد من حملها على المداليل الالتزامية ولكن ليس كل الموارد كذلك.

فله ان يقول ان الواسطة هنا ليست خفية ولو كانت خفية فالحق مع القائل بهذا الطريق واما فساد مبناه فهو كلام آخر.

ثم ان الأمثلة غير قوله الطواف في البيت صلاة لا يكون المراد استفادة ذلك من المدلول الالتزامي منها بل لا مطابقة لقوله لا صلاة إلّا بطهور ومثله الاستفادة الشرطية ـ

٥٣٣

بيد الشرع مثل استفادة شرطية الطهارة من نفي الصلاة بدون الطهور بقوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور وجزئية فاتحة الكتاب بقوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب وإثبات أهمية الصلاة في المسجد لجار المسجد بقوله عليه‌السلام لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أو يستفاد شرطية الطهارة للطواف بقوله عليه‌السلام الطواف في البيت كالصلاة ولا معنى لهذه التنزيلات الا ترتيب هذه الآثار.

واما حديث الرفع فلا يكون اثره التنزيل فقط وجعل البدل فان كثيرا من الموارد وهو مورد الشبهات البدوية يكون باقيا تحته ولا يختص اثره بهذا الأثر وهو جعل البدل في مورد العلم الإجمالي فتحصل أن كلام الآخوند قده في المقام في التفكيك بين البراءة العقلية والشرعية غير تام ولذا لقد أجاد فيما أفاده في حاشية الكفاية بقوله ان مقتضى الأصل الشرعي أيضا الاحتياط وهو على حسب مبناه تام خلافا لما هو التحقيق من جريان البراءة مطلقا.

وأسوأ من ذلك المبنى هو مبنى شيخنا النائيني قده بأن البراءة الشرعية جارية مع كون العقل يحكم بالاحتياط وطعن على الخراسانيّ قده مع أنه قائل في العلم الإجمالي بالاقتضاء (١) وجريان الأصل في أطرافه إذا كان بدون المعارض ففي المقام

__________________

(١) أقول كلامه قده في المقام لا يكون أسوأ من كلام الخراسانيّ بل مثله في الفساد لأنه على حسب مبناه يجب أن يقول بالبراءة في المقامين لجريان الأصل بدون المعارض وهو أيضا يجب ان يقول بالاحتياط في المقامين على حسب مبناه من العلية التامة ففساد كلام كل واحد منهما من جهة التفكيك.

مضافا بان فرض كلام النائيني قده كما في الفوائد يكون في صورة العلم التفصيلي بوجوب الأقل مقدميا أو نفسيا لا فرض الخراسانيّ قده وهو تمسك بأن الإطلاق ليس إلّا عدم القيد كما سيجيء آنفا فانظر إلى عبارته في ص ٥٣ الجزء الرابع ولا يعارضها (أي أصالة البراءة عن الأكثر) أصالة البراءة عن الأقل للعلم بوجوبه على كل تقدير فله ما يزعم الخراسانيّ.

٥٣٤

حيث لا يكون المعارض لأصالة عدم الجزئية فيجب أن يقول بالبراءة العقلية أيضا لأن العقاب بالنسبة إليها يكون من العقاب على ما لا بيان له فكيف يقول بالتفكيك والخراسانيّ حيث يكون العلم الإجمالي عنده علة تامة لا يكون له هذا المحيص فهو قده لو كان قائلا بمعارضة الأصلين يجب أن يقول بالاحتياط في المقامين ولو قال بعدم المعارضة يجب أن يقول في المقامين أيضا وهو قده يقول بجعل البدل كما قال به الخراسانيّ.

ويرد عليهما بأن المبنى غير تام لعدم العلم الإجمالي وعدم الوجه للتفكيك وأن جعل البدل دوري هذا كله على مبنى القائل بالعلم الإجمالي من دون تشكيل علم تفصيلي بالأقل من باب كونه مقدمة أو نفسيا.

واما على فرض القول بذلك فلا يكون المانع من جريان الأصل المعارضة لأن أصالة عدم وجوب الأكثر لا يعارضه أصالة عدم وجوب الأقل لأنه واجب تفصيلا على هذا الفرض ولكن الإشكال هو أن أصالة عدم وجوب الأكثر وجوب الأقل وتماميته للأثر يكون من آثاره المثبتة ولا يجري الأصل بالنسبة إليها.

ولا يخفى ان هذا لا يكون مثل ما هو التحقيق من المبنى لأن العلم التفصيلي بوجوب الأقل على ما نحن عليه لا يكون من جهة العلم الإجمالي بالأكثر بل لا يكون لنا في الواقع علم إجمالي بل علم تفصيلي وشك بدوي ولا نريد إثبات موضوعية الأقل بواسطة جريان الأصل في الأكثر بل من الأول يكون العلم التفصيلي بوجوبه حاصلا فالأصل عندهم لا مانع منه شرعا الا مانع كونه مثبتا.

فان قلت ان الإطلاق والتقييد لا يكونان من باب الضدين حتى يقال نفى أحد

__________________

وان اضطرب كلامه قده في رد صاحب الحاشية واختياره الاحتياط العقلي وعدم تمامية الوجوب المقدمي للاجزاء ولكن طريقه هذا أسهل للقول بالبراءة من طريقه فانه يجري أصالة عدم وجوب الأقل بدون المعارض والخراسانيّ لا بد من التمسك بأصالة عدم الجزئية في ذلك وقد مر ما في هذا الكلام من التأمل.

٥٣٥

الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر بل من باب العدم والملكة ومعناه ان نفى القيد يكفى لأن الإطلاق هو ما لا يكون له القيد لا ما يكون له قيد الإطلاق فعلى هذا لا يكون وجوب الأقل وإطلاقه من جهة وجود القيد الزائد محتاجا إلى الإثبات بل نفس عدم وجوب الزائد يكفى لذلك فالإطلاق هو عدم القيد ولا يكون امرا وجوديا وعدمه يكون مساويا له حتى ان ملاحظة العدم أيضا لا يكون فيه ليرجع اللحاظ إلى وجود قيد زائد.

قلت ان الإطلاق والتقييد امران وجوديان فان السعة امر وجودي والضيق امر وجودي كذلك وليس معنى الإطلاق الا السعة ومعنى التقييد الا الضيق ونفى الضيق لا يثبت السعة هذا أولا.

وثانيا ان هذا مناف للعلم التفصيلي بوجوب الأقل لأن العلم التفصيلي على الأكثر إذا تحقق يجب امتثاله فإذا وجب يكون القول بالبراءة عن الزائد مناف للعلم على فرض كون الجزء الزائد جزء ومرتبطا بالأقل فالقول بالبراءة ينافى امتثال العلم التفصيلي على فرض كونه في الواقع جزء.

ومن هنا ظهر ما يترتب على مسلك القائل بأن الغرض يقتضى الاحتياط كما مر عند بيان مسلك صاحب الفصول قده وهو أن العقل إذا حكم بوجوب الاحتياط من هذه الجهة لا يمكن جريان البراءة الشرعية لأن البيان على الغرض تام ولو بنحو الإجمال ولا يكون مما لا يعلمون حتى يكون موضوع حديث الرفع.

فتحصل أن جريان البراءة الشرعية على غير ما هو التحقيق من المبنى ممنوع فالحق هو جريان البراءة عقلا ونقلا بما مر من البيان هذا كله في مقام بيان البراءة.

٥٣٦

في بيان استصحاب عدم الأكثر

ثم انه ربما (١) يتمسك لإثبات الأمن من العقاب باستصحاب عدم الزيادة بالعدم الأزلي أو قبل البلوغ أو قبل الوقت الحاكم على البراءة بأن يقال قبل وجود المكلف لم يكن هذا الجزء مجعولا فيستصحب عدمه أو يقال قبل بلوغه لم يكن مكلفا فبعده كذلك أو يقال في مثل الصلاة لم يكن مكلفا قبل الوقت فهكذا بعده.

وقد أشكل شيخنا النائيني قده في المقام بالإشكال المعروف في العدم الأزلي وهو أن العدم النعتيّ لا يكون في المقام ولا في ساير المقامات لعدم الحالة السابقة لعدم كون هذا الجزء له خصوصية في الأزل واستصحاب العدم وإثباته لهذا الخاصّ يكون مثبتا لأن من أثر العقلي للعدم المطلق عدم هذا فلذا لا يجري استصحاب العدم الأزلي في المقام وفي ساير المقامات وهذا الإشكال معروف بين القائلين بعدم جريانه ونحن لا نبحث عنه (٢) في المقام فكل من قال بجريانه فعليه مبناه وكل من قال بعدم جريانه أيضا فعليه.

ولكن في المقام خصيصة توجب القول بالجريان ولو لم يكن جاريا في ساير المقامات وهي انا لا نريد إثبات الحد للأقل بأصالة عدم جعل الجزء الزائد على ما هو التحقيق من أن لنا علما تفصيليا بوجوب الأقل والشك يكون في حده فإذا فرض ان الأقل خمسة اجزاء وشك في أن هذا سادس أم لا نريد بأصالة عدمه إثبات أن الواجب هو الخمسة التي لا سادس لها فاصل العدم بالنسبة إلى ذات الجزء المشكوك جار.

ولا يقال ان أصالة عدم الجعل لازمها العقلي عدم وجوب الجزء واللازم العقلي

__________________

(١) هذا البحث في الفوائد عن النائيني قده عند قوله دفع وهم في ص ٥٩ الجزء الرابع ولم يكن في ذيل البحث في الفصل الرابع عنده الّذي كان محل البحث هنا فلا تغفل موضعه.

(٢) فلتفصيله فارجع إلى الفوائد تقريرات النائيني قده ص ٥٩ و ٦٠ ـ

٥٣٧

لا يترتب على الأصل فهو مثبت كما عن النائيني.

لأنا نقول أصالة عدم الجعل تكون عين أصالة عدم الوجوب لأن الجعل له متعلق هو الوجوب ونفى الجعل عين نفى الوجوب والتفاوت والاختلاف بالاعتبار فقط مثل غيرية الإيجاد للوجود مع الاتحاد في الخارج والاختلاف في الاعتبار فقط هذا أولا.

وثانيا أن عدم الوجوب يكون من آثار العدم الثابت بالاستصحاب لا من آثار العدم الواقعي وما يقال من أن المثبت غير جار يكون في الآثار العقلية المترتبة على الواقع مثل إثبات طول لحية زيد أو إنباتها بواسطة استصحاب الحياة واما وجوب نفقة الزوجة فهو من آثار ما ثبت بالاستصحاب لا أثر الواقع وهذا شأن كل استصحاب فترتيب عدم الوجوب على عدم الجعل الثابت بالاستصحاب يكون أثر الاستصحاب لا أثر المستصحب بمعنى كونه أثرا للواقع ويكون من ترتيب آثار الواقع في الظاهر.

فأصالة عدم الوجوب أزلا جارية في خصوص المقام واما أصالة العدم قبل الوقت فهي على مسلكنا من أن الواجبات والتكاليف طرا تكون فعلية قبل الوقت أيضا فلا معنى لها بهذا النحو ولكن نحن نجري أصالة عدم الفاعلية فان هذا التكليف ولو كان فعليا قبل الوقت ولكن لا بد أن يكون له الفاعلية بعد الوقت وحيث ما ثبت فاعليته بدليل يستصحب عدمها.

واما من كان قائلا بأن التكاليف قبل الوقت غير فعلية مثل شيخنا النائيني قده فيكون له استصحاب العدم قبل الوقت بالنسبة إلى التكليف.

واما استصحاب عدمه قبل البلوغ فهو أيضا جار ولكن أشكل النائيني قده أيضا عليه بأن ما هو قابل للاستصحاب هو العدم المجعول قبل ذلك وحيث لا شأنية لغير البالغ لجعل العدم أو جعل الوجود لعدم القابلية لا يمكن إثبات عدم الجعل ليستصحب والجواب عنه قده ان المميز في ما قبل البلوغ يكون له قابلية التكليف والمرفوع عنه هو قلم المؤاخذة لا قلم التكليف ولذا يكون عباداته شرعية وهذا مذهبه قده أيضا

٥٣٨

فلا إشكال في جريان الأصل من هذه الجهة هذا أولا.

وثانيا ان العدم وان لم يكن له أثر في ما قبل البلوغ ولكن يكفى في الاستصحاب أن يكون الأثر للمستصحب بقاء وفي المقام ترى أثر الأصل في الحال وهو عدم وجوب الأكثر بالنسبة إلى البالغ.

فالبراءة والاستصحاب للعدم بجميع اقسامه جار بالنسبة إلى الأكثر على ما هو التحقيق.

فصل في الشك في شرطية شيء للمأمور به وعدمه

والمطلق والمقيد في الأقل والأكثر

قال في الكفاية ص ٢٣٨ وينبغي التنبيه على أمور : الأول : أنه ظهر مما مر حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه وبين الخاصّ كالإنسان وعامه كالحيوان وأنه لا مجال للبراءة هاهنا عقلا بل كان الأمر فيهما أظهر لأن الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر لا يكاد يتوهم هاهنا بداهة أن الاجزاء العقلية لا تكاد تتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا فالصلاة مثلا في ضمن الصلاة المشروطة والخاصة موجودة بعين وجودها في ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها كما لا يخفى.

نعم لا بأس بجريان البراءة النقليّة في خصوص دوران الأمر بين المشروط وغيره دون دوران الأمر بين الخاصّ وغيره انتهى موضع الحاجة من كلامه :

والحاصل انه قده يكون قائلا بالبراءة شرعا في باب الشرط والمشروط والاحتياط عقلا لعدم تصوره الانحلال في المقام بطريق أولى من الشك في الجزئية لأن القيد اما ان يكون محفوفا بالذات نفسه أو تقيده فما كان نفسه محفوفا بالذات مثل الإيمان في الرقبة إذا قيل أعتق رقبة وشك في أن الواجب هو عتق المؤمنة أو عتق غيرها أيضا يكفى.

فان الإيمان لا يكون له وجود منحاز في الخارج فلا يتصور في ذلك التكليف

٥٣٩

الأقل وهو ذات الرقبة والأكثر وهو الذات مع الإيمان وأما ما كان غير محفوف بالذات فمثل شرطية الطهارة مثل الوضوء وغيره للصلاة فان الشرط يكون له وجود منحاز ولكن المشروط محفوف بالتقيد بهذا الشرط وان كان القيد خارجا عن الذات.

وعلى أي تقدير لا يمكن انفكاك ما هو الشرط أو القيد عن المشروط والمقيد فالذات مع القيد مباين للذات بدونه وهكذا في الشرط وما كان كذلك فالأصل فيه يقتضى الاحتياط لا البراءة.

لا يقال في باب الجزء كان الانحلال من باب المقدمية على فرض تمامية المبنى وفي المقام وان لم يكن المشروط مقدمة لشرطه والمقيد مقدمة لقيده ولكن يكون لنا اليقين بوجوب المشروط فقط ويكون الشك في الشرط وهكذا في القيد فينحل العلم الإجمالي.

لأنا نقول الجزء حيث يكون مستقلا يمكن جريان البراءة عنه ولكن الشرط لا يكون له الاستقلال حتى يمكن جريانها بالنسبة إليه وهكذا القيد فيكون ما هو المتيقن تحت الأمر هو الذات وما هو مشكوك يكون هذه الذات بعنوان إطلاقها الأحوالي أي لا ندري أنها هل تكون مطلقة من حيث القيد أم لا هذا حاصل التقريب للقول بالاحتياط في هذا الباب.

وقد أجاب عنه الشيخ قده بأجوبة فارجع إليه ونحن نقول ما هو التحقيق في المقام ان تصوير الأقل والأكثر في الاجزاء بعينه يكون في المقام أيضا لأن ما هو التحقيق عدم وجود العلم الإجمالي في باب الاجزاء وفي المقام نكون بصدد انحلاله بل لنا علم تفصيلي بوجوب الأقل ويكون الشك في عبور الخطاب على الجزء الزائد والشرط أيضا كذلك فان اليقين التفصيلي يكون متعلقا بالمشروط والشرط مشكوك بدو أو هكذا القيد.

وعلى فرض وجود العلم الإجمالي أيضا يكون بحث المقدمية للجزء باطلا لأن الأقل يكون مقدمة للأكثر على فرض صحتها ولا تكون مقدمة للجزء الزائد فيكون ملاحظة الجزء مع الأقل مثل ملاحظة الشرط مع المشروط فان الكل ليس الأعين

٥٤٠