مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

واما القياس بالعلم الإجمالي أيضا فهو فاسد أيضا للفرق بينهما حيث ان العلم يكون في صقع النّفس ولا يموت بواسطة خروج بعض الأطراف عن الابتلاء.

ومع الغمص فيكون قولهم باجتناب ما خرج بعض أطرافه عن الابتلاء اما من باب ان تنجيز العلم من جهة احتمال تطبيق المعلوم على بعض الأطراف وهو باق حتى بعد فقد أحدها ضرورة ان أحد الكأسين إذا أهريق يكون احتمال تطبيق الخبر على الآخر باقيا بعد أو من جهة ما يقال كما هو الحق من ان لنا علما إجماليا مؤرّبا كما حررناه في الأصول.

وحاصله ان لنا العلم بنجاسة الكأس اما الأبيض أو الأسود عرضا ولنا علم أيضا في طول الزمان بأنه اما ان يكون الأبيض في الصبح نجسا أو الأسود في العصر فلو أهريق أحدهما بين الصبح والعصر لا ينحل هذا العلم الإجمالي فيكون القول بالاجتناب عن الطرف الآخر بعد خروج أحد الأطراف عن الابتلاء من باب بقاء العلم فلا يقاس المقام به لأنه بعد الوقت لا يكون لنا علم أصلا.

ومن ما ذكرنا يظهر ان المسألة لا تكون مبتنية على كون القضاء بالأمر الجديد أو بالأمر القديم حتى يقال انه ان كان بالأمر القديم يمكن الاشتغال لكون الشك في سقوط الأمر واما ان كان بالأمر الجديد فحيث يكون الشك في الأمر من جهة صدق الفوت فلا يحكم بالاشتغال كما عن الشيخ الأنصاري قده (١) ففي صورة العلم بمقدار العمر مع الشك في مقدار الفائتة يجب الحكم بالاشتغال مطلقا وفي صورة عدم العلم به فالأصل البراءة مطلقا أي سواء كان القضاء بالأمر الجديد أو بالأمر القديم.

__________________

(١) لا يكون هذا الابتناء في كلام الشيخ قده في الرسائل وله قده تفصيل في كون القضاء بالأمر الجديد أو الأمر القديم ومنه يستفاد انه قده أيضا قائل بأن العلم بالجامع من الأمر أداء وقضاء يكفى فارجع إليه وكلامه في الرسائل الحاضر عندي في ص ٢٢٠ و ٢٢١ ، هذا على ما فهمناه ، وغيرنا لعله يفهم غير هذا.

٣٦١

التنبيه الثاني من تنبيهات البراءة في معنى الاحتياط (١)

وقد تعرض له الشيخ الأعظم والمحقق الخراسانيّ قدهما في الرسائل والكفاية وهكذا غيرهما في انه لا شك في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا بعد الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط خلافا للأخباري ولكن الكلام في أن هذا الأمر الراجح هل يكون مستحبا شرعيا أو حكما عقليا فقط ولم يكن في كلماتهم تنقيح البحث في معنى الاحتياط وان المأمور به في أوامر الاحتياط بقوله عليه‌السلام أخوك دينك فاحتط لدينك أي قسم من اقسامه واللازم علينا بيان الأقسام والاحتمالات في الأوامر ليتضح المرام في المقام.

فنقول مستعينا بالله تعالى للاحتياط معنيان : الأول هو الإتيان بالمحتملات أو ترك ما احتمل حرمته وفعل ما احتمل وجوبه بعنوان نفس العمل المأتي به مثل ترك شرب التتن بعنوان نفسه وفعل الدعاء عند رؤية الهلال أيضا بعنوان أنه دعاء لا بعنوان أنه مشكوك فانه ربما يمكن الاحتياط فيما قامت الأمارة على عدم وجوبه أو عدم حرمته فضلا عما كان عدم القول بالحرمة أو الوجوب من جهة وجود المؤمن أي جريان الأصل فان ما قامت الأمارة على عدم وجوبه لا يكون مشكوك الحكم ومع ذلك يمكن الاحتياط فيه لدرك الواقع لو كان.

والمعنى الثاني هو إتيان الفعل أو الترك بعنوان انه مشكوك الحكم ويظهر هذا المعنى من مطاوي كلمات الشيخ الأنصاري قده ففي صورة الشك في حكم شيء يحدث مصلحة توجب الاحتياط مع عدم هذه المصلحة قبل الشك بالنسبة إلى ذات الفعل أو الترك وكلا المعنيين يشتركان في ان الاحتياط يكون إتيان الفعل أو الترك

__________________

(١) أقول التنبيه الثالث في الكفاية في انه هل يجب في النهي عن شيء ترك افراده المشكوكة أم لا والتنبيه الرابع في حسن الاحتياط ولو كان الأمارة على عدم وجوب شيء أو حرمته ولم يتعرض له لوضوحه فارجع فيهما إلى الكفاية أو غيرها.

٣٦٢

بداعي الأمر الاحتمالي أو النهي كذلك وكذلك في صورة الجمع بين المحتملات.

ثم في أوامر الاحتياط في الروايات احتمالات أربع : الأول ان يكون الأمر بعد عدم الحمل على الوجوب إرشادا إلى المفاسد والمصالح النّفس الأمرية بالنسبة إلى ذات الترك والفعل بمعنى أنه لو صادف يكون موجبا لدرك المصلحة أو ترك المفسدة مثل أوامر الطبيب.

الثاني ان يكون الأمر به من باب انه يكون حسنا في ذاته من دون ملاحظة مصلحة نفس العمل أو مفسدته لأن الاحتياط خصوصا فيما قامت الأمارة أو الأصل على عدم وجوب شيء أو حرمته يكون من العمل برسوم العبودية في أعلى درجته ويكون انقيادا تاما للمولى فان صادف الواقع فهو المطلوب وإلّا يكون الانقياد هو المطلوب المستقل وهذا ما يحكم به العقل فيكون الأمر به إرشادا إلى ما حكم به العقل الصريح ولا يكون مولويا.

الثالث ان يكون الأمر به مولويا نفسيا بأن يكون نفس الجمع بين المحتملات أو ترك محتمل الحرمة وفعل محتمل الوجوب له مصلحة سواء أخذ منه الانقياد أو لم يؤخذ صادف الواقع أو لم يصادف.

الرابع ان يكون الأمر مولويا طريقيا مثل صدق العادل بأن يكون الأمر به من باب انه موصل إلى الواقع فان صادفه فهو المطلوب وان لم يصادف أيضا يكون لازم الاتباع.

فعلى المعنى الأول من معاني الاحتياط وهو كون المصلحة في ذات الفعل أو الترك لا يكون الأمر بالاحتياط نفسيا أو طريقيا مولويّا ضرورة ان الأمر به هنا يكون لدرك المصلحة في ذات الفعل من دون النّظر إلى عنوان كونه مشتبها ويكون الانقياد أيضا موافقا له نظير الأمر في قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فان الأمر بالإطاعة لا يكون مولويّا بل إرشاديا إلى حكم العقل ولا يمكن ان يكون حسن الإطاعة في نفسه بل لمصلحة فيما يطاع فالامر بالاحتياط لمصلحة في المأمور به الاحتمالي وحسن الانقياد يكون من باب درك تلك المصلحة.

٣٦٣

فيمكن ان يكون الأمر بالاحتياط نظير أوامر الطبيب فان الشارع في مقام الشارعية لا يكون شأنه الإرشاد إلى ما يحكم به العقل من الانقياد وحيث يكون المولوية أيضا بكلا معنييها غير متصورة فيكون كأوامر الطبيب.

واما الاحتياط بالمعنى الثاني وهو كونه مأمورا به لكون الفعل معنونا بعنوان كونه مشتبها فهو يكون قابلا للمعاني الأربعة في الأمر فحيث يمكن ان يكون في نفس عنوان المشتبه مصلحة توجب الاحتياط فيكون الأمر به نفسيا ويمكن ان يكون للمصلحة في الفعل فيكون الأمر به طريقيا مولويّا وحيث يكون للعقل الحكم أيضا بحسن الاحتياط من باب الانقياد يمكن ان يكون إرشادا إليه وهكذا من باب كونه من قبيل أوامر الطبيب للإرشاد إلى المصالح والمفاسد النّفس الأمرية.

لا يقال كيف يمكن ان يكون فعل واحد محكما بحكمين فان هذا الفعل بعنوان كونه مشتبها يكون واجب الإتيان أو واجب الترك وبعنوان كون نفسه أيضا في الواقع له حكم اما الحرمة واقعا أو الوجوب واقعا يتحقق له الحكم فلو كان حكمه موافقا للحكم الاحتياطي يكون من اجتماع المثلين ولو كان مخالفا يكون من اجتماع الضدين وكلاهما محال.

لأنا نقول هذا عين شبهة ابن قبة في باب التعبد بالظن واجتماع الحكم الظاهري والواقعي وجوابه يعلم مما مر في محله فان للموضوع مراتب ، مرتبة ذاته ويكون لها حكم ومرتبة كونها مشكوكا في طول الذات ويكون لها حكم آخر فاختلاف المراتب سبب لاختلاف الأحكام ولا إشكال فيه أصلا فلا يكون من اجتماع الحكمين في موضوع واحد هذا كله في الاحتمالات الثبوتية بالنسبة إلى معنى الاحتياط والأمر الوارد في الروايات.

واما في مقام الاستظهار والإثبات فالروايات يكون على ثلاث طوائف الطائفة الأولى ما يكون فيه الأمر بالاحتياط نفسه فيكون الموضوع فيه هو الاحتياط مثل قوله عليه‌السلام أخوك دينك فاحتط لدينك فالامر يكون بنفس الاحتياط والظاهر منه أنه حيث يكون الاحتياط موافقا لرسم العبودية والانقياد لأمر المولى يكون مأمورا به

٣٦٤

فيكون إرشادا إلى حكم العقل على معنى كون الاحتياط هو ترك محتمل الحرمة وفعل محتمل الوجوب واما على فرض كونه بمعنى ترك المشتبه بعنوان انه مشتبه يكون الأمر به مولويا نفسيا أو طريقيا لكون الملاك عند صاحب الشرع ولا يكون للعقل سبيل إليه.

الطائفة الثانية ما لا يكون فيه الأمر بالاحتياط بل يكون الأمر بالتوقف عند الشبهة مثل قوله عليه‌السلام قفوا عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة وفي هذا القسم قال شيخنا العراقي قده الظاهر منها أن المشتبه بعنوان كونه مشتبها يكون مصب الحكم وقد مر الكلام فيه من حيث انه يمكن أن يكون فيه الاحتمالات الأربع والتعليل في الذيل يكون شاهدا على انه يكون إرشادا إلى المصالح والمفاسد النّفس الأمرية بنحو أوامر الأطباء فانه يكون التحذير عن الوقوع في المهالك من باب ترك المأمور به في الواقع أو فعل المنهي عنه كذلك والابتلاء بترك المصلحة أو فعل المفسدة.

والطائفة الثالثة ما في الرسائل وهي ما دل بقوله أورع الناس من وقف عند الشبهة وقوله لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له اترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها.

والموضوع في هذه يكون عند شيخنا العراقي قده ظاهرا في كونه هو المشتبه بعنوان انه مشتبه ولا يكون لها الذيل ليقال انه إرشاد إلى المصالح والمفاسد ووجه قده بأن الظاهر هو الاستحباب الطريقي أو الموضوع لعدم درك العقل مصلحة الاحتياط في المشتبه بعنوان أنه مشتبه وبهذا الملاك لا يكون الإرشاد إلى المصالح والمفاسد وإلى ما حكم به العقل من حسن الاحتياط لأنه لا يكون من هذا الباب بعد عدم درك العقل مصلحة الاحتياط كذلك هذا.

وأقول ان ما فهمناه من جميع الطوائف هو ما حكم به العقل من حسن الاحتياط من جهة انه انقياد والتزام برسوم العبودية واختلاف المضامين في الروايات يكون

٣٦٥

لاختلاف الآثار المترتبة عليه فيكون ما دل على الأمر بالاحتياط بقوله عليه‌السلام فاحتط من باب أنه حسن لأنه يكون انقيادا فيكون الأمر إرشادا كما في قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فكما يكون امره إرشادا محضا ولا يكون مولويّا لأن الأمر بالإطاعة متوقف على حسنها وحسنها متوقف على الأمر بها وهذا دور محال فكذلك المقام ولا ملازمة بين حكم العقل والشرع بأن يقال كلما حكم به العقل حكم به الشرع لأن الملازمة يكون تماما في صورة العلم بالمصلحة في سلسلة علل الأحكام واما الحسن المتأخر عن الحكم فلا يكون علة للحكم وحسن الاحتياط يكون متأخرا عن مصلحة الواقع ولا غرو في ان يكون له حسن نفسي لأنه حمى النّفس فان من يحتاط في المشتبهات يكون لنفس ذلك الشخص أدب بالنسبة إلى المحرمات الصريحة فلا تقع فيها.

وهذا أيضا يستفاد من الروايات كما مر ويكون من لوازم ما حكم العقل بحسنه ويلزمه أيضا درك المصالح وترك المفاسد في المأمور به الاحتمالي والمنهي عنه كذلك وهذا سر قوله عليه‌السلام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

والحاصل الانقياد الّذي حكم بحسنه العقل يكون الروايات أيضا إرشادا إليه واختلاف التعبير يكون لاختلاف اللوازم هذا كله في الاحتياط في التوصليات فانه سواء كان بين محتمل الوجوب وغيره أو محتمل الحرمة وغيرها من الاستحباب والكراهة والإباحة يتصور فيه الاحتياط.

في معنى الاحتياط في العبادات

ولا يخفى أن الإشكال في العبادات يكون من جهة ان قصد الأمر الجزمي دخيل في عباديتها وبدونه لا يكون للعبادية قوام كما حرر في محله وأنه الفارق بين التوصلي والتعبدي وعليه فلا إشكال في صورة دوران الأمر بين الوجوب والاستحباب لأن الأمر الجزمي المولوي يكون في البين ويمكن الإتيان بداعيه وكون أحدهما فيه المنع من الترك لا يضر بأصل الأمر فيبقى الكلام فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والإباحة والكراهة

٣٦٦

فعن الشيخ الأنصاري قده (١) في الرسائل ان الأقوى في بدو النّظر هو عدم تصوير الاحتياط فيها وان رجع عنه في أواسط كلامه وقوى ذلك بقوله وجهان أقواهما العدم لأن مقوم العبادية هو قصد الأمر الجزمي ولا يتصور الأمر الجزمي بالنسبة إلى ما احتمل كونه مكروها أو مباحا ولكن في رسالته العملية قال الاحتياط كذلك يكون من دأب الصلحاء ولا يرد عليه قده ما قيل بأن من احتمل عدم كفاية غسل الجمعة لإتيان ما اشترط الطهارة فيه مثل الصلاة لا يجب عليه إبطاله ثم الوضوء حتى يكون قصده الأمر الوضوئي بالجزم بل يكفي ولو مع عدم الابطال واحتمال الأمر فكما أن احتماله هناك كاف كذلك في كل ما احتمل الأمر فيه.

لأن الكلام يكون في دوران الأمر بين الوجوب والإباحة والكراهة لا في دوران الأمر بين الواجب والمستحب فان الوضوء بعد الغسل اما ان يكون واجبا أو يكون مستحبا من باب أنه نور على نور وقد مر أن الأمر الجزمي يكون في الدوران كذلك وقد صرح قده بذلك في صدر المطلب.

ثم اعترض على الشيخ قده شيخنا الأستاذ النائيني (٢) بوجه يوهم خلاف الأدب وقال بعض مقرريه ان الإشكال في الاحتياط في العبادات سخيف جدا وحاصل اشكاله قده ان الامتثال له مراتب أربعة الامتثال القطعي التفصيلي والامتثال القطعي الإجمالي والظني والاحتمالي والقطعي التفصيلي من الجميع يكون مقدما على جميع المراتب وحيث يمكن الإتيان به لا تصل النوبة إلى الإجمالي والظني والاحتمالي والإجمالي أيضا بعد عدم إمكان التفصيلي مقدم على الأخيرين لحصول العلم بالامتثال في الأولين وعدم حصوله في الثانيين.

وعليه فإذا أمكن التفصيلي لا يجوز الاحتياط بالجمع بين الأطراف أو غير ذلك

__________________

(١) في الرسائل في ص ٢١٥ في تنبيهات المطلب الثاني منه في حكم دوران الأمر بين الوجوب وغير الحرمة.

(٢) في الفوائد ص ٩٢.

٣٦٧

فان قصد الأمر الجزمي إذا أمكن يكون هو المتيقن ومعه يعد الامتثال الإجمالي لعبا بأمر المولى وبعبارة أخرى يجب ان يكون العبد منبعثا عن حاق امر المولى ليحقق العبودية والاحتمال لا يكون فيه البعث والانبعاث عن حاق الأمر ولا يكون محركا وفي صورة عدم إمكان التفصيلي يكون له نحو بعث (١) لا بد منه لعدم إمكان غيره.

والجواب عنه إنكار المبنى أولا لأنا لا نحتاج إلى الامتثال التفصيلي لأن الإجمالي أيضا يعد في نظر العرف امتثالا بل ربما يكون أو في ترسم العبودية وقال سيدنا الأصفهاني قده انه أحسن من الامتثال التفصيلي فان من يكون الأمر الاحتمالي محركا له يكون تحريكه من لأمر الجزمي أشد وأقوى ولا عكس.

وثانيا ما ذكره قده يكون من الخروج عن مورد البحث لأن البحث يكون في حسن الاحتياط ولو في مورد يكون الدليل على عدم الأمر موجودا مثل صورة قيام الأمارة على عدم الوجوب ومعه أيضا يمكن الاحتياط بإتيان العمل رجاء لدرك الواقع وليس الأمر هنا متصورا الا من حيث الاحتمال.

وثالثا ان المحرك نحو العمل يكون هو الواقع ورجاء وجوده ويكون الأمر الجزمي أو الاحتمالي كاشفا عنه ولا يكون لهما موضوعية.

وقد اعترض الخراسانيّ قده في كتاب حاشية الرسائل في ص ١٢٧ بأن الإشكال في عبادية العبادات من جهة عدم الأمر الجزمي يكون على فرض كون قصد الأمر دخيلا فيها شطرا أو شرطا واما على تقدير عدم اعتبارها فيها كذلك بل كانت من الوجوه والكيفيات المعتبرة في إطاعة امرها كما هو الحق حسب ما حققناه في محله فلا للتمكن من إتيان ما احتمل كونه مأمورا به بداعي احتمال الأمر كما في غيرها.

غاية لأمر لما كان على تقدير الأمر به عبادة لا بد أن يكون إتيانه بداعي احتماله لا بداع نفساني آخر ولا يعتبر في القربة أزيد من أن يكون الداعي إلى الإتيان هو امتثال

__________________

(١) ان لم يكن للاحتمال بعث واقعا فلا فرق بين الصورتين وان كان له بعث فلا فرق أيضا.

٣٦٨

امره على تقديره.

والحاصل انه قده يقول حيث أن قصد الأمر لا يمكن أخذه في الخطاب للزوم الدور لو كان كذلك ضرورة ان الأمر بالإتيان بداعي أنه مأمور به متوقف على الأمر به أولا والأمر به كذلك متوقف على أنه مأمور به بهذا الأمر فلا يمكن أخذه في الخطاب فلا يكون الأمر الشرعي على وجوب كون قصد الأمر في العبادة بل بعد الأمر بالصلاة مثلا ينتزع العقل منه وجوب كون الامتثال بداعي هذا الأمر لأنها عبادة ولا تتحقق العبادية الا بالامتثال كذلك فإتيان العمل بداعي الأمر على فرض كون الأمر به في الواقع كاف فالاحتياط في العبادات لا إشكال فيه أصلا.

مضافا بأنه حيث يكون سيرة الصلحاء على الاحتياط في العبادات أيضا فيكشف بها عدم دخالة الأمر الجزمي لوجود السيرة في الاحتمالي أيضا.

والجواب عنه قده ان ضيق الخناق وان كان مانعا أن يكون قصد التقرب متعلقا لنفس الأمر بالصلاة مثلا ولكن حيث يمكن الإطلاق الذاتي بأن يتصور الأمر اجزاء المأمور به مع الأمر الّذي يتوجه إليه ويأمر به غاية الأمر يحتاج الكشف عن هذا إلى امر آخر ودال آخر فيمكن أن يكون قصد الأمر دخيلا بنحو الجزئية ولكن يكشف عنه بتعدد الأمر بأن يقال أولا صلّ ثم يقال صلّ هذه الصلاة المأمورة بها بقصد امرها هذا على مسلك شيخنا النائيني قده.

واما مسلكنا في ذلك فهو أن الأمر الواحد بالانحلال على الاجزاء الطولية والعرضية يمكن أن يؤخذ فيه قصد الأمر بأن ينحل امر الصلاة على الاجزاء وعلى قصد الأمر فبعض العمل صار مأمورا به بواسطة الانحلال فيمكن أن يقال بوجوب إتيان ما صار مأمورا به بواسطة الانحلال فيمكن أن يقال بوجوب إتيان ما صار مأمورا به كذلك بقصد هذا الأمر الانحلالي الّذي يكون بعضه على قصد الأمر أيضا وشرحه في محله فيكون قصد الأمر دخيلا شرعا ولكن لا نحتاج إلى الجزم بل الاحتمال كاف في ذلك وهذا هو الوجه الثاني من كلام الشيخ قده حيث أنه يقول بأن قصد الأمر

٣٦٩

ولو كان دخيلا ولكن يكفي احتماله وهو المحرك فالعلم بوجود الأمر غير لازم فان الاحتمال أيضا كاف.

والوجه الثالث لكلامه قده هو أنه يقول على فرض وجوب الأمر الجزمي لنا أن نحقق الأمر الجزمي أيضا في موارد الاحتياط وحاصل تقريبه قده ان الأمر بالاحتياط يكون امرا جزميا ينحل على جميع المحتملات فالعمل الّذي يراد إتيانه انحل عليه امر فاحتط ويكون معنى الاحتياط هو الأمر بإتيان هذا العمل ويكفي هذا النحو من الأمر الجزمي في أن يكون هذا العمل مأمورا به.

مثل نذر العبادة فان امر الوفاء بالنذر ينحل فان كان المنذور هو الأمر العبادي يكون امر وجوب الوفاء عليه عباديا وان كان توصليا يكون امره توصليا ومثل من يقول بأن قصد التقرب لا يكون جزء العبادة بل من كيفية الامتثال فان الأمر في الصلاة لا يكون إلّا على الاجزاء من الركوع والسجود وغيره وقصد الأمر يكون من المنتزعات العقلية كما مر عن الخراسانيّ قده آنفا فليكن الأمر في المقام أيضا كذلك.

والجواب عن هذا التقريب هو أن المراد من قصد الأمر في العبادة قصد الأمر المتوجه إليها بنفسها لا الأمر المتوجه إلى الاحتياط مع أنه (١) دور لأن الأمر الاحتياطي يكون على فرض وجود الواقع فساد أم لم يتحقق الأمر بشيء لا يكون وسيلة التحريك موجودا والأمر الاحتياطي يكون بعد هذا الأمر ولا يمكن أن يكون امر الاحتياط بدون هذا الأمر فصحة الأمر بالاحتياط تتوقف على كونه مأمورا به وكونه مأمورا متوقف على الأمر الاحتياطي.

والجواب عن التمثيل بمقالة الخراسانيّ قده مر جوابه من أن قصد الأمر شرط أو شطر بتعدد الأمر كما عن النائيني أو بإنشاءين في النّفس مع كون المبرز واحدا فالحق هو التمسك بالمسلك الثاني للشيخ قده وهو كفاية الأمر الاحتمالي في صحة الاحتياط في العبادات ولا نحتاج إلى الأمر الجزمي ولا نقول بعدم جريان الاحتياط

__________________

(١) تعرض الخراسانيّ قده في الكفاية لهذا الجواب عند هذا البحث.

٣٧٠

فيها والجزم بالأمر لا يكون إلّا صورة ذهنية ولا يكون دخيلا في التحريك بل المحرك هو الواقع واحتماله أيضا يكون كافيا في المحركية.

فصل في اخبار من بلغ

ثم انه ربما يتمسك لتصحيح استحباب الاحتياط في الأعمال بالأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام وحاصله ان من بلغه ثواب على عمل فعمل ذلك العمل يكون له الأجر كما بلغه وان لم يكن الأمر في الواقع كذلك فان صرف احتمال الثواب بواسطة بلوغ الخبر يكفي لإعطاء الله تعالى ثوابه وإذا كان كذلك فكل مورد يكون احتمال الثواب يكون الأجر موجودا فموارد الاحتياط يكون إتيان العمل فيه مأجورا عليه.

ولا يقال ان مفاد الاخبار هو أن من بلغه ثواب على عمل ولو بخبر ضعيف وموارد الاحتياط لا يكون بلوغ الخبر ولو كان ضعيفا فكيف يقاس بما إذا بلغ.

لأنا نقول موارد الاحتياط أيضا يكون فيه احتمال الثواب على بعض الفروض فيكون مستحبا ولتوضيح المقام والبحث فيما ذكر صحة وسقما ينبغي ملاحظة الروايات ثم البحث في المحتملات التي تكون فيها حتى يظهر الحق فنقول انها كثيرة (١).

فعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به (فعمله) كان له أجر ذلك وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله (خ ل ـ وان لم يكن على ما بلغه) وعن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله وهكذا غير ما ذكر من الاخبار بحسب المضمون فراجع إليه.

__________________

(١) وقد وردت في باب ١٨ من أبواب مقدمة العبادات في الوسائل ج ١ باب استحباب العمل بكل عمل مشروع روى له ثواب منهم عليهم‌السلام.

٣٧١

واما المحتملات فيها (١) فهي أربعة الأول أن يكون المستفاد منها حكما فقهيا

__________________

(١) أقول لا يكون مفاد هذه الاخبار الا الاخبار عن فضل الله تبارك وتعالى بالنسبة إلى كل ما وعد من نعيم الجنة سواء كان ذلك من جهة كونه ثواب عمل واجب أو مستحب فان المنساق منها هو ان كل عمل يفعله العبد لا يكون بدون الأجر ويكون ورود هذه الاخبار ليكون قلب المؤمن مطمئنا بما يفعله فان الخبر الّذي قد تم شرائط حجيته أيضا حيث يحتمل أن لا يكون مطابقا للواقع سواء كان في واجب أو مستحب فيحصل في نفس العبد منه تشويش ووسوسة فيكون هذا في صدد بيان رفع الشك عن النّفس والاطمئنان بفضل الله.

والشاهد عليه ما ذكر في الوسائل في باب ١٨ من مقدمة العبادات في سياق هذه الاخبار ح ٢ ولم يتعرض له القوم عن حمدان بن سليمان قال سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام قال من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه.

فهذا الحديث الشريف يفهم منه ما ادعيناه واستظهرناه من تلك الاخبار ولا يكون المستفاد منها حكما فقهيا بأن يقال يستحب عند البلوغ العمل بل يكون المدار على الدليل الدال على كل واقعة فان كان المستفاد منه الاستحباب فهو وان كان الوجوب فهو أيضا.

ولا يكون بصدد بيان الحكم للوقعة عموما ولا يكون في صدد إلقاء شرائط الحجية أيضا في المستحبات ضرورة ان بلوغ الثواب لا يكون في خصوص المستحب فقط.

والحاصل يكون مفادها ان ما بلغ بأبزار البلوغ غير الوجدان من خبر الثقة أو العادل لا يكون الثواب متفرعا على إصابة الواقع وهذا الاخبار عن فعل الله تعالى يكون للترغيب في الخيرات واجبا أو مستحبا غاية الأمر في المستحبات يكون منشأ الفضل حكم العقل بحسن الانقياد وفي الواجبات يكون حكم العقل بوجوب الإطاعة لأن الأمر المولوي الطريقي بتصديق العادل في الواجبات يكون واجب الإطاعة وكذلك ـ

٣٧٢

وهو استحباب العمل بكل ما بلغ بالنسبة إليه الثواب وان لم يكن صادرا في الواقع عنهم عليهم‌السلام فكما انه يمكن ان يقال عنوان كون الشيء مشتبها يحدث مصلحة توجب القول باستحباب الاحتياط نفسيا كذلك بلوغ خبر يوجب استحباب ذلك العمل لمصلحة فيه بعد فرض كون الاخبار في الروايات بمعنى الإنشاء وعدم الإشكال في ذلك من جهة أخرى.

فان شيخنا العراقي قده يقول في المقام بإشكال آخر مع قطع النّظر عن إشكال كون الاخبار بمعنى الإنشاء فانه لو دفعناه بأنه اخبار عن وجود المقتضى لوجود المقتضى كما في يعيد الصلاة لا يكون المقام اخبارا عن فعل العبد حتى يقال انه اخبار بمعنى الإنشاء بل يكون اخبارا عن فعل الله تعالى وهو إعطاء الثواب وهذا النحو من الاخبار لا يتصور أن يكون إنشاء في حقه تعالى فعلى فرض عدم إشكال من هذه الجهة يكون معنى الروايات مثل ما ورد من أنه من سرّح لحيته يكون له كذا وكذا فأفادت الاستحباب وبإطلاقها تشمل صورة كون البلوغ بخبر ضعيف أيضا وفيه ان هذا الوجه وان كان وجيها في نفسه لكنه يكون خلاف سياق الروايات

__________________

ـ الأمر النفسيّ الّذي يكون أبزار حجيته تماما وحكم العقل بحسن الانقياد أو الإطاعة يكون الإرشاد إليه من جهة ما ورد من قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وغيره.

فالمقام لا يكون من الإرشاد المحض بل لو لا الاخبار عن إعطاء الله ثواب العمل ما كان للعقل طريق إلى هذا النحو من الثواب فيكون هذا اخبارا عن واقعية في العالم الربوبي ولا يكون المستفاد منه ما ذكروه.

والعجب مما قيل سيما بالنسبة إلى الحكم الفقهي أو الطريقي في المقام فانا لو خلينا وطبعنا لا يكون المستفاد الا ما ذكرناه والإجماع على شيء عندهم لا يكون سنده الا الاستظهار من الروايات فليس سندا.

ومما ذكرنا ظهر أيضا انه لا يمكن استفادة الانقياد من إطاعة الأوامر الغير الثابتة فلو كان في بعض الصور صادقا مثل صورة عدم احتمال كونه بدعة في الدين فيكون الأوامر إرشادا من هذه الجهة لا من جهة تعيين الثواب.

٣٧٣

فان المنساق منها ان الثواب يكون على نفس العمل لا وجود مصلحة نفسية في البلوغ يقتضى ذلك.

الاحتمال الثاني هو كون المسألة أصولية وبيانه ان يقال انها تكون في مقام بيان حكم طريقي وهو حجية الاخبار الضعاف في باب السنن فيكون المفاد إلقاء شرائط حجية الاخبار الآحاد من الوثوق النوعيّ في الاخبار الضعاف كما عن الشيخ قده في رسالته المستقلة في بيان تسامح دليل السنن فيكون على هذا سندا للتسامح في أدلة السنن فيكون الحكم طريقيا مولويا.

وفيه ان الإتيان برجاء الواقع يكون مانعا عن هذا الوجه لأنه يكون لمصلحة في ذات العمل وبرجائها يعمل العبد لا أن يكون المراد إعمال المولوية بالنسبة إلى الاخبار الضعاف هذا أولا وثانيا ان هذا مخصوص بصورة بلوغ الخبر ولو ضعيفا واما موارد الاحتياط فلا يكون من بلوغ الخبر في شيء حتى يقال أن الاحتياط مستحب بهذا الدليل لأن الحكم يكون في ظرف وجود الموضوع وهو في موارد الاحتياط غير محقق.

ثم انه على فرض تمامية هذا النحو من الاحتمال في الاخبار يحصل المعارضة بينها وبين ما دل على حجية الخبر الواحد بالشرائط المقررة في بابه والنسبة بينهما العموم من وجه في غير مورد (١) البلوغ لأن أدلة الشروط عامة من جهة كون المخبر به ثوابا أو غيره وهي عامة من جهة كون المخبر عادلا أم لا في مورد كون الخبر في مورد بيان ثواب ما ومورد الاجتماع صورة كون المخبر به ثوابا مع كون الراوي ضعيفا فيتعارضان.

فقال الشيخ الأنصاري قده بتقدم هذه الروايات ليكون دليلا على التسامح في أدلة السنن بتقريب ان يقال ان السند للشروط في الخبر الواحد اما يكون الإجماع

__________________

(١) الظاهر هو العموم من وجه في مورد البلوغ واما غيره فيكون خارجا عن الكلام وان قال مد ظله في الدرس في مورده تكون النسبة عموما مطلقا.

٣٧٤

أو الآية وكلاهما يختصان بصورة كون الخبر في واجب أو محرم دون ما كان مستحبا والشاهد عليه ما ذكر في ذيل آية النبأ من قوله تعالى أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.

فالسر في الشرائط هو عدم حصول الندم ومعلوم أنه لا يحصل الندم بفعل ما يكون فيه الثواب على فرض مخالفة الواقع أيضا فتكون الحكومة مع هذه الروايات في مورد بلوغ الخبر في الثواب واما في غير مورد البلوغ فلا حكومة فما عن الشيخ يكون صحيحا من وجه غير صحيح من وجه آخر.

اما الصحة من وجه فهو أنه على فرض اختصاص دليل الشرائط بالواجب والحرام يكون الحكومة في صورة بلوغ الخبر في الثواب لا صورة عدم بلوغه واما عدم الصحة من وجه فيكون من جهة أن دليل حجية خبر الواحد لا يكون هو الإجماع والآية فقط بل بناء العقلاء وهو يكون في الاخبار عن المستحبات أيضا فانهم فيها أيضا بصدد حصول الوثوق فما عن شيخنا النائيني قده من عدم الحكومة مطلقا لا يكون تاما.

الاحتمال الثالث هو ان لا تكون في صدد الحكم النفسيّ ولا الطريقي بل في صدد بيان مسألة كلامية وهو أن الله تعالى يعطى العباد بفضله ورحمته ما بلغ خبر ثوابه إلى العباد فلا يكون سندا للاستحباب ولا لإلقاء الشرائط فالفرق بين الاحتمالين وهذا الاحتمال واضح وهو الحكم بالثواب بعد وجود العمل في الخارج في الأخير والحكم للعمل قبل وجوده في الأولين ضرورة أن الاستحباب حكم للعمل الّذي لم يقع بعد فيقع مبتنيا عليه.

وفيه ان هذا خلاف سياق الروايات لأن سياقها هو التحريض على العمل لا الاخبار عن الفضل والرحمة فقط.

والاحتمال الرابع هو أن يكون في صدد بيان حكم الانقياد الّذي يكون العقل حاكما به فان انقياد العبد يكون مما حكم العقل بحسنه والشرع أيضا يكون حاكما بحسنه وأن الثواب يكون متحققا كما حكم به العقل وهذا على فرض عمومية حكم

٣٧٥

العقل بالنسبة إلى ما يسمى انقيادا وإطاعة واما على فرض اختصاصه حكمه بصورة الإطاعة أي كون الثواب على الإطاعة فلا يكون إرشادا وهذا الوجه خال عن الإشكال

وينبغي التنبيه على أمور في اخبار من بلغ

وهذه الأمور يكون الإشارة إليها على مسلك القوم في الاخبار واما على ما اخترناه فلا يكون فيها كثير فائدة.

الأمر الأول على فرض كون المستفاد منها الحكم الفقهي فحيث يكون موضوعه هو البلوغ ولا يكون مصلحة الا بالبلوغ لا يجوز للمجتهد الفتوى بالاستحباب لمقلديه لأن الخبر إذا بلغ المجتهد يحدث المصلحة بالنسبة إليه ولا يكون بالنسبة إلى المقلد الّذي لم يبلغه الخبر نعم يمكن أن يجعل المجتهد مقلده ممن بلغ إليه الخبر بنقل الخبر له ثم الفتوى على طبقه ونيابة المجتهد عن المقلد لا تجيء هنا لأنه نائب عنه فيما ورد لا فيما بلغ.

وهذا هو ما عن شيخنا العراقي قده وحاصله مع عدم البلوغ لا يكون الموضوع للاستحباب متحققا.

وفيه ان المقام يكون مثل مورد البراءة فانه كما يكون المخاطبون كلهم مشمولا للخطاب من المجتهد والمقلد ويكون المجتهد نائبا عن المقلد في الاستنباط ويفتى بالبراءة مع ان المقلد لا يكون شاكا بالفعل بل غير ملتفت إلى الحكم أصلا حتى يشك فيه في الغالب ويقولون بصحة الإفتاء كذلك في المقام مع عدم كون البلوغ فعليا بالنسبة إلى المقلد يكفى فعليته بالنسبة إلى المجتهد ويكون نائبا عن المقلد في ذلك هذا في الشبهات الحكمية وفي الشبهات الموضوعية أيضا يكون الاستصحاب مثلا وهو أحد من الأصول فقها محضا وينوب المجتهد عن المقلد في بيان الحكم والمقام أيضا فقه يكون المجتهد نائبا عن المقلدين فيه.

الأمر الثاني وهو على فرض كون المستفاد من الروايات مسألة أصولية قالوا بأن للمجتهد سعة في الإفتاء بمفاد ما بلغ لأنه على هذا الفرض يكون مفاد الأحاديث

٣٧٦

ألق اعتبار الشروط في حجية الخبر الواحد كما يكون مفاد أدلة حجية الخبر الواحد إلقاء احتمال الخلاف والسر فيه ان المسألة الأصولية لا يكون للمقلدين وسع الاستنباط فيها وفهم أحكامها والمقام يكون كذلك فان المجتهد يجد خطاب من بلغ ويكون الإفتاء على طبقه مختصا به بنحو المسألة الأصولية فيما إذا كان المقلد ممن له يد في العلم ويكون في وسعه التطبيق بالنسبة إلى المسائل الفقهية أو الإفتاء بمفاده الفقهي فالإفتاء بالكبرى والصغرى يكون له وهو في فسحة من ذلك.

وفيه ان الخطابات طرا بالنسبة إلى المسائل الأصولية كخطابات الاستصحاب والبراءة وبالنسبة إلى المسائل الفقهية يشترك فيها العالم والجاهل والمجتهد والمقلد لكن المقلد إذا لم يكن له شأن فهم الأحكام يكون المجتهد نائبا عنه في كل ما هو وظيفة ولا يكون الاختصاص في الخطاب بالمسائل الفقهية بالنسبة إلى المكلفين كما هو واضح.

فلا فرق بين كون مفاد أحاديث من بلغ مسألة أصولية أو فقهية ولا يكون الفسحة في إحداهما دون الأخرى.

ثم ان شيخنا النائيني قده جعل المقام كالواسطة بين المسألتين فقال انه يكون مثل مسألة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده التي تكون كبرى كلية تنطبق على الصغريات ولا تكون فقهية محضة.

وفيه ما مر من ان القاعدة فقه محض والمقام على ما هو التحقيق ليس فقها ولا أصولا بل ما هو المستفاد هو الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد وعليه فحكم المجتهد بالإرشاد لا إشكال فيه فيفتي بمفاد الاخبار إرشادا.

الأمر الثالث انه على فرض كون المستفاد من الاخبار هو المسألة الأصولية فهل يمكن جبر الخبر الضعيف الّذي ورد في ثواب عمل واجب من جهة إلقاء الشروط لكونه اخبارا بالثواب أم لا؟ فيه خلاف فربما قال بعضهم بأن الخبر الدال على الوجوب يكون الرجحان مستفادا منه غاية الأمر يكون المنع من الترك مما لا دليل عليه لأنه لا يمكن جبره باخبار من بلغ واما أصل الرجحان والاخبار بالثواب فحيث

٣٧٧

يكون يتمسك بها كما يتمسك بها في الخبر الدال على الثواب استحبابا.

وفيه ان الأمر الوجوبيّ لا يكون إلّا إرادة بسيطة ولا يتحصص بالرجحان مع المنع من الترك كما ان الأمر المستحبي أيضا إرادة بسيطة غير مانعة من الترك نعم على مسلك القائل بالتحصص يصح ما قيل ولكنا لا نقول به.

الأمر الرابع في أنه على فرض كون المستفاد منها أيضا مسألة أصولية فهل يكون مختصا بمورده أو يعم صورة كون الاخبار بالعقاب مثل الخبر الضعيف الدال على الكراهة أو الحرمة فيه خلاف أيضا فربما قيل بأن الذوق الفقهي يقتضى التعميم لأنه لا فرق بين العمل بما هو مراد المولى من جهة الانقياد بين كونه لاحتمال الأمر أو لاحتمال النهي مضافا بأن ترك المكروه والحرام أيضا يترتب عليه الثواب فيكون في معنى الاخبار به ولا فرق بين الفعل والترك وبين كون الثواب مذكورا أو غير مذكورا.

وفيه ان الاخبار ظاهرة في العمل الغير الإلزامي الّذي يكون لرجاء الثواب ويكون ظاهرا في الوجود فلا يشمل الترك سواء كان إلزاميا أو غيره.

مضافا بأن التروك لا يترتب عليه الثواب فان الترك يكون زجرا محضا ويكون الثواب لعلو النّفس بالترك فلا يكون الترك منشأ أثر لأنه عدم محض فلا يكون ما ذكر من انه لا فرق بين كون الثواب مذكورا أو غير مذكور عليه فلا ثواب للتروك حتى يقال انه غير مذكور ويشمله الاخبار والمثال للتروك الّذي يترتب عليه الثواب بالصوم والحج أيضا غير تمام لأنهما مركبان من الأفعال الوجودية أيضا.

الأمر الخامس في انه هل يشمل الاخبار على فرض كون المستفاد منها أيضا مسألة أصولية الحكايات والقصص وما ورد في مدح الأئمة عليهم‌السلام أو مصائبهم مثل ما وقع في كربلاء من المصائب أم لا فيه خلاف فعن الشهيدين في الدراية الجزم بجواز النقل بالنسبة إلى الاخبار الضعاف ونسبه إلى علمائنا ويكون نظير الإجماع مع أن مفاد هذه الاخبار ليس حكما شرعيا.

ولكن يكون موضوعا لما هو مستحب فان البكاء على السيد المظلوم حسين

٣٧٨

ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام يكون مستحبا ويترتب عليه الثواب كثيرا ويصير هذا النقل سببا لما يكون حكمه الاستحباب ولكن يشكل ذلك ان كان النقل بنحو العلم بالمخبر به واما إذا كان التعبير في نقل المصيبة بعنوان نقل كذا أو كذا ويكون هذا النقل أيضا من باب الرجاء فلا إشكال فيه فما هو المشكل يكون النقل بعنوان الجزم.

لا يقال ان قبح الكذب عقلي فكيف يرفع اليد عنه بصرف الاحتمال لأنا نقول هذا صحيح إذا كان الأثر مترتبا على الواقع واما إذا كان الأثر لرجاء إصابة الواقع فلا يكون كذبا يحكم العقل بقبحه فلو كان كذلك في الواقع أو لم يكن يحصل الثواب بالبكاء.

ثم انه لو كان عنوان من بلغه شيء من الثواب شاملا لفتوى الفقيه البالغ إلى غيره فيمكن ان يقال حيث بلغ إلينا عن الشهيدين (قدهما) جواز النقل كذلك يشمله الأحاديث.

ولكن في الشمول كلام فلو كان النقل عنه بنحو الرواية كفتاوى الصدوق التي تكون غالبا متون الروايات لا إشكال في الاعتماد عليه وشمول روايات من بلغ له واما إذا لم يكن كذلك فلو كان السند للفتوى الرواية فهو أيضا لا إشكال في شموله ولعل وجه القول به هو هذه الصورة واما إذا لم يكن مستندا إلى الرواية فلا دليل لنا على شمول الأحاديث لها لعدم سندية لقول الفقيه وحده.

الأمر السادس في انه هل يثبت بواسطة شمول اخبار من بلغ لشيء يكون جزءا أو شرطا الاستحباب أو الوجوب الشرطي والجزئي أو أصل الوجوب والاستحباب فيه وجهان اختار شيخنا العراقي قده الأول ولكن الحق عدم ثبوت الأزيد من الاستحباب إذا كان المستفاد من الأحاديث حكما فقهيا وان كان حكما أصوليا فحيث ان السند يكون كالموثق والمفاد يكون مثل مفاد الخبر الموثق فيكون المستفاد هو الجزئية أو الشرطية حسب دلالة الدليل.

واما على فرض المسألة الفقهية فحيث يكون المصلحة في أصل البلوغ من دون النّظر إلى المفاد فإثبات الجزئية أو الشرطية يحتاج إلى مئونة زائدة وهي غير ثابتة.

٣٧٩

وتظهر الثمرة في بعض الموارد مثل أن غسل مسترسل اللحية مستحب فلو كان هذا الاستحباب بنحو يكون غسله جزء الوضوء فيمكن أخذ الماء منه إذا جف البلل في اليد لمسح الأعضاء واما إذا كان مستحبا فقط فلا يكون هذا الماء من الوضوء ليمكن المسح به وعلى فرض كون المستفاد من الاخبار الإرشاد المحض فلا ثمرة كذلك أيضا إذ لا يستفاد الجزئية للوضوء عليه بل غسله رجاء مثاب عليه.

الأمر السابع في أنه إذا عارض الخبر الّذي ثبت استحباب العمل به بمفاد اخبار من بلغ خبر آخر ضعيف فتارة تكون النسبة العموم والخصوص المطلق وتارة التباين فإذا كان المثبت هو العام والنافي للاستحباب هو الخاصّ فالعام يكون بحاله لأن الّذي يكون فيه الدلالة على الثواب يكون مشمولا لاخبار من بلغ واما النافي لذلك فلا يكون مشمولا له لأنه ليس اخبارا بالثواب والفرض أن المصلحة تحدث بواسطة بلوغ الثواب وقد بلغ بخبر ضعيف ولا وجه للاستناد بالخبر النافي.

لا يقال ان العام بعد المعارضة مع الخاصّ يصير مجملا لأنه لا يعلم ان بلوغ الثواب مطلقا موجب للاستحباب أو في صورة عدم المعارضة مع الخاصّ.

لأنا نقول هذا يكون في المخصص المتصل اما المنفصل فلا يكون موجبا للإجمال كما حرر في محله.

واما على القول بتنقيح المناط وان الخبر النافي أيضا يكون مشمولا لاخبار من بلغ من باب انه لا فرق في ذلك من بلوغ الثواب أو بلوغ ترك ما يكون في تركه ثوابا فيتحقق المعارضة بينهما فيجمع بينهما بالتخصيص هذا كله بناء على ان المستفاد من الأدلة هو المسألة الفقهية واما إذا كان المستفاد هو المسألة الأصولية فحيث يحصل الوثوق بالسند فيها فهما كالخبرين المتعارضين في ساير المقامات.

واما إذا كان النسبة بينهما بالتباين فتحصل المعارضة على فرض كون المستفاد هو المسألة الأصولية واما على فرض كونه المسألة الفقهية فلا معارضة لأن الاستحباب يكون لبلوغ الثواب والنفي لا يكون مشمولا للدليل لتحصل المعارضة الا على القول بالعمومية لذلك أيضا من باب تنقيح المناط كما مر فعليه يكون كلاهما اخبارا عن

٣٨٠