مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

وقد أجاب عنه شيخنا العراقي قده حسب مبناه في موارد العلم الإجمالي وهو أن الخارج لا يكون مصب العلم أصلا بل الّذي يكون مصبه هو العنوان الإجمالي والتفصيل يكون في الشك فقط فانه في كل مورد وطرف يكون الشك التفصيلي وهو موضوع الأصل ولا ينافي جريان الأصل في كل طرف مع العلم الإجمالي في البين ويصير خلاف الوجدان فالأصل في المقام يكون جاريا ولا يرد عليه عدم إمكان التعبد.

أقول لا يكون الأصل جاريا في المقام على التحقيق ولا يتم كلام شيخنا العراقي أيضا لأن المردد بما هو مردد لا يكون له تحصل لا في الذهن ولا في الخارج وما لا يكون له تحصل في أي صقع فرض من الوجود أو الماهية كيف يمكن التعبد بالنسبة إليه ولا يكون أركان الاستصحاب من الشك واليقين بالنسبة إلى ما هو مردد موجودا واما قوله قده من أن العلم لا يسرى إلى الخارج فيكون متينا ولكن لا يفيد في المقام ولو سرى يلزم أن يكون العلم بالنسبة إلى كل طرف حاصلا وهو معلوم العدم.

واما جريان الأصل بالعنوان الإجمالي فهو أيضا غير تام بأن يقال يكون في الواقع صلاة واجبة في الظهر في يوم الجمعة وبعد إتيان الظهر أو الجمعة لا أدري أن الواقع حصل أم لا كما أنه يكون محل النزاع بين الاعلام بالنسبة إلى قاعدة الفراغ فانه إذا علم شخص بعد إتيان الصلاة إلى أربع جهات لاشتباه القبلة بطلان إحدى الصلوات فانه ربما يقال بجريان القاعدة بالنسبة إلى ما يكون في الواقع إلى جهة القبلة لأنه لا يدرى أن ما كان بجهة القبلة هل وقع صحيحا أم لا ويكون هذا الشك بعد الفراغ.

ولكن التحقيق عندنا أن قاعدة الفراغ لا تجري بالنسبة إلى ما يكون مجملا بل يلزم إحراز الصلاة التي نريد جريان القاعدة بالنسبة إليها لأن مصب الأثر هو الشخص ولاشتباه القبلة لا يكون الشخص الواقع إلى جهتها محرزا خلافا للخراساني وتبعا لشيخنا العراقي فان الأول يجري الأصل بالنسبة إلى ما هو المجمل في كتاب الرضاع فيقول إذا شك في حصوله نقول الأصل عدم تحقق المحرم في البين وهذا لا يتم كما أنه لا يتم في المقام لأن الأثر على الشخص واستصحاب العنوان لا يثبت الشخص

٥٠١

إلّا بنحو المثبت.

ولا يخفى أن الشك في المقام تارة يكون في مورده الاشتغال كما في المقام لأن الاشتغال اليقينيّ بوجوب الصلاة اما الظهر واما الجمعة يكون لازمه القول بوجوب الفراغ اليقينيّ والحق أن الاستصحاب في المقام يكون على فرض الجريان حاكما على حكم العقل.

ولا يقال انا لا نحتاج إلى الأصل بعد حكم العقل بالاشتغال لأن الدليل الشرعي مقدم على الدليل العقلي كما أنه في كل مورد يكون العقل حاكما بقبح العقاب بلا بيان في البراءة يقال بجريان البراءة الشرعية أيضا برفع ما لا يعلمون وغيره لأن موضوع الأصل يكون منحفظا ففي كل طرف حيث يكون الشك الّذي يكون هو موضوع الأصل متحققا يقال بجريانه وهذا لا ينافي حكم العقل.

وتارة لا يكون في مورده العلم بالاشتغال كما إذا أتى بصلاة الظهر في يوم الجمعة ثم حصل العلم الإجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة فانه لا يكون العلم بالاشتغال حاصلا لأنه على فرض كون الواجب هو الظهر يكون الشبهة بالنسبة إلى وجوب صلاة الجمعة بدوية.

وتوهم (١) جريان الأصل بالنسبة إلى العنوان الإجمالي مندفع بعدم الحالة

__________________

(١) أقول حيث يكون الشبهة حكمية فلازم العلم الإجمالي بعد العلم التفصيلي بوجوب الظهر فقط مثلا بأية حجة كانت من الإجماع أو النص هو العلم باشتباه الأمارة السابقة الدالة على وجوب هذا الخاصّ فإذا حصل العلم بالتكليف على هذا النحو يجب امتثاله على طبق العلم الإجمالي.

والقول بأنه حيث ما انكشف خلاف الدليل السابق تفصيلا يصح ما أتى به مما لا يمكن الاعتماد عليه لأنه على فرض كون الواقع هو المعين وان كان يكفي ولكن على فرض عدم كونه كذلك لا يكاد يكفي فان القصور في الفحص لا يوجب صحة السابق ووجوب العمل على العلم الإجمالي فيما بعده فقط فهنا يجب الإتيان ببقية الأطراف لا من باب الاستصحاب بل من باب اقتضاء العلم الإجمالي.

٥٠٢

السابقة لعدم العلم بطبيعي الوجوب الا بعد الإتيان بالظهر ولا يحصل العلم بوجوب شيء آخر.

هذا كله في استصحاب الموضوع وهو عدم الإتيان واما استصحاب الحكم وهو أنه كان في البين صلاة واجبة اما الظهر واما الجمعة ومع إتيان أحدهما لا يدرى أن الوجوب في البين يكون باقيا أم لا فيستصحب.

وهنا أيضا تارة يكون المراد استصحاب شخص الحكم وهو وجوب الجمعة أو الظهر بخصوصية كونه ظهرا أو جمعة وتارة يكون المراد استصحاب طبيعي الحكم.

اما الأول فلا شبهة في عدم الجريان لأن الوجوب الشخصي بالنسبة إلى كل واحد منهما لا يكون له حالة سابقة لعدم العلم التفصيلي بالوجوب في زمان حتى يمكن استصحابه ويكون الفرد مرددا كما مر في استصحاب الموضوع.

واما على الثاني وهو استصحاب كلي الوجوب ففيه تفصيل ينشأ من اختلاف المسالك في حقيقة الاستصحاب بأنها تنزيل اليقين والجري العملي كما هو الحق أو تنزيل المتيقن منزلة المشكوك أو جعل المماثل كما هو مختار الخراسانيّ في باب الاستصحاب وعليه فيقول بأن استصحاب الكلي يترتب عليه أثر الشخص لأنه يجعل حكما مماثلا للواقع في المشكوك فيكون الحكم المماثل للواقع على الفرد المشكوك وهو الظهر مثلا بعد إتيان الجمعة ولا يكون هو الحكم في الواقع ليتردد امره بين الوجود والعدم ويصير مرددا.

وقد أشكل شيخنا النائيني قده بأن استصحاب الطبيعي لا يثبت الشخص الا على نحو المثبت بأردإ أنحاء الإثبات فان استصحاب طبيعي الوجوب يكون من لوازمه العقلي هو وجوب الظهر مثلا لا اللازم الشرعي.

وقد أجاب عنه شيخنا العراقي بأن اللازم تارة يكون لازم الواقع وتارة يكون لازم ما هو الأعم من الواقع أو الظاهر وفي المقام على فرض القول بجعل الماثل يكون اللازم لازم ما هو في الظاهر يكون حكما لأنه يثبت بالاستصحاب حكم وهو

٥٠٣

الوجوب المماثل للواقع وبعد إثبات هذا الحكم في الظاهر يترتب عليه وجوب الشخص حيث لا يمكن جعل الطبيعة بدون الخصوصية الفردية ولا يمكن أيضا ان يكون في ضمن الفرد المعدوم فيبقى أن يكون في ضمن الفرد الباقي وهذا شأن كل استصحاب فان اللوازم العقلية المترتبة على اللازم الشرعي يكون مترتبا على الأصل وانما الإشكال في ترتب اللوازم العقلية بدون واسطة حكم شرعي وليس المقام على هذا المبنى كذلك واما على مسلكه قده من كون حقيقة الاستصحاب هو الجري العملي على طبق الواقع فيقول لا مناص إلّا عن التمسك بالاشتغال لا الاستصحاب لأن استصحاب الواقع وهو الطبيعي يكون وجود الفرد من لوازمه العقلية.

والجواب عنه قده انه على فرض جعل المماثل أيضا حيث يكون استصحاب الطبيعي اثره الاشتغال ووجوب الإتيان بالطرف الآخر من باب المقدمة والاشتغال يكون محرزا بالوجدان لا يجري الأصل لأن ما هو المحرز بالوجدان لا يأتي التعبد فيه فاستصحاب الطبيعي للأثر الّذي هو الاشتغال غير جار كما قال النائيني قده أيضا ويكون من تحصيل الحاصل.

ثم أنه قد يتوهم أن الشيخ الأعظم يقول بعدم جريان الاستصحاب في صورة حكم العقل واستقلاله بالاشتغال ولكنه فاسد لأنه يقول بجريان الاستصحاب لو لا المانع غير الاشتغال (في الرسائل ص ٢٥٢) فانه قد صرح هنا بجريان الأصل مع وجود الاشتغال بقوله ومن هنا ظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين استصحاب عدم فعل الظهر وبقاء وجوبه على من شك في فعله فان الاستصحاب بنفسه مقتض هناك الوجوب والإتيان بالظهر الواجب في الشرع على الوجه الموظف من قصد الوجوب والقربة وغيرهما انتهى.

فلو كان جريان الاستصحاب مختصا بصورة عدم الاشتغال لكان ينبغي هنا أن يقول بعدم جريانه لوجود حكم العقل فالمانع عنده في المقام هو عدم تمامية أركان الأصل أو كونه مثبتا.

فتحصل من جميع ما تقدم عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الوجوبية

٥٠٤

بالنسبة إلى الطرف الآخر اما لأوله إلى الفرد المردد واما لكونه مثبتا سواء كان في مورده الاشتغال أو لم يكن والدليل الوحيد على وجوب الإتيان بجميع الأطراف هو الاشتغال لا غير سواء قلنا بأن العلم الإجمالي علة تامة أو مقتضيا لأنه على فرض الاقتضاء أيضا يكون الأصول متعارضة فيؤثر العلم اثره كما في العلة التامة.

في تنبيهات الأصل في الشبهة الوجوبية

وينبغي التنبيه على أمور كما نبه عليه الشيخ قده :

التنبيه الأول في أنه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة الوجوبية بين كون العلم بالتكليف بين تكليفين مستقلين مثل الظهر والجمعة أو بين ما هو مثل الشروط من التكاليف الغير الاستقلالية فإذا كان اللباس مشكوكا ويدور الأمر بين الصلاة عريانا أو في الثوبين الذين أحدهما نجس أو من غير المأكول يجب التكرار لتحصيل الشرط.

ولا فرق بين كون استفادة الشرطية من الوضع كما في قوله لا صلاة إلّا بطهور الّذي لازمه بطلان الصلاة بدونه أو يكون بلسان التكليف مثل لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه فما نسب إلى القمي قده من الفرق وقوله بوجوب حفظ الشرط في الأول دون الثاني لا وجه له.

وذلك كله لعدم الفرق في تنجيز العلم بين كون التكليف استقلاليا أو مقدميا ولا وجه لقول صاحب السرائر من سقوط الشرطية عند الاشتباه والدليل على مدعاهم اما ان يكون تقدم الامتثال التفصيلي على الامتثال الإجمالي ضرورة أن الصلاة عاريا يكون قصد امرها جزميا واما الصلاة في الثوبين فيكون القصد باحتمال الأمر فيسقط الشرط لذلك.

وهو باطل كبرويا وصغرويا اما الكبرى فلعدم تقديم الامتثال التفصيلي على الإجمالي بل الإجمالي لو لم يكن أقوى لا يضر واما من حيث الصغرى فلان رتبة وجوب قصد الأمر يكون بعد إحراز الشرائط والاجزاء وتابعا لها فإذا كان إحرازها

٥٠٥

واجبا قبله فلا بد من الامتثال بهذا النحو لعدم إمكانه الا كذلك ووجوب الامتثال التفصيلي على فرض وجوبه يكون مختصا بصورة الإمكان.

أو يكون الدليل ما نسب إلى القمي قده من أنه حيث تكون الخصوصية مجهولة يكون التكليف غير مقدور والقدرة شرط التكليف فإذا لم تكن لا يكون التكليف أيضا.

وهذا مع علو شأن القائل عنه لا يوجب الفرق بين الاستقلالي والمقدمي ضرورة أن العلم بالخصوصية شرط التنجيز لا شرط التكليف كما في التكاليف الاستقلالية فمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف هو الإتيان بجميع الأطراف ولا تكون الخصوصية دخيلة في الامتثال.

نعم لو استفدنا من دليل الشرط أن شرطيته تكون في صورة العلم التفصيلي فالشرط ساقط من جهة الدليل على عدم شرطيته لا من جهة ما ذكر من عدم إمكان الامتثال التفصيلي فتحصل أنه لا فرق بين التكاليف الاستقلالية والمقدمية في وجوب الامتثال على طبق العلم الإجمالي.

الأمر الثاني يظهر من الشيخ قده الفرق بين ما يكون مشتبها بالشبهة البدوية وما يكون مقرونا بالعلم الإجمالي في كيفية النية وقصد الامتثال فإذا كان عمل محتمل الوجوب باحتمال بدوي يكون قصد الأمر الاحتمالي كافيا في العبادة.

واما إذا كان مقرونا بالعلم الإجمالي كما إذا احتمل اما وجوب الظهر أو العصر فقال قده يجب النية بامتثال الأمر الواقعي المحرز في البين فيجب أن يكون حين العمل وإتيان أحد الأطراف قاصدا لإتيان الطرف الآخر بعده لأن امتثال الواقع الّذي يكون في البين لا يتصور إلّا بهذا النحو ولا يمكن أن يقال إتيان هذا يكفي ولو لم يكن قاصدا لامتثال الآخر فنية الأمر الاحتمالي في البين فقط لا تكفي.

وقد أشكل عليه النائيني قده بما حاصله ان الامتثال التفصيلي وان كان مقدما على الامتثال الاحتمالي الإجمالي إلّا أنه يكون في صورة إمكانه تفصيلا واما في صورة عدم الإمكان فلا يكون واجبا وفي المقام لا يكون الامتثال التفصيلي واجبا لعدم

٥٠٦

إمكانه لأنه في الشبهات البدوية يكون الأمر احتماليا وفي إتيان كل طرف من أطراف العلم الإجمالي أيضا يكون المحرك هو احتمال الأمر وتطبيقه ولا يكون الأمر الجزمي محركا ضرورة أن الكلام يكون في العلم الإجمالي لا التفصيلي.

ولا يكون إتيان أحد الأطراف مرتبطا بإتيان الطرف الآخر حتى لا يصح إلّا مع قصد ذاك الآخر بل يقصد إتيانه لو كان عليه الأمر فإذا أتى بالطرف الآخر فقد امتثل ما في البين ولا يضر قصد عدم الإتيان بالآخر أيضا الا من جهة كونه تجريا.

والجواب عنه هو أن مراد الشيخ في المقام لا يكون هو تقديم الامتثال التفصيلي على الإجمالي في المقام ليقال انه لا يمكن بل مراده هو ان الامتثال يجب ان يكون في كل مقام بحسب انكشاف الواقع فإذا كان الانكشاف تفصيليا يجب القصد هكذا وان كان إجماليا يجب كذلك وان كان احتماليا يكون الإتيان بداعي الأمر الاحتمالي.

ففي المقام حيث يكون في مورد العلم الإجمالي وجود الأمر قطعيا والاحتمال يكون في التطبيق فقط فيلزم أن يكون الإتيان بداعي الأمر الجزمي في البين فعند إتيان أحد الأطراف يجب ان يكون قاصدا لإتيان الفرد الآخر لئلا يكون مفوت الواقع فان الواقع لا يمكن امتثاله الا بهذا النحو واما إذا كان احتمال الأمر فقط فيكون الإتيان بداعي الأمر الّذي يكون نفسه احتماليا لا ما يكون الاحتمال في التطبيق فقط مع كون أصل الأمر جزميا فالحق هنا مع الشيخ قده.

الأمر الثالث (١) في انه إذا كان الامتثال التفصيلي ممكنا برفع الإجمال بواسطة الفحص هل يكون واجبا أم لا فيه خلاف ولم يختر الشيخ هنا شيئا وقال ان ظاهر الأكثر وجوبه وجعل لبحثه مقاما آخر.

واما النائيني فيكون مبناه تقديم الامتثال التفصيلي على الإجمالي عند الإمكان وحاصل دليله هو ان كيفية الامتثال حيث لم يكن وظيفة الشرع فيكون موكولا إلى نظر العرف وهو يحكم بتقديم التفصيلي فانظر إلى حال العبد فانه إذا أمكنه السؤال

__________________

(١) هذا هو التنبيه السادس في الرسائل ص ٢٥٥.

٥٠٧

عن مولاه بأنه أي مشروب أراد في طلبه ذلك ولم يسأل فأتى بجميع المحتملات يكون لاغيا في نظرهم.

والجواب عنه قده أولا ان كيفية الامتثال أيضا تكون مثل قصد الوجه والتميز من كيفيات العبادة وبيانها وظيفة الشرع فإذا شك فيها فالأصل يقتضى البراءة عن وجوب نحو خاص منها.

وثانيا ان العرف أيضا لا يقضى بما ذكره فانه في صورة عدم لزوم اللغوية لا يكون الامتثال التفصيلي متعينا عنده.

الأمر الرابع (١) في انه إذا كان المعلوم بالإجمال مما له ترتيب شرعي فهل يجب مراعاته بتقديم جميع محتملات الاسبق حتى يحصل الفراغ اليقينيّ عنه ثم الإتيان بالآخر أم لا فيه خلاف فإذا كان الواجب مثل الظهر والعصر واشتبه القبلة فهل يجب تقديم جميع محتملات الظهر إلى الجهات الأربع ثم الإتيان بمحتملات العصر أو يكفي إتيان كل عصر بعد ظهره في الجهات الأربع فاختار الشيخ عدم الوجوب واختار النائيني وجوبه أقول لا شبهة في عدم جواز تقديم العصر على الظهر ولا شبهة في عدم جواز إتيان العصر بخلاف الجهة التي أتى بالظهر إليها باحتمال كونها قبلة بل يجب إتيان محتملات العصر إلى الجهات التي أتى بالظهر إليها.

وانما الكلام في انه هل يجب إحراز إتيان الظهر بجميع محتملاته قبل العصر أو يكفي إحرازه على فرض كون الجهة قبلة.

فسند القائل بوجوب التقديم هو إمكان الامتثال التفصيلي الجزمي لأن الترتيب أيضا من كيفية العبادة فيجب إحرازها ولا يمكن هذا الا بتقديم جميع محتملات السابق.

وقال الشيخ ان الإحراز كذلك لا يلزم لأنه لا يرجع إلى إحراز الترتيب فانه لو علمنا بأن العصر الّذي يأتي به بعده يكون إلى جهة القبلة فقد أحرزنا الترتيب تفصيلا واما حيث لا سبيل لنا إلى ذلك فيكون الترتيب فرضيا وهو حاصل بإتيان

__________________

(١) هذا هو التنبيه السابع في الرسائل.

٥٠٨

العصر بعد كل ظهر وعلى فرض كونه إلى جهة القبلة يقع العصر بعده فالترتيب الفرضي حاصل بهذا النحو أيضا والواقعي لا يكون حاصلا في كلتا الصورتين وما يكون واجبا هو الترتيب لا إحرازه كذلك.

فمسألة الجزم بالنية شيء وحفظ الترتيب شيء آخر وكلاهما غير ممكن في المقام بنحو التفصيل والإحراز والفرض منه حاصل على أي تقدير.

نعم في صورة لزوم التكرار (١) في العمل مع إمكان تقليله يجب تقليله على فرض وجوب تقدم الامتثال التفصيلي على الإجمالي فإذا كان الترديد من جهة القبلة ومن جهة اللباس ويمكن إحراز ما هو الظاهر يجب إحرازه فإذا فرض اشتباه القبلة وكون لباسه منحصرا في ثوبين أحدهما نجس ويمكن إحراز الظاهر منه فعلى فرض عدم الإحراز يلزم إتيان ثمان صلوات في كل جهة من الجهات الأربع صلاتان فإذا رفعت الشبهة بالنسبة إلى اللباس يقلل ويكون الواجب إتيان أربع صلوات إلى الجهات الأربع.

ومقامنا هذا لا يكون كذلك فانه لا بد من إتيان أربع صلوات سواء أتى بكل عصر بعد كل ظهر أو أتى به بعد الكل فلا تأثير له في الامتثال التفصيلي ولقد أجاد الشيخ قده فيما أفاد وهو الحق الحقيق.

الأمر الخامس (٢) في ان المخالفة القطعية إذا كان أطراف الشبهة الوجوبية

__________________

(١) وهو الأمر الرابع في الفوائد والأمر الخامس في الرسائل ص ٢٥٥.

(٢) أقول قال النائيني قده في الفوائد وجوب الامتثال التفصيلي مع الإمكان لا يكون من جهة لزوم التكرار وعدمه بل انه واجب ومن لوازمه مراعاة ترك التكرار الموجب لخلافه.

وفي المقام حيث يمكن درجة منه على فرض الإتيان بجميع المحتملات للظهر ثم الإتيان بالعصر في حال الجزم بالفراغ عن الظهر يكون مقدما على إتيان كل عصر بعد كل ظهر وهذا له وجه ولكن الامتثال التفصيلي غير لازم وهو إنكار المبنى.

٥٠٩

غير محصورة لا تجوز بخلاف الشبهة التحريمية فان مخالفتها القطعية جائزة وهذا يكون على مبنى شيخنا النائيني قده واضحا لأنه قال في باب الشبهة التحريمية ان المدار في كون الشبهة غير محصورة هو عدم القدرة على المخالفة القطعية فإذا كان أطراف الحرام بحيث لا يقدر المكلف على الجمع فلا يكون الخطاب بالنسبة إليها منجزا لعدم الخطاب بغير المقدور وهذا منتف في الشبهة الوجوبية لإمكان المخالفة القطعية بترك جميع الأطراف فانه مع ذلك يقطع بترك الواجب في البين ويكون قاطعا بالمخالفة فعليه يحكم العقل بأن مقتضى العلم الإجمالي هو إتيان ما كان ممكنا حذرا من ذلك.

والواقع وان لم يمكن إحرازه لعدم إمكان الجمع بين المحتملات لعدم الحصر ولكن هذا لا يقتضى جواز المخالفة القطعية وهذا الكلام منه كأنه يكون مع قطع النّظر عن العلم وان المخالفة القطعية بنفسها فيها مفسدة يجب تركها.

ولكن الحق (١) هو ان العلم الإجمالي صار سببا لذلك بحيث لو لم يكن لا سبيل لكشف ذلك فوجود العلم مانع عن المخالفة.

واما على مسلك الشيخ القائل بأن المدار في غير المحصور هو صيرورة الاحتمال في كل طرف من الضعف بمكان لا يحسب العلم علما ويقال بأن الواقع لا يكون هذا الطرف وفي الشبهة الوجوبية يجب ان يلاحظ الواقع بمقدار الإمكان.

ثم انه قال لا يكتفي بالواحد عن الواقع بل يجب إتيان البعض الّذي لا يلزم

__________________

وهذا التفصيل لا يكون مفيدا بالنسبة إلى العصر لأن إتيانه يكون باحتمال الأمر لاحتمال كون الجهة قبلة فأصل كلامه من أن ترك التكرار يكون معلول وجوب الامتثال التفصيلي له وجه ولكن كون هذا النحو من الامتثال التفصيلي لا يتم.

(١) كلامه في الفوائد يظهر منه أنه قده أيضا حكم بذلك من باب العلم الإجمالي بل هو كالصريح في ذلك بقوله فلا بد من تأثير العلم الإجمالي بالنسبة إلى المخالفة القطعية ولعل هذا سهو أو يكون نقله مد ظله من غير الفوائد.

٥١٠

منه حرج لأن الضرورات تتقدر بقدرها فإذا لم يكن جمع المحتملات ممكنا يأتي بمقدار الإمكان كما قال النائيني قده أيضا وكأنه يظهر من كلامه ان قوله بوجوب هذا القدر من الامتثال مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي.

ولكن (١) مر في جواب النائيني ان ذلك كله من ناحية العلم ولولاه لا يكون للكلام في ذلك مجال.

فتحصل من جميع ما تقدم عدم جواز المخالفة القطعية على جميع المباني ووجوب إتيان القدر الممكن لا الواحد فقط إذا كان الواجب واحدا في غير المحصور.

ثم انه إذا كان غير المحصور باعتبار شرط من الشروط مثل ما إذا لزم تكرار الصلاة في أثواب غير محصورة تحصيلا للساتر أو التوضي بماء بين غير المحصور من المياه فما هو الساقط يكون إحراز الشرط لا إحراز الواجب.

فإتيانه واجب على أيّ حال والساقط هو الشرط فلا وجه لترك المشروط بواسطة فقد شرطه نعم إذا كان الشرط شرطية مطلقة حتى في حال الاضطرار فالمشروط يسقط بسقوط شرطه مثل فاقد الطهورين لا يجب عليه الصلاة الا على نحو الاستحباب على بعض الأقوال فيه وإلّا ففي خصوص الصلاة فيمكن أن يقال انها لا تترك بحال فلا يسقط وجوبه حتى مع فقد الشرط وبحثه في محله وليس هذا مقامه.

الأمر السادس وهو الّذي لم يتعرض له الشيخ ولا النائيني وهو انه إذا كان غير المحصور ما له بدل في الشرع فهل ينتقل إلى البدل أو يكتفي بالامتثال الإجمالي بقدر الإمكان فيه وجهان :

مثال ذلك هو انه إذا كان لنا ماء طاهر في ضمن مياه غير محصورة نجسة أو ماء مطلق في ضمن مياه مضافة غير محصورة فهل يجب الوضوء بقدر الإمكان أو ينتقل إلى التيمم فيه خلاف فربما يقال في خصوص ما إذا كان الطاهر بين غير المحصور

__________________

(١) وقد مر ما في اشكاله على مقالة النائيني : والشيخ قده أيضا أجل شأنا من هذه المقالة ولا يظهر من كلامه قطع النّظر عن العلم.

٥١١

من النجس يجب الرجوع إلى البدل لأنه مع إمكان التوضي بالإناءين المشتبهين يكون الأمر في الرواية بأنه يهريقهما ويتيمم فكذلك في الشبهة الغير المحصورة فإمكان تحصيل الطهارة بالماء المشتبه لا يكفي لوجوب الوضوء.

اما إمكان التوضي فلأنه إذا توضأ بأحد الإناءين ثم طهّر موضع الغسل بالماء الثاني ثم توضأ يحصل له القطع بتحصيل الطهارة عن الحدث وابتلائه بالخبث يكون من الشبهة البدوية فانه على فرض كون الثاني هو الطاهر فلا إشكال وكونه نجسا غير معلوم فيكون الشبهة بدوية بالنسبة إلى النجاسة والأصل يقتضى البراءة.

وفيه ان المقام يكون الشبهة بالنسبة إلى النجاسة تحريمية فلا يجب الاجتناب عن النجس في الأطراف الغير المحصورة ولا تكون من الوجوبية حتى يلزم التوضي بقدر الإمكان وعدم الرجوع إلى التيمم فهنا يجب التيمم من جهة عدم إحراز الشرط لا من جهة وجوب الإهراق فانه لا يكون في المقام منطبقا وكذلك الكلام في مشكوك الإطلاق بين غير المحصور من المضاف فان الرجوع إلى التيمم فيه يكون من جهة عدم إمكان إحراز الشرط.

ومن العجب فرق بعضهم بين مشكوك النجاسة فقال بالرجوع إلى البدل من باب وجوب الإهراق وقال في مشكوك الإطلاق بوجوب التوضي مع عدم الفرق كما عرفت فتحصل أنه إذا كان غير المحصور مما له البدل يرجع إلى البدل وجوب الامتثال بقدر الإمكان يكون فيما ليس له البدل.

المقام الثاني في الأقل والأكثر

والبحث عنه في فصول لأن الشك اما ان يكون في جزئية شيء أو شرطية تكليف مستقل أو يكون من قبيل الأسباب والمحصلات الشرعية وتارة في الارتباطيين وأخرى في الاستقلاليين وعلى التقادير تارة يكون البحث في الشبهات الوجوبية وأخرى في الشبهات التحريمية ومنشأ الشك اما فقد النص أو إجماله أو تعارض النصين أو الاشتباه في الموضوع والبحث في كل مسألة من هذه المسائل يكون بنحو التفصيل.

٥١٢

فنقول الفصل الأول في الشبهة الحكمية في بيان حكم الدوران بين الأقل والأكثر في الاجزاء ومع كون الكل ارتباطيا مثل اجزاء الصلاة والمراد بالارتباطية وحدة المصلحة ووحدة الغرض والحاصل تلازم الاجزاء في الوجود المؤثر وفي مقابله الاستقلالية وهو عدم الربط بين الاجزاء مثل الشك في كون الدين أقل أو أكثر فان أداء كل مقدار يوجب براءة الذّمّة بحسبه ومثال الجزء كما ذكره الشيخ قده (في الرسائل ص ٢٥٧) هو في صورة فقد النص هو احتمال دخل الاستعاذة في الركعة الأولى من الصلاة قبل القراءة بواسطة ذهاب جمع من الاعلام إلى وجوبها وجمع آخر إلى عدم الوجوب فحينئذ يكون العلم الإجمالي بوجوب الصلاة لكن لا ندري أن الواجب هو الأكثر بمعنى وجوب جميع الاجزاء حتى مثل الاستعاذة أو في ضمن الأقل وهو الاجزاء بدون الاستعاذة.

والأقوال هنا ثلاثة الأول البراءة عن وجوب الأكثر مطلقا كما اختاره الشيخ والثاني وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر مطلقا كما عن جمع من القدماء والثالث التفصيل بين البراءة العقلية والنقليّة كما عن الخراسانيّ بأن يقال البراءة العقلية التي موضوعها قبح العقاب بلا بيان غير جارية والبراءة الشرعية التي موضوعها الجهل جارية وتبعه النائيني (١) في ذلك والحق مع الشيخ عندنا.

اما القول بعدم جريان البراءة عقلا ونقلا فهو من باب توهم أن العلم الإجمالي بوجوب الصلاة متحقق اما في ضمن الأكثر أو في ضمن الأقل ومقتضى العمل على مقتضى العلم هو الإتيان بالأكثر فلا بد من إتيان الأكثر من باب وجوب تحصيل الفراغ مما اشتغلت به الذّمّة.

وقد أجيب عن هذا التوهم بانحلال العلم الإجمالي بوجوب الأقل والشك البدوي في الجزء الزائد : وبيانه أن الاجزاء في المركب يكون لها اعتباران اعتبار بشرط لا فله وجوب نفسي وبشرط شيء وهو ضميمة ساير الاجزاء فيكون له وجوب

__________________

(١) تعرض قده لهذا البحث في الفصل الرابع من الفوائد ص ٤٩.

٥١٣

مقدمي بالنسبة إلى الكل فوجوب الجزء محرز اما من باب كونه مقدميا أو نفسيا فالأقل بالنسبة إلى الأكثر الّذي يكون هو الكل يكون واجبا قطعا اما لأنه موجب لإتيان الكل أو من باب انه واجب بنفسه على فرض عدم وجوب الأكثر وعلى هذا يجب الإتيان به واما الجزء الزائد فيكون الشك فيه من الشك البدوي لعدم وجوبه على أي تقدير.

فان قلت لحاظ الاجزاء بنحوين لا يكون موجبا لوجود وجوبين في شيء واحد وجوب مقدمي ووجوب نفسي لاختلاف الرتبة فان المقدمة في طول ذي المقدمة فلا يوجب التأكد في الوجوب ولا وجوب شيء واحد بوجوبين حتى يوجب الانحلال قلت اللحاظ يكون في صقع النّفس والخارج لا يكون إلّا ظرف وجود واحد فان الجزء في الخارج لا يكون إلّا واحدا ولكن الإشكال في أن الاجزاء لا يكون وجوبها مقدميا لا بنحو الترتيب في الرتبة مثل الترتيب بين العلة والمعلول بالفاء بقولنا تحركت اليد فتحرك المفتاح لعدم هذا النحو من الترتيب بين الجزء والكل بالبرهان ولا يكون في الخارج أيضا لأن المركب ليس له وجود آخر وراء وجود الاجزاء بل هو وجود الاجزاء بالنحو المرتب (وبالفارسية رج كرده).

فلو فرضت ان الاجزاء بشرط الاجتماع يتحقق منها الكل فنقول قد أضفت جزء آخر وهو شرطية الانضمام لا ان نفس الانضمام يكون هو الكل فان الكل يتحقق من جميع الاجزاء وشرط الانضمام فان فرضت شرطية الانضمام مع الاجزاء موجبا لكل آخر الّذي يكون شرطه انضمام شرطية الانضمام (١) يلزم منه التسلسل لفرض

__________________

(١) أقول لا شبهة في ان الانضمام والجمعية هو وضع خاص للاجزاء والوضع يكون أحد المقولات العرضية ولو عبرنا بان الأمر يجيء على الاجزاء بالنحو المنظم وبالفارسية رج كرده ولا يخفى ان الانضمام بهذا النحو من الوجود يكون فانيا في الأطراف.

ضرورة ان وضع شيء بالنسبة إلى آخر لا يكون له وجود منحاز بل يكون فانيا ـ

٥١٤

شرط الانضمام في كل ما فرض انضمام مع الانضمام وإلّا فيلزم الدور لأن هذا الجزء يتوقف على ذاك الجزء ومقدمة له وذاك الجزء مقدمة لهذا الجزء لعدم تمامية المركب إلّا ان يكون كل جزء دخيلا فيه فيكون الجزء مقدمة لنفسه لعدم كون الكل الا هذه الاجزاء فالجزء مقدمة للجزء وهو أيضا ذو المقدمة فهو يتوقف على نفسه.

وبعبارة أخرى نحن ننكر الصغرى في المقام والكبرى أي الانحلال في هذه المقدمة اما إنكار الصغرى فلعدم مقدمية الجزء للكل.

واما إنكار الكبرى وهو عدم الانحلال لو سلم الصغرى لأن الأمر الواحد كما سيجيء لا يتحقق منه الوجوبان بل وجوب واحد فلا يكون لنا وجوبان حتى يقال بالانحلال لعدم العلم الإجمالي بل العلم التفصيلي بالوجوب ويكون الشك بين الحدين اما عدم المقدمية فبعض الكلام فيه ما مر آنفا فنقول تتميما للبيان ان المرتكز في أذهان القدماء وفي ذهننا في بدو النّظر هو ان يرى المولى مصلحة واحدة فيتعلق بها غرض واحد ثم يأمر وينبسط امره على ما هو الواحد من حيث المصلحة والغرض فيرى الكل أولا ثم يأمر بالاجزاء مقدمة لتحصيله.

ولكن هذا لا يتم عند التحقيق فان الوحدة لا تأتي من قبل وحدة المصلحة والغرض لأن المصلحة أيضا تترتب على الاجزاء بالأسر فان الخل والأنجبين يتركب منهما مشروب مخصوص ويكون لكل جزء اثره لا ان الأثر يترتب عليه مع قيد الوحدة

__________________

ـ في الاجزاء فهو لو فرض ان يكون شيئا سوى الاجزاء وقائما بها لا يحتاج إلى انضمام آخر ليتسلسل بل انضمام الانضمام يكون في ذاته لا من الخارج وهذا واضح وقد تعرضنا له في كل دورة وقع البحث عن التسلسل بهذا النحو معه مد ظله فالقول بان المركب ليس إلّا الاجزاء بالأسر لا ينافي هذا القول.

ولا غرو في ان يكون الاجزاء الملاحظ بالوضع الخاصّ مع مصلحة واحدة منبسطة على الاجزاء قبل الأمر ومع ذلك لا يلزم منه ان يكون للاجزاء وجوب مقدمي ووجوب بنحو ذي المقدمة.

٥١٥

وليس لنا في الخارج الاجزاء مع قيد آخر هو الوحدة وإلّا يلزم ان يكون لنا ثلاثة اجزاء في المثال : الخل والأنجبين والوحدة وهكذا في اجزاء الصلاة التحريم إلى التسليم مع جزء آخر وهو الوحدة والوجدان ينكر هذا فقبل الأمر بالمركب لا يكون لنا وحدة فلو كان الارتباط والوحدانية يكون في الرتبة المتأخرة من الأمر لا متقدمة عليه وسنبحث عن كيفية تعلق الأمر من انه بنحو اللابشرط أو بشرط شيء أو بشرط لا فليس لنا وجوبان وجوب على الكل ووجوب على الجزء لأن اللازم من بياننا هو عدم وجود وحدة وكل يتعلق بها الأمر قبل الأمر بالاجزاء حتى يكون الأمر بالاجزاء مقدمة لتحصيل تلك الوحدة والكل.

فان قلت ان هذا يكون في اختيار الأمر فانه يرى في بدو الأمر وحدة المصلحة ويلاحظها كذلك ثم يأمر على الواحد بالملاحظة.

قلت قد مر في صدر البحث انه لا يكون له هذا النحو من اللحاظ بعد انه يرى بالوجدان انه طالب للاجزاء بالأسر ولم يكن قيد الوحدة فان امره لا يأتي على المرتبط بقيد الارتباط بل على الاجزاء الذي يترتب عليها المصلحة وإلّا يلزم زيادة جزء آخر وهو قيدية الارتباط فعلى هذا لا يكون لهذه الاجزاء رتبتان رتبة الكلية والوحدة ليتعلق بها الأمر من باب امر ذي المقدمة ورتبة الجزئية ليتعلق بها الأمر من باب انها مقدمة لتتصور للجزء وجوبان وجوب بلحاظ الكل ووجوب بلحاظ الجزء فإذا لم يكن كذلك فإنكار القول بانحلال العلم الإجمالي يكون سهلا لأن الانحلال يتوقف على أن يقال ان الأقل من باب أنه مقدمة أو نفس الكل يكون واجبا حتما والأكثر يكون الشك في وجوبه بدوا فلا وجه للقول بالانحلال بهذا البيان.

بقي في المقام مقدمة أخرى وهي أن الأمر المتعلق بالإجراء على أي وجه يكون مع فرض المركب ارتباطيا بعد عدم جعل الملاك وحدة المصلحة والغرض فانه حيث فرض المركب ارتباطيا لا يمكن أن يقال يكون الأمر بكل جزء بنحو اللابشرط أي سواء كان معه الجزء الآخر أو لم يكن لأن هذا مخالف لمعنى الارتباط ولا يكون بنحو بشرط لا أيضا بالأولوية فلا بد أن يكون الأمر على هذا الجزء بنحو بشرط الشيء

٥١٦

والكل مشكل.

اما الأولان فلان لحاظهما يكون خلاف الارتباطية واما الثالث فلان اللازم منه الدور فانه إذا فرض ان وجوب التكبيرة متوقف على وجود ميم السّلام عليكم ووجوده أيضا يكون متوقفا على وجوب التكبيرة لا يتحقق بعث أصلا فان المكلف لا يأتي بما يكون وجوبه متوقفا على شيء يكون إيجاده بيده فوجود هذا متوقف على وجود ذاك ووجود ذاك متوقف على وجود هذا فيتوقف الشيء على نفسه وهو دور واضح في الوجود والوجوب فان هذا لا يمكن أن يجب إلّا ان يكون ذاك واجبا وبالعكس للارتباطية ووجودهما أيضا كذلك.

ولا أقول ان الأمر الواحد كيف ينبسط على الحصص فانه بمحل من الإمكان بل أقول مقتضى الارتباطية هو عدم تصوير الأقسام الثلاثة بهذا النحو.

فالحق في المقام لرفع إشكال وحدة الأمر هو ان يقال لا يكون معنى الارتباط كون كل جزء مشروطا بالجزء الآخر حتى يلزم الدور بل يكون الواجب الاجزاء بنحو التوأمية وبنحو الجنسية أي يأمر بهذا الجزء حين يأمر بالجزء الآخر أيضا فان الضيق في القضية الحينية والمشروطة كلتيهما موجود ولكن الضيق في الحينية تكون من جهة أنه لا يمكن الخروج عن النظام في الصف الواحد ففي أيّ مورد خرج عن النظام سقط عن الاعتبار والمصلحة ولا يكون مفيدا للغرض ولكن في المشروطة يكون الضيق في ناحية المصلحة بالنسبة إلى المشروط.

وهذا النحو من الارتباط يكون بعد تعلق الأمر بهذا النحو فإذا جعلت الاجزاء في صف واحد ثم أمر المولى بإتيان الجميع بهذا النحو ينتزع من هذا الأمر الواحد الارتباط فهو يكون بعد الأمر وقبله لا يكون ارتباط في البين ولكل جزء مصلحة بنحو التمام لا بنحو النقص كما يظهر من تقريرات شيخنا العراقي قده.

ثم ان في المقام إشكالا وهو ان العلم الإجمالي هنا يكون مثله بين المتباينين فكما يجب الاحتياط هناك يجب هنا أيضا.

بيان ذلك ان التكليف هنا اما أن يكون بين الوجوبين أو بين الواجبين فانا

٥١٧

نعلم الوجوب المردد بين الأقل والأكثر أو نقول نعلم الواجب اما انه الأقل أو الأكثر وعلى أي تقدير يكون هذا مثل ما إذا علمنا بأن الواجب علينا اما ان يكون الظهر أو الجمعة فكما انه يجب الاحتياط بإتيان كلا الطرفين في هذا المثال وأمثاله كذلك في المقام فان وجوب الأقل بنحو بشرط لا والأكثر بنحو اللابشرط يكون من المتباينين ضرورة عدم اجتماع بشرط لا مع اللابشرط هذا أولا.

وثانيا ان اللابشرط وبشرط لا يكون تصويرهما بعد الوجوب ضرورة ان الارتباطية التي يلاحظ الاجزاء بالنسبة إليها كذلك يكون مما يحصل بعد الوجوب وما يكون رتبته بعد الوجوب يجب ان يكون ما هو الأصل وهو أصل الوجوب ملاحظا والعلم به يقتضى الفراغ اليقينيّ بالاحتياط بإتيان الأكثر فالقول بالبراءة مما لا وجه له في المقام بل يكون مثل المتباينين.

والجواب عن هذا الإشكال هو ان لنا شقا ثالثا وهو ان الدوران تارة يكون بين الحدين من الوجوب الواحد الشخصي فان البعث الشخصي في المقام يكون امره مرددا بين كونه إلى هذا الحد الّذي يكون هو الأقل أو يكون أزيد بأن كان بسطة على الأكثر فيرجع الكلام إلى أن يقال أن لا ندري هل قطع التكليف عند الأقل أم لا فلنا علم تفصيلي بوجوب كل واحد من الاجزاء وشك بدوي بالنسبة إلى الزائد فلا يكون في المقام علم إجمالي حتى نكون في صدد الاحتياط غاية الأمر وجوب كل جزء في المركب الارتباطي يكون حين وجوب الجزء الآخر لا بنحو المهملة لكونها محالا ثبوتا ولا مشروطة بشيء حتى يلزم الدور من توقف وجوب كل جزء بالآخر.

فتحصل من جميع ما تقدم معنى الارتباطية بأنها دون الأمر لا فوقه وكيفية تعلق الأمر بها من انه بنحو الحينية لا المشروطة.

فإذا عرفت ما ذكرنا مقدمة فنقول قد اختار الشيخ قده البراءة العقلية والشرعية عن الأكثر لوجود المقتضى وفقد المانع اما وجود المقتضى فلان موضوع البراءة العقلية عدم البيان وهو هنا حاصل لأن التكليف بالنسبة إلى الأكثر لا يكون مبيّنا

٥١٨

فيشمله قاعدة قبح العقاب بلا بيان واما البراءة الشرعية فموضوعها الجهل بالتكليف حتى يشمل رفع ما لا يعلمون وأمثاله وهو أيضا حاصل بالنسبة إلى الأكثر.

واما فقد المانع فلان ما يتوهم كونه مانعا أمور :

الأول العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر وهذا ظهر اندفاعه بما مر من أن الأقل واجب على أي تقدير بالعلم التفصيلي ويكون الشك في الأكثر شكا بدويا فتجري البراءة بالنسبة إليه ويكون هذا مراد الشيخ قده أيضا لأن مراده بوجوب الأقل على أي تقدير هو وجوبه اما من باب كونه مقدمة أو من باب كون وجوبه نفسيا لأنه أجل شأنا من نسبة هذا القول إليه بعد ما ظهر لك بطلانه بالبيان السابق آنفا.

والحاصل انه ليس لنا علم إجمالي ليكون الاحتياط واجبا وليعلم ان أس الكلام في القول بالبراءة هو عدم تحقق العلم الإجمالي وأس الكلام بالاحتياط هو كونه من موارد العلم الإجمالي فمن تصور كونه من ذلك يجب عليه القول بالاحتياط فعلى مسلك الشيخ قده يكون العلم منحلا.

وقد أشكل عليه قده بوجوه : الأول ما عن صاحب الحاشية على المعالم المحقق الشيخ محمد تقي على ما حكى عنه قده فانه قال ان العلم الإجمالي هنا يكون بين المتباينين ضرورة مباينة الماهية بشرط شيء للماهية اللابشرط فان أحدهما قسيم للآخر فلو كان متعلق التكليف هو الأقل يكون الوجوب بنحو اللابشرط عن الزيادة ولو كان متعلقه هو الأكثر يكون الأقل بشرط شيء هو الزيادة فوجوب الأقل يكون مرددا بين المتباينين بملاحظة اختلاف اللحاظين.

كما ان امتثال التكليف بالأقل أيضا يختلف حسب اختلاف الوجوبين كذلك لأن امتثال التكليف بالأقل بنحو اللابشرط يكون بإتيان المتعلق بدون الزيادة وامتثاله بنحو بشرط شيء يكون بإتيانه مع الزيادة فقد اختلف نحوي الامتثال أيضا فيكون التكليف ثبوتا وسقوطا دائرا بين المتباينين.

وقد أجاب عنه شيخنا النائيني (في الفوائد ص ٥٠) بأن اختلاف الطلب لا دخل له في انحلال العلم الإجمالي وعدمه بل الانحلال يدور مدار العلم التفصيلي بوجوب

٥١٩

الأقل والشك البدوي في وجوب الأكثر فيكون المتيقن هو وجوب الأقل ولو كان الاختلاف في طور التكليف.

وان شئت قلت ان الماهية لا بشرط والماهية بشرط شيء لا تكونان من المتباينين الذين لا جامع بينهما فان التقابل بينهما ليس من تقابل التضاد بل من تقابل العدم والملكة فان الماهية لا بشرط ليس معناها لحاظ عدم شيء معها بحيث يؤخذ العدم قيدا وإلّا رجعت إلى الماهية بشرط لا بل معناها عدم لحاظ شيء معها.

ومن هنا قلنا ان الإطلاق ليس امرا وجوديا بل هو عبارة عن عدم ذكر القيد خلافا لما ينسب إلى المشهور وعليه فيكون الجامع وهو نفس الماهية موجودا أو يكون التغاير بلحاظ الاعتبار فقط.

وفيه أولا انه مع إذعان التباين لا يكون وجه لجوابه الأول من الانحلال بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل بل هذا في الواقع يكون إنكارا للتباين ولا وجه لجوابه الثاني أيضا لأن الماهية اللابشرط (١) القسمي مباينة لبشرط شيء مباينة التضاد والجامع هو اللابشرط المقسمي وهو يكون في ضمن الأقسام فاللابشرط القسمي ليس هو الجامع بل يكون قسما وبشرط شيء قسما آخر للمقسمي وقسيما لهذا فالحق هنا مع الشيخ قده القائل بالانحلال من باب العلم التفصيلي والشك البدوي لا مع النائيني قده.

__________________

(١) أقول اللابشرط لا يكون على قسمين وما كنا نتصوره من قبل هذا وان كان من كلام الاعلام نعم نتصوره مصداقا وهو أصل الماهية بحيث يكون منطبقا لما تصورناه بقيد اللابشرطية وما نتصوره بقيد اللابشرطية لا يكون قسما بل هو مقسم لا يباين اقسامه لأن قيد اللابشرط وهو اللابشرطية لا يكون له معنى الا الموافقة مع شرط يكون معه أو لا.

فهذا القيد وان كان قيدا (ولكن بالفارسية نقول اين قيد قيد سازش با هر چيزيست) ومراد النائيني قده يمكن أن يكون هذا فنقول أصل ماهية الصلاة واجبة والشك في إضافة شيء وهو الاستعاذة والأصل يقتضى البراءة عنه وهذا في الواقع يرجع إلى ما قيل من العلم التفصيلي ببعض الاجزاء والشك البدوي في الآخر نعم يرد عليه ان المقام لا يكون من المتباينين.

٥٢٠