مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

لا يكون الحدس حدس واحد من العلماء بل حدس جمع منهم.

واما (١) الجواب عن إشكال الدلالة فهو ان المناط على الظن النوعيّ في الظهورات لا الشخص فما يكون له ظهور نوعي عند جمع من الاعلام يكون ظاهرا عندنا أيضا ومن البعيد اختلاف النّظر في فهم الظهور.

واما قضية البئر فلا يقاس بالمقام لأن النص فيه موجود عندنا بخلاف المقام فالإجماع بهذا النحو قابل للاعتماد في الفقه سواء كان عن حس أو حدس قريب به أو حدس محض والثالث عندنا صحيح لأنهم خبراء الفن وهم يتبع حدسهم أيضا.

الأمر الثاني في الإجماع المنقول بنقل سببه كأن يقول بعبارة يفهم منه ان الإجماع يكون دخوليا أو لطفيا أو حدسيا أو كشفيا كان يقول هذا فتوى جماعة من

__________________

(١) هذا الإشكال أيضا بحاله لأنه يمكن ان يكون ما كان عند الناقل للإجماع ظنا نوعيا لا يكون عندنا كذلك وفي قضية البئر وجود النص وعدمه لا يفيد فانه يمكن ان يكون سند المجمعين هكذا فانه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

والحاصل الإجماع المنقول بهذا النحو أيضا غير قابل للاعتماد لأنه بعد كون الغالب هو نقل الإجماع من دون إحراز سنده من حيث كون قوله من باب الملازمة استنادا إلى قاعدة اللطف أو بنحو الإجماع الدخولي أو بنحو الحدس ولا يكون بعض هذه الأقسام متحققا عندنا فنشك في حجية هذا الإجماع وهو مساوق للقطع بعدم الحجية.

نعم في صورة نقل قول عدة من الفقهاء كما هو الدارج في الكتب مع تسميتهم أو نقل الناقل الإجماع عن عدة منهم وتسميتهم يكون قوله هذا مثبتا لأقوالهم ويكون نظير تحصيل أقوالهم في كتبهم وهذا يوجب نحو وثوق بالحكم ويشكل مخالفته واما تصرف قول قائل واحد بان هذا المطلب إجماعي أو اتفق الفقهاء على كذا مع عدم دليل آخر أو مؤيد يشكل الاعتناء.

وكون المخبر من خبراء الفن يفيد بالنسبة إليه وإلى مقلديه واما من كان في صدد الاستنباط فلا بد ان يحصل له الاطمئنان بصدور الخبر وأنه في صدد ان يصير خبرة مثلهم.

١٤١

أصحابنا يكون الإمام على أحدهم حدسا من غير معرفة شخصه أو عن جماعة لا يمكن ان يكون رأيه عليه‌السلام خارجا عنهم من باب اللطف ففي هذه الصورة يكون استفادة الملازمة بعهدة من ينقل إليه الإجماع بخلاف صورة نقل المسبب فانه بنفسه استفاد الملازمة عقليا أو عاديا وأخبر بما استفاد بخلاف هذا ويلزم ان يكون قبول قوله كذلك أيضا مستندا إلى حجية خبر الواحد من الحس أو الحدس القريب منه وفي هذه الصورة ان كان عنده ما يوجب الاطمئنان بالحكم الشرعي بضم ما وجد من أقوال لعلماء فيجب عليه التعبد به وان لم يكن عنده ما يوجب ذلك فلا وجه للتعبد به لعدم الدليل عليه حيث لا أثر شرعي له.

الأمر الثالث في سند القول بأن الخبر يجب ان يكون عن حس أو حدس قريب به.

فنقول ان دليل حجية الخبر الواحد سواء كان آية النبأ أو الروايات يكون في بدو النّظر مطلقا من حيث كون الاخبار عن الحس أو الحدس لو لم نقل بانصرافه عن ما يكون بالحدس ولكن حيث يكون هذا الدليل النقليّ إمضاء لبناء العقلاء نرى ان بنائهم مختص بصورة كونه عن حس لا عن حدس وغاية ما يستفاد من هذا الدليل هو ان احتمال تعمد الكذب يلقى بواسطة هذا الدليل واما الخطاء في الحس أو الحدس فلا يكون سنده هذا بل يجب ضم أصالة عدم الخطاء من العقلاء وهم لا يجرون هذا الأصل بالنسبة إلى من يخبر عن حدس ويجرونه بالنسبة إلى من استند إلى الحس فيما يخبر عنه.

ثم ان بعض مشايخنا قده (وهو الشيخ محمد حسين الأصفهاني) قال (١) بأن

__________________

(١) أقول هذا الإشكال بنحو آخر مقرر في تعليقته قده على الكفاية في ص ٦٩ والأستاذ مد ظله أيضا في الدورة السابقة تعرض له بأبسط بيان وأوفق بمراده أيضا وحاصله انه قده يقول في صورة نقل السبب إذا لم يكن ما نقله الناقل سببا لحصول الإجماع عندي فلا يكون لقول هذا الناقل أثر شرعي حتى يجب تصديقه وان كان كلامه في تعليقته أيضا فيه إجمال يوهم ما ذكره مد ظله في هذه الدورة فارجع إليها.

١٤٢

كل ما كان له أثر شرعي من الاخبار يشمله دليل حجية الخبر الواحد واما ما لا يكون له أثر شرعي فلا يجب التعبد به فإذا نقل الناقل في المقام ما يكون ملازما لقول المعصوم عليه‌السلام فقد أخبر بما هو من الآثار العقلية وهو الملازمة بخلاف صورة كونه ناقلا لرأي المعصوم عليه‌السلام فان نفسه الحكم وهو الأثر الشرعي.

ولا يقال ان مثبت الأمارة حجة بخلاف مثبت الأصول لأنه يقال هذا يكون في صورة وجود الأثر للمدلول المطابقي ولا يقاس بالأخبار مع الواسطة لأن مقوله قول الإمام عليه‌السلام فيها بخلاف المقام فان مقوله قول عدة من الفقهاء وهو ليس بحجة.

ولكن لا يتم هذا الإشكال لأنه نظير الاخبار مع الواسطة فانه كما يقال بأن تصديق الصدوق مثلا لازم لأنه يثبت قول زرارة وقول زرارة يكون له الأثر كذلك في المقام نقول بواسطة التعبد بقول ناقل الإجماع نثبت الملازمة ومن آثارها هو استفادة الحكم الشرعي ودليل حجية خبر الواحد يشمل ما كان له الأثر مطابقيا أو

__________________

وأجاب مد ظله عنه بأن نقل السبب إذا كان مع ما وجدنا من الأقوال مثبتا للحكم الشرعي فلا إشكال في التمسك بقوله لأنه بالاخرة يترتب عليه أثر شرعي كما في الاستصحاب إذا كان بعض اجزاء الموضوع بالوجدان والبعض الآخر بالأصل أي الاستصحاب.

فكما لا يقال ان هذا حيث لا يترتب عليه تمام الأثر لا يجري ويكتفى بكونه جزء المؤثر فكذلك في المقام نعم إذا لم يكن له أثر لعدم شيء عندنا حتى يكون هو جزء المؤثر فلا يجب التعبد به وهذا النحو من الإشكال والجواب متين.

واما الإشكال الّذي ذكر بأنه مثبت للملازمة وهو أثر عقلي فيمكن ان يقال في جوابه ان الأمارة مثبتها حجة ولا يقول القائل بعدم حجية مثبت الأمارات ولا يليق بشأنه أيضا والجواب بالأخبار مع الواسطة ينطبق على ذاك الإشكال لا هذا مع ان الجواب كذلك أيضا لا يناسب بل التنظير بالاستصحاب الّذي يكون جزء موضوع الحكم فيه بالوجدان وجزئه الآخر بالأصل أوفق بالمقام لأن الأثر هنا يكون على المجموع من حيث المجموع بخلاف الاخبار مع الواسطة فان الأثر يكون على قول الإمام عليه‌السلام فقط وتصديق الواسطة يكون من باب إثبات الموضوع له ولكن التنظير به لا إشكال فيه.

١٤٣

التزاميا أو تضمنيا.

والحاصل إذا كان الموضوع ذا أثر شرعي بنفسه أو في طريق أثر شرعي يمكن التعبد به في المقام لو لم يكن نقل قول الفقهاء بنفسه ذا أثر شرعي ولكن لازمه هو ذلك.

الأمر الثالث في بيان ان الإجماع على حكم إذا كان متعارضا فهل يكون مثل تعارض الخبرين ويجري فيه قواعده أم لا خلاف والحق دخوله في ذلك الباب سواء كان النقل نقل السبب فيهما أو المسبب أو بالاختلاف كأن ينقل أحدهما سبب الإجماع والآخر نقله فقط لأنهما على فرض الحجية يكونان أمارتين معتبرتين فالقانون الأولى يقتضى التساقط بالتكاذب والقانون الثانوي حسب المستفاد من الاخبار التخيير في الأخذ بأحدهما.

اما في صورة نقل المسبب فلان التعارض بالمطابقة. واما إذا كان بنحو نقل السبب فلان مدلوله الالتزامي هو الحكم ويحصل التعارض فيه بالالتزام واما إذا كان أحدهما بنحو نقل المسبب والآخر بنحو السبب فلمعارضة المدلول الالتزامي مع المدلول المطابقي وحيث ان كليهما حجتان لا إشكال في حصول التعارض.

فتحصل من جميع ما تقدم ان الإجماع المنقول عن حسن أو حدس قريب بالحسن أو حدس محض يكون حجة عندنا ويشمله أدلة حجية خبر الواحد من باب أن الفقهاء خبراء ولا يشترط في قبول قول الخبراء الحس فان حدسهم أيضا حجة لغيرهم.

تتمة في أن التواتر المنقول هل هو حجة أم لا

والحق هو انه مثل نقل الإجماع في جميع ما ذكرناه ولتوضيحه نقول أصل التواتر هو اخبار عدة من الرّواة خبرا عن امام واحد عليه‌السلام أو عن جمع من الأئمة عليهم‌السلام مثل أن يخبر زرارة بلا واسطة عن المعصوم عليه‌السلام وهكذا محمد بن مسلم وهكذا أبان بن تغلب بحيث يحصل القطع بصدور الخبر ومحالية التواطؤ على الكذب عادة.

١٤٤

واما إذا كان رواية واحدة بوسائط كثيرة كل واحد في طول الخبر بان يكون السند ذا رجال كثير فمن الواضح انه لا يحصل به التواتر وهكذا إذا نقل رواة كثيرة عن ناقل واحد عن الإمام عليه‌السلام فانه أيضا ليس بتواتر لأن الراوي بلا واسطة يكون واحدا ويكون مثل الخبر الواحد وهكذا إذا نقلت الرواية في كتب كثيرة عن راو واحد لعدم ملاك التواتر فيه فيجب ان يكون التواتر مثل علمنا بالكعبة من باب الاخبار الّذي يمتنع كذبه عادة.

إذا عرفت هذا فنقول اما ان يكون نقل التواتر كذلك عن حدس أو عن حس أو حدس قريب به بأن وجد الناقل ما يكون متواترا واقعا عندنا أيضا حتى يكون حسيا أو وجد قول عدة فأخبر بالتواتر لحدسه عدم تواطئهم على الكذب فان كان تمسكه بقرائن عامة فيكون من الحدس القريب بالحس وان كان من القرائن الشخصية التي تكون قرينة عنده فقط فيكون الحدس المحض فكلما قيل في الإجماع المنقول الحاصل عند الناقل بحدس من حجية خبره وعدمه نقول في المقام أيضا وحيث قلنا باعتبار جميع الأقسام نقول به في المقام أيضا مضافا بأن المقام يكون السند لأصل الحكم وهو الخبر موجودا والكلام يكون في تحصيل تواتره ونقله بخلاف الإجماع فان السند لا يكون محرزا فيه كما هو واضح.

ثم ان الناقل تارة ينقل المسبب كما مر من أنه يقول انه متواتر وتارة ينقل السبب كأن يقول وجدت الخبر عن فلان وفلان فان نقل هكذا فان كان ما نقله عندنا أيضا موجبا للتواتر وحده أو مع ضم ما وجدنا من الرّواة فهو واما إذا لم يكن عندنا متواترا فلا يترتب عليه أثره إلّا إذا كان لنقل التواتر عند الناقل أثر فلو فرض كذلك يترتب عليه هذا الأثر وإلّا فلا يثبت التواتر.

والإشكال (١) في المقام أيضا بأن قبول بعض الرّواة حيث لا يكون له أثر

__________________

(١) هذا الإشكال أيضا نظير الإشكال لبعض مشايخه فيما مر وهو الشيخ محمد حسين الأصفهاني قده).

١٤٥

لأنه جزء العلة وما يكون له الأثر هو التواتر وهو لم ينقله حتى يجب تصديقه مندفع بأن وجود الأثر مع ضم الضميمة يكفى لتصديقه كما في الاخبار مع الواسطة فان الأثر كما قلنا على قول المعصوم عليهم‌السلام وقبول قول الواسطة يكون من باب انه مثبت لموضوعه فتقل التواتر سواء كان نحو نقل السبب أو نقل المسبب عن حس أو حدس معتبر مقبول.

فصل في الشهرة

وهي في ألسنتهم تطلق على ثلاثة أقسام الروائيّة والعملية وتسمى بالاستنادية والفتوائية.

اما معنى الشهرة الروائيّة فهو وجود رواية بطرق عديدة عن الإمام عليه‌السلام ونقل الخبر في جوامع الحديث الذي قيل بأنه تبلغ إلى ستين أو سبعين قبل الجوامع الأربع الكافي والاستبصار والتهذيب والفقيه وهذه الشهرة هي التي تكون مرجحة في باب تعارض الخبرين وقيل خذ بما اشتهر بين أصحابك.

واما الشهرة العملية أو الاستنادية. فهي أن يستندوا في فتاواهم برواية فانها لو كانت ضعيفة السند توجب جبر ضعفها ولا يضران ينقل الفقيه أدلة غير تامة أيضا في ضمن الاستناد بهذا الخبر كما في الجواهر من إرداف الأدلة بعضها ببعض ثم يكون المستند أحدها فقد توهم إضرار هذا بالاستناد.

ولكنه مندفع لأن استنادهم إلى رواية مع كونها ضعيفة السند مما يوجب الاطمئنان بالصدور لأنهم مع كونهم في كمال الديانة والاحتياط والسداد يبعد ان يتمسكوا في الفتوى بدليل ضعيف والنسبة بين هذا القسم والشهرة الروائيّة العموم من وجه فربما تجتمعان في حكم وربما يكون إحداهما دون الأخرى.

لا يقال يمكن ان يكون سندهم رواية أخرى صحيحة السند لا هذه الرواية ليقال انها منجبرة بفتواهم لأنا نقول بعد استنادهم إليها لا وجه لهذا الاحتمال فانه يكون في صورة عدم الاستناد وبمثل هذا نقول إذا أعرضوا عن رواية صحيحة يكون هذا

١٤٦

كاشفا عن ضعفها من حيث السند أو الدلالة لوجود قرينة عندهم على عدم تمامية الدلالة أو قدح في السند وكلما ازداد صحة ازداد بعدا.

وربما توهم في المقام عدم الانجبار وعدم الوهن بها وتارة يفصل بين الجبر فيقولون به وبين الوهن فيقولون لا يوجبه عدم تمسكهم برواية صحيحة وكانوا بعض هؤلاء من المتأخرين من أساتيذنا في النجف الأشرف مستدلا بأنه مع صحة سند الرواية لا يكون الوثوق النوعيّ معتبرا وكذلك لا يفيد في الرواية الضعيفة.

والجواب عنه هو أن دليل حجية الخبر الواحد هو بناء العقلاء وأمضاه الشرع ولا يكون لهم بناء على قبول خبر لا يوجب الوثوق فانا إذا نرى أن التاجر مع كونه في صدد تحصيل النّفع يقال له ان هذا الجنس الفلاني لا يكون له مشتر في السوق الذي يصدر متاعه إليه وقد سقط عن القيمة فرأينا انه لا يعتنى بهذا الخبر مع كون الراوي ممدوحا نفهم وجود قرينة أو شيء في البين صار سببا لئلا يعتنى التاجر بهذا الخبر والفقهاء رضوان الله عليهم تجار الأحكام وأنهم في صددها فمع الاعراض عن خبر صحيح نفهم وجود شيء في البين وكذلك يقال فما كان الراوي ضعيفا ويوثق بخبره فانه أيضا كاشف عن قرائن في البين موجبة للاعتماد.

واما الشهرة الفتوائية فهي على التحقيق عندي تكون مثل الإجماع الحدسي إذا كانت بحيث يطمئن النّفس بوجود سند قوى عندهم مع كون ما يخالفهم شاذا نادرا لا يعبأ به لأنهم خبراء الفن كما مر في الإجماع.

واما شيخنا الأستاذ قده فيقول ان الشهرة غير الإجماع فانها تكون في صورة كون المسألة بحيث يكون فيها القولان أو الأكثر ويكون القائل في أحد الأطراف أكثر من القائل للطرف الآخر بحيث لا يكون الآخر شاذا فان المشهور عنده هو الواضح فإذا كان الإجماع الحدسي فلا شبهة في أن الفقهاء إذا لم يستندوا إلى رواية ضعيفة اما لعدم وجودها أو مع وجودها نفهم اما ان يكون السند لهم ما كان من الرواية موجودا في الأصول المشهورة أو كان لهم سند آخر غيره فاما ان تكون منجبرة لضعفها أو كاشفة عن سند قوى واما إذا لم تكن الرواية في الأصول المشهورة فهذه

١٤٧

الشهرة لا تكون منجبرة لضعفها لأنها لم تكن بمرآهم ومنظرهم.

والحاصل الشهرة بالمعنى الذي نقول تكون مثل الإجماع الحدسي وهو حجة عندنا وسنده سند حجية الخبر الواحد وهذا النحو من الشهرة لا يكاد تتحقق في عصر واحد ما يكون مقابلا لها بخلاف ما يكون معناه ما عن الأستاذ قده فانه يمكن ان يكون في عصر واحد الأقوال في مسألة متخالفة بعضها أقل وبعضها أكثر.

ثم انه ربما قيل على ما هو المشهور من معنى الشهرة بان الشهرة في مسألة إذا كانت عن القدماء تكون موجبة لوهن الرواية الصحيحة واما ما كان عن المتأخرين فلا توجب الوهن لأن القدماء لكونهم قريبا بعصر الإمام عليه‌السلام يمكن ان يكون عندهم شيء هو قرينة لم يصل إلينا واما المتأخرين فلا يكون هذا الاحتمال في حقهم.

وفيه ان المتأخرين مثل العلامة والشهيد والمحقق وأمثالهم إذا كانت رواية صحيحة بمرآهم ومنظرهم ولم يفتوا بمؤداه مع أنهم خبراء الفن كيف لا يقال ان إعراضهم موجب للوهن مع حسن الظن بهم فلعلهم أيضا وجدوا ما يكون سندا لهم لوهن تلك الرواية اما من حيث السند أو الدلالة أو الجهة هذا في كونها موجبة للوهن واما الجبر فيقول الخراسانيّ قده أن المناط في الخبر هو الوثوق المخبري بأن يحصل لنا الوثوق بأن هذا صادر عن المعصوم عليه‌السلام واما الوثوق الخبري فلا يلزم فعليه إذا كانت الشهرة متحققة فيحصل الوثوق الخبري ولو لم يحصل الوثوق بالخبر الذي يكون ضعيفا مع قطع النّظر عن هذه الشهرة فمن كان مبناه مبناه قده فنقول بالجبر ومن لا يكون مبناه مبناه لا يقول به فكل على شاكلته.

هذا كله بالنسبة إلى أصل الشهرة واما السند لاعتبارها فهو مرفوعة زرارة عن غوالي اللئالي بقوله عليه‌السلام خذ بما اشتهر بين أصحابك واترك الشاذ النادر فان الشهرة عامة في شمولها لما كانت روائية ولما كان فتوائية والمورد وان كانت الروائيّة لأن السائل يسأل عن الخبرين المتعارضين بقوله إذا جاء عنكم الخبران ولكنه لا يخصص الجواب العام.

وفيه ان المراد بالموصول هو ما ذكر في الصدر أي خذ بالخبر المشهور

١٤٨

فلا يكون شاملا لغير الروائيّة حتى نحتاج إلى ان نقول ان المورد مخصص أو غير مخصص هذا على المشهور واما على ما قلنا من معنى الشهرة فلا بد ان يختص بالخبر فانه لا يمكن ان يكون الشهرة في الفتوى متحققة في كل طرفي مسألة مع أن الراوي قال كلاهما مشهوران فلا بد ان يكون الكلام في الخبرين فقط فانه يمكن ان يكونا مشهورين بنقل الرّواة في الأصول فلا تشمل الرواية الشهرة الفتوائية.

واستدل أيضا بمقبولة عمر بن حنظلة (١) قوله ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه.

والكلام فيها أيضا كالكلام في الرواية السابقة فان المجمع عليه هنا بمعنى الشهرة وعلى ما قلناه من انها هو الإجماع الحدسي فلا يأتي فيه التعارض ولا بد ان يكون المشهور هو المشهور الروائي واما على مسلك القوم فالمشهور أيضا هو الروائي.

واستدل أيضا لحجية الشهرة في نفسها بآية النبأ من حيث التعليل في ذيلها بقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) فعدم اتباع نبإ الفاسق يكون لنكتة انه موجب للإصابة بالجهالة وكل مورد لم تكن الإصابة كذلك لا إشكال في الاتباع والشهرة حيث لا يكون متابعتها موجبة للوقوع في الجهالة يجب اتباعها.

والجواب عنه هو انه إذا قيل لا تشرب الخمر لسكره معناه هو ان حرمة الخمر تكون للإسكار ولا يشمل ما لا يكون بمسكر وهنا الخبر الّذي لا يوجب الوقوع في الجهالة يجب اتباعه لا أن كل شيء كذلك حتى يتعدى منه إلى الشهرة.

واستدل أيضا بأنه يكون من الظنون الّذي يمكن ان يقال انه أقوى من الظن الحاصل من خبر العادل فكما انه حجة بدليل حجية خبر الواحد كذلك هو الّذي هو أقوى وهو الحق بتقريب ما ذكرناه من أنهم إذا كانوا خبراء الفن وقالوا بشيء من

__________________

(١) في باب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ من الوسائل ح ١

١٤٩

الحكم يحصل الاطمئنان باستناده إلى رأى المعصوم عليه‌السلام وقد أشكل عليه المحقق الخراسانيّ في الكفاية فان شئت فارجع إليها.

فصل في حجية الخبر الواحد

والبحث في هذا في جهات : الجهة الأولى في أن هذا البحث هل يكون من مسائل علم الأصول أولا والحق عندنا كما عن بعض الاعلام من مشايخنا هو أن المسألة الأصولية هي كل بحث يكون نتيجته كبرى للصغريات الفقهية سواء كان موجبا لإحراز التكليف الشرعي كمفاد الأمارات أو موجبا لتعيين الوظيفة كما في الأصول ولا يكون عنده موضوع محرز لعلم الأصول.

ولا يقال علينا إذا لم يكن الموضوع لهذا العلم محرزا يلزم تداخل العلوم لأنا نقول اختلاف الأغراض يكون سببا لاختلاف العلوم فربما يبحث في شيء لغاية وربما يبحث عنه لغاية أخرى.

واما على المشهور من وجود الموضوع له يجب البحث في أن البحث في الخبر الواحد هل يكون موضوعه السنة أم لا فانه اشتهر ان موضوع علم الأصول الكتاب والسنة والإجماع والعقل فنقول انهم عرفوا موضوع العلم بأنه ما يبحث عن عوارضه الذاتيّة بقولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة وعليه فقد أشكل بأن البحث عن الخبر الواحد لا يكون البحث عن السنة التي هي قول الإمام أو فعله أو تقريره بل يكون بحثا عن أحوال الحاكي للسنة وهو الخبر.

وقد أجاب عنه الشيخ الأنصاري قده بما حاصله هو ان البحث في حجية الخبر الواحد يكون بحثا عن عوارض السنة بأن يقال يكون البحث في أن السنة هل تثبت بالخبر الواحد أم لا.

فأجاب عنه تلميذه الخراسانيّ قده بأن المراد ان كان إثبات السنة واقعا ليرجع البحث عنها إلى البحث عن الوجود والعدم فمحل بحثه يكون الفلسفة العليا لا الأصول وان كان المراد إثبات السنة بالخبر الواحد فيكون البحث عنها بعد الشك

١٥٠

فيها فالموضوع في الواقع يكون هو السنة المشكوكة لا عن السنة نفسها وقد ادعيتم ان الموضوع هو الّذي يكون البحث عن عوارضه الذاتيّة ويكون هذا البحث عنها بالواسطة وهي المشكوكية فهذا خلف.

والجواب عنه قده هو أن البحث يكون عن أن السنة هل تعلم بالخبر أم لا. ولا يقال ان العلم لا يكون من العوارض للسنة فانه كشف محض. لأنا نقول حيث يكون مقوم الحجية الوصول ففي صورة عدم الوصول لا حجية لها وحيث يكون البحث في إثباته بالخبر الواحد بحثا عن الوصول وعدمه يرجع البحث إلى البحث عن أحوال السنة ولا يضر الواسطة في العروض وهو المشكوكية.

لا يقال العلم يكون في صقع النّفس ولا يسرى إلى الخارج حتى يكون حالا للسنة. لأنا نقول يكون البحث في أن مطابقه هل يكون في الخارج أم لا وكيف كان فلا بد من رفع اليد عن كون العرض ذاتيا في موضوع العلم لأنه لا بد من الواسطة (١).

__________________

(١) أقول كل موضوع من الموضوعات تارة يكون نفسه مفروض الوجود والبحث يكون عن عوارضه ولا شبهة في ان البحث عنه يكون البحث عن عوارضه الذاتيّة واما إذا كان موضوع من الموضوعات وجوده الإجمالي محققا والشك يكون في وجوده التفصيلي فكل ما كان متعرضا لإثبات هذا التفصيل لا بد ان يكون بعد الجهل أو الشك فيه.

فان السنة وجودها الإجمالي وهو انه كان لنا أي في ديننا قول الإمام عليه‌السلام أو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واما أنها هل تكون موجودة في خصوص فرض صلاة الجمعة مثلا أم لا فهو مشكوك والمقام كذلك كما أن الوجود بنحو الإجمال يكون في الفلسفة العليا موضوعا ومن أنكره يكون سوفسطيا.

ولكن إذا جاء البحث عن العقل الفعال وبرهان إثباته يكون وجود العقل الفعال مشكوكا فيثبت بالدليل فيكون موضوع البحث ما هو مشكوك الوجود فثبت وجوده بالدليل.

ولعله لذا قال مد ظله لا بد من الواسطة أو إنكار الموضوع للعلم والثاني أيضا ـ

١٥١

أو يقال لا موضوع لعلم الأصول أصلا والمراد من المسألة الأصولية ما ذكر وكيف كان فلا شبهة في أن البحث هنا يكون من أهم المسائل الأصولية. ثم قبل الورود في الاستدلال يجب التوجه إلى شيء وهو أن الخبر يجب ان يبحث فيه عن جهات : الأولى عن صدوره والثانية عن الجهة وهو إثبات عدم كون الصدور تقية والثالثة جهة الدلالة والظهور.

وقد مر البحث عن الجهة الثانية والثالثة في بحث الظهورات فيما سبق وثبت ان بناء العقلاء على اتباع الظهورات وعدم الاعتناء إلى احتمال الصدور عن تقية إذا لم يكن في البين قرينة عليها لأصالة تطابق الإرادة الجدّية والاستعمالية والآن يكون البحث عن الجهة الأولى وهي جهة الصدور فنبحث من انه هل يثبت الخبر الواحد قول الإمام عليه‌السلام وفعله وتقريره أم لا.

أدلة المانعين عن حجية الخبر الواحد

فنقول مقدما لدليل القائلين بعدم حجية الخبر الواحد كما قدمه الشيخ قده وغيره على دليل الحجية.

فقد استدل على المنع بالأدلة الأربعة الآيات والروايات والإجماع والعقل.

اما الآيات فقوله تعالى (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) في سورة الإسراء وقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (في سورة يونس) بتقريب ان الآية الأولى للنهي عن اتباع غير العلم والخبر الواحد موجب للظن لا العلم فبمقتضى النهي عن اتباع غير العلم مع كون

__________________

ـ أسهل والأول لا بد ان يلتزم به من قال بوجود الموضوع لعلم الأصول والمباحث أكثرها يكون كذلك عند التدبر في ما يذكر موضوعا لسائر العلوم أيضا.

ولنا بحث في تعاليقنا على الأسفار لصدر المتألهين عند البحث عن موضوع كل علم وهكذا في الأصول عند البحث المستقل عن موضوع هذا العلم في ما مر تذييلا لمباحث الأستاذ مد ظله والرجوع إليه لا يخلو عن الفائدة والله العالم.

١٥٢

الظن لا يغنى من الحق شيئا بمقتضى الآية الثانية يحرم اتباع الخبر الواحد.

وقد أجابوا عنها بان الروايات الدالة على حجيته يكون واردا على الآيات ولكن هذا التعبير غير صحيح على المتدبر فان الورود في الواقع يكون في صورة عدم الموضوع للدليل المورود وفي المقام لا يسقط الظن عن كونه ظنا بواسطة دليل حجيته فالأولى هو التعبير بالحكومة ولكن التعبير بها أيضا يحتاج إلى إثبات نظر الحاكم إلى المحكوم وان يكون مفاد أدلة الحجية هو تتميم الكشف كما هو التحقيق من مسلك العلمين النائيني قده والعراقي قده فان مفادها هو ان الظن علم فلا يكون متابعته متابعة الظن تنزيلا لا واقعا.

واما على مسلك الشيخ الأنصاري قده القائل بتنزيل المؤدى ومسلك الخراسانيّ قده القائل بجعل الحجية فالتعبير بالحكومة أيضا غير صحيح وهما (قدهما) كانا ملتفتين لمسلكهما ولذا لم يكونا قائلين بالحكومة بل قالا بأن دليل حجيته يكون مخصصا للآيات.

وأضف إلى ذلك أن الآية تدل على ان الظن لا يكون له الأثر بقوله تعالى ان الظن لا يغنى من الحق شيئا فهو لا اقتضاء وأدلة حجية الخبر الواحد يكون لها اقتضاء الحجية فتقدم الثانية على الأولى فلا معارضة بين المقتضى واللااقتضاء ولو سلم التعارض أيضا فأدلة الحجية أظهر.

فان قلت هذا يكون صحيحا في صورة كون الدليل نقليا وهو الروايات ولكن العمدة هي بناء العقلاء في حجية خبر الواحد وهو يتم في صورة عدم الردع عنه والروايات رادعة عنه فلا يتم حجيته.

أقول لا يخفى عليكم الخلط في الكلمات بين السيرة المتشرعية على الحجية وبين بناء العقلاء فان الأولى تكون كالدليل النقليّ لأنها لكشفها عن رأي الإمام عليه‌السلام يكون حجة قطعية ولا يمكن ان يرفع اليد بظهور الآية بل إذا دار الأمر بين رفع اليد عن ظهورها أو السيرة يرفع اليد عن الظهور بالدليل القطعي واما إذا كان الدليل بناء العقلاء فيمكن ان يكون له رادع.

١٥٣

ثم قال الخراسانيّ (قده) في مقام الجواب ان ردع الآيات عن بنائهم يكون دوريا لأن ردع الآيات يتوقف على ان لا يكون بنائهم مخصصا لها ومخصصيته يتوقف على عدم ردع الآيات عنها.

وقد أجيب عنه بأن السيرة حيث تكون في حجيتها محتاجة إلى عدم الردع فإذا شك فيه يكفى للأخذ ٠ به فانه إذا شك في رادعية العام نأخذ بالسيرة والجواب عنه هو ان دلالة العام في الرادعية غير متوقفة على شيء فان له اقتضاء الحجية ولكن السيرة حيث تكون متوقفة الدلالة حتى يجيء إمضائها من قبل الشرع ولو بواسطة عدم الردع فلا تكون حجة فعلى هذا يكون ما له الاقتضاء مقدما على ما لا اقتضاء له ففي صقع حجية العام لا يكون المعارض قابلا للتمسك حتى تصل النوبة إلى الدور فبهذا البيان يمكن ان يقال بأن العام يردع عن السيرة.

فالتحقيق في الجواب ان يقال ان الآيات تردع عن متابعة غير العلم لا عن متابعة العلم والسيرة حيث تكون كاشفة عن رأي المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين يتحصل بها فرد من العلم وبناء العقلاء على متابعته يكون محصلا للعلم وإلقاء احتمال الخلاف فلا إشكال في متابعة الخبر الواحد هذا كله في البحث عن الآيات الرادعة عن العمل بالخبر الواحد.

في الاستدلال بالروايات على عدم حجية الخبر الواحد

واما الروايات فهي بالسنة مختلفة (١) في عدم الحجية والجامع بين الجميع هو عدم الصدور أو عدم الحجية من باب انه يكون للتقية وهي على ثلاث طوائف ويجيء فيها الاحتمالان :

الطائفة الأولى ما دل على وجوب الرجوع فيما لا يعلم إلى الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما روى عن بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى قال أقرأني داود بن فرقد

__________________

(١) وكثير منها في الوسائل في باب ٩ من أبواب صفات القاضي كخبر ١١ و ١٢ و ١٥ و ١٩ و ٢٠ و ٢٤.

١٥٤

الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام وجوابه بخطه نسألك عن العلم المنقول عن آبائك وأجدادك سلام الله عليهم أجمعين فكيف العمل به على اختلافه فكتب بخطه ما علمتم انه قولنا فألزموه وما لم تعلموه فردوه إلينا (١).

وتقريبها ان الخبر الواحد مما لا يعلم بصدوره فكيف نعلم انه قولهم عليهم‌السلام وما هو المفيد للعلم يكون الخبر المتواتر فما لا يعلم بصدوره يجب رد علمه إليهم وهذا يقتضى نفى العمل به.

الطائفة الثانية ما دل على عرض الاخبار على كتاب الله فما وافق الكتاب يؤخذ به وما خالفه ولم يوافقه يترك مثل ما عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال انظروا أمرنا وما جاءكم عنا فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردوه وان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح من ذلك ما شرح لنا (٢).

وتقريب الاستدلال هو ان اللازم هو متابعة الكتاب لأن ما وافق الكتاب يكون المرجع فيه في الواقع هو الكتاب لا الاخبار.

الطائفة الثالثة من الاخبار ما دل على قبول ما لا يخالف الكتاب ورد ما خالفه والفرق بينها وبين السابقة ان المدار فيها على ان عدم المخالفة يكفى ولا يجب الموافقة.

فمنها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق الكتاب والسنة وتجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة فان المغيرة بن سعد لعنه الله دس في كتاب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (٣).

والجواب الصحيح عن هذه الروايات هو ان مخالفة الكتاب والسنة اما ان

__________________

(١) في الوسائل ج ١٨ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ٣٦.

(٢) في الباب المتقدم ح ٣٧.

(٣) هذا في فرائد الشيخ الأعظم ونظيره في الوسائل في الباب المتقدم ح ٤٧ عن سدير.

١٥٥

تكون بنحو العام والخاصّ المطلق أو من وجه أو بنحو التباين فما كان منها بنحو العموم والخصوص المطلق فحيث يكون الجمع العرفي بين الطائفتين موجودا لا يرى مخالفة في الواقع وهكذا إذا كانت النسبة العموم والخصوص من وجه (١) فانه لا مخالفة فيها أيضا.

واما ما كان مباينا فهو يكون مشمولا لتلك الروايات الناهية عن العمل بها فلا يكون النهي عن مطلق الخبر الواحد بل فيما يتحقق به المخالفة لا ما لا يكون كذلك هذا أولا.

وثانيا ان المراد بما يجب رد علمه إليهم عليهم‌السلام من باب انه مما لا يعلم لا يكون المراد بنقيضه وهو ما يعلم هو العلم الوجداني بل نقول ان المراد ما لا يكون الحجة عليه قائما واما ما دل الدليل عليه فلا يكون مما لا يعلم لبناء العقلاء على اتباع الخبر الواحد من باب انه يوجب العلم وحيث يكون لنا دليل أيضا على حجية الاخبار كما سيجيء إمضاء لبناء العقلاء لا يكون اتباعه اتباع ما لا يعلم وفي مورد التباين حيث لا يكون حجة لا يجوز اتباعه.

وثالثا هذه الاخبار التي ادعيتم دلالتها على عدم حجية الخبر الواحد نفسها آحاد فكيف يمكن نفى حجيتها أي نفى حجية الاخبار الآحاد بها. وما قيل من أن هذه متواترة إجمالا لأنا نعلم بصدور بعض المضامين عنهم عليهم‌السلام فلا يتم لأن هذه اخبار آحاد ضعاف ولا يكون لنا العلم الإجمالي كذلك.

واما ما يقال بأن العلم الإجمالي بوجود اخبار غير صحيحة في الاخبار من

__________________

(١) أقول النسبة إذا كانت العام والخاصّ من وجه ففي مورد المعارضة يعنى الاجتماع لا بد ان يقال بسكوت كلا الدليلين عنه لا أنه يكون له جمع في مورد الاجتماع أيضا ولعل هذا هو مراده مد ظله من عدم المخالفة وهذا هو التحقيق وان كان رأى بعضهم إعمال مرجحات باب التعارض في مورده وعدم الاعتناء بلزوم التبعيض في السند وان التعبد بذلك ممكن وان لزم التبعيض كما احتمله الشيخ الأعظم في باب التراجيح واختاره غيره.

١٥٦

باب الدس ينحل بالحمل على صورة كون النسبة بينها وبين الآيات وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتباين فينحل العلم فلا وجه له أيضا لأن من يريد الدس لا يدس بنحو لا يقبل منه فانه يريد ان يحق الباطل بكلماته ولا طريق له إلّا ان يكون بما لا يتباين الحق.

فالصحيح ان يقال ان المراد بالدس هو ما يظن بعضهم من ألوهية الإمام عليه‌السلام وينقل ما يدل على ذلك أو ادعاء ان الصلاة الحقيقية ما قرأها أمير المؤمنين عليه‌السلام لا ما قرأه الناس فليس لنا صلاة وأمثال ذلك كما عن الخراسانيّ وأستاذنا العراقي (قدهما) فتحصل انه لا يتم الاستدلال بهذه الروايات لعدم حجية الخبر الواحد.

واما الإجماع على عدم الحجية كما عن السيد المرتضى قده ففي مقابله إجماع الشيخ الطوسي قده على الحجية ومن العجب تحقق ادعاء إجماعين في عصر واحد من العلمين مثلهما.

ويمكن ان يكون لكل واحد منهما محمل ليكون وجه جمع بينهما وهو أن في الصدر الأول كان يطلق الخبر الواحد على كل خبر ضعيف عند السيد واتباعه ولذا ادعى السيد الإجماع على عدم حجيته ويكون مراد الشيخ قده من الإجماع على الحجية الاخبار التي لا تكون ضعافا وقول كل واحد منهما صحيح لعدم حجية الاخبار الضعاف وحجية الصحيحة والموثقة.

أو يقال الإجماع على المنع يكون فيما يكون مباينا للكتاب والإجماع على العمل به فيما لا يكون كذلك. وعلى فرض عدم قبول هذا الجمع فهما متعارضان فيتساقطان.

ومع قطع النّظر عن المعارضة فحيث يكون عمل جل من الفقهاء عليه ولو لم يصل حد الإجماع يكفى لسقوط الاعتماد بمثل هذا الإجماع المدعى عن السيد ره لعدم كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

مضافا بأنه يكون منقولا بالخبر الواحد وهو السيد (قده) فإذا لم يكن حجة لا يكون هذا أيضا حجة لأن حجيته تتوقف على حجية الخبر الواحد كما مر.

فتحصل انه لا يمكن القول بعدم حجية الخبر الواحد إلّا إذا كان مباينا للكتاب.

١٥٧

واما الدليل العقلي على عدم الحجية فهو ما ذكره ابن قبة في أصل حجية الظن من تحليل الحرام وتحريم الحلال واجتماع الضدين أو المثلين وحيث مر البحث عنه مفصلا فلا نعيد هنا.

ثم ان هذا القدر من الدليل على منع المانعين لا يكفى لإثبات الحجية فيلزم إثبات الحجية أيضا بالأدلة.

في الأدلة الأربعة على حجية الخبر الواحد ومنها الآیات

ومنها الآيات فنقول : قد استدل على حجية الخبر الواحد بالأدلة الأربعة فمن الكتاب بآيات : منها آية النبأ وهي قوله تعالى (في سورة الحجرات آية ٦) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) وتقريب الاستدلال بها بوجوه :

الأول بدلالة الاقتضاء الناشئ من تناسب الحكم والموضوع.

وبيانه هو ان الفاسق إذا جاء بالخبر حيث يكون الكذب في حقه محتملا وبناء الفقه على الاخبار الآحاد فيحب التبين في خبر الفاسق حتى يعلم انه يكون صادقا أو كاذبا واما العادل فحيث لا يكون في خبره الكذب يقبل قوله بدون التبين.

والثاني الاستدلال بمفهوم الشرط وطريق أخذ المفهوم على ما هو التحقيق هو إثبات ان المحمول يكون سنخ الحكم واما على المشهور فطريقه ان يكون الشرط علة منحصرة للحكم بشخصه لا يجامعه وهنا يكون شرط وجوب التبين هو مجيء الفاسق بالخبر وهو علة منحصرة بشخصه لوجوب التبين لا بجامعه بأن يكون المجيء الجامع بين مجيء الفاسق والعادل هو العلة لوجوب التثبت بل شخص مجيء الفاسق فلا يكون وجوب التبين بانتفاء هذا الشرط.

واما على ما هو التحقيق من ان سنخ وجوب التبين هو الّذي أنيط بمجيء الفاسق لا الشخص منه بأن يكون التبين واجبا عند مجيء الفاسق بالخبر بحيث يكون هذا حصة من الطبيعي وحصته الأخرى وهي مجيء العادل بالخبر أيضا يحتمل ان

١٥٨

تكون واجب التبين فإذا كان سنخا فلا يجب التبين إذا لم يكن الجائي بالخبر الفاسق فإذا كان عادلا فلا يجب التبين.

ثم ان الشيخ الأنصاري (قده) قال بما حاصله هو انا لا نحتاج إلى ضم مقدمة الأسوئية في وجوب العمل على خبر العادل فانه (قده) قال بأن الأمر بوجوب التبين لا يكون نفسيا بأن يكون التبين مع قطع النّظر عن العمل واجبا وإلّا فعلى فرض كونه واجبا شرطيا في جواز العمل بقول الفاسق فلا يحتاج إلى ضم هذه المقدمة وبعبارة أخرى لو كان الوجوب نفسيا ليكون حينئذ أمور ثلاثة في المقام : وجوب الفحص عن الصدق والكذب والرد من دون التبين بالنسبة إلى العادل. والقبول بدون التبين وحيث ينتفي الثاني لكون العادل أسوأ حالا من الفاسق حينئذ فلا بد من اختيار الثالث وهو القبول بدون التبين ولكن لا يكون الوجوب نفسيا حتى يكون التقريب هكذا بل الوجوب بقرينة الذيل وهي إصابة القوم بجهالة يكون شرطيا لئلا يقع في الجهالة فالعمل بخبر العادل غير مشروط بشرط لعدم احتمال الوقوع في الجهالة بواسطة خبره فلا يكون له هذا الشرط فأصل جواز العمل بالخبر لا يكون مشروطا بالتبين بل خبر الفاسق يكون له هذا الشرط.

وقد أجاب (١) عنه شيخنا العراقي قده بأن التبين في الآية المباركة اما أن

__________________

(١) أقول وقع خلط في المقام في نقل كلام الشيخ قده وهو انه قده في تقريب مفهوم الشرط لا يقول بعدم الاحتياج إلى مقدمة الأسوئية فان عبارته في الرسائل في المقام هكذا.

والمحكي في وجه الاستدلال بها أي بالآية وجهان أحدهما انه سبحانه علّق وجوب التثبت على مجيء الفاسق فينتفى عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط وإذا لم يجب التثبت عند مجيء غير الفاسق فاما ان يجب القبول وهو المطلوب أو الرد وهو باطل لأنه يقتضى كون العادل أسوأ حالا من الفاسق وفساده بين الثاني إلخ.

ففي هذا الوجه صرح (قده) بمقدمة الأسوئية واما في الوجه الثاني وهو باصطلاح القوم هو الاستدلال بمفهوم الوصف صرح بعدم الاحتياج إلى مقدمة ـ

١٥٩

يكون لتحصيل العلم الوجداني بمفاد الخبر أو يكون لتحصيل الوثوق لا العلم كذلك بل الأعم منه.

وعلى الأول لا معنى لشرطية التبين لوجوب العمل بالخبر بل حجية العلم ذاتية لا تحتاج إلى جعل جاعل فلا يكون خصوصية للخبر بل العلم من أي طريق حصل يجب اتباعه فمفاد المنطوق هنا هو وجوب إلقاء خبر الفاسق من أصله ولزوم تحصيل العلم بالواقع عند إرادة العمل وحيث يكون وجوب اتباع القطع بحكم العقل فلا محالة يصير الأمر بوجوب التبين إرشادا إلى حكمه ولا يكون مولويا لا بنحو الشرطية ولا بنحو النفسيّة.

وعليه فخبر العادل الّذي لا يكون بالنسبة إليه وجوب التبين اما ان يكون للقطع بعدم صدقه أي انه كاذب لا يتوجه إليه أصلا بحيث لا يوجب الاحتمال أيضا وهو يصير أسوأ حالا من الفاسق فلا بد من قبول قوله من دون التبين فمقدمة الأسوئية لازمة على هذا الاحتمال.

واما على فرض كون المراد هو التبين لتحصيل الوثوق فوجوبه الشرطي وان

__________________

ـ الأسوئية في هذه العبارة فيتم المطلوب بدون ضم مقدمة خارجية وهي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق.

والشيخ العلامة الآغا ضياء الدين العراقي نفسه على ما في تقريرات تلميذه الشيخ محمد تقي البروجردي قده صرح في مقام بيان مفهوم الوصف بعدم الاحتياج إلى مقدمة الأسوئية بمقتضى المقابلة بين الفسق والعدالة فراجع إليه ففي مفهوم الشرط يقول الشيخ أيضا بضم مقدمة الأسوئية والآغا ضياء أيضا كذلك وفي مفهوم الوصف أيضا يتوافقان فلا إشكال على الشيخ قده في الواقع عنه قده ولعله أخذ كلامه من تقريب مفهوم الوصف وادخل في تقريب مفهوم الشرط ثم أجاب عنه بما ذكره لكثرة اشتغالاته.

واما جواب الأستاذ مد ظله عنه فهو بيان واقع وهو ان الشيخ أو غيره لو قال في مفهوم الشرط بعدم ضم مقدمة الأسوئية يكون الحق معه وهو الحق بعد ملاحظة تناسب الحكم والموضوع.

١٦٠