مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

وفيه ان المطلق الّذي ثبت إطلاقه في مقام الظاهر يكون حاله بالنسبة إلى المصادفة وعدمها كذلك ولكن الّذي لا يكون تاما في مقام الظاهر أيضا لا يكون وجه للتمسك به.

فالحق ان القيود الّذي يكون في عهدة المولى بيانه يكون الإطلاق طاردا له واما ما كان من جهة حكم العقل كما في المقام وهو الشك في القدرة فلا يكون طرده في وسع الإطلاق فلا يكون كلام الشيخ قده تاما والطريق هو الوجه الأول الّذي مرّ.

بقي في المقام شيئان

الأول هو أن الخروج عن محل الابتلاء كما يكون بواسطة عدم القدرة التكوينية كما يكون أحد الإناءين المشكوك نجاسة أحدهما في أقصى بلاد الهند كذلك قال الشيخ والنائيني (١) بأنه يصدق بواسطة المنع الشرعي وخروج أحد الأطراف عن الابتلاء كذلك أي عادة بحيث لا يكون في معرض الابتلاء عرفا بمثل الشراء والعارية بالنسبة إلى ما هو ملك الغير فإذا دار الأمر بين نجاسة أحد الكأسين الذين أحدهما ملك للغير لا يكون هذا العلم الإجمالي منجزا.

لأن الغير المقدور الشرعي يكون كغير المقدور التكويني بحسب العادة والنهي عن التصرف في إناء الغير الّذي لا يكون له سبيل إليه إلّا بنحو الغصب يكون مستهجنا وأصالة الطهارة في أحدهما لا يتعارض بأصالة الطهارة في الطرف الآخر أو يقال لا يكون العلم بالتكليف حاصلا في هذه الصورة.

وقد أجيب عنه بأن الوصول العادي إليه ولو من باب الغصب لو لم يكن يكون خارجا عن الابتلاء واما إذا كان الوصول العادي ممكنا لا يكون خارجا عن الابتلاء فللعلم الإجمالي التأثير لكن في مال الغير يكون النهي عن التصرف من جهتين جهة كونه غصبا وجهة كونه نجسا وهذا يكون عن الشيخ وشيخنا العراقي (قدهما).

__________________

(١) في الفوائد الجزء الرابع ص ٢٢ وفي الرسائل ص ٢٣٧ في التنبيه الثالث.

٤٦١

أقول الإشكال في المقام يكون من جهة ان المنجز لا ينجز كما إذا علمنا بنجاسة الكأس الأبيض أو الأسود ثم حصل علم آخر بنجاسة أحدهما أو ثالث مثل الأحمر فحينئذ يقال العلم الثاني لا يكون منجزا بالنسبة إلى الأحمر لأن المنجز بالعلم الإجمالي الأول لا يصير منجزا ثانيا والشبهة بالنسبة إلى الأحمر بدوية لعدم العدل له وعدم إحراز التكليف.

ففي المقام وان كان أحد الكأسين مال الغير ويكون النهي عن التصرف فيه قبل تحقق العلم منجزا ولكن لا يؤثر في عدم تنجيز العلم الإجمالي لأن النهي من جهة الغصب لا يكون مثل النهي عن جهة النجاسة ولا يكون قولهم المنجز لا ينجّز في لسان دليل ليؤخذ بظهوره ويقال بشموله للمقام بل يكون من باب لغوية الخطاب وهو يتحقق في صورة كون النهي عن شيء من جهة النجاسة مثلا ثم النهي عنه في هذه الجهة أيضا إذا لم يكن الاشتداد مثل ما إذا كان الشبهة في النجاسة من جهة الدم واما إذا كان إحداهما أقوى توجب تعدد الغسل والسابق يقتضى وحدته يمكن القول بالتنجيز أيضا مع اتحاد متعلق النهي وهو النجاسة.

فالحق في المقام يكون مع شيخنا العراقي في تصوير النهي من جهة الغصب ومن جهة النجاسة (١) فالعلم منجز ولا يكون ما في تقريرات شيخنا النائيني تاما والحاكم هو العقل وهو يحكم بتنجيز العلم هذا كله في صورة الخروج عن الابتلاء شرعا أو عادة.

__________________

(١) أقول فعلية النهي من جهة النجاسة تكون في صورة القول بالترتب في خصوص الغصب في النجاسة بأن يقال علي فرض عصيان امر الأهم فنهى المهم أيضا موجود في مثال الغصب واما مع عدم العصيان فحيث أن امر الأهم موجود ويكون الشخص ممن يطيع يكون النهي عنه ثانيا لغوا لأنه يحسب خارجا عن الابتلاء.

نظير ما كان العلم الإجمالي بجنابة أحد المشتركين في ثوب واحد فان الخروج عن الابتلاء من جهة الشخص الآخر مانع عن تنجيز العلم.

٤٦٢

الثاني هو أن الخروج عن الابتلاء هل يكون بمعنى عدم إمكان الابتلاء به عادة أو من باب اتفاق الابتلاء كذلك فعن الشيخ وتبعه النائيني في بعض دوراته ان المدار على فعلية الابتلاء لا إمكانه فقط فإذا دار الأمر بين نجاسة التراب في بيته أو تراب الطريق الّذي لا يبتلى به عادة من باب عدم ميله إليه غالبا فلا يكون العلم الإجمالي كذلك منجزا.

وفيه انه مع القدرة العادية على الابتلاء لا نحتاج إلى فعلية الابتداء فان إمكان الابتلاء يكفي في تنجز العلم الإجمالي إلّا إذا وصل إلى الخروج عن الابتلاء عادة ثم هنا فرع(١) لا بأس بالإشارة إليه هنا تيمنا لأنه من الفقه ويكون كثمرة هذا البحث.

وهو أنه إذا حصل العلم الإجمالي بنجاسة التراب الّذي يصح التيمم به أو الماء الّذي يصح الوضوء به مع الانحصار وعدم طهور آخر فهل يجب التيمم والوضوء أو الوضوء فقط أو يكون فاقد الطهورين وجوه وأقوال وحينئذ اما أن يكون التراب محل الابتلاء من ناحية التيمم فقط أو من ناحيته وناحية غيره مثل الاحتياج إليه من جهة أخرى فعلى فرض الابتلاء به الأعم من التيمم وغيره فيقال بالجمع بين الوضوء والتيمم من باب أن تحصيل الطهارة التي تكون واجبة ممكن لأن العلم الإجمالي بوجود مطهر في البين يقتضى الجمع بينهما لأن كليهما يكونان محل الابتلاء.

ويمكن أن يقال بأنه يجب الوضوء والتيمم قضاء للعلم الإجمالي وهذا الاحتياط واجب متعين ولا يكون فاقد الطهورين والقول بوجوب الوضوء فقط أيضا غير مستقيم لعدم العلم بحصول الطهارة به فقط لاحتمال كونه هو النجس.

وفي هذه الصورة يجب تقديم التيمم على الوضوء لأنه إذا تيمم ونفض يديه من التراب ثم توضأ بالماء لا يحصل له العلم بالنجاسة الخبيثة لأنه لو كان التراب

__________________

(١) هذا الفرع في العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي قده في فروع التيمم وقد تعرض له وتعرضنا لشرحه هناك في مسألة ٣ من مسائل شروط التيمم.

٤٦٣

هو النجس فقد نفضه وان كان النجس هو الماء فيكون الشبهة فعلا بدوية بالنسبة إليه والأصل يقتضى البراءة عن النجاسة.

لا يقال ما ورد بالنسبة إلى الماءين النجس أحدهما المشتبه من قوله عليه‌السلام يهريقهما ويتيمم يكون في المقام أيضا فان التراب والماء حكمهما كذلك فكما أنه أمر فيهما بالإهراق مع إمكان تحصيل الطهارة بهما أيضا من جهة الوضوء بأحدهما ثم غسل الموضع بالآخر والوضوء به أيضا فكذلك في المقام.

لأنا نقول ما ورد فيهما يكون من التعبد المحض ويختص بمورده ولا يشمل المقام وإلّا فمقتضى الأصل البراءة عن النجاسة المشكوكة مع إمكان تحصيل العلم بالطهارة حتى في الإناءين هذا في صورة كون الابتلاء بالتراب من جهة الأعم من التيمم أو السجدة عليه مثلا وأما إذا كان الابتلاء من جهة التيمم فقط فالأقوال الثلاثة يكون في هذا المقام لا في المقام الأول من القول بالجمع مطلقا أو الترك مطلقا أو الوضوء فقط لأن التكليف بالتيمم يكون هنا في طول التكليف بالوضوء لأن موضوعه هو الفقدان.

والفرض أن الابتلاء بالماء مقدم على الابتلاء بالتراب على هذا الفرض فحينئذ يكون لنا ماء مشكوك الطهارة والعلم الإجمالي لا يكون مؤثرا لخروج بعض أطرافه عن الابتلاء فعلا وهو التراب فانه لو كان النجس هو التراب في الواقع يكون لنا ماء طاهر نتوضأ به وان كان النجس في الواقع هو الماء أيضا فحيث يلزم أن يكون الاجتناب عنه من ناحية العلم الإجمالي ولا يكون له الأثر فيكون الماء طاهرا ظاهرا للشبهة البدوية في النجاسة بعد عدم الابتلاء بالتراب.

ولا يكون الأصلان متعارضين أي أصالة طهارة الماء مع أصالة طهارة التراب لاختلاف الرتبة أو يقال إذا شك في طهارة الماء تجري أصالة الطهارة بالنسبة إليه ويصير التراب خارجا عن الابتلاء بذلك لأنا نصير مصداق الواجد بهذا الأصل فيتعين الوضوء فقط والاحتياط بالجمع مستحب والقول بأنه يكون فاقد الطهورين للانحصار لا وجه له أصلا.

٤٦٤

فمن كان واجدا للماء والتراب المشتبه النجاسة للعلم الإجمالي يجب عليه اما الوضوء فقط أو هو مع التيمم ولا يكون فاقدا للطهورين فتدبر.

فصل في حكم ملاقى الشبهة المحصورة

فإذا لاقى شيئا مع أحد الأطراف يجب ملاحظة أن التنجيز الواقع في البين هل يكون لازمه الاجتناب عن الملاقى أيضا أولا فعلى الأول يلزم الاجتناب وعلى الثاني لا يلزم.

والأقوال هنا ثلاثة على حسب اختلاف المباني لزوم الاجتناب مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل الّذي يكون مؤسسه الخراسانيّ (قده) في الكفاية وهو أنه تارة يكون الاجتناب عن الملاقى والطرف لازما دون الملاقى بالفتح وتارة يكون الاجتناب عن الملاقى بالفتح لازما مع الطرف دون الملاقى بالكسر وتارة يكون الاجتناب عن الملاقى والملاقى كلاهما لازما مع الطرف ونحن قبل الورود في الاستدلال على ما هو الحق يجب علينا تقديم مقدمات في المقام.

المقدمة الأولى في حقيقة وجوب الاجتناب عن الملاقى وكيفية سراية النجاسة إليه والأمر بالاجتناب عنه والمتصور منه أقسام أربعة.

الأول أن يكون صرف التعبد ولكن بواسطة الملاقاة يتحقق موضوعه فإذا لاقى يجب الاجتناب عنه سواء كانت النجاسات واقعيات كشف عنها الشرع أو تكون اعتبارية محضة لعدم الفرق في ذلك من جهة الموضوعية للملاقاة.

الثاني أن يكون نجاسة الملاقى علة لنجاسة الملاقى فإذا لاقاه حصل المعلول وهو النجاسة.

والثالث أن يكون نجاسته منشأ من نجاسة الملاقى مثل صورة مزج النجس مع غيره وهذا على فرض كون النجاسات أمورا واقعية كشف عنها الشرع واضح ضرورة حصول السراية بذلك وعلى فرض كونها اعتبارية أيضا يتسع دائرة التعبد بواسطة كثرة الموضوع واتساعه والرابع ما عن بعض الأعيان فانه قال نجاسة الملاقى

٤٦٥

تكون من جهة نجاسة الملاقى ويكون نجاسة الملاقى واسطة في عروض النجاسة للملاقى مثل حركة راكب السفينة فان الحركة للسفينة حقيقة وتنسب إلى الراكب بواسطتها فهكذا في المقام يكون الاجتناب عن الملاقى بالكسر من شئون الاجتناب عن الملاقى بالفتح مثل أن إكرام خادم العالم يكون من إكرامه ومن شئونه.

والجواب عن هذا الأخير مع كون قائله أجل شأنا من هذا القول لأنه فنّان هذا الفن هو أن الواسطة في العروض لا تنطبق في المقام فان الاجتناب عن الملاقى بالفتح صادق بدون الاجتناب عن الملاقى بالكسر ولا يكون عدم الاجتناب عن الملاقى مضرا بساحة الاجتناب عن الملاقى فانه في مقام الثبوت لا معنى للوسطية في العروض فاما أن يكون النجاسة بواسطة السراية أو بواسطة النشو وما ذكره قده من المثال يكون من المحتملات الإثباتية لا الثبوتية.

وقال بعض العلماء ان الاحتمالات الثلاث الأول في الملكية بالنسبة إلى المنافع أيضا يجيء بأن تكون المنفعة من شئون العين أو سراية منها أو تعبدا هذا المحتملات الثبوتية.

وأما الإثباتية فالحق هو كون النجاسة منشأة من نجاسة الملاقى بالفتح والاتساع الواقعي بواسطة الملاقاة لا الحكمي فقط.

وقد أشكل على هذا الاحتمال بأنه كيف يمكن تصوير نجاسة بحر من المائعات المضافة مثل النفط بواسطة رأس إبرة من الدم فان الاتساع لا يتحقق وهو خلاف الوجدان.

والجواب عنه ان ثبوت هذا الاحتمال لا إشكال فيه وكذلك إثباته لأنه يمكن أن يسرى دقة بحيث يراه الشارع بنظره الدّقيق ولا يراه العرف وما ذكر من عدم السراية يكون استبعادا محضا.

ومما يؤيد ذلك هو أن الفقهاء في النجاسة يشترطون رطوبة الملاقى أو الملاقى ويكون ارتكاز العرف أيضا على أن اليابس لا ينجس اليابس وهذا لو فرض أن يكون النشو حقيقيا.

٤٦٦

ولو فرض أن يكون النشو بمعنى الاتساع في الحكم يكون الأمر أوضح ولا يرد عليه هذا الاستبعاد أيضا لأن اتساع الحكم باتساع الموضوع لا إشكال فيه ولا يقال ان القول بنجاسة ما ذكر لا يثبت المدعى لأنه كما يمكن ان يكون بالسراية يمكن ان يكون بالتعبد لأنا نقول ان هذا الارتكاز على ان سرّ شرطية الرطوبة في السراية هو اتساع الموضوع لا التعبد المحض فقط.

ومما يؤيد هذا المعنى هو مفهوم قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء فان الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شيء وهذا يكون ظاهرا في ان ملاقاة نجس لغير الكر يكون هو العلة بمعنى النشو لا التبعد المحض وأما العلية الواقعية فهي ممتنعة في المقام لأن العلة يمتنع ان تكون في المعلول فانها متقدمة ذاتا والمعلول متأخر كذلك وقد أشكل على هذا بأن معنى ينجسه شيء كما أنه قابل لأن يقال يكون علة للنشوء كذلك يمكن أن يكون واسطة في العروض وشأنا من شئون الاجتناب عن النجس الواقعي أو بمعنى اتساع الحكم تعبدا ومن الروايات التي تكون سندا للقول بكون الاجتناب عن الملاقى يكون من شئون الاجتناب عن الملاقى ما تعرض له في الرسائل (ص ٢٣٨) عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) أنه أتاه رجل فقال له وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال أبو جعفر عليه‌السلام لا تأكله فقال الرّجل الفأرة أهون عليّ من أن اترك طعامي لأجلها فقال له أبو جعفر عليه‌السلام أنك لم تستخف بالفأرة وانما استخففت بدينك ان الله حرم الميتة من كل شيء وجه الدلالة والتقريب هو انه جعل عدم الاجتناب عن الطعام الملاقى للنجس وهو الفأرة استخفافا بالدين فيكون من لوازم اجتناب نجاسة الفأرة الاجتناب عن الطعام الّذي وقعت فيه فيكون الاجتناب عن أحدهما اجتنابا عن الآخر وهذا يكون معنى كون الاجتناب عن الملاقى من شئون الاجتناب عن الملاقى لا التعبد ولا النشو.

وقد أشكل عليها الشيخ الأنصاري قده بضعف سند الرواية مع ان الظاهر من

__________________

(١) في الوسائل ج ١ باب ٥ من أبواب ماء المضاف ح ٢

٤٦٧

الحرمة فيها النجاسة لأن مجرد التحريم لا يدل على النجاسة فضلا عن تنجس الملاقى وارتكاب التخصيص في الرواية بارتكاب ما عدا النجاسات من المحرمات كما ترى فانه من تخصيص الأكثر فالملازمة بين نجاسة الشيء وتنجس ملاقيه لا حرمة الشيء وحرمة ملاقيه.

والحاصل من كلامه قده هو ان حمل الحرمة على النجاسة خلاف الظاهر فان الملازمة بين حرمة الفأرة وحرمة الطعام والقول بان ملاقى الحرام حرام كما هو ظاهر الرواية لازمه تخصيص الأكثر لأن أكثر المحرمات لا يكون ملاقيها حراما بل ما هو النجس بعد السراية فلا تدل هذه الرواية على ان الاجتناب عن ملاقى النجس يكون من شئون الاجتناب عن المتنجس بحيث لو لم يجتنب عنه لم يكن الاجتناب عن الملاقى بالفتح صادقا.

والجواب عنه (١) قده ان سياق السؤال يدل على انه كان عن حكم ملاقى النجس

__________________

(١) أقول يمكن بقاء الرواية على ظاهرها من سراية الحرمة ببث اجزاء الميتة في الطعام ويكون أكل الميتة حراما ولو فرض محالا عدم نجاسته وكون الرواية في الكافي لا يدل على قوته لأن كل ما فيه حتى ما وجدنا ضعفه لا يكون قويا عندنا ولو كان قويا عنده.

واما اختصاص هذا البيان للقائل بصورة كون النجاسة في الملاقى بالكسر اجتنابه من شئون الملاقى بالفتح لا يكون فان قوله بالاستلزام يناسب جميع المباني.

وهذا كله مع ان غاية ما يدل عليه هذه الرواية هي نجاسة الملاقى للنجس لا نجاسة الملاقى لأطراف الشبهة المحصورة التي لا يكون الاجتناب عنه الا من باب الاحتياط والأمر الطريقي في البين ولا دخل للمباني في ملاقى الشبهة المحصورة مبنى السراية وغيره.

ولو سلم الدخل فأي إشكال في اختيار السراية حسب ارتكاز العرف بأن اليابس لا ينجس اليابس كما مر منه مد ظله في البحث الثبوتي.

ولقد أصر مد ظله على أن الاجتناب عن الملاقى بالكسر يكون مقدمة للاجتناب ـ

٤٦٨

فان القارة الميتة نجسة والجواب يكون لهذا السؤال ولازمه كون ملاقى الشبهة المحصورة من شئون الاجتناب عن ملاقيه أيضا.

واما ضعف السند فيمكن الجواب عنه بأن الرواية وردت في الكافي وهو دليل على قوته.

والجواب الصحيح أن يقال لو كان نجاسة الطعام من نجاسة الفأرة بنحو النش أيضا لكان هذا الجواب كذلك وهكذا بنحو الاتساع في الحكم فلا تكون دالة على تعيين الشأنية.

فتحصل أنه لا دليل لنا على أن الاجتناب عن الملاقى يكون من أي قسم من الأقسام من السراية والشأنية والنشوية والاتساع في الحكم.

المقدمة الثانية هي أن الاجتناب عن أطراف الشبهة يكون لحفظ الواقع وهو النجس في البين وملاقى الأطراف أيضا كذلك يكون اجتنابه دخيلا في حفظ الواقع لأنه ما لم يجتنب عنه لم يعلم الاجتناب عن النجس الواقعي في البين.

المقدمة الثالثة في أن الملاقاة مع أحد الأطراف يلزمها ثلاث علوم إجمالية الأول وهو الأصل هو العلم بنجاسة الملاقى بالفتح والطرف والثاني العلم بنجاسة الملاقى بالكسر والطرف والثالث العلم بنجاسة اما الملاقى والملاقى واما الطرف وأساس كلام الخراسانيّ في الكفاية ص ٢٢٦ يكون هذه العلوم الثلاث مع

__________________

ـ عن النجس في البين لأن العلم الإجمالي علة تامة ولو كان مقتضيا لصح القول بأن أصل الملاقى لا معارض له.

وكنا نورد عليه بأنه علة تامة لما هو طرف له لا ما هو خارج عن الأطراف وإلّا فيلزم أن لا يكون لنا انحلال في صورة من الصور العلم الإجمالي حتى في الصورة الأولى عن الخراسانيّ قده هنا وغيره مع أنه قائل بجريان قاعدة الطهارة في صورة تقدم العلم على الملاقاة في الملاقى بالكسر.

مضافا بأن القائلين في الصورة الأولى منهم الخراسانيّ قده وهو قائل بالعلية التامة ومع ذلك يجري الأصل في الملاقى بالكسر مع سبق العلم بالنجاسة.

٤٦٩

عرضية العلم بالملاقاة والنجاسة أو تقدم العلم بالملاقاة ثم حدوث العلم بعدها أو بالعكس وسيجيء تقرير مرامه.

إذا عرفت هذه المقدمات الثلاث فنقول على فرض كون المبنى في نجاسة الملاقى هو السراية فيختلف الكلام في وجه وجوب الاجتناب عن ملاقى الشبهة المحصورة بعد القول بوجوب الاجتناب عنه.

الوجه الأول هو أن الاجتناب عن الملاقى بالفتح حيث يكون لحفظ الواقع في البين كذلك الاجتناب عن ملاقيه لازم لذلك كما عن الخراسانيّ لأنه على هذا يكون الاجتناب عن الملاقى نفس الاجتناب عن الملاقى لأن الموضوع قد اتسع بواسطة السراية فكأنه جعل كأس واحد من النجس في كأسين وجعل الذراع ذراعين من غير فرق بين كون العلم الإجمالي للتنجيز أو علة تامة لأن الأصول على فرض الاقتضاء أيضا متعارضة.

والوجه الثاني هو أن الملاقاة يحدث بعدها علمان إجماليان عرضيان بواسطة السراية ويجب الاجتناب عن الملاقى عملا بمقتضى العلم الإجمالي ضرورة أنه بعد السراية واتساع الملاقى بالفتح يكون لنا علم إجمالي بنجاسة الملاقى والطرف وعلم إجمالي آخر بنجاسة الملاقى أو الطرف ولا فرق بين العلمين لأن العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى والملاقى أو الطرف يكون عين العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى والطرف غاية الأمر اتسع الموضوع في جانب الملاقى وهو لا يضر بالتنجيز ولا فرق في ذلك أيضا بين كون المبنى في العلم الإجمالي هو الاقتضاء أو العلية لأنه على الأول أيضا يكون الأصول متعارضة ولا يكون لنا الأصل بلا معارض.

ولا يكون الشك في الملاقى بالكسر مسببا عن الشك في الملاقى بالفتح لئلا تصل النوبة إلى تعارض الأصل في الملاقى لتعارض الأصلين في الملاقى بالفتح والطرف فان قاعدة الطهارة في الملاقى بالكسر لا معارض لها في صورة كون الشك فيهما سببيا ومسببيا وفي المقام ليس كذلك لعدم كون معنى السراية السببية والنشر.

واما على فرض كون المبنى ان الاجتناب عن الملاقى يكون من شئون

٤٧٠

الاجتناب عن الملاقى فهو أيضا لا شبهة في وجوب الاجتناب لعدم العلم بحصول الاجتناب عنه إلّا بالاجتناب عن الملاقى كما أن إكرام العالم لا يتم إلّا بإكرام خادمه والعقل حاكم بما ذكر ولا فرق أيضا بين العلية والاقتضاء في العلم الإجمالي.

واما على مبنى القائل بالنشو لا السراية ولا الشأنية ، أو العلية الممنوعة والقول بأن نجاسة الملاقى تكون فردا مباينا لنجاسة الملاقى كما قال صاحب الجواهر قده من ان نجاسته تكون كنجاسة الكلب والخنزير وساير النجاسات في موضوعات مباينة متعددة.

فقد أفتى بعضهم بوجوب الاجتناب ولكن لا يكون كلامهم صريحا في ذلك ويمكن أن يكون في ذهنهم غير هذا المبنى من الشأنية أو السراية.

فنقول حاصل تقريب كلامهم كما عن الخراسانيّ (١) والنائيني (٢) والعراقي قدس الله أسرارهم هو أن العلم بالملاقاة اما ان يكون مقدما على العلم الإجمالي أو مؤخرا فعلى الثاني حيث أن الاجتناب عن الملاقى بالفتح قد نجز قبل هذا الزمان والمنجز لا ينجز ثانيا لا مجال للقول بالعلم الإجمالي بنجاسة الملاقى والملاقى لخروج الملاقى بالفتح عن الطرفية بالتنجيز فتكون الشبهة في الملاقى بالكسر بدوية محضة فقاعدة الطهارة فيها جارية بلا معارض واما إذا كان العلم بالملاقاة قبلا والعلم بالنجاسة بعدها فحيث يتحقق العلم الإجمالي في زمان واحد بنجاسة اما الملاقى والملاقى واما بنجاسة الطرف.

فقال الخراسانيّ قده ان الاجتناب عن الجميع لازم للتنجيز في آن واحد وعدم صيرورة الملاقى بالفتح منجزا قبله يشمله قاعدة المنجز لا ينجز ثانيا وفي بعض

__________________

(١) في ص ٢٢٦ في الكفاية وما فيها يرجع إلى أربعة صور وان جعله قده ثلاثة صور من حيث الحكم فارجع إليه ليتضح المرام وسيجيء البحث فيما أفاده عند كل صورة.

(٢) في ص ٢٦ و ٢٧ في الفوائد الجزء الرابع.

٤٧١

الصور يكون الاجتناب عن الملاقى بالكسر والطرف دون الملاقى وسيجيء التفصيل لقوله قده.

وقد أجيب عن الصورة الأولى بأن تقدم العلم لا يضر بوجوب الاجتناب عن الملاقى لأنه على فرض القول بالسراية يكون الملاقى مثل الملاقى بالفتح ضرورة اتساع الموضوع من باب جعل الكأس من النجس كأسين وقولهم المنجز لا ينجز ثانيا لا يكون في صورة كون العلم الإجمالي الثاني من سنخ الأول بل لو كان علم آخر من جانب آخر مثل ما إذا كان العلم الإجمالي بالنجاسة في الأول بوقوع قطرة دم ثم علمنا بوقوع قطرة بول اما في هذا الثالث أو أحد الأطراف من العلم الأول.

وهكذا إذا كان قطرة دم آخر ففي المقام يكون العلم الأول باقيا إلى زمان العلم الثاني وهو لا يضر بالتنجيز.

وفيه ان المقام يكون له الفارق مع صورة فصل كأس بكأسين لأن هذا يكون شيئا مستقلا في المقام ويكون مشكوك النجاسة ولا فرق في قاعدة المنجز لا ينجز ثانيا بين المقام وساير المقامات لأن هذا مستفاد من حكم العقل وهو لا يفرق بين المقامين فان العلم الثاني لا يكون منجزا لعدم تنجيزه في بعض الأطراف من العلم الأول وهو الملاقى بالفتح.

واما عدم التنجيز في العلم الإجمالي الثالث وهو العلم بنجاسة اما الملاقى بالكسر أو الطرف فهو أيضا واضح من باب أن الأصول في الملاقى بالفتح والطرف قد حصل التعارض بينها فتساقط وقاعدة الطهارة في الملاقى لا يكون لها المعارض فهي جارية.

وهذا على مبنى الشيخ الأنصاري قده القائل بالاقتضاء في باب العلم الإجمالي صحيح لأن الملاك فيه هو ان الأصل بلا معارض جار في هذا المسلك واما على القول بالعلية التامة فلا يتم لأنه على فرض كونه في دائرة العلم الإجمالي يجب الاجتناب عنه لأنه علة تامة لوجوب الموافقة القطعية.

٤٧٢

وقولهم بأن الشك في الطهارة بالنسبة إلى الملاقى مسبب عن الشك في الملاقى وحيث جرى الأصل فيه لا تصل النوبة إليه.

ممنوع من جهة أنه يمكن أن يقال أن قاعدة الحلية في الملاقى تكون في عرض قاعدة الطهارة في الطرف لأنه يمكن أن يكون العلم الإجمالي بغصبية هذا أو نجاسة ذاك فتتعارضان وتتساقطان هذا مضافا بأن النجاسة تكون مسببة عن نجاسة الملاقى بالفتح والطهارة ليست كذلك إلّا أن يقال حيث أن المراد ترتيب أثر نقيض النجاسة وهو الطهارة يحسب مسببا وإلّا فطهارته تكون مسببة عن عللها لا عن طهارة الملاقى على فرض الطهارة في الواقع.

فالحق هو أن يقال ان العلم الإجمالي منحل في الملاقى بالكسر لأن المنجز لا ينجّز ثانيا فتحصل أن مذهب الخراسانيّ قده والشيخ والنائيني في هذه الصورة هو عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر.

الصورة الثانية مما تعرض لها الخراسانيّ قده في الكفاية هي أن يكون العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى بالكسر والطرف قبل العلم بالملاقاة مثل أن نعلم بنجاسة الكأس (١) الأبيض الّذي يفرض أنه الملاقى أو الأحمر ثم حصل العلم بالملاقاة مع

__________________

(١) أقول في هذه الصورة يجب ملاحظة أن هذا العلم الأول من أين جاء فان العلم الإجمالي يحصل اما بوقوع نجاسة في هذا أو ذاك أو يكون من باب التعبد كما قام البينة على نجاسة شيء مردد.

والمتصور في المقام هو الثاني لأن الأول يكون موجبا لتشكيل علم إجمالي مستقل فحينئذ ان لم يبين سند شهادة البينة فالعلم بحاله وان بين وفهمنا أن سنده يكون ملاقاة هذا الطرف مع ما هو طرف للعلم الإجمالي فينقل الكلام فيه فان المبين وجوب الاجتناب عن ملاقى أطراف الشبهة فلا كلام في تنجيز العلمين وان كان المبنى عدم وجوبه فاللازم الاجتناب عن الملاقى بالفتح والطرف.

وما قال النائيني قده ردا على هذه المقالة لعله يكون لهذه النكتة والعلم طريق ـ

٤٧٣

الكأس الأسود قبل ذلك بأن علم أن نجاسة هذا الملاقى يكون من نجاسة ذاك الملاقى بالفتح فقال قده في هذا يلزم الاجتناب عن الملاقى والطرف دون الملاقى بالفتح لأن العلم الإجمالي صار أطرافه منجزا ويكون الملاقى كالشبهة البدوية.

وقيل ان الاجتناب عن الملاقى أو الطرف لازم كما عن النائيني قده وقد يفصل بين كون العلم علة تامة أو مقتضيا فعلى الأول يلزم الاجتناب عن الملاقى أو الطرف وعلى الثاني لا يلزم ذلك بل يلزم الاجتناب عن الملاقى بالكسر والطرف والحق مع الخراسانيّ قده لقوله بالعلية التامة في العلم الإجمالي فانه يؤثر اثره حين التنجيز والمنجز لا ينجز ثانيا فالطرف لا يكون وجها لتنجيز الطرف مع الملاقى فقاعدة الطهارة جارية في الملاقى لا من باب كون العلم مقتضيا بل من باب عدم العلم بنجاسته من باب خروجه عن الدائرة ولا يخفى أن هذا يكون على مسلك النشو والتعبد المحض كما هو مسلكه قده.

وقد أشكل على هذه الصورة شيخنا النائيني قده عليه قده بان ما ذكره يكون مخالفا للبرهان والوجدان.

اما البرهان فلان العلم لا يكون له موضوعية من باب انه صفة من صفات النّفس بل من باب انه طريق إلى الواقع فالمدار على المعلوم لا على العلم وهو متقدم في المقام فان العلم وان كان متأخرا ولكن المعلوم وهو النجاسة كان مقدما وعدم العلم به لا يكون مؤثرا في عدم تنجيزه في الواقع وهو علة والعلة متقدمة رتبة على المعلول فيكون الواجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح والطرف لا عن الملاقى.

والوجدان حاكم أيضا بأن ما هو علة الاجتناب يكون أولى بالاجتناب عن المعلول ويأبى النّفس عن القول بخلافه.

__________________

ـ محض فيكون المدار على المنكشف لا على الكشف كما قاله قده فيكون ظهور كون الاجتناب عن الملاقى بالكسر لملاقاته مع شيء آخر كرفع الحجاب عن الواقع وحيث بيّنا فيما سبق عدم تشكيل علم إجمالي آخر على أي مسلك فالاجتناب عن الملاقى غير لازم بعد كشف الحال.

٤٧٤

أقول الطولية في المعلوم لا يلازم الطولية في العلم والتنجيز للعلم لا المعلوم ولذا يتحقق التنجيز قبل ذلك ولا تصل النوبة إلى الملاقى بالفتح فانحلال العلم الأول زمانا ينوط بتنجيز العلم الثاني وتنجيزه ينوط بالانحلال في الأول وهو دور وما لا وصول له لا تنجيز معه فالعلم بالملاقاة الغير الحاصلة حين العلم بالنجاسة لا يفيد شيئا والوجدان لا يأبى عما قام عليه البرهان لأن التفكيك في الآثار غير عزيز في الأصول فان التبعية في الحكم لا تنافي عدم التبعية في التنجيز.

ثم انه ربما يقال في هذه الصورة بأن الاجتناب عن الملاقى غير لازم على فرض كون العلم الإجمالي مقتضيا لا علة تامة لأن الشك حيث يكون سببيا ومسببيا يكون المنجز هو العلم الإجمالي بين الملاقى بالفتح والطرف لتعارض الأصلين فيه ولا تنجيز للعلم الإجمالي الثاني لأن قاعدة الطهارة في الملاقى بالكسر لا معارض لها لسقوط الأصل في الطرف بواسطة المعارضة مع الأصل في الملاقى بالفتح لتقدمه رتبة فينحل العلم الإجمالي الثاني.

وعلى فرض القول بعدم الانحلال أيضا يكون اللازم الاجتناب عن الجميع لا عن الملاقى والطرف فقط لعدم الدليل على وجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح والطرف فقط مع وجود العلم الإجمالي.

والجواب عنه ان احتمال عدم الانحلال مع كون العلم الإجمالي مقتضيا يكون من الاحتمالات السوفسطية ولا وجه له أصلا واما القول بأن الأصل السببي مقدم على المسببي فائضا ممنوع لأن قاعدة الطهارة في السبب وان سقطت بالمعارضة ولكن قاعدة الطهارة في المسبب أعني الملاقى أيضا لا تكون بدون المعارض لأن قاعدة الحلية في الطرف تعارض مع قاعدة الطهارة في الملاقى بالكسر لأن السببية لا تكون بينهما ولا معارض لقاعدة الحلية في الملاقى بالكسر فيقال انه نجس وحلال فيفكك بين الحلية والطهارة.

ثم على السراية فلا فرق فيما ذكر في العلية التامة اما على السراية والقول بأن العلم الإجمالي يكون مقتضيا فحيث لا يكون نشوء النجاسة عن الملاقى إلى الملاقى

٤٧٥

بالكسر لا يلزم الاجتناب عنه وادعاء الوجدان عن النائيني قده أحسن من صورة كونه علة تامة فانه لا معنى للقول بوجوب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقى بالفتح.

ثم المثال الثاني عن الخراسانيّ قده (١) لوجوب الاجتناب عن الملاقى أو الطرف دون الملاقى هو صورة حصول العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى والطرف ثم العلم بأن هذه النجاسة حصلت بواسطة الملاقاة ولكن الملاقى بالفتح خرج عن مورد الابتلاء في زمان العلم ثم دخل في محل الابتلاء في زمان آخر فحكم (قده) بالاجتناب عن الملاقى أو الطرف دون الملاقى بالفتح لأن تنجيز العلم الإجمالي مقدم على العلم بالملاقاة فأثر اثره قبل ذلك فلا يؤثر بالنسبة إلى ما بعده لأن العلم بالملاقاة متأخر عن العلم بالملاقى والطرف وان كان الملاقى بالفتح حين العلم به مورد الابتلاء.

وقد أشكل عليه النائيني (قده) (في الفوائد ص ٢٧ الجزء الرابع) بالإشكال السابق بالبيان السابق من ان العلم طريق لا موضوعية له والجواب عنه الجواب السابق.

ثم في هذه الصورة إشكال آخر وهو انه إذا لم يكن الاجتناب عن الملاقى بالفتح في حال رجوعه بمحل الابتلاء لازما فكيف يقال بوجوب الاجتناب عن ملاقيه مع ان وجوب الاجتناب عنه يكون لوجوبه عن الملاقى بالفتح فإذا جرت قاعدة الطهارة في الملاقى بالفتح يكون اللازم منه عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر أيضا فيوجب جريان القاعدة فيه سقوط العلم الإجمالي عن الاعتبار وعدم وجوب الاجتناب عن أحد الأطراف وحيث ان هذا يكون خلاف الوجدان بحسب القول بمعارضة طهارة الملاقى والملاقى مع طهارة الطرف فيجب الاجتناب عن الجميع.

__________________

(١) أقول ما ذكره قده من التفصيل مما لا نفهمه فان المدار على العلم الإجمالي وقد مرّ انه غير متحقق سوى الأصل والمدار عليه والملاقى على أي صورة يكون الشبهة في نجاسة بدوية ولا مجال فعلا لتفصيل الإشكال عليه تفصيلا.

٤٧٦

والجواب عنه هو ان جريان قاعدة الطهارة في الملاقى بالفتح لا يكون اثره جريان القاعدة في الملاقى بالكسر فان الاجتناب عنه لازم بل يكون اثره عدم نجاسة ملاقى الملاقى فيفكك بين الآثار (١).

الصورة الثالثة فيما تصوره الخراسانيّ قده هي صورة كون الملاقى والملاقى والطرف جميعا محل الابتلاء ويكون العلم بالنجاسة بعد العلم بالملاقاة فقال قده في هذه الصورة حيث يكون جميع الأطراف أطرافا للعلم الإجمالي في زمان واحد فيكون مثل ما إذا كان للعلم الإجمالي ثلاثة أطراف فحيث ان العلم واحد يكون التنجيز بالنسبة إلى الجميع في رتبة واحدة فيجب الاجتناب عن جميع الأطراف وتقدم الملاقى بالفتح على الملاقى من جهة الرتبة لا يفيد بعد كون مدار التنجيز على حصول العلم في زمان واحد.

هذا على فرض كون المسلك في باب الملاقى سراية النجاسة عن الملاقى إلى الملاقى واما على فرض كون المسلك هو النشو أو التعبد المحض أيضا كما أن النشو هو مسلكه قده فأيضا يقول بتنجيز العلم بالنسبة إلى جميع الأطراف ولا يفيد سببية الملاقى للاجتناب عن الملاقى بالكسر في ذلك لأن العلم علة تامة (٢) فيجب الاجتناب عن جميع الأطراف ولا يجري الأصل بلا معارض أيضا في بعض أطرافه.

ثم انه على فرض القول بمعارضة القواعد يكون هذا في قاعدة الطهارة

__________________

(١) وفيه ما لا يخفى فانه في حال الابتلاء به كيف لا يجري الأصل بالنسبة إليه مع أنه طرف للعلم الإجمالي واقعا وهو الأصل وكيف يكون أثر قاعدة الطهارة النجاسة فان أثرها بلا واسطة هو المعارضة مع الطرف وبقاء الأصل في الملاقى بلا معارض فينتج الطهارة لا النجاسة.

(٢) وقد مر أن العلم علة تامة بالنسبة إلى ما هو طرف له واما ما هو خارج عن الطرفية ويكون العلم الإجمالي فيه مجرد الفرض أي على فرض ملاقاته مع النجاسة نشأ نجاسة فيه أيضا فلا يكون العلم مؤثرا بالنسبة إليه نظير الصورة الأولى عنده قده.

٤٧٧

في الملاقى بالفتح والطرف مسلما واما قاعدة الطهارة في الملاقى فهي وان كانت في طول قاعدة الطهارة في الملاقى بالفتح ولا تعارض بينهما على السببية ولكن قاعدة الطهارة في الملاقى يكون في عرض قاعدة الحلية في الطرف فيتعارضان وتتساقطان وتبقى قاعدة الحلية في الملاقى بالكسر بدون المعارض فهو حلال وغير طاهر ومعارضة قاعدة طهارته مع قاعدة الحلية في الطرف قبل ملاحظة قاعدة الحلية فيه يكون من جهة أن رتبة قاعدة الطهارة متقدمة على قاعدة الحلية ولذا تقع في صف المعارضة أولا وتأخرها بالرتبة يكون من جهة ان الشك في الحلية ناش عن الشك في الطهارة والأصل السببي مقدم على المسببي فعلى فرض القول بالنشو والسببية أيضا في هذه الصورة يقول قده بوجوب الاجتناب عن الملاقى والملاقى والطرف.

فتحصل أنه سواء قلنا بالسراية أو بالنشو يكون الاجتناب عن الجميع لازما لوحدة العلم وكلامه قده في جميع الصور على مسلكه صحيح كما أن كلام النائيني قده أيضا على مسلكه صحيح.

بقي في المقام أمران الأمر الأول

في الشك في كون الاجتناب عن الملاقى بالسراية أو النشو

اعلم (١) انه إذا شك في كون وجوب الاجتناب عن الملاقى هل يكون من باب

__________________

(١) أقول قد مرّ ان وجوب الاجتناب عن ملاقى النجس نفسه لا فرق بين أن يكون بالسراية أو غيرها وأما الاجتناب عن ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة فيتوقف على حصول العلم الإجمالي بين الملاقى والطرف أو بين الملاقى والملاقى والطرف وقلنا ليس في غير الأصلي إلّا العلم الإجمالي الفرضي.

غاية الأمر على مسلك النشو يكون الفرض أضعف كما انه على السراية أيضا يكون الفرض هو نجاسة الملاقى على فرض كون هذا الطرف نجسا واما على فرض تسليم ما ذكروه من العلم الإجمالي ففي صورة الشك في السراية لا يكون العلم ـ

٤٧٨

النشو أو السراية هل يجب الاجتناب عن الملاقى لأطراف الشبهة المحصورة أم لا لأنه قد مر على مسلك النشو بأنه لا يجب الاجتناب وعلى السراية يجب فإذا شك في ذلك من جهة الإثبات يحصل الشك في أنه هل يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر أم لا فيه خلاف.

قال العلمان الشيخ العراقي والنائيني قدهما الأقوى هو وجوب الاجتناب عن الملاقى ولكل تقريب.

اما تقريب النائيني قده (ص ٢٨ و ٢٩ من الفوائد) فله مقدمة وهي أنه من المحرر في الأصول أن الشك إذا كان في مانعية شيء أو شرطيته هل يكون المدار على تقديم الشرطية أو المانعية وهذا يكون على قسمين القسم الأول هو أن يكون

__________________

ـ الإجمالي عندهم أيضا متحققا لأنه على فرض النشو لا يكون العلم الإجمالي بين الملاقى والطرف أو بين الملاقى والملاقى والطرف.

فيجب أن يقال يكون الشبهة بدوية بالنسبة إلى نجاسة الملاقى ولا يكون الاحتياج إلى تطويل البيان كما عن النائيني قده وان كان فيه الفائدة ولا يجب الاحتياط أيضا كما قال الشيخ العراقي قده وشيخنا مد ظله وفرض السراية لا يوجب تنجيز العلم وحفظ الواقع في البين يكون بالنسبة إلى الأطراف لا ما شك في طرفيته.

ولا يكون من الشبهة المصداقية كقاعدة الطهارة لأن القاعدة تشمل صورة كون الشبهة في الحكم أو في الموضوع وموضوعها الشك ففي المقام يكون جريانه من ناحية الشبهة في الحكم.

وان شئت فقل أصل البراءة عن جعل النجاسة حاكمة على قاعدة الطهارة أيضا لأن موضوعها أيضا هو الشك فعلى أي تقدير لا يجب الاحتياط ولا تعارض بأصالة البراءة في الطرف الآخر لعدم الطرفية وإلّا فمع فرض إحرازها فيكون العلم الإجمالي منجزا وعلى فرض تنجزه أيضا يكون الاجتناب من باب الاحتياط والتعبير بالأقوى عن النائيني قده أيضا فيه تسامح.

٤٧٩

الشك في المانعية أو الشرطية من باب الضدين الذين لا ثالث لهما مثل أن يكون الشك في القراءة في الجهر والإخفات ولا يدرى أنه هل يكون الجهر شرطا أو الإخفات مانعا عن الصحة فحيث أن أمر القراءة يدور بين كونه بالجهر أو الإخفات ولا ثالث لهما يعنى لا يمكن عدم الجهر والإخفات ولا بد من أحدهما.

والقسم الثاني ما إذا كان لهما ثالث مثل الشك في أن السورة بشرط الوحدة جزء للصلاة أو يكون قران السورتين مانعا ويكون الشق الثالث هو إتيان الصلاة بدون السورة وعدم إتيان الواحدة ولا الاثنتين.

فعلى الثاني يمكن إجراء أصالة البراءة عن كون الوحدة شرطا في السورة وهذا لا يكون في المانع لعدم اقتضاء القرائن بطلان الصلاة بخلاف ترك الشرط فانه يوجب بطلانها وهذا الأثر الزائد يقتضى أن يكون الأصل جاريا فيها دون المانعية وبعبارة أوضح في المثال المذكور يعلم تفصيلا بأن القرآن مبطل للصلاة اما لفقد الشرط من السورة وهو قيد الوحدة واما لوجود المانع وهو القرآن ولكن يشك في بطلان الصلاة بدون السورة فتجري فيه البراءة.

واما القسم الأول فالشك فيه يرجع إلى المتباينين لا إلى الأقل والأكثر لاشتراك الشرطية والمانعية في الآثار وليس للشرطية أثر زائد تجري فيه البراءة فكما أن الصلاة تبطل بواسطة فقدان الشرط مثلا وهو الجهر كذلك تبطل بواسطة وجود المانع وهو الإخفات نعم بعد تساويهما في الآثار يكون نفس الشك في جعل الشرطية له الأثر الزائد على الشك في المانعية لأن المانع يجري بالنسبة إليه أصالة عدمه ولا يحتاج إلى إحراز العدم.

ولكن الشرط يكون له الأثر الزائد وهو وجوب إحرازه لأن المشروط ما لم يحرز شرطه لا يكون صحيحا فعلى هذا إذا شك المأموم في أن إمامه هل جهر في الصلاة أو أخفت فبناء على مانعية الإخفات فأصالة عدم المانع توجب البقاء على الجماعة وبناء على شرطية الجهر فحيث ما أحرز لا يكون له البقاء لعدم إحراز وجود الشرط وهذا نحو كلفة وضيق للمكلف أي كون المشكوك مجعولا شرطا لا مانعا ولكن لا يجري

٤٨٠