مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

ثم ان المحقق الخراسانيّ قده أشكل في الكفاية على قيام الظن مقام القطع الجزء الموضوعي بما حاصله هو ان القطع بما هو طريق يكون النّظر إليه آليا وبما هو موضوع يكون النّظر إليه استقلاليا وكيف يمكن ان يكون النّظر في تنزيل واحد آليا واستقلاليا فان دليل التنزيل إذا كان واحدا لا يمكن ان يكون النّظر الا إلى جهة الآلية والعقلاء أيضا يكون بنائهم على إحراز الواقع بالطريق الواقعي بالقطع أو الطريق المجعول من باب انه كاشف.

وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ النائيني والعراقي (قدهما) على مسلكهما اما الأول فهو يقول بان كلام الخراسانيّ يكون صحيحا إذا كان قيام الأمارات مقام القطع من باب التنزيل ولكن ليس كذلك فيما إذا كان القطع جزء الموضوع وبيانه (١) ان الأمارات

__________________

(١) : أقول حاصل ما قاله (قده) على ما استفدنا من تقريرات الكاظمي (قده) هو ان القابل للتنزيل في القطع الجزء الموضوعي يكون هو المؤدى واما القطع نفسه فلا يكون قابلا للتنزيل لأنه لا يكون معنى لجعل الطريق للطريق بان يقال نزل المحرز الّذي هو الظن بمنزلة المحرز الّذي هو القطع ونزل المظنون منزلة المقطوع.

وهذا بخلاف ساير الموضوعات المركبة فان العلم الوجداني أو التعبدي بجميع اجزائه لازم وفيما جزئه العلم لا يكون كذلك فيكون معنى حجية دليل الأمارة في مورد كون القطع كذلك هو اعتبار العقلاء ترتيب آثار القطع بما هو موضوع على الظن أيضا مثل اعتبارهم الملكية فانها لا وعاء لها في التكوين فالقطع الّذي لا يمكن التنزيل بالنسبة إليه يعتبر كذلك.

هذا حاصل جوابه (قده) ولا يكون في قوله هذا كلام من تعدد الاعتبارين ووحدته حتى يشكل عليه الأستاذ مد ظله بما ذكره بل مراده ان التنزيل الواحد أو الاعتبار الواحد يكفى ويترتب على تنزيل أحد اجزاء الموضوع وهو المؤدى لا محالة أثر الطريق أيضا ولو لم يكن مورد التنزيل بل لا يمكن ان يفرض للإحراز الإحراز.

على انه لا يكون في هذا البيان التصريح بالاعتبار بل مثل بالملكية الوجدانية وما تكون باعتبار اليد فانظر إلى عبارة الكاظمي في هذا المقام.

٦١

تكون حجة من باب تتميم الكشف والوسطية في الإثبات والإحراز لا من باب تنزيل المؤدى وترتيب آثاره ولا معنى لذلك الا اعتبار الظن منزلة العلم فإذا اعتبر كذلك يترتب عليه جميع آثار القطع والمقطوع لحصول وجود اعتباري له.

ولكن يرد عليه أولا فساد المبنى في باب الأمارات لأن مبناه وان كان تتميم الكشف لكن لا يكون قوله بالاعتبار له وجه بل الحق هو التنزيل.

وثانيا فساد البناء عليه أيضا لأنه على فرض تسليم الاعتبار يجيء أيضا إشكال الخراسانيّ قده وهو أنه كيف يمكن اعتبار المعتبر في لحاظ واحد شيئا بالنظر الآلي والاستقلالي كليهما وهذا عمدة إشكال المستشكل. واما العراقي قده فقد أشكل عليه بما حاصله هو ان الأمارات لا يكون بابها باب التنزيل بل يكون لها أثر القطع لكن له أثران إحراز الواقع والترخيص في العمل ولها أثر واحد وهو الترخيص في العمل فقط.

فيكون معنى دليل حجية الأمارة الأمر بمعاملة اليقين معها وإلّا فلو كان الباب باب التنزيل فحيث انه يحتاج إلى أثر شرعي ولا يكون للقطع أثر شرعي بل يكون الحجية من آثاره التكويني لا يصح التنزيل بالنسبة إليه فانه ليس مثل قوله الطواف في البيت كالصلاة فان التنزيل يكون بلحاظ الأثر الشرعي وهو شرطية الطهارة له كما في الصلاة ففي المقام حيث لا يكون التنزيل نقول يمكن استفادة ترتيب أثر اليقين والمتيقن بواسطة امر عامل معاملته.

ويردّه أيضا بأن التنزيل في المقام يصح ولو لم يصح في القطع الطريقي المحض لأنه بالنسبة إلى طريقيته للواقع لأثر شرعي له ولكن بالنسبة إلى كونه جزء

__________________

ثم انه لا فرق في المقام بين الاعتبار والتنزيل ويكون المراد من أحدهما هو الآخر نعم يكون الفرق هو ان الاعتبار في مثل الملكية يترتب عليه الأثر واقعا ويكون محتاجا إلى الإمضاء عند العقلاء بجمع الشرائط عندهم فيه والتنزيل هنا يكون على فرض الواقع وبدونه يكون لغوا وعند التحقيق بالنسبة إلى هذا الفرق أيضا نظر وتأمل والبحث عنه موكول إلى المحل المناسب له.

٦٢

الموضوع يكون له الأثر الشرعي وهو ترتيب حكم من الأحكام على وجوده من باب الموضوعية لا من باب الطريقية فالصحيح هو ما ذكرناه في وجهه.

ثم ان النائيني (قده) قال بأنه ان قال أحد بأن الظاهر من الدليل الّذي يكون متكفلا لبيان القطع الجزء الموضوعي هو القطع الوجداني لا الأعم منه ومن التعبدي فكيف يقال بأن الأمارة تقوم مقام القطع.

فأجيب بالورود تارة وبالحكومة أخرى اما الورود فهو ان الغالب حيث يكون طريق العقلاء إلى الواقعيات الظن أيضا فإذا ورد في لسان دليل موضوعية القطع نستكشف منه ان المراد هو المحرز الأعم من القطع أو ما يقوم مقامه فما قامت الأمارة عليه يكون مما يكون له المحرز فتكون واجدا للمحرز واقعا لا تعبدا فيكون دليلها واردا على الدليل الّذي دلّ على جزئية المحرز للموضوع ولكن حيث ان القول بذلك أيضا يحتاج إلى دليل ولا يمكن ان يقال بأن صرف الغلبة دليل على كون المراد به المحرز تمسكوا بالحكومة (١) وقسموها إلى قسمين حكومة ظاهرية وحكومة واقعية ومعنى الواقعية هو ان يكون الحاكم بصدد التوسعة والتضييق واقعا أي بالنظر إلى الواقع مثل ما إذا قيل للشاك بين الثلاث والأربع في الركعات يبنى على الأربع ثم يقول لا شك لكثير الشك فان معناه ان كثير الشك لا يكون له حكم

__________________

(١) أقول الحكومة بهذا النّظر أيضا تحتاج إلى النّظر في دليل الحاكم والكلام في إثبات ذلك وإثباته لا بد ان يكون ببناء العقلاء حيث لا دليل له بالخصوص الا ما ورد في حجية الظن بالعموم وهو وان كان مسلك الأستاذ مد ظله بأنهم يتسعون في الحجة حتى بالنسبة إلى هذا الأثر ولكن في إثبات هذه التوسعة في نظرهم تأمل لأنهم غاية مرامهم يكون إثبات ماله الأثر من المقطوع.

واما بالنسبة إلى ما يكون جزء الموضوع ويكون نادرا لا يكون لهم هذا البناء مع ظهور دليله بأن المراد بالقطع هو الوجداني نعم لو كان دليل خاص في مورد من الموارد يتبع واما الأدلة العامة فلا يمكننا القول بوجودها في المقام والله العالم.

٦٣

الشاك العادي ويكون مستثنى من أحكامه واقعا وهذا يكون من باب تضييق دائرة الموضوع وهو الشك بإخراج فرد منه ومثل ما يقال يشترط في الصلاة الطهارة ثم يقال الطواف في البيت كالصلاة فيكون من باب التوسعة في الموضوع أي موضوع الحكم بوجوب الطهارة الصلاة والطواف داخل فيه فيكون معناه ان الطواف يشترط فيه الطهارة فالنظر يكون إلى بيان الواقع بهذا البيان.

واما الحكومة الظاهرية فتكون في باب تقديم الأمارات على الأصول والأصول المحرزة على غيرها فانه إذا قيل لا تنقض اليقين بالشك يكون الظاهر منه اليقين وكذلك قوله بل انقضه بيقين آخر فإذا قامت الأمارة تقوم مقام اليقين وتصير موجبة للحكم بنقض الحالة السابقة اليقينية فان معنى هذه الحكومة لا يكون هو التصرف في الواقع بل يكون أحد الدليلين مقدما على الآخر في مفاده.

وربما يظهر خلاف ما ادى إليه الأمارة ويعلم انه ليس الواقع كذلك ولذا يترتب آثار الواقع بعد ظهوره فتكون الحكومة في مرتبة الظاهر وبالنظر إليه واما مقامنا فيكون حكومة الأمارة على القطع من باب الحكومة الظاهرية بمعنى أنه لا يكون تنزيل الظن منزلة القطع في الواقع بل في الإحراز ويكون المدار على الواقع في كشف الخلاف فيتصرف في ظاهر الدليل الدال على ان القطع الوجداني هو جزء الموضوع ويقال ان المحرز أيضا يقوم مقامه.

ولكن الإشكال عليه (قده) هو ان المدار حيث يكون على الإحراز في المقام أي مقام كون القطع جزء الموضوع يكون الإحراز هو الحكم الواقعي ويكون التوسعة في الإحراز واقعا لا ظاهرا فيكون من الحكومة الواقعية على حسب نظره الّذي أخذ عن الأنصاري (قده) فانه لو كان المدار على المقطوع كانت الحكومة ظاهرية لأنه يمكن ان ينكشف خلافه بخلاف الإحراز فان هذا الّذي ادى إليه الأمارة أيضا يكون إحرازا من باب التوسعة فالصحيح في النّظر هو ما ذكرناه من التوسعة في الحجج عند العقلاء فتقوم الأمارة مقام القطع الطريقي الجزء الموضوعي أو التمام الموضوعي.

٦٤

ولكن هذا كله على مسلك التحقيق من تتميم الكشف وإرجاع الأمر إلى امر عامل معاملة اليقين بالاعتبار أو التنزيل والثاني هو التحقيق والأول مسلك النائيني قده واما على مسلك الشيخ القائل بتنزيل المؤدى وعلى مسلك المحقق الخراسانيّ القائل بجعل الحجية فلا تقوم الأمارة مقام القطع حتى مع قطع النّظر عن فساد المبنى لأن معنى تنزيل المؤدى هو ترتيب أثر المقطوع على المظنون لا ترتيب أثر القطع وكذلك معنى جعل الحجية هو ترتيب آثاره لا آثار القطع فلا يكون معنى الأمارة ان لك قطعا حتى يقوم مقامه.

ثم ان الخراسانيّ (قده) تعرض في الحاشية على الرسائل لوجه تصحيح كلام شيخه (قده) في قيام الأمارات مقام القطع الجزء الموضوع وردّ ، في الكفاية اما بيان وجه التصحيح فهو انه (قده) قال بأن اللازم من قيامها مقامه حيث يكون اشكاله تعدد اللحاظ أي لحاظ القطع طريقا وآليا ولحاظه استقلاليا ولا يمكن أن يكون الدليل الواحد متكفلا للتنزيلين لأنهما متوقفان على اللحاظين.

ويمكن الذب عن الإشكال بأن يقال يمكن تصحيح ذلك بلحاظ واحد وهو بأن يقال بأن دليل الأمارة حيث يوجب تنزيل المؤدى منزلة الواقع وكذلك دليل الاستصحاب حيث يوجب تنزيل الظن منزلة المتيقن على مسلكه (قده) فبالملازمة العرفية يستفاد منه تنزيل الشك منزلة اليقين أيضا فإذا قيل نزل المؤدى منزلة الواقع يرجع معناه إلى انه كما في صورة القطع بالواقع كان عليك الجري على طبقه كذلك في المقام يكون لك العلم الوجداني بالواقع التعبدي.

فانه بعد التعبد بالتنزيل في المؤدى يتحصل واقع تعبدي ويحصل العلم الوجداني به حيث ان دليل حجية الأمارات قطعي فإذا كان لنفس القطع أثر يترتب عليه لا محالة ففي ما لم يكن القطع جزء الموضوع يترتب آثار الواقع والمؤدى فقط وفي ما يكون جزء الموضوع فحيث يكون ثابتا بالملازمة يترتب عليه اثره أيضا بلا احتياج إلى تعدد اللحاظ وتعدد التنزيل ولا يخفى عليك انه (قده) يكون في بيانه هذا مسلكه مثل مسلك شيخه (قده) في باب الأمارات وهو تنزيل المؤدى وان كان هو (قده) يقول

٦٥

بجعل الحجية في غير المقام هذا حاصل كلامه في الحاشية بتقريب منا.

واما ردّه في الكفاية فهو انه قال بان هذا الكلام وان قلنا به في الحاشية ولكن لا يخلو من تكلف وتعسف لأنه يلزم منه الدور لأن تنزيل المؤدى منزلة الواقع فيما يكون القطع جزء الموضوع غير ممكن قبل تنزيل الظن منزلة العلم ضرورة ان التنزيل يكون بلحاظ الأثر الشرعي المترتب عليه والمفروض انه لا أثر للمؤدى وحده بدون حصول جزئه الآخر وهو العلم به فتنزيله منزلة الواقع متوقف على حصول جزئه الآخر وهو العلم به وحصول العلم به متوقف على تنزيله ضرورة انه إذا كان ذلك بالدلالة الالتزامية لا يمكن إثباته قبل إثبات ما يتوقف عليه وهو الدلالة المطابقية.

ولا يكون نظره (قده) إلى ان التنزيل حيث يكون طوليا لا يمكن (١) ذلك بل يكون عمدة نظره إلى ان تنزيل المؤدى حيث يكون في رتبة العلة على الملازمة لتنزيل الظن منزلة القطع وما هو العلة محتاج إلى المعلول في هذا التنزيل لا يمكن تأثير المعلول في العلة الا على وجه دائر.

ولا يخفى ان هذا كله يكون في صورة كون الإثبات بدليل واحد واما إذا كان في دليل خاص تنزيل المؤدى منزلة الواقع وكذلك تنزيل الظن منزلة القطع فيما إذا كان جزء الموضوع بتعدد الدال والمدلول لا إشكال فيه أصلا وهو خارج عن

__________________

(١) : أقول يستفاد من متن الكفاية هو ان الإشكال يكون هو الطولية انظر إلى قوله فيها فانه لا يكاد يصح تنزيل جزء الموضوع أو قيده بما هو كذلك بلحاظ اثره الا فيما كان جزئه الآخر محرزا بالوجدان أو تنزيله في عرضه.

فمن قوله أو تنزيله في عرضه نفهم انه لو كان التنزيل عرضيا لا يكون الإشكال بل يكون من ناحية الطولية على ان ما ذكره مد ظله أيضا يرجع إلى هذا لأن العلة في طول المعلول ذاتا فلا يكون ما ذكره الا بيانا لمنشإ الطولية فان طولية التنزيل يكون منشأها هذه الطولية وقوله في تتمة كلامه هذا كله يكون في صورة كون الإثبات بدليل واحد إلخ يكون معناه هو ان العرضي لا إشكال فيه والطولي فيه الإشكال.

٦٦

الفرض لأنه يكون في صورة كون الدليل واحدا.

ولكن يمكن الجواب عن الإشكال بتنظير المقام بالأخبار مع الواسطة فان حاصل الكلام فيها هو ان التعبد بتصديق العادل يلزم ان يكون بلحاظ أثر شرعي فمن يكون مقول قوله قول الإمام عليه‌السلام فحيث يكون قوله عليه‌السلام حكما شرعيا يصح التعبد به واما إذا حصلت الواسطة لأن مقول قول الراوي عن الراوي الأول هو قول الراوي لا قول الإمام عليه‌السلام فكيف يمكن التعبد فهنا قيل في الجواب ان الأمر بتصديق العادل ينحلّ إلى افراد متعددة طولية وعرضية.

فتطبيق أحد الافراد على ما يكون مقول قوله قول الراوي عن الإمام عليه‌السلام يتحقق الموضوع للفرد الآخر أي الموضوع الّذي يكون له الأثر الشرعي وهو قول الراوي عن الإمام عليه‌السلام فأحد افراد الأمر يوجب حصول الموضوع للفرد الآخر ففي المقام لقائل ان يقول بأن التنزيل الواحد أي تنزيل المؤدى منزلة الواقع يوجب ان يتحقق الموضوع تنزيل الظن منزلة اليقين ثم بعده يتحقق المحرز ويمكن تنزيله منزلة القطع في صيرورته جزء الموضوع.

هذا كله على مسلك الشيخ القائل بتنزيل المؤدى واما نحن ففي غنى عن ذلك ونتمسك بما مر من القطع الطريقي ويصح ان يكون الأمارة مقامه إذا كان جزء الموضوع من باب التوسعة في الحجج.

في عدم جواز أخذ القطع في موضوع شخص الحكم

الأمر الرابع : في انه لا يمكن أخذ القطع في موضوع شخص هذا الحكم مثل ما إذا قيل إذا قطعت بجواز الشهادة يجوز لك الشهادة فان القطع بجواز الشهادة وهو الحكم أخذ في موضوع هذا الحكم وهو جواز الشهادة وقد اتفقت الآراء على القول بالمحالية تارة من باب لزوم الدور وهو ان الجواز متوقف على القطع به والقطع به متوقف على الجواز وهو الدور وتارة يعبرون عنه بتوقف الشيء على نفسه.

وفيه ان الدور هنا غير متحقق ضرورة ان التوقف على الفرض لا يكون من

٦٧

الطرفين حيث ان القطع بالحكم لا يتوقف على الجواز وهو المقطوع بل التوقف من ناحية المقطوع فانه يتوقف إثباته على القطع واما القطع فإثباته لا يتوقف عليه فانه يحصل ولو لم يكن له خارج أصلا كالجهل المركب فانه يكون القطع عنده ولكن لا واقع للمقطوع.

وتارة يعبرون بأن هذا مستلزم للتهافت في اللحاظ وبيانه ان القاطع بشيء يكون حكم العقل مستقلا بالجري العملي على طبقه فان من قطع بجواز الشهادة يجوز له ذلك من دون الاحتياج إلى الحكم ثانيا بالجواز مترتبا على القطع فانه يكون لغوا فلا يكون للأمر مع لحاظ المكلف قاطعا بالحكم حكمه به.

وهذا الإشكال يستلزم موانع في الفقه في قصد الأمر في العباديات وفي الجهر والإخفات والقصر والإتمام فان الحكم بوجوب الجهر وغيره مما ذكرنا يكون بالنسبة إلى العالم به واما الجاهل فلا يكون له هذا الحكم فالقطع بالحكم أخذ في موضوعه مع اعتراف القائلين بالمنع في المقام بما ذكر من الأمثلة.

وقال النائيني (قده) ان الحكم بالنسبة إلى العلم وغيره اما ان يكون مقيدا أو مطلقا والإهمال محال وحيث ان التقييد بالعلم غير ممكن فالإطلاق أيضا غير ممكن ضرورة ان النسبة بينهما العدم والملكة فلا يمكن ان يقال ان الحكم غير مشروط بالعلم به أو مشروط به.

والجواب عنه ان الإطلاق على قسمين ، اللحاظي والذاتي. وما هو الممنوع في المقام والأمثلة هو الإطلاق اللحاظي حيث لا يكون للأمر والحاكم ان يأخذ قصد الأمر والعلم بالحكم في الأمر من باب لزوم الدور والتهافت في اللحاظ واما الإطلاق الذاتي وهو السريان في نفس الطبيعة فلا إشكال فيه فان الحكم في ذاته لا يأبى عن كونه مطلقا عن قيد العلم به وعدمه فإذا قيد في مقام لا ينافى شيئا.

هذا على فرض تسليم كون النسبة بين الإطلاق والتقييد العدم والملكة واما على فرض كون النسبة التضاد فعدم إمكان الضد لا ينافى وجود الضد الآخر.

ثم انه يقال بعد إمكان القول بالإطلاق الذاتي ثبوتا ففي مقام الإثبات يقال انه

٦٨

يثبت بتعدد الدال مثل تصحيح العبادية بالأمرين بان يقال يكون امر بأصل العمل وامر آخر بإتيان المأمور به بداعي امره وهذا كله يكون صحيحا في صورة كون الإشكال من ناحية الإثبات ولم يكن في الثبوت إشكال ولكن يمكن ان يسرى الإشكال إلى مقام الثبوت أيضا ففي مثل الجهر والإخفات والقصر والإتمام إذا كان العلم دخيلا يكون دخيلا في جميع المراتب حتى يصل إلى مقام المصلحة والمفسدة.

فإذا قيد الحكم بالعلم به يكون معناه انه لا مصلحة للجهر بدون العلم به فالعلم بالحكم متوقف على الحكم وهو متوقف على العلم ضرورة انه ما لم يكن العلم لم يتم المصلحة ولم تكن تامة إلّا بالعلم فعلى هذا يجيء الإشكال في الإطلاق الذاتي أيضا ويمكن الذب (١) عن هذا بان يقال لنا مصلحتان مصلحة للواقع المعلوم في طول تلك المصلحة فمصلحة للجهر والإخفات في نفسها ومصلحة لهما مع العلم بهما بحيث يكون للعلم دخل فيها حتى لا يتوقف تمامية مصلحة الواقع على العلم به بل له مصلحة تامة وله مع العلم به أيضا مصلحة أخرى فيرفع الإشكال الثبوتي ويمكن الإثبات بواسطة تعدد الأمر.

ثم انهم رضوان الله عليهم مثلوا كما مر فيما يكون العلم به مأخوذا في نفس الحكم الشخصي بالقصر والإتمام والجهر والإخفات ولكن عند التحقيق نرى ان الأمثلة لا تكون من المقام لأنهم قالوا بأن الجاهل المقصر بالنسبة إلى الحكمين يكون عاصيا ولكن لا إعادة لصلاته فنستكشف من هذا هو ان أصل الحكم لا يكون منوطا بالعلم به ضرورة انه لو لم يكن لما كان معنى للعصيان بل يكون الواقع بالنسبة إلى

__________________

(١) : أقول المفروض ان الجهر والإخفات وغيرهما لا يكون لهما حكمان أحدهما لهما بنفسهما وأخرى بلحاظ تعلق العلم بل يكون لهما حكم واحد بلحاظ حال العلم والإشكال يكون من هذه الجهة.

نعم لو قلنا بان لهما الحكم في الواقع للعالم والجاهل ولكن حيث ما حصل العلم واتفق إتيان الصلاة وقيل بعدم الإعادة من باب تفويت مصلحة الواقع فيكون كلام آخر ولا ربط له بتعدد المصلحة كما ذكر ـ مد ظله.

٦٩

العالم والجاهل ولكن بعد الجهل والإتيان بالعمل تنطبق قاعدة لا تعاد من باب تفويت مصلحة الواقع أي لا يمكن تحصيلها بعد إتيان الصلاة بدونها كما يقال في جميع الموارد الّذي يقال بالاجزاء لمصلحة التفويت كمن يشرب الماء ولا يبقى مورد بعده لشرب (الأنگبين) الأنجبين وكذلك القصر والإتمام فلا تكون الأمثلة مما أخذ العلم فيهما في شخص الحكم هذا كله بالنسبة إلى القطع المأخوذ في شخص الحكم.

واما القطع المأخوذ في مثله مثل ان يقال إذا قطعت بحرمة خمر يحرم بحرمة أخرى غير ما قطعت به فانه يكون الحرمة الثانية مثل الحرمة الأولى والحق هنا عدم الإشكال الا من ناحية لغوية الخطاب كذلك.

ثم هنا كلام عن بعض الأعيان قده (١) لا بأس بتوضيحه هنا وهو انه قال بان الحكم المماثل للواقع لو كان هو التحريك والتحرك الخارجي يكون من اجتماع المثلين المبرهن عليه في الفلسفة انه محال كاجتماع الضدين لأنهما لا يرد ان على موضوع واحد في حال واحد ولا معنى لتعدد التحريك في الخارج واما لو كان الحكم هو الإرادة المبرزة فحيث أن الإرادة قابلة للاشتداد فيمكن ان يكون القطع بالحكم دخيلا في حكم مثله واللازم منه الاشتداد في العشق والشوق بالنسبة إلى المطلوب هذا حاصل كلامه رفع مقامه.

والجواب عنه (قده) هو ان الحكم يكون على المختار هو الإرادة المبرزة ولا فرق بين الواجبات المشروطة والمعلقة والمطلقة على ما هو التحقيق ولكن ما يقال انه يوجب الاشتداد فيكون من باب ان الإرادة تعلقت بالمرادين أحدهما في طول الآخر فان أصل الإرادة تعلق بحرمة الخمر أولا وبالذات وتعلقت إرادة أخرى بها بملاحظة كون الحرمة مما تعلق العلم به فيكون متعلق الإرادة شيئين.

والنائيني (قده) يقول باشتداد الإرادة في باب الصلوات الاستئجارية أو العبادات طرا بأن الأمر التوصلي من قبل الإجارة مع الأمر التعبدي لنفس العمل

__________________

(١) هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني في ص ٢٣ من شرح الكفاية ج ٢.

٧٠

يتأكدان كما في النذر يتأكد بالأمر من قبل النذر ولكن هذا القائل لم يقبل منه لكون أحدهما متعلق بغير ما تعلق به الآخر فلا يكون له هنا ان يقول بالاشتداد على حسب مسلكه (قده) هذا أولا.

وثانيا لو كان الحكم هو التحريك الخارجي فكيف لا يقبل الاشتداد فانه أيضا يكون قابلا للشدة والضعف فلا فرق بين ان يكون الحكم هو الإرادة أو التحريك الخارجي وكيف كان لا إشكال في أخذ العلم في موضوع حكم المماثل إلّا من ناحية لغوية الخطاب حيث انه إذا كان الشيء حراما لا معنى لحرمته ثانيا بعد جعل الداعي لتركه وهو جعل الحرمة مثلا بالنسبة إليه.

واما أخذ العلم في موضوع حكم يضاده فان كان معنى الواجب والحرام الّذي هو الضد هو الفعل وطلب الترك ويكون متعلق أحدهما الوجود ومتعلق الآخر العدم فيصدق تعريف الضدين عليهما وهو انهما امران وجوديان لا يجتمعان في موضوع واحد فان الفعل اما ان يكون مأمورا به أو منهيا عنه ولا يجتمع الأمر والنهي فلا يمكن ان يقال مثلا إذا قطعت بوجود شيء يحرم عليك ذلك الشيء من باب عدم اجتماع الضدين واما ان كان معنى الواجب والحرام هو ان أحدهما البعث إلى الوجود والثاني البعث إلى الزجر عن الوجود فيكونان مثلين في كونهما البعث ومتعلق كليهما الوجود فكل ما يقال في البحث السابق من اتخاذ القطع بحكم في موضوع حكم يماثله من انه يرجع إلى لغوية الخطاب يقال هنا أيضا.

هذا كله في القطع الّذي كان طريقا محضا أو موضوعا بأقسامه واما الظن ففي صيرورته طريقا أو جزء الموضوع يكون البحث فيه في مقامات :

الأول : لا شبهة ولا ريب في ان الظن يكون حجيته بنحو من الجعل عن الشارع ولا يكون له حجية ذاتية مثل القطع حتى يكون الحاكم بها هو العقل من باب أنه يكون طريقا ذاتا والظن لا يكون له الا طريقية ناقصة فما دام لم يتم نقصه بالإمضاء لا يكون حجة.

ثم انه ربما توهم ان الظن إذا كان حجة من باب الانسداد على الحكومة بمعنى

٧١

انه بواسطة الانسداد نفهم ان الظن حجة بحكم العقل بخلافه على الكشف بمعنى ان دليله يكشف عن ان الشارع جعل الظن حجة فانه يرجع إلى جعل الشارع إياه حجة فعلى الأول وهو الحكومة حيث يكون الحاكم هو العقل يكون حجة ذاتا والعقل كما يحكم بوجوب متابعة القطع كذلك يحكم بوجوب متابعة الظن.

وقال شيخنا النائيني (قده) في مقام الجواب ان الظن لا يكون حجة عقلية في شيء من الحالات ولا تكون منجعلة كالعلم وحجية الظن الانسدادي بناء على الحكومة ليس معناها حجية الظن عقلا بحيث يقع في طريق إحراز الواقعيات وإثبات التكاليف بل معناها كفاية الامتثال الظني في الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة إجمالا فالحكم العقلي واقع في طريق الامتثال والإطاعة لا في طريق الإثبات حتى يكون الظن حجة عقلية.

وفيه ان عدم كون الظن حجة من حكم العقل لا يستلزم ان لا يكون مثبتا للأحكام بل كما انه يكون في مقام الفراغ كافيا كذلك يكون كافيا في مقام إثبات الحكم إثباتا ظنيا ولا وجه لاختصاصه بمرحلة الفراغ فقط.

في قيام الظن مقام ظن آخر في طوله

ثم انه (١) بعد إثبات كون الظن حجة بالجعل ينبغي البحث عن انه هل تقوم الأمارات الأخر في طوله مقامه وكذلك الأصول المحرزة وغيرها في المقام الثاني.

وبعبارة أخرى كما انه قد مر البحث في انه هل تقوم الأمارات والأصول

__________________

(١) أقول البحث عن قيام ظن مقام الظن الآخر مع وجود الدليل لكل منهما في موضوع في طول الدليل الآخر أو عرضه لا فائدة له وكما ذكره الأستاذ مد ظله لا معنى للقيام ولا يكون البحث بحث الحكومة والورود بل الدليل يشمل كل واحد من الظنون بالتساوي.

واما في ساير أقسام الظن من الجزء الموضوعي وتمامه فيكون فرضا محضا لا يكون له في الفقه نظير.

٧٢

مقام القطع الوجداني إذا كان طريقا محضا أو جزء الموضوع أو تمامه على الطريقية أو على الصفتية فهل تقوم الظن الآخر في طول بعض الظنون أو أصل محرز في طول الأمارة أو غير محرز كذلك مقامه في الحجية مثلا إذا قيل تثبت الملكية بشهادة العدلين فهل تقوم اليد أو أصالة الصحة بالنسبة إلى ما في اليد مقام شهادتهما أو أصالة الصحة مقام اليد بناء على أنها أمارة وليس لها لوازم أي لا يكون مثبتاتها حجة على ما هو التحقيق أو بناء على كونها أصلا محضا أم لا فيه خلاف.

والحق ان الظن الطريقي المحض يقوم مقام الظن الّذي يكون في طوله ويكون القيام مقامه بالورود لأن المراد هو ان الواقع يحتاج إلى محرز والأمارات كلها محرزة للواقع لكن بعضها في طول بعض وكذا الأصول المحرزة ولكن شيخنا العراقي يقول بأن كل واحد من الأمارات الطولية يكون في مقام الآخر ولكن نحن نقول كل أمارة تكون بنفسها حجة ولا تكون مقام شيء آخر وكنا نورد عليه هذا ولم يقبل منا.

والحاصل طولية الأمارة مثلا يكون في باب الحيض في العادة والتميز والرجوع إلى الأقران والأقارب في غير الناسية والرجوع إلى العدد المعين في الروايات من التحيض في كل شهر ثلاثة أو سبعة أو ستة أيام على ما هو المحرز في محله فنحن نقول العادة وان كانت متقدمة على التميز بالصفات ولكن لا يكون معنى الرجوع إلى التميز هو كونه مقام العادة بل بنفسه أمارة على الحيضية وهكذا الرجوع إلى الأقارب ثم الرجوع إلى الروايات في تعيين العدد فان الشارع جعل إحداهن الأمارة بنفسها لكن بعضها في ظرف عدم بعض الآخر ولا معنى لقولنا يكون هذا مقام ذاك مع جعل المحرزية من الشارع لكل منها هذا كله بالنسبة إلى الظن الطريقي.

المقام الثالث

في الظن الجزء الموضوعي أو تمامه على وجه الطريقية فتارة يكون البحث في الظن المعتبر وتارة يكون في ما هو غير معتبر.

٧٣

أما ما هو المعتبر فان كان جزء الموضوع لحكم آخر مثل ما يقال إذا ظننت بحرمة شيء يجب عليك التصدق بدرهم فان هذا القسم من الظن يقوم جميع الأمارات المعتبرة مقامه ولو كان الموضوع بعض اقسامه مثل ان يقال إذا شهد العدلان بملكية شيء لشخص يكون التصدق واجبا فإذا صارت اليد أو أصالة الصحة في العقد سببا للملكية أيضا يمكن ان يحصل جزء الموضوع به وهو الظن بالملكية وهذا يكون قيامه مقام غيره بالورود لا بالحكومة ويكون أحسن حالا من قيام الأمارة مقام القطع الوجداني ضرورة ان الظاهر كما مر في القطع المأخوذ جزء الموضوع هو الوجداني فقيام الأمارة مقامه يكون بالحكومة وفرض المظنون كالمقطوع بواسطة التوسعة في دليل اعتباره بخلاف المقام فان الظن المأخوذ جزء الموضوع أو تمامه يكون أحد افراد المحرز فإذا حصل المحرز يكون جزء الموضوع حاصلا بالوجدان لا بالحكومة (١) والمخالف هنا أيضا شيخنا العراقي فانه يقول بعدم قيام بعض الظنون مقام البعض الآخر إذا كان الدخيل شخص الظن الخاصّ.

ثم لو أخذ شخص الظن الخاصّ جزء للموضوع يكون لظن آخر معتبران يقوم مقامه مثل ما إذا قيل إذا ظننت بالملكية من طريق الأمارة يجب لك التصدق بدرهم فانه يقوم الظن الحاصل من اليد مقامه (٢) هذا كله في أخذ الظن بحكم في

__________________

(١) : أقول الكلام عن الحكومة والورود في أمثال المقام لا وجه له على حسب الاصطلاح بل إذا قام دليل على ان هذا الظن معتبر وأخذ في لسان دليل آخر جزء الموضوع يكون شمول جميع الأقسام من الظن بالدلالة الانحلالية ويكون كل واحد من افراد الموضوع.

فكل أمارة يكون ظنا معتبرا ويكون جزء الموضوع أو تمامه ولا يكون مثل قوله كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام ليكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر كما ان العلم يوجب رفع موضوع الحلية وهو الشك وهذا واضح.

(٢) : أقول لو استفدنا من دليل ان شخص هذا الظن معتبر في الموضوع يكون قيام الغير مقامه مناف لكون شخصه دخيلا نعم لو كان لسان الدليل إذا شهد ـ

٧٤

موضوع حكم آخر واما أخذ الظن في موضوع حكم نفسه وشخصه وهكذا المأخوذ في موضوع حكم مماثله أو مضاده فيكون الكلام فيه مثل ما مر في القطع بأنه لا يمكن اما الأول فللزوم الدور لأن الظن بالحكم متوقف على وجود الحكم قبله حتى يظن به ووجود الحكم متوقف على الظن به وهذا يوجب التهافت في لحاظ الأمر وتقدم الشيء على نفسه ورؤية المتقدم متأخرا فان الموضوع مقدم على الحكم والحكم متأخر عنه ففرض ما هو المتقدم وهو الموضوع متأخرا.

واما الثاني فلان اجتماع المثلين كاجتماع الضدين محال وحكم اجتماع الضدين أيضا واضح فما عن الخراسانيّ (قده) بإمكانه في المقام لا وجه له ضرورة ان الظن لا شأن له الا الكاشفية عن الواقع كالقطع ولا يكون دخيلا في المصلحة حتى يؤخذ في موضوع حكم نفسه.

واما هو قده فيكون حاصل مرامه هو ان الظن حيث لا يكون كاشفا للواقع بكشف تام فينحفظ معه مرتبة الحكم الظاهري فإذا قيل إذا ظننت بحرمة شيء يحرم عليك ذلك الشيء يكون الثاني حكما ظاهريا وفي مرتبة الظاهر ومتعلق الظن حكما واقعيا ولكن حيث لا يكون العلم به واقعا لا إشكال في وجود حكم آخر.

وبعبارة أخرى انه (قده) يقول بأن الحكم المتعلق للظن يكون فعليا ولكن بمعنى انه لو قطع به لتنجز على المكلف واستحق على مخالفته العقاب فعلى هذا يكون للحاكم جعل حكم مماثل له أو مضاد له كما انه يمكن جعل الاحتياط في حق الظان كذلك.

ثم قال (قده) ان قلت كيف يمكن ذلك وهل هو إلّا ان يكون مستلزما لاجتماع المثلين أو الضدين : قلت لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذلك المعنى أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز مع حكم آخر فعلى في مورده بمقتضى الأصل

__________________

ـ العدلان بكذا يجب التصدق بدرهم ولم نفهم منه الخصوصية ونقحنا المناط وقلنا بأن المراد منه المحرز الظني يقوم غيره مقامه بالبيان السابق وهو غير ما ذكره.

٧٥

أو الأمارة أو دليل أخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص به.

وهذا الكلام منه (قده) مما لم نفهمه وما فهمه تلامذته أيضا حتى سألنا عن أستاذنا العراقي (قده) مراده قال ما فهمناه فانه لا معنى لقولنا انه لو قطع به لتنجز بعد كونه منجزا فعلا والظن يكون معتبرا وموجبا لجعل الحكم فعلا في مورده سواء كان المراد بالحكم الإرادة أو التحريك والتحرك الخارجي فان اجتماع الإرادتين (١) الفعليتين بالنسبة إلى شيء واحد محال سواء كانت من المثلين أو من الضدين وكذلك التحريك الفعلي الّذي يتم جميع جهاته من الشرائط ورفع الموانع أيضا لا يتصور له أزيد من واحد ضرورة انه أيضا من اجتماع المثلين أو الضدين.

لا يقال ان الظن الّذي هو جزء الموضوع قلتم يكون كاشفا ومنوّرا لمتعلقه فنور المتعلق منه واما نوره فمن أين حصل مع انه ظن. لأنا نقول جواب هذا واضح لأن نورية هذا الظن يكون بجعل الجاعل بعد كون المفروض ان الظن يكون معتبرا اما غير المعتبر فلا كلام فيه هنا.

واما إشكال الدخل في المصلحة وأنه إذا أخذ جزء الموضوع يكون دخيلا فيها كما كان في القطع ومثّلنا بمسألة الجهر والإخفات والقصر والإتمام فيكون في المقام أيضا ضرورة انه يلزم منه أيضا تقدم الشيء على نفسه من باب انه ما لم يكن الظن بالحكم لا يكون له مصلحة والظن به متوقف على وجوده ولا جواب عنه. لا ثم ولا هنا (٢) هذا في الظن المعتبر واما الظن الغير المعتبر الّذي أخذ في الموضوع أيضا لا يمكن ان يكون أخذه بنحو جزء الموضوع أو تمامه في إثبات نفس حكم متعلقه ولا مثله ولا ضده حيث انه يلزم منه الدور وتوقف الشيء على نفسه

__________________

(١) : أقول : قد أطال الكلام في ذلك الشيخ محمد حسين الأصفهاني (في ص ٢٥ و ٢٤) من شرحه على الكفاية ان شئت فارجع إليه.

(٢) : أقول مر منه في مقام الإشكال عن النائيني (قده) إصلاح المطلب برتبتين رتبة الواقع قبل العلم به ورتبته بعده فقال بطولية المصلحة فله ان يقول هنا أيضا ولكن لا يصح على التحقيق كما مر ولعله سهو وقع منه.

٧٦

والتهافت في اللحاظ كما في الظن المعتبر.

ولكن قال شيخنا النائيني (قده) (١) بأنه إذا كان مأخوذا في إثبات حكم ضده لا يصح لأنه لا يمكن ان يكون للشيء حكمان متضادان مثل ان يقال إذا ظننت بحرمة شرب الخمر يجب عليك شربه حيث لا يكون وجه الاجتماع الوجوب والحرمة لأنهما ضدان.

واما إذا أخذ في إثبات حكم مماثله فلا إشكال فيه مثل ما يقال إذا ظننت بحرمة شرب الخمر بظن غير معتبر يحرم عليك شربه فانه ان صادف الواقع يكون مؤكدا للواقع حيث ان المظنون يكون له الحكم الظاهري وربما يوافق الواقع وربما لا يوافق فان لم يوافق فيكون الحكم هو الثاني وان وافقه فيكون مؤكدا له بخلاف القطع فانه حيث يكون مصيبا للواقع من الأول لا يمكن ان يجعل حكم مماثله لأنه لغو ومن اجتماع المثلين المحال.

وفيه انه (قده) ان كان إصلاحه هذا المطلب من باب اجتماع الحكم في الرتبتين لا في رتبة واحدة فلا فرق بين القطع والظن فانه في القطع أيضا يكون للشيء حكم بلحاظ نفسه وحكم بلحاظ تعلق القطع به وان لم يصح اختلاف الرتبة فالمقام أيضا لا يكون صحيحا وحيث لا يكفى اختلافها في إصلاح محذور الدخل في المصلحة كما مر في القطع كذلك لا يكفى هنا.

مضافا بأن الظن الّذي هو غير حجة لا يكون مثبتا لمتعلقه حتى يكون الباب من اجتماع الضدين أو المثلين فيما كان جزء الموضوع لأن الظن بالحرمة الواقعية إذا كان موجبا للحكم بالحرمة أو الوجوب يحتاج الموضوع إلى جزءين الظن وهو غير معتبر ومتعلقه أيضا لا يثبت به فلا يحصل موضوع الحكم أصلا.

نعم فيما إذا كان الظن تمام الموضوع بنحو الصفتية بأن يكون هو المدار لوجود الحكم بحيث انه إذا حصل الظن في النّفس حصل صفة يكون تمام الموضوع

__________________

(١) في ص ١٣ في تقريرات الشيخ محمد على الكاظمي (قده).

٧٧

للحكم بالحرمة أو الوجوب ولو لم يثبت الحرمة المتعلقة بها الظن وهذا كله يكون حسب الفرض وإلّا فلم يكن لنا في الشرع غير الظن الّذي يكون طريقا لإثبات متعلقه واما الجزء الموضوعي أو تمامه فلا يكون لنا في الفقه.

في لزوم الالتزام بالأحكام وعدمه

الأمر الخامس (١) : في انه هل الالتزام بالأحكام وراء العمل لازم أم لا وقبل

__________________

(١) : أقول الالتزام وراء العلم بالتكليف والعمل على طبقه بحيث لو سئل عنه هل هذا حكم الله يصدق ولا ينكر ويعمل أيضا على طبقه يكون من مراتب كمال العبودية وهو التسليم واقعا فان الإسلام الواقعي هو التسليم وله مراتب وهذا يحتاج إلى السلوك النفسيّ والبناء لا يفيده حتى يقال انه واجب.

اما من باب المقدمية فكما ذكره مد ظله فلا حيث ان العلم بالتكليف مقدمة للعمل عليه ولا يحتاج إلى تسليم فوق هذا فان أدنى مراتب العبودية هو العمل بما علم واما من باب شكر المنعم فما يجب بحكم العقل هو التصديق بالله ووجوب معرفته ومعرفة رسله الذين يكونون طريقا للوصول إليه بمعرفة أحكامه واما التسليم كذلك فهو وان كان حسنا ولكن لا يتوقف عليه شكر المنعم ونحن الآن في صدد إثبات حكم للعموم.

واما الخواصّ فيجتنبون عن كل ما يكون خلاف رسوم العبودية ليعطي الله لهم مقام التربية لمن دونهم فانه يمكن ان يقال ان ما ورد من ان العبودية جوهرة كنهها الربوبية على فرض الصحة معناه ما ذكر لا أن معناه ان العبد بصير ربا بجميع شئونه بل يصير قابلا لوساطة الفيض على غيره كما نشهد بأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وهو واسطة الفيض وهذا الكلام لم يكن هنا مقامه ولكن جرى على القلم فان هذا له ذيل طويل.

ولا يخفى ان اللازم الّذي لا ينكر هو ان المسلم يجب ان يكون معتقدا بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعنى انه لا ينكره ولو لم يصل عقله إلى مصلحته وربما يرجع الإنكار إلى الكفر كما في الضروريات.

٧٨

الخوض في المقصود يجب ان يعلم ان حقيقة الالتزام في النّفس فيها نوع خفاء من حيث انه هل يكون وراء التصديق والعلم شيء آخر مثل البناء على ما علم (وبالفارسية گردن نهادن آنچه مى داند) أم لا؟

والحق انه يكون بعد العلم بالشيء فعل من افعال النّفس ومن مقولة الفعل كما ترى ان الشخص مع الإذعان بحقية شخص لمنصب من المناصب ربما لا يلتزم به ولا يترتب عليه آثاره لجهة من الجهات من خبث النّفس وغيره وهكذا الأحكام الشرعية والاعتقاد بالنبوة فان الشخص يقبل أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا ولا يلتزم به كما ان الإعراب في صدر الإسلام مع الاعتقاد بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمهم بأنه نبي ما كانوا ملتزمين بذلك بالعقد القلبي وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ثم انه تارة يقال بوجوب الالتزام من باب الملازمة العقلية كما في المقدمة وذيها وتارة من باب حكم العقل بوجوبه لا من هذه الجهة وتارة يقال بوجوب الالتزام شرعيا من باب دليل خاص.

اما الأول وهو القول بالوجوب من باب الملازمة العقلية فلا يكون في المقام لأن الالتزام بالوجوب لا يكون من مقدمات إتيان نفس العمل كالصلاة فانها مشروطة بالطهارة لا بالالتزام بها فانه بدونه أيضا يصح الإتيان بها ولا يكون من مقدمات الأمر بها أيضا كما هو واضح فانه لا مقدمية له لا من باب حكم العقل ولا من باب حكم الشرع.

لا يقال ان الالتزام بالعمل واجب من باب انه ما لم يلتزم لا يأتي بالعمل ومع احتمال وجوبه يجب حيث ان دفع الضرر المحتمل واجب عقلا كما ان دفع الضرر القطعي كذلك.

وبعبارة أخرى العقل يحكم بأن رسوم العبودية يقتضى الالتزام بنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتسليم له وان من يأبى عن ذلك خرج عن رسوم العبودية ودفع الضرر المحتمل لازم أيضا لأنا نقول لا يتوقف العمل عليه والضرر المحتمل مع وجود المؤمن لا عقاب عليه ففي المقام إذا لم يكن دليل على الوجوب فأصل البراءة يحكم بعدم وجوب دفعه.

٧٩

واما الخروج عن رسول العبودية فهو وان كان كذلك ولا يكون هذا عبدا منقادا ولكن لا ربط له بالوجوب فان سوء النّفس شيء والحكم بأنه يجب للشخص إطاعتان : إطاعة لنفس العمل وإطاعة بالنسبة إلى الاعتقاد شيء آخر يحتاج إلى الدليل كما قلنا في التجري انه كاشف عن سوء النّفس ولا حكم له شرعا.

واما الطريق الثاني وهو حكم العقل بوجوبه من باب أن شكر المنعم واجب فكما ان بعد العلم بوجود الله تعالى يجب معرفته من باب ان الشكر يقتضى ذلك فكذلك يقتضى ان يعتقد بنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا من حيث انه جاء بالأحكام والالتزام بأحكامه لازم حيث انه يعتقد به بواسطة هذه الأحكام فمن لم يلتزم بأحكامه كأنه لم يلتزم بنبوته واقعا.

والجواب عنه هو ان الاعتقاد بالنبوة وان كان واجبا من باب الشكر ولكن لا يقتضى هذا الاعتقاد بكل حكم حتى ما جاء به في حيض النساء مثلا اللهم إلّا ان يقال الاعتقاد الإجمالي بالأحكام حيث كان لازما من باب الشكر فينحل إلى جميع الأحكام فالاعتقاد بجميعها لازم والفرق بين هذين الطريقين هو أن الأول يكون لازمه الاعتقاد بما يكون مقدمة لعمل نفسه من باب المقدمية ولا يجب عليه الالتزام بما يكون منوطا بعمل غيره مثل ما ورد في حيض النساء واما على فرض كون الطريق حكم العقل فحيث لا يكون من باب الملازمة فالالتزام بجميع الأحكام لنفسه ولغيره لازم فيلزم عليه الالتزام بوجوب الصوم والحج وأحكام الحائض والنفساء.

واما (١) وجوب الالتزام بالالتزام من باب الحكم الفقهي الشرعي التعبدي فلازمه ان يقال ان الالتزام بالتزام الالتزام وهكذا لازم على نحو التسلسل وهو محال على انه لا دليل على وجوبه نقلا.

ثم انه على فرض القول بوجوب الالتزام يجب ان يكون بالنسبة إلى ما هو

__________________

(١) أقول من هنا وما بعده في هذا الفصل ينبغي ان يرجع إلى حاشية الكمپاني للكفاية ص ١٧ لزيادة التوضيح.

٨٠