مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

الأمر الثاني عن البحث في معنى التذكية

فقد اختلف فيه فقيل انها عبارة عن أمر مركب من علة فاعلية مع قابلية المحل لها بشروطها وقيل انها هي العلة الفاعلية وهي فري الأوداج مع الشرائط وقابلية المحل أيضا شرط وقيل انها أمر بسيط أو معنى محصل من الجميع كما يقال في حصول الطهارة عن الحدث بواسطة الغسل.

والفرق بين الأول والأخير هو كونها نفس الأعمال مع الشرائط والقابلية في الأول وغيرها في الثاني وقد تعرض لمعنى التذكية شيخنا (١) النائيني قده.

وكل مسلك من هذه المسالك يترتب عليه ثمرة بالنسبة إلى جريان الاستصحاب وعدمه فعلى فرض كونها امرا مسببا عن مجموع الفري وقابلية المحل والشرائط فقيل بأنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية أو الموضوعية للحالة السابقة النعتية على التقديرين لأن الشك إذا كان في شرط من الشرائط كالاستقبال في الشبهات الموضوعية في اللحم المطروح حيث يكون الشك في حصول التذكية الغير الحاصلة قبل فيجري استصحاب عدمها وكذلك إذا كان الشك من جهة الشبهة في الحكم كما إذا كان قابلية الحيوان مثل الأرنب مثلا للتذكية مشكوكة من جهة الحكم فهنا أيضا يجري استصحاب عدم التذكية لعدم العلم بحصولها بعد ما لم يكن فلا إشكال في جريان الأصل وترتب النجاسة والحرمة على اللحم المطروح على هذا المبنى.

وقد أشكل على هذا التقريب بأنه يكون في صورة أخذ عدم التذكية في لسان الدليل ويكون النجاسة والحرمة مترتبا على غير المذكى واما إذا كان مترتبا على عنوان الميتة فحيث لم يثبت بهذا الأصل عنوان كونه ميتة وأن الموت كان بحتف

__________________

(١) تعرض (قده) على ما في الفوائد لمعنيين الأول كون التذكية عبارة عن المركب من الثلاثة فري الأوداج وقابلية المحل مع الشرائط أو كون المقوم غير قابلية المحل وانها شرط فراجع ص ١٤٠ منه.

٣٤١

الأنف فلا فائدة في جريانه لأنها بالنسبة إلى هذا الأثر تكون من الأصول المثبتة.

والحاصل الموت امر وجودي ولا يكون ثابتا بخلاف عدم المذكى فانه امر عدمي.

والجواب عنه عن الخراسانيّ قده (١) وتبعه شيخنا الأستاذ العراقي قده هو أن ما في لسان الدليل يكون عنوانين الموت حتف الأنف وعدم كون الحيوان مذكى فان كليهما موجبان للقول بالنجاسة والحرمة ومن المحرر أن كل عنوانين أخذ في لسان الدليل يكون أحدهما أعم والآخر أخص يكون المدار على الأعم مع قطع النّظر عن حكم العام والخاصّ المثبتين وهنا يكفى صدق العنوان الأعم وهو عدم المذكى في ترتيب الآثار فلا نحتاج إلى إحراز الموت حتف الأنف واستصحاب عدم التذكية مسلم ولو من باب استصحابه من حين الحياة ولو لم يكن حالة سابقة للموت حتف الأنف حتى يستصحب.

أقول ما ذكراه متين في ترتب الثمرة على الموت وعلى عدم المذكى ولكن لم أجد ترتيب النجاسة في لسان دليل (٢) على عدم المذكى وان كان الحرمة مترتبة

__________________

(١) قال قده في الكفاية فأصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك وهو حرام إجمالا كالموت حتف أنفه فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكى شرعا ضرورة كفاية كونه مثله حكما.

والحاصل من كلامه قده هو أنه في صورة محرزية عدم التذكية لا شبهة في النجاسة والحرمة فهكذا إذا أثبت بالأصل وتفكيك القوم بين الحرمة والنجاسة يكون في مقام الشك وجريان الأصل لا في غيره يعنى إذا كان عدم التذكية ثابتا بالدليل أو بالوجدان.

(٢) أقول وجدت في الوسائل ج ١٦ في باب ٢٨ من الذبائح في ح ٤ ما يدل على أن غير المذكى ميتة بل أعظم منها.

عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع إخوانه فيتعمد الشراء من النصاب فقال أي شيء تسألني أن ـ

٣٤٢

عليه والشاهد على عدم وجود نصّ في ذلك هو اختلافهم في ذلك وانفكاكهم بين الحرمة والنجاسة فقال بعضهم بالحرمة دون النجاسة ولو كان نصّ في ذلك لم يختلفوا كذلك.

وذب الشيخ الأنصاري قده عن الإشكال بأن المراد بالميتة في لسان الدليل الدال على النجاسة هو عدم المذكى فاستصحاب عدمه يكفى للقول بالنجاسة.

وفيه ان الاتحاد في الحكم ان كان مراده قده لم نجده في دليل كما مر والاتحاد في المفهوم ممنوع ضرورة ان الميتة بالموت حتف الأنف غير عدم المذكى فتحصل أنه على هذا المسلك في معنى التذكية وان جرى الأصل ولكن لا يترتب عليه النجاسة بل الحرمة فقط.

واما على فرض القول بأن التذكية يكون هو فري الأوداج مع ساير الشرائط ويكون قابلية المحل أيضا من الشرائط فهنا أيضا تارة نتكلم في الشبهات الحكمية وأخرى في الموضوعية وفي الموضوعية تارة يكون الشك من ناحية مقوم التذكية وهو فري الأوداج وأخرى من ناحية ساير الشرائط.

اما من ناحية الشك في المقوم فيكون الاستصحاب جاريا لأن الحيوان قبل الفري لم يكن مذكى وبعده يكون الشك في حصول التذكية والأصل عدمها فالحالة السابقة النعتية أوجبت صحة جريان هذا الأصل وهكذا إذا كان الشك من ناحية شرط من الشرائط كالاستقبال إلى القبلة فانه بفقده أيضا لا يحصل التذكية وله حالة سابقة

__________________

ـ أقول؟ ما يأكل الا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير قلت سبحان الله مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقال نعم وأعظم عند الله من ذلك الحديث.

فان ذلك يكون من فقد شرط الإسلام وفي باب ٣٠ من الذبائح يكون التصريح بأنه ميتة بالنسبة إلى ما يقطع عن الأليات وحتى ما يكون بحيث ينتصف وليس هذا من الموت حتف الأنف بل لعدم جريان شرائط التذكية يكون ما ينتصف حراما ونجسا لكونه ميتة.

٣٤٣

عدمية فيستصحب.

واما الشرط الّذي يكون هو القابلية فعند الشك فيه حيث لا يكون له حالة سابقة لا يمكن استصحاب عدم القابلية ليترتب عليه عدم التذكية لأنا لا نعلم وجود القابلية في هذا الحيوان ولا عدمه فمن قال بجريان استصحاب العدم الأزلي مثل شيخنا العراقي قده لا يقول به هنا بأن يقال هذا الحيوان حين لم يوجد لم يكن له قابلية فكذلك بعد الوجود لأن القابلية وعدمها من صقع الماهية وملازمة للذات ولم تكن من طوارئ الوجود حتى يمكن استصحاب عدمها قبل الوجود فانه قده يجري الاستصحاب في طوارئ الوجود لا في طوارئ الماهية والمقام من قبيل الثاني.

وبعبارة أخرى الأقوال في جريان استصحاب العدم الأزلي مختلفة فقول بجريانه مطلقا وقول بعدم جريانه مطلقا وقول بالتفصيل بين لوازم الوجود فانه يجري فيه الأصل لأنه في رتبة ما بعد الذات وبين لوازم الماهية فلا يجري فيه والمقام على هذا المسلك ومسلك القائل بعدم جريان الأصل الأزلي مطلقا لا يجري فيه الأصل واما على المسلك الأول فيجري والحق التفصيل هذا كله إذا كان الشك في أصل القابلية.

واما إذا كان الشك في زوالها بواسطة الجلل فالأصل بقائها ويمكن استصحابها لوجود الحالة السابقة النعتية.

ومما ذكرنا ظهر حال المسلك الثالث في معنى التذكية وهو أن يكون مجموع فري الأوداج مع الشرائط والقابلية بدون ان يكون موجبا لشيء هو المحصل وهو التذكية ومن دون ان يكون لبعض ما ذكر دخالة في التذكية كما قلنا في المسلك الثاني بالنسبة إلى فري الأوداج وعلى هذا فكل ما ذكرنا الفري حيث لا يكون له حالة سابقة لا مجال لجريان الأصل فيه فان غير فري الأوداج مثل القابلية والإسلام والاستقبال وكون الآلة هي الحديد لا غير إذا شك في تحققه لا تجري أصالة العدم بالنسبة إليه سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية واما الفري فحيث يكون له حالة سابقة مطلقا تجري الأصل بالنسبة إليه وهذا المسلك يكون متحد النتيجة مع المسلك الثاني وهو القول بأن المقوم للتذكية فري الأوداج والباقي شرائطه من جهة عدم

٣٤٤

جريان الاستصحاب بالنسبة إلى ما شك في تحققه ولذا ما بيّن في معنى التذكية عند الأساتيذ الا المسلكان هذا كله في مقام بيان الاحتمالات والمسالك بحسب الثبوت.

واما المختار في معنى التذكية عند الأساتيذ هو انها تكون فعل الذابح حسب المستفاد من الآية والرواية اما الآية فقوله تعالى الا ما ذكيتم فان نسبة التذكية تكون إلى الفاعل بإسناد الفعل إليه وفي الرواية التعبير بذكاة الذابح وبقوله عليه‌السلام أليس الذكي ما ذكي بالحديد فليس التذكية الأمر المسببي ولا مجموع ما ذكره فعليه يجيء التفصيل في جريان الأصل فان الشك لو كان من ناحية الفري يجري الأصل ولو كان من جهة القابلية لا يجري لعدم الحالة السابقة.

أقول ما ذكروه (١) غير تام لأن الأفعال التوليدية كلها يكون اسناد سببه إلى الفاعل مع ان المولد منه يكون شيئا آخر كما ينسب الإحراق إلى الحطب والمحرق هو النار المولد منه فنسبة الذبح إلى الذابح فيما ذكر من الآية والرواية لا توجب أن يكون المختار هو أن التذكية تكون فعل الذابح بل من الممكن أن تكون هي فعله أو ما هو المسبب منه واما لو شك في ذلك بان لا نعلم أن التذكية أي معنى من المعاني فحيث انه على بعض الفروض لا تجري الأصل وعلى بعضه يجري فيكون من الشبهة المصداقية لدليل الأصل وهو قوله لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر فلا يتمسك به

__________________

(١) أقول ان الظاهر من اسناد الفعل إلى ما هو الحاصل بالأسباب وهو الذكاة هو ان التذكية هو الأمر الحاصل من الأسباب لا الأسباب فقط فان قوله تعالى الا ما ذكيتم يكون مثل قوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا فان الطهارة أيضا محصلة بالأسباب من الغسل مع الشرائط ولم يكن الإسناد إلى الأسباب بان يقال الا ما فريتم أوداجه أو جعلتموه جانب القبلة أو سميتم عند ذبحه أو ذبحتموه بالحديد فلو كان هذا التعبير في الكلام لأمكن الاحتمالان كما ذكره مد ظله.

واما الإسناد إلى المسبب مع كون التعبد المحض خلاف الذوق في هذه الأفعال وأنها تؤثر أثرا طيبا في اللحم يسمى بالذكاة يوجب الاطمئنان بأنها المسبب الحاصل من الأفعال ويجري الأصل بالنسبة إلى ما يكون له حالة سابقة وهو فري الأوداج فقط.

٣٤٥

والأصل بحسب التكليف الفعلي هو الإباحة والطهارة لأنه بعد عدم جريان الحاكم تصل النوبة إلى المحكوم فتحصل أن أصالة عدم التذكية لا تجري لعدم إثبات معنى محصل من الآية والرواية في غير الأوداج هذا كله حال المسألة الأولى من مسائل الشبهة التحريمية وهو فقد النص.

المسألة الثانية (١)

في الشك في الحرمة من باب إجمال النص

وقد ذكر الشيخ قده هذا بعد بيان أحد تنبيهات البراءة ومر أن الخراسانيّ قده جعل فقد النص وإجماله وتعارض النصين في مسألة واحدة لعدم الفرق عنده في ذلك والشيخ قده أفرد كلا بالبحث لبعض النكات والكلام في الشك في حرمة شيء بواسطة الإجمال يكون كالكلام فيه من جهة فقدان النص فان الأصل يقتضى البراءة عن الحرمة.

ولا يخفى ان الإجمال تارة يكون في الحكم وتارة في المتعلق اما الإجمال في الحكم فهو مثل ان يرد نهى بالصيغة مثل لا تشرب الخمر أو بالمادة مثل هو لك حرام ويكون الناظر إليه ممن لم يكن النهي بالصيغة أو بالمادة عنده مما يفيد المبغوضية والحرمة بل يكون مجملا عنده فيكون الإجمال عنده في الحكم واما الإجمال في المتعلق فمثل الغناء مثلا فانه يعلم حرمة هذا العمل ولكن لا يدرى أنه أي صوت هو ولا يدرى انه الصوت المخصوص بمجالس اللهو أو الصوت المطرب أو المحزن فان كان الإجمال كذلك يرجع إلى المتباينين لا بد من الاحتياط لإحراز أصل التكليف واما إذا كان مرجعه إلى الأقل والأكثر فالأصل يقتضى البراءة

__________________

(١) الأولى ذكر بقية التنبيهات كما فعله الخراسانيّ ثم ذكر ما أفرد الشيخ ببحثه في ترتيب البحث حسب ما في الكفاية وفي بعض التقارير من الماضين مثل الفوائد للنائيني زيادة أمور مفيدة بنحو الإجمال فان شئت فارجع إليه.

٣٤٦

بالنسبة إلى الأكثر أو لا يقتضيه حسب اختلاف المباني.

والسر في تفرد الشيخ بهذا البحث في مسألة على حدة هو ان البيان على الطبيعة في صورة إجمال النص تام ولكن لا يدرى افرادها بخلاف فقدان النص فان البيان رأسا غير موجود فلقائل ان يقول يكفي البيان على الطبيعة في وجوب الاحتياط بالنسبة إلى المشكوك.

والجواب عنه هو ان افراد الطبيعة إذا لم يكن متساوي الإقدام بالنسبة إليها فلا محالة بالنسبة إلى ما هو المتيقن يؤخذ بالحكم وبالنسبة إلى الفرد المشكوك يجري الأصل لعدم العلم بالحكم في ذاك الفرد ويكون مما لا يعلم فيشمله حديث الرفع فلا فرق بين إجمال النص وفقده في جريان البراءة.

واما تعارض النصين فائضا كذلك من حيث القاعدة الأولية لأن الأصل الأولى في المتكاذبين التساقط والرجوع إلى البراءة ولكن الأصل الثانوي بحسب الروايات هو التخيير في المتعارضين ولا إشكال في جريان الأصل بحسب الأصل الأولى وان كان الإشكال في القول بالتخيير بالنسبة إلى الأصل الثانوي كما سيجيء في محله ولكن لا يكون البحث عنه بلا فائدة أصلا لأن الأصل الثانوي يكون بالنسبة إلى المتعارضين بالتباين واما بالعامين من وجه فبالنسبة إلى مورد الاجتماع فربما يقال بوجوب الاحتياط أو البراءة حسب الاختلاف بينهم وربما يقال ان البحث عن المتعارضين يكون للقول بالاحتياط في مورده بسبب (١) ما ورد من رواية غوالي اللئالي فانه في تلك الرواية يكون الأمر بالاحتياط أولا ثم بعد عدم إمكانه التخيير فيظن من ذلك ان اللازم في الخبرين المتعارضين الاحتياط إذا أمكن لأنه بعد قوله عليه‌السلام خذ بالحائطة لدينك يقول الراوي كلاهما موافق للاحتياط فيقول اذن فتخير.

والجواب عنه هو ان ضعف الغوالي وضعف استناده بمؤلفه وضعف خصوص

__________________

(١) كما في الرسائل الحاضر عندي في ص ٢١٩

٣٤٧

هذه الرواية غير خفي بل هو مشهور كما عن الحدائق مع عدم تمامية الدلالة على وجه لأن الكلام لا يكون في الاحتياط الّذي يكون هو مرجح إحدى الحجتين بل الكلام في أصل الاحتياط عند الشبهة وان كان يمكن القول بتمامية الدلالة من جهة القول بإطلاق الاحتياط الشامل لما هو مرجح أو غيره.

ومما تقدم ظهر البحث عن حال الشبهات الوجوبية فانه إذا شك في وجوب شيء تجري البراءة كما في الشبهات التحريمية ولا خصيصة لانفراد البحث عنها على حدة فان فقد النص وإجماله وتعارضه يكون مثل التحريمية نعم في المقام خصيصة للبراءة وهي ان الشبهات الوجوبية يكون البراءة فيها جارية حتى عند الاخباري القائل بوجوب الاحتياط في التحريمية لأن الاخبار الآمرة بالاحتياط أكثرها وأصحها في الشبهات التحريمة وما ورد في الشبهات الوجوبية لا يتم دلالتها وسندها.

فصل في الشبهات الموضوعية التحريمية

ويشترك معها الشبهات الوجوبية أيضا والإجماع قائم على البراءة فيها مثل من يعلم ان إيذاء الأمّ حرام منهي عنه غاية التأكيد كقوله تعالى لا تقل لهما أف ولكن لا يعلم أن المورد الفلاني يكون إيذاء لها أم لا مثل ان تأمره بطلاق زوجته لبعض الاختلافات ولا يعلم أن تركه هل يكون إيذاء أم لا فحيث يكون من الشبهات الموضوعية فالأصل يقتضى البراءة فيجوز له ترك الطلاق وان كان يمكن السؤال عنها حتى يعلم انها تتأذى به أم لا ومثل الشبهة في كون شيء خمرا بعد العلم بحرمة شرب الخمر مع إمكان السؤال أو الفحص فانه يجوز شربه وهكذا من يجد رطوبة في الظلمة يحتمل ان يكون هو الدم يجوز له عدم الاجتناب ولو أمكن رفع الظلمة والشك وهذا القول بالبراءة إجماعي.

ولكنه عند التحقيق يكون الإشكال فيه أصعب من الإشكال في الشبهات الحكمية اما أولا فلان القول بالبراءة في الشبهات الحكمية بواسطة قبح العقاب بلا بيان يكون من جهة أن البيان يكون وظيفة الشارع وحيث ما وصل البيان يجري

٣٤٨

البراءة وأما الشبهات الموضوعية فالبيان من جهة قد تم ويكون رفع الشك بيد المكلف لا بيد المولى فعليه أن يسأل أو يتفحص حتى يذهب شكه فكيف يجري البراءة مع عدم لزوم البيان من الشرع والعقاب عليه ليس من العقاب بلا بيان.

وثانيا انه ما الفرق بين الشبهات المصداقية المفهومية في باب الألفاظ حيث لم يتمسك فيها بالعامّ مثل ما إذا قيل أكرم العلماء وشك في فرد انه هل يكون منهم أم لا ويتمسك في المقام بعموم أدلة البراءة مع أن المقام أيضا يكون من الشبهة المصداقية لأدلة البراءة فان أدلة البراءة بالنسبة إلى الشبهات الحكمية مقطوعة الانطباق واما انطباقها على الموضوعية فمشكوك لأنا لا نعلم أنه هل يكون مصداق كل شيء لك حلال أم لا فكيف يتمسك بالعامّ هنا دون الشبهات المصداقية في باب الألفاظ بادعاء أن العام لا يتكفل إيجاد فرد وجعل مصداق لنفسه سواء كانت الشبهة مصداقية للعام أو مصداقية للمخصص.

اما الجواب عن الإشكال الأول فبوجهين الأول هو الجواب الإجمالي عنهم وهو أن فعلية الحكم تتوقف على فعلية الموضوع فان الحكم ما لم يكن موضوعه متحققا لا يكون البعث إليه فعليا فان وصوله بالنسبة إلى كل شخص موضوع دخيل في باعثيته وزاجريته فحيث لم يكن واصلا كذلك في الشبهات الموضوعية يجري البراءة عنه.

وفيه ان هذا صحيح ولكن الكلام في أنه لأي دليل لا يجب الفحص ليكون الحكم وأصلا فان رفع الشك بيد المكلف ولا يفيد هذا لجريان البراءة فان جريانها في كل شك يحتاج إلى الدليل.

وقد أجاب بعض الأعيان عن ذلك أيضا بجواب غير تام وهو أن بيان الحكم الجزئي وان لم يكن من وظيفة الشرع ولكن المدار في جريان البراءة الخروج عن رسم العبودية ولا يصدق ذلك في حق الشاك في الموضوع إذا أجرى البراءة والجواب عنه ان احتمال التكليف يكون منجزا ولو لم يكن الحكم فعليا فانه لأي دليل لا يعتنى بهذا الاحتمال فهل يكون له سبيل إلى جريان البراءة بقبح العقاب

٣٤٩

بلا بيان مع عدم انطباقه فيه فلا يتم جوابه هذا ويصدق الخروج عن رسم العبودية في المقام أيضا.

واما الجواب التفصيلي (١) عن هذه الشبهة هو أن الأحكام التي يتعلق بافعال المكلفين اما لا يكون لها متعلق خارجي الا فعل المكلف مثل الصلاة والصوم والحج وقيل الغناء أيضا وأمثالها فانها لا بتعلق الأمر بالصلاة وغيرها الا لإيجادها في الخارج أو يكون لها متعلق سوى الفعل مثل وجوب إكرام العالم وإهانة الفاسق فان الحكم يكون له موضوع وهو الإكرام والإهانة ومتعلق وهو العالم والفاسق سواء كان الحكم وجوبيا أو تحريميا.

وهذا الأخير أيضا تارة يكون مصلحة الحكم بحيث تدعوا إلى إيجاد المتعلق في الخارج مثل أن يكون إيجاد العالم في بلدة قم مثلا واجبا ثم يجب إكرامه فإيجاد الموضوع الّذي يكون متعلق الحكم يكون واجبا إذا كان ملاك الحكم يستفاد منه ذلك كما يقال في الخمر أيضا يجب إعدامه لئلا يشرب.

وتارة لا يكون كذلك بل يكون الحكم على الوجود الاتفاقي فلو وجد عالم مثلا يجب إكرامه على التقديرين اما يكون الحكم بنحو الطبيعية السارية كما أن النواهي غالبا كذلك فان النهي عن شرب الخمر يسرى إلى جميع الافراد وتارة يكون بنحو صرف الوجود كما في الأوامر غالبا فان الأمر بإتيان الصلاة لا يفهم منه الا صرف الوجود ولبعض القرائن بعض النواهي يكون لصرف الوجود كما في النهي عن أكل الثوم ليلة الخميس فانه بعد حصول الرائحة الكريهة فتكراره لا يؤثر شيئا ولا يكون منهيا عنه إذا لم يكن موجبا لزيادة الرائحة فان العلة هي كراهة الملائكة وهي تحصل بصرف وجود الرائحة كما أن الأوامر أيضا كذلك مثل أحل الله البيع فان حلية بيع شخصي دون ساير البيوع لغو ولا خصوصية فيه.

وتارة يكون النهي والأمر بنحو العام المجموعي وأخرى بنحو العموم الأفرادي

__________________

(١) فارجع إلى فوائد الأصول للنائيني قده ص ١٤٣

٣٥٠

والفرق بين الأفرادي والطبيعة السارية هو أن قصد الخصوصية في الأول ممكن وفي الثانية لا يمكن فالأوّل مثل خصال الكفارات فان قصد الخصوصية في العمل جاز لكونه بنحو العموم الأفرادي والبحث مع جميع التقادير تارة يكون في الشبهات الوجوبية وأخرى في التحريمية.

فالبحث في مقامين المقام الأول في الشبهات الوجوبية بالنسبة إلى صرف الوجود وبالنسبة إلى ما يكون له المتعلق فان البحث في الشبهة المصداقية تكون في ذلك لا فيما ليس له المتعلق في المقام والإجماع قائم من الاخباري والأصولي على عدم وجوب الاحتياط والفحص وذلك لأن فعلية التكليف في هذا القسم تكون بفعلية المتعلق وحيث لم يكن التكليف هنا فعليا يقال بالبراءة وعدم وجوب الفحص عن الموضوع كما مرّ في الجواب الإجمالي.

وقد مر الجواب عنه بأن الشك في الموضوع يرجع إلى الشك في الحكم ولكن لا يكون لنا دليل على أن كل شك في الحكم يكون الأصل فيه البراءة فان بيان الموضوع ليس من وظيفة المشرع.

ولكن الجواب الصحيح هو أن يقال ان وجوب الفحص عن الموضوع يحتاج إلى دليل وحيث لم يبين الشارع وجوبه فالأصل يقتضى البراءة عن هذا الحكم وهو وجوب الفحص وقانون العبودية يقتضى الفحص في خصوص الأحكام واما الموضوعات فعدم الفحص فيها لا يكون خروجا عن رسم العبودية.

هذا كله إذا كان الأمر بنحو صرف الوجود واما إذا كان بنحو الطبيعة السارية مثل أحل الله البيع فما له المتعلق وما ليس له ذلك سواء في جريان البراءة وعدم وجوب الفحص بخلاف ما إذا كان بنحو صرف الوجود فان ما له المتعلق يكون فيه الكلام هناك واما هنا فلا كلام فيه.

وحاصل الفرق عن شيخنا العراقي هو أن التكليف إذا كان بنحو صرف الوجود يكون التطبيق بيد العرف فإذا شك في مصداق ولم يكشف من الشرع وجوب إيجاد الموضوع ثم تطبيق الحكم بمعنى انه لم يكن الملاك والفرض بهذا القدر

٣٥١

فالأصل يقتضى البراءة فيما له المتعلق وإلّا فيجب إيجاد المصداق واما ما ليس له المتعلق فيكون الشك في فراغ الذّمّة فيجب تحويل مصداق يكون من متيقن المصداقية واما في الطبيعة السارية فحيث يكون لحاظ الافراد بيد الشرع عند إجراء الحكم وتطبيقه عليه في مقام الشك لا نعلم انه هل لاحظ هذا الفرد وجعل الحكم عليه أم لأن فان الأصل يقتضى البراءة عن جعل الحكم على هذا لأن التكليف يرجع إلى الأقل والأكثر فيكون الشك بالنسبة إلى المصداق من الشك في كثرة التكليف والتحقيق جريان البراءة في الأقل والأكثر خصوصا إذا لم يكونا ارتباطيين فإذا شك في عقد انه يجب الوفاء به أم لا من حيث صدق العقدية فالأصل يقتضى البراءة عن وجوب الوفاء ولا فرق في ذلك بين ما له المتعلق وما ليس له ذلك.

وفيه ان تطبيق كل حصة من الطبيعة السارية أيضا بيد العبد فكما أنه لا يكون تطبيق حكم أكرم العلماء بنحو صرف الوجود بيد الشارع بل على المكلف التطبيق فهكذا بالنسبة إلى ما كان الافراد كثيرة فان تطبيق الحكم على كل فرد أيضا يكون بيد العبد فان الشارع لا يقول هذا عالم وذاك غيره فيكون من هذه الجهة مثل صرف الوجود (١) فكما انه إذا شك في المصداق ولم يكن لنا معيّن تجري البراءة كذلك هنا إذا شك فيه تجري البراءة فلا فرق بين صرف الوجود والطبيعة السارية في جريان البراءة.

هذا كله بالنسبة إلى التكليف الوجوبيّ واما التكليف التحريمي فانه أيضا اما ان يكون بنحو صرف الوجود وهو الأقل في النواهي أو الطبيعة السارية وهو الأكثر

__________________

(١) قول ومع الغمض عن ذلك فلا أظنه يلتزم بأنه في صورة كشف اهتمام الشرع في مورد الشبهة المصداقية للطبيعية السارية بوجوب الفحص يقول لا يجب وكذا في صورة عدم وجود المتعلق للتكليف سوى نفس التكليف والموضوع فانه إذا كان الشك مرجعه الاشتغال كذلك في افراد الطبيعة السارية وكان الفارق عنده قده هذا وما تقدم فلا يبقى فرق واما إذا كان مرجع الشك إلى الشك في التكليف فهو في الصورتين ضرورة ان افراد الطبيعة السارية أيضا يجب الفراغ عنه.

٣٥٢

والإجماع أيضا عن الاخباري والأصولي على البراءة في صورة الشك في المصداق الا فيما أحرزت الأهمية في نظر الشارع مثل باب الفروج والدماء فانه قبل الفحص يجب الاحتياط وهنا يكون عن الطوسي قده الإشكال على الاخباري بأنه كيف يقول في الشبهات الحكمية التحريمية بوجوب الاحتياط ولم يقل في المقام أي في الشبهات الموضوعية به مع أن الشك هنا أيضا في التكليف فانه لا فرق بين ان يكون التكليف من أصله مشكوكا.

وبين ان يكون بالنحو الكلي معلوما ولكن يكون الشك في الانحلال على هذا الفرد فانه إذا كان النهي عن شرب الخمر بالنحو الكلي ثم شك في مائع انه خمر أم لا ففي الواقع يكون الشك في انحلال التكليف على هذا أم لا فيرجع الشك إلى الشك في زيادة التكليف وهو أيضا حكم لكن نشأ الشك فيه من ناحية الموضوع فعليه أن يقول بالاحتياط هنا كما يقول في الشبهات الحكمية.

وقد أجيب عنه بأن السند للبراءة هو قبح العقاب بلا بيان وهو في صورة الشك في الحكم حيث لا يكون البيان فيه محرزا يكون متحققا فيجري الأصل واما في الشبهات الموضوعية فحيث يكون البيان على الكلي واردا عن المولى وليس البيان إلّا بمعنى الظهور وهو حاصل والتطبيق يكون بيد العبد لا بيد المولى يقول بأنه يجب الاحتياط أو الفحص بعد تمامية البيان فلا يجري الأصل لعدم جريان قبح العقاب بلا بيان فلا يكون الإشكال على الاخباري واردا.

ولكن الجواب غير تام لأن البيان على الكلي لا يكون بيانا على الفرد ففي كل فرد إذا كان التكليف يدور امره بين الأقل والأكثر يجري البراءة عن التكليف ولا يكون مورد جريان الاشتغال لأنه يكون في صورة الشك في الامتثال لا الشك في التكليف ووجوب الفحص أيضا يكون بالنسبة إلى بيان الأحكام لا الموضوعات فان العلم الإجمالي بكوننا مكلفين ولسنا كالبهائم يقتضى الفحص عن الأحكام لرسم العبودية وهو هنا منتف لأن الشك يكون في الموضوع ولا يكون مقتضى رسم العبودية

٣٥٣

الفحص فيه.

فالحق الحقيق (١) هو ما نقول من ان وجوب الفحص أحد التكاليف المشكوك لزومه وحيث ما بينه الشارع ولا جعل الاحتياط نكشف عدم الوجوب لأنه لو كان في مورده الاهتمام لجعل الاحتياط كما في باب الفروج والدماء وبيان التطبيق وان لم يكن على المولى ولكن بيان الفحص يكون عليه لأنه حكم من الأحكام فيكون مثل ساير الأحكام عهدته عليه وعلى أي حال إذا كان النهي بنحو صرف الوجود ففيه مبنيان فعلى مبنى الخراسانيّ قده القائل بأن المراد بالصرف هو الحاصل من ترك جميع الافراد كما ان ترك شرب الخمر يكون بترك جميع ما يصدق عليه شرب الخمر ففي كل فرد شك أنه من مصاديق شرب الخمر أم لا يجب الاحتياط لأنه لو كان في الواقع شرب الخمر يكون مضرا بوجود صرف الترك واما على مبنى القائل بان المراد بصرف الوجود هو النهي عن أحد افراد الشرب أو غيره من المحرمات كما يتصور في صرف الوجود في الأوامر فإذا ترك أحد مصاديق شرب الخمر فقد حصل صرف وجود الترك ولا يلزم الاجتناب عن المشكوك أيضا في صورة كشف الاهتمام على المبنى الأول يجب الاحتياط أو الفحص فقد ظهر من جميع ما مر ان الفحص لا يكون واجبا في الشبهات الموضوعية لعدم الدليل على وجوبه والأصل البراءة عن هذا الوجوب في جميع الأقسام المتصورة هذا كله في الجواب عن الإشكال الأول.

واما الإشكال الثاني وهو القول بأنه ما الفرق بين الأصول اللفظية والأصول

__________________

(١) وهذا أيضا لا يكون جوابا للإشكال بل بيانا لأصل المطلب وقد بقي الإشكال على الاخباري حيث أنه يقول بالبراءة هنا وقد اعترف مد ظله بعد المراجعة إليه بذلك ولكن يمكن ان يقال ان وجوب الفحص وان كان عن حكم تحريمي ولكنه يكون من الواجبات وهو يقول بالبراءة فيها وبعد ففيه التأمل لأن هذا يكون من الشك في الامتثال والحكم قد بنى كبراه فمن يقول بوجوب الاحتياط في أصل الحكم لأهمية الحرام عنده كيف لا يقول به هنا.

٣٥٤

العملية حيث لا يقولون بجريان الأصل في الأول ويقولون به في الثاني فأجاب عنه شيخنا النائيني قده على ما قرر بنحو يكون خلاف شأنه قده ولعله سهو قلم من المقرر قال (١) ولعمري ان الفرق بينهما في غاية الوضوح فان الأصول اللفظية انما تكون كاشفة عن المرادات النّفس الأمرية وعنوان العام بعد تخصيصه يكون جزء الموضوع وجزئه الآخر عنوان المخصص ولا يمكن ان يتكفل الدليل وجود موضوعه وانما يكون متكفلا لبيان الحكم على تقدير وجود الموضوع والمصداق المشتبه لم يعلم انه من مصاديق العام أو من مصاديق الخاصّ فلا يجوز التمسك بأصالة العموم لإثبات كونه من مصاديق العام وهذا بخلاف الأصول العملية فانها وظائف عملية والمصداق المشتبه إذا لم يقم دليل على بيان حكمه فبحسب الوظيفة لا بد أن ينتهى الأمر إلى أحد الأصول العملية ولا أقل من البراءة أو الاشتغال الذين ينتهى إليهما الأمر عقلا عند فقدان الأصول الحاكمة عليهما.

والجواب عنه قده ان الشبهة المصداقية مطلقا سواء كانت في الأصول العملية أو الأصول اللفظية لا يمكن التمسك فيها بالعامّ للإشكال الّذي ذكره من ان الحكم لا يتكفل إيجاد موضوعه سواء كانت الشبهة مصداقية للعام أو مصداقية للمخصص وأدلة الأصول العملية أيضا أمارات فان قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام يكون من الأمارات.

وهكذا قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك في الاستصحاب فيكون هذه الأدلة أيضا عمومات ويتصور لها شبهات مصداقية ولا يمكن التمسك بالعموم في كل مورد يكون الشبهة مصداقية كما انه يجب أن يكون جريان البراءة عند حفظ الموضوع وكذا الاستصحاب وهو الشك المستقر فلو فرض عدم استقرار الشك بأدنى التفاوت نقول بعدم الجريان كما انه إذا كان تحت اللحاف وشك في طلوع الفجر يجب عليه رفع اللحاف وبدونه لا يستقر الشك ولا يكون له إجراء الأصل وهو استصحاب بقاء

__________________

(١) في الفوائد ص ١٤٥

٣٥٥

الليل لجواز الأكل والشرب مثلا في صوم رمضان.

وكذلك من شك في زيادة الدين ويكون له الدفتر يجب الرجوع إليه ولا يكون له جريان البراءة عن الزائد بمجرد الشك لعدم استقرار الشك فلو فرض انه شك في مورد انه هل يكون من موارد كون الشك مستقرا حتى يجري الأصل أو لا يكون من موارده فلا يعلم انه هل يكون مصداقا للأصل أم لا. لا يكون له جريان الأصل تمسكا بعموم العام في كل شيء لك حلال أو لا تنقض اليقين بالشك.

واما مقامنا هذا في الشبهات المصداقية أي الموضوعية فلا يكون من الشبهة المصداقية للعام الّذي يكون دليل الأصل بل يكون من الشبهات المصداقية لعام آخر مثل أكرم العلماء أو لا تشرب الخمر ولا يتمسك فيها بالعامّ ومن حيث الوظيفة العملية ولا يكون في مورد من الموارد فرق في الشبهات المصداقية فما قاله (قده) من ان الأصول العملية وظائف قررت للشاك بخلاف الأصول اللفظية لا يتم فما هو شبهة مصداقية لدليل الأصل لا يتمسك به وما يكون شبهة مصداقية لعام آخر يتمسك فيه بالأصل لا بالعامّ.

فقد ظهر عدم الإشكال في جريان الأصول في الشبهات المصداقية من وجه من الوجوه هذا كله في الأوامر والنواهي الاستقلالية.

واما الأوامر والنواهي التبعية التي يستفاد منها الجزئية والشرطية أو المانعية فالكلام فيها الكلام في الأوامر النفسيّة من الاحتمالات وما يترتب عليها كما يقال لا تصل في وبر ما يؤكل لحمه فانه إذا شك في شيء انه مما يؤكل لحمه أم لا يجوز الصلاة فيه لجريان أصالة البراءة في هذه الشبهة التي تكون موضوعية خلافا لبعض الاعلام مثل الميرزا الشيرازي قده حيث يقول بوجوب الاحتياط حيث ان الصلاة عنده مركبة من عدة تروك وعدة شرائط واجزاء بحيث لو لم يحرز شرط من الشروط يكون الشك في المحصل.

كما انه إذا قيل في النهي عن شرب الخمر كن لا شارب الخمر فان تحصيل هذا العنوان يستلزم ترك جميع الافراد المعلومة والمشكوكة فانه إذا قيل لا تشرب

٣٥٦

الخمر أيضا يقولون بأن تحصيل العنوان لازمه ترك جميع الافراد كذلك ولكن هذا لازم كلامهم لا انهم يلتزمون به في الأوامر النفسيّة.

وليس كذلك فان المحصل والمحصّل يحتاج بابه إلى الإحراز.

بحث في فرع فقهي في المقام

وهو (١) انهم بعد اتفاقهم على جريان البراءة في الشبهات الموضوعية قد حكموا في بعض الفروع بأحكام يخالف هذا الكلام.

منها ان من كان عليه فوائت من الصلوات لا يدرى قدرها فانهم يحكمون بوجوب إتيان ما يحصل العلم معه بإتيان جميع ما عليه من الوظائف مع ان المقام يكون حسب ما مرّ من الأقل والأكثر الاستقلاليين الذين يكون مقتضى القواعد هو جريان أصالة البراءة عن الزائد والإتيان بما هو المتيقن من الفائتة ولكن يقولون بأن إتيان الأكثر واجب ليحصل اليقين بالفراغ وعلى فرض عسرة فالعمل بالمظنون.

وقد يعالج هذا الإشكال بوجهين : الأول ان عدم جريان الأصل يكون لاستصحاب شغل الذّمّة وهو مقدم على البراءة فان الأصل عدم تحقق ما في عهدته مع الشك فيه بعد العلم بالتكليف.

ويرد عليه أولا ان هذا يكون في صورة اليقين بالاشتغال وهو صورة كون هذا الشخص ممن ترك الصلاة مدة ولا يعلم ان الترك هل كان في جميع العمر أو بعضه مع العلم بمدة العمر مثل ان يعلم انه ثلاثون سنة فحيث يكون الاشتغال في جميع العمر من وقت التكليف مسلما ويكون الشك في الفراغ فلا محالة لا بد من الإتيان بحيث يعلم عدم وجوب شيء عليه.

واما لو فرض المطلب بالعكس بأن يكون مدة عمره مشكوكة بأن يعلم الفوائت

__________________

(١) هذا البحث في الرسائل في المسألة الرابعة من الشبهات الوجوبية وهو في الشبهات الموضوعية وفي الحاضر عندي يوجد في ص ٢١٩ إلى ٢٢٢.

٣٥٧

ولا يعلم قدرها ولكن عدم علمه يكون من باب عدم العلم بمدة عمره بحيث لو علم مدته لم يكن في شك من القدر فحيث يكون هنا الشك في أصل توجه التكليف حيث ان عمره لو كان أقل لم يكن التكليف متوجها إليه بالنسبة إلى الزائد والآن يكون مشكوكا فلا شغل له بالتكليف يقينا حتى يستصحب.

ولا فرق في ذلك بين كون القضاء بالأمر الجديد أو بالأمر القديم لأنه على الفرض الأول يكون اليقين بالاشتغال مطلقا لو كان القضاء بالأمر القديم ويكون اليقين بالاشتغال أيضا على فرض الفوت لو كان القضاء بالأمر الجديد أيضا فان العلم بالجامع يكون حاصلا على التقديرين فتصوير الأمر بالقضاء على وحدة المطلوب كما في الأمر القديم أو تعدده كما في بيان كونه بالأمر الجديد غير مؤثر في جريان الاستصحاب.

وكذلك لا إشكال في عدم جريان الأصل على كلا التقديرين على الفرض الثاني وهو عدم تصوير حالة سابقة للاشتغال.

ويرد عليه ثانيا انه على فرض كون انقضاء بالأمر الجديد بأنه يتوقف جريان الأصل على صدق الفوت وهو امر وجودي يكون لازم ترك الصلاة واقعا وأصالة عدم الإتيان لا يثبت الفوت لأنه من اللوازم العقلية وقد حرّر في محله ان الأصل لا يكون جاريا بالنسبة إلى لوازمه المثبتة بخلاف ما لو كان القضاء بالأمر القديم فانه لا نحتاج إلى إثبات عنوان الفوت فجريان الأصل لا مانع عنه.

ويرد عليه ثالثا بأن الفوت على فرض عدم كونه امرا وجوديا بل وكونه امرا عدميا ليس هو العدم المحض بل عدم الملكة فان عدم إتيان الصلاة في الوقت الّذي يكون من شأنه إتيان الصلاة فيه يكون هو الفوت واما عدم الإتيان حتى بالنسبة إلى قبل الوقت لا يسمى فوتا والّذي يكون له الحالة السابقة يكون هو عدم الإتيان قبل الوقت وان كان مسلما ولكن لا يفيد وعدم الإتيان في الوقت لا حالة سابقة له يستصحب وجريان الأصل قبل الوقت يكون هذا من آثاره المثبتة به والأصل لا يجري بالنسبة إليها.

ورابعا يكون الشك بالنسبة إلى ما هو خارج الوقت من الشك بعد الوقت وقاعدة الوقت حائل لازمها عدم الاعتناء بالشك فما هو خارج الوقت لا قضاء له

٣٥٨

بالنسبة إلى المشكوك.

ولكن يرد على هذا الأخير ان القاعدة تكون في صورة كون الشخص في الوقت بانيا على الإتيان ثم حال الوقت فشك اما من كان بنائه على الترك مع الالتفات فلا تكون في حقه القاعدة فلا بد ان يتمسك بالاشتغال بل السند لقولهم في المقام بالإتيان بالأكثر يكون هو الاشتغال اليقينيّ في صورة العلم بمدة العمر والشك في المقدار الفائت وإلّا فالإشكالات على الاستصحاب أيضا يكون بحالها فالسند الوحيد لنا هو الاشتغال لا الاستصحاب لنحتاج إلى إثبات عنوان الفوت.

الوجه الثاني لوجوب الإتيان بالأكثر هو ما عن المحقق صاحب الحاشية قده وحاصله ان الشاك بعد الوقت في مقدار الفائتة يكون له ثلاث حالات :

الأول ان يكون عالما بعدم الالتفات في الوقت فيكون الترك من جهة الغفلة لا من جهة التساهل.

والثاني ان يكون عالما بالالتفات في الوقت فيكون الترك من باب التساهل.

الثالث ان يكون شاكا في انه هل كان ملتفتا في الوقت وترك الصلاة عن التفات أو لم يكن ملتفتا فكان الترك عن غفلة.

اما الأول فالأصل فيه البراءة لأنه مصداق لفقرة ما لا يعلمون ضرورة انه لا يدرى أنه هل جاء في عهدته صلاة لم يصلها أو لم يجئ فيكون غير عالم بالفوت وحيث يكون بعد الوقت يكون الأصل بالنسبة إليه البراءة واما الثالث فحيث يكون شاكا في ذلك يكون الشك في كونه مصداقا لدليل البراءة أم لا ولا يمكنه التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية واما الصورة الثانية وهو صورة كون العلم بالالتفات وان الترك وقع عن التساهل ولكن الآن يكون شاكا.

فيكون دعواه انه حيث كان عالما لا يجري الأصل بالنسبة إليه وان كان الآن جاهلا كما انه في العلم الإجمالي بنجاسة أحد الكأسين إذا خرج بعض الأطراف عن الابتلاء وصار المعلوم مشكوكا يقال بأن العلم السابق يؤثر اثره وان عدم بعد خروج أحد الأطراف عن الابتلاء والعلم التفصيلي ليس بأضعف من الإجمالي وان

٣٥٩

أدلة البراءة منصرفة عن هذا المورد.

وكلا الدعويان ممنوعان اما الأول (١) فلان العلم هو النور ويكون له الأثر حين وجوده واما إذا صار مبدلا بالجهل فلا يكون له الأثر والشاهد عليه ان الشك الساري يقولون له الأثر بالنسبة إلى اليقين السابق في الاستصحاب فلو كان المدار على حال قبل الشك فيجب ان لا يعتنى بالشك الساري هذا فساد أصل الاستدلال.

__________________

(١) أقول ان بقاء أثر العلم يكون في العلم الإجمالي هو الحكم الشرعي فان القول بالاجتناب عن الطرف المشكوك بعد خروج الآخر عن الابتلاء يكون من باب العلم بالحكم وهو من تطبيق الحكم على الموضوع والكلام ليس في العلم الّذي يكون في صقع النّفس فقط حتى يقال انه لا يموت بل الكلام فيما ينطبق ولا بد اما من القول ببقاء الأثر بالإجماع أو بالتعبد المستفاد من قوله عليه‌السلام في الإناءين يهريقهما ويتيمم ولو لا ذلك لأمكن القول بأنه يهرق أحدهما ثم يتوضأ بالآخر لأنه طريق إماتة العلم أو القول بالعلم الإجمالي المؤرّب الّذي يكون لنا الكلام فيه في محله.

ولا نطمئن بتقريبه ومع ذلك يكون الفرق الواضح بين العلم في المقام والعلم الإجمالي لأنا لا نكون بصدد إثبات حكم بواسطة الالتفات بالترك عن تساهل بل صاحب هذا القول يريد ان يقول بأن العلم كذلك قبل الوقت صار سببا لانصراف أدلة الأصول نظير موارد الإقدام على الضرر فانه حيث يكون المقدم على الجهل فعلا قصوره في ظرف وجوب إتيان الصلاة يمكن ان يقال انه يكون مقدما على الجهل فلا يشمله أدلة البراءة.

وهذا التقريب يكون له وجه وجيه لما نحن فيه إلّا انه مبنى على القول بأن دليل البراءة حيث يكون امتنانيا يكون في صورة كون وضع التكليف خلاف الامتنان وحيث لم يكن بالنسبة إلى هذا الشخص وضع التكليف خلاف الامتنان لا يكون الرفع شاملا له واما على فرض القول بأن الرفع يكفى ان يكون امتنانا ولو لم يكن الوضع خلاف الامتنان كما انّه لعله المستفاد من إطلاق الدليل فلا إشكال في ان يكون الحديث شاملا لهذا الشخص أيضا.

٣٦٠