مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

ولا خصيصة في الأول.

لأنا نقول اللاحرج يكون ناظرا إلى الأدلة الأولية فان شرب الخمر حرام إذا لم يكن تركه موجبا للحرج وهكذا الصلاة مع السورة فيكون مفاده تضييق الحكم بالنسبة إلى غير مورد الحرج ونتيجته التوسعة في التكليف بخلاف المقام فانه لا يكون حديث الرفع حاكما وناظرا بل يكون صرف الإرفاق ونفى إيجاب التحفظ والاحتياط وفرق بين عدم إمكان إتيان الجزء بالحرج أو إمكانه مع الإرفاق بنفي إيجاب التحفظ ولذا يجب ملاحظة العموم والإطلاق والتقييد والتخصيص عند ملاحظة النسبة بين حديث الرفع والأدلة الأولية للأحكام ولا يلاحظ بالنسبة إلى الحرج فانه مقدم ولو كانت النسبة بين الدليلين العموم من وجه.

ثم انه لا فرق على التحقيق من عدم الاجزاء في المقام بين أن يكون العذر مستوعبا أو غير مستوعب لأن إعادة الصلاة في الوقت وقضائها في خارجه مثلا يكون لفقد الجزء أو الشرط أو لحصول المانع ولا فرق في ذلك من جهة الوقت وعدمه.

نعم على مسلك شيخنا النائيني (قده) القائل بالفرق بين المانع وبين الشرط والجزء يمكن التفصيل (١) بين الوقت وخارجه بأن يقال مورد جريان الحديث في المانع فقط يكون موجبا للاجزاء من باب عدم الإشكال من جهة ترك الترك الّذي يفيد الوضع بالنسبة إلى الجزء والشرط المانع من جريان الحديث فيهما واما الاجزاء مطلقا فلا لأن النسيان بطبيعي المانع هو الموجب للاجزاء وهو يكون في

__________________

(١) كما انه (قده) صرح به في ص ١٣٠ من الفوائد بقوله ومن هنا يمكن أن يفرق بين الاجزاء والشرائط وبين الموانع وانه في صورة إيجاد المانع نسيانا يصح التمسك بحديث الرفع إذا كان النسيان مستوعبا لتمام الوقت فتأمل جيدا انتهى. والحق معه في شمول حديث الرفع ولكن لا فرق بين الشرط والمانع والجزء لو لم يكن الأثر عقليا لأن الصحة قيل بأنها أثر عقلي ولكن سيجيء ان رفع التكليف كوضعه قابل للتعبد كما يلتزمون به في رفع الحكم الوضعي في المعاملات بالنسبة إلى فقرة الإكراه.

٢٨١

صورة كونه ناسيا في جميع الوقت اما إذا كان في بعض الوقت فلا يكون النسيان بالطبيعي فتجب الإعادة.

هذا كله البحث في فقرة الخطأ والنسيان من جهة الحكم التكليفي.

واما الحكم الوضعي فانه اما أن يكون معامليا كما في العقود والإيقاعات واما غير معاملي كما في النجاسة والطهارة.

والشك تارة يكون في الأسباب من حيث الاجزاء والشرائط وتارة في المسببات مثل الطهارة والنجاسة اما نسيان السبب فيكون متصورا في العناوين المعاملية مثل البيع والصلح والنكاح الدائم والمنقطع وكذلك الخطأ فلو قصد البيع ثم وقع العقد نسيانا أو خطأ على الصلح أو قصد النكاح المنقطع مقام النكاح الدائم فهل يشمله حديث الرفع أم لا الحق هو الثاني.

والدليل العمدة هو أن يقال أن مقوم المعاملة البيعية يكون هو القصد وكذلك مقوم الصلح هو القصد إليه وهذا هو الّذي يكون في كلماتهم من أن العقود تابعة للقصود وهنا حيث أن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع لا يكون وجه للقول بصحة المعاملة مع عدم المقوم له فتكون باطلة ولا يمكن أن يقال بأن ما لم يقصد يكون واقعا للنسيان والخطأ ولا نحتاج إلى ما قيل في المقام.

واما الشك في الاجزاء والشرائط بالنسبة إلى الأسباب مثل الشك في شرطية كون العقد عربيا أم يقع فارسيا أيضا فلا يكون حديث الرفع شاملا له لما مرّ من انه ليس (١) في وسع الحديث رفع الجزء والشرط وشيخنا النائيني قده على مسلكه

__________________

(١) حيث يكون الوضع منتزعا من التكليف في الاجزاء والشرائط يمكن القول بأن رفعه يوجب رفع الجزئية.

ولا يشكل علينا بأن أثر الرفع يكون صحة البقية وهو عقلي لا يمكن التعبد به كما قال به في تهذيب الأصول عن الأستاذ الأكبر مد ظله لأنهم ألزموا برفع اللزوم في فقرة ما استكرهوا عليه عن المعاملة أو أصل الصحة مع انه أيضا ليس شرعيا مع انه يمكن ان يقال رفع التكليف نفسه يكون أثرا شرعيا بلحاظ ان جعل التكليف ـ

٢٨٢

من أن الحد لا يشمل الترك لأنه يكون لازمه الوضع وليس هذا لسان الحديث الشريف بخلاف المانع ففي المقام أيضا يجيء كلامه.

والجواب عنه هو الجواب الّذي مر من ان المراد رفع الحكم لا رفع الخارج ووضعه.

والحق في المقام أن يقال ان رفع الجزء والشرط حيث يكون خلاف الامتنان لا يأتي فيه الحديث لأن لازم عدم اشتراط العربية هو صحة العقد بالفارسية ولازمها هو وجوب الوفاء به وهو إلزام وثقل على المكلف وهو خلاف الامتنان وكذلك يقال بالنسبة إلى الأسباب أيضا وقال شيخنا العراقي قده ان الحديث ليس لسانه التحديد ولا يكون المثبت فيه حجة بان يكون المستفاد منه بعد رفع بعض الاجزاء أن ما بقي يكون تحت الأمر فيكون خارجا عن نظام الجزئية مع أنه من الآثار العقلية فان رفع البعض يكون لازمه العقلي بقاء البقية تحت الأمر.

هذا كله بالنسبة إلى الأوامر المعاملية واما الوضعيات مثل الطهارة والنجاسة التي ليست من المعاملية فانه على فرض القول بأنها واقعيات كشف عنها الشرع فلا إشكال في شمول الرفع بالنسبة إليه فانه لو نسي أحد وغسل الثوب مثلا مرة واحدة مقام المرتين لا إشكال في ان يقول الشارع اكتفيت بالواحد مقام الاثنين.

ولكن حيث (١) ان هذه الأمور من التوصليات وليس لسان الحديث إخراج الشيء عن نظام التأثير بل يكون لرفع التكليف فلا تجيء في المقام فإذا كان المؤثر

__________________

ـ كما يتعبد به كذلك رفعه وفي المعاملات يرجع رفع الوضع وهو الحكم الوضعي إلى رفع التكليف بالوفاء فهو أيضا مما يتعبد به.

(١) هذا في الواقع يكون إنكارا لشمول الرفع له وعدم تصويره في المقام فيكون القول بأنه معقول بالبيان الأول وغير معقول بالبيان الثاني غير مستقيم ولكن المراد هو ان لسان الحديث لا يكفى لإخراج الجزء عن نظام الجزئية فلو كان لنا تصريح بخروج الشيء عن نظام الجزئية لكان ممكنا وهذا لا خفاء فيه.

٢٨٣

هو الغسل مرتين لا يكون في وسع الحديث ان يقول المؤثر في الطهارة هو المرة الواحدة.

البحث في فقرة ما اضطروا إليه

اعلم ان الاضطرار على قسمين الأول ما يصل إلى حد الإلجاء بحيث يحكم العقل أيضا بعدم إمكان الترك بالنسبة إلى ما اضطر إليه والثاني ان لا يصل بحد الإلجاء بل يكون بحسب العرف من الموارد الاضطرارية وهذه الفقرة بالنسبة إلى الأول إرشاد لحكم العقل به أيضا وبالنسبة إلى الثاني حكم تعبدي إرفاقي من الشارع.

ثم البحث في هذه الفقرة في مقامات ثلاثة الأول الرفع بالنسبة إلى التكليفيات والثاني بالنسبة إلى الاجزاء والشرائط والموانع والثالث بالنسبة إلى الأحكام الوضعيّة في المعاملات.

اما الأول فمثل الاضطرار بشرب الخمر من باب انه يكون دواء فانه يكون مرفوع الحرمة قطعا لأن حديث الرفع بالنسبة إلى هذه الفقرة يكون مخصصا للأحكام الأولية فان مفاده اختصاص الحكم بغير هذا المورد ولا يجيء الدور في ما لا يعلمون وفي نسيان الحكم على فرض التخصيص كذلك لأنه لا يرجع إلى أن يكون التكليف منوطا بالعلم به.

ولذا قيل بأن الوضوء إذا كان ضرريا يكون باطلا لأن دليله خصص واقعا بغير صورة الضرر كما في الحرج وان كان خلاف التحقيق عندنا لأنا نقول بأن الحديث بهذه الفقرة يكفى في كونه امتنانا رفعه للحكم الإلزامي فقط فانه إذا كان إلزام الوضوء الحرجي والضرري مرفوعا فيكون المكلف في وسع فان احتمل الضرر وتوضأ يكون صحيحا.

والفرق بين هذه الفقرة وفقرة النسيان والخطأ هو كون مورد الاضطرار تحت الاختيار بخلافهما فانه يمكن ان يكون الحكم من الشرع على تحمل المشقة ولكنه مرفوع ولكن الناسي والخاطي لا يمكن ان يكون مكلفا بالتكليف في هذا الحال

٢٨٤

الا بانقلاب نسيانه وخطائه إلى العلم والعمد وهذا واضح.

واما الثاني وهو شموله للاجزاء والشرائط فالكلام فيه كالكلام في الخطاء والنسيان وشيخنا النائيني قده هنا أيضا يفرق بين الجزء والشرط وبين المانع ويقول بما قال في السابق من التفصيل بأن الاضطرار إلى المانع يوجب رفع مانعيته عن نظام المركب بخلاف الجزء والشرط فان رفعه لازمه الوضع وهو ليس في وسع حديث الرفع كما مر منه قده.

والجواب عنه هو الجواب بأنا لا نكون بصدد رفع الفعل أو وضعه بل بصدد رفع الحكم وهو لا فرق فيه في الجميع إلّا ان الّذي كان مانعا عن الاجزاء في الجميع ووجوب إعادة العمل هو ان الحديث لا يكون حاكما على أدلة الاجزاء والشرائط والموانع بحيث يخرجه عن نظام المركب وان كان حاكما بالنسبة إلى الحكم التكليفي فيكون الحكم هنا مرفوعا ما دام الاضطرار ويجب إعادة العمل لفقده للاجزاء أو الشرائط أو لوجود المانع فيه بخلاف اللاحرج كما مر.

واما وجوب إتيان البقية فليس من باب أن رفع ذلك يقتضيه بل بدليل آخر مثل ما ورد في الصلاة من أنها لا تترك بحال أو عدم وجوب الإعادة من باب ورود لا تعاد بالنسبة إليها فان الحديث لو كان مفاده وجوب البقية يكون خلاف السنة لأنه وضع بالنسبة إليها.

واما الثالث وهو الاضطرار في المعاملات فمثاله من يكون ابنه مريضا فاضطر إلى بيع داره فانه في مقام الدوران بينهما يمكن ان يرى مصلحته في بيع الدار ولو لم يكن في الباطن راضيا بذلك ولكن على فرض الدوران يكون له الرضا به لأنه أخف محذورا من رؤية مرض ابنه فحيث ان الرفع بمعنى إسقاط أثر المعاملة الاضطرارية يكون خلاف المنة فلا يشمل الحديث له ضرورة انه محتاج إلى بيع داره ويحتاج إلى ثمنه.

فلو قال الشارع ان المورد يكون خارجا عن تحت عموم أحل الله البيع وتجارة عن تراض وأوفوا بالعقود يكون هذا خلاف الامتنان وثقلا بالنسبة إلى هذا الفرد

٢٨٥

الّذي يكون حاله كذلك ولذا نفرق بين المعاملة الإكراهية والاضطرارية مع أن طيب النّفس لا يكون فيهما.

لا يقال يمكن أن يكون المرفوع هو لزومه فيكون جائزا فيكون في خيار في هذه المعاملة لأنا نقول ان الغرض انه محتاج إلى الثمن ولا يختار الخيار نعم إذا فرض رفع اضطراره بعد البيع بلا فاصلة فيكون لهذا الاحتمال وجه ويكون هذا من الامتنان.

هذا كله في الوضعيات المترتبة على نفس الرفع واما الوضعيات المترتبة على التكاليف فهل يمكن رفعه أم لا فيه خلاف مثل ان حنث النذر حرام وهو يوجب الكفارة فلو اضطر إلى حنث النذر يكون الحرمة مرتفعة بالنسبة إليه واما بعد رفعها فيكون رفع الكفارة أيضا فيه التأمل وكلما تفكرت إلى الآن ما جاء في ذهني ترجيح لأحد الطرفين فذره إلى وقت آخر.

فصل في فقرة ما لا يطيقون

اعلم انها مثل فقرة ما اضطروا إليه في الآثار لأن عدم الطاقة أيضا اما أن يكون بحد الإلجاء واما لا يكون كذلك والمرفوع بالحديث هو الثاني.

اما الأول فيكون رفعه بحكم العقل ولو وصل (١) عدم الطاقة إلى حد الحرج يكون التقييد بالنسبة إلى الأدلة الأولوية واقعيا بمعنى تقييد الحكم في الواقع بحيث لا يكون عليه الإعادة عند رفع الحرج لو كان بالنسبة إلى جزء أو شرط لتكليف من التكاليف.

__________________

(١) أقول ما فهمنا إلى الآن الفرق بين الدليلين فانه لو كان الحرج موجبا للتخصيص واقعا يكون الاضطرار أيضا كذلك فانه ليست الحكومة الا نظر أحد الدليلين إلى الآخر وأصل النّظر فيهما موجود باعترافه مد ظله بالنسبة إلى الحكم التكليفي ففي الوضعي أيضا اما ان يكون هذا النّظر أولا من غير فرق.

٢٨٦

واما إذا كان بحد الاضطرار فالمرفوع هو الإلزام فقط من دون التقييد في الواقع لعدم حكومة الحديث بالنسبة إلى الأدلة الأولوية من حيث الأحكام الوضعيّة وإخراج الجزء عن نظام الجزئية والشرط عن نظام الشرطية كما مر.

واما حاله في الأحكام الوضعيّة مثل البيع وترتيب أثره فالكلام فيه كالكلام في فقرة الاضطرار من حيث عدم شموله لرفع أثر البيع لأنه خلاف الامتنان والفرق بينه وبين الاضطرار هو أن عدم الطاقة لا يتعلق بالترك بخلاف الاضطرار (١).

فصل في فقرة ما استكرهوا عليه

أقول الإكراه أيضا اما ان يكون في الحكم التكليفي أو الوضعي المعاملي أو الوضعي الغير المعاملي اما التكليف فلا يكون مرفوعا بواسطته فلو أكره على شرب

__________________

(١) أقول هذا لا يكون فارقا لأنا نرى ان من صار خمّارا أو صار ذلك طبيعة ثانية وعادة له يصدق انه لا يطيق الترك ولا يبقى فرق بين هذه الفقرة وفقرة ما اضطروا بعد وجود الحد الإلجائي له أيضا.

إلّا ان يقال ان منصرف الدليل هو ان عدم الطاقة يكون في صورة ان يكون إلى حد الإلجاء والاضطرار يكون استعماله في الأعم منه أو يقال ان هذه الفقرة تكون متعرضة لحكم الحرج مثلا.

ولكن بعد في الذهن شيء وهو ان الإلجاء في الاضطرار وفي عدم الطاقة يكون مرفوعا بحكم العقل باعترافه مد ظله فلا يكون هذا إلّا إرشادا إلى حكمه ولا يكون امتنانا فيه إلّا ان يقال لا يستقل العقل برفعه لأن الشارع ان يقول أهلك نفسك لملاكات مهمة لا ندريها وحيث رفعه فقد منّ علينا بمنة كاملة ألا ترى انه في الجهاد يأمر بتعريض النّفس للهلاك وهو ليس بهلاك في الواقع لأن الشهداء لهم حياة باقية مرزوقون عند ربهم.

والحاصل ما امر به الحكيم العليم يكون فيه مصلحة تامة وكلما كان العمل أشق فهو يكون أحسن وأحب فلا مانع في عدم رفع الحكم في مورد من الموارد وان كان موجبا لمشقة كثيرة.

٢٨٧

الخمر أو إعطاء الف درهم يكون إعطاؤه لازما إلّا ان يصل التكليف به إلى حدّ الاضطرار واما الوضع الغير المعاملي مثل الطهارة والنجاسة فلا يكون مرفوعا قطعا لأنه ليس في وسع الحديث رفع التأثير عما هو مؤثر واقعا وإخراجه عن نظامه واما الأثر المعاملي فهو مرفوع قطعا فلو أكره أحد على بيع داره لا يكون هذا البيع مؤثرا لأنه لا يكون عن طيب النّفس.

واما معنى الإكراه فهو الإيعاد بضرر من الغير ماليا أو عرضيا أو نفسيا بخلاف الاضطرار فانه لا يكون فيه الإيعاد كذلك.

لا يقال لا معنى للإكراه على الفعل فان الشخص حين كونه فاعلا لا بد ان يكون راضيا بما فعل بمعنى انه ما لم يكن له تصور الشيء وتصور الفائدة والإرادة الجازمة لا يكون حركة العضلات متحققة في الخارج فلو كان فعل فيكون عن إرادة ورضاء من النّفس وعليه فإذا أكره شخص على بيع داره أو هتك عرضه يحصل الدوران في نفسه بين الضررين فيرجح قبول أقل الضررين فيرى انه يكون في بيع الدار فيبيعها أو يرى الدوران بين شرب الخمر الّذي يكون له مفسدة عنده اما لكونه معتقدا بالدين الحنيف الإسلامي أو لكونه خبيرا بمفاسده للإنسان وبين بيع داره فلا يشرب الخمر ويرضى ببيع الدار.

وربما يكون امره بعكس ذلك فيرضى بشرب الخمر وان كان غير جائز بالإجماع أو لانصراف دليل رفع الإكراه عنه لأهمية الدين وعلى أي تقدير يكون له الرضا الفعلي بما فعل وعدم الرضا التقديري لا يضر.

وفي صورة الدوران بين الضرر العرضي والنفسيّ يكون التكليف ساقطا لأهمية حفظ النّفس والعرض في نظر الشرع لأنا نقول انه وان كان له الرضا بما فعل ولكن هذا الرضا بالفعل يكون من سلطة الغير عليه فمن جهة سلطة الغير يصدق عليه الإكراه ومن حيث انه من افعال نفسه يكون له الرضا به فهو مكره على أحد الفعلين ومختار في التعيين فالإكراه بالجامع يكون حاصلا.

ثم انه إذا لم يكن التكليف مرفوعا بالإكراه لا يكون الوضع مرفوعا به

٢٨٨

بالأولوية فإذا أكره على ترك جزء أو شرط يكون التكليف به مرفوعا ولا يكون عمله صحيحا لعدم رفع ما هو منشأ رفعه وهو التكليف.

لا يقال الإكراه في الأمور التوصلية مثل الإكراه على ترك السدر والكافور في غسل الميت يكون متصورا واما في الأمر العبادي فحيث يسقط عن كونه عبادة فلا معنى للإكراه فيه.

لأنا نقول القصد يكون من جهة والإكراه من جهة أخرى أو يقال بأنه إذا كان عاميا يزعم انه لا بد ان يقصد الأمر الواقعي ولا يلتفت إلى عدم علم المكره بباطن ضميره فيقصد الأمر فيصير عبادة كما يقال بنظره في بيع المكره بيعا واقعيا بقصده له كذلك.

لا يقال ما الفرق بين الاضطرار والإكراه حيث انه يرفع التكليف دون الإكراه لأنا نقول ان الفرق هو ان الإكراه يصدق مع المندوحة على الترك بخلاف الاضطرار فانه يكون في صورة انحصار الطريق وعدم المندوحة منه فيصدق الإكراه في صورة دوران الأمر بين بيع الكتاب وبين المطالعة في المسجد لا في الدار مثلا فيمكن ان لا يطالع في المسجد ولا يبيع الكتاب ولا يكون الاضطرار كذلك.

مضافا بأنه يكون التحميل من الغير في الإكراه بخلاف الاضطرار فتحصل انه لا يرفع التكاليف بواسطة الإكراه.

واما المعاملات بالمعنى الأخص فيكون الرفع شاملا لأثره فينتفى صحة المعاملة الإكراهية (١) لكنه قيل حيث يكون هذا الدليل امتنانيا يكون المرفوع هو اللزوم لا أصل

__________________

(١) أقول لا شبهة في كون الحديث في مورد الامتنان ويكفى ان يكون المرفوع هو اللزوم فان ما هو الثقل يكون اللزوم فهو مرفوع واما أصل الصحة فلا فانه ان لم يشاء يفسخ العقد ولو فرض أن شخصا لا يحب ان يصير ملكه ملك الغير آناً ما فمع انه له المندوحة بأن لا يقصد البيع أصلا كما سيذكر لا يكون وضع هذا النحو من الحكم خلاف الامتنان عند العقلاء وان كان رفعه امتنانا ـ

٢٨٩

الصحة وهو غير صحيح والحاصل قد اختلف الكلام بينهم في أن المرفوع هل هو اللزوم فقط مع بقاء الصحة أو أن المرفوع هو اللزوم والصحة كلاهما ولكن يكون لما وقع صحة تأهلية مثل العقد الفضولي المحتاج إلى الإجازة والإمضاء أو يكون المرفوع هو الصحة مطلقا.

والدليل على الثالث هو ان المرفوع نفس الانتقال لا لزومه لأن ما أكره عليه يكون هو النقل والانتقال فالرفع يتوجه إلى هذه الجهة لا جهة اللزوم فقط وهذا هو التحقيق.

لا يقال لا نحتاج إلى حديث الرفع في رفع أثر المعاملة لأن كل معاملة يكون شرطه الرضاء والطيب وهو غير حاصل في المعاملة الإكراهية فالشرط مفقود ولا تصل النوبة إلى المانع والرافع.

لأنا نقول انا فرضنا حصول الطيب فعلا في المعاملة بعد ملاحظة الدوران بين الضرر الموعود عليه والبيع فلا طيب فعلى مغلوب وإكراه من الغير الغالب وكل معاملة إكراهية وكل فعل إكراهي يكون كذلك فلو كان للإكراه مصداق يكون مصداقه هكذا فلا يشكل على المقام.

فان قيل أي فرق بين الإكراه والاضطرار فانه أيضا يكون عن طيب فعلى في النّفس مع إكراه بيع داره فانه لا يرضى أبدا بيع داره خصوصا إذا كان ترتيب أموره

__________________

ـ ويدور مدار أن يقال ما كان وضعه خلاف الامتنان هو المرفوع أو يقال بأن الأعم من ذلك أي ما لم يكن وضعه خلاف الامتنان أيضا يشمله الحديث والإنصاف أن ما له العلاج لا يحتاج إلى الرفع فالذي يكون مرفوعا هو اللزوم وهو مد ظله أيضا في بعض الفتاوى كان يتمسك بأن المرفوع هو اللزوم ولا يخفى أن ما ذكره هنا من أن النقل والانتقال إكراهي وهو المرفوع يكون متينا ولا نقول ان المرفوع من الأول اللزوم بل نقول أن النقل والانتقال يكون متحصصا بحصص بالذهن فوق الذهن فحيث يكون النقل والانتقال اللزومي هو الثقل فيكون المرفوع هذه المرتبة لا سائر المراتب.

٢٩٠

من غرس الأشجار والتزيينات بيده ولكن مرض ابنه مثلا يصير سببا لبيعه فله الرضاء من جهة وكره من جهة.

قلت الفرق بينهما هو ان انطباق الحديث في مورد الاضطرار يكون خلاف الامتنان وفي مورد الإكراه موافق له.

بيانه أن المضطر إلى بيع داره لمرض ابنه رأى في مقام الدوران بيع داره أسهل من موت ابنه ويكون بيعها سببا لراحته من جهة هي أقوى من حبه داره فلو قيل ان المعاملة لا تقع حينئذ يكون هذا خلاف الامتنان عليه واما الإكراه الّذي يكون التوعيد فيه من الغير يكون رفع أثر المعاملة من كمال الامتنان فان قلت أي فرق في الواقع والخارج بينهما قلت ما ذكرناه من أن الإيعاد بالضرر في الإكراه يكون من الغير في الاضطرار لا يكون كذلك (١)

تتمة

في البحث عن الفقرات الثلاثة الطيرة والحسد والوسوسة في الخلق وحاصل الكلام فيها هو ان هذه علة لجعل الحكم لا لرفعته كما مر ولكن منع الشارع عن اقتضائه ولم يجعل في مورده حكم تسهيلا للعباد لرأفته ورحمته بهم.

ثم ان المرفوع ليس هو أثر الحسد وغيره في الظاهر بأن يكون مثلا أثر الحسد وهو غيبته أو نميمته مرفوعا فيكون المرفوع هو الغيبة وغيرها من الآثار المحرمة وهكذا الطيرة بأن يؤذي الشخص بأن يقول مثلا من رأي في أول آنات خروجه من منزله لفعل من الأفعال كلبا لا يصل إلى مطلوبه وأمثال ذلك لأن هذا من الأفعال الاختيارية فان رفع الجسد يكون من جهة انه لا يخلو الإنسان منه ولو أمكن التحفظ

__________________

(١) أضف إليه كما أضافوا إشكالا وهو ان العقد تابع للقصد فللمكره أن لا يقصد وقلما شخص يطلع على الضمائر ليكره على القصد فلا يحتاج إلى حديث الرفع والجواب عنه يظهر الثمرة في صورة كون العاقد عاميا يكون في خياله انه يجب ان يقصد العقد واقعا.

٢٩١

بترتب المقدمات.

واما الغيبة مثلا فيمكن ان يمنع نفسه منها وهكذا فان قلت ما هو المرفوع يكون الفعل والحسد ليس بفعل من النّفس قلت كيف وهو فعل جوانحي فالمرفوع هو أصله لا آثاره فتحصل ان حديث الرفع يكون تام الدلالة للبراءة بفقرة ما لا يعلمون.

فصل في سائر الأحاديث الدالة على البراءة

اعلم ان هنا أحاديث أخر تمسكوا بها للبراءة ونحن أيضا نتمسك بها تتبعا للشيخ الأعظم والخراسانيّ قدهما.

منها حديث الحجب ـ قوله عليه‌السلام (١) ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.

وتقريب الاستدلال هو ان الحكم المشتبه يكون مما حجب الله علمه عن العبد فلا يكون مكلفا به وحجب كل شيء بحسبه وقد أشكل عليه بان الحكم اما ان يكون إنشائيا بمعنى وجود الاقتضاء له ويعلمه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يكون مأمورا بتبليغه واما ان يكون مأمورا بتبليغه وبلغه ولم يصل إلينا بدس الدساسين والكلام في بحث البراءة هو الثاني لا الأول والحديث ينفيه لا الثاني فان نسبة الحجب إلى الله تعالى تكون في صورة ان يكون المنع منه تعالى لا من الدساسين فلا يفيد المقام.

أقول ان هذا الحديث يكون في الشبهات الحكمية لو كانت دلالتها تامة ولا يكون فيه إشكال حديث الرفع كما مرّ من انه يكون في الشبهة الموضوعية لأن المراد بما لا يعلمون هو الفعل الخارجي بقرينة السياق وان أجنبا عنه والإشكال الّذي يكون فيه دون حديث الرفع هو ان الموضوعات يكون حجبها من الناس أو من الخارج مثل الظلمة المانعة عن رؤية ان هذه الرطوبة الفلانية دم أم لا وهذا الحديث يحكم بوضع ما يكون حجبه من الله تعالى.

__________________

(١) في الوسائل كتاب القضاء باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٢٨.

٢٩٢

والجواب عنه لا شبهة ولا ريب في أن الحجب لا يصدق إلّا بعد وجود شيء فان من لا زوجة له لا يأمر بحجابها ففي المقام اما ان يكون المحجوب هو التكليف الإنشائي أو التكليف الفعلي ونختار ان يكون الثاني ونسبة حجبه إلى الله تعالى تكون لعدم جعله الاحتياط في مورده فان كان جعله لكان ينحفظ الواقع به فحيث لم يجعله يكون الحجب مستندا إليه.

وقد أشكل صاحب الوسائل على الحديث بأن معنى الحديث هو وضع التكليف في صورة الحجب وهو يكون في صورة وجوب شيء في الواقع ثم وضعه أي رفعه عند الجهل وهذا لا يشمل التروك فان الترك ترك بنفسه لا يحتاج إلى الوضع.

والجواب عنه ان الترك يكون الزجر عن فعله تكليفا فلا يكون عدما محضا فان ترك شرب الخمر مثلا واجب فلو جعل الاحتياط يجب ترك أشياء ليحصل الزجر عنه في الواقع وإذا لم يجعله يكون هذا رفعا فلا يرد هذا الإشكال أيضا على الحديث ويكون دلالتها على البراءة تامة.

ومنها الناس في سعة ما لا يعلمون (١) وتقريب الاستدلال بتناسب الحكم والموضوع وهو أن الحكم الّذي لا يعلمه الناس يكون مرفوعا عنهم لأن معنى السعة ليس إلّا هذا فلو جعل الاحتياط في الموارد المشتبهة لا يكون الناس في سعة بل في ضيق فهذا الخبر مثل السابق يدل على البراءة وعدم وجوب الاحتياط.

__________________

(١) ما وجدت هذا الحديث بهذا النحو في الوسائل وحكى انه عن بعض كتب العامة.

وما وجدت في الوسائل في ج ٢ في باب ٥٠ من أبواب النجاسات وعنوانه باب طهارة ما يشترى من مسلم ومن سوق المسلمين ح ١١ هو رواية عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قريبة إلى هذا المعنى فان قوله في ذيل الحديث يا أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسي فقال عليه‌السلام هم في سعة حتى يعلموا قريب إلى هذا المعنى فيمكن ان يكون قولهم الناس في سعة ما لا يعلمون نقل العبارة بالمعنى.

٢٩٣

وقد أشكل عليها بإشكالات منها أن مفاده سعة الناس بالنسبة إلى الحكم الّذي لا يعلمونه واما الّذي يعلمه الناس فلا سعة لهم فيه والاحتياط يكون هو الحكم في موارد الشبهة فأخبار الاحتياط وارد عليه لرفع موضوعه بواسطة تلك الاخبار.

وأجاب عنه في الكفاية ص ١٧٦ بما حاصله ان الاحتياط يكون لانحفاظ الواقع فإذا علمنا بالحكم يجب الاحتياط لحفظه واما الحكم الّذي ما علمناه بعد فلا يكون لوجوب الاحتياط بالنسبة إليه وجه ولا نكون في ضيق من ذلك نعم لو كان للاحتياط وجوب نفسي لكان الناس في ضيق عند الشبهة وهو غير صحيح فالتعارض بين هذا الخبر واخبار الاحتياط محقق.

أقول وجوب الاحتياط سواء كان نفسيا أو غيريا لا يكون واردا على الحديث لأنا لنا المعذر وهو هذا الخبر وسائر الاخبار فانه يكون وجوبه في صورة عدم جعل البراءة عند الشك وهو ليس بعلم حتى يكون غاية لدليله.

فان قلت الاحتياط ليس بعلم كما ذكرت ولكن ينتج نتيجته لأن العلم موصل إلى الواقع وهو أيضا يكون كذلك وبه يحفظ الواقع.

لأنا نقول الناس في سعة ما لا يعلمون يكون معناه ما لا يعلمونه بطريقه بأن لا يكون دليل خاص بالنسبة إليه لا أن يكون المراد أن السعة تكون فيما لا يعلم حتى بالاحتياط.

فان قلت المراد من السعة في ما لا يعلمون هو السعة ما لم يعلم الواقع ولا يعلم الوظيفة سواء كان إحرازها بالعلم أو بطريق آخر ولا شبهة في أن الاحتياط وظيفة من لا يعلم فيكون العلم بالوظيفة حاصلا كما أن المجتهد الّذي يكون سنده البراءة في فتواه يرجع إليه بدليل رجوع الجاهل إلى العالم والغرض أنه لا يكون له علم بالواقع بل بالوظيفة فالناس في سعة ما لا يعلمونه واما ما يعلمونه ولو بالعلم بالوظيفة المقررة فليس مما لا يعلم فيكون الاحتياط واردا على البراءة.

قلت هذا خلاف الظاهر أولا لأن المراد بما لا يعلم هو عدم العلم بالواقع لا ما لا يعلم ولا يعلم الوظيفة في مورده حتى يصح أن يقال الاحتياط وظيفة.

٢٩٤

وثانيا ان البراءة أيضا وظيفة جعلت للشاك قلنا ان نعكس الأمر ونقول البراءة حاكمة أو واردة على الاحتياط لأنه يكون في صورة عدم كون الوظيفة بالنسبة إلى الواقع هي البراءة ومعه لا وجه لهذا القول إلّا ان يقال بأن الوظيفة في الشبهة التحريمية الاحتياط وفي الشبهة الوجوبية البراءة حتى يكون لكل وجه كما يقول به بعض الأخباريين ولا وجه له كما سيجيء.

هذا كله إذا كان وجوب الاحتياط طريقيا واما إذا كان نفسيا أيضا فلا يكون وجه لوروده على البراءة لأن لازمه هو أن يقال بأن في نفس الاحتياط مع قطع النّظر عن الواقع مصلحة فنقول في البراءة أيضا مصلحة نفسية وهي مصلحة التسهيل فتعارض مع مصلحة الاحتياط ولا وجه لتقديمها عليها.

ولا وجه للقول بأن الاحتياط واقع ثانوي فيكون الواقع معلوما فلا تصل النوبة إلى البراءة لأنه خلاف الظاهر كما مرّ لأن المراد بعدم العلم هو عدم العلم بالواقع الأولى على ان البراءة أيضا واقع ثانوي نعلمه فتعارض مع الاحتياط فدلالة الحديث على البراءة واضحة تامة.

ومنها قوله عليه‌السلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى (١). وتقريب الاستدلال بتناسب الحكم والموضوع هو ان كل شيء لم يصل من الشارع نهى بالنسبة إليه يكون مباحا سواء كانت الإباحة الاقتضائية أو اللااقتضائية وسواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية فان المراد بالإطلاق هو الإباحة والمراد بورود النهي وصوله لا أصل صدوره كما ظن الخراسانيّ قده.

والإشكال عليها بما مر من أن الاحتياط يكون هو النهي الظاهري وهو وارد وواصل إلينا من الشرع بقول الاحتياطي ولا يكون المراد هو النهي الواقعي.

مندفع بأنه لو كان الأمر كذلك نقول البراءة رخص وأصل من الشرع فلا يكون مورد للاحتياط بعد وصول الرخص فضلا عن عدم العلم بالرخص أو عدمه.

__________________

(١) في الوسائل ج ١٨ في باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٦٠.

٢٩٥

والإشكال ثانيا عن الخراسانيّ قده أيضا مندفع اما أصل اشكاله قده فبيانه ان المراد بالورود في الرواية لو كان هو الوصول لكان للاستدلال بالرواية على البراءة وجه ولكن ليس كذلك فان ورود النهي صادق بصرف الصدور خصوصا إذا كان الوصول إلى علماء الصدر الأول ولم يصل إلينا بعدهم بالدس.

لا يقال (١) وحيث لم يصل إلينا نشك في صدوره أيضا فنستصحب عدم الصدور بعد الشك فيه لأنا نقول انه لو تم الاستدلال بالرواية بهذا النحو يكون الحكم بإباحة ما شك فيه وإطلاقه من باب أنه لم يرد بالنسبة إليه نهى واقعا لا بعنوان انه مشكوك ومجهول الحرمة حتى يقال بهذا العنوان يكون الأصل فيه البراءة.

لا يقال لا فرق من هذه الجهة فيما هو المهم فان الإباحة والإطلاق إذا ثبتت لا فرق بين ان يكون بهذا العنوان أو بذاك العنوان فان المقصود حاصل.

لأنا نقول ان الحكم بالإباحة من باب انه لم يرد فيه نهى واقعا يكون في صورة إثبات عدم وروده واقعا واما إذا كان النهي عنه صادرا في زمان والإباحة في زمان آخر ولا نعلم ان المقدم هل هو النهي حتى يكون الحكم بعده إلى الآن الإباحة الفعلية أو كانت الإباحة متقدمة حتى يكون النهي فعليا لا وجه للقول بالإباحة لعدم العلم بعدم الصدور واقعا.

لا يقال هذا الكلام صحيح على فرض القول بالفصل بين افراد ما اشتبهت حرمته بأن تكون البراءة فيما لا يصدر عنه النهي واقعا والاحتياط فيما صدر ولا نعلم تقدم أحدهما على الآخر واما على فرض القول بعدم الفصل بين الصورتين فلا يكون لهذا الإشكال وجه.

لأنا نقول ان الافراد المشتبهة وان لم يكن بينها الفصل ولكن هذا يكون في صورة كون المثبت للإباحة فيما هو المسلم هو الدليل لا الأصل وفي المقام حيث يكون المثبت للإباحة هو الأصل لا وجه لعدم القول بالفصل بل يلزم القول بالفصل.

__________________

(١) كلامه قده يحتاج إلى بيان وتوضيح من أوله إلى آخره.

٢٩٦

والجواب عنه قده (١) أولا بأن ما ذكره خلاف الظاهر فان المراد بقوله عليه‌السلام

__________________

(١) أقول جعل مد ظله الإشكال والجواب في درس واحد مع أن الشأن ان يجعل هذا الإشكال وجوابه في ثلاثة دروس أو أزيد ليكون البيان مستوفيا وبيان الإشكال والجواب لتمام شئونه ولم يكن لنا بد إلّا أن نقرر بقدر ما قرره مد ظله فليرجع في هذا البحث إلى تهذيب الأصول في ص ٢٤٣ إلى ٢٤٩ ج ٢.

واما اشكاله الثاني فهو غير وارد لأن الحكم بالإباحة الفعلية إلى حين ورود النهي لا إشكال فيه فان عدم المنع عن الشيء حتى يرد فيه نهى غير مشكل كما هو الحال في جميع الأحكام الظاهرية ولكن الحكم بالإباحة الاقتضائية يمكن انقلابها لبعض العوارض.

والإشكال هو عدم إيجاب الجهل لانقلاب الواقع عما هو عليه وكيف كان فالإباحة الظاهرية غير مشكلة كما عن بعض الاعلام من الأساتيذ.

واما الإشكال الثالث فائضا لا نفهمه لأن توقف إثبات الإباحة وان كان على إثبات جريان الاستصحاب ولكن في الواقع يكون موضوعه متوقفا عليه لا أصل الحكم فان جزء من الموضوع يكون بالوجدان وهو الشيء وجزء يحرز بالأصل وهو عدم صدور الحكم بالنسبة إليه فهو مباح.

فالحكم على فرض وجود الموضوع مسلم لا يكون متوقفا على الاستصحاب وهذا مثل العدالة فان عدالة زيد إذا كانت مشكوكة كان جواز الاقتداء أيضا مشكوكا فكما انه يكفى الحكم بالجواز في صورة العلم بها كذلك يكفى بعد إثباتها بالاستصحاب فترتيب الحكم وهو الجواز متوقف على جريان الاستصحاب وجريانه متوقف على هذا الأثر الشرعي.

ولكن لا ضير لأنه يكفى شأنية إثبات الموضوع لهذا الحكم فإذا ثبت يثبت الحكم فكذلك إذا ثبت عدم الصدور في الشيء يترتب عليه حكم الإباحة والحكم بالإباحة في المعلوم عدم صدوره يكون مثل جواز الاقتداء في الفرد المعلوم من العادل فلا يكون التوقف في أحدهما في الحكم حتى يقال ان إثباته بالاستصحاب دوري وفي الموضوع فقط في أحدهما حتى لا يكون كذلك بل هما مثلان فالوارد هو الإشكال الأول والرابع وهو انه خلاف الظاهر.

٢٩٧

حتى يرد هو الوصول لا الصدور كما هو المعروف فانه إذا قيل ورد بالنسبة إليه خبر يفهم منه انه وصل فالدلالة تامة.

وثانيا ان المراد بالإباحة سواء كانت الإباحة اللااقتضائية أو الإباحة الاقتضائية يستحيل ان يرد النهي عما هو كذلك فانه كيف يتصور ان يكون الشيء مباحا ومع ذلك يصدر بالنسبة إليه نهى فان النهي وصوله أيضا مستحيل كيف عن صدوره لأن المراد بالإباحة هو الإباحة الفعلية لا الشأنية فانه بعد اقتضاء الشيء الإباحة لا يمكن ان يكون فيه اقتضاء غيرها.

ولو كانت الإباحة ظاهرية أيضا لا تكون مغياة بالنهي الواقعي لأنه لا يوجب العلم فان الواقع الّذي لم يصل إلى المكلف كيف يكون غاية الحكم الظاهري فوروده كذلك يجتمع مع الجهل بالواقع فما لم يصل نهى يكون الإطلاق بحاله.

فلا بد ان تكون الغاية للإباحة هو الحكم الواصل لا الصادر إلّا ان يكون المراد بالإباحة هو الإباحة قبل الشرع بان يقال ما كان مباحا قبل الشرع في الشرائع السابقة يكون بحال إباحتها حتى يصدر نهى في الواقع وعليه فلا يكون في مقام بيان حكم فعلى لنا بل في الواقع يكون حقيقة الأمر بحيث انه لو صدر نهى انقلب الإطلاق بصدوره.

وثالثا لو سلم ان يكون النهي الصادر غاية للإطلاق أو الإباحة لا يكون التمسك بالاستصحاب في المقام لتكميل دلالة الخبر مفيد فائدة لأن الأصل التعبدي يحتاج إلى أثر شرعي فما لم يكن أثر متحقق قبل جريانه لا مجال له وفي المقام يكون جريانه لإثبات حكم الإباحة فان أصالة عدم صدور النهي لازمه هو إباحة الشيء المشكوك وهذا يجيء من قبل الأصل فجريانه يتوقف على الأثر الشرعي والأثر الشرعي يتوقف على جريانه وهذا دور واضح.

وهذا ليس مثل استصحاب العدالة لترتب جواز الاقتداء فان إثبات الموضوع يتوقف على الأصل وهو العدالة فانها بواسطة الاستصحاب يحرز ويترتب عليها

٢٩٨

حكمها ولا يكون التوقف بالنسبة إلى الحكم بل هو ثابت من الخارج لا من جريان الأصل.

ورابعا لا يتم جوابه في عدم القول بالفصل لأنه يريد تكميل الدلالة بواسطة الأصل فإذا كمل فلا يحتاج ان يتمسك بذلك بل كل شيء مشكوك الحكم يكون كذلك حتى يرد نهى من غير فرق بين الافراد.

وعلى فرض التسليم أيضا لا يتم الجواب لأنه لا فرق في عدم القول بالفصل بين ان يكون الدليل هو الأصل أو الأمارة فانه إذا قام الإجماع على عدم الفصل لا فرق بين أن يكون بالنسبة إلى الحكمين الواقعيين أو بالنسبة إلى ظاهري وواقعي ففي المقام ان ثبت إجماع على عدم الفصل لا فرق بين ان يثبت أحد الأطراف بالأصل وهو الاستصحاب أو بالدليل فكلامه رفع مقامه مع علو شأنه بعيد من شأنه.

ثم ان الشيخ (قده) قال بان هذه الرواية دلالتها أحسن من غيرها والنكتة فيه هي ان عمدة النزاع بين الاخباري والأصولي هي في الشبهات التحريمية وهذه ناصة في عدم وجوب الاحتياط بالنسبة إليها فلا يكون للأخباري ان يقول اخبار البراءة يخصص بالشبهات التحريمية ففيها يجب الاحتياط واما البراءة فهي في الشبهات الوجوبية فقط.

ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال سألته عن الرّجل تزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا فقال عليه‌السلام اما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها فقد يعذر الناس بما هو أعظم من ذلك قلت بأي الجهالتين أعذر بجهالة ان ذلك تحرم عليه أم بجهالة انها في العدة قال عليه‌السلام إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بان الله تعالى حرم عليه ذلك وذلك لأنه لا يقدر معه على الاحتياط قلت فهو في الآخر معذور قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يزوجها.

__________________

(١) في الوسائل ج ١٤ في باب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح ٤.

٢٩٩

تقريب الاستدلال لهذه الرواية هو انها لا تختص بالحكم الوضعي وهو الحكم بالحرمة الأبدية لمن زوج المرأة في عدتها فانه يكون مرفوعا في حال الجهل وكذلك الحكم التكليفي وهو حرمة تزويج من في العدة فان الملاك هو المعذورية وهي متحققة مع الجهل بالوضع أو بالتكليف.

وقد أشكل عليها أولا باختصاصها بالحكم الوضعي وهو الحرمة الأبدية لأن مورد الرواية يكون هو ذا.

والجواب عنه ان المعذورية أعم من كون الحكم تكليفيا أو وضعيا وثانيا بأن الغفلة تكون سببا لرفع الحكم لأنه لا معنى لعدم إمكان الاحتياط الا في مورد الغفلة واما من كان ملتفتا إلى شكه فيمكن له الاحتياط بترك ما شك في حرمته وهذا الإشكال لا محيص عنه فلا يكون دلالة هذا الحديث على المطلوب تامة فان المطلوب هو القول بالبراءة في صورة الشك في الحكم أو الموضوع.

في ما دل على حلية كل شيء حتى يعلم حرمته

ثم هنا طائفة من الاخبار نسميها اخبار الحلية وانها في الشبهات التحريمية منها رواية مسعدة بن صدقة كل شيء هو لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه الحديث (١).

وقد ظن الشيخ الأنصاري قده بان كلمة بعينه في هذه الرواية وهي بدونها رواية مستقلة ولكن نحن لم نجد رواية بهذا المضمون بدون كلمة بعينه.

وتقريب الاستدلال لو لا هذا الذيل للمقام كان واضحا في الشبهات الموضوعية والحكمية واما بلحاظه فقيل انه يكون في الشبهات الموضوعية لأن ما يعلم أن عينه حرام هو الموضوع والحكم لا يكون عينا في الخارج.

وربما يتخيل ان الدلالة غير تامة حتى مع فرض الذيل لأن الشيء يكون هو ما في الخارج من الموضوع ولا يكون صادقا بالنسبة إلى ما لا يكون في الخارج ولا يتم

__________________

(١) في الوسائل ج ١٢ باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ح ٤.

٣٠٠