مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

أصالة البراءة عن هذا الضيق لأن حديث الرفع يكون بالنسبة إلى ما يكون مجعولا شرعا ولو تبعا شاملا.

وأما ما لا يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشرع فلا تجري فيه البراءة ولا ينطبق عليه سنده وخصوصية وجوب إحراز الشرط لا تكون من المجعولات الشرعية ضرورة أنه مما حكم به العقل فإنه يحكم بأن المشروط بدون إحراز الشرط يكون باطلا والامتثال غير حاصل كذلك.

إذا عرفت ذلك فنقول كون الملاقى للنجس نجسا بالسراية أو بالنشو لا يكون له أثر زائد لأنهما على السوء في وجوب الاجتناب في عالم الثبوت والواقع ولكن في عالم الإثبات فلو كان الاجتناب عن الملاقى لازما من باب السراية يكون الاجتناب عن الملاقى لأحد أطراف الشبهة المحصورة لازما واما على فرض النشو فحيث يكون الشك في حصول نجاسة جديدة لا يكون الاجتناب لازما.

فكون المجعول هو السراية يكون موجبا لكلفة وهي وجوب اجتناب ملاقيه وحيث أن هذا لا يكون من الأحكام المجعولة الشرعية ولا من لوازمها لا يمكن جريان البراءة بالنسبة إليه فلا بد من ان يكون الاجتناب عن الملاقى لأحد الأطراف لازما من هذا الباب ولذا قلنا الأقوى هو الوجوب انتهى كلامه رفع مقامه.

والجواب عما أخذ من النتيجة في المقام أنه إذا كان الشك في خصوصية الجعل إذا كان المشكوك مما في إلزامه كلفة يكون مرفوعا بأدلة البراءة لأن حديث الرفع وغيره يكون صدوره للامتنان على العباد ولتسهيل الأمر عليهم ولا يختص هذا بما كان حكما مجعولا شرعيا فيكون الدليل شاملا لكل ضيق على العباد.

ولو سلم الاختصاص فنقول في المقام يكون الشك مما يمكن أن يجعل في مورده حكما ظاهريا أي يمكن جعل حكم لمن شك في أن نجاسة الملاقى هل يكون من باب السراية حتى يلزم الاجتناب عن ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة أولا حتى لا يكون كذلك فانه يمكن جعل الاحتياط أو حكما آخر في هذا المورد وهو مرفوع بحديث الرفع وقبح العقاب بلا بيان فمقتضى الأصل هو الرفع.

٤٨١

مضافا بأنه إذا حصل الشك لا يكون العلم الإجمالي في المقام ليكون الأقوى هو وجوب الاجتناب فانه قده فرض بقاء العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى أو الطرف ولذا حكم بوجوب الاجتناب وهذا غير صحيح لأنه يمكن أن يقال ان العلم الإجمالي لا يتحقق هنا لأنه لم يحرز كون نجاسة الملاقى بالسراية ولا بالنشو فعليه يكون المقام من الشبهة المصداقية لتطبيق قاعدة الطهارة ولا ينطبق عليه عموم كل شيء طاهر حتى نعلم أنه قذر.

فلا بد أن يكون الاجتناب من باب الاحتياط لا من جهة تنجيز العلم فان أصالة البراءة عن نجاسة كل واحد من الأطراف معارضة بها في الطرف الآخر ولا ينطبق قاعدة الطهارة أيضا كما ذكر وعلى فرض حكومة البراءة في المقام حيث يكون الشك من ناحية الجعل لا الفراغ يكون الأصل عدم وجوب الاجتناب عن ملاقى أحد الأطراف واما تقريب شيخنا العراقي قده بعد ما يظهر جملة الكلام فيه مما مر في تقريب مذهب شيخنا النائيني قده وجوابه هو ان العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح والطرف منجز وعلة تامة ومقتضاه وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر أيضا من باب الاحتياط لعدم حصول العلم بالنسبة إلى الملاقى بالكسر والطرف وعدم انطباق قاعدة الطهارة لكونه من الشبهة المصداقية لها ومن يظهر الفرق بين المسلكين يكون من حيث أن قول الأول يكون هو وجوب الاجتناب على الأقوى وقول الثاني يكون وجوبه على الأحوط ونحن أيضا تابع لشيخنا العراقي لوجود العلم الإجمالي الأصلي وعدم وجود المؤمن في الملاقى من قاعدة الطهارة أو أصل البراءة من جعل الحكم على نحو السراية.

ثم انه لا بأس بالإشارة إلى معنى عبارة الشيخ قده (١) في ذيل هذا البحث والكلام فيه وهذه عبارته : ولو كان ملاقاة شيء لأحد المشتبهين قبل العلم الإجمالي

__________________

(١) في الرسائل الحاضر عندي في ص ٢٠٣ ذيل الأمر الرابع من الأمور في الشبهة المحصورة.

٤٨٢

وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم بنجاسة المشتبه الباقي أو المفقود قام ملاقيه مقامه في وجوب الاجتناب عنه وعن الباقي لأن أصالة الطهارة في الملاقى بالكسر معارضة بأصالة الطهارة في المشتبه الآخر لعدم جريان الأصل في المفقود حتى يعارضه لما أشرنا إليه في الأمر الثالث من عدم جريان الأصل فيما لا يبتلى به المكلف ولا أثر له بالنسبة إليه فمحصل ما ذكرنا أن العبرة في حكم الملاقى بكون أصالة طهارته سليمة أو معارضة انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه وهذا هو الفرع الثالث عن الخراسانيّ قده في الكفاية كما مر واختلف الناظرون إلى عبارته هذه فقال بعضهم ان الشيخ قده من باب أن مسلكه العلية في العلم الإجمالي قال بوجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر والطرف كما ظنه شيخنا العراقي وقال بعضهم من باب كونه مقتضيا ويكون الأصل فيه معارضا بالأصل في الطرف يكون الاجتناب لازما لأن ملاكه جريان الأصل بلا معارض في أطرافه وهو قده أشار إليه من ان السر معارضة الأصول فلو فرض عدم معارضة أصل الملاقى بالكسر مع الطرف أمكن القول بعدم وجوب الاجتناب.

وقد أشكل عليه شيخنا العراقي قده بان كلامه متين على فرض القول بكون العلم الإجمالي علة تامة واما على فرض كونه مقتضيا فلا يتم لأن حصول العلم الإجمالي يكون بعد الملاقاة فيكون الملاقى مثل أحد الأطراف وتقدم الملاقى بالفتح رتبة لا أساس له لأن المدار على اتحاد الزمان ولا مجال للأصل على العلية.

واما على فرض القول بالاقتضاء فما ذكره الشيخ قده من عدم جريان الأصل (١) في الملاقى بالفتح لفقده وخروجه عن محل الابتلاء ممنوع لأن ما هو المسلم من عدم جريان الأصل هو عدم الجريان بالنسبة إلى الأثر المترتب على نفس المفقود واما بالنسبة إلى الأثر المترتب على غيره فلا لأن إجراء الأصل تعبد وهو قابل لئلا يجري

__________________

(١) أقول هذا وما بعده من كلامه رفع مقامه لا يكون مما يمكن الاعتناء عليه في الإفتاء وأدلة الأصول يمكن ادعاء انصرافها عن هذه الموارد ولا مجال فعلا لإطالة الكلام فيما أفاده قده.

٤٨٣

بالنسبة إلى شيء ويجري بالنسبة إلى شيء آخر فنقول أصالة الطهارة بالنسبة إلى الأثر المترتب عليه وهو طهارة الملاقى له تكون جارية فتتعارض مع أصالة الطهارة في الطرف وتبقى أصالة الطهارة في الملاقى بالكسر بدون المعارض.

فان قلت لا يكون للملاقى بالفتح الا قاعدة واحدة بالنسبة إلى نفسه وهي غير جارية لفقده ولا يكون له قاعدة أخرى تجري بالنسبة إلى الملاقى له ضرورة عدم جعل قاعدتين في موضوع واحد قلت عدم جعل القاعدتين في موضوع واحد يكون في صورة كونهما عرضيتين واما إذا كانتا طوليتين فلا إشكال فيه ومعلوم أن قاعدة الطهارة بالنسبة إلى أثر الملاقى يكون في طول قاعدة الطهارة بالنسبة إلى نفسه كما أن قاعدة الطهارة في الملاقى أيضا تكون من جهة نفسه تارة ومن جهة الملاقى بالفتح تارة أخرى.

والجواب عنه قده هو أنه لو كان فقد الطرف غير ضار بالنسبة إلى الأثر المترتب على الملاقى فليكن العلم الإجمالي الّذي مات بفقد الملاقى بالفتح أيضا مؤثرا بالنسبة إلى الملاقى فاما لا يكون الاجتناب عن الملاقى لازما مطلقا أو يكون لازما مطلقا فالأوّل على القول بالاقتضاء والثاني على القول بالعلية هذا أولا.

وثانيا جريان الأصل يكون بالنسبة إلى ما لا واسطة له من الأثر واما ما يكون بالواسطة فلا يجري الأصل بالنسبة إليه ومعلوم أنه إذا جرى الأصل في الملاقى بالفتح يكون اثره المعارضة مع الطرف ثم بقاء قاعدة الطهارة في الملاقى بالكسر بدون المعارض فطهارته يكون بعد المعارضة ولا يكون لأصالة الطهارة في الملاقى أثر بدون الواسطة ليكون جاريا فتحصل أن الحق مع الشيخ قده فيما ذهب إليه والله العالم.

الأمر الثاني في قياس ثمرة إحدى الشجرتين بالمقام

اعلم ان العلماء قد اتفقوا على أن الاجتناب عن ثمرة إحدى الشجرتين اللتين إحداهما غصبية لازم وكذلك الاستفادة عن منافع الدار التي يكون طرف العلم الإجمالي بغصبيتها أو غصبية غيرها فلو كان الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي

٤٨٤

يقتضى الاجتناب عن كل ما يكون له مساس بالأطراف فلا فرق بين الاجتناب عن الملاقى لأحد أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة وما ذكر فكل من قال بوجوب الاجتناب هنا يجب أن يقول به في المقام أيضا والقائلين بوجوب الاجتناب عن الثمرة لم يجعلوا هذا مبنيا على المباني من السراية والنشو والتعبد المحض والشأنية وقد جعلوا الاجتناب عن ملاقى أحد أطراف الشبهة مبنيا عليها مع أنه لا فرق بينها ففي عالم الثبوت يمكن أن يكون الاجتناب عن الثمرة من باب السراية أو النشو أو الشأنية.

اما السراية فيمكن أن يقال لتقريبها أن الشجرة بعد ما أثمرت فكأن الملكية التي كانت بالنسبة إليها اتسعت وصارت على الثمرة أيضا كما أن الكأس الواحد النجس إذا جعل كأسين يكون من باب الاتساع في موضوع النجاسة.

واما النشو فيمكن أن يقال ان الثمرة حيث أحدثت في ما هو مملوك الغير يكون ملكيتها معلولة لملكية الأصل وهو فرد آخر منها كما أن الملاقاة أمكن أن تكون موجبة لحدوث فرد من افراد النجس غير النجس الأول.

وأما الشأنية فيمكن أن يقال ان وجوب الاجتناب عن الثمرة يحسب من شئون الاجتناب عن الشجرة كما أن إكرام العالم لا يتم إلّا بإكرام ولده أو خادمه.

ثم أن لكل مسلك لوازم اما اللوازم للقول بالنشو فهو أنه إذا كان العلم بغصبية إحدى الشجرتين قبل حدوث الثمرة على إحداهما ثم حدثت الثمرة فيمكن أن يقال حيث أن الشبهة بالنسبة إلى الثمرة بدوية لعدم العلم بحصول هذا الفرد من افراد مال الغير الّذي يقتضى النهي عن التصرف في مال الغير النهي عنه فالأصل يقتضى البراءة مع قطع النّظر عن أن الأصل في الأموال الحرمة وإذا كان وجود الثمرة مع العلم الإجمالي بغصبية إحدى الشجرتين يلزم الاجتناب عن الجميع.

والحاصل يأتي فيه جميع الصور التي تصوره الخراسانيّ قده على مسلكه بالنشو وقد بيناه ومنه الاجتناب عن الثمرة دون شجرتها إذا خرجت عن محل الابتلاء قبل العلم الإجمالي.

واما على السراية فلا فرق بين الثمرة والشجرة لاتساع الموضوع للملكية

٤٨٥

واقعا وهكذا على القول بالشأنية فانه على هذا المبنى وان لم يتسع الملكية عن الشجرة إلى الثمرة لكنه يجب الاجتناب عنها لعدم حصول الاجتناب عن مال الغير إلّا بالاجتناب عن الثمرة وعلى هذا فلا يكون للخروج عن محل الابتلاء تأثير في وجوب الاجتناب عن الثمرة هذا كله في مقام الثبوت.

اما في مقام الإثبات فمختار النائيني قده هو أن الاجتناب عن الثمرة يحسب من شئون الاجتناب عن الشجرة بحيث لو لا الاجتناب عنها لا يكون الاجتناب عن الشجرة أيضا صادقا واما الاجتناب عن الملاقى للنجس فلا يكون الا من باب التعبد المحض ويكون الملاقى لأحد أطراف الشبهة المحصورة مشتبها بالشبهة البدوية ولأجل ذلك يفارق مع المقام في وجوب الاجتناب هنا دونه هناك.

والجواب عنه أنه لا يكون تاما لأنه يمكن أن يقال ان الملكية للشجرة تكون سارية في ثمرتها فانها أيضا مملوكة كأصلها ولا يكون الدليل على كون الاجتناب على وجه الشأنية ولكن يمكن أن يقال عدم الاختلاف هنا في وجوب الاجتناب يكون من باب أن الأصل في الأموال هو الاحتياط فيلزم الاجتناب عن الثمرة من باب الاحتياط لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه هذا تمام الكلام في حكم الشبهة المحصورة وما يتعلق بها.

فصل في حكم الشبهة الغير المحصورة

والبحث تارة يكون عن الصغرى وهو أن غير المحصور ما هو وتارة عن الكبرى وهو أن حكمه هل يكون الاجتناب عن أطرافه أم لا.

والشيخ الأنصاري قده (في الرسائل ص ٢٤٢) في هذا المقام يكون في صدد إثبات الموضوع بالكبرى ويكون هذا من دأب المجتهد فانه إذا لم يجد سبيلا إلى إثبات الموضوع يذهب إلى بيان الحكم ليتضح أن الموضوع في نظر الشرع ما هو.

والمحقق الخراسانيّ قده في الكفاية (ص ٢١٤) قال ثم ان الظاهر انه لو فرض أن المعلوم بالإجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب موافقته مطلقا ولو كانت

٤٨٦

أطرافه غير محصورة وانما التفاوت بين المحصورة وغيرها هو أن عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم انتهى مورد الحاجة منه.

وحاصل ما أفاده قده هو أن المحصور وغيره لا يكون ضابطة الاجتناب وعدمه بل ربما يلازم الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة الحرج أو الضرر أو الاستهجان لخروج الأطراف عن الاستيلاء ضرورة أن الجمع بين جميع المحتملات يكون حرجيا أو ضرريا في صورة كون التكليف بعثا وترك الجميع أيضا يكون كذلك إذا كان التكليف زجرا وما ذكر مانع عن فعلية التكليف لعدم جعل الحرج والضرر في الدين.

وقد أشكل عليه بأن أصل جعل الأحكام لا يكون ضرريا ولا حرجيا وانما يكون الضرر والحرج في الجمع بين المحتملات أو ترك الجميع والحاكم به هو العقل والمرفوع هو الحكم لا الجمع بين المحتملات فعلا أو تركا.

والجواب عن هذا الإشكال واضح فانه لو كان الحكم مجعولا يكون هو الداعي للجمع بين المحتملات أو تركها لا شيئا آخر فيلزم أن يكون المرفوع هو الحكم لئلا يلزم ما ذكر ولكن الإشكال عليه قده هو أن الضرر (١) والحرج يدور مدار مورده فربما يكون في مورد لشخص فيكون حكمه مرفوعا وربما لا يكون الضرر والحرج صادقا بالنسبة إلى آخر بل يكون عليه في غاية السهولة فلا يكون هذا موجبا للقول بأن الاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة غير لازم بل يختلف حسب اختلاف الموارد.

وقال الشيخ قده في الوجه الخامس من الوجوه التي أقامها على عدم وجوب الاجتناب عن أطراف غير المحصور بما حاصله ان كثرة الأطراف توجب أن يكون

__________________

(١) أقول لا يكون التصريح في كلامه بأن الضرر والحرج يرفع التكليف مطلقا حتى يشكل عليه بل يمكن أن يقال أنه يريد إثبات تنجيز العلم في غير صورة لزوم الضرر والحرج ولم يكن غير المحصورية سببا لسقوط الحكم.

٤٨٧

احتمال تطبيق الخطاب على بعضها ضعيفا بحيث يرى العرف الخطاب غير منطبق أصلا ومثل بأمثلة : منها أنه إذا كان احتمال السم بين إناء من الإناءين يكون الاحتمال في التطبيق قويا واما إذا كان في الألف فلا يكون كذلك وكذا إذا كان يشتم شخص واحدا من افراد البلد أو يشتم أحد الشخصين المعلومين فان الاحتمال في الأول ضعيف بخلاف الثاني.

ولكن يرد عليه ان هذا في المضار الدنيوية ولعل للمضار الأخروية خصوصية يلزم أن يكون المؤمن القطعي على الأمن منها وفي المضار الدنيوية أيضا يختلف الحال كما في صورة احتمال هلاك النّفس في ارتكاب المشتبه.

ويمكن أن يوجه (١) كلامه هذا بأن يقال ان العرف في صورة كثرة الأطراف يكون مطمئنا بعدم حصول الواقع في الطرف الّذي يرتكبه فمن كان يدرى نجاسة أحد من الجبن في البلد يشتريه من دكة ويطمئن بعدم كون هذا هو النجس والاطمئنان طريق عقلائي وحجة في نفسه يمكن الاعتماد عليه في الأمن من العقاب والاحتجاج

__________________

(١) أقول وهذا الاطمئنان لو سلم يكون منشؤه ضعف احتمال التطبيق ولا يكون ضعف الاحتمال وجها برأسه ولكن الكلام في أصل حصول هذا الاطمئنان فانه لا يوجب ضعف الاحتمال الاطمئنان بأن المعلوم يكون في الغير بل يمكن أن يقال العرف بنفسه حاكم في كيفية امتثال التكاليف فانه إذا كان التكليف بين الأطراف الغير المحصورة لا يرى له باعثية نحو المطلوب المفقود بين الأطراف الكثيرة.

مع أن غالب افراد غير المحصور يكون خارجا عن الابتلاء ويؤيد ما ذكرناه ما ورد من رواية الجبن ألأجل مكان واحد يترك جميع ما في الأرض.

واما كلام النائيني قده فهو يرجع إلى الخروج عن محل الابتلاء لأنه يقول ملاكه ان يبلغ الأطراف حدا لا يمكن الجمع وعدم إمكان الجمع بنفسه يمنع عن التكليف بالنسبة إلى غير المقدور والعجب أنه قده رد احتمال الخروج عن الابتلاء الّذي هو أحد الوجوه عن الشيخ قده وكلامه يرجع إليه فانظر كلامه في الفوائد ص ٣٩ تعرف ما نقول.

٤٨٨

عند المولى وهذا الوجه وان لم يكن مصرحا به في كلامه قده ولكن يمكن استفادته منه.

والحاصل كأن الاطمئنان يوجب أن يجعل الغير بدلا عن الواقع في البين مع انحفاظ مرتبة العلم الإجمالي.

وهنا وجه آخر عن شيخنا النائيني قده في الفوائد ص ٣٨ وهو ان الضابطة في غير المحصور هي ان يبلغ أطراف الشبهة حدا لا يمكن عادة جمعها في الاستعمال من أكل أو شرب أو لبس ونحو ذلك فربما يكون الأطراف كثيرة ولكن يكون الجمع بينها ممكنا مثل حب من الحنطة في ضمن حقة منها مغصوبا أو نجسا فان العدد ولو وصل إلى الألف ولكن لا يكون من غير المقدور وربما يكون الأقل من الألف من غير المحصورة كما إذا كان أحد من الجبن في البلد نجسا فان جميعه لا يكون مقدورا للمكلف وهذا يوجب عدم كون الخطاب بالنسبة إلى المكلف لعدم القدرة على الامتثال.

ثم ان ساير الوجوه التي أقامها الشيخ قده لا يكون تاما ويكون قده ملتفتا لعدم التمامية ولذا قال المسألة فرعية ويكفى فيها الظن الاجتهادي وسيجيء معناه.

ثم لازم الوجه الأول من تقريبنا للوجه الخامس عنه هو انه مع ضعف احتمال التطبيق يكون المكلف في أمن من العقاب ولا يحتاج إلى مؤمن آخر مثل قبح العقاب بلا بيان.

وفيه ان ضعف الاحتمال لا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز فان الكأسين إذا وقع قطرة دم لا نعلم وقوعها في هذا أو ذاك ويكون أحدهما أبعد ويكون الاحتمال بالنسبة إليه أضعف لا يوجب عدم تنجيز العلم بالنسبة إليه.

ولكن التقريب الثاني يكون أضبط وأحسن لأنه مع انحفاظ رتبة العلم يكون الاطمئنان موجبا لجعل البدل وهو حجة وهو مؤكد العلم.

واما كلام النائيني قده فكأنه يكون قصور البيان بالنسبة إليه عن المقرر فان عدم إمكان الجمع بين الأطراف لا يكون ملاكا مثل عدم وسع شخص واحد لا كل جميع الجبن في البلد هذا مع إمكان ترك جميع الأطراف في الشبهة التحريمية والمخالفة

٤٨٩

القطعية وان كانت غير ممكنة وتوجب هذه عدم تنجيز العلم بالنسبة إلى ساير الأطراف لأن الأصل بالنسبة إليها بلا معارض ولكن هذا يتم على مسلك القائل بأن العلم الإجمالي يكون مقتضيا واما على العلية فلا يتم نعم على مسلكه قده يكون تاما من جهة قوله بالاقتضاء.

وحاصل مفاد قوله هو أن المخالفة القطعية حيث لا تمكن لعدم القدرة عليها لا تكون الموافقة القطعية أيضا واجبة والتفصيل بين الموافقة القطعية بأنها غير واجبة وبين حرمة المخالفة بأنها محرمة وان نسبه المقرر إلى الشيخ قده وقال انه غير تام ولكن لا يكون تفصيله قده من باب عدم تعارض الأصول بل من باب جعل البدل ومع الالتزام بالقدرة على الجمع بين الأطراف فان لازم جعل البدل هو عدم جواز ارتكاب جميع أطراف المشتبه فقوله قده لا يكون من باب تعارض الأصول حتى يشكل عليه بعدم تمامية هذا التفصيل فانه على مبناه صحيح لا على هذا المبنى فانه يكون قوله بعدم الفرق من باب عدم القدرة على الجمع والشيخ قده لا يكون مبناه ما ذكره.

واما المخالفة القطعية على فرض الإمكان فهل تجوز أم لا : يكون فيها قولان فاختار الشيخ كما مرّ الإشارة إليه عدم جوازها وقال بوجوب التبعيض في الاحتياط فنقول اما على مسلك النائيني وهو قوله ان عدم وجوب الامتثال على طبق العلم الإجمالي يكون من باب عدم القدرة على الجمع فلا شبهة في ان التبعيض قهري لعدم إمكان المخالفة القطعية بالجمع بين الأطراف فلا محالة يبقى البعض ويكون الارتكاب بالنسبة إلى البعض الآخر ولا يكون هذا من جهة اقتضاء العلم الإجمالي ذلك لأنه غير دخيل فان المانع عدم القدرة بحيث لو تفوه محالا إمكان الجمع ما كان للعلم منع عن المخالفة القطعية.

واما على مسلك الشيخ بالتقريب الثاني عنا وهو أن الاطمئنان بعدم كون المعلوم بالإجمال هو ما يكون مورد ارتكاب المكلف فلازمه وجوب التبعيض في الاحتياط لأن العلم الإجمالي على هذا الفرض يكون بحاله ويكون ارتكاب بعض

٤٩٠

الأطراف من باب جعل البعض الآخر بدلا عن الواقع فلا بد من عدم الارتكاب وهو معناه حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب الموافقة القطعية.

واما على التقريب الأول وهو ضعف الاحتمال وشيده الخراسانيّ في الحاشية على الرسائل فيكون من باب انهدام العلم وعدم التطبيق ففي كل مورد يكون الشك في الحرمة فالأصل يقتضى البراءة وبعد ارتكاب الجميع يفهم وقوع مخالفة في البين وهو لا يضر لأن قبل العمل لم يكن إحراز المعصية في مورد من الموارد لانحفاظ رتبة الحكم الظاهري مع الشك.

ولكن يبقى شيء وهو أنه ان كان العلم الإجمالي باقيا فلا بد من التبعيض في الاحتياط وان كان ضعف الاحتمال مثل عدم حصول العلم أصلا فلا يجب الاحتياط أصلا لا من باب انحفاظ رتبة الشك والحكم الظاهري.

ولكن الحق هو ان عدم وجوب الموافقة القطعية يكون من باب جعل البدل من جهة الاطمئنان فاللازم هو التبعيض في الاحتياط ولكن لا يكون التبعيض فيه في كلماتهم محررا بهذا النحو ولا انه بأي مقدار يجب ان يبقى للاحتياط فيشكل الأمر من هذه الجهة.

هذا كله بالنسبة إلى الشبهة التحريمية اما الشبهة الوجوبية مثل أن يعلم ان أحد المعيّن من هذه الأغنام مما يكون واجب التصدق بنذر وشبهه ولكن لا يعلم ان المعين ما هو.

فعلى مسلك مثل النائيني قده الّذي يكون مداره على إمكان المخالفة والموافقة ففي المقام حيث يكون القدرة على الموافقة القطعية متحققة ولا يكون مثل الشبهة التحريمية بأن لا يكون القدرة على المخالفة متحققة فاللازم هو القول بوجوب الموافقة القطعية لإمكانها بتصدق جميع الأغنام إلّا أن يصل إلى حد العسر والحرج الّذي يكون مرفوعا بدليل آخر فيجب على هذا الفرض التبعيض في الاحتياط بقدر ينفى معه الحرج أو العسر للعلم الإجمالي.

واما على جعل البدل فهنا حيث لا يمكن جعله فأيضا يجب الاحتياط إلّا ان

٤٩١

يمنع عنه مانع واما على مسلك القائل بضعف الاحتمال فلا احتياط أصلا بل يتصرف في كل الأغنام وبعد الفراغ عن الجميع يعلم بارتكاب محرم أو ترك واجب وهو لا يضر وهذا أيضا غير محرر في كلماتهم ولقد أجاد بعض الاعلام حيث قال والمسألة بعد محتاجة إلى التأمل.

الكلام في تنبيهات الشبهة الغير المحصورة

الأول هو أنه هل يكون سقوط العلم الإجمالي عن التأثير في أطراف الشبهة الغير المحصورة مثل صورة عدم حصول العلم أصلا وإلقاء حكم الشك بحيث لا يكون عليه حكم الشبهات البدوية أو يكون مثل الشبهات البدوية وبعبارة أخرى هل يكون العلم هو المائت أو المعلوم بحيث يفرض عدم الواقع في البين لا عدم تنجيزه مع وجوده فيه خلاف.

وتظهر الثمرة في باب النكاح الّذي يجب الاحتياط فيه حتى بالنسبة إلى الشبهة البدوية فلو علم إجمالا بوجود امرأة في البلد هي أخته من الرضاعة فان كان المائت هو المعلوم فيمكن ارتكاب بعض الأطراف واما ان فرض موت العلم والتمسك بالبراءة من باب كون الشبهة بدوية فلا يمكن القول بجواز النكاح لوجوب الاحتياط.

وهكذا إذا كان أحد الآنية نجسا ويكون في غير المحصور فان كان النجس في البين كالعدم يمكن الوضوء بأحد الآنية لأنه كالطاهر المحرز واما على فرض كون الشبهة بدوية فأصل البراءة عن حكم النجاسة وعدم حرمة الشرب لا يوجب إحراز شرط ماء الوضوء وهو الطهارة لأنه لا يلزمه طهارة الماء التي هي الشرط ومال النائيني قده إلى انه كالعدم ولا يكون مثل الشبهة البدوية ولكن لا يتم فان الظاهر كونه مثل الشبهة البدوية.

التنبيه الثاني في حكم الشك في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة وهذا تارة يكون من الشك في المصداق مثل أن يكون ضابط غير المحصور عدم القدرة على الجمع كما كان عند النائيني قده ولكن لا نعلم ان عدد الأطراف وصل إلى حد

٤٩٢

لا يمكنه الجمع أم لا أو يكون الشبهة من جهة المفهوم بأن لا نعلم ان غير المحصور ما هو فمن هذه الجهة يحصل الشك في المفهوم والمنطبق في الخارج.

كما ان الشيخ (قده) لم يكن مفهوم غير المحصور عنده محرزا وعلى أي تقدير فالتحقيق هو أنه في صورة الشك يجب الاحتياط اما على مسلك النائيني فلأنه من الشك في القدرة بعد إحراز التكليف شرعا فانه إذا شك في كونه قادرا على الجمع بين الأطراف حتى يكون محصورا أولا حتى لا يكون محصورا فبالنتيجة يكون شاكا في قدرته على امتثال التكليف في البين وعدمه.

واما على مسلكنا ومسلك الشيخ بتقريبنا له وهو أن ضابط عدم المحصور هو اطمئنان العرف بأن التكليف يكون في غير هذا وهو حجة عقلائية فحيث يكون الشك في جعل البدل للواقع يكون التكليف بحاله ويجب امتثاله لعدم المعذر الشرعي لو لم يمتثل.

وبعبارة أخرى يكون المقتضى للامتثال تاما ويكون الشك في مانعية شيء له وحيث لم يحرز المانع فالمقتضى وهو التكليف في البين يؤثر أثره والنائيني حيث لم يكن قاعدة المقتضى والمانع عنده تاما لا يقول بما ذكرنا وأصل مطلبه صحيح فان القاعدة غير تامة ولكن في الشرعيات واما فيما هو حكم العقل فلا يكون الإشكال في تماميته فان باب الامتثالات باب حكم العقل وهو إذا رأى المقتضى تاما ولم يثبت عنده المانع يجري على طبق حكم المقتضى.

وهكذا على فرض القول بأن ضعف الاحتمال يوجب سقوط التكليف فأيضا نتمسك بتمامية المقتضى وعدم إحراز المانع.

ثم ان المحقق الخراسانيّ تمسك في مقام الشك بإطلاق الخطاب فان قول الشارع مثلا اجتنب عن النجس يشمل حتى صورة الشك في وجوده في المورد.

وقد أشكل عليه بإشكالين :

الأول بأنه ان كان المراد التمسك بالإطلاق أو العموم في الشبهة المصداقية فهذا يكون من التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية وهو ممنوع لأن العام لا يتكفل

٤٩٣

بيان موضوعه وان هذا فرد ومصداق له أم لا وان كان المراد هو التمسك بالعامّ في الشبهة المفهومية فهو حسن لأن الشك يرجع إلى زيادة التخصيص فيجب الاحتياط لإطلاق الخطاب ومثال المصداقية في المقام هو أن يكون عالما بأن غير المحصور ما هو من حيث المفهوم ولكن لا يدرى ان مقدار الأطراف مثلا الف حتى يكون من المحصور أو ألفان حتى يكون من غير المحصور وهذا يتصور على ضابط النائيني قده من ان الملاك فيه عدم القدرة على الجمع بين الأطراف.

ومثال الثاني هو عدم العلم بمفهوم غير المحصور مع العلم بأنه إذا كان كذلك لا يكون الخطاب منجزا والظاهر أن كلام الخراسانيّ يكون في الشبهة المفهومية وهكذا كلام الشيخ وحيث لا يكون القيد من القيود المتصلة بالخطاب بل العقل بعد التعمل يفهم خروج غير المحصور عن دائرة الحكم فلا يسرى إجماله إلى العام ومع عدم السراية فلا إشكال في التمسك بالعامّ واما كون الشبهة مفهومية عند الخراسانيّ فهو ظاهر لأنه قده جعل المناط في كون الاحتياط عسريا أو حرجيا أو ضرريا وقال لا فرق بين المحصور وغيره في ذلك الحكم الّذي يجب امتثاله إلّا بتطبيق عنوان ثانوي.

والإشكال الثاني عن النائيني قده عليه هو أن التمسك بالبراءة في المقام لا يمكن لأنه يكون من الشك في القدرة ولا يمكن التمسك بها في هذا الباب بل يجب الاحتياط ولكن كلامه على فرض كون الشبهة مصداقية تام لا على فرض كونها مفهومية.

التنبيه الثالث : هو البحث عن حكم الكثير في الكثير كما ذكره الشيخ في الرسائل أيضا (ص ٢٤٧) في ذيل حكم غير المحصور في التنبيه الثالث ومثاله كما ذكره هو أن نعلم بوجود خمسمائة شاة محرمة في ضمن الف وخمسمائة شاة فاختار قده انه من المحصور لأن النسبة تكون مثل نسبة واحد في الثلاث فان خمسمائة ثلث الف وخمسمائة فيجب الاجتناب عن الجميع ولا يمكن ان يقال مثلا تصير المجموع خمس عشر مائة أو يقسم بقسمة تكون الأطراف أكثر من ذلك لأن كل فرض سوى ما فرضه قده يكون الأطراف المفروضة فيه الحرام والحلال بخلاف فرض خمسمائة

٤٩٤

حراما والألف حلالا.

وهو على مبناه يكون كلامه متينا جدا لأنه يوافق البرهان والوجدان فان سنده ضعف الاحتمال أو الاطمئنان وهو غير حاصل في هذا المقام لقوة الاحتمال في كل فرد من الافراد واما على مبنى النائيني قده فانه وان التزم بكون هذا من المحصور ولكن يلزمه ان يقول يكون هذا مما يكون عليه حكم غير المحصور لأن الضابطة عنده هي عدم إمكان الجمع بين الأطراف وهو يمكن ان يكون متحققا بالنسبة إلى هذا المثال وأمثاله ولكن هذا خلاف الوجدان.

والحاصل يجب ملاحظة المباني في المقام أيضا والشيخ قده على حسب مبناه يكون كلامه تاما كما هو الحق عندنا أيضا.

هذا كله البحث في حكم الشك من جهة الشبهة الموضوعية فان بيان أحكام العلم الإجمالي واقسامه يكون لهذا.

بقي في المقام حكم الشك من ناحية الشبهة الحكمية من جهة فقدان النص أو إجمال النص أو تعارض النصين والخراسانيّ ذكر حكم الجميع في بحث واحد ونحن نتبع الشيخ قده في ترتيب البحث هنا وقد ظهر حكم فقد النص وإجماله مما مرّ في الشبهات الموضوعية لأن العلم الإجمالي إذا كان حاصلا بحرمة شيء ولكن لا يمكن التعيين يجب امتثاله كما مر واما في تعارض النصين فلو لا اخبار العلاج يكون حكمه هكذا ولكن اخبار العلاج حكم فيه بالتخيير لأحد الطرفين بعد كون القاعدة الأولية تقتضي التساقط.

فصل في اشتباه الواجب بغير الحرام

قال الشيخ المطلب الثاني في اشتباه الواجب بغير الحرام وهو اما بين المتباينين أو بين الأقل والأكثر واما الشبهة التحريمية الدائر امرها بين الأقل والأكثر فالأصل يقتضى البراءة فيها عن الأكثر كما في الشبهة الوجوبية ولم يذكر هذا في البحث السابق عن الشبهة التحريمية فذكره هنا.

٤٩٥

ومثال ذلك الغناء فان امره دائر بين كون الحرام هو الصوت مع الترجيع أو يكون حراما ولو كان بدونه فانه هنا يكون بعكس الشبهة الوجوبية لأن أصل البراءة هنا يكون بالنسبة إلى الحرمة بالنسبة إلى الأقل والأكثر هو المتيقن فان ما يكون مع القيد هو الأكثر وهو المتيقن وما لا يكون له القيد هو الأقل ويكون مشكوكا فالأصل يقتضى البراءة هنا عن الأقل وفي بعض نسخ الرسائل عن الشيخ قده هو القول بأن المقام يكون مثل الشبهة الوجوبية ويكون البراءة عن الأكثر أيضا جارية وهذا وان كان لا يستقيم بالنسبة إلى مثال الغناء ولكن كان في ذهنه قده مطلب صحيح فانه في باب الحيض إذا شك في ان وطي المرأة حرام في حال الحيض فقط أو يكون حراما حتى بعده قبل الغسل عنه فالمتيقن هو الحرمة حال الحيض والمشكوك هو الأكثر من هذه المدة والأصل يقتضى البراءة عنه فيلاحظ القليل والكثير هنا بالنسبة إلى الزمان وهو صحيح أيضا.

ثم انه يكون إشكال في الشبهة الوجوبية بأنه إذا جرت البراءة عن الأكثر فبأي دليل يكون الباقي واجبا وأجابوا عنه بأن الأقل يكون واجبا بأصل الدليل والمرفوع يكون هو الجزء المشكوك بالبراءة وهذه الشبهة لا تأتى في المقام لأنه لا يراد إثبات شيء بعد جريان البراءة بالنسبة إلى ذي القيدين كما في مثال الغناء وبالنسبة إلى الأكثر كما في مثال وطي المرأة قبل الغسل بعد تمام الحيض.

وفي المقام عبارة (١) عن الخراسانيّ ولا نفهمها وهي أنه فرق بين كون الشك في التكليف من جهة الإتمام أو التمام فان تصوير صورة المجسمة يأتي فيه الكلام بأن يقال هل يكون الحرام هو تمام الصورة أو أن نصفها أيضا يكون تصويرها حراما فيكون المتيقن هو حرمة إتمام الصورة والمشكوك هو تصوير بعض اجزائها.

__________________

(١) أقول لم أجد هذه العبارة في الكفاية ولا في الحاشية على الرسائل في المقام فلعله تعرض لها في الفقه أو في درسه وقد ضبطه مد ظله.

٤٩٦

فصل في الشبهة الموضوعية الوجوبية

ثم ان البحث في الشبهة الوجوبية كما عنون الشيخ قده اما ان يكون بين المتباينين كما مر في نقل صدر عبارته أو بين الأقل والأكثر فالبحث في مقامين.

المقام الأول في المتباينين وفيه مسائل أربعة : المسألة الأولى في الشبهة الموضوعية مثل عدم العلم بأن الواجب في يوم الجمعة هو الظهر أو الجمعة أو ان الواجب في سير أربعة فراسخ هل القصر أو الإتمام بعد العلم الإجمالي بوجوب الصلاة والشك يكون من ناحية المصداق والمسألة الثانية في فقد النص والثالثة في إجمال النص والرابعة في تعارض النصين.

اما صورة كون الشك من جهة فقد النص مع العلم الإجمالي بوجود إجماع في البين مثل الشك في كون الواجب يوم الجمعة الظهر أو الجمعة فالحق ان مقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط وإتيان الظهر والجمعة كما كان مقتضى العلم في الشبهة التحريمية ذلك والعلم علة تامة على التحقيق وعلى فرض الاقتضاء أيضا يكون الأصلان في الطرفين متعارضين وهكذا إذا كان دوران الأمر بين القصر والإتمام يجب الجمع بينهما قضاء لحق العلم وهذا لا إشكال فيه إلّا ان الميرزا القمي والعلامة الخوانساري (قدهما) كما نسب إليهما يكونان مخالفين لهذا المعنى وقد ذهبا إلى أن المخالفة القطعية في المقام لا إشكال فيها إلّا ان يكون إجماع أو ضرورة على خلافها ففي مثل الدوران بين الظهر والجمعة أو القصر والإتمام يكون الإجماع على عدم سقوط الصلاة فلهذا يجب الإتيان بهما واما إذا لم يكن كذلك فلا وجه للقول بوجوب الموافقة وحاصل كلامهما أن احتمال الأمر في كل طرف من الأطراف لا يكون باعثا بل ما هو الباعث يكون الأمر الجزمي لا الاحتمالي : مضافا بأن الواجب هو المعين في البين فإذا لم يكن البيان على التعيين وقلنا بالوجوب في كل طرف يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح فموضوع الأصل في كل طرف منحفظ وهو الشك فهو يقتضى البراءة وإلّا يلزم اما باعثية الاحتمال أو تأخير البيان عن وقت الحاجة

٤٩٧

وكلاهما ممنوعان.

وقد أجابوا عن إشكالهما بأن الإجمال يكون طارئا ويكون من جهة دس الدساسين فلا يكون القصور من ناحية الأمر والأمر بل من جهة الدس فلا إشكال في كون المجمل باعثا على هذا الفرض واما تأخير البيان عن وقت العمل فلا يقبح لأنه يمكن أن يكون مصلحة في التأخير مضافا بأنه على فرض تسليم ذلك يكون في صورة كون التأخير من ناحية المولى لا من جهة الدس فانه كان بيانه تاما ولم يصل.

أقول ان بيان كلام العلمين مع الجواب عنه يكون فيه اضطراب فان العلمين لا يكون مسلكهما في الشبهات الموضوعية جواز المخالفة القطعية بل يقولان لا يجب الموافقة القطعية ففي مثل صلاة الظهر أو الجمعة في الجمعة والقصر والإتمام نسبة ذلك إليهما فيه الإجمال والاضطراب.

ولكن الجواب عن إشكالهما في غير الموضوعية فيكون تاما والإجمال في المعلوم لا يوجب قصورا في العلم فانه بنفسه يقتضى التنجيز.

لا يقال ما الفرق بين المقام والشبهات البدوية التي يقولون فيها بالبراءة مع ان الملاك لو كان بيان الكبرى وكفايته يكون في البدوية أيضا لأنه إذا شك في شيء ان هذا خمر أم لا بعد بيان الكبرى بأن الخمر حرام يجب الاجتناب كما في المقام فان غاية الدليل عليه هو تمامية بيان الكبرى والإجمال يكون في المصداق أو في المعلوم لأنا نقول الفرق تنجيز الكبرى في المقام دونه في الشبهات البدوية هذا في الشبهات المصداقية واما في صورة تعارض النصين فلا يليق بشأن العلمين ان يقال انهما قائلان بالاحتياط مع كونهما خريتا الفن في باب التعارض وملاحظة أدلة العلاج واما في صورة فقد النص فلا ينطبق استدلالهما ولا الجواب عنهما لعدم التكليف في هذه الصورة أصلا حتى يقال ان العلم الإجمالي يكون منجزا أولا لعدم العلم أصلا ويمكن استظهار ان الكلام يكون في هذه الصورة من كلام الشيخ قده في الرسائل.

واما في صورة إجمال النص مثل إجمال ان الصلاة الوسطى في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى هل هي الظهر أو العصر فلو كان المدار على

٤٩٨

الظهور الواصل فيكون الإجمال مضرا بالتكليف واما ان كان المدار على الظهور الصادر فحيث انه في حين الصدور كان مبينا ويكون الإجمال طارئا فلا يكون مضرا بالتكليف ويجب الاحتياط وكلام القوم ردا لهما هنا صحيح.

وكيف كان فعندنا يكون العلم الإجمالي في الشبهات الوجوبية مثل الشبهات التحريمية منجزا واجب الاحتياط.

ثم انه ربما يتمسك (البحث في الرسائل ص ٢٥٢) لوجوب الإتيان بجميع أطراف الشبهة الوجوبية قضاء للعلم الإجمالي بالاستصحاب. وهو اما ان يكون بالنسبة إلى الحكم بأن يقال مثلا ان حكم وجوب الإتيان بالمشتبه في البين باق بعد الإتيان ببعض الأطراف للشك في الامتثال أو يكون موضوعيا مثل استصحاب عدم إتيان الظهر مثلا في صورة اشتباه القبلة بعد الصلاة إلى ثلاث جهات فان أصالة عدم إتيان الظهر تقتضي القول بوجوبه بعد إتيان بقية الأطراف وهذا الاستصحاب على فرض جريانه يكون حاكما على قاعدة الاشتغال.

فنقول اما الاستصحاب الموضوعي فيجب ان يكون الأثر على شخص الموضوع وعليه قال شيخنا النائيني وجملة من الاعلام انه حيث يئول إلى الفرد المردد لا يكون جاريا.

بيان ذلك (١) انه إذا كان العلم الإجمالي حاصلا اما بوجوب الظهر أو الجمعة

__________________

(١) أقول عمدة كلام العلامة النائيني في الفوائد ص ٤١ في الجزء الرابع هي ان قوام الاستصحاب يكون بالشك في البقاء بعد العلم بالحدوث فلا يجري الاستصحاب عند الشك في كون الباقي هو الحادث.

فانه في المقام يكون الشك في أن الباقي من الأطراف هل يكون هو الحادث وجوبه ليكون واجبا فعلا أم لا اما عدم إمكان التعبد في صورة حكم الوجدان يكون في كلامه في ص ٤٣ ردا للقول بجريان الاستصحاب بلحاظ القدر المشترك وهو مجرد لزوم الإتيان بالطرف الآخر فلاحظ كلامه.

فانه لا يكون هذا أثرا للقدر المشترك شرعا بعد حكم العقل بالاشتغال ويلزم ان ـ

٤٩٩

ثم أتى بالظهر مثلا ثم شك في إتيان ما هو الواجب لا يمكن استصحاب عدم إتيان ما هو الواجب لأنه على فرض كونه ظهرا فقد أتى به حتما وقطعا وعلى فرض كونه جمعة لم يأت به قطعا والتعبد بالنسبة إلى ما يكون القطع بالنسبة إلى بعض أحواله محال لأن التعبد بما هو مقطوع محال فإطلاق دليل الاستصحاب لا يشمله لأنه على فرض كون الواجب هو الظهر لا يكون الشك في بقاء الواجب بل يكون القطع بعدم الوجوب حاصلا.

والعنوان الإجمالي لا يكون منشأ أثر كما ان الرضاع إذا شك في حصوله من باب الشبهة في المفهوم من جهة انه هل يحصل بثلاثة عشر رضعة مثلا أو خمسة عشر لا يمكن جريان الأصل بالنسبة إلى عنوان المحرم بل الملاك على حصول الحرمة بالنسبة إلى هذه المرأة الخارجية وحصول حرمتها على فرض مقطوع الوجود وعلى فرض آخر مقطوع العدم.

__________________

ـ يكون التعبد بلحاظ الأثر الشرعي فالعمدة هي عدم الحالة السابقة في الفرد المردد واما إنكار صحة التعبد بالنسبة إليه ففيه نظر وهو أنه مع قطع النّظر عن المقام الّذي يكون حكم العقل بالاشتغال وجدانا مانعا عن التعبد يمكن ان يجعل حكم في مورد المردد بجعل عدم الحكم أو جعله كما أنه في مورد الشبهات البدوية يكون دوران الأمر بين الوجوب وعدمه أو الحرمة وعدمها فانه لو كان الحكم مجعولا لكان واجبا قطعا ولو لم يكن مجعولا في الواقع لم يكن واجبا قطعا مثلا وهكذا في الحرمة ومعه يجعل البراءة.

والحاصل ان الشك منحفظ في كل فرد يكون مشكوكا كما قال العراقي قده ولكن لا يتم كلامه قده من وجه آخر وهو انه في المقام لا يكون الكلام في منافاة الأصل للعلم ليكون البحث في سريان العلم الإجمالي إلى الخارج وعدمه ويقال بعدم المنافاة ضرورة انه لو كان الاستصحاب جاريا في المقام يكون موافقا للعلم ومؤيدا له فكيف ينطبق عليه ما ذكره.

فكلامه قده من جهة انحفاظ موضوع الأصل وصحة التعبد في الفرد المردد تام ولكن في المقام لا يتم لعدم الحالة السابقة ليجري الأصل الّذي هو الاستصحاب وعدم صحة التعبد بالاشتغال لحكم العقل به فهذا خلط أو سهو في الكلام.

٥٠٠