مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

يكون الرفع مطلقا عن قيد الامتنان فحيث تكون القرينة لذلك حافة بالكلام كالقرينة العقلية فيوجب الإهمال من هذا الحيث فيؤخذ بالمتيقن.

وهذا البحث يترتب عليه ثمرات فقهية منها ما مر في مطاوي الكلمات وهي انه لو دخل شخص في دار خمّار يعلم انه يجعله في اضطرار شرب الخمر فاضطر وشرب يكون عاصيا معاقبا على القول بان الرفع يكون مختصا بصورة كون الوضع خلاف الامتنان وغير معاقب على القول بالأعم وعلى الأول يجب عليه التحفظ حتى لا يقع في المحذور فان وقع فيه معه يكون مشمولا للحديث.

لا يقال مرجع القول بعدم شموله لصورة عدم كون الوضع خلاف الامتنان هو القول بوجود التكليف في هذه الصورة بالاجتناب عن الخمر وعن كل ما وقع فيه بسوء الاختيار ولسان الحديث هو الرفع لا الوضع.

لأنا نقول الواقع من التكليف يكون منحفظا في ظرفه بدليله وانما نحتاج إلى رفع الحكم بدليل فشرب الخمر حرام يجب لنا تهية دليل لرفعه في صورة الإكراه مثلا ولا يكون وضع هذا التكليف على هذا الفرض منسوبا إلى الحديث حتى يقال ان مفاده الرفع لا الوضع.

ومنها في صورة العلم بالغبن والإقدام على المعاملة الغبنية فعلى مسلك القدماء من التمسك بحديث الرفع لخيار الغبن لا يأتي الخيار في صورة العلم بالغبن لأن وضع التكليف في صورة الإقدام لا يكون خلاف الامتنان على هذا المسلك واما على القول بالأعمية فيمكن التمسك به في هذه الصورة أيضا واما الشيخ الأنصاري قده فيتمسك لخيار الغبن بان الشرط الضمني عند العقلاء في المعاملة هو تساوى الطرفين من المبيع والثمن ولا فرق في صورة العلم والجهل كما حرر في محله.

الأمر الخامس : أن الحديث حيث يكون في مقام بيان الرفع لا الوضع يجب أن يراعى فيه أن لا يكون الرفع موجبا للوضع وإلّا فلا يجري.

مثال ذلك هو انه لو شك في أن الشرط لوجوب الحج هل يكون هو

٢٦١

الاستطاعة العرفية أو العقلية لا يمكن جريان الحديث في العرفية ويقال انها مرفوعة لأن من رفعها يلزم وجوب الحج في صورة عدم الاستطاعة العرفية وهو موجب للكلفة وهكذا كل مورد يكون الشك في شرطية شيء للوجوب فان رفع الشرطية حيث يوجب استقرار التكليف لا تجري الحديث فيه بخلاف شرط الواجب فانه حيث يكون نتيجته رفع الكلفة فيجري فيه فإذا شك في أن عدم النّظر إلى الأجنبية هل يكون شرطا لصحة الصلاة أم لا يجري أصالة دمه ونتيجته صحة الصلاة معه ولو كان معصية.

ويحتاج إلى جريان الرفع هنا من لم يلتفت إلى أن اجتماع الأمر والنهي هنا موردي وإلّا فيعلم عدم الشرطية بواسطة الالتفات إلى ذلك وهكذا نقول في كل موارد الشك في الأقل والأكثر الارتباطي فان الحديث يجري بالنسبة إلى رفع الأكثر حيث انه لا يوجب كلفة زائدة بل يكون رفع تكليف محض.

واما في كل موارد الشك في الوجوب من ناحية الشرط فلا يجري لأنه موجب للتكليف وهو خلاف مفاده.

الأمر السادس : هو انه حيث يكون امتنانيا فهل يجري في صورة لزوم الضرر على الغير أو لا خلاف بين الشيخ الخراسانيّ قدهما.

مثال ذلك هو انه إذا كان محتاجا إلى حفر بئر في داره يضر بجدار جاره فيقول الخراسانيّ (قده) ان قاعدة الناس مسلطون على أموالهم من أصلها لا تشمل صورة الإضرار بالغير وقال الشيخ قده بأن القاعدة مطلقة ففي كل مورد يوجب الضرر يمنعها فعلى مسلك الأول لا نحتاج إلى المانع وعلى الثاني نحتاج إلى حكومته.

ثم ان حفر البئر اما لا يكون تركه ضرريا عليه وهو خارج عن البحث واما يكون مضطرا إليه وهو مورد البحث كما إذا كان خراب داره في تركه بواسطة المياه الزائدة فعلى مسلك الشيخ قده يكون التعارض بين اللاضررين بالنسبة إليهما ويكون المرجع هو قاعدة الناس إلخ لأنها على فرض التعارض لا مانع من جريانه.

واما على مسلك الخراسانيّ قده فحيث يكون قاعدة الناس من الأول غير شامل للمورد كما انها ليس مقتضاها حركة العصا تمسكا بها ولو أوجب كسر رأس

٢٦٢

شخص آخر على هذا المسلك والضرر ان أيضا متعارضان لأن دليل اللاضرر أيضا امتناني لا يمكن ملاحظته بالنسبة إلى شخص واحد ولا مجرى لأصالة البراءة والقول بالجواز لأنها أيضا يكون امتنانا على الأمة لا على الشخص كما هو مفاد حديث الرفع فتصل النوبة إلى أصالة الإباحة لأنها ليست امتنانية (١).

الأمر السابع : لا يخفى أن الحكم في الحديث الشريف يكون على ثلاثة أنحاء الأول ان يكون على الموضوع بنحو اللابشرط المقسمي أي لا بشرط الإطلاق ولا التقييد عن الجهل والاضطرار وغيره مثل أن الحكم يكون بالحرمة على شرب الخمر غير مقيد بحال الاضطرار أو الاختيار بل الموضوع نفس شرب الخمر.

الثاني : أن يكون الحكم على الموضوع بشرط عدم الاضطرار وغيره.

والثالث : ان يكون الحكم على الموضوع بشرط شيء من العناوين المذكورة في الحديث مثل ان يكون الحكم مترتبا على السهو كما يقال في وجوب سجدة السهو فإن موضوعه يكون مقيدا بالسهو وكذلك الحكم بالدية على العاقلة في القتل الخطئي فإن الموضوع مقيد بالخطإ.

ولا يخفى أن حديث الرفع يكون محل انطباقه هو صورة الأولى ولا يكاد يكون انطباقه في الصورة الثانية لأنه مع الاضطرار لا يكون الحكم عليه ليرفع بواسطة حديث الرفع.

وكذلك الصورة الثالثة بالعكس فان الحديث لا ينطبق على صورة كون الحكم على الموضوع الخطئي وغيره فانه لا بد من ترتيب الآثار الموضوعة في الشرع عليه فان العنوان هنا يكون علة للحكم فلا يمكن أن يكون علة لرفعه أيضا للزوم التناقض

__________________

(١) على فرض كون الدليل من الشرع في الإباحة من أين يقال لا يكون امتنانيا فان قوله تعالى والأرض وضعها للأنام أي امتنان أعلى وأجل من هذا مع انه يكون مثل دليل البراءة لكن في خصوص الأموال فمع قصور قاعدة الناس كما هو الحق بحسب التصالح بتقسيم الضرر والخسارة فيتحمل بعضه هذا وبعضه ذاك.

٢٦٣

إذا عرفت هذه الأمور العامة فيجب البحث بعدها في كل فقرة من الفقرات على حدة لكثرة الفائدة في ذلك فنقول.

البحث الأول في فقرة ما لا يعلمون (١)

قد اختلف الكلام في المرفوع في هذه الفقرة وأن المراد من كلمة ما هل هو إيجاب الاحتياط أو المؤاخذة أو تنجيز الواقع في الظاهر ومنه يتضح أن الرفع هنا يكون بمعنى الدفع أو يكون مستعملا في معناه.

فنقول هنا مسالك ثلاثة الأول ما عن شيخنا العراقي قده وهو المستفاد من كلام الشيخ الأنصاري قده وهو أن المرفوع يكون إيجاب الاحتياط في ظرف الجهل.

الثاني : مسلك شيخنا النائيني قده وهو أن الرفع يكون بمعنى دفع مقتضيات الأحكام عن الاقتضاء في ظرف الجهل وينتج رفع الاحتياط أي من آثار دفع الواقع رفع الاحتياط.

الثالث : مسلك الخراسانيّ قده وهو أن المرفوع هو الحكم الفعلي في مرتبة الظاهر مع إمكان وجوده في الواقع ولعلنا بعون الله تعالى يمكننا إرجاع مسالكهم إلى مسلك واحد.

فاستدل الأول لقوله بأمور : الأول أن المؤاخذة واستحقاق العقاب يكون من الآثار العقلية المترتبة على العصيان ولا تناله يد الجعل إثباتا ونفيا ضرورة انه لا يمكن رفع العقاب الثابت على فرض العصيان بالتعبد وما تناله يد الجعل يكون إيجاب الاحتياط شرعا ضرورة انه يمكن ان يقال بأنه لا يجب انحفاظ الواقع المحتمل ولا يكون الاحتمال منجزا عليك.

لا يقال أن ملاحظة سياق الفقرات في الحديث الشريف لازمة ولازم ما ذكرتم

__________________

(١) فقرات الحديث على الترتيب ليس هكذا بل الخطاء والنسيان مقدم فراجع فالأولى البحث في كل فقرة على حسب ترتيب الرواية.

٢٦٤

هو اختلاف السياق لأن المرفوع في غير فقرة ما لا يعلمون على هذا مثل الاضطرار والإكراه هو نفس الحكم وإيجاب الاحتياط لا يكون هو نفس الحكم بل هو مولود الحكم الواقعي.

لأنا نقول لا يضر هذا بوحدة السياق لأن إيجاب الاحتياط لا يكون مولود الواقع بل يكون حكما واقعيا طريقيا منشأ بالاستقلال مثل صدق العادل فيكون هذا الحكم مرفوعا واقعا فليس هو تابع الواقع كما يقوله شيخنا النائيني قده.

الثاني : أن الحديث يكون في صدد تسهيل الأمر على العباد برفع ما هو ثقل عليهم وما هو الثقيل ليس الواقع في ظرفه بدون تنجيزه علينا بل هو إيجاب الاحتياط مع احتمال الواقع ويكون وضع هذا خلاف الامتنان فيكون هو المرفوع.

وفيه أن ما له الثقل يكون هو احتمال الواقع ويجب رفعه بواسطة المؤمن فلو كان هو قبح العقاب بلا بيان فيقول الاخباري بأنه دليل عقلي يقوم عليه الدّليل الشرعي لوجوب الاحتياط فلو لم يرفع وجوب الاحتياط يكون الواقع هو الثقيل علينا فيكون الرفع بلحاظ الواقع بحيث انه لو لم يكن رفعه لكان الثقيل هو الواقع وهذا يكون خلاف مسلكه قده حيث يقول بأن ذلك لا يكون مولود الواقع كما سيجيء عن شيخنا النائيني قده.

الثالث : انه قده يقول بأن علة الرفع فيما لا يعلمون تكون هي الجهل كما أن الاضطرار وغيره في ساير الفقرات أيضا كذلك أي يكون علة للرفع فالمرفوع يكون معلوله والجهل متأخر عن الواقع برتبة لأن الواقع ما لم يكن لا يتصور الجهل به والرفع يكون متأخرا عن الجهل أيضا برتبة فيكون متأخرا عن الواقع برتبتين وما هو متأخر كذلك كيف يمكن أن يكون علة لما هو المتقدم فإن هذا هو اللازم من القول بأن المرفوع هو الواقع بواسطة الجهل به وهذا دليل على أن الجهل علة لرفع إيجاب الاحتياط الّذي يكون متأخرا عنه.

ويمكن الجواب عن هذا الدليل بأن يقال كل ما ذكرتم من التأخر الرتبي وعدم تأثير المتأخر في المتقدم صحيح إلّا أن هذا يكون على فرض القول بأن

٢٦٥

الواقع في ظرفه يكون مرفوعا بالجهل واما إذا قلنا بأن الواقع في مرتبة الظاهر مرفوع أي يكون الجهل علة لرفع الحكم ظاهرا فلا يأتي هذا الإشكال.

ويمكن نقض دليله أيضا في ساير الفقرات فانه يقول بأن المرفوع فيها يكون الواقع مع أن اشكاله مشترك الورود ففي الاضطرار مثلا يمكن تقريب الإشكال بأنه علة الرفع والاضطرار متأخر عن الواقع والرفع متأخر عنه فما هو المتأخر برتبتين كيف يمكن ان يكون مؤثرا في المتقدم مع فرض إطلاق دليل الحكم في صورة الاضطرار أيضا مثل إطلاق دليل حرمة شرب الخمر لصورة الاضطرار إليه.

واما سند الثاني وهو شيخنا النائيني قده فهو ان وحدة السياق في الحديث تقتضي ان يقال ان المرفوع هو الواقع ويكون رفع إيجاب الاحتياط من آثاره فان المرفوع في ساير الفقرات هو الواقع فكذلك فيما لا يعلمون فيكون معناه دفع مقتضى الواقع عن اقتضائه ويلزمه رفع الاحتياط.

وفيه ان الرفع على هذا أيضا يصير مختلفا بالنسبة إلى المرفوع لأنه على فرضه يكون المرفوع فيما لا يعلمون مولود الواقع وهو الاحتياط وفي غيره نفس الواقع فلا يمكننا ملاحظة وحدة السياق فان كان الاختلاف فيه معفوا فلا إشكال في أن يقال ان المرفوع هو إيجاب الاحتياط من الابتداء.

واما الثالث : وهو الخراسانيّ قده فحيث يكون الحكم عنده ذا مراتب أربعة الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجيز يقول بأن المرفوع في المقام يكون هو الحكم فعلا لعدم وصوله وان كان في الواقع في ساير المراتب موجودا فيكون المؤاخذة واستحقاق العقاب مرفوعا برفعه.

ولا يقال ان المؤاخذة والاستحقاق مما لا تنالهما يد الجعل حتى يقال برفعه لأنه يقول ذلك مرفوع بواسطة ما هو أثر الواقع من إيجاب الاحتياط شرعا فيكون رفع إيجابه مستتبعا لرفع المؤاخذة والاستحقاق فبتوسيط الأثر الشرعي يترتب هذا الأثر العقلي ويصح التعبد بالرفع في مرتبة الظاهر بلحاظ الأثر الشرعي المستتبع للأثر العقلي.

٢٦٦

ولا يقال عليه أيضا إذا كان الوصول شرط التنجيز ففي مورد الشك لا يكون الحكم أصلا بواسطة عدم الوصول ولا نحتاج لرفعه بواسطة حديث الرفع والحاصل كل حكم لم يصل لا يكون حكما في الواقع لقصوره في نفسه ولو لم يكن مقومه الوصول فالعالم والجاهل سواء في شمول التكليف لاشتراك الناس في التكليف من دون اشتراط العلم.

لأنه يقول المرفوع هو فعلية الحكم واما إنشائه فلا يكون مرفوعا ولا يلزم دور العلامة لأن التوقف ان كان في مقام الإنشاء كان الدور صحيحا لأنه لا يمكن ان يتوقف الحكم على العلم به والعلم به عليه واما إذا كان الوصول شرطا بالنسبة إلى المرتبة الفعلية فلا يكون هذا الإشكال.

واما قولهم بعدم فائدة للتمسك بالحديث لأنه مرفوع بنفسه فجوابه ان هذا يكون إنشاء للرفع شرعا وينتج في مقام المعارضة مع دليل شرعي آخر مثل اخبار إيجاب الاحتياط في المقام فلو اكتفينا في الرفع بعدم الوصول لصار أدلة الاحتياط مقدما عليه لأن الحكم بالرفع لعدم الوصول يكون من باب عدم وصول البيان على الواقع المشتبه واخبار الاحتياط يكون هو وصول البيان بالنسبة إلى الموارد المشتبهة فان موضوعه احتمال الحكم الواقعي واما إذا كان هذا أيضا بيانا شرعا للرفع فيتعارضان لو تم دلالة اخبار الاحتياط.

إلّا ان يقال أن فقرة ما لا يعلمون تكون مفادها الأصل وهو لا يتعارض مع الأمارة وهو اخبار وجوب الاحتياط (١).

ويمكن ان يقال عليه بأن نفى الحكم الفعلي اما يكون بدون النّظر إلى استحقاق العقاب أو معه فعلى الأول لا يكون الاستحقاق للعقاب مرفوعا فيجب الاحتياط لينفيه

__________________

(١) وقد أجاب الشيخ قده والأستاذ مد ظله فيما مر من كلماته أن دليل الأصل الّذي يلاحظ مع اخبار الاحتياط ويحاسب معارضته يكون أمارة فيكون التعارض بين الأمارتين لا أصل وأمارة.

٢٦٧

ومع النّظر إلى نفيه أيضا يعارض مع اخبار الاحتياط ولكن الأثر يكون عقليا وأثر التعبد يجب ان يكون شرعيا.

ويمكن ان يجيب بان الأثر العقلي غير مترتب على الأصل في صورة كونه أثر الواقع فقط مثل استصحاب حياة زيد فانه يترتب عليه وجوب نفقة زوجته ولا يترتب عليه طول لحيته لأنه أثر الوجود الخارجي واما إذا كان الأثر للأعم من الواقع الواقعي والتعبدي فيترتب عليه كما في استصحاب العدالة فان اثره جواز الاقتداء وهو لا يكون مترتبا على العدالة الواقعية بل على العدالة المحرزة ولو بالتعبد ففي المقام يتعبد بنفي الحكم في مرتبة الظاهر ويترتب عليه نفى الاستحقاق ونفى إيجاب الاحتياط فان استحقاق العقاب أو المؤاخذة يكون من الآثار المترتبة على الأعم من الواقع الواقعي والواقع الظاهري.

فان قلت من أين صار إيجاب الاحتياط من آثار الواقع مع انه يكون منشئا بإنشاء مستقل كما في الحكم الطريقي بصدق العادل فحيث لم يكن معلول الواقع لا يرفع بواسطة رفع الواقع كما عن شيخنا العراقي قده.

قلت أن الأثر لا يكون استحقاق العقاب فقط بل رفع الواقع في مرتبة الظاهر يترتب عليه آثاره (١) الأعم من العقلي والشرعي لأن نفى الواقع الواقعي غير شرط لترتيب الآثار بل نفى الواقع في مرتبة الظاهر يكون هذا اثره على انه قده كان ملتفتا لما ذكر ولذا لم يعبر بالعلية كما في الكفاية بل عبر بالاستتباع فيكشف الرفع عن عدم اهتمام الشارع بالتكليف بحيث يوجب الاحتياط.

__________________

(١) المقام لا يكون من قبيل الأثر الأعم من الظاهري والواقعي بل يكون الأثر الشرعي لرفع الحكم في الظاهر هو إيجاب الاحتياط ويترتب عليه نفى استحقاق العقاب وما يكون البحث فيه من عدم ترتب الآثار العقلية يكون في صورة عدم واسطة أثر شرعي على انه يمكن ان يقال ان دليل الأصل هنا أمارة ومثبتها حجة.

٢٦٨

لا يقال من أين ينفى الاستحقاق بنفي الاحتياط ويثبت به ولا يقال أن وجوبه نفسي لأنا نقول يكون هذا مخالفا لعنوانه فان إيجابه يكون لحفظ الواقع لا لمصلحة في نفسه والشيء لا يخالف عنوانه.

والحاصل بعد عدم كون إيجاب الاحتياط من آثار الواقع كيف يرفع برفعه وجوبه فان الأمر يدور بين ان يكون وجوبه نفسيا وتركه موجبا للعقاب فيكون رفعه موجبا لرفعه أو مقدميا لتحفظ الواقع أو إرشاديا إلى حفظ الواقع ولا يكون كل واحد من هذه الأمور صحيحا لأن وجوبه النفسيّ خلاف عنوانه فانه يكون لحفظ الواقع والمقدمي غير واقع لأن المقدمة مما لها دخل في ذي المقدمة ولا دخل (١) لإيجاب الاحتياط في حصول الواقع وعدمه لأن الشارع ان أوجبه أيضا يمكن ان يعصى العبد فلا يكون وجوبه مقدميا.

مع انه لا يكون العقاب على ذي المقدمة مسلما ليكون ترك المقدمة موجبا للوقوع في الحرام فيوجب العقاب ولا يكون إرشادا أيضا لأن حكم العقل بوجوب حفظ الواقع يكون على فرض وجوب حفظه بالاحتياط واستحقاق العقاب عليه من جهته ولا يكون لنا علم باستحقاق العقاب عليه حتى يكون إيجاب الاحتياط إرشادا إلى ما حكم به العقل فمن أين نثبت الاستحقاق بترك الاحتياط حتى يكون مرفوعا برفعه.

لأنا نقول لنا شق رابع وهو أن يكون وجوبه طريقيا مثل وجوب تصديق العادل فيصح أن يقال ان الواقع من جهة الوجوب الطريقي للاحتياط يكون موجبا لاستحقاق العقاب فحيث ان الشارع رفع وجوبه رفع الاستحقاق أيضا بتوسيطه

__________________

(١) أقول أصل الدخل غير منكر كما هو واضح ولكن لا تكون من المقدمات الموصلة كما انه ينصب السلم للرفع على السطح ولا يرفع إليه مع مسلمية مقدميته ببعض الأنحاء فلو جعل الشارع وجوب الاحتياط فربما يصير داعيا للمكلف لحفظ الواقع ولكن خصوص الاحتياط مما لا يكون وجوبه النفسيّ متصورا بل يكون طريقا إلى الواقع ومقدمة للوصول إليه بنحو من الأنحاء.

٢٦٩

فكلام الخراسانيّ (قده) بأن الواقع يكون مرفوعا في مرتبة الظاهر وبتوسط رفع إيجاب الاحتياط يرفع الاستحقاق والمؤاخذة صحيح.

وفذلكة (١) البحث في رأى الشيخ وشيخنا العراقي وشيخنا النائيني والمحقق الخراسانيّ هي ان الأولين يقولان بان ما هو الثقل يكون هو إيجاب الاحتياط ابتداء مع انحفاظ الواقع في واقعيته فالرفع لا يمس بكرامة الواقع لأن الحكم عندهما يكون له مرتبة واحدة ولا تفكيك بين الفعلية والإنشاء.

والثاني يقول وحدة السياق يقتضى ان يكون المرفوع هو الحكم كما في ساير الفقرات ولكن رفعه يوجب دفع اقتضاء الحكم من جهة إيجاب الاحتياط فلا يقتضيه مع بقائه وهو أيضا يقول بأن الرفع لا يمس بكرامة الواقع وللحكم مرتبة واحدة.

واما الثالث فيقول بان الحكم له مراتب وفي المقام يكون المرفوع مرتبة الفعلية ورفع الحكم في هذه المرتبة يوجب رفع وجوب الاحتياط ورفع استحقاق العقاب بتوسيطه فعلى قول الخراسانيّ والعراقي والشيخ يتحقق المعارضة بين اخبار إيجاب الاحتياط وحديث الرفع لإنشاء أحدهما الاحتياط إنشاء والآخر نفيه واما على مسلك شيخنا النائيني (قده) (٢) فلا يتحقق المعارضة لأنه يقول بأن الحكم يكون بنحو اللااقتضاء

__________________

(١) أقول اقرب المسالك إلى السياق والواقع مسلك الخراسانيّ (قده) على فرض صحة مبناه لأنه يرفع الحكم ورفعه يترتب عليه آثار عدمه من إيجاب الاحتياط والمؤاخذة.

ثم مسلك النائيني قده لأنه أيضا يرفع وجوب الاحتياط برفع مبدئه ولو من باب منعه عن الاقتضاء وعقمه.

ثم مسلك العراقي قده فانه يتصور رفع وجوب الاحتياط ابتداء ولكن يخالف السياق وحدة الكل في رفع إيجاب الاحتياط وكيف كان لا إشكال في الحديث من هذه الجهة.

(٢) أقول ما هو الظاهر من كلامه قده هو انه يريد إثبات عدم اقتضاء الحكم لإيجاب الاحتياط أي يقول ان مقتضى حديث الرفع إنشاء ما يمنع عن اقتضاء الحكم له ـ

٢٧٠

بالنسبة إلى إيجاب الاحتياط واخبار الاحتياط يكون له اقتضاء الوجوب فيقدم ولا تعارض.

ثم ان المهم في هذه الفقرة من الحديث الشريف هو القول بالبراءة في الشبهات الحكمية في مقابل الاخباري القائل بوجوب الاحتياط فيها واما الشبهات الموضوعية فبعضهم قالوا بالبراءة فيها وليس هو بأهمية القول بالبراءة في الشبهات الحكمية وهذا لا يستفاد من الحديث الشريف ببعض التقاريب فيجب الكلام في ذلك ليتضح المرام.

فنقول ربما قيل بأن الظاهر من كلمة ما في قوله رفع ما لا يعلمون هو الفعل الذي يكون في الخارج بقرينة السياق (١) فانه كما أن في رفع ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه وما لا يطيقون يكون المرفوع هو الفعل الّذي صار معنونا بالاضطرار وغيره لا أصل الاضطرار والإكراه وغيره ضرورة انه يكون متحققا في الخارج لا مرفوعا فيه كذلك يكون المرفوع فيما لا يعلمون هو الفعل الّذي لا يعلم حكمه من باب اشتباه عنوانه مثل أنه لا يعلم أن هذا الفعل الخارجي يكون معنونا بعنوان شرب الخمر حتى يكون حراما أو معنونا بعنوان شرب الماء حتى يكون مباحا فعليه يستفاد من الحديث كل فعل اشتبه عنوانه من بين العناوين يكون مرفوعا أي لا يكون له التكليف فيختص بالشبهات البدوية في الموضوعات المشتبهة من جهة الأمر الخارجي وهذا

__________________

ـ فكأنه يقول لا يكون الاحتياط واجبا لعدم اقتضاء الواقع له بحكم الشرع.

واخبار إيجاب الاحتياط يدل على إنشاء الشرع وجوبه فيتعارضان ولا يكون مراده صرف عدم اقتضاء الحكم فقط بل عدمه مع إثبات عدم الوجوب بحديث الرفع.

(٢) أقول الظاهر من كلامهم هو أن المحذور المهم عليهم في المقام المجاز في الإسناد بالنسبة إلى ما لا يعلمون في الشبهات الموضوعية وهذا المحذور بعينه لازم عليهم حيث لاحظوا وحدة السياق لأن الفعل المضطر إليه أيضا لا يكون مرفوعا واقعا بل ما هو المرفوع يكون الحكم.

٢٧١

غير مربوط بالشبهات الحكمية التي تكون بواسطة فقدان النص أو إجماله أو تعارض النصين فصار التمسك بالحديث الشريف قليل الجدوى.

ولا يقال أن المراد بكلمة ما هو الشيء المبهم الأعم من كون الإبهام من ناحية العوارض الخارجية أو من ناحية فقدان النص وغيره فيكون المرفوع في أحدهما الفعل وفي الآخر الحكم.

لأنا نقول اللازم من هذا هو أن يكون المرفوع في غير الشبهة المصداقية هو الحكم نفسه وفيها هو الفعل بلحاظ حكمه فيكون الرفع في أحدهما بلحاظ نفسه وفي الآخر بلحاظ غيره فيكون اسناد الرفع إلى الفعل مع انه في الحقيقة يكون بالنسبة إلى الحكم من المجاز في الإسناد وهو لا يستقيم.

وأجاب المحقق الخراسانيّ قده بقوله لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية فيما لا يعلمون فإن ما لا يعلم من التكليف مطلقا كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع والوضع شرعا وان كان في غيره لا بد من تقدير الآثار أو المجاز في الإسناد فانه ليس ما اضطروا وما استكرهوا إلى آخر

__________________

وادعاء نفى الفعل في وعاء التشريع أيضا يحتاج إلى عناية زائدة ولا بد ان يكون بلحاظ الحكم فالقول بأن المرفوع هو الحكم يكون أنسب واقرب بملاحظة وحدة السياق في الجميع فان ما لا يعلم وما اضطر إليه والحسد وغيره يكون ما هو المهم رفع حكمه ويكون الحكم هو الّذي يكون قابلا للرفع والوضع وادعاء وعاء التشريع يكون من إتعاب النّفس والورود على الكلام بنحو شبيه بالعرفان.

فالظاهر ان كلام الخراسانيّ قده فيما ادعاه من أن المراد بما لا يعلمون هو التكليف صحيح وما ادعاه في الكفاية من ان المجاز في الإسناد لازم في غير هذه الفقرة فنقول له إذا قدرنا الحكم في الجميع وقلنا المراد بما الموصولة هو التكليف فلا يلزم شيء من ذلك لكن فيما لا يعلمون يكون المرفوع في الشبهة الحكمية هو إيجاب الاحتياط وفيما اضطروا نفس الحكم ولا يلزم دور العلامة في غير ما لا يعلمون لأن التخصيص واقعي.

٢٧٢

تسعة بمرفوع حقيقة.

والحاصل انه قده يقول اختلاف مناشئ الشبهة في الحكم لا يؤثر شيئا فان الحكم مما لا يعلم أيضا في الشبهات الموضوعية ويكون منشؤه امر خارجي مثل الظلمة في تشخيص أنه خمر أو خلّ وفي غيرها يكون منشؤه اما فقدان النص أو إجماله أو تعارض النصين.

والجواب عنه انه قده لم يجب عن لزوم ما ذكره من الاختلاف في السياق فانه لو كان المراد مما لا يعلمون هو الحكم ومن غيره هو الفعل يخالف وحدة السياق فان كلمة ما في جميع الفقرات بمعنى واحد مع أنه ينحصر أن يكون المراد بما لا يعلمون خصوص الشبهة الحكمية فتكون الموضوعية خارجة لأن المراد على فرضه من كلمة ما هو الحكم مضافا بأن الرفع بالنسبة إلى الحكم حقيقي وبالنسبة إلى الموضوع يكون من المجاز في الإسناد كما مر لأن رفعه يكون بلحاظ حكمه.

لا يقال أن السياق في الحديث لا بد من انخرامه لأنه على فرض كون المراد من كلمة ما هو الفعل حفظا لوحدة السياق لا يكون هذا صحيحا في الحسد والوسوسة والطيرة فان هذا ليس فعلا من الأفعال الخارجية فلا بد من تقدير الحكم بأن يقال رفع حكم الحسد وأخويه فليكن الأمر فيما لا يعلمون بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية كذلك فلا يضر اختلاف السياق بما هو المراد من الحديث في الشبهات الموضوعية والحكمية.

لأنا نقول الأمر في هذا سهل فان ما ذكره ليس فعلا جوارحيا ولكن يكون من الأفعال الجوانحية فإن هذه افعال القلب.

نعم يمكن ان يقال بأن وحدة السياق منخرمة ولو على فرض كون المراد من كلمة ما في ما لا يعلمون هو الفعل ويكون مختصا بالشبهات الموضوعية لأن المرفوع في ما اضطروا وما استكرهوا وما لا يطيقون هو الفعل بعنوانه المعين يعنى شرب الخمر الاضطراري أو الإكراهي يكون مرفوعا بعنوانه الخاصّ وهو شرب الخمر واما في المائع المردد بين الخمر والخل فيكون المرفوع هو الفعل بعنوانه المردد بين

٢٧٣

الخمر والخل لا بعنوان الخمرية فانخرمت الوحدة.

فإذا دار الأمر بين مخالفة الوحدة بهذا النحو أو بأن يقال أن المراد بنفي ما لا يعلم هو الحكم بمناشئة الأربعة من فقدان النص وإجماله وتعارض النصين أو شبهة خارجية الّذي يخالف سياق ما اضطروا وغيره يكون ارتكاب خلاف الوحدة في الثاني أولى في نظر العرف من ارتكابه بالنسبة إلى الموضوع المردد كما في الشبهة المصداقية والموضوع المعين كما فيما اضطروا وغيره.

ويمكن تقريب الحديث بنحو آخر ليشمل الشبهات الحكمية وهو أن يقال أن الموضوعية غير ذات الموضوع ومصداقه فان الفعل الخارجي يكون مصداق الموضوع نفسه بعنوان انه موضوع فحينئذ نقول شرب الخمر المشتبه حكمه من ناحية الخارج وشرب التتن المشتبه حكمه من ناحية فقدان النص أو إجماله أو تعارضه يكون موضوعا ويصدق عليه عنوان الموضوعية والخارج يكون مصداقهما.

فإذا قيل رفع هذا الموضوع فيكون معناه أن الموضوع في وعاء التشريع غير موجود سواء كان شرب الخمر أو شرب التتن بلحاظ المناشئ الأربعة فعدم الوجود التشريعي يكون لازمه عدم الحكم من الشارع ففي الشبهات الحكمية والموضوعية يكون المرفوع هو الموضوع وان شئت قلت ان المرفوع هو الفعل ولكن مناشئ الشبهة مختلفة فيرتفع الإشكال من البين ويكون الرفع فيما لا يعلمون في الأعم من الشبهات الموضوعية والحكمية.

بقي في المقام شيء وهو أن الشك في التكليف يكون على ثلاثة أنحاء.

الأول الشك في التكليف الاستقلالي مثل الشك في أن شرب التتن حرام أو حلال أو الدعاء عند رؤية الهلال واجب أم لا.

الثاني الشك في التكليف التبعي مثل الشك في جزئية شيء لشيء أو شرطية شيء له فان هذا النحو من الشك لا يكون شكا في تكليف مستقل بل من الشك في التكليف في ضمن تكليف آخر.

الثالث ان يكون الشك في الأسباب مثل الشك في حصول الطهارة بواسطة

٢٧٤

الفعل الفلاني أو لا فيكون الشك في سببية هذا الفعل لحصول الطهارة وعدمه.

والمتيقن من الأقسام الّذي تجري فيه البراءة هو الأول واما الثاني فيكون محل بحث عند الأصوليين فبعضهم على جريان الأصل في الأقل والأكثر الارتباطي فضلا عن الاستقلالي وهو التحقيق وبعضهم على جريان الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطي وسيجيء البحث عنه كاملا والثالث من الأقسام أيضا يكون محل الاختلاف ومقام بحثه الاشتغال وفي المقام كان الإشارة إليه فانتظر البحث عنه فيما سيجيء.

فصل في البحث عن فقرة رفع الخطاء والنسيان

أقول لا يخفى عليكم أن معنى رفع الخطاء لا يكون هو انقلابه إلى العمد وكذلك النسيان بأن يقال يكون الخطاء والنسيان مرفوعين فيكون حكمهما حكم العمد لأن الحديث كما مر يكون في مقام بيان الامتنان وهذا خلافه ولا يمكن ان يقال أن نفس الخطاء والنسيان ويكونان كالعدم لأنهما علة الرفع فكيف يمكن ان يقال وجودهما كالعدم فلا بد ان يقال أن المرفوع هو حكم الفعل أو المخطي أو المنسي.

فإذا شرب الخمر خطاء فيكون المرفوع هو هذا الفعل بلحاظ حكمه وهو الحرمة التي يكون لازمها العقاب والمؤاخذة فيكون المرفوع هو أثر المخطي والمنسي فقال شيخنا النائيني قده أن المرفوع هنا هو الحكم واقعا لأن إطلاق دليل الحكم مثل حرمة شرب الخمر يشمل حتى صورة الخطاء والنسيان ولذا يكون رفع هذا الحكم في هذا امتنانا فيكون مفاد الحديث هو تخصيص دليل الحكم أي حكم كان بغير صورة الخطاء والنسيان.

والشاهد عليه (١) هو أن الفسق لا يتحقق بشرب الخمر الخطئي أو النسياني ولا يلزم دور العلامة في اختصاص الأحكام بالعالمين لأن رفع الحكم عن الموضوع لا يجيء

__________________

(١) في فوائد الأصول هذا الشاهد يكون عن شيخه قده عند الأمر الخامس عنده في ص ١٢٨ لا في هذا الأمر وهو الأمر الرابع عنده فان شئت فارجع إليه.

٢٧٥

فيه ذلك ولا يكون أصل الحكم مختصا بالعالمين دون الخاطئين والناسين بل الحكم مطلق ويكون رفعه عن الموضوع في الحالتين هذا حاصل كلامه رفع مقامه.

ويرد عليه بعد تسليم ان المراد من رفع الخطاء والنسيان رفع المخطي والمنسي يكون الحاكم برفعه هو العقل فان الحكم الغير المنجز لعدم الالتفات إليه يكون مرفوعا بحكم العقل فانه يحكم بعدم ذلك عليه ولا نحتاج إلى رفع الشارع ولا يكون رفعه امتنانا والواقع بدون التنجيز لا يكون له ثقل ليكون مرفوعا ولو كان محفوظا في عالم الواقعية.

فالصحيح أن يقال أن المرفوع في المقام أيضا يكون مثل المرفوع فيما لا يعلمون فكما أن المرفوع فيه هو إيجاب الاحتياط فكذلك في المقام نقول يكون المرفوع هو إيجاب التحفظ فانه يكون للمولى ان يأمر العبد بتهيئة وسائل يمنعه عن الخطاء والنسيان كما أن بعض المصلين لكثرة شكه بعد الركعات بالحصاة فكل ما أتى بركعة يضع واحدة منها فكان للشارع أيضا بالنسبة إلى الأحكام أن يوجب التحفظ كذلك ولكن رفعه امتنانا.

إلّا ان نعلم في مورد وجوب التحفظ مثل من كان نسيانه أو خطائه سببا لقتل نفس محترمة أو قتل أولاده فانه يجب عليه التحفظ لخصوصية المورد فرفع التنجيز وان كان بحكم العقل ولكن رفع التحفظ لا يكون بحكمه بل بيد الشرع فاما لا يكون الواقع مجعولا في هذا الظرف أو يكون ولا أثر له.

واما ما في تقريرات (١) شيخنا قده من عدم تصور نسيان الحكم والخطاء فيه فيكون اشتباه من المقرر أو سهو قلم ضرورة انه نتصور ذلك فيما إذا علم بالحكم ثم

__________________

(١) في فوائد الأصول ص ١٢٦ في ذيله في مقام بيان الأمر الرابع عنده وبيانه قده يكون في عدم تصوير الإكراه والاضطرار بالحكم وهكذا الخطاء والنسيان وإشكال الأستاذ مد ظله وارد في الأخيرين واما في الأولين فلا يكون له إشكال كما اعترف به بعد السؤال عنه فانه لا يتصور الإكراه والاضطرار بالنسبة إلى الحكم.

٢٧٦

نسيه أو أخطأ في انطباقه وكذلك إذا علم بالموضوع مثل ان المائع الفلاني خمر ثم نسيه أو أخطأ.

نعم دور العلامة يجيء في نسيان الحكم لأن مقابل النسيان هو الذّكر وهو والعلم متساويان كما أن نسيانه مساو للجهل به ولا يجيء بالنسبة إلى الموضوع فان القول بأن الخمر إذا نسي خمريته لا يكون عليه الحكم في حال النسيان لا يلزم منه الدور لأن الحكم بحرمة الخمر لا يتوقف على العلم بها بل يتوقف على العلم بالموضوع مثل ان يقال ان علمت بخمرية خمر فهو حرام ولذا لا بد من التمسك برفع إيجاب التحفظ في الشبهات الحكمية كما يقال برفع وجوب الاحتياط فيما لا يعلمون لئلا يلزم الدور ويلزم شيخنا الأستاذ قده ان يقول بالتخصيص في الواقع بالنسبة إلى ما لا يعلمون في الشبهات الموضوعية كما يقول به هنا مع انه لا يقول به.

فمن ذلك كله نفهم أن المرفوع في المقام أيضا هو إيجاب التحفظ في الشبهات الموضوعية والحكمية في النسيان والخطاء كما قلنا به فيما لا يعلمون ولا يتم القول بالتخصيص في الواقع كما قال شيخنا الأستاذ قده.

ثم انه قده قال في الأمر الخامس (١) عنده في مقام بيان أن شأن حديث الرفع هو الرفع لا الوضع انه لو نذر أحد أن يشرب من ماء الدجلة فأكره على العدم أو اضطر إليه أو نسي الفعل ففي شمول حديث الرفع لذلك إشكال فمقتضى القاعدة وجوب الكفارة عليه لو لم تكن أدلة وجوب الكفارة مختصة بصورة العمد في الحنث ومخالفة النذر عن إرادة والتفات فان شأن الرفع تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود لأن تنزيل الموجود منزلة المعدوم يكون رفعا.

واما تنزيل المعدوم منزلة الموجود فيكون وضعا وليس لسان الحديث هو الوضع بل الرفع والمفروض ان المكلف قد ترك الفعل عن إكراه أو نسيان فلم يصدر منه امر وجودي قابل للرفع ولا يمكن ان يكون عدم الشرب في المثال مرفوعا وجعله

__________________

(١) في الفوائد ص ١٢٨.

٢٧٧

كالشرب حتى يقال لم يتحقق مخالفة النذر فلا حنث ولا كفارة والجواب عنه قده هو أن مرادنا بالرفع لا يكون هو رفع شيء يكون حاصلا في الخارج لئلا يشمل الترك بل يكون المراد به هو رفع الحكم عن الموضوع في عالم الموضوعية برفع إيجاب الاحتياط أو إيجاب التحفظ.

فنقول في المقام ان الشرب النسياني لا يكون له حكم كما ان عدم الشرب كذلك أو عن اضطرار أو إكراه لا يكون له الحكم ففي المقام ترك شرب ماء الدجلة يكون خلاف ما نذره فان شربه بمقتضى نذره واجب عليه لئلا يلزم حنث النذر فالترك حرام بمقتضى الوفاء بالنذر وهذا موضوع من الموضوعات يكون حكمه وهو الحرمة وحنث النذر مرفوعا.

كما يقال في شرب الخمر فان تركه واجب فعند النسيان والاضطرار والإكراه يكون مرفوعا ولا نحتاج إلى انقلاب الموضوع من الوجود إلى العدم أو بالعكس لرد الإشكال فان شئت فقل الدليل الدال على حرمة حنث النذر خصّص واقعا بالنسبة إلى المورد بمسلك الأستاذ قده.

ثم (١) ان الرفع هل يشمل ترك جزء أو شرط أو مانع مع القول بالاجزاء وعدمه فيه خلاف والأقوال ثلاثة الأول ان الرفع يشمل الجميع مطلقا بدون الاجزاء كما هو الحق الثاني عدم شموله للجميع مطلقا وعدم الاجزاء والثالث التفصيل بين المانع وبين الجزء والشرط بشموله للمانع وعدمه بالنسبة إلى الجزء والشرط.

ومعنى شمول الحديث هو ان يكون ذلك مرفوعا ويكون التكليف بالبقية على فرض القول بالاجزاء أو رفع هذا الجزء والشرط من دون القول بالاجزاء.

والحق عندنا شمول الحديث للجميع مع القول بعدم الاجزاء ومقتضى

__________________

(١) أقول سيجيء البحث في أنه يمكن رفعه بواسطة رفع منشأ انتزاعه وهو التكليف ولا يكون الأثر عقليا حتى لا يتعبد به بل يكون رفع التكليف قابل التعبد كوضعه.

٢٧٨

الارتباطية بين الاجزاء هو أن يكون الباقي باطلا وغير مؤثر والقول بأن رفعه يكون معناه عدم تأثيره في الواقع فيكون العمل صحيحا مجزيا ممنوع لأن الصحة والفساد من الأحكام العقلية ولا يكون في وسع الحديث رفعه ولا تكون امرا جعليا.

لا يقال معنى الرفع بالنسبة إلى الجزء والشرط والمانع هو أن يكون هذا الّذي ذكر خارجا عن دائرة الاجزاء فيكون الباقي هو المأمور به وهو يقتضى الاجزاء بحكم العقل.

لأنا نقول فرق بين نسيان الجزء أو نسيان الجزئية وهكذا نسيان الشرط والشرطية والمانع والمانعية فان البحث هنا يكون في نسيان الجزء والشرط والمانع.

مثاله في الجزء هو العلم بكون السورة مثلا جزءا للصلاة ولكن نسي أن يأتي بها في الخارج ونسيان الجزئية هو أن لا يعلم الجزئية نسيانا لها ففي نسيان الجزء يكون للخطاب إطلاق مثل خطاب صل فانه مطلق من حيث ان السورة جزء لها سواء نسي المكلف أو لم ينس فلا بد ان يأتي بها بإعادة الصلاة لارتباطية الاجزاء واما الجزئية فلا يكون للخطاب إطلاق بالنسبة إليه كما سيجيء بل إذا شك فيها فالأصل يقتضى البراءة كما سيجيء في محله.

واما المفصل فهو شيخنا النائيني قده مبنيا على اشكاله السابق بأن حديث الرفع لسانه الرفع لا الوضع وهو يتصور بالنسبة إلى المانع لا الشرط والجزء لأن المانع مثل التكتف إذا حصل نسيانا ثم قلنا انه مرفوع فيكون معناه رفع المانعية الموجودة واما الجزء والشرط المعدومان يكون معنى الرفع فيهما هو انقلاب المعدوم موجودا لأن هذا معنى رفع العدم فان رفع العدم هو الوجود.

واما التمسك بلا تعاد الصلاة إلّا من خمس في المقام فلا يكون من جهة عدم تطبيق الحديث بل من جهة عدم إحراز الاجزاء لأن مفاد الحديث في نسيان الجزء والشرط والمانع لا يكون هو خروج الخبر وأخويه عن نظام المركب ولا يكون أثر رفعه صحة البقية كما مر ولذا لا ينتج التطبيق في المقام نتيجة فقهية.

فان قلت فأي امتنان في تطبيق الحديث هنا مع عدم حصول الاجزاء قلت

٢٧٩

اثره (١) رفع إيجاب التحفظ كما ان أثر الرفع فيما لا يعلمون رفع الاحتياط.

لا يقال أي فرق بين المقام وما لا يعلمون بالنسبة إلى الاجزاء والشرائط فإنكم تقولون في الأقل والأكثر الارتباطي بالبراءة عقليا ونقليا ولا تتوجهون إلى إشكال المثبتية مع ان رفع ما لا يعلم لازمه العقلي كون التكليف في البقية ولا تقولون في المقام بذلك فان المرفوع بالنسيان والخطأ مثل المرفوع بما لا يعلمون.

لأنا نقول ان المنسي والمخطي هنا هو الجزء لا الجزئية وهكذا ان المنسي هو الشرط لا الشرطية فان نسيان الجزئية يكون مثل ما لا يعلمون في القول بالبراءة واما نسيان الجزء فلا يكون كذلك كما مر في مطاوي البحث.

واما إشكال المثبتية فعدم التوجه إليه يكون من باب انه لا نريد إثبات التكليف على البقية بواسطة رفع بعض الاجزاء بل التكليف انبسط على جميع الاجزاء ويكون ما هو المشكوك مرفوعا والباقي بنفس الدليل الأولى يكون تحت التكليف بخطابه الأصلي فما أحرز انبساطه على المشكوك لا أن يكون المراد هو إثباته للبقية فلا يكون مثبتا ونسيان الحكم مثل عدم العلم به بخلاف نسيان الموضوع فما هو المرفوع في المقام يكون هو إيجاب التحفظ على التحقيق لا شيء آخر.

لا يقال كيف يقال بحكومة دليل اللاحرج في الموضوعات ويقال بأنه يكون مرفوعا فهكذا يقال بالنسبة إلى حديث الرفع في المقام فان الرفع يكون هو مفادهما

__________________

(١) أقول إيجاب التحفظ لا يكون له مصلحة نفسية بل المصلحة ناشئة عن الغير ففي المقام إذا كان إبطال العمل مثلا حراما كما يقال في الصلاة فيمكن أن يقال لم يجب التحفظ لذلك واما في صورة عدم كون الابطال حراما فأي فائدة للرفع وأي امتنان فيه فانه بعد فرض عدم الاجزاء وعدم الأثر ما رفع ثقل عن المكلف.

وبعبارة أخرى الحديث في صدد رفع الثقل عن المكلف والرفع بدون الاجزاء لا يكون له هذا الأثر فاما لا ينطبق الحديث أو ينطبق ويكون له الأثر وهو واقع الثقل وهو القضاء والإعادة كما هو التحقيق وليس ببعيد ولم يكن استناده مد ظله إلى عدم جواز الابطال ليكون التحفظ له فتأمل.

٢٨٠