مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

فان البحث فيه يكون عن أن العوارض الخارجية هل يكون مانعا عن وقوع ماهية ما في الخارج أم لا.

ولا يخفى انه كلما كان الوقوعي متصورا يكون لازمه الإمكان الذاتي بخلاف العكس والبحث هنا يكون من جهة ان المانع الخارجي هل يكون مانعا عن التعبد بالظن أم لا وهل يكون له إمكان ذاتي أم لا اما إمكانه الذاتي بمعنى تساوى طرفي الوجود والعدم فلا شبهة فيه من جهة بناء العقلاء على ان كل ما رأوه ولم يكن عندهم مانع من وجوده يقولون بإمكانه الذاتي وهو الّذي قال الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يزدك عنه قائم البرهان هكذا قال الشيخ ولا وجه لإنكار الخراسانيّ (قده) بنائهم مدعيا انه لا يكون لهم سيرة في موارد الشك لأن الوجدان شاهد عليه واما الوقوع الّذي تمسك به في إثبات الإمكان الذاتي فهو في غير محله لو لم يقم دليل آخر على إثبات إمكانه الذاتي لأن الوقوع يتوقف على الإمكان وهو على الوقوع والدليل القطعي وان قام على حجية الأمارات إلّا انه بعد عدم مساعدة العقل لا يفيد لأنه يكون من الظواهر ويلقى عند معارضة حكم العقل (١).

ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال بما حاصله ان المانع الّذي يجب البحث عنه هو المانع الشرعي وأتعجب كيف قال بهذا وصار مطبوعا في الكتاب مع انّ

__________________

(١) : أقول انا نرى بالوجدان انه لا يشك أحد بعد وقوع الشيء ووجوده في انه كان ممكنا ولكن يكون التوقف من نظير توقف العلة على المعلول من طرف واحد وتوهم انه يكون من الطرفين ويلزم الدور وان كان صحيحا في بدو النّظر ولكن عند التحقيق الوقوع يتوقف على الإمكان ولا عكس بل الإمكان متوقف على ان العقل إذا لاحظ الماهية لا يرى مانعا من وجوده والاستدلال من الوقوع عليه يكون نظير برهان الإنّ ويمكن ان يكون مراده مد ظله ان الوقوع الظني لا يدل على الإمكان لأنه ليس إلّا ظاهر دليل وهذا صحيح إذا لم يكن الدليل على التعبد بالأمارات قطعيا برهانيا.

١٠١

المانع يكون عقليا لو كان والّذي لا يعقل لا يمكن ان يشرع (١) وكيف كان فالمحاذير التي يتصور في المقام أربع.

الأول نقض الغرض بيانه ان المولى ان تعلق غرضه بعمل مثل صلاة الجمعة في الواقع ولكن جعل الأمارة على إتيان الظهر مكانها نقض محبوبه الذاتي وما تعلق غرضه به وهذا ليس إلّا من جهة جعل الأمارة.

الثاني إلقاء العبد في المفسدة وترك المصلحة : بيانه انه إذا كان في الصلاة مصلحة فجعل الأمارة في موردها وكانت على خلاف الواقع توجب للعبد فوت هذه المصلحة وان كانت مثلا في الواقع حراما ذا مفسدة فإذا ادى الأمارة إلى خلافه فتوجب إيقاع العبد في المفسدة بهذا الطريق الظني.

الثالث اجتماع الضدين أو اجتماع المثلين بيانه انه إذا كان الحكم الواقعي هو الوجوب وادى الظن إلى الحرمة فيكون هذا اجتماع الحكمين المضادين في متعلق واحد وان ادى إلى مثله أعني الوجوب يوجب اجتماع المثلين على متعلق واحد وكلاهما محال.

الرابع ويمكن إرجاعه إلى الثالث وهو تحليل الحرام وتحريم الحلال إذا كان الواقع أحد هذين وأدى الأمارة إلى خلافه هذا.

وفيه ان المحاذير الأربع لا يلزم على كل تقدير بل يلزم بعضها على تقدير وبعضها على تقدير آخر وكلها على تقدير وهذا يحتاج إلى البيان ليتضح المرام.

فنقول : ان الأمارات اما أن يكون حجيتها على الطريقية بكونها كاشفة للواقع إذا أصابت وعذر عند الخطاء وعلى الموضوعية يكون المصلحة في نفسها أصابت الواقع أو لم تصب وعلى كل تقدير اما أن يكون في حال انفتاح باب العلم أو

__________________

(١) أقول لعل مراده (قده) من هذا هو ان البحث حيث يكون بعد ملاحظة جعل الشارع أحكاما في الواقع ويكون له الواقع يأتي هذا البحث وإلّا فاصل الإمكان في التعبد بالظن مع قطع النّظر عنه فلا كلام فيه.

١٠٢

انسداده فالصور تكون أربعة :

الأولى : ان يكون الحجية بنحو الطريقية في حال الانفتاح فيلزم نقض الغرض وتفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة دون اجتماع الضدين أو المثلين أو تحريم الحلال وتحليل الحرام فالأوّلان واضحان واما الثانيان فلأنها لا توجب حكما خلاف ما في الواقع لكونها طريقا إليه.

الثانية : ان تكون طريقا في حال الانسداد فلا يلزم أحد منها لأن الغرض والمصلحة يفوت سواء جعل الأمارة أم لا وعدم اجتماع الحكمين أيضا واضح.

والثالثة : أن تكون بنحو الموضوعية في حال الانفتاح فيلزم جميع المحاذير فانه ان تعلق غرضه واقعا بما في الواقع والمصلحة تكون فيه لم جعل الأمارة ليكون سدا له وان كان حكمه الواقعي ما جعله عليه أولا فلا موجب لحكم آخر عليه ليلزم اجتماع الضدين أو المثلين.

ولا يقال ان المولى الحكيم يرى الواقعيات بعينه الدقيقة فلذا يعلم ان العلم تارة لا يكون مطابقا للواقع لاشتباه العالم من جهة بعض المقدمات ويعلم ان الأمارات أيضا كذلك فجعل هذه مكان العلم لتساوي احتمال الخلاف فيهما.

لأنا نقول : انه فرق واضح بين ما إذا كان الاشتباه من جهة العبد وعدم الوصول إلى الواقع أو من جهة المولى ففي الثاني صار بنفسه سببا لتفويت الواقع دون الأول.

والرابعة : أن تكون بنحو الموضوعية في حال الانسداد فلزوم اجتماع الضدين أو المثلين واضح اما نقض الغرض وتفويت المصلحة فلا لأنه كان في حال الانسداد وتفويت الغرض حاصل سواء كان الأمارة مجعولة في مورده أم لا هذا تنقيح الكلام.

فنشرع بعون الله تعالى في الجواب عن أصل المحذورات وهو يحتاج إلى مقدمات أربع :

الأولى : انه اختلف بين الاعلام في ان الأوامر بما ذا يتعلق؟ بالعنوان أو بالفرد الخارجي الموجود والأول لا يمكن القول به لأنه بدون الوجود لا أثر له والثاني

١٠٣

يكون من باب تحصيل الحاصل فان الصلاة التي يؤتى بها في الخارج لا يمكن ان يتعلق بها الأمر لأنها وجدت قبله.

فما هو التحقيق في رفع هذه العويصة أن نقول ان الأمر يتعلق بالعنوان باعتبار وجوده في الخارج وله المرآتية إلّا انه تارة يكون العنوان مرآتا لما هو واقع في الخارج وتارة لما يكون وجوده زعميا وهنا يكون مرآتا للوجود الزعمي فيرتفع الإشكال مثل البنّاء يتصور البناء ثم يوجده في الخارج.

المقدمة الثانية : لا يخفى ان العناوين المترتبة على الموضوعات تارة تكون عرضية مثل العلم والشجاعة والسخاوة بالنسبة إلى زيد وتارة تكون طولية ولكن الذات في جميع المراتب تكون واحدة مثل الخمر بالنسبة إلى الحرمة وهو إذا كان مشكوك الحكم واحد ولا يخفى طولية العنوان فان الخمر المعلوم لا يكون عليه عنوان الترخيص بل هو حرام ولكن بعد صيرورته مشكوكا يترتب عليه حكم الترخيص مثلا.

وتارة يكون العناوين طولية ولكن الذات أيضا في كل مرتبة تكون غير ما كان في مرتبة أخرى مثلا الصلاة بعنوان ذاتها يؤمر بها وبعنوان انها مأمور بها تكون في مقام الامتثال والإطاعة وبعد صيرورتها مشكوك الحكم تكون موضوع الترخيص فعلية العنوان بالنسبة إلى الذات مؤثرة والصلاة في رتبة الامتثال غيرها في رتبة الأمر وبعبارة واضحة ان العناوين الطولية تارة يؤخذ في لسان الدليل بنحو القيدية ويقال لها العناوين التقييدية.

وتارة تكون بنحو العلية فيقال عليها العناوين التعليلية ولا إشكال في ان القسم الأول لا يوجب تعدد الذات في جميع المراتب فان الرقبة والرقبة المؤمنة كلتاهما رقبة وهي الجامع بخلاف العناوين التعليلية فان صلاة الجمعة مثلا بعلة انها مشكوك الحكم يرخص في تركها مثلا وهذا غير الصلاة الغير المعللة بهذه العلة فتحصل ان العناوين التعليلية يوجب تعدد الذات.

وببيان آخر الأقوال في تعدد الذات بواسطة تعدد العنوان ثلاثة الأول : ان

١٠٤

يكون القيد في مثل كون الصلاة المشكوكة موضوعا لحكم كذا جهة تقييدية أو جهة تعليلية فقيل بأنه إذا كانت الجهة تقييدية فتتحد مع الذات ضرورة انها مع القيد وبدونه منحفظة فان الرقبة المؤمنة بقيد الإيمان لا يخرج عن كونها رقبة فكذلك الصلاة بقيد انها مشكوكة هي الصلاة التي كانت الذات فقط فهي أيضا حصة منها ولا يمكن أن يكون ذات واحدة لها حكمان متضادان.

واما إذا كانت الجهة تعليلية فان الذات تتفاوت فان العلة للحكم بالبراءة إذا كانت المشكوكية وعلة الحكم بالوجوب هي الذات بدون هذه العلة فيتفاوت الموضوع وبواسطة تعدده يرفع التضاد في الحكم واجتماع المصلحة والمفسدة لأن إحداهما متعلقة بالذات والأخرى بالذات مع كونها مشكوكة الحكم.

وبعبارة أخرى الموضوع مقدّم على الحكم برتبة والحكم مقدّم على الشك فيه أيضا برتبة وحكم المشكوك مؤخر عنهما برتبتين فيحصل الترتيب لا محالة في الموضوع لحكم الذات ولحكم المشكوك.

الثاني من الأقوال هو عدم الفرق بين كون الجهة تقييدية أو تعليلية فان الذات بقيد المشكوكية أيضا غير الذات بدون هذا القيد ويكون بينهما التباين فيتعدد الموضوع والحكم ولا يكون موضوع الواجب والحرام أو الواجب وغيره مثل المباح واحدا وكذلك موضوع المصلحة والمفسدة.

وفيه (١) ان موضوع الحكم لا يكون المطلق بقيد الإطلاق أو المجرد بقيد

__________________

(١) أقول الحق مع هذا القائل لأن النسبة بين المطلق والمقيد كما حرر في موضعه حاو لأحد أقسام التقابل فلو كانت النسبة السلب والإيجاب والتضاد فحقية قوله واضحة واما إذا كانت العدم والملكة فائضا كذلك.

لأن جميع موارد المطلق والمقيد يكون الحكم مختلفا مثل أكرم عالما ولا تكرم العالم الفاسق فان موضوع النهي أيضا هو إكرام العالم لكن بقيد انه فاسق وموضوع الأمر هو العالم الغير الفاسق فلو لم يفد شيئا ويكفى وجود حصة من الطبيعي في ضمن المقيد يلزم ان يكون موضوع الأمر والنهي واحدا وهو سخيف.

١٠٥

التجرد بل موضوعه يكون المصداق المجرد بنحو اللابشرط فيجتمع مع الشرط فإذا ضم إليها قيد لا يحصل التباين والتعدد في الموضوع فلا يتم قول هذا القائل.

والقول الثالث هو عدم تعدد الذات والموضوع بواسطة القيد سواء كان الجهة تقييدية أو تعليلية.

المقدمة الثالثة : لا شبهة ولا ريب في ان المقدمات تكون على ثلاثة أنحاء الأول ما يكون باختيار المكلف بعد الأمر بذيها مثل تحصيل الستر والوضوء وطهارة الثوب والبدن للصلاة الثاني : ما يكون باختيار المولى قبل الخطاب مثل المصلحة والعشق والإرادة والاختيار فانه بعد ترتيب هذه المقدمات يأمر بما يجب ان يقع في الخارج الثالث ما يكون خارجا عن اختيار المولى قبل الخطاب ولا يمكن ان يكون الخطاب داعيا بالنسبة إليه بالملازمة بين المقدمة وذيها مثل إرادة المكلف فانه لا يكون تحت اختيار المولى قبل توجيه الأمر إليه وبعده لا معنى لداعوية هذا الأمر إليها مثل قصد الأمر والوجه والتميز.

ولا يكون داعوية حكم ذيها إليها الا دورا لأن داعويته لهذا بالملازمة يتوقف على وجوده قبله ووجوده يتوقف على هذا الأمر ولذا قيل باستقلال العقل بان مثل هذه المقدمات يجب ان تجيء بها فان العقل مستقل بان من امر بالصلاة يجب عليه إرادتها وإتيانها بعدها ففي المقام إرادة المولى الفعل تكون من المقدمات التي تكون تحت اختياره ويجب حفظها لعشقه به فهو اما يحفظه بجعل الاحتياط أو بجعل الطريق إليه وهو الأمارة أو لا يكون له شأن عند ، الا بقدر انه لو وصل إلى المكلف لكان منجزا فيجعل البراءة في مورده.

__________________

وأنت ترى في جميع الموارد في الفقه والأصول ما ذكرناه فلا فرق بين العناوين العرضية والطولية وبعبارة أخرى يمكن ادعاء ان طبيعي الإكرام يتفاوت بتفاوت القيود نعم ربما يحصل الاجتماع في مورد كما في الصلاة والغصب ففي هذا المورد يجب ان يرجع إلى قواعده.

١٠٦

المقدمة الرابعة : لا يخفى ان الأغراض من الموالي ينشأ من المصلحة الواقعية للشيء المحبوب إتيانه أو تركه فالصلاة مثلا كانت فيها مصلحة فأحبها المولى وعشقها ثم أرادها فيأمر بها في رابعة المراتب فإذا كان كذلك فتارة تكون المصلحة في نفس جعل القانون وإبلاغه بنحو قانون كلي للعالم والجاهل وتارة تكون أزيد من ذلك ولكن لا يبلغ وجوب إحرازها إلى درجة يجعل الاحتياط في موردها بل تكون بحيث يجعل طريقا لإحرازها في زمان الجهل لئلا تفوت كلا وتارة تكون بحيث انه يجب إحرازها لا محالة فيجعل الاحتياط في موردها مثل الفروج والدماء لئلا يفوت بحال ولا يخفى ان الأحكام بالنسبة إلى العالم والجاهل سواء.

ففي الأول أي صورة كون المصلحة في جعل القانون فقط تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان عند الجهل بالحكم بعد عدم وصوله بدس الدساسين وفي الثاني أي مورد الأمارة لا تجري لأن الطريق بيان ولا يخفى أيضا ان الفحص في الصورة الأولى واجبة بخلاف الثانية لأنه بجعل الطريق سد باب الفحص ورضى بما يكون غالبا موصلا إلى الواقع.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان غرض المولى في جميع الصور يكون هو الواقع التام ولكن عند الخطاب وجعل القانون لا يرى مصلحة ملزمة لإبلاغه أزيد مما يجعل في كل الثلاثة من الطريق للوصول إليها فانه مع حبه لوقوع هذه المصلحة لا يرى مصلحة ملزمة أزيد مما يبين أي المصلحة ليست بحيث يجب انحفاظها بأي وجه كان إتيانها ممكنا.

هذا في مقام الثبوت اما في مقام الإثبات فنقول ان الشارع الحكيم يرى المصلحة في بعض الأشياء بحيث لا تكون مصلحة ملزمة لإحرازها أزيد من بيان نفس القانون وتارة تكون بقدر ما يجعل في مورد عدم العلم بها أمارة حتى تكون غالبية الوصول وان لا تفوت المصلحة كلا وتارة تكون بنحو يجعل الاحتياط طريقا للوصول إليها وهذا يستفاد من لسان الأدلة.

لا يقال : ان الرجوع إلى الطرق والأمارات يكون في صورة انسداد باب العلم

١٠٧

واما في صورة الانفتاح فلا وجه للرجوع إليها والمراد بالانسداد هنا هو انسداد باب العلم بخلاف الانسداد في باب الانسداد المعروف فانه يكون بالنسبة إلى العلم والعلمي الّذي يشمل الطرق أيضا فهنا مع إمكان العلم الوجداني يجب الفحص.

لأنا نقول ان الشارع بواسطة جعل الطريق سد باب الفحص الغير العادي ولكن الفحص العادي لازم ويكون القانون وأصلا بالوجدان في هذه الصورة واما إذا لم يكن ممكنا كذلك فلا تجب.

فتحصل انه في مقام الإثبات يلزم ملاحظة لسان الأدلة الشرعية ليتضح ان المدار على الاحتياط أو البراءة أو الرجوع إلى الأمارة.

وبعبارة أخرى أوضح لبيان المقصود ان المحاذير على قسمين محذور ملاكي ومحذور خطابي والمراد بالثاني هو الّذي يتصور بعد الخطاب بالحكم وشيخنا الأستاذ بتمهيد المقدمة الأولى والثانية أجاب عن المحذور الخطابي بما حاصله هو ان اجتماع الحكمين وتحليل الحرام وتحريم الحلال لا يلزم لأنه بمقتضى المقدمة الأولى يكون الأحكام على الطبائع ولا يكون على الخارج لأنه ظرف سقوطه حتى يقال بان الذات الخارجية الواحدة كيف يكون فيها الحكمان المتماثلان أو المتضادان.

واما محذور اجتماع الحلال والحرام فانه أيضا مندفع بواسطة تعدد الموضوع بمقتضى المقدمة الثانية فان الذات مركز المصلحة الوجوبية إذا كانت واجبة واقعا والذات مع الشك في حكمها تكون مركز المفسدة لو أتى بها المكلف بهذا العنوان لأنها لا تجب عليه ومع تعدد الموضوع لا يبقى إشكال الاجتماع كذلك.

واما المحذور الملاكي وهو نقض الغرض واجتماع المصلحة والمفسدة فائضا مندفع بمقتضى المقدمة الثالثة والرابعة اما مقتضى الثالثة فهو ان أغراض المولى متفاوتة فبعضها في غاية الشدة فيجعل بالنسبة إليه الاحتياط وبعضها ليس كذلك فيجعل بالنسبة إليه الطرق ليكون غالبي الوصول إلى الواقع وبعضها لا يكون بهذا القدر أيضا فيكتفي بجعل القانون فقط فلو وصل فهو ولو لم يصل يجعل البراءة.

وبمقتضى الرابعة ما يكشف عن مراتب المصالح والأغراض الخطاب الّذي

١٠٨

توجه إلينا فلا إشكال في جعل الطرق لا ملاكا ولا خطابا.

ولقد أجاد شيخنا الأستاذ قدس الله نفسه فيما أفاد وأطلنا بيان مقدماته تعظيما لشأنه ويتلوه مسلك شيخنا النائيني قده.

دفع النائيني قده الإشكالات عن حجية الأمارة (١)

ومحصله ان الشبهة من وجهين فتارة تكون باعتبار الملاك وهو نقض الغرض وتفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة وأخرى باعتبار الخطاب وهو اجتماع المثلين والضدين اما الأولى فتندفع بالمصلحة السلوكية بمعنى ان في التمسك بالأمارة مصلحة أخرى وراء ما في الواقع جابرة لما فيه فتدارك مصلحته بهذه المصلحة.

وعليه فلا تفويت للمصلحة ولا نقض للغرض ولا يرجع هذا إلى التصويب إذ لا تقول انه تتولد مصلحة في المتعلق بقيام الأمارة بل في التسلك بالأمارة مصلحة أخرى ينجبر بها مصلحة الواقع.

هذا بحسب الثبوت واما في مقام الإثبات فيستكشفها بأدلة حجية الأمارات وهذه غير مصلحة التسهيل كي يقال انها من سنخ مصلحة الواقع حتى ينجبر بها واما الثانية أعني المحذور الخطابي فيندفع أيضا اما في الأمارات فلان المجعول فيها هو الوسطية في الإثبات أعني جعل الظن منزلة العلم وعليه فلا حكم وراء ما في الواقع مماثلا له أو مضادا بل جعل الظن أو لا علما وحجة وهذا حكم وضعي ثم امر بالمعاملة معه معاملة العلم تكليفا.

خلافا لما أفاده شيخنا الأستاذ العراقي قده من أن وجه منجزية الأمارات هو الأمر الطريقي التكليفي ابتداء بعناية كونها كشفا وقد مر التفصيل والتحقيق فيه وسيجيء أيضا عن قريب فتحصل انه لا حكم في الأمارات وراء ما في الواقع حتى يلزم اجتماع المثلين أو الضدين.

__________________

(١) في تقرير بحثه فوائد الأصول ج ٣ ص ٣٤ و ٣٥

١٠٩

واما الأصول المحرزة وهي التنزيلية فالمجعول فيها وان لم تكن الوسطية في الإثبات لعدم الكاشفية فيها إلّا ان المجعول فيها هو البناء العملي على أحد طرفي الشك على انه هو الواقع وإلقاء الطرف الآخر وجعله كالعدم وبالجملة الهوهوية التي قد بنى عليها الشيخ الأنصاري قده في باب الأمارات وهي التي تكون مجعولة في باب الأصول التنزيلية.

قال وبالجملة ليس في الأصول التنزيلية حكم مخالف لما في الواقع بل المجعول فيها هو ان البناء العملي على أن المؤدى هو الواقع فلا يكون وراء الواقع حكم يناقضه أو يماثله.

واما الأصول الغير المحرزة كأصالة الحل والاحتياط والبراءة فيشكل الأمر فيها إذا المجعول فيها ليست الهوهويّة ولا البناء العملي على بقاء الواقع بل الأمر فيها مجرد البناء على أحد طرفي الشك من دون إلقاء الطرف الآخر بل يحكم على أحد طرفيه بالوضع أو الرفع على حفظ الشك فالحرمة المجعولة في أصالة الاحتياط والحلية في أصالة الحل تناقض الحلية والحرمة الواقعية على تقدير تخلف الأصل عن الواقع ضرورة أن المنع عن الاقتحام في الشيء كما هو مفاد أصالة الاحتياط أو الرخصة كما هو مفاد أصالة الحل ينافي الجواز في الأول والمنع في الثاني.

قال قده وقد تصدى بعض الاعلام (العلامة الفشاركي) لرفع غائلة التضاد باختلاف الرتبة وأن رتبة الحكم الظاهري تكون هي الشك في الحكم الواقعي وهو متأخر وجودا عن الحكم الواقعي فان الموضوع للواقع وحكمه والشك فيه ثلاث مراتب قبل حكم الشك ومن المقرر في محله عدم التضاد بين الحكمين في الرتبتين وان وحدة الرتبة من الوحدات الثمانية التي تكون شرط التناقض.

فأجاب عنه ان الحكم الظاهري وان لم يكن في رتبة الواقع إلّا ان الواقع منحفظ في طرف الشك فيه ولو بنتيجة الإطلاق فيجتمع الحكمان المتضادان في رتبة الشك فتأخر الحكم الظاهري عن الواقعي لا يرفع غائلة التضاد بينهما إلّا بضم مقدمة أخرى وهي ان مناطات الأحكام الشرعية ومراتب الملاكات النّفس الأمرية مختلفة فرب

١١٠

مصلحة تكون عالية مهمة لا يرضى الشارع بتفويتها فحينئذ يجعل الاحتياط المتمم لحفظ الخطاب الأول في ظرف الجهل به وقد لا تكون كذلك فله ان يرخصه في الفعل والترك عند عدم وصول الخطاب الأول.

وعليه فإيجاب الاحتياط في ظرف الشك حكم طريقي محض مجعول لحفظ الواقع فان طابق الواقع بان كان المشتبه مما يجب حفظه على أي حال حتى عند الجهل به لعدم وصوله فلا مضادة في البين بل وجوب الاحتياط يتحد مع الوجوب الواقعي وإلّا فالاحتياط ما كان واجبا لأنه لم يكن واجب الحفظ على كل حال فعلة وجوبه منتفية غاية الأمر يتوهم المكلف وجوبه لعدم علمه بحال المشتبه من حيث الملاك.

والحاصل وجوب الاحتياط يدور مدار الوجوب الواقعي فلا يعقل التضاد بينهما لاتحادهما في مورد الموافقة وعدم وجوب الاحتياط في مورد المخالفة فأين التضاد هذا تمام الكلام في مقام إثبات إيجاب الاحتياط.

وأما الأصول الغير المحرزة فالمجعول فيها هو المؤمن فليس المراد من رفع ما لا يعلمون رفع الواقع عن موطنه حتى يلزم التناقض بل مفاده هو رفع التكليف من حيث استتباعه للتبعات ومن جهة إيجاب الاحتياط فالمستفاد من هذه الأصول هو الرخصة فقط نظير الرخصة المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فكما ان الثانية لا تصادم الحكم الواقعي كذلك الأولى.

وبالجملة هذه الرخصة تكون في طول الواقع متأخرة عنه رتبة لكون موضوعها هو الشك في الحكم الواقعي فهي تؤكده ولا تضاده والحاصل هذه الرخصة تكون في مرتبة الامتثال لا الجعل وتكون في عرض المنع والحرمة المستفادة من وجوب الاحتياط وقد عرفت أن إيجابه يكون في طول الواقع أيضا وإلّا فيلزم ان يكون ما في طول الشيء في عرضه انتهى كلام الأستاذ رفع مقامه (١) وفيه مواقع للنظر اما المصلحة السلوكية فلا أساس لها على ما سيأتي فيبقى

__________________

(١) يرجع إلى فوائد الأصول أيضا ج ٣ ص ٣٧ إلى ٤٢

١١١

المحذور الملاكي في الأمارات بحاله على انه لو كانت تجري في الأمارات لتجري في الأصول أيضا وإلّا فلا تجري فيهما أيضا فما وجه الفرق بينهما من هذه الحيثية كما أن الطولية والاختلاف في الرتبة التي قال بها في الأصول الغير المحرزة لو كانت مجدية في دفع المحذور الخطابي كانت كذلك في الأمارات فما وجه الفرق بينهما ولأي وجه اعترض على بعض الاعلام (الفشاركي) الّذي تصدى لدفع التضاد بها.

هذا كله مع ان ما قال في الأمارات من جعل الوسطية في الإثبات لا يندفع به شبهة نقض الغرض بناء على الانفتاح لاعترافه قده بفعلية لإرادة الواقعية بحفظ الغرض حال الجهل بها وعليه فكيف يجعل ما يوجب تفويت ذلك الغرض ولو في بعض الأحوال.

واما ما قال به في الأصول المحرزة من أن المجعول فيها هو الجري العملي والبناء على أحد طرفي الاحتمال بأنه الواقع فخال عن السداد إذ هذا البناء يكون فعلا للمكلف الباني والعمل الّذي هو الجري يكون فعله صادرا منه غير قابل للجعل التشريعي بل المجعول هو الأمر التكليفي الطريقي بالبناء على أحد طرفي الشك.

وبعبارة أخرى المنقول من جعله هو إيجاب الجري العملي وهذا قد يؤدى إلى ترك الواقع فكيف يجامع مع فعلية الحكم الواقعي على انه هو الواقع فعند مخالفة الأصل له يعود شبهة نقض الغرض وتفويت الواقع واجتماع الضدين إلّا ان تدفع باختلاف الرتبة وهو قده لا يقول به في الأمارات والأصول المحرزة.

وقال المحقق الخراسانيّ قده بأن المحاذير التي تتوهم اما غير لازمة في المقام أو غير باطلة اما في الأمارات فلان التعبد بطريق غير علمي انما هو بجعل حجيته والحجية غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية بحسب ما ادى إليه الطريق بل انما تكون موجبة لتنجز التكليف إذا أصاب وصحة الاعتذار به إذا أخطأ فحيث لا يكون حكم وراء ما في الواقع في صورة موافقة المؤدى مع الواقع فلا يكون من اجتماع المثلين في شيء وهكذا لا يجتمع الضدان في صورة مخالفة المؤدى مع الواقع لأن ما ادى إليه الظن (ح) يكون لغوا في هذه الصورة ولا يكون له حكم ولا تجتمع المصلحة والمفسدة

١١٢

ولا نقض الغرض.

لعدم تعلق الغرض الا بالواقع واما تفويت المصلحة والوقوع في المفسدة وان كان يلزم ولكن حيث يكون في التعبد بالأمارة مصلحة راجحة على ما في الواقع فلا محذور فيه أصلا واما الأصول الغير المحرزة فيقول قده وان كان الإشكال فيه مثل الإباحة الشرعية حيث ان الإقدام على العمل مع كونه في الواقع حراما فان الاذن فعلا مع المنع الفعلي لا يجتمعان.

ولكن لا محيص إلّا عن الالتزام بعدم انقداح إرادة الكراهة في بعض المبادي العالية أيضا كما في المبدأ الأعلى لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي فعليا بمعنى كونه على صفة لو علم به المكلف لتنجز عليه كسائر التكاليف الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها وكونه فعليا انما يوجب البعث والزجر في النّفس النبوية أو الولويّة فيما إذا لم ينقدح فيها الاذن لأجل مصلحة فيه فظهر انه لا يلزم من الترخيص في موارد الأصول الغير المحرزة سقوط الحكم الواقعي عن الفعلية فهو فعلى في الدرجة الثانية.

ولا يكون شأنيا حتى يقال بأنه إذا لم يكن الحكم بمرتبة الفعلية لا يلزم امتثاله حيث لم يصل مرتبة البعث والزجر فالأصول والأمارات لهما فارق وهو أن الأول لا يكون لها مانع مصلحة وجعلا بخلاف الثانية فان مصلحة جعلها يمنع عن فعلية الحكم.

واما الأصول الغير المحرزة فانه قده لم يتعرض لها في المقام ويتعرض في التنبيه الثالث من الكفاية بأن في موردها يجعل حكم مماثل للواقع على وجه قوى.

ويقول تارة بأنه على فرض ظهور الخلاف تجب الإعادة كالصلاة مع استصحاب الطهارة.

وتارة يقول في الفقه بأنه إذا صلى بالاستصحاب وظهر الخلاف فلا إعادة وهذا مبنى على كون مفاده هو الحكم المماثل أو صرف الوسطية في الإثبات.

١١٣

وفيه ان جعل (١) الحجية لا معنى له في باب الأمارات بل يكون بابها باب تتميم الكشف على ما حرر في محله وبيانه فيما ذكره بيان لطيف جدا زيد في علو مقامه.

تتمة

فيما بقي من الإشكال في التعبد بالظن غير ما ذكر من المفسدة وتفويت المصلحة واجتماع الضدين والمثلين.

وهو ان الأحكام المستفادة من التعبد بالظن يكون لحفظ الواقع وطريقا إليه فلو لا الواقع لا يكون له وجه فإذا قال الشارع يجب تصديق العادل يكون معناه انه لا موضوعية لتصديقه من حيث هو عادل بل من حيث انه يخبر عن الواقع.

ففي كل مورد حيث يحتمل وجود الواقع له وعدم وجوده يكون من الشبهة المصداقية للعام ولا يمكن التمسك به فيها وكذلك الأصول المحرزة مثل الاستصحاب فان في كل مورد نحتمل أن لا يكون مطابقا للواقع فان قوله لا تنقض اليقين بالشك في صورة احتمال النقض لا يمكن التمسك به للشك في كون المورد منطبقا للدليل وحيث يكون الإشكال في كل الموارد لا يبقى وجه صحيح للتعبد بالظن.

وقد أجاب عن الإشكال عدة من الاعلام من أساتيذنا وأساتيذ أساتيذنا قدس الله

__________________

(١) : أقول يمكن للأستاذ مد ظله أن يشكل عليه أيضا بأنه لم لا يقول بتعدد الموضوع بواسطة اختلاف الرتبة فانه على حسب ما مرّ يكون الاختلاف بالرتبة صحيحا عنده وهو (قده) ينكره في كلماته وثانيا لم لا يقول في الأصول الغير المحرزة انها وظيفة قررت للشاك ولا يكون في الواقع متغيرا عن واقعه فيها أيضا.

وكذلك الأصول المحرزة فانها أيضا لكونها لإحراز الواقع لا يكون في موردها حكم فان الواقع على جميع التقادير منحفظ فأي فرق بين الأصول والأمارات.

وبعبارة أخرى الكل حجج في مقام العمل والواقع يكون فعليا على جميع الفروض بمعنى انه لو كشف الغطاء لكان هو المتبع إلّا أن يكون لنا دليل لصحة ما وقع مثل لا تعاد في مقام الفراغ.

١١٤

أسرارهم ونحن نذكره اصطيادا من كلماتهم.

فمنهم الشيخ النائيني (قده) فانه قده يقول بما حاصله ان الشارع جعل أحكاما للعباد فاما أن يحصل لهم القطع فهو المتبع واما ان لا يحصل القطع كذلك فيجعل طريقا تنزيليا مقامه فكما ان القطع متبع كذلك الطريق التنزيلي في اثره ولا يحتاج إلى امر عامل معاملة اليقين وتصديق العادل حتى يقال ان الشبهة في موارده مصداقية لاحتمال عدم الوصول إلى الواقع.

ولا يقال ان العلم الّذي يكون متبعا في اثره يكون مما يوصل إلى الواقع ولذا يجب بحكم العقل متابعته واما غيره كما في المقام فلا يكون شأنه كذلك لاحتمال عدم الوصول إلى الواقع.

لأنه يقول ان العلم أيضا يمكن ان يكون خلاف الواقع مثل كونه جهلا مركبا ومع هذا لا شبهة في وجوب متابعته فكذلك الظن الّذي يكون في مقامه تنزيلا هذا تمام الكلام في حجية الأمارات.

البحث في حجية الأصول المحرزة

واما الأصول المحرزة فهي أيضا مثل الأمارات لأن للقطع آثار ثلاثة كشفه للواقع وكونه حجة والجري العملي على طبقه فالأمارات منزلة منزلته في كاشفيته عن الواقع وكونه حجة ويلزمه الجري العملي ولكن الأصول يكون منزلا منزلته في الأثر الثالث وهو الجري العملي فقط ولا يحتاج إلى امر عامل معاملة اليقين ليصير الموارد شبهة مصداقية له ولا يكون للشارع حكم طريقي.

والجواب عنه (قده) هو ان التنزيل لا بد ان يكون اما لأثر شرعي من قبله كما يقال ان الطواف في البيت كالصلاة فان شرط الثانية الطهارة فكذلك ينزّل الطواف في هذه الأثر مقامها واما ان يكون لأثر عقلي لازمه أثر شرعي فان تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي لا بد أن يكون للتعبد بأمر عامل معاملة اليقين وإلّا فلا وجه للتنزيل.

١١٥

نعم إذا أخذ القطع في لسان دليل جزء الموضوع فقط فيكون التنزيل فقط كافيا وهذا الأمر طريقي فيعود المحذور من أنه يصير الموارد شبهة مصداقية له بالتقريب السابق.

ولا يكون المقام أيضا مثل الملكية التي يفيد اعتبارها فقط ولا وعاء لها الا الاعتبار بل يكون للطريقية إلى الواقع فحيث لا واقع لا وقع لهذا الطريق هذا في الأمارات.

واما في الأصول فأيضا كذلك فان متابعة الجهة الثالثة للقطع تكون من جهة كونه كاشفا للواقع لا من جهة كون المصلحة في ذات العمل ولو لم يكن له واقع وعلى فرض عدم ملاحظة الواقع لا دليل على وجوب الجري العملي.

واما إشكال شيخنا الأستاذ العراقي عليه بأن الأصول حيث لا يكون له الوسطية في الإثبات فلا بد ان يقول بأن اللازم هو الأمر بوجوب المتابعة لا غير فغير وارد عليه لأنه (قده) لا يقول بأمر عامل والوسطية بل يقول ان للجري على طبق الواقع بمقتضى الأصل موضوعية.

وعلى فرض تسليمه فلا يفيد لأن حكمة جعل الأصل لا تكون الا تحفظ الواقع فيعود المحذور.

وتوهم ان تحفظ الواقع حكمة للجعل لا علة له ليدور مدار الواقع مندفع أيضا لأن لازمه هو القول بأن الأمر بوجوب المتابعة نفسي لا طريقي وفي صورة كشف الخلاف أيضا مجز عن الواقع ولا يقول بذلك القائل بالطريقية لأنه تهافت.

ومنهم الخراسانيّ (قده) بأن الأمارة بعد جعلها حجة يجب متابعتها كما ان القطع متبع بنفسه ولا يكون في المقام جعل تكليفي ليبحث عنه ان الشبهة في الموارد تكون مصداقية فيكون نظير الملكية التي يكون اعتبارها كافيا في ترتيب آثارها.

هذا في الأمارات واما في الأصول فيكون كلامه مختلفا فلازم كلامه في الاستصحاب من انه بعد كشف الخلاف تجب إعادته ما ظهر خلافه ان الجعل يكون طريقيا كما ان شيخه الأنصاري (قده) يقول بذلك ويكون بناء العقلاء أيضا على

١١٦

الطريقية وعليه فاللازم هو الأمر بالمتابعة تكليفا.

وهذا هو الحق فان الجعل المحض غير مرضي عندنا ومن لوازمه هو العقاب على ترك الجري على طبق الأمارة أو الأصل وان ظهر كونها على خلاف الواقع وهو لا يقول به وفي مجرى قاعدة الطهارة يقول بعدم وجوب الإعادة فلعله كان نظره إلى صرف الجعل لا الطريقية للواقع.

والحاصل ان جعل الحجية لا معنى له أولا وثانيا انه يقول بالطريقية وعليه لا وقع للاعتبار ولا يكون مثل الملكية التي يكون نفس اعتبارها منشأ للأثر بل يكون الأثر على ذي الطريق وبعد التنزيل يكون الأمر بمعاملة اليقين مع ما هو الظن فلا يتم كلامه (قده) في دفع إشكال الشبهة المصداقية.

ومن الذين أجابوا عن الإشكال السيد محمد الأصفهاني الفشاركي (قده) أستاذ أستاذنا (قده) وقد تركنا ذكره هنا لئلا يطول البحث (١).

ومنهم شيخنا الأستاذ العراقي (قده) فانه قال بما حاصله ان العلم بالتكاليف من الشرع الانور إجمالا يقتضى أولا ان يحتاط المكلف باحتياط تام لدفع الضرر المحتمل في البين ولكن القاعدة محكومة لقبح العقاب بلا بيان لأنه لا يكون للشارع ان يعاقب العبد على ما لم يصل منه بيان إليه بمقتضى دليل البراءة بقوله رفع ما لا يعلمون ولكن هذا يكون في الشبهات التي تحتاج إلى الفحص.

واما التي يكون الفحص عنها قليل المئونة مثل رفع اللحاف لمن هو نائم عن رأسه ليرى انه هل يكون الوقت لصلاة الصبح باقيا أم لا.

فلازم قطعا كما انه يكون كذلك فيمن يشك في زيادة الدين ونقصه ويكون له الدفتر فانه يجب عليه الفحص ولا يكون له ان يجري البراءة بادعاء انه من الأقل والأكثر الغير الارتباطي فان البيان له تام لو تفحص تفحصا ما فان قاعدة دفع الضرر

__________________

(١) كلامه قده في تقريرات بحث العلامة العراقي قده المسماة بنهاية الأفكار في صفحة ٧٦ عند قوله ومنها ما عن بعض الأساطين إلخ فان شئت فارجع إليها.

١١٧

المحتمل تصير حاكمة بعد كونها محكومة.

وفي مقامنا هذا أيضا كذلك فان الشارع بعد ما جعل الطرق التي يوصل أكثرها إلى الواقع يصير مورد وجودها خارجا عن مورده قاعد قبح العقاب بلا بيان لأن الشارع اهتم بالواقع حتى في ظرف الشك فيه والاحتياط التام غير لازم ولكن الاحتياط بمعنى العمل على طبق ما قامت الأمارة عليه ولو لم يصل بعضها إلى الواقع صونا للواقع لازم وفي كل مورد من مواردها يكون الاحتجاج للمولى على العبد لو كان له واقع.

وبعبارة أخرى على فرض وجود الواقع يكون البيان تماما.

وبعبارة ثالثة يكون المقام من الشبهة المصداقية للا بيان فلا يمكن التمسك بقبح العقاب بلا بيان أو بأدلة البراءة التي غايتها البيان وهي العلم بقوله كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام فدفع الضرر هنا لازم.

وبعبارة رابعة هذا هو البيان لأن العقلاء لا يكون لهم بيان على مراداتهم بعد قطع أيديهم عن العلم الا هذا الطريق في امر معاشهم وللشارع ان يحتج بأنه يكون مثل ساير الطرق في ساير الأمور فلا مجرى لأصل البراءة ولا يجب الاحتياط التام بل يجب الجري العملي على طبق ما قامت الأمارة عليه.

لا يقال أي فرق بين المقام وبين الشبهات البدوية وأي فرق بينه وبين الاحتياط فان احتمال الواقع والضرر المحتمل يكون فيها أيضا لأنا نقول ان الجهة المشتركة بين الجميع هي الضرر المحتمل ولكن في موارد الشبهة البدوية الغير المقرونة بالعلم الإجمالي لا يكون البيان على الفرض أيضا فانه لا يكون البيان واصلا ولو كان في الواقع موجودا ولكن في المقام يكون البيان على الفرض حاصلا وفي موارد الاحتياط يكون الحاكم هو العقل بعد العلم الإجمالي وفي المقام يكون الحاكم هو الشرع بكفاية الامتثال على طبق الأمارة.

وفرق بين ان يكون الحاكم هو العقل بلزوم الاحتياط أو الشرع بلزومه ناقصا كما ذكر فلا شأن للاحتمال الّذي يكون في موارد الشبهة البدوية مع عدم وصول

١١٨

بيان ما من الشرع.

الأمر الثالث في تأسيس الأصل

وهي من الأمور التي قدمها في الكفاية على الاستدلال للتعبد بالظن بقوله ثالثها في تأسيس الأصل فان الأمر الأول كان في بيان ان الظن ليس حجيته ذاتية والأمر الثاني في إمكان التعبد بالظن.

وفي هذا الأمر يكون البحث عن ان كل مورد شك في حجية الظن بالخصوص فهو يكون الأصل هو الحجية أو عدمها ولا يخفى ان الشك في الحجية يلازم القطع بعدمها لأن الحجة ما يمكن ان يحتج به على المولى وما شك في حجيته لا يمكن ان يحتج به فلا يكون حجة قطعا وسيجيء وجه البحث هنا مع القطع بذلك.

والبحث في ذلك في جهات : الجهة الأولى في صحة استناد ما قامت الأمارة عليه إلى الله تعالى وفيه اختلاف بين الاعلام.

قال الخراسانيّ (قده) رد الشيخ الأنصاري (قده) ان صحة الاستناد والالتزام بمفاد الأمارة ليسا من آثار الحجية ضرورة ان الظن على الانسداد على فرض الحكومة حجة ولكن لا يمكن استناد ما دل عليه الظن كذلك إلى الله تعالى لأن الحاكم هو العقل على الفرض ولو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد لا يكاد يجدى ذلك في الحجية ولا يترتب عليها آثارها فلا يكون جواز الاستناد وعدمه مع الشك في التعبد مربوطا بالمقام ولا يكون الاستدلال عليه بمهم كما أتعب شيخنا العلامة نفسه الزكية في النقض والإبرام.

وقد ذكرناه في تعليقتنا على رسائله فراجعه فالمهم البحث في الأصل وما خرج عنه بالدليل من الخبر الواحد وغيره انتهى كلامه (قده).

وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ النائيني قده بأنه على فرض كون الظن وسطا لإثبات حكم الواقع فكما انه يمكن الاستناد في صورة العلم بالواقع يصح في صورة الظن به بعد تمامية وسطيته في الإثبات والظن لا يكون حجة في باب الانسداد

١١٩

على الحكومة بل يكون حجة على فرض تمامية الانسداد من باب انه كاشف عن حكم الشرع.

وفيه ان الخراسانيّ (قده) على حسب مبناه يصح ما يقول به لأنه قائل بجعل الحجية ولا يقول بتنزيل الظن منزلة العلم حتى يترتب عليه اثره واما شيخنا النائيني (قده) فهو يقول بما ذكر حسب مبناه في باب الأمارات من تتميم الكشف وما ذكره من فساد التعليل في الظن الانسدادي لأن العقل ليس مشرعا فهو صحيح ولكن الخراسانيّ لا يقول بان السند يكون هذا بل يقول على الفرض ومعه أيضا لا يكون إلّا حجة.

وعلى التحقيق أيضا من تتميم الكشف بواسطة التنزيل وامر عامل معاملة اليقين فائضا يمكن الاستناد أي استناد الواقع التعبدي بعد قيام الأمارة إلى الله تعالى ومع الشك في حجيتها لا يمكن الاستناد كذلك.

واما على مبنى الشيخ (قده) القائل بتنزيل المؤدى أيضا فلا يكون الاستناد صحيحا لأنه أيضا لا يقول بوجود الواقع تعبدا بل يقول بترتيب أثر الواقع على ما ادى إليه الأمارة.

واما ما وعدنا من معنى ان الشك في الحجية يلازم القطع بعدم الحجية فهو انه لا يكون المراد بهذه العبارة ان الواقع لا يكون موجودا قطعا في عالم الواقعية حتى يلزم دخل العلم في تنجيز الواقع وفعليته فيلزم منه دور العلامة بل المراد هو عدم ترتيب أثر الواقع.

وبعبارة أخرى يكون المراد هو ان المكلف في مقام العمل لا يكون للمولى حجة عليه حتما وان كان الواقع محفوظا في عالم الواقعية.

الجهة الثانية في المقام هي ان الشيخ الأنصاري (قده) قال بأن ما شك في حجيته يكون استناده والتعبد به حراما بالأدلة الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل لأنه كذب وافتراء على الله تعالى وحرمته مستدل بالكتاب والسنة والإجماع واما حكم

١٢٠