مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

العقل بالحرمة فهو يكون من باب التشريع لأنه من إدخال ما ليس من الدين في الدين.

والجواب عنه ان استدلاله في باب حكم العقل بالتشريع لا يكون على ما هو التحقيق صحيحا لأن التشريع عندنا يكون هو جعل ما ليس من الدين باعتقاد انه من الدين مثل من يرى نفسه نبيا فيجعل حكما أو من يرى قصورا في النبوة أو يرى تغيير مصلحة الحكم بواسطة تغيير الأزمان مثل ما قيل في أن الذبح في المنى يوم العيد لا يكون له مصلحة في زماننا هذا واما من يعتقد بأن ما ينسبه إلى الدين ليس من الدين ولكن لمصالح نفسه من طلب الدنيا وغيره يكذب ويفتري فليس مشرعا ولا يصدق التشريع بالنسبة إليه بل هو كاذب مفتري (١) ففرق بين الكذب والتشريع فعدم جواز الاستناد يكون من باب استقلال العقل بعدم جواز استناد ما لا يعلم انه حكم الله إليه تعالى لا من باب التشريع.

الجهة الثالثة في انه هل يجري الأصل في المقام أم لا بأن يقال الأصل عدم حجية ما شك في حجيته كما يستصحب حجية ما كانت حجة فشك فيها.

فقال الشيخ الأنصاري قده لا يجري لأنه مثبت لأن جريان الأصل يحتاج إلى جرى عملي وهنا يكون عدم التنجيز من الآثار العقلية لا الشرعية فلا بعث حتى يستصحب.

وقال الخراسانيّ (قده) في الحاشية ردا لكلام أستاذه ان الاستصحاب اما ان يكون في موضوع ذي أثر شرعي واما ان يكون المستصحب نفسه الحكم واستصحاب الحكم لا يحتاج إلى أثر لأن نفسه يكون الأثر وهنا عدم الحجية نفسه حكم شرعي فكما ان استصحاب الحكم يثبته كذلك استصحاب عدمه يكون اثره الحكم بالعدم فكما ان الحجة الواقعية لها أثر كذلك عدم الحجة الواقعية والمستصحب الّذي

__________________

(١) أقول التشريع هو جعل الحكم في الدين من غير دليل سواء رأى المشرع نفسه نبيا أم لا وسواء كان معتقدا بأن الحكم هكذا لجهله المركب أم لا ومن يعلم انه يكذب لا نتحاشى انه كاذب ولكن الكاذب بهذا الكذب الخاصّ يسمى مشرعا بحسب ما يصدر عنه من الحكم الّذي هو شأن المشرع كما مر في غير المقام أيضا.

١٢١

يثبت وجوده أو عدمه يكون حكمه حكم الواقع فالأصل لا إشكال في جريانه هنا ولترتب الأثر وهو عدم صحة الاستناد لو كانت الحجية موضوعا من الموضوعات. ويكون الاستصحاب والقاعدة المضروبة لرفع الشك موجبا للأثر الواحد ولكن أحدهما مقدم على الآخر كما في استصحاب الطهارة وقاعدتها فان الأول مقدم على الآخر لأنه يوجب رفع موضوعه وكذلك في المقام يكون الاستصحاب مقدما على غيره.

وقد أشكل شيخنا النائيني (قده) على ما ذكره بأن الاستصحاب يكون على فرض الشك في الحجية والشك الّذي يكون موضوعا له يكون متأخرا عن الواقع وحكمه والشك فيه بمراتب فإذا فرضنا ان الشك في الحجية يلازم القطع وجدانا بعدمها يكون الواقع محرزا بالوجدان ولا يأتي الشك بعده في رتبة متأخرة لذهابه بالقطع وهذا أسوأ حالا من اجتماع المثلين لعدم جمع الشك مع العلم الوجداني فما هو الحاكم هو الوجدان لا الاستصحاب.

واما قياس المقام باستصحاب الطهارة وقاعدتها فليس في محله لأن الأثر هنا لا يكون مختلفا فان عدم الحجية كما انه أثر للشك فيها كذلك يكون أثرا للاستصحاب فلا فرق بينهما ليقدم عليها واما في باب الطهارة فيكون الاستصحاب ناظرا إلى الواقع ومحرزا له واما القاعدة فتكون وظيفة للشاك ولا يكون لها النّظر إلى الواقع فالأثران متفاوتان.

والجواب عنه أولا ان استصحاب الحكم لا يجري هنا لعدم كون الحجية حكما واللازم ان تكون موضوعا ذا أثر.

فان قلت جريان الأصل متوقف على وجود الأثر الشرعي وهو عدم صحة الاستناد وهو متوقف على جريان الأصل.

قلت اما نقضا ففي صورة قيام الأمارة على عدم الاستناد ما ذا تقولون ففيها أيضا يكون أثر الأمارة متوقفة على جريانها ولا يشكل فيها كذلك واما حلّا فهو ان فعلية الأثر متوقفة على جريان الأصل واما ما يكون شرطا للجريان فيكون له شأنية الأثرية

١٢٢

ففي المقام يكون فعلية عدم جواز الاستناد متوقفة على جريان الأصل.

واما ما قال من أن الأثر حاصل بالوجدان ففيه ان الاستصحاب دليله يكون عاما شاملا للمقام فيدور الأمر بين ان يقال لا تجري الأصل أصلا ويكون خروج المورد من باب التخصيص أو يقال يكون الاستصحاب جاريا ولكن حيث لا يكون له الأثر فلا يجري وإذا دار الأمر بين التخصيص والتخصص فالتخصيص مقدم عليه.

واما الجواب الثاني عن الإشكال الثاني للمحقق الخراسانيّ (قده) وهو على فرض عدم كون الحجية حكما فيكون من الموضوعات ولها الأثر الشرعي فأجاب عنه (قده) هو أن الشك الّذي يكون موضوعا لجريان الأصل متأخر عن الواقع وعن الشك فيه وعدم جواز الاستناد متأخر عن جريان الأصل وحيث أن الأثر طولي ولا يكون رتبة القاعدة والأصل واحدة في الأثر لا يقدم الأصل على القاعدة لتقدم أثرها على الأصل على ان لسان الاستصحاب هو رفع الشك ولا لسان للوجدان في صورة الشك في الحجية بعدم الشك بل لازمه عدم الحجية والجواب عنه هو ما مر من دوران الأمر بين التخصيص والتخصص والتخصيص مقدم واما ما قال من أن أثر القاعدة والاستصحاب متفاوتان بقوله ان الأصل يكون ناظرا إلى الواقع في باب الطهارة والقاعدة ناظرة إلى الظاهر فكيف تصح الصلاة مع الطهارة بالماء الّذي جرت فيه القاعدة مع ان شرط الصلاة واقعي لا ظاهري وان كان الشرط أعم من الظاهري والواقعي فكيف يقولون بوجوب الإعادة عند كشف الخلاف فان مقتضى كون الشرط الظاهر هو كفايته وان انكشف الخلاف فالحق مع الخراسانيّ (قده) في تقريب جريان الأصل.

فتحصل ان كلّما شكّ في حجيته يكون مقتضى الأصل والقاعدة عدم الحجية ويجب ملاحظة الموارد التي خرجت عن هذا الأصل بالدليل.

في موارد الخروج عن أصالة عدم الحجية

وهي أمور ومنها الظهورات الأول : الظهورات التي وصلت من الشرع إلينا

١٢٣

من الكتاب والسنة فانها حجة في الجملة وظهورها متبع ولا يخفى أن هذا البحث من أهم المباحث الأصولية التي بنى عليه أساس الفقه لأن حجية الظهورات تكون في الكتاب والسنة ولولاها لما بقي شيء من الأحكام.

والبحث هنا في كشف الظهورات في أمور الأمر الأول في انه لا يخفى ان للّفظ ظهورات ثلاثة التصوري والتصديقي أي الاستعمالي ومطابقة الاستعمالي مع الإرادة الجدية وقبل هذا يجب ان يلاحظ جهة الصدور وجهة الجهة فان الكلام ما لم يثبت صدوره لا يبحث عن ظهوره في مقام الدلالة كما إذا كان الراوي كاذبا فانه لا اعتناء بخبره حتى يبحث عن دلالته.

ثم إذا ثبت ان الصدور لا إشكال فيه لكون الخبر متواترا أو كان الراوي عادلا يمكن الوثوق بخبره فيجب ملاحظة انه هل كان هذا الصدور لإرادة المعنى جدا أو يكون القائل في التقية وصدر كذلك فلو كان كذلك أيضا لا بحث عن دلالته أيضا ما لم يثبت انه لم يكن للتقية فإذا ثبت انه لم يكن كذلك فيأتي البحث عن الدلالة ولا يكون الجهات الثلاثة إحداهما متوقفة على الأخرى حتى يقال أنه دور بل يكون كل واحد من المرتبة السابقة كالموضوع للمرتبة اللاحقة ضرورة انه ما لم يثبت الصدور لا بحث عن الجهة وما لم تثبت صحتها لا بحث عن الدلالة.

ففي مقام الدلالة يكون البحث عن الجهات الثلاثة التي أشير إليها اما الظهور التصوري فيكون مقوّمة العلم بالوضع مثل العلم بأوضاع اللغة العربية فما لم يعلم الوضع لا تصل النوبة إلى البحث عن الظهور التصديقي في مقام التفهيم والتفهم ولإثبات الظهور كذلك يجب البحث عن أنه ما كان المتكلم لاغيا بل أراد المعنى من اللفظ.

ثم بعد إثبات الإرادة الاستعمالية يحتمل أن يكون ما يفهم من اللفظ غير مراد له مثل أن يكون مراده من الأسد الرّجل الشجاع لا المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس فبأصالة عدم القرنية أو أصالة الظهور يتمسك لإثبات ما ذكر فان الخراسانيّ (قده) يرجع الأصول العدمية مثل أصالة عدم القرينة إلى أصل وجودي

١٢٤

وهو أصالة الظهور والشيخ الأنصاري (قده) يقول بأن الأصول الثلاثة العدمية في المقامات الثلاثة يرجع إلى أصل عدمي واحد وهو أصالة عدم القرينة.

ولتوضيح مرامه (قده) يجب ان يقال ان كلامه يتوقف على ثلاثة أمور.

الأول معنى تأخير البيان عن وقت الحاجة فان كان معناه هو قبح التأخير عن وقت العمل بما هو المراد الجدي من اللفظ مثل من يلقى الخطاب بنحو العموم ويريد إكرام كل واحد ويكون المصلحة في نفس الإكرام فإذا كان خطاب عام ولا ندري انه هل كان المراد هذا أم لا فاللازم هو التمسك بأصالة عدم القرينة لإثبات أن مراده كان العموم لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يمكن التمسك بأصالة الظهور.

واما إذا كان المراد من قبح تأخير البيان هو البيان يكون المصلحة في نفس إلقاء العموم ولو كان الواقع غير مراد مثل من كان في تقية ولهذه يأمر بنحو العموم بإكرام العلماء ثم بعد زمان يأتي بالقرنية إذا رفع المانع فهنا إذا شك في وجود القرينة وعدمه يتمسك بأصالة الظهور التي هي أصل وجودي.

الثاني ان المناط هل كان في الظهورات على الظهور الصادر أو الواصل فان كان المدار على الأول لا بد من جريان الأصل أي أصالة عدم القرينة لإثبات ان هذا الكلام الّذي وصل إلينا يكون هو الّذي صدر عن المعصوم عليه‌السلام ولم يكن فيه قيد زائد واما إذا كان المدار على الظهور الواصل فما وصل إلينا حيث لا يكون معه قرينة تأخذ بظهوره الفعلي ولا نحتاج إلى أصالة عدم القرنية.

وتظهر الثمرة في الفقه أيضا في موردين الأول فيما إذا وصل إلينا خبر ونقطع بسقوط بعض كلماته ونحتمل ان يكون الساقط لائقا للقرينية فان كان المدار على الصادر لا يثبت أصالة عدم القرينية ان الساقط ما كان قرينة واما إذا كان المدار على الواصل فيمكن علاجه لأن الظهور في حال الوصول يكون مستقرا للكلام ولا احتياج إلى أصالة عدم القرينة حتى يكون مثبتا.

والثاني ان يكون في الكلام شيء ولكن لا نعلم انه زيد فيه بواسطة دس

١٢٥

الدساسين أو لا فان كان المدار على الواصل لا يمكن إجراء أصالة عدم قرينية الموجود لأنه هو الواصل ويجب العمل على طبقه واما إذا كان المدار على الظهور الصادر فيمكن جريان أصالة عدم كونه في وقت الصدور.

ولا يخفى ان الصادر الّذي نبحث هو الّذي ينتهى إلى الواصل والواصل الّذي نبحث عنه هو الّذي نريد انتهائه إلى الصادر لا أن يكون الصادر والواصل مقابلا.

والجواب اما عن الثمرة الأولى فهو ان العقلاء لا يكون لهم تعبدات حتى يقال بأن الأصل الّذي يكون مثبتا لا يكون جاريا بل لهم بناء في فهم الكلمات وتلقى الخطاب فانهم إذا كان جريان الأصل عندهم غير مشكل لثبوت البناء كذلك لا يتوجه إلى ان الأصل مثبت أم لا فان كان لهم بناء كذلك فهو وإلّا فلا يجري الأصل أصلا.

واما الجواب عن الثانية فهو ان المدار لو كان على الصادر أيضا فإذا كان في الكلام شيء ولا نعلم انه كان في زمن الصدور أم لا يجري أصالة عدم الدس وأصالة عدم الزيادة ويترتب عليه آثاره فلا ينتج البحث عن الظهور الصادر والواصل ثمرة.

واما أصل المطلب فلا شبهة في ان المدار عند العقلاء على الظهورات الواصلة فان كل أحد إذا وصل إليه شيء من متكلم وكان له حجة في أخذه يتبع هذا الظهور ولا يسأل المتكلم به عن مراده به فيكون الروايات الواصلة عن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين حجة عندنا بظهورها الواصل ولا يكون فهم من سبق منا سندا لنا بل نحن أيضا مأمورون بهذا الظهور.

الثالث مما يتوقف عليه كلام الخراسانيّ (قده) ان يكون للعقلاء أصول تعبدية واما إذا لم يكن أصول كذلك فلا أساس للقول بجريان الأصل وحيث لا يكون لهم أصول تعبدية فيكون المدار على الظهورات ولا نحتاج إلى أصالة عدم القرينة بخلاف ما لو كان لنا أصل تعبدي فيكون الحق مع الشيخ قده.

الأمر الثاني في أن المدار في فهم الظهورات هل يكون الظن الشخصي أو النوعيّ بحيث لو لم يفهم شخص من المكلفين من لفظة ما ظهورا في معنى ما وفهم العقلاء ذلك الظهور يجب عليه اتباعهم أم لا أو لا يكون مقيدا بالظن الشخصي على الوفاق

١٢٦

ولكن يجب عدم الظن بالخلاف أي بخلاف ما عند العقلاء أو يفصل بين الأوامر والنواهي بأن يقال ان الظن النوعيّ متبع فيهما ولا يحتاج إلى الظن الشخص بالوفاق وبين غيرهما بأن يقال انه يحتاج الظن بالوفاق وجوه وأقوال :

فقد ذهب قوم إلى أن المدار على الظن الشخصي والاطمئنان كذلك بمدلول اللفظ وذهب بعض آخر إلى كفاية الظن النوعيّ فعدم حصول الظن كذلك لشخص لاعوجاج في سليقته لا يوجب سقوط الظهور بالنسبة إليه فانه يجب عليه اتباع من لا اعوجاج في سليقته.

واستدل على كون المدار على النوعيّ أولا بأنه هو الدارج بين العقلاء ويصح عقوبة العبد الّذي لم يتبع ما فهم العقلاء ظهوره عند الاحتجاج إذا كان مكلفا بذلك التكليف سواء كان هذا الظن النوعيّ بالنسبة إلى الجهة أو الصدور أو الدلالة ولا شبهة في أن بناء الشارع أيضا يكون في إلقاء الخطابات على العرف مثلهم ولا يكون له طريق جديد لأخذ الأحكام الشرعية.

وثانيا انه لو كان كذلك أي لو كان المدار على الظن الشخص لا يبقى وجه للتعارض والرجوع إلى أدلة العلاج لعدم حصول الظن كذلك لأحد ضرورة انه لا يمكن أن يحصل لأحد الاطمئنان بكلا طرفي النقيضين.

والجواب عنه أولا بالنقض وهو انه لو كان المدار على الظن النوعيّ أيضا لا يمكن ان يحصل ظنان نوعيان بكلا طرفي النقيضين.

وثانيا بالحل وهو ان الظن في طرفي المتعارضين بالظهور في كل طرف يكون لولائيا أي هذا لو لا ذاك لكان ظاهرا في هذا المعنى.

فان قلت الظن بالشيء يدور امره بين الوجود والعدم فنقول هذا صحيح ولكن يتصور اللولائية أيضا بأن يكون الظن حاصلا لو لا المعارض.

واما ما قيل من ان اللازم عدم الظن الشخصي على الخلاف فلا يكون تاما لأن العدم لا يكون مؤثرا في شيء فما هو الحاكم هو العقل بأن الظن الشخصي غير لازم في الظهورات ولا يكون السند بناء العقلاء فقط مضافا إلى حكمة الوضع فان وضع

١٢٧

الألفاظ بالظهور التصوري والتصديقي والجدي يكون لإفهام الناس أغراضهم بالأوضاع التي يوجب الظن النوعيّ بالظهور ولو كان المدار على الظن الشخصي فيدعى كل أحد أنى ما فهمت من هذا اللفظ هذا المعنى وما حصل الظن لي ويختل نظام بنى آدم في معاشهم ومعادهم ويكون دأب الشارع أيضا دأب ساير العقلاء ولم يكن له طريق جديد وما ردع عن هذا الطريق.

ثم انه فرق الميرزا القمي (قده) تارة بين من قصد افهامه كالمخاطبين مجلس التخاطب ومن لا يكون كذلك مثل تنظيم الإسناد والسجلات والسر فيه هو ان المتكلم حين التخاطب يجري بالنسبة إليه أصالة عدم الغفلة عن خصوصيات الكلام وهذا المخاطب لا يكون غافلا عما هو المراد لقرينة مقامية أو حالية أو يكون بينهما رمز يمكن ان المستفاد منه خصوصيات المطلب ويمكنه ضم كل قيد شاء ولو بإشارة إصبع أو رأس.

واما من لم يكن حاضرا في مجلسه فلا يكون كذلك فانه يمكن الغفلة عن بعض القيود وأصالة الظهور لا تكون أصلا تعبديا بل يكون على حسب ما ذكر فمن قصد افهامه يكون الظهور بالنسبة إليه متبعا بخلاف من لم يكن كذلك ولم يكن بناء العقلاء الا في هذه الصورة.

وفيه انه ممنوع أولا بأن في ساير الموارد أيضا ربما يكون قرينة حالية أو مقالية بها يستفاد جميع خصوصيات مراد المتكلم وثانيا ان المتبع عند العقلاء هو أصالة عدم القرينة التي تأتى في كل مورد لا خصوص أصالة عدم الغفلة حتى يشكل بأنها تجيء في من قصد افهامه ومن لا يكون كذلك ومخاطبة طائفة خاصة لا يضر بالظهور كما انه يمكن الشهادة بالإقرار ولو لم يكن المقر قاصدا لإفهامه بل ربما يكون القصد إلى عدم فهم الغير وثالثا أي فرق بين السجلات والإسناد والأحكام الشرعية.

وفرق (قده) تارة أخرى بين الظهورات الواردة في الكتاب والسنة وبين الظهورات في كلام عموم الناس بما حاصله هو ان المراد من اتباع الظهورات يكون كل ظهور في كل مقام فإثبات الظهور بالنسبة إلى كلمات عموم الناس لا يثبت ظهور

١٢٨

كل لفظ فان الكتاب ، والسنة يكونان مدار الأحكام والاعتقادات فاما الكتاب فانه يكون في غاية حد البلاغة بحيث يكون معجزة باقية من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وله بطون ولبطونه بطون حسب الروايات فما كان بهذا القدر من علو الشأن كيف يفهمه كل أحد ويكون ظهوره متبعا وانما يعرف القرآن من خوطب به مع وقوع التحريف في الآيات وهو ينافى اتباع الظهور.

مضافا إلى الروايات التي دلت على حرمة تفسير الآيات بالرأي فإثبات أن اللفظ يمكن ان يكون ظاهره متبعا صغرويا لا يثبت اتباع الظهور في كل مقام.

والجواب عنه أولا ان القرآن كله ليس كذلك فانه أحكام وقصص وأخلاق واستدلالات عقليات ومن الظاهر أن قصة من القصص إذا بينها يفهمها كل أحد.

وثانيا ان لمعانيه مراتب فيفهم كل مرتبة منه بعض الأشخاص فالإمام الصادق عليه‌السلام يفهم من قراءة آية بطون المعاني وغيره بحسب مرتبته من العقل والذكاء مرتبة دونها وهذا هو معنى وجود البطون للقرآن فهو لا ينافى فهم الظهور منه.

واما التحريف فالمشهور عدمه وهو الحق لأوله إلى إبطال النبوة ولو كان علم إجمالي به ينحل بواسطة أن الأحكام لا يكون فيه التحريف بل بالنسبة إلى ما ورد في شأن بعض الأئمة عليهم‌السلام مثل علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

واما النهي عن التفسير بالرأي فهو يكون في صورة التفسير من عند النّفس واما ما يكون من باب فهم الظهور فلا يكون تفسيرا بالرأي واما الروايات فيعارضها روايات الإرجاع إليه ألا ترى ما في صحيحة عبد الأعلى مولى آل سام بعد قوله عليه‌السلام امسح على المرارة وقوله عليه‌السلام ان هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله.

على ان الاخباري القائل بأن المتبع هو الاخبار فعند معارضة الاخبار كيف يكون له الرجوع إلى الآيات مع إنكار ظهورها في شيء ولا يكون له طريق آخر لدفع التعارض مع انه يقول به.

وقد أشكل في المقام بإشكال آخر وهو ان عمومات الآيات وإطلاقاتها لا شك أنها قد خصصت بجملة من الروايات في الأبواب المختلفة فكل عام أو مطلق يكون

١٢٩

في القرآن حيث نحتمل ان يكون مخصصا أو مقيدا لا يكون الظهور منعقدا له فلا يكون الظهورات متبعة.

وأجابوا عنه بأن العمومات والإطلاقات على أقسام منها ما في القصص ومنها ما في أصول العقائد ومنها ما في الأحكام وحيث يكون العلم الإجمالي منجزا إذا كان جميع الأطراف محل الابتلاء ولم يكن محل الابتلاء لنا الا الأحكام فينحل العلم لاحتمال ان يكون المخصص في غير الأحكام فلا يكون العلم مؤثرا.

وفيه ان لنا العلم بوجود المخصص والمقيد بالنسبة إلى الأحكام أيضا فخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء لا يفيد الانحلال أو عدم تأثير العلم الإجمالي فلنا علم إجمالي كبير بالنسبة إلى جميع الأبواب وعلم إجمالي صغير بالنسبة إلى الأحكام.

فالجواب الصحيح أولا ان العلم بوجود المخصص والمقيد لا يوجب هدم الظهور بل يوجب عدم الحجية.

وثانيا ان تشكيل العلم الإجمالي يكون بنحو ينحل بعد الفحص عن المخصص لأن لنا العلم الإجمالي بورود مخصصات ومقيدات لو تفحصنا عنها لظفرنا بها وحيث تفحصنا ولم نجد لا يكون لنا العلم كذلك من أصل.

واما ادعاء الانحلال بأن يقال وجد ان بعض المخصصات والمقيدات حيث يأتي معه احتمال التطبيق مع المعلوم بالإجمال يكفى لا وجه له ضرورة انه اما ان يكون الانحلال وجدانيا مثل ما إذا علمنا بنجاسة أحد الكأسين ثم علمنا بأن النجس هو الكأس الأبيض فانه ينحل العلم قطعا واما ان يكون تعبديا مثل ان يقوم البينة على أن المعلوم بالإجمال هو هذا الكأس الأبيض فهذا أيضا لا إشكال فيه واما إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحدهما ثم قامت البينة على ان هذا الكأس نجس لا على ان ما هو النجس يكون هذا الكأس فبصرف احتمال التطبيق لا ينحل العلم.

وفي المقام أيضا لو لم يكن العلم بنحو ما ذكر فوجدنا جملة من المخصصات والمقيدات واحتملنا التطبيق لا يكفى فالنكتة هنا هي ان الفحص يوجب عدم العلم وانحلاله لأنه كان مشروطا بأنه لو حصل الفحص لوجدنا وحيث ما وجدنا فلا مخصص

١٣٠

فيتبع الظهور فالظواهر حجة مطلقا في الآيات والروايات.

بقي في المقام شيء

وهو ان اختلاف القراءات هل يوجب هدم الظهور أم لا كما في قوله تعالى «يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن» فانه قرأ كلمة يطهرن تارة بالتشديد في الطاء وتارة بالتخفيف فعلى قراءة التشديد لا يحل الوطء الا بعد الغسل وعلى قراءة التخفيف يكفى مجرد قطع الدم.

ولتوضيح المقام يجب رسم أمور الأول قد اختلف في أن اختلاف القراءات هل كان متواترا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا فعن الشهيد ان قراءة السبع عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون متواترا ومن المسلمات وأنكره الشيخ في التبيان وجمع من المتأخرين.

والتحقيق انه من البعيد ان يكون جميع القراءات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فان كلمة كفوا أحد تكون فيها أربعة أوجه وان لم تكن موجبة لاختلاف المعنى وصدور الجميع يكون خلاف ما ورد من الروايات.

مثل ما في صحيحة فضيل قال له أن الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة أحرف قال كذب أعداء الله ولكنه نزل بحرف واحد من عند الواحد.

فلا يصح القول بصدور جميع القراءات فلعل هذه الاختلافات نشأت عن أذهان بعض أهل الأدب من العامة لتوجيهات أدبية فالقراءة واحدة ونحن نقول بأن المتبع ما هو الدارج كما في يطهرن بدون التشديد فان جميع المصاحف كذلك.

الأمر الثاني على فرض إثبات ان القراءة واحدة فإسناد ما هو غير الدارج إلى الله تشريع وكذب ولو بحسب الارتكاز فإن من يقرأ القرآن يكون في ذهنه أن هذا كلام الله فيجب مراعاة ما هو الصحيح من القراءات.

الأمر الثالث مع عدم جواز الاستدلال لا يجوز القراءة أيضا فالقول بأن الاستدلال يجب ان يكون على ما هو الدارج والتوسعة في القراءة كما إذا قرأ في الصلاة لا وجه له لما مرّ.

١٣١

الأمر الرابع في الجهة الأصولية من بحث اختلاف القراءات فان البحث إلى هنا كان في أصل اختلاف القراءة من حيث انه هل يكون متواترا أم لا وقد حققنا عدم الاختلاف وأن القرآن ما هو الدارج المكتوب الموجود بأيدينا ومن هنا يكون بعد فرض إثبات اختلافها من حيث أن القراءتين مثلا إذا تعارضتا كما في يطهرن (١) بدون التشديد ويطهرن معه من حيث ان مفاد أحدهما وجوب الغسل للوطء ومفاد الآخر عدم وجوبه فهل يكون مثل تعارض الاخبار فيلاحظ المرجحات التي عدت في باب التعارض هنا أيضا غير المرجحات السندية لأن التواتر يمنع عن الكلام في السند أم لا وحيث تكونان متساويتين في الدلالة فلازمه التساقط فيه خلاف.

فقيل بأنهما مثل الروايتين من باب أن القرآن أيضا حجة وأدلة العلاج تشملهما بعمومها والشاهد أيضا خبر زرارة عن كتاب فضل القرآن ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف من قبل الرّواة بتقريب ان القرآن بعد النقل يكون كالرواية فعند التعارض مقتضى الأصل الأولى التساقط ومقتضى الأصل الثانوي هو التخيير في الأخذ بأحدهما.

وقيل كما عن الخراسانيّ (قده) ان لسان دليل العلاج يكون في الخبرين بقوله إذا جاءكم الخبران المتعارضان إلخ.

واما ما جاء عن الله تبارك وتعالى فلا يصدق عليه الخبر كذلك وقد يجاب عنه بأن المراد بالخبرين هو وصول حجتين وما وصل من الكتاب أيضا حجة فتشمله أدلة علاج الحجج عند التعارض فعليه بعد التعارض والتساقط (١) يرجع إلى عام

__________________

(١) الدليل الوارد في الخبرين بالنسبة إلى ما ذكر فيه من المرجحات يمكن ادعاء انصرافه عن الآيتين مع ما في القرآن العزيز من قوله تعالى (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) «سورة النساء آية ٨٤» فانه لا اختلاف في القرآن عند التحقيق وآية يطهرن بدون التشديد أو معه يكون الدليل على عدم كونها مع التشديد من الروايات في باب الحيض موجودا فلا تصل النوبة إلى التعارض.

(١) سورة البقرة آية ٢٢٢.

١٣٢

فوق في القرآن أو أصل من الأصول مثل قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) بعد تعارض يطهرن ويطهّرن مع التشديد وبدونه إذا كان عمومه أزمانيا واما إذا لم يكن كذلك فيستصحب حكم الخاصّ وهو حرمة الوطء وقت الحيض هذا كله الكلام في الكبرى وهو حجية الظواهر بعد ما ثبت الظهور.

واما البحث في الصغرى وهو أن الظهور إذا شك فيه فمن أين يثبت ففي صورة القطع به فهو المتبع واما في صورة الشك فيه فاما ان يكون الشك في ظهوره التصديقي من باب الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية واما ان يكون من باب الشك في الإرادة الاستعمالية من باب انه يمكن ان يكون المراد منه معناه المجازي واما ان يكون من الشك في ظهوره التصوري من باب عدم العلم بالوضع مثل ان لا يعلم ان الموضوع له للفظ الصعيد هل كان مطلق وجه الأرض أو التراب فقط فان كان الشك في الأول والثاني يكون من باب احتمال وجود قرينة سقطت فأصالة عدم القرينة عند العقلاء جارية.

ومعنى جريان الأصل عندهم هو اتباعهم الظهور ولا يكون لهم أصل تعبدي حتى يكون اتباع الظهور بعد جريان الأصل ومن هنا يظهر ما في كلام المحقق الخراسانيّ (قده) من أن الظهور لا يكون للفظ إلّا بنحو التعليق بمعنى انه يكون ظاهرا لو لا احتمال القرينة ليجب جريان الأصل أولا ثم اتباع الظهور بل يكون لهم البناء العملي على اتباع الظهورات وعدم الاعتناء بالاحتمالات التي لا دليل لها فيكون اتباعهم الظهور من باب انهم يرون الألفاظ كاشفا عن الإرادات الاستعمالية والجدية ولا يكون وجود القرينة واقعا مؤثرا في نظرهم بل ما هو المؤثر الواقع المنكشف بدال له هذا فيما إذا كان الشك في أصل وجود القرينة.

واما إذا كان في الكلام ما يحتمل القرينية فيتأملون في اتباع الظهور بل يكون الكلام عندهم مجملا كما في ورود الأمر عقيب الحظر من حيث انه هل يدل على

__________________

(١) سورة البقرة آية ٢٢٣.

١٣٣

الإباحة أو على الوجوب فحيث يكون اتباع أصالة عدم القرينة من باب الكشف عن الواقع لا يجري هذا الأصل عملا الا مع وجود ما يحتمل القرينية لأن هذا اللفظ مع هذا الاحتمال لا يكون له كشف عن الواقع.

والمحقق الخراسانيّ قال بأن الأصل سواء كان تعبديا أم لا. لا يجري في المقام بقوله لا يخلو عن إشكال ولكن مر انه لا يكون لنا أصل تعبدي عند العقلاء هذا كله إذا كان الشك في الظهور التصديقي الاستعمالي أو الجدي.

واما إذا كان الشك في الظهور التصوري بمعنى عدم العلم بوضع اللفظ عربيا أو فارسيا أو غيرهما فهل كان المدار على قول اللغوي في تعيين المفهوم أم لا خلاف ولا يخفى ان من قال بأن قول اللغوي حجة يقول به من باب الموضوعية أي من باب انه لغوي وهذا يكون محل النزاع.

واما لو كان قوله موجبا للاطمئنان مثل أن يكون بيانه لموارد الاستعمالات مع ضم الضميمة أو بدونه موجبا للاطمئنان فلا كلام فيه لأنه حجة بنفسه.

أدلة حجية قول اللغوي

وكيف كان فاستدل لحجية قوله بأمور أربعة : الأول الإجماع العملي والسيرة كذلك على الرجوع إلى كتب أهل اللغة إذا صاروا محتاجين إلى معنى لغة من اللغات مثل القاموس والصحاح والمجمع والمنجد وغيره وقد يدعى إجماع قولي أيضا على هذا.

وفيه ان رجوع الاعلام إلى الكتب لا يكون من باب ان اللغوي يكون لقوله موضوعية بل يكون من جهة انه يوجب الاطمئنان ويكون هذا أحد طرقه ولا يكون لنا سيرة متصلة إلى المعصوم عليه‌السلام واما الإجماع القولي فانه على فرض ثبوته يكون مدركه هذه السيرة والحاصل لا يكون الرجوع إليهم من حيث انهم لغويون بل من حيث موجبية قولهم الاطمئنان فان حصل فهو وإلّا فلا وقع له.

الثاني مما استدل به هو ان بناء العقلاء يكون على الرجوع إلى أهل الخبرة

١٣٤

في كل فن كالبنّاء والنّجار بالنسبة إلى البناء والنجارة ولا يكون ردع عن الشارع عن هذه السيرة فهكذا في المقام يكون هؤلاء اللغويون خبراء هذا الفن فيرجع إليهم في تشخيص المفهوم التصوري.

وفيه أولا انهم ليسوا خبراء فانهم ينسبون موارد الاستعمالات فقط ولا يكون من دأب أكثرهم ان يدخلوا في قلب الاجتماع ليفهموا ان هذا اللفظ يكون موضوعا لهذا المعنى عندهم الا قليلا منهم مثل صاحب القاموس فلا يكون اخبارهم عن الوضع.

والفرق بين قولهم وبين الشهادة هو ان الثانية تكون عن حس فتقبل والأول يكون فيه نوع اجتهاد وتصرف من اللغوي فلا يكون متبعا إلّا ان يقال ان الرجوع إلى أقوالهم لا يكون المراد منه الرجوع إلى فرد منهم وقبول قوله بل الرجوع إلى جمع منهم ليوجب الاطمئنان بالمفهوم.

وثانيا ان الرجوع إلى الخبراء في كل مورد يكون لحصول الاطمئنان فالرجوع إلى الأطباء أو أهل ساير الصنائع إذا حصل منه الاطمئنان يكون متبعا عند العقلاء.

الثالث مما استدل به هو ان أدلة حجية خبر الواحد تشمل المقام فيكون قول اللغوي مثل شهادة العدلين في الموضوعات فكما ان الشهادة كذلك في باب المخاصمات مقبولة كذلك قول اللغوي أيضا مسموع لأنه شهادة بالموضوع.

ولا يقال انه يكون عن حدس والاخبار في الشهادة يجب ان يكون عن حس لأنا نقول يمكن إلحاق بعض موارد الحدس بالحس كما في الاخبار بالعدالة مع ان الشخص يحكم بأن زيدا عادل بواسطة أمارات العدالة ولا تكون حسية ولكن تكون ملحقة بالحس.

فالإشكال على هذا التقريب بهذا غير وارد فان الحدس الّذي يكون له مباد حسية ملحقة بها ولو التزمنا به يلزم عدم قبول قول العادل أيضا.

ولكن يمكن الإشكال عليه أولا بأن اللغوي يخبر عن موارد الاستعمالات والاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز فلا يمكن كشف الوضع به.

وثانيا سيجيء ان أدلة حجية خبر الواحد النقليّة لا تشمل الاخبار بالموضوعات

١٣٥

بل مختصة بالاحكام كما في رواية مسعدة بن صدقة والأشياء كلها على ذلك حتى تستبين أو تقوم به البينة. فان المراد بالبينة شهادة عدلين لا عدل واحد نعم لو كان دليل حجية الخبر الواحد بناء العقلاء يكون شاملا للموضوعات أيضا ولكن الرواية رادعة عنه ولذا لا يقبل في الفقه الاخبار بالموضوعات إذا كان المخبر واحدا إلّا ان يقال التعدد مختص بباب المخاصمات ويكفى في غيرها الواحد كما لا يبعد.

وثالثا ان اتكاء العقلاء على الخبر الواحد في الموضوعات بدون حصول الاطمئنان محل منع فان بنائهم على القبول ولو لم يحصل الاطمئنان نوعا بعيد غير ثابت وفي المقام أيضا لو حصل الاطمئنان من قول اللغوي فلا بحث فيه.

الدليل الرابع الانسداد الصغير وهو انا نعلم ان فهم عدة من الأحكام متوقف على قول اللغوي لأن تحصيل العلم بالوضع عسري ورفع اليد عن الأحكام مما يقطع بعدم رضاء الشارع به والاحتياط أيضا عسري فلا مناص الا من اتباع الظن الحاصل من قول اللغوي وهذا أحسن من التوقف ولو لم يكونوا في الواقع من أهل الخبرة.

وفيه ان الانسداد إحدى مقدماته هي عسر الاحتياط ولا نسلم ان أكثر الأحكام منوط بقول اللغوي بل بعض قليل ولا عسر في الاحتياط في ذلك البعض على ان حجية الظن الانسدادي لا تكون مختصة بالظن الحاصل من قول اللغوي بل بكل ظن من أي طريق حصل.

ثم انه قد قيل بأن قبول المعصوم عليه‌السلام قول زرارة في اخباره بان هذا الوادي وادي العقيق دليل على قبول قول الواحد في الموضوع ولكنه لا يتم لأنه يكون من حيث انه يوجب الاطمئنان لا من باب موضوعية قوله (١).

__________________

(١) أقول ليس هذا الاخبار اخبار الثقة في الموضوع ولا موجب للحمل على مورد الاطمئنان ولنا رواية في باب ٢ من أبواب الوكالة في الوسائل ح ١ ـ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام دالة على قبول خبر الواحد في إبلاغ عزل الوكيل عن الوكالة بقوله عليه‌السلام والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافه (يشافهه ن ل) بالعزل عن الوكالة ولا خصيصة لها ليقبل قول الثقة فيها دون غيرها وهكذا ـ

١٣٦

ثم انه بعد القول بحجيته قد اختلف في انه هل يوجب الظهور أم لا فقيل بأنه موجب له لبناء العقلاء على اتباعه من باب انه كاشف عن الواقع وقيل انه ليس له إلّا الحجية واما الظهور فلا والحق انه موجب للظهور لبنائهم على قبول قول الخبرة من حيث انه كاشف عن الواقع ولكن قد عرفت انه كلما حصل الاطمئنان فهو الحجة واما إذا لم يحصل فقول اللغوي من حيث انه لغوي ولقوله موضوعية فلا يكون مرضيا عندنا وعند جملة من الاعلام.

لا يخفى عليكم انه من دأب الأئمة عليهم‌السلام في الروايات الإتيان بقرائن منفصلة فحيث وجدنا هذا من دأبهم لا يكون لنا متابعة ظهور العمومات والمطلقات الا بعد الفحص عن المخصص والمقيد فاما ان نقول بأن وجدانه موجب لهدم الحجية إذا تفحصنا ولم نجد واتبعنا الظهور كما هو الحق أو يقال (١) بأن الظهور ينهدم بعد وجدانه كما هو محرر في البحث عن العام والخاصّ.

فصل في الإجماع المنقول

أقول لا طريق لإثباته الا من باب حجية الخبر الواحد في الموضوعات واما أصل حجية الإجماع المنقول فيكون من باب انه كاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام فلو ثبت ذلك فهو وإلّا فلا حجية له وحيث انه يكون من الاخبار عن الموضوعات يجب ان يكون إثباته لمدعيه عن حس أو حدس قريب بالحس ملحق به كما إذا تمسك في إثباته بقرائن عامة مثل الاخبار بالعدالة كما في الاخبار بموت زيد من القرائن العامة التي توجب الوثوق كما هو الشرط في كل خبر عن الموضوع أو كما

__________________

ـ قد استدل بأذان الثقة في باب ٣ من أبواب الأذان في الوسائل وبثبوت الوصية به كما في باب ٩٧ من كتاب الوصايا ح ١ في الوسائل وبثبوت استبراء الأمة به كما في باب ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء. هذا كله مضافا إلى بناء العقلاء على قبول الواحد وخبر مسعدة بن صدقة محمول على باب المخاصمات.

(١) وهو الحق عندنا كما مر في الموارد المناسبة.

١٣٧

في الاخبار عن العدالة فانها ليست محسوسة ولكن لها شواهد لو كانت موجودة في الباطن.

وكيف كان فتشكيل الإجماع المحصل بحيث يكون معتبرا في الإسلام يكون على أنحاء ولتوضيحه ينبغي رسم أمور :

الأول ان وجه اعتباره كما ذكر يكون هو كاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام وهذا تارة يكون بنحو نقل السبب وتارة يكون بنحو النقل المسببي والثاني يكون على أنحاء الأول ان يكون مدعيه عالما بدخول الإمام عليه‌السلام فيمن أجمعوا على امر بأن يكون عدة من العلماء وفيهم من يجهل حاله ولم يعرف نسبه حتى يكون موجبا للاطمئنان بدخوله عليه‌السلام فيهم ويسمى هذا الإجماع إجماعا دخوليا فيقول الناقل المطلب الفلاني إجماعي ولا ينقل سبب حصول الإجماع.

أقول وهذا النحو من الإجماع وان كان ممكنا في صدر الإسلام وفي زمان حضور الأئمة عليهم‌السلام ويمكن ادعائه في زمان الغيبة الصغرى مثل زمان محمد بن يعقوب الكليني والمفيد والسلار ولكن بعد هذه الأزمنة لا يكون متحققا.

الثاني هو الإجماع اللطفي وهو ان يكون حاكي الإجماع قاطعا بالحكم من باب اتفاق جمع من الفقهاء في عصر من الأعصار على امر فعلى الله تعالى ان لا يضعهم على الخطاء ويرشدهم بطريق إلى ما هو الحق فيكون هذا دليلا على وجود رأى الإمام عليه‌السلام في الآراء.

واما أصل بيان اللطف فمنوط بعلم الكلام وحاصله انه تعالى كما يكون منه أصل الوجود يجب ان يكون كمالاته أيضا منه وكما يكون موجدا لما هو أدون يكون موجدا لما هو أشرف على قاعدة الإمكان الأشرف من ان كل كمال ممكن في حقه تعالى يكون موجودا لأنه تعالى ليس له حالة منتظرة فيكون من لوازم ذاته الواجبة هو منع الفقهاء عن رأي خطئي موجب لضلال العوام الذين يقلدونهم فانه كمال له تعالى وكمال لنظام الوجود.

وفيه ان هذا القسم من الإجماع وان كان كبراه وهو أصل وجود اللطف

١٣٨

حقا ولكن لا ينطبق في المقام لأن اللازم هو اللطف بالنسبة إلى ما تجب ان يصل إلى الناس منه تعالى بحيث يكون عدم وصوله منافيا للنظام واما ما لا تحب أن يكون واصلا فلا يجب اللطف بالنسبة إليه فإن المصالح في الواقع ونفس الأمر على أنحاء فبعضها يجب حفظها حتى يجعل الاحتياط في بعض الموارد مثل الفروج والدماء وفي بعض الموارد تقتضي المصلحة الوصول بالطريق العادي فان وصل فهو واما ان لم يصل فلا تكون بقدر يجب إيصاله ولو من باب اللطف فعلى هذا لا يلازم فتوى جمع من العلماء رأى الإمام عليه‌السلام فالإجماع مثلا في العصير العنبي على الحرمة لو كان ملاكه هذا لا يتم بعدم كشفه عن الواقع بالملازمة العقلية التي ذكروها من باب اللطف.

الثالث الإجماع الحدسي وهو ان لا يكون من القسم الأول والثاني بل عند فتوى جمع من العلماء يحكى الإجماع ويحدس ان يكون رأى الإمام عليه‌السلام معهم ويطمئن به مع عدم علمه بدخول جنابه عليه‌السلام فيهم كما هو دأب المتأخرين في نقل الإجماع غالبا حيث وجد وأقول عدة على امر من الأمور.

وفيه انه مع عدم اجتماعهم في مجلس واحد ووجدان رأى كل واحد منهم في كتابه أو بطريق آخر لا يكشف أن يكون رأى الإمام عليه‌السلام معهم فلعل لبعض من لا نعرفه من العلماء الذي لا يكون مشهورا مع كونه اعلم أو مثلهم على خلاف رأيهم فلا يحصل الإجماع الذي يكون الحدس الصائب هو وجود رأيه عليه‌السلام فيهم.

الرابع الإجماع الكشفي وهو أن يفتى الاعلام بشيء ويدعون أنه يكون منسوبا إلى المعصوم عليه‌السلام ولكن ما وجدنا رواية في الكتب الذي يكون بأيدينا ولا يحتمل الكذب بالنسبة إليهم مع كونهم رضوان الله عليهم في أعلى درجات الصلاح والسداد والعدالة فيكشف قولهم هذا عن وجود سند صحيح لهم وجدوه بالحس أو بحدس قريب به مثل التمسك بقرائن عامة التي قرينة عند كل أحد وهذا أحسن طريق للإجماع المنقول.

وفيه أولا بأن هذا أي القول بوجود رواية يكون صحيحا إذا لم يكن في المقام

١٣٩

أصل من الأصول العقلية أو الشرعية لهذا الحكم مثل البراءة في الموضوعات المشتبهة فإذا كان كذلك يمكن ان لا يكون ذلك الأصل معتبرا عند شخص ويحتمل استنادهم إليه فلا يكشف عن رأيه عليه‌السلام.

وثانيا بان صرف وجود الرواية لا يكون سندا لنا لاختلاف في النّظر من حيث السند أو من حيث الدلالة اما من حيث السند فلأنه يمكن أن يكون المدار عندهم على الخبر الموثوق الصدور وعندنا على ما يكون صحيحا باشتراط عدالة الراوي مع كونه إماميّا أو حسنا بالاكتفاء بكونه إماميّا مع الوثوق به.

واما من حيث الدلالة فائضا يمكن ان يكون فهم الرواية هذه لا يوافق نظرنا في فهم الظهور كما في مسألة البئر فان العلماء قبل العلامة كانوا يفتون بأنه ينجس بالملاقاة وهو (قده) استفاد من رواية إسماعيل بن بزيع انه لا ينجس إذا لم يتغير لأن له المادة فيمكن ان يكون ما وجدوه هكذا في الدلالة فلا نكشف منه رأى المعصوم عليه‌السلام فمع قطع النّظر عن الإشكال الأول يكون الثاني بحاله.

والجواب عن الأول هو ان المقام لا يكون الكلام من حيث دلالة خبر على المطلوب بل يكون الكلام في حصول الإجماع فيكون نظير الخبر المتواتر (١) ولكن التواتر يكون متحققا بالحس واما هنا فيكون من الحدس ولكن لا بحيث يمتنع التمسك به من باب انه عن الحدس فانه هذا قريب بالحس بعد اجتماع الاعلام الذين هم من أساتيذ الفن عليه واحتمال الخطاء بالنسبة إليهم بعيد جدا.

فلا يقال ان أصالة عدم الخطاء بالنسبة إلى الخبر عن الحس وان كان جاريا ولكن الخبر الّذي يكون عن حدس فالأصل لا يجري فيه لاشتباه كثير فيه لأن هنا

__________________

(١) أقول نقل التواتر أيضا يكون مثل نقل الإجماع بخلاف التواتر الحاصل بالتحصيل فكونه نظيره لا ينحل به الإشكال واما الحدس فيوجب الاطمئنان إذا كنا محصلا للإجماع واما نقل ما يمكن ان يكون حدسه موجبا للاطمئنان فلا يفيدنا شيئا.

١٤٠