هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

كما تقدّم (١). وأمّا إلزامه (٢) بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو (٣) من توابع الحق (٤) الثابت له بالإكراه ، لا من أحكام الفعل (٥) المتحقق على وجه الإكراه.

ثم إنّ ما ذكرنا (٦) واضح على القول بكون الرضا ناقلا. وكذلك على القول بالكشف بعد التأمّل.

______________________________________________________

موضوعا للحديث حتى تنتفي صحة عقد المكره التأهليّة ، وقد تقدم توضيح جواب هذا الاستدراك بقولنا : «قلت».

(١) لم يتقدم التصريح به ، ولكنه يستفاد من قوله قبل سطرين : «أنّ المرفوع فيه هي المؤاخذة ، الأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره ..».

(٢) هذا دفع لما يتوهم من أنّه إذا كان المرفوع بالحديث المؤاخذة والأحكام الإلزامية فاللازم ارتفاع إلزام المكره ـ بعد مدة مديدة ـ باختيار البيع أو فسخه ، مع أنه ثابت غير مرفوع بالحديث.

(٣) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن هذا الإلزام إن كان من أحكام الفعل المكره عليه كان الأمر كما ذكره ، لكنه ليس كذلك ، لأنّه من أحكام وقوف العقد على الرضا الثابت له بسبب الإكراه ، فيمتنع ارتفاعه بالإكراه كما ثبت في محله.

(٤) وهو وقوف العقد على الرضا.

(٥) يعني : لا من أحكام ذات العقد المتحقق على وجه الإكراه حتى يندرج تحت الحديث ، فيرفع بالإكراه ، كي يقع التعارض في هذا الحكم بين «رفع الإكراه» و «لا ضرر» الموجب ـ هذا التعارض ـ للتساقط والرجوع إلى الأصل.

(٦) يعني : ما ذكرناه من ارتفاع إلزام المكره بشي‌ء ومؤاخذته عنه ـ مع الحكم بوقوف عقده على رضاه ـ واضح على القول بكون الرضا ناقلا ، إذ عليه لا ملكية قبل الرضا ، فلا مؤاخذة ولا إلزام على المكره أصلا.

٢٨١

وثانيا (١) : أنّه يدلّ على أنّ الحكم الثابت للفعل المكره عليه ـ لو لا الإكراه ـ

______________________________________________________

وكذلك على القول بالكشف بعد التأمّل ، بداهة أنّه ما لم يتحقق منه الرضا بالعقد لا كاشف عن تحقق الملكية من حين العقد ، ومع عدم الكاشف لا إلزام ولا مؤاخذة أيضا.

(١) هذا ثاني وجهي المناقشة في التمسك بحديث الرفع على عدم قابلية عقد المكره للصحة بلحوق الرضا ، وهذا الوجه أيضا ناظر إلى أجنبية الحديث عن المقام ، وبيانه ما تقرّر في بحث أصالة البراءة من الأصول من أنّ المرفوع بالإكراه والخطأ والنسيان هو الحكم المجعول لذات الفعل مع الغضّ عن حالتين :

إحداهما تقيده بالقصد والعمد والالتفات.

وثانيتهما تقيده بالنسيان والإكراه والخطأ.

إذ تارة يثبت الأثر على الفعل المقيد بالعمد كالقصاص في قتل العمد ، فلو كان القتل خطأ كان رفع القصاص بانتفاء موضوعه أعني به العمد ، ولا ربط لهذا بحديث الرفع.

وأخرى يثبت الأثر على الفعل الموصوف بكونه خطأ أو نسيانا ، كما في وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهد أو السجدة الواحدة في الصلاة ، وهذا ظاهر في اقتضاء الفوات النسياني لجعل سجدتي السهو ، ولا يعقل التمسك بإطلاق «رفع النسيان» لنفي وجوبهما ، ضرورة استحالة كون مقتضي الشي‌ء رافعا له. وكذا الحال في الدّية الثابتة في الجناية الخطأيّة.

وثالثة يثبت الأثر لذات الفعل مع الغضّ عن طروء العناوين الرافعة ، فيرتفع بطروئها.

إذا اتضح هذا فنقول : إنّ الإكراه لا يرفع الحكم الثابت بعنوان الإكراه ، لعدم كون المقتضي للشي‌ء رافعا له ، فمعنى حديث الرفع رفع الحكم الثابت للفعل المكره عليه مع الغضّ عن عروض الإكراه عليه ، حتى يرتفع بسبب طروء الإكراه عليه

٢٨٢

يرتفع (١) عنه إذا وقع مكرها عليه ، كما هو (٢) معنى رفع الخطأ والنسيان أيضا. وهذا المعنى (٣) موجود فيما نحن فيه ، لأنّ أثر العقد الصادر من المالك ـ مع قطع النظر عن [اعتبار] عدم الإكراه ـ السببية (٤) المستقلّة لنقل المال ، ومن المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه. وهذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الإكراه حيث إنّه (٥) جزء العلة التامة للملكية لم يكن (٦) ثابتا للفعل (٧) مع قطع النظر عن

______________________________________________________

كما هو معنى رفع سائر الفقرات من رفع الخطأ والنسيان. وأثر العقد الصادر من المكره مع الغض عن الإكراه هو السببية المستقلة لنقل المال ، ومن البديهي انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه ، والأثر الناقص للعقد ـ وهو كونه جزء العلة التامة للملكية ـ قد ثبت بالإكراه ، فلا يمكن ارتفاعه به ، لما عرفت من أنّ الرفع يرد على الحكم الثابت للفعل مع قطع النظر عن الإكراه ، لا الحكم الثابت له بعنوان الإكراه.

(١) خبر قوله : «أنّ الحكم».

(٢) أي : رفع الحكم الثابت لذات الفعل المكره عليه ـ لو لا الإكراه ـ يجري في رفع الخطأ والنسيان أيضا.

(٣) أي : كون المرفوع بحديث الرفع الحكم الثابت للفعل مع الغض عن الإكراه ، وهو موجود في المقام ، لأنّ السببية المستقلة الثابتة للعقد بدون الإكراه مرفوعة بالحديث ، والأثر الناقص وهو تأثير العقد في الملكية بعد انضمام رضا المالك المكره إليه ليس ثابتا لذات العقد بدون الإكراه حتى يرتفع بالحديث ، بل هو ثابت للعقد منضما إلى الإكراه ، فلا يعقل ارتفاعه بالإكراه.

(٤) خبر قوله : «لأن أثر العقد».

(٥) هذا الضمير وضمير «عليه» راجعان إلى العقد.

(٦) خبر قوله : «وهذا الأثر».

(٧) أي : لذات العقد مع غض النظر عن طروء الإكراه عليه ، فالسببية الناقصة

٢٨٣

الإكراه ليرتفع به ، إذ المفروض أنّ الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه ، فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه؟

وبعبارة أخرى (١) : اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار [عدم] الإكراه هو اللزوم (٢) المنفي بهذا الحديث ، والمدّعى ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه (٣) على رضا المالك ، وهذا غير مرتفع (٤) بالإكراه.

لكن يرد على هذا (٥) أنّ مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقييدها بالمسبوقية بطيب النفس ، فلا يجوز الاستناد إليها بصحة بيع المكره

______________________________________________________

مترتبة على رفع السببية التامة بالإكراه ، فلا معنى لرفع العليّة الناقصة للعقد.

(١) هذه العبارة الأخرى تكرار ما أفاده بقوله : «وثانيا» ولا تتضمن مطلبا آخر.

(٢) خبر قوله : «اللزوم الثابت» يعني : أنّ الملكية اللازمة في عقد البيع منفية في بيع المكره.

(٣) خبر قوله : «والمدّعى ثبوته» والضمير راجع إلى اللزوم.

(٤) لما تقدم آنفا من أنّ الثابت بعنوان الإكراه لا يرتفع بالإكراه ، لأنّ المقتضي للشي‌ء ليس رافعا له. هذا تمام ما أفاده في الوجه الثاني من المناقشة في الاستدلال بحديث الرفع.

(٥) أي : عدم ارتفاع وقوف العقد على رضا المالك. وغرضه الانتصار لمن يستدل بحديث الرفع على بطلان عقد المكره ، وعدم الجدوى في لحوق الرضا.

وحاصل الإيراد : أن مقتضى حكومة حديث الرفع على الإطلاقات الدالة على صحة العقود هو تقيدها بمسبوقية طيب النفس ، وبعد هذا التقييد لا يصح الاستدلال بتلك الإطلاقات على صحة بيع المكره بعد لحوق الرضا ، إذ المفروض اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد ، وهي مفقودة في عقد المكره الملحوق بالرضا ، فلا دليل حينئذ

٢٨٤

ووقوفه (١) على الرضا اللاحق ، فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره ، فيرجع (٢) إلى أصالة الفساد.

وبعبارة أخرى : أدلة صحة البيع تدل على سببيّة مستقلّة ، فإذا قيّدت بغير المكره لم يبق لها دلالة على حكم المكره (٣) ، بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الأعمّ من السببية المستقلة كان (٤) دليل الإكراه حاكما عليه (٥) مقيّدا له ، فلا ينفع.

اللهم إلّا أن يقال (٦):

______________________________________________________

على صحته ، فيحكم بفساده لأصالة الفساد التي هي المرجع في العقود.

(١) معطوف على «صحة» يعني : فلا يجوز الاستناد إلى الإطلاقات لصحة بيع المكره ولوقوفه على الرضا اللاحق ، وذلك لما عرفت من حكومة حديث الرفع على تلك الإطلاقات المقيّد لها بالرضا المقارن.

(٢) أي : فيرجع في بيع المكره ـ ولو بعد لحوق الرضا ـ إلى أصالة الفساد ، لخروجه عن حيز الإطلاقات المقيّدة بالرضا المقارن ، لحكومة حديث الرفع عليها.

(٣) يعني : فلا يدل على حكم بيع المكره دليل اجتهادي ، لاختصاصها بالمختار ، فلا محالة يرجع فيه إلى أصالة الفساد.

(٤) جواب الشرط في قوله : «لو كان».

(٥) لأنّه متكفل للحكم بالعنوان الثانوي ، وتلك الأدلة تتكفل الحكم بالعنوان الأوّلي ، ومن المعلوم تقدم الأوّل على الثاني حكومة أو توفيقا عرفيا.

(٦) غرضه إثبات صحة عقد المكره الملحوق بالرضا بالدليل الاجتهادي.

توضيحه : أنّ الإطلاقات الدالة على السببية المستقلة للعقد تقيّد بالأدلة الأربعة المتضمنة لحرمة أكل مال الغير بدون رضاه وطيب نفسه. ونتيجة هذا التقييد أنّ السبب الموجب لتملك أموال الناس هو البيع المرضي به ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق

٢٨٥

إنّ الإطلاقات المفيدة للسببية المستقلّة (١) مقيّدة بحكم الأدلة الأربعة (٢) ـ المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل ومع (٣) عدم طيب النفس ـ بالبيع (٤) المرضي به ، سبقه الرضا أو لحقه. ومع ذلك (٥) فلا حكومة للحديث عليها ، إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الإكراه له.

______________________________________________________

في اعتبار الرضا بين كونه سابقا ولا حقا.

فإن كان الرضا سابقا انعقد البيع عن الرضا ، فلا يعقل عروض الإكراه له.

وإن كان لاحقا ، فالإكراه وإن كان عارضا له ، إلّا أن المكره عليه ـ وهو ذات البيع ـ لا نقول بصحته ، إذ المفروض بمقتضى الأدلة الأربعة القاضية بدخل الرضا في تأثير البيع عدم تأثيره إلّا بعد الرضا. وإطلاقات سببية العقد للنقل والانتقال ـ بعد تقييدها بالرضا ـ توجب صيرورة عقد المكره جزء السبب ، وجزئه الآخر هو الرضا ، فالاطلاقات بعد التقييد بالرضا تكون مرجعا ، لأنّ المتيقن من تقييدها هو صورة وجود الإكراه ، وبعد ارتفاعه يرجع إليها.

(١) كالأمر بالوفاء بالعقود وحلّ البيع ، الدالّين بمقتضى الإطلاق الأحوالي على كون العقد سببا مستقلا للتأثير ، وهذه السببية التامة مقيدة بأدلة دخل الرضا في تأثير العقد.

(٢) وهي : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

(٣) هذا معطوف على «بالباطل» يعني : أكل المال بالباطل ومع عدم طيب النفس.

(٤) متعلق بقوله : «مقيدة».

(٥) يعني : ومع التقييد بالرضا لا حكومة للحديث ، لأنّ وقوف عقد المكره على الرضا ـ وصيرورته جزء السبب الناقل ـ مترتب على الإكراه ، فلا معنى لرفعه بالإكراه.

٢٨٦

وأما المرضيّ به بالرّضا اللّاحق فإنّما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف ، وهو أصل البيع ، ولا نقول بتأثيره (١). بل مقتضى الأدلّة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره ووجوب (٢) الوفاء به.

فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه والرضا به لاحقا ، ولازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثّر التام (٣). وهذا (٤) [أمر عقلي غير مجعول] لا يرتفع بالإكراه ، لأنّ الإكراه مأخوذ فيه (٥) بالفرض ، كما ترفع (٦) السببية المستقلة.

وهذا (٧) لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا ، إذ على الأوّل

______________________________________________________

(١) أي : تأثير أصل البيع المكره عليه.

(٢) بالجر معطوف على «تأثيره».

(٣) يعني : فلا تصل النوبة إلى أصالة الفساد ، بل المرجع هو الدليل الاجتهادي أعني به الإطلاقات المقيّدة بالرضا.

(٤) أي : كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام لا يرتفع بالإكراه ، لأنه مترتب على عنوان «الإكراه» فلا يرتفع به.

(٥) الضمير راجع إلى «كون» يعني : لأنّ الإكراه مأخوذ في كون العقد المكره عليه بعض المؤثّر التام.

(٦) يعني : أنّ الإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام ، كما ترفع السببية المستقلة.

(٧) أي : كون الرضا بعض المؤثّر لا يفرّق فيه بين ناقلية الرضا وكاشفيته ، إذ على الأوّل يكون نفس الرضا جزء العلة التامة ، وعلى الثاني يكون تمام المؤثّر الأمر المنتزع منه ، وهو تعقب العقد بالرضا ، فكأنه قيل : العقد المتعقب بالرضا مؤثر.

٢٨٧

يكون تمام (١) المؤثر نفسه ، وعلى الثاني يكون الأمر المنتزع منه (٢) العارض (٣) للعقد ، وهو تعقبه للرضا.

وكيف (٤) كان فذات العقد المكره عليه ـ مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له ـ لا يترتب عليه إلّا كونه جزء المؤثر التام. وهذا (٥) أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه (٦) ومن الرضا ، أو وصف (٧) تعقبه له ، فتأمّل (٨) (*).

______________________________________________________

(١) أي : الجزء الأخير للعلة التامة المؤثرة في النقل والانتقال.

(٢) أي : من الرضا العارض للعقد ، والأمر المنتزع منه هو تعقبه للرضا.

(٣) بالنصب صفة «المنتزع» الذي هو صفة «الأمر» الذي هو خبر «يكون» يعني : يكون المؤثر الأمر المنتزع من الرضا ، وهو كون العقد متعقبا به.

(٤) يعني : سواء قلنا بأن الإجازة كاشفة أم ناقلة ، فذات العقد .. إلخ ، والوجه في كون ذات العقد جزء السبب المؤثر واضح ، أمّا بناء على النقل فلأنّ التأثير يكون من حين الإجازة لا من حين العقد. وأمّا على الكشف فلأنّ المؤثر ليس ذات العقد ، بل هو بوصف تعقبه بالإجازة ، فجزء المؤثر هو العقد الموصوف ، وجزؤه الآخر وصف التعقب المنوط بتحقق الإجازة خارجا بعد العقد.

(٥) أي : كونه جزء المؤثر التام.

(٦) أي : من العقد ومن الرضا.

(٧) معطوف على الرضا ، أي : من وصف تعقبه ، والأوّل راجع إلى دخل نفس الرضا في العقد ، والثاني راجع إلى دخل الوصف الانتزاعي ، وهو عنوان التعقب فيه.

(٨) لعلّه إشارة إلى : أنّه وإن كان أمرا عقليا غير مجعول بالأصالة ، لكنه مجعول بتبع جعل الكل ، وهو قابل للرفع.

__________________

(١) الجهة التاسعة : فيما تعرض له المصنف قدس‌سره بقوله : «ثم المشهور بين المتأخرين أنه لو رضى المكره بما فعله صح العقد ، بل عن الرياض أن عليه اتفاقهم .. إلخ».

٢٨٨

.................................................................................................

__________________

وحاصل ما استدل به للمشهور على صحة العقد المتعقب بالرضا هو : أنّ عقد المكره عقد عرفيّ جامع للشرائط سوى طيب النفس ، فإذا حصل الطيب أثّر العقد أثره. مضافا إلى الإجماع المدّعى في الرياض تبعا للحدائق وغيره.

لكن في مجمع البرهان استظهار البطلان ، لوجوه :

أحدها : عدم حصول القصد ، بل وعدم صدور العقد عن تراض على ما هو ظاهر الآية ، فرضا المالك حين العقد دخيل في مفهوم العقد.

ثانيها : أنّه لا اعتبار بذلك الإيجاب في نظر الشارع ، فهو بمنزلة العدم. ولا إجماع ولا نصّ على الصحة.

ثالثها : أنّ الأصل والاستصحاب وعدم الأكل بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض وما مرّ يدل على عدم الانعقاد (١).

وفي الكفاية بعد نسبة الصحة إلى الأصحاب قال : «استنادا الى تعليلات اعتبارية من غير نص» (٢).

وفي الجواهر «إن لم تكن المسألة إجماعية فللنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد ، ضرورة عدم اندراجه في العقود بعد فرض فقدان قصد العقدية ، وأنّ صدور اللفظ كصدوره من الهازل والمجنون ونحوهما (٣).

والأقوى ما ذهب إليه المشهور ، لما في المتن من أنّ عقد المكره عقد حقيقة ، وعدم تأثيره إنما هو لفقدان شرطه أعني به طيب النفس ، فإذا حصل ذلك أثّر أثره ، وعدم التأثير لا بدّ أن يكون لأجل اعتبار مقارنة الطيب للعقد شرعا ولكن لا دليل عليه إثباتا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٦.

(٢) كفاية الأحكام ، ص ٨٩ ، السطر ٣.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٦٧.

٢٨٩

.................................................................................................

__________________

وأمّا دخل مقارنة الطيب للعقد في مفهومه بحيث لا يصدق العقد بدونها ، ففيه : أنّ العقد ليس إلّا كبقية المفاهيم العرفية كالأكل والشرب ونحوهما ، فالأكل يصدق على الأكل الخارجي بأيّ داع حصل ولو من الإكراه ، إذ لا دخل للدواعي في المفاهيم ، فمفهوم العقد يصدق حتى مع صدوره عن الإكراه ، ولو لا ذلك لم يصدق العقد على بيع الفضولي. مع كون كلّ من عقدي المكره والفضولي عقدا بالحمل الشائع ، لعدم دخل مقارنة الطيب في مفهوم العقد لا لغة ولا في العرف العام.

مضافا إلى : أن عقد المكره بحقّ عقد حقيقة ، ولازم دخل مقارنة الطيب معه في مفهوم العقد عدم كونه عقدا ، وأن يكون غير العقد كالعقد في الحكم تعبدا ، وهذا مما لا يساعد عليه دليل.

وأمّا دخل المقارنة شرطا في صحة العقد لا في مفهومه بحيث يكون الإيجاب في نظر الشارع كالعدم ، ففيه : أنّه أوّل الكلام ، إذ لا دليل على اعتبار المقارنة في صحة العقد ، بل الإطلاقات تدفع اعتبارها فيها.

وبالجملة : لم يثبت اعتبار مقارنة الطيب للعقد في مفهوم العقد ولا في صحته ، بل الثابت عدمه.

وأمّا دعوى صدق الأكل بالباطل ففيها : أنّه لو سلّم صدق الباطل بمجرّد الإكراه مع وجود العوض لم نسلم صدقه بعد ارتفاع الإكراه ، إذ العمدة في إثبات قدح الإكراه الإجماع وحديث الرفع. ودلالتهما على قدحه مختصة بحال وجود الكراهة الناشئة عن الإكراه ، فإذا زالت الكراهة وتبدّلت بالرضا فلا يصلحان لإثبات البطلان ونفي الأثر.

أمّا الإجماع فظاهر ، لما عرفت من شهرة القول بالصحة ، بل دعوى الإجماع عليها.

وأما حديث الرفع فلأنّ إجراءه بعد ارتفاع الكراهة خلاف الامتنان في حق المكره.

٢٩٠

.................................................................................................

__________________

فالمرجع حينئذ إمّا عموم أدلة النفوذ ، أو استصحاب الحكم السابق على حصول الرضا الذي هو من قبيل استصحاب حكم الخاص. والمحقق في محله الرجوع إلى عموم العام في مثل المقام ، لأنّ مقتضى عموم أدلة النفوذ هو لزوم الوفاء بالعقد في كل زمان ، فإذا خرج عنه بعض الأزمنة وشكّ في خروجه في زمان آخر يتمسك بعموم العام ، لأنّ الشك حينئذ في التخصيص الزائد.

لا يقال : إنّ ظاهر الآية المباركة اعتبار مقارنة الرضا للعقد ، بحيث يكون التجارة ناشئة عنه ، ولا يكفي لحوق الرضا به ، لأنّه إذا انعقد فاسدا لم ينقلب بعد ذلك عمّا وقع عليه.

ومن هنا يظهر فساد قياس عقد المكره بعقد الفضولي المتعقب بالرضا والإجازة من المالك ، إذ العقد الفضولي لا يضاف إلى المالك إلّا حين إجازته ، فهو حين انتسابه إلى المالك ينشأ من طيب نفسه ورضاه. وهذا بخلاف عقد المكره ، فإنّه حين صدوره من المالك حكم عليه بالفساد ، فلا ينقلب عما وقع عليه ، فالرضا اللاحق لا يصححه.

فإنّه يقال : إنّ التجارة التي لا بدّ أن تكون عن تراض هي بمعنى اسم المصدر ، لأنّه الباقي والمستمر القابل للرضا ، دون معناها المصدري فإنّها فانية ، وهي بمعناها الأوّل موضوعة لوجوب الوفاء ، والإجازة في عقد الفضولي والرضا في عقد المكره إنّما يلحقان ذلك ، لأنّ معنى اسم المصدر قابل لهما دون معناها المصدري لفنائه.

وعليه فبعد لحوق الرضا في بيع المكره يصدق عليه التجارة عن تراض ، حيث إنّ الآية تدل على انحصار سبب أكل مال الغير في أمرين :

أحدهما : الأسباب الباطلة. وثانيهما : التجارة عن تراض. ومن الواضح أنّ الأكل في محل الكلام ليس من أكل المال بالباطل ، فيصدق عليه التجارة عن تراض.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره التزم بعدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد بما حاصله : أنّ دلالة الآية على اعتبار المقارنة إما بمفهوم الحصر وإمّا بمفهوم الوصف ، وكلاهما غير ثابت.

٢٩١

.................................................................................................

__________________

والأوّل : منفي في المقام ، لأنّ دلالة الاستثناء على الحصر منوطة بكون الاستثناء متصلا ، كقوله : «ما جاء القوم إلّا زيدا ، فإنّ الاستثناء هنا يدل على حصر المجي‌ء في زيد ، ومن الواضح كون الاستثناء هنا منقطعا ، لعدم كون التجارة عن تراض من الأسباب الباطلة للتجارة حتى كون خروجها عنها دالّا على الحصر ، فلا يدلّ هذا الاستثناء على انحصار السبب المحلّل لأكل مال الغير في التجارة عن تراض ، حتى يقال : إنّ التجارة عن تراض لا تصدق إلّا على العقد المقرون بالرضا.

والثاني أيضا منفي ، لأنّه على القول بمفهوم الوصف يختص بالوصف الذي لا يرد مورد الغالب ، ومن الواضح أنّه في المقام كذلك ، لكون الغالب في التجارات هو كونها عن تراض ، فلا يدل على بطلان التجارة لا عن تراض مقرون بالعقد ، هذا.

وفيه : أنّ الآية الشريفة تدل على الحصر مطلقا وإن لم يكن الاستثناء متصلا. توضيحه : أنّ باء السببية الداخلة على كلمة الباطل ومقابلتها مع التجارة عن تراض قرينتان على كون الآية الشريفة في مقام فصل الأسباب الباطلة للمعاملة عن الصحيحة لها. كما أنّ المراد بالأكل في الآية ليس هو الازدراد الذي هو معناه الحقيقي ، بل هو كناية عن تملّك مال غيره من غير استحقاق.

وعلى هذا فإن كان الاستثناء متصلا كما هو الظاهر الموافق للقواعد العربية ، ـ كما قيل ـ كان معناه المنع عن تملك أموال الناس بشي‌ء من الأسباب ، الّا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض ، فتدلّ الآية على حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض.

وإن كان الاستثناء منقطعا فالآية المباركة حينئذ وإن لم تكن ظاهرة في الحصر من حيث الصناعة العربية. إلّا أنّه تعالى لمّا كان في مقام بيان الأسباب المشروعة للمعاملات ، وفصل صحيحها عن فاسدها ، وكان الإهمال مخلّا بالمقصود ، فلا محالة يستفاد الحصر من الآية المباركة بالقرينة المقامية.

٢٩٢

.................................................................................................

__________________

فعلى هذا تدل الآية الشريفة على حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض ، من غير فرق بين اتصال الاستثناء وانقطاعه ، وأمّا غير التجارة عن تراض من سائر أسباب المعاملات فهو باطل.

فقد ظهر مما ذكرناه عدم توقف الاستدلال بالآية الشريفة على اعتبار مقارنة الرضا للعقد على كون الاستثناء متصلا ، ولا على الالتزام بمفهوم الوصف.

فالصحيح أنّه لا دلالة للآية إلّا على عدم جواز الأكل بدون التراضي ، فإذا وجد الرضا من المكره انقلبت التجارة إلى التجارة عن تراض ، فلا يكون الأكل بسببها أكلا بالباطل.

والحاصل : أنّ الآية الشريفة تدل على حصر السبب المحلّل لتملك الأموال بالتجارة عن تراض ، وإن لم نقل بكون الاستثناء متصلا ، ولم نقل بمفهوم الوصف أيضا غاية الأمر أنّ المراد بالتجارة ليس معناها المصدريّ ، بل معنى اسم المصدر ، فمتى تحقق الرضا صدقت التجارة عن تراض ، فيصح عقد المكره ، ولا مجال حينئذ لحديث الرفع الموجب لعدم صحته حتى بعد الطيب ، لأنه خلاف الامتنان.

نعم قبل حصول رضا من المكره كانت الصحة خلاف الامتنان ، وكان الموافق للامتنان عدم الصحة. لكن بعد حصول الرضا يكون الصحة موافقة للامتنان ، فلا يجري فيها حديث الرفع ، فإنّ موافقة الحكم ومخالفته للامتنان إذا كانتا باعتبار حصصه وأفراده فلا محالة يكون الثابت ما هو الموافق للامتنان ، والمرفوع بحديث الرفع ما هو المخالف له.

والمقام من هذا القبيل ، حيث إنّ صحة عقد المكره ما دام الإكراه موجودا خلاف الامتنان ، فترفع بالحديث ، وبعد ارتفاع الإكراه تكون موافقة للامتنان ، فيحكم بترتب الأثر على عقد المكره بعد ارتفاع الكراهة وتبدلها بالرضا.

فتلخّص مما ذكرنا : أنّ ما هو المشهور من صحة بيع المكره بلحوق الرضا هو الأقوى.

٢٩٣

بقي الكلام (١) في أنّ الرضا المتأخر ناقل أو كاشف (٢).

مقتضى الأصل (٣) وعدم (٤) حدوث حلّ مال الغير إلّا عن طيب نفسه

______________________________________________________

الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟

(١) هذه آخر جهات البحث في عقد المكره أعني بها كون الرضا اللّاحق كاشفا عن ترتب الأثر من حين العقد ، أو ناقلا بأن يترتب الأثر من حين الرضا ، لا من زمان إنشاء العقد.

وهذا البحث متفرع على الجهة المتقدّمة من تصحيح عقد المكره بتعقبه بالرضا كما هو المشهور ، فلو قيل ببطلانه كما حكاه المصنف قدس‌سره عن جمع لم يبق موضوع للبحث عن الكشف والنقل. وتفصيل الكلام موكول إلى عقد الفضولي ، واقتصر هنا على نقل الخلاف في أنّ القول بالكشف المستفاد من النصوص الخاصة هل يوافق القاعدة أم يخالفها؟ ذهب بعضهم إلى موافقته لها ، والمصنف إلى مخالفته لها ، لوجهين سيأتي بيانهما.

(٢) لا يخفى أن نزاع الكشف ، والنقل مبني على كون الرضا بوجوده الخارجي دخيلا في صحة العقد ، إذ لو كان الشرط وصف التعقب كان المتعيّن الالتزام بالكشف.

(٣) وهو أصالة الفساد المحكّمة في العقود ، والمراد بها استصحاب عدم ترتب الأثر.

(٤) معطوف على «الأصل» يعني : أنّ مقتضى ما دلّ على «عدم حلّ مال الغير إلّا عن طيب نفسه» هو حرمة التصرف. فهذان الوجهان يدلّان على عدم حصول الأثر قبل الرضا ، ولازم ذلك كون الرضا ناقلا لا كاشفا ، لأنّ طيب النفس ـ الذي هو شرط الحليّة ـ لم يحصل إلّا بعد العقد ، فلا بدّ من حصول الحلّ حين تحقق الطيب لا قبله.

فان قلت : إنّ ما دلّ على إناطة حلّ مال الغير برضاه دليل اجتهادي ، ومعه لا موضوع للتمسك بالاستصحاب ، فالمتعيّن استظهار ناقليّة الرضا من أحاديث الحل خاصة.

٢٩٤

هو الأوّل (١) ، إلّا أنّ الأقوى بحسب الأدلة النّقليّة هو الثاني (٢) كما سيجي‌ء في مسألة الفضولي.

وربّما يدّعى أنّ (٣) مقتضى الأصل هنا (٤) وفي الفضولي هو الكشف ،

______________________________________________________

قلت : الأمر كما أفيد ، ومقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه هو تعدد الدليل على النقل. لكن يحتمل أن يكون قوله : «وعدم حدوث» عطفا تفسيريا يفسّر الأصل حتى لا يكون مغايرا له ، ليلزم الجمع بين الأصل العملي والدليل الاجتهادي ، مع تأخر الأصل عن الدليل رتبة ، ولئلّا يلزم إشكال التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، حيث إنّه لم يعلم كون الرضا اللاحق ـ بالنسبة إلى ما مضى ـ مصداقا للرضا المنوط به الحلّ.

(١) وهو كون الرضا ناقلا ، لكن الأقوى بحسب الأدلة النقلية هو الكشف تعبدا ، للتعدّي عن موردها ـ وهو الفضولي ـ إلى المقام كما سيجي‌ء في مسألة الفضولي إن شاء الله تعالى.

(٢) سيأتي استظهار الكشف من صحيحة أبي عبيدة الحذاء الواردة في نكاح الصغيرين اللذين زوّجهما غير وليّهما ، وغير هذه الصحيحة ، فراجع قوله : «وأما الأخبار فظاهر بعضها كصحيحة محمد بن قيس الكشف ..».

(٣) لعلّ المدّعي هو صاحب الجواهر قدس‌سره بعد ضمّ كلاميه ، أحدهما : تصريحه في بيع الفضولي بكون الإجازة كاشفة ، والمستفاد منه كون مقتضى القاعدة الأوّلية (١).

وثانيهما : ما تكرّر منه في بيع المكره من كونه كالفضولي ، كقوله : «فحيث يكون كالفضولي يجب انتظار غير المجبور ، وليس له الفسخ قبل فسخ المجبور ..» (٢).

(٤) أي : في عقد المكره. والوجه في ذلك أنّ متعلق الرضا هو النقل الواقع

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٥.

(٢) المصدر ، ص ٢٦٩.

٢٩٥

لأنّ مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده (١) من نقل الملك حين صدوره ، فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى ـ وهو النقل من حين العقد وترتب الآثار عليه ـ لا يكون (٢) إلّا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل (٣).

وفيه (٤) : أنّ مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه ، بل نفس النقل ، إلّا أنّ إنشاءه لمّا كان في زمان التكلم ، فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظر الشارع في زمان (٥) التكلم حدث الأثر فيه. وإن كان مؤثّرا بعد حصول أمر حدث الأثر بعده ، فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع

______________________________________________________

في زمان العقد ، والرضا تنفيذ لذلك ، وهذا يقتضي كاشفية الرضا لا ناقليته.

(١) يعني : بما أفاده العقد من نقل الملك حين صدور العقد ، فإمضاء الشارع لرضا المكره بعقده يتعلق بالنقل من حين العقد.

(٢) خبر قوله : «فإمضاء».

(٣) وهو زمان العقد ، لأنّه زمان النقل المتحقق بإنشاء المكره.

(٤) حاصله : عدم تسليم كون مقتضى العقد النقل من حينه حتى يتعلق به الإمضاء ، بل مقتضاه نفس النقل ، غاية الأمر أنّ إنشاء النقل حيث إنّه زماني ـ لا بدّ من وقوعه في زمان ـ وقع في زمان. فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظر الشارع في زمان إجراء العقد تحقق الأثر في ذلك الزمان.

وإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظره بعد حصول أمر فلا محالة لا يحدث الأثر في نظر الشارع إلّا بعد حصول ذلك الأمر وغيره مما يعتبر في ترتب الأثر على العقد. ومن جملة ما يعتبر فيه طيب نفس المالك المتحقق بعد العقد ، فحكم الشارع يكون بعد حصول الطيب ، وقضية ذلك كون الطيب ناقلا لا كاشفا.

(٥) متعلق بقوله «مؤثرا» واسم «وإن كان» هو قوله : «ذلك الإنشاء».

٢٩٦

ما يعتبر في الحكم ، ولذلك (١) كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف والسلم والهبة ، أو (٢) بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ غير (٣) مناف لمقتضى الإيجاب ، ولم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة.

فإن قلت (٤) : حكم الشارع بثبوت الملك وإن كان بعد الرضا ، إلّا أنّ حكمه بذلك (٥) لمّا كان من جهة إمضائه للرّضا بما وقع فكأنّه حكم بعد الرضا بثبوت

______________________________________________________

(١) أي : ولكون تبعية حكم الشارع لاجتماع ما يعتبر في الحكم كان حكمه بتحقق الملك بعد القبول في جميع العقود ـ أو بعد القبض فيما يعتبر فيه القبض من بعض العقود كالصرف والسلم والهبة ، أو بعد انقضاء زمان الخيار المترتب عليه حكم الشارع بالملكية بناء على مذهب الشيخ قدس‌سره من توقف الملكية على انقضاء زمان الخيار ـ غير مناف لمقتضى الإيجاب.

(٢) هذا وكذا قوله : «أو بعد القبض» معطوفان على «بعد القبول» (١).

(٣) خبر «كان» وحاصله : أنّ الحكم بتوقف الملكية على القبول أو القبض أو انقضاء زمان الخيار لا ينافي مقتضى الإيجاب. وجه عدم المنافاة : أنّ الإيجاب ليس هو الجزء الأخير لسبب النقل والانتقال ، بل هو بعض السبب ، وحكم الشارع مترتب على تمام السبب ، فتوقف حكم الشارع على تمامية السبب لا ينافي مقتضى الإيجاب.

(٤) حاصل هذا الإشكال : أن توقف حكم الشارع بالنقل على الرضا لا ينافي الكشف ، وذلك لأنّ حكم الشارع وإن كان حدوثه بعد الرضا ، إلّا أنّ حكمه لمّا كان من جهة إمضائه للرضا ـ ومن المعلوم أنّ متعلق الرضا هو النقل الواقع حين العقد ـ لم يكن حدوث الحكم الشرعي منافيا لتحقق النقل حين العقد ، وهذا هو الكشف الانقلابي.

(٥) أي : أنّ حكم الشارع بثبوت الملك لمّا كان .. إلخ.

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٢٢ ، كتاب البيوع ، المسألة : ٢٩.

٢٩٧

الملك قبله (١).

قلت (٢) : المراد هو الملك شرعا ، ولا معنى لتخلف زمانه (٣) عن زمان الحكم الشرعي بالملك. وسيأتي (٤) توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء الله تعالى.

وإن شئت توضيح ما ذكرنا (٥) فلاحظ مقتضى فسخ العقد ، فإنّه وإن كان حلّا للعقد السابق وجعله كأن لم يكن ، إلّا أنّه لا يرتفع به الملكية السابقة على

______________________________________________________

(١) أي : الرضا ، وضمير «فكأنّه» راجع إلى الشارع.

(٢) هذا جواب الإشكال ، وتوضيحه : أنّ الجعل لا يتخلّف عن زمان المجعول فإنّ اعتبار الملكية يحدث في زمان ، فلا بدّ من حدوث الملكية المعتبرة في ذلك الزمان ، لئلّا يتخلف الجعل عن المجعول زمانا ، ومن المعلوم أنّ اعتبار الملكية شرعا إنّما هو في زمان الرضا ، فلا بدّ من حصول الملكية في ذلك الزمان أيضا.

وهذا نظير فسخ العقد ، فإنّه وإن كان حلّا للعقد السابق وجعله كالعدم ، لكنه لا يرفع الملكية من زمان وقوع العقد ، بل يرفعه من حين تحقق الفسخ.

والحاصل : أنّ الفسخ كما يرفع الملكية من حينه ، كذلك الرضا يثبت الملكية من حينه ، وزمان الفسخ هو زمان ارتفاع الملكية ، هذا.

(٣) أي : زمان الملك الشرعي لا يتخلّف عن زمان اعتبار الشارع للملكية بعقد المكره والفضول.

(٤) في بحث الإجازة والرد ، حيث قال في رد ثاني أدلة كاشفية الإجازة : «ان الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ».

(٥) أي : عدم تخلف زمان الملك الشرعي عن زمان حكمه بترتّب الملك على العقد.

٢٩٨

الفسخ ، لأنّ العبرة بزمان حدوثه (١) لا بزمان متعلقة (*).

______________________________________________________

(١) أي : بزمان حدوث الفسخ ، لا بزمان متعلقة وهو العقد المملّك.

__________________

(*) وجه التنظير أنّه كما لا يزيل الفسخ الملكية من زمان حصولها بالعقد ، بل يزيلها من زمان الفسخ ، كذلك الرضا ، فإنه لا يحدث إلا الملكية حين حصوله ، دون الأزمنة السابقة على الرضا ، وعليه فلا بدّ من الالتزام بالنقل دون الكشف.

لكن فيه : أنّه إن أريد بهذه المقايسة إثبات ناقلية الرضا من حيث إحداث الملكية من حينه كمعدمية الفسخ للملكية من حينه فهو من القياس المنهي عنه. وإن أريد بها مجرّد التنظير وإمكان أن يكون ثبوتا مثل الفسخ ، ففيه : أنّه لا بأس به ، لكنه لا يجدي في مقام الإثبات ، لعدم الدليل عليه.

وأمّا ما أفاده بعض الأعلام في وجه الكشف من أن مقابل الرضا هو الردّ لا الفسخ الذي يقابله الإقرار والتثبيت ، والردّ حلّ للعقد من حين إنشائه ، فالرضا يكون رضا بالعقد أيضا من حينه فالرضا كاشف لا ناقل ، هذا» (١) فلم يظهر له وجه فإن كلا من الردّ والرضا يتعلق بالعقد باعتبار ما فيه من اقتضاء التأثير ومعرضيته له. وهذا ثبت للعقد من زمان حدوثه إلى زمان ردّه أو الرضا به ، فالردّ من حين حصوله يردّ ذلك الاقتضاء ، كما أنّ الرضا الذي يقابله ينفّذ العقد من زمان حصول الرضا ، وينقله من اقتضاء التأثير إلى الفعلية في ذلك الزمان. ونتيجة هذا هو النقل لا الكشف الذي رامه دامت بركاته ، ضرورة أن قوة التأثير لا تصير فعليّة الّا بالرّضا ، ولا تصير فعلية قبله ، كما أنّها لا تزول إلّا بالردّ لا قبله.

وكذا ما أفاده في وجه الكشف من : أنّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على نفوذ العقد من قبيل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وبين ما دلّ على رافعية الإكراه لنفوذ المعاملة ، ببيان : أنّه يعمل بمقتضى دليل الإكراه في الزمان المتخلّل بين العقد والرضا ، فيبني على

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٣ ، ص ٣٤٠.

٢٩٩

ثم (١) على القول بالكشف هل للطرف غير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي (٢) إن شاء الله تعالى (*).

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على القول بالكشف ، وهو عدم جواز فسخ العقد بالنسبة إلى من يعقد مع المكره ، في الفترة المتخلّلة بين العقد والرضا أو الرّد ، فيجب عليه الصبر فيها ، نظير الأصيل الذي يعقد مع الفضولي ، وسيأتي تفصيله هناك إن شاء الله تعالى.

وأمّا بناء على النقل فحيث إنّ العقد المملّك لم يتمّ بعد جاز للطرف الآخر فسخ عقده مع المكره.

(٢) بقوله : «وامّا على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا .. فيجب على الأصيل الالتزام به وعدم نقضه ..» فراجع.

__________________

عدم النفوذ فيه ، وبمقتضى أدلة نفوذ المعاملة فيما بعد الرضا ، فيبني على نفوذه بعد الرضا (١).

وذلك لأنّه ليس ذلك مقتضى الجمع ، حيث إنّه في الزمان المتخلل يلزم العمل بكل من حديث الرفع وأدلة النفوذ. وليس ذلك إلّا التناقض ، لأنّ لازم الكشف هو البناء على الوفاء بأدلة النفوذ في الزمان المتخلل ، والمفروض أنّه ظرف العمل أيضا بحديث الرفع ، فيلزم نفوذ البيع وعدمه في ذلك الزمان ، ومن المعلوم أن البناء على نفوذه في ذلك الزمان لأجل الكشف يوجب طرح حديث الرفع لا العمل به ، فلا محيص عن الالتزام بناقلية الرضا التي هي مقتضى الجمع بين أدلة النفوذ بالعمل بها بعد الرضا ، وحديث الرفع بالعمل به قبل الرضا.

(*) الجهة العاشرة : في كون الرضا ناقلا أو كاشفا.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٣ ، ص ٣٣٩.

٣٠٠