هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

أنّه خرج الطلاق بالدليل. ولا يلزم (١) تأخير البيان ، لأنّ (٢) الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق ، بحيث (٣) لا يحتاج إلى رضا المولى أصلا ، بل ومع كراهة المولى كما يرشد إليه (٤) التعبير عن السؤال بقوله : «بيد من الطلاق؟».

______________________________________________________

(١) هذا جواب عن إشكال ، وهو : أنّه إذا كان الإذن في الصحيحة المتقدمة «المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلّا بإذن سيده» أعمّ من الإذن السابق والإجازة اللّاحقة ، والمفروض أنّ الإجازة لا تفيد في الطلاق كما اعترف به وصرّح بخروجه عن هذا الإطلاق بالدليل ، فيلزم حينئذ تأخير البيان عن وقت الحاجة ، حيث إنّ الإمام عليه‌السلام لم يذكر في الصحيحة خروج الطلاق عن الإذن اللاحق عند قوله عليه‌السلام : «المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه» ومن المعلوم امتناع تأخير البيان لا لمصلحة. فلا وجه لإرادة الأعم من الإذن السابق.

ومحصل الجواب عن الاشكال هو : أنّ الإذن وإن كان أعم من الإجازة اللاحقة بقرينة عقد النكاح ، إلّا أنّ الكلام مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق ، وأنّه باطل بدون إذن سيده ، وليس مسوقا لبيان جميع الخصوصيات المعتبرة في طلاق العبد حتى يلزم ـ من عدم بيان عدم تأثير الإجازة اللّاحقة فيه ـ تأخير البيان عن وقت الحاجة بترك عدم تأثير الإجازة في الطلاق الواقع عن العبد استقلالا.

(٢) هذا جواب عن الاشكال المذكور ، وقد مرّ آنفا توضيحه بقولنا : «ومحصل الجواب عن الإشكال .. إلخ».

(٣) قيد للمنفي يعني : استقلال العبد واستبداده ، بحيث لا يحتاج نفوذ طلاقه إلى رضا المولى ، بل كان مستقلّا حتى مع كراهة المولى للطلاق.

(٤) أي : يرشد إلى كون الكلام مسوقا لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق قول الإمام عليه‌السلام في مقام السؤال عمّن بيده الطلاق : «بيد من الطلاق؟» فإنّ ظاهر هذا التعبير هو السؤال عمّن يكون مسلّطا على الطلاق بالاستقلال.

٣٢١

ويؤيّد المختار (١) ـ بل يدلّ عليه ـ ما ورد (٢) في صحة نكاح العبد الواقع

______________________________________________________

(١) وهو ما قوّاه من كون الإجازة اللاحقة كالإذن السابق مؤثرة في صحة عقد العبد.

(٢) هذا وجه آخر يدلّ على كون إجازة السيد موجبة لصحة نكاح العبد الواقع بدون إذنه ، وهذا يدل عليه بنحوين :

أحدهما : أنّ عقد العبد لنفسه تصحّحه الإجازة اللاحقة ، فإنّ مقتضى العموم المستفاد من ترك الاستفصال هو عقده لنفسه. لا عقد الغير له ، حتى يخرج بذلك عن عنوان عقد المملوك ، ويندرج في عقد الفضولي الذي لا ربط لصحته بالإجازة اللّاحقة بصحة عقد العبد بإجازة المولى ، وصحة عقد نكاح المملوك بالإجازة تستلزم صحة جميع العقود الصادرة منه الملحوقة بالإجازة بالأولوية.

ثانيهما : أنّ تعليل الحكم بصحة العقد بالإجازة ب «عدم عصيان الله تعالى» يدلّ على أنّ المعيار في بطلان العقد هو مخالفته تعالى شأنه ، كالمعاملة على الخمر والميتة وغيرهما مما حرّمه الله تعالى ، دون مخالفة المولى ، فإنّها ترتفع بالإجازة الكاشفة عن العفو عمّا تجاوز به العبد على مولاه.

وبالجملة : إذا لم يكن العقد خارجا عن موازين الشرع وحدوده ـ كنكاح المحارم وبيع الخمر ونظائرهما ـ كان مقتضي الصحة فيه موجودا ، والمانع هو مخالفة السيد وعصيانه ، وذلك يرتفع بالإجازة اللاحقة ، هذا.

وأمّا النصوص التي يستفاد منها هذا الوجهان. فمنها : ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : سألته عن رجل تزوّج عبده [امرأة] بغير إذنه ، فدخل بها ، ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ فقال : ذلك إلى مولاه إن شاء فرّق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل. فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله ،

٣٢٢

بغير إذن المولى إذا أجازه معلّلا (١) «بأنّه لم يعص الله تعالى ، وإنّما عصى سيّده ،

______________________________________________________

وإنّما عصى سيّده ولم يعص الله ، إنّ ذلك ليس كإتيانه [كإتيان] ما حرّم الله تعالى عليه من نكاح في عدّة وأشباهه» (١).

ومنها : غير ذلك من الروايات (٢) التي يستفاد منها صحة عقد العبد بإجازة السيد.

والحاصل : أنّ الوجوه الدالة على لحوق الإجازة بالإذن في تصحيح عقد العبد بين ما يرجع إلى منع المقتضي ، لاعتبار خصوص الإذن في صحة عقد العبد ، وهو كون الخارج عن عمومات وجوب الوفاء بالعقود خصوص العقد الصادر من العبد بدون مراجعة مولاه بالإذن أو الإجازة ، لأنّه المتيقن من المخصص المجمل المنفصل ، فلا مقتضي لاعتبار خصوص الاذن السابق في صحة العبد. وبين ما يرجع إلى قيام الدليل على كفاية الإجازة المتأخرة ، وهو النصوص الدالة على جواز عقد العبد بإجازة السيد ، فإنّها تدلّ على كون الإجازة كالإذن مصحّحة لعقده ، لعدم كون نفوذ عقد العبد عصيانا له سبحانه وتعالى حتى لا يصحّحه إجازة المولى ، بل لكونه عصيانا للسيد وتضييعا لحقّه ، وذلك يجبر بإجازته التي هي عفو عن ذنبه وتجاوزه. لكن طائفة من العامة زعموا أنّ معصية السيد معصية الرب جلّ وعلا ، فلا تجبر بإجازة السيد.

(١) باسم المفعول حال منصوب من فاعل «ورد» بأن يكون المعنى : أنّ ما ورد من النصوص قد علّل «بأنّ العبد لم يعص الله تعالى».

ويجوز أن يكون باسم الفاعل ، بأن يقال : علّل الامام عليه‌السلام الحكم بأنّ العبد لم يعص الله. لكنّ الأوّل أقرب.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٢ ، باب : أن العبد إذا تزوج بغير اذن سيده كان العقد موقوفا على الإجازة منه ، والرواية ضعيفة بموسى بن بكر.

(٢) المصدر ، ح ١ ، وص ٥٢٢ ، الباب ٢٣ ، ح ١.

٣٢٣

فإذا أجاز جاز» (١) بتقريب (٢) : أنّ الرواية تشمل ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه.

وحمله (٣) على ما إذا عقد الغير له

______________________________________________________

أو يقال : النّص علّل الحكم ، بأن يكون النص معلّلا.

(١) يعني : فإذا أجاز السيّد عقد العبد جاز أي : نفذ ورتّب عليه الأثر. وما في المتن نقل بالمعنى ، وإلّا فمتن الرواية المتقدمة في (ص ٣١٤) هكذا : «فإذا أجاز فهو له جائز».

(٢) يعني : تقريب دلالة ما ورد من النصوص على مختاره من لحوق الإجازة بالإذن في تصحيح عقد العبد من حيث المملوكية. ومحصّل التقريب : أنّ الرواية بلحاظ ترك الاستفصال تشمل ما إذا كان العبد نفسه عاقدا لنفسه ، إذ حمل الحديث على عقد الغير للعبد ـ حتى يخرج عن عقد المملوك ويندرج في عقد الفضولي الذي لا ارتباط لصحته بالإجازة بصحة عقد العبد بالإجازة ـ غير سديد ، لوجهين :

أحدهما : ترك الاستفصال مع كون المتكلم في مقام البيان ، كما مرّت الإشارة إليه آنفا.

والتعبير بالتأييد أوّلا ثمّ بالدلالة ثانيا لعلّه لأجل كون الفحوى ظنية لا تصلح للاستدلال بها ، أي إلحاق البيع بالنكاح. وأمّا الدلالة فلأنّ عموم العلة ـ وهو عصيان السيد لا الرّبّ ـ كاف في المقامين ، هذا ما أفاده السيد قدس‌سره (١).

ثانيهما : ما سيأتي عند شرح كلام المصنف قدس‌سره إن شاء الله تعالى.

(٣) مبتدء ، وخبره «مناف» أي : وحمل الحديث الوارد في صحة عقد نكاح العبد بدون إذن مولاه ـ على عقد الغير للعبد ـ مناف لترك الاستفصال.

لكن قد عرفت أن هذا الحمل يدرج المقام في عقد الفضولي ، وهو أجنبي عن عقد العبد الذي يكون البحث فيه من حيث المملوكية.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٠.

٣٢٤

مناف لترك الاستفصال (١).

مع (٢) أنّ تعليل الصحة (*) «بأنّه لم يعص الله تعالى» إلى آخره في قوة (٣) أن يقال : إنّه إذا عصى الله بعقد (٤) كعقد على ما حرّم الله تعالى ـ على ما مثّل به

______________________________________________________

(١) إشارة إلى الجواب الأوّل عن حمل الحديث على عقد الغير للعبد ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «أحدهما ترك الاستفصال مع كون المتكلم .. إلخ».

(٢) هذا ثاني الجوابين عن الحمل المزبور ، ومحصله : أنّ هذا التعليل يدلّ على أمرين :

أحدهما : أنّ مورد الحديث هو كون العاقد نفس العبد لا غيره له ، ضرورة أنّه على هذا التقدير لم يصدر منه عقد حتى يكون معصية لله تعالى أو للسيّد. فترك الاستفصال وهذا الحديث يدلّان على كون العاقد هو العبد لنفسه.

ثانيهما : أنّ تعليل الصحة بعدم عصيان الله تعالى يدلّ على أنّ موجب البطلان هو معصية الله تعالى بمخالفة قوانينه وحدوده ، بحيث لا يمكن التصحيح بوجه كالعقد على المحرّمات ، كذاتي البعل والعدة ، والمطلقة تسعا. دون معصية السيد ، فإنّها ترتفع برضاه عن عبده وإجازة ما أوقعه بدون الاستيذان منه ، لأنّ حقّ السيد على العبد أن تكون أعماله بإذن سيّده ، ولا يتجاوز عن رسوم العبودية ، وإذا عفى السيد عن مخالفة عبده وأجاز العقد صحّ ونفذ.

(٣) خبر قوله : «أنّ تعليل».

(٤) يتصدّاه بنفسه ، وهذا المعنى يستفاد من إضافة «معصيته» إلى السيد ، إذ بدون تصدّيه للعقد وفرض تصدّي الغير له لا يكون العبد عاصيا للسيد.

__________________

(١) يمكن تقريب هذا التعليل بوجوه ثلاثة :

الأوّل : ما في المتن من أنّ العامة كانوا يتوهّمون مساواة معصية السيد لمعصية الله عزوجل في عدم زوال حكمها بالإجازة. والإمام عليه‌السلام أبطل هذا القياس بالفرق بين

٣٢٥

الامام عليه‌السلام في روايات أخرى (١) واردة في هذه المسألة ـ كان (٢) العقد باطلا ، لعدم (٣) تصوّر رضا الله تعالى بما سبق من معصيته (٤). أمّا إذا لم يعص الله وعصى سيّده أمكن رضا سيده فيما بعد (٥) بما لم يرض به سابقا ، فإذا رضي به وأجاز صحّ.

______________________________________________________

(١) جمعها صاحب الوسائل في باب «أنّ العبد إذا تزوّج بغير إذن سيده كان العقد موقوفا» (١).

(٢) جواب «إذا» في قوله : «إذا عصى الله».

(٣) تعليل لعدم الصحة ، وحاصله : عدم تصوّر رضا الله عزوجل بما وقع من معصيته.

(٤) حتى يعقل إجازته.

(٥) يعني : بعد وقوع العقد ، وقوله : «بما» متعلق ب «رضا».

__________________

المعصيتين ، حيث إنّ معصية الله لا تزول ، لاستحالة تبدّل كراهته بالرضا ، ضرورة أنّ الشي‌ء الواقع مكروها له عزوجل واقع على ما هو عليه ، فلا ينقلب مرضيّا به. وهذا بخلاف كراهة السيد ، فإنّها قابلة للتبدل بالرضا بسبب الإجازة.

وعليه فلا يعقل تحقق الإجازة منه تعالى ، لا أنّها لا تؤثّر وإجازة السيد تؤثّر حتى يقال بعدم الفرق بين المعصيتين وبين الإجازتين.

ونتيجة هذا التقريب نفوذ كل عقد صدر من العبد وأجاز له المولى ، ولم يكن معصية له تعالى شأنه ، وإن كان معصية للسيد.

وبالجملة : فمناط هذا التقريب قياس معصية السيد بمعصية الله عزوجل من دون لزوم معصيته جلّ وعلا هنا ، وأبطل القياس ببيان الفارق بين المعصيتين بأنّ معصية الله لا تزول بالإجازة ، بخلاف معصية السيّد فإنّها تزول بالإجازة.

الثاني : ما في حاشية السيد قدس‌سره من : أنّ معصية السيد كمعصية الله تعالى لا تزول

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٤ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣٢٦

فيكون الحاصل (١) أنّ معيار الصحة في معاملة العبد ـ بعد كون المعاملة في نفسها ممّا لم ينه عنه الشارع ـ هو (٢) رضا سيّده بوقوعه سابقا أو لاحقا

______________________________________________________

(١) أي : حاصل الكلام في عقد العبد الواقع بدون إذن سيده : أنّ معيار الصحة في معاملات العبد هو كونها مع رضا السيد بوقوعها ، سواء أكان هذا الرضا سابقا أم لا حقا.

(٢) خبر قوله : «أنّ معيار».

__________________

بنفسها ، لأنّه انقلاب ، بل مرجع الإجازة إلى العفو عن المعصية. وغرض الإمام عليه‌السلام من التعليل أنّ الإجازة منه تعالى شأنه مفروض العدم ، لانتفاء موضوعها وهي معصية الله تعالى ، ومن السيد مفروض الثبوت ، لوجود موضوعها وهو عصيان السيد (١).

فحاصل هذا الوجه : أنّ الإجازة منوطة بالمعصية التي هي مفقودة بالنسبة إليه تعالى ، لانتفاء موضوعها. وموجودة بالنسبة إلى السيد ، فيحتاج إلى الإجازة. وعليه يكون توهم العامة من حيث عدم الفرق بين الإجازتين لرفع أثر المعصيتين.

فمناط هذا التقريب توهم العامة عدم الفرق بين الإجازتين في عدم إجداء الإجازة لرفع المعصية مطلقا سواء أكانت معصية السيد أم العبد. وجوابه بالفرق بينهما من حيث الوجود والعدم ، للفرق بين موضوعيهما بالعدم بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ، وبالوجود بالنسبة إلى السيد.

الثالث : أنّ العامّة لمّا توهموا «أنّ إجازة السيد لا تحلّل ما وقع حراما ـ فإنّ الحرمة المتوهمة للعامة هي حرمة مخالفة السيد الموجبة لحرمة ما وقع من العبد من النكاح ـ ولا تنفّذ ما وقع فاسدا ، وذلك لأنّه عصى الله تعالى ، فإجازة السيد لا ترفع عصيان العبد له تعالى» فأجاب الإمام عليه‌السلام بأنّه لم يعص الله تعالى ، حتى لا يكون معنى لإجازة السيد ، بل عصى سيده ، فإذا أجاز جاز. وهذا الوجه الثالث هو أقرب الوجوه الثلاثة ، لقرائن :

إحداها : قول السائل : «بأنّ أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له» كما في

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٠.

٣٢٧

وأنّه (١) إذا عصى سيّده بمعاملة ثم رضي السيد بها صحّ ، وأنّ (٢) ما قاله المخالف من (٣) «أنّ معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده ، وأنه (٤) لا ينفع الرضا اللّاحق» كما نقله السائل (٥) عن طائفة من العامة

______________________________________________________

(١) معطوف على «أنّ معيار» وضميره راجع إلى «العبد» يعني : فيكون الحاصل أنّ العبد إذا عصى سيده بمعاملة ثم رضي السيد بتلك المعاملة صحّ.

(٢) معطوف على «وأنه» والمراد بالمخالف هو الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما المشار إليهم في موثقة زرارة المتقدمة.

(٣) بيان ل «ما» الموصول ، وضمير «حكمها» راجع إلى «معصية» وضمير «برضاه» إلى السيد ، وضمير «بعده» الى «العقد» والمراد بحكم المعصية بطلان المعاملة.

(٤) معطوف على «انّ» وضميره للشأن.

(٥) وهو زرارة رضوان الله عليه الناقل عن طائفة من العامة ، وهم الحكم بن عيينة والنخعي وأصحابهما.

__________________

موثقة زرارة.

ثانيتها : قوله أيضا في خبر زرارة : «فإنه في أصل النكاح كان عاصيا».

ثالثتها : قوله أيضا في قوىّ منصور بن حازم : «أعاص لله تعالى» (١)

رابعتها : قوله أيضا فيه : «قلت حرام هو؟» فإنّ هذه القرائن كلّها تشهد بأنّ مورد الكلام تأثير إجازة السيد في رفع الحرمة ، ومعصيته تبارك وتعالى. فأجاب الإمام عليه‌السلام بأنّه لم يعص الله تعالى حتى لا تؤثّر إجازة السيد في صحة العقد ورفع العصيان ، بل أتى شيئا حلالا ، وليس ذلك كإتيان ما حرّم الله تعالى من نكاح في عدة وأشباهه ، وأنّه «لا أزعم أنّه حرام» ونحو ذلك من التعبيرات.

فالتعليل يدلّ على قابلية كل عقد يصدر من العبد للإجازة إن لم يكن حراما بذاته وفاسدا من أصله ، ولم يكن مسبوقا بإذن السيد ، فإنّ إجازته حينئذ مصحّحة لعقد عبده.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٢ ، الباب ٢٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٢.

٣٢٨

غير (١) صحيح ، فافهم (٢) واغتنم.

ومن ذلك (٣) يعرف أن استشهاد بعض (٤) بهذه الروايات (٥) على صحة عقد العبد وإن لم يسبقه إذن ولم يلحقه إجازة ، بل ومع سبق النهي أيضا ، «لأنّ (٦) غاية الأمر هو عصيان العبد وإثمه في إيقاع العقد والتصرف في لسانه

______________________________________________________

(١) خبر «وأنّ ما قاله المخالف» وقد تقدم وجه عدم صحة ما قاله المخالف من تقريب التعليلات التي اشتملت عليه صحيحة زرارة وغيرها من الروايات المشار إليها.

(٢) وتأمّل في الفرق بين معصية الله تعالى ومعصية الخلق ، فإنّ الاولى لا تقبل الإجازة ، فإن نكاح المحارم معصية له تعالى ، لخروجه عن الموازين والحدود الشرعية ، ولا يمكن تصحيحه بالإجازة. بخلاف الثانية ، فإن انقلاب مكروه الخلق إلى المرضيّ به ممكن.

(٣) أي : ومن كون ملاك صحة عقد العبد إذا وقع بدون إذن مولاه هو رضا السيد وإجازته ، وإلّا بطل العقد.

(٤) وهو صاحب الجواهر قدس‌سره ، ومحلّ استشهاده قوله عليه‌السلام : «لم يعص الله وإنّما عصى سيّده» وتقريب الاستشهاد ما ذكره المصنف قدس‌سره بقوله : «ودعوى».

(٥) وهي روايات زرارة وغيرها ، ولكنّ المصنف لم يذكر إلّا روايتي زرارة. قال في الجواهر : «إنّ القول بالصحة وإن لم يأذن المولى ـ بل مع نهيه ـ لا يخلو عن قوة وإن أثم العبد بإيقاعها ، لأنّها من المنافع المملوكة للسيد. إلّا أنّ الحرمة لا تنافي الصحة هنا ، إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد بالنسبة إلى ذلك» (١).

(٦) هذا تعليل صاحب الجواهر لصحة عقد العبد ولو مع منع المولى عن ذلك.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧١ ، وأفاد نحوه في ج ٢٥ ، ص ٧٠ ، إلّا أنه تأمّل فيه ، فراجع.

٣٢٩

الذي هو ملك للمولى ، لكن النهي مطلقا لا يوجب الفساد ، خصوصا (١) النهي الناشئ عن معصية السيد كما يومي إليه (٢) هذه الأخبار الدالة على أنّ معصية السيد لا تقدح بصحة العقد» في غير (٣) محله ، بل (*) الروايات (٤) ناطقة

______________________________________________________

(١) لأنّ النهي في المقام لم يتعلّق بالمعاملة من حيث هي حتى يدلّ على الفساد ، بل تعلّق بعنوان مخالفة السيد ، فالنهي عن المعاملة تبعيّ ولا يوجب فسادها ، نظير النهي عن البيع وقت النداء.

(٢) يعني : يومي إلى عدم كون النهي الناشئ عن معصية السيد موجبا للفساد ، وذلك لأنّ صحة العقد بإجازة السيد تشير إلى أنّ مخالفة السيد توجب الإثم ، ولا تمنع عن الحكم الوضعي أعني به صحة المعاملة بالإجازة.

(٣) خبر «أنّ» في قوله : «يعرف أنّ استشهاد» ومحصّل الجواب عن استشهاد صاحب الجواهر قدس‌سره بالروايات المشار إليها هو : أنّ صحة عقد العبد منوطة برضا المولى ، وبعدمه يبطل ، فبطلانه حينئذ يستند إلى عدم رضاه ، لا إلى النهي حتى يقال : إنّ البطلان لا يستند إلى هذا النهي الناشئ عن عصيان السيد.

(٤) يعني : بل الروايات تدلّ على خلاف ما أفاده ، لدلالتها على أنّ الصحة من جهة تبدل الكراهة بالرضا ، وكون المدار في الصحة على الرضا ، فبدونه يبطل. فوجه البطلان هو عدم وجود الرضا ، لا النهي المسبب عن عصيان السيد حتى يناقش في دلالته على الفساد.

__________________

(١) لعل الأولى تبديل «بل» ب «إذ» لأنّ ما بعد «بل» تقريب لعدم صحة استشهاد بعض بهذه الروايات وتوضيح له ، لا إضراب عنه ، وإن أمكن توجيه الإضراب أيضا ، فتأمّل في أنّ أيّهما أنسب بالمقام.

٣٣٠

كما عرفت (١) بأنّ الصحة من جهة ارتفاع كراهة المولى وتبدّله بالرضا بما فعله العبد. وليست (٢) كراهة الله عزوجل بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه (٣) السابق. فكأنّه قال (٤) : «لم يعص الله حتى يستحيل تعقبه للإجازة والرضا ، وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجاز (٥) جاز» فقد علّق (٦) الجواز صريحا على الإجازة.

ودعوى (٧) «أنّ تعليق الصحة على الإجازة من جهة مضمون العقد ، وهو

______________________________________________________

(١) في تقريب دلالة تلك الأخبار على كون إجازة السيد لعقد العبد غير المسبوق بالإذن مصححة له ، حيث إنّ الإجازة تدل على الرضا المعتبر في صحة عقد العبد ، فلاحظ قوله (في ص ٣٢٧) : «فيكون الحاصل أن معيار الصحة في معاملة العبد .. هو رضا السيّد بوقوعه .. إلخ».

(٢) يعني : وليست كراهة المولى كراهة الله عزوجل ـ كما ربّما يتوهمها العامة ـ حتى يستحيل رضاه تعالى بعد وقوع العقد.

(٣) متعلق ب «رضاه» والمشار إليه ب «ذلك» هو العقد.

(٤) أي : قال الامام عليه‌السلام في تلك الأخبار : لم يعص الله حتى يستحيل تعقبه للإجازة والرضا ، وإنّما عصى سيّده. ومعصية السيد قابلة للتبدل بالرضا والإجازة.

(٥) أي : فإذا أجاز السيد العقد ـ الصادر من عبده بدون إذنه ـ جاز أي نفذ وصح.

(٦) أي : علّق الامام عليه‌السلام جواز العقد ـ أي صحته صريحا ـ على الإجازة كما في روايات زرارة وغيرها.

(٧) محصل هذه الدعوى : أنّ قوله عليه‌السلام : «فإذا أجاز جاز» الدال على تعليق صحة عقد العبد الواقع بدون إذن سيده على إجازة السيد ناظر إلى تعليق مضمون العقد المسمّى بمعنى اسم المصدر ، كالزوجية التي هي نتيجة عقد النكاح ، وليس ناظرا إلى تعليق إنشاء كلّ عقد وإن لم يرتبط مضمونه بالسيد ـ كإنشاء العقد للغير من بيع

٣٣١

التزويج المحتاج إلى إجازة السيد إجماعا ، لا نفس (١) إنشاء العقد حتى لو فرضناه (٢) للغير يكون محتاجا إلى إجازة مولى العاقد» مدفوعة (٣) بأن المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلية بأنّ رضا المولى بفعل العبد بعد وقوعه يكفي (٤) في كلّ ما يتوقف على مراجعة السيد ، وكان (٥) فعله من دون مراجعته أو مع النهي عنه معصية له ، والمفروض أنّ نفس العقد من هذا القبيل (٦).

______________________________________________________

أو غيره مما لا يرتبط مضمونه بالمولى ـ حتى يقال : بتوقف صحة كل عقد على إجازة المولى بحيث يكون نفس الإنشاء والتلفظ بألفاظ العقد معصية.

(١) معطوف على «مضمون» يعني : أنّ تعليق الصحة على الإجازة من جهة المضمون ، لا من جهة نفس إنشاء العقد ، فلا يحتاج الإنشاء إلى الإجازة.

(٢) يعني : لو فرضنا إنشاء العبد عقدا لغيره ، كإنشائه بيع مال الغير.

(٣) خبر «ودعوى» ودفع لها ، ومحصّله : أنّ الرواية المتقدمة التي رواها زرارة عن الصادقين عليهما‌السلام سيقت لبيان قاعدة كلية ، وهي أنّ كلّ ما يكون وقوعه من العبد بدون الإذن معصية لسيده يتوقف على إجازة السيد ، ومن المعلوم أنّ إنشاء العقد للغير من هذا القبيل ، فلا يتوقف خصوص الإنشاء ـ الذي يكون مضمونه مرتبطا بالسيد ـ على إجازة السيد ، بل كلّ إنشاء يتوقف على إجازة المولى.

(٤) خبر قوله : «بأنّ رضا» وغرضه كفاية الرضا المتأخر عن الفعل في ترتب الأثر عليه ، وعدم توقفه على خصوص الإذن السابق على كل فعل يصدر من العبد ويكون معصية للسيد ، ولو كان إنشاء للغير وأجنبيا مضمونه عن المولى.

(٥) معطوف على «يتوقف» والأولى إبداله بالمضارع.

(٦) أي : كون نفس العقد الصادر من العبد بدون إذن السيد معصية ، فلا بدّ من كون نفس الإنشاء أيضا ـ مع الغض عن ارتباط مضمونه بالمولى ـ مقرونا بإجازته.

٣٣٢

ثم (١) إنّ ما ذكره «من عصيان العبد بتصرفه في لسانه ، وأنّه (٢) لا يقتضي الفساد» يشعر (٣) بزعم أنّ المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد من دون رضا المولى.

وفيه أوّلا (٤) : منع حرمة هذه التصرفات الجزئية ، للسيرة المستمرة (*)

______________________________________________________

فالمحتاج إلى الإجازة كلّ من الإنشاء ومضمونه ، فإنشاء العبد عقد البيع أو النكاح لغيره أيضا يحتاج إلى إجازة المولى ، لكون نفس الإنشاء الذي هو تصرف في لسانه معصية للسيد وإن لم يكن مضمونه مرتبطا به.

(١) أراد الشيخ الأعظم أن يناقش صاحب الجواهر فيما أفاده من : أنّ العبد وإن أثم بإيقاع العقد ، لكونه تصرفا في لسانه الذي هو ملك لسيده ، لكن هذا التصرف لا يوجب الفساد ، لعدم اقتضاء النهي للفساد.

(٢) معطوف على «عصيان» وضميره راجع إلى «عصيان العبد».

(٣) خبر «أنّ ما ذكره» وهذا مورد مناقشة المصنف مع صاحب الجواهر قدس‌سرهما ومحصله : أنّه زعم أنّ منشأ بطلان عقد العبد لغيره عند القائل به هو حرمة التلفظ بألفاظ العقد من دون رضا السيد ، لكون نفس التلفظ تصرفا في ملك المولى بدون إذنه ، فيكون حراما ، وحرمته توجب بطلانه ، فبطلان عقد العبد لغيره مستند إلى التصرف المنهي عنه.

(٤) أي : وفيما زعمه صاحب الجواهر ـ من كون مستند بطلان إنشاء العبد للغير هو حرمة التلفظ بألفاظ العقد من دون رضا السيد ـ إشكال ، لمنع حرمة هذه

__________________

(*) ولو نوقش في السيرة كفت أصالة البراءة في جوازها ، لأنّها من الشبهات الحكمية التحريمية.

٣٣٣

على مكالمة العبيد ، ونحو ذلك من المشاغل الجزئية.

وثانيا : بداهة (١) أنّ الحرمة في مثل هذه (٢) لا توجب الفساد. فلا يظنّ استناد العلماء في الفساد إلى الحرمة.

وثالثا (٣) : أنّ الاستشهاد بالرواية ـ لعدم كون معصية السيد بالتكلم

______________________________________________________

التصرفات الجزئية ، للسيرة المستمرة عليها من دون ردع الشارع عنها ، هذا أوّلا.

(١) بالرفع مبتدء ل «فيه» المقدّر ، أي : وفيه ثانيا بداهة. وهذا هو الإشكال الثاني على صاحب الجواهر ، ومحصله : أنّ الحرمة مطلقا لا توجب الفساد ، بل فيما إذا تعلّق بأحد ركني المعاملة كالنهي عن بيع الخمر وآلات القمار ونحو ذلك ، دون ما إذا تعلّق بأمر خارج عن المعاملة كالنهي عن مخالفة السيد ، وعمّا يوجب ترك صلاة الجمعة ، فإنّ مثل هذا النهي لا يوجب الفساد ، لعدم تعلقه بالمعاملة من حيث هي ، فاستناد العلماء في فساد المعاملة إلى هذا النهي في غاية البعد.

(٢) ممّا كان متعلّق النهي عنوانا مغايرا لعنوان المعاملة مقارنا له في الوجود كمخالفة السيد ، فإنّ الحرمة التكليفية لا توجب الفساد الذي هو حكم وضعي.

(٣) هذا هو الإشكال الثالث على صاحب الجواهر ، وحاصله : أنّ الاستشهاد بالروايات المذكور بعضها كصحيحة زرارة ـ على عدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد والتصرف في لسانه قادحة في صحة العقد ـ غير صحيح ، حيث إنّ مقتضى هذا الاستشهاد كون التكلم مفسدا للمعاملة إذا كان معصية لله ، مع أنّه لم يقل به أحد.

ومحصل إشكال المصنف عليه هو : أنّ مجرد الحرمة التكليفية لا توجب الحرمة الوضعية كحرمة التلفظ بصيغة البيع وقت صلاة الجمعة ، أو وقت صلاة الاستيجار ، أو في ضيق وقت الفريضة ، فإنّ حرمة التلفظ بألفاظ العقد في هذه الأوقات وإن كانت مسلّمة لكنّها لا توجب الفساد.

٣٣٤

بألفاظ العقد والتصرف في لسانه قادحا في صحة العقد ـ غير صحيح ، لأنّ مقتضاه (١) أنّ التكلم إن كان معصية لله تعالى يكون مفسدا. مع أنّه لا يقول به (٢) أحد ، فإنّ حرمة العقد من حيث إنّه تحريك اللسان ـ كما في الصلاة والقراءة المضيّقة ونحوهما ـ لا يوجب (٣) فساد العقد إجماعا.

فالتحقيق أنّ المستند في الفساد (٤) هو الآية المتقدمة (٥) والروايات (٦) الواردة في عدم جواز أمر العبد ومضيّه (*) مستقلّا ،

______________________________________________________

(١) أي : مقتضى الاستشهاد هو أنّ التكلم إن كان معصية له تعالى كان مفسدا للمعاملة ، مع عدم قائل به ، فإنّ ظاهر عدم قادحية عصيان السيد بصحة المعاملة هو قادحية عصيانه تعالى الحاصل بتحريك لسانه بصحة المعاملة ، مع أنّه لم يقل أحد بفساد المعاملة بسبب حرمة التكلم.

(٢) أي : بفساد المعاملة بسبب حرمة التكلم ، فإنّ الحرمة التكليفية لا تستلزم الحرمة الوضعية.

(٣) خبر قوله : «فإن حرمة».

(٤) أي : فساد المعاملة الصادرة من المملوك من حيث كونه مملوكا.

(٥) وهي قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ، .. وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) (١).

(٦) التي تقدم بعضها كصحيحة زرارة وموثقته (٢).

__________________

(*) لكن قد تقدم سابقا عدم دلالة الآية الشريفة مع الروايات المشار إليها إلّا على

__________________

(١) سورة النمل ، الآية ٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ ، ويستفاد الحكم من روايات أخرى أوردها صاحب وسائل الشيعة في باب ٦٤ و ٦٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ص ٥٧٤ و ٥٧٦ ، فراجع.

٣٣٥

وأنّه (١) ليس له من الأمر شي‌ء.

فرع (*)

لو أمر العبد أن يشتري (٢) نفسه من مولاه ، فباعه مولاه ، صحّ ولزم بناء

______________________________________________________

(١) أي : وأنّ العبد ليس له استقلال في شي‌ء.

(٢) يعني : أن يشتري العبد نفسه من مولاه الآمر ، فالأولى إضافة كلمة «له» بعد «يشتري».

__________________

توقف خصوص الإنشاءات الراجعة إلى نفس العبد كالنكاح والطلاق على إذن السيد أو إجازته. ولو بنى على التعدي عنهما فيتعدى إلى ما يشابههما ، وهي الإنشائيات الراجعة إلى شخص العبد كالبيع والصلح وغيرهما. لا إلى كل فعل ولو كان ذلك إنشاء لغير العبد ، كما إذا صار وكيلا عن شخص في إجراء صيغة بيع أو نكاح له ، إذ لا دليل على حرمته التكليفية ، لجريان السيرة أو جريان أصالة البراءة فيه.

وعلى تقدير تسليم الحرمة فلا دليل على الحرمة الوضعيّة ، وهي عدم ترتب الأثر على إنشائه حتى يحتاج إلى إجازة السيد ، لعدم تعلق الحرمة بأحد ركني العبد ، وهما العوضان كالمثمن والثمن ، فمقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لزوم الوفاء به.

(*) قد تعرض لهذا الفرع المحقق وغيره ، والغرض من تعرضه له إمّا التنبيه على التوسعة في إذن المولى ، لأنّه المناسب للمقام ، وأنّ الإذن يشمل الضمني كالصريح.

وإمّا التنبيه على ثبوت شرط آخر للبيع ، وهو مغايرة المشتري للمال الذي اشتراه ، وذكروا هذا الفرع لعدم اعتبار مغايرة المشتري للمشترى.

وإمّا التنبيه على عدم اعتبار وجود شرائط المتعاقدين من أوّل العقد إلى آخره.

وإمّا التنبيه على عدم اعتبار تعدد الموجب والقابل ، وعدم مانع من اتحادهما.

وهذا ممّا اختلف فيه القدماء ، قال الشيخ قدس‌سره : «المرأة البالغة الرشيدة تزوّج نفسها وتزوّج

٣٣٦

.................................................................................................

__________________

غيرها بنفسها مثل بنتها أو أختها ، ويصح أن تكون وكيلة في إيجاب وقبول ، وفيه خلاف» (١) خلافا للقاضي في هذه المسألة بخصوصها ، لزعمه أنّها من باب اتحاد الموجب والقابل ، كما صرّح هو بهذا.

وقال المحقق : «ولو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه ، قيل : لا يجوز ، والجواز أشبه» (٢).

وقال الشهيد الثاني في شرحه : «وجه المنع اعتبار التغاير بين المتعاقدين ، وعبارة العبد كعبارة سيده. أو اشتراط إذن المولى في تصرف العبد ، ولم يسبق له منه إذن.

ويندفع الأوّل بأنّ المغايرة الاعتبارية كافية ، ومن ثمّ اجتزءنا بكون الواحد الحقيقي موجبا قابلا ، فهنا أولى. والثاني بأنّ مخاطبة السيد له بالبيع في معنى التوكيل له في تولّي القبول» (٣).

وكيف كان فالحقّ صحة البيع. أمّا بناء على ما اخترناه من عدم توقف صحة إنشاءات العبد لغيره على إذن المولى وإجازته فواضح ، لعدم اعتبار الإذن في إنشاءاته للغير ، ولتعدد الموجب والقابل حقيقة.

وأمّا بناء على توقفها على ذلك فلأنّ مخاطبة المولى للعبد بقوله : «بعتك» في معنى توكيله في تولّي قبول الشراء لمن أمره بالاشتراء.

وأمّا اعتبار تعدد الموجب والقابل ، ففيه أوّلا : عدم الدليل على اعتباره ، وكفاية التعدد الاعتباري.

وثانيا ـ بعد تسليمه ـ أنّ التعدد في المقام موجود ، لكون الموجب هو السيد

__________________

(١) المبسوط ، ج ٤ ، ص ١٩٣.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤.

(٣) مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٧.

٣٣٧

على كفاية رضا المولى الحاصل من تعريضه (١) للبيع من إذنه (٢) الصريح ، بل (٣) يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للإذن الضمني (*)

______________________________________________________

(١) متعلق ب «الحاصل» وضميره راجع إلى «المولى» يعني : أنّ تعريض المولى العبد للبيع كاف عن إذنه الصريح في البيع.

(٢) متعلق ب «كفاية» وحاصله : أنّ الرضا كاف ، ولا يفتقر البيع إلى الإذن الصريح.

(٣) إضراب عن البناء على كفاية الرضا ، والتزام بالحاجة إلى الإذن ، وحاصله : أنّه يمكن إثبات الإذن في المقام ، بأن يقال : إنّ نفس الإيجاب يوجب الإذن الضمني أو يكشف عنه ، وإلّا لم يوجب البيع.

لكن يتوجه عليه : أنّ الكلام كان في اعتبار الإذن الصريح ، لا مطلق الاذن وإن كان ضمنيا. والمستكشف من الإيجاب إذن ضمني للعبد في قبول الوكالة عن الغير في المباشرة للاشتراء لذلك الغير.

__________________

والقابل هو العبد ، والاتحاد موقوف على وحدة عبارة السيد والعبد ، وهو ممنوع جدّا ، لعدم الوحدة لا شرعا ولا عقلا ولا عرفا.

(*) قد يتوهم أنّ الأولى إبداله بالإجازة الضمنية ، لأنّ الإيجاب دالّ على إجازة قبول الوكالة الثابتة بسبب أمر الآمر العبد بالاشتراء ، فالإيجاب دالّ على إجازة هذه الوكالة ، لوقوعها بعد تحقق الوكالة ، فينبغي عطف عنان البحث إلى توسعة الإجازة للإجازة الضمنية وعدمها ، لا توسعة الاذن.

لكنّه كما ترى ، ضرورة أنّ الإجازة عبارة عن إمضاء العمل الصادر من العبد كبيع ونحوه. وفي المقام لم يصدر منه عمل. وإنّما الصادر هو توكيل الغير له ، وإذن المولى يكون مسوّغا لقبول الوكالة ، والمفروض أن العبد لم يقبل الوكالة قبل ذلك حتى تصدق الإجازة.

٣٣٨

ولا يقدح (١) عدم قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب ، لأنّ (٢) هذا الشرط ليس على حدّ غيره من الشروط المعتبرة في كلّ من المتعاقدين من أوّل الإيجاب إلى آخر القبول (*) ، بل هو (٣) نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء ، حيث يكفي تحقّقه بعد الإيجاب وقبل القبول الذي بنى المشتري على إنشائه (٤) فضولا.

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى توهم ودفعه. أمّا التوهم فهو : أنّ المانع عن صحة البيع هنا انتفاء بعض الشرائط ، وهو قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب ، لعدم كونه حرّا مستقلّا في تصرفاته التي منها القبول في زمان الإيجاب.

(٢) هذا دفع التوهّم ، وحاصله : أنّ هذا الشرط ليس على حدّ سائر شرائط المتعاقدين المعتبرة من أوّل زمان الإيجاب إلى آخر القبول ، فتكفي قابلية المشتري للقبول بعد تمامية الإيجاب.

(٣) أي : شرط قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب ، نظير قابلية من يريد أن يشتري مال الغير فضولا ، فإذا أذن له مالك الثمن في الاشتراء بعد إيجاب البائع وقبل قبول المشتري ـ الذي بنى على إنشاء القبول فضولا ـ كفى في الخروج عن الفضولية ، وصحّ البيع ولزم. والمقام نظير ذلك ، فحدوث قابلية العبد للقبول بعد تحقق الإيجاب من السيد كاف في صحة البيع.

(٤) أي : إنشاء القبول فضولا.

__________________

(*) لكنه خلاف ما أطلقه سابقا من وجوب كون جميع الشروط من حين الإيجاب إلى تمام القبول ، سواء لم يكن المشتري في حال الإيجاب قابلا للقبول ، أم كان أهلا للقبول عرفا ولكن الشارع أسقط رضاه عن الاعتبار ، فراجع (١).

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٦٠٢ ـ ٦٠٥.

٣٣٩

وعن القاضي : البطلان في المسألة (١) مستدلّا عليه (٢) باتّحاد عبارته مع عبارة السيد ، فيتّحد الموجب والقابل.

وفيه (٣) : مع اقتضائه المنع ـ لو أذن له السيد سابقا ـ

______________________________________________________

(١) أي : في مسألة أمر الآمر العبد في شراء نفسه له من مولاه ، والحاكي لكلامه هو العلامة في وكالة المختلف ، حيث قال : «مسألة : قال الشيخ في المبسوط : إذا وكّل رجل عبدا في شراء نفسه من سيده ، قيل : فيه وجهان ، أحدهما يصحّ .. والثاني : لا يصحّ ، لانّ يد العبد كيد السيد ، وإيجابه وقبول بإذنه بمنزلة إيجاب سيده وقبوله ، فإذا كان أوجب له سيّده وقبله هو صار كأنّ السيد هو الموجب والقابل للبيع ، وذلك لا يصح ، فكذلك هاهنا. قال ـ يعنى شيخ الطائفة ـ والأوّل أقوى. وقال ابن البرّاج : الأقوى عندي أنه لا يصحّ ، إلّا أن يأذن له سيده في ذلك ، فإن لم يأذن له فيه لم يصح. والحقّ ما قوّاه الشيخ ، لأنّ بيع مولاه رضى منه بالتوكيل» (١).

ونسب صاحب الجواهر القول بالبطلان إلى القاضي ، كما أن السيد العاملي نقل عبارة المختلف المتضمنة لكلام القاضي ، فراجع (٢).

(٢) أي : على البطلان. وحاصل وجهه هو اتحاد الموجب والقابل الناشئ من كون عبارته عبارة السيد.

(٣) أي : وفي اتحاد الموجب والقابل ـ الذي جعله القاضي دليلا على البطلان ـ إشكالات :

أحدها : ما أشار إليه بقوله : «مع اقتضائه» وحاصله : أنّ إشكال الاتحاد يجري أيضا في صورة الإذن السابق في الوكالة عن الغير في الاشتراء له ، مع عدم إشكال في صحة اشتراء العبد وكالة عن الغير.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٥.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٣.

٣٤٠