هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

كان (١) ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالردّ مانعا (٢) عن الاستدلال بها ، موجبا للاقتصار (*) على موردها

______________________________________________________

(١) جواب «لو كان» ومحصله : أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي إن كان بلحاظ نفس القضية الشخصية لاشتمالها على صحّة بيع الفضولي بالإجازة ـ حتى يبنى على عموم هذا الحكم أي صحة عقد الفضولي لسائر الموارد من العقود الفضولية المشتركة مع المورد في الحكم الشرعي ـ كان ظهورها في سبق الردّ على الإجازة مانعا عن الاستدلال بها على صحة عقد الفضولي ، لمخالفة هذا الظاهر للإجماع المزبور ، فيختص بموردها ، ولا يتعدّى إلى غيره من سائر الموارد.

(٢) خبر «كان ظهورها» وضميرا «ظهورها ، بها» راجعان إلى «القضية الشخصيّة» وقوله : «مسبوقة» خبر «كون».

__________________

(*) الأولى أن يقال : «موجبا للخروج عن مورد البحث» لكون التوجيه المزبور موجبا لصيرورة البيع مأذونا فيه وأجنبيا عن بيع الفضولي ، إذ ظاهر عبارة المصنف كون التوجيه المزبور مع فرض وقوع البيع في الصحيحة فضوليا. وليس الأمر كذلك بالضرورة ، فإنّ البيع المأذون فيه مباين لبيع الفضولي ، وخارج عنه موضوعا ، كخروج الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء» فتقييد دليل صحة بيع الفضولي بهذه الصحيحة ممتنع.

ثم إنّ للسيد صاحب العروة قدس‌سره كلاما وهو : أنّه لا مانع من العمل بالصحيحة بأن يقال : انّ الإجماع على عدم نفوذ الإجازة بعد الردّ يختص بالردّ القولي ، لأنّه المتيقن من الإجماع الذي هو دليل لبّي ، دون الرد الفعلي الذي يستفاد من هذه الصحيحة ، فإنّ الإجازة بعد الرد الفعلي مصحّحة لعقد الفضولي بمقتضى هذه الصحيحة ، هذا (١).

وفيه أولا : أنّ معقد الإجماع مطلق ، ولا إجمال فيه حتى يؤخذ بالمتيقن.

وثانيا : أنّه لا بدّ من تقييد إطلاق الرد الفعلي بأن لا يكون منافيا للإجازة ، كالتصرف الناقل ، وليس في الصحيحة إطلاق قابل للتقييد ، لكونه قضية خارجية.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٥.

٤٠١

لوجه (١) علمه الإمام عليه‌السلام ، مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوى عدم الإذن للولد ، فاحتال عليه‌السلام حيلة يصل بها الحقّ إلى صاحبه (٢) (*).

______________________________________________________

(١) أي : لجهة ، وهذا تعليل للاقتصار على مورد الصحيحة ، وحاصله : أنّ علّة الاختصاص بموردها وعدم التعدي إلى غيره هي خصوصية في القضية التي تضمّنتها صحيحة محمد بن قيس ، ولعلّ تلك الخصوصية التي علمها الامام عليه‌السلام هي كذب مالك الوليدة في دعوى عدم إذنه لولده في بيع الوليدة ، كما احتمله العلامة المجلسي قدس‌سره. (١)

وعلمه عليه‌السلام بهذه الخصوصية أوجب أن يعلّم المشتري حيلة يحتال بها ليتمكن من الوصول إلى حقّه ، وهو أخذ ولده ـ المستولد من الأمة ـ من سيدها حيث إنّ هذا الولد حرّ ، وليس على المشتري دفع قيمته إلى مالك الوليدة ، إذ المفروض كون بيعها مأذونا فيه ، وتولّد ولدها في ملك المشتري لا في ملك سيدها الأوّل حتى يستحق قيمته.

(٢) وهو المشتري ، إذ المفروض صحة البيع ونفوذه حين وقوعه ، فالولد أجنبي عن سيّد الوليدة ، ولا حقّ له في ابنها أصلا حتى يستحق قيمته ويطالب بها المشتري. وعلى هذا التوجيه يخرج بيع الوليدة عن بيع الفضولي ، فلا يصحّ الاستدلال بالصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

__________________

(*) وقد يحمل قوله عليه‌السلام : «حتى ينفذ لك البيع» على تجديد البيع ، وهو يوجب خروج مورد الرواية عن محل البحث ، ولازم هذا الحمل لزوم أداء قيمة الولد على المشتري ، لوقوع الاستيلاد في ملك سيّد الأمة ، لا في ملك المشتري.

__________________

(١) ملاذ الأخيار ، ج ١١ ، ص ٤٤.

٤٠٢

وأمّا (١) لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير عليه‌السلام في قوله : «خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع» وقول الباقر عليه‌السلام في مقام الحكاية : «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» في (٢) أنّ للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه

______________________________________________________

(١) معطوف على «لو كان نفس القضية» والأولى إسقاط «إمّا» بأن يقال : «ولو كان» أي مناط الاستدلال.

وكيف كان فتوضيح هذا الاستدلال : أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «حتى ينفّذ لك البيع» قابلية البيع للتنفيذ بعد أن لم يكن نافذا. وهذه الغاية لم تقيّد بسبقها بالرّد ، بأن يقول عليه‌السلام : «حتى ينفّذ لك البيع المردود» حتى تكون الغاية منافية للإجماع على عدم نفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ ، وإن كانت الإجازة في نفس الواقعة الشخصية مسبوقة بالرّد ، فيعلم من كلامه عليه‌السلام أنّ البيع إنفاذي ، وأنّه من الأمور التي تنقلب عمّا وقعت عليه ، ولا مانع من اعتبار ظهور الغاية غير المقيّدة بالرّد.

(٢) متعلق ب «ظهور سياق كلام».

__________________

وهذا مناف لظاهر الرواية من إجازة البيع فقط ، من دون أخذ قيمة الولد. ولذا استفاد الشهيد في الدروس من هذه الصحيحة كاشفية الإجازة (١) ، إذ لا منشأ لها إلّا عدم الحكم بأخذ قيمة الولد بعد الإجازة ، فلا يكون تجديد البيع كإجازته حتى يكون الاستيلاد في ملك المشتري بناء على الكشف.

هذا كله مضافا إلى : بعد هذا التوجيه عن حكاية مولانا الامام الباقر عليه‌السلام «أجاز بيع ابنه» فإنّ الإجازة شرط لتنفيذ ما وقع ، والتجديد مقتض له ، وإضافة البيع إلى «ابنه» أيضا آب عن هذا البيع الجديد ، لأنّه بيعه ، لا بيع ابنه.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.

٤٠٣

وينفّذه ، لم يقدح (١) في ذلك (٢) ظهور الإجازة الشخصية في وقوعها بعد الردّ ، فيأوّل ما يظهر منه الردّ بإرادة (٣) عدم الجزم بالإجازة والردّ (*)

______________________________________________________

(١) جواب «وأمّا لو كان» وجه عدم القدح : أنّ ما دلّ على نفوذ العقد بإجازة المالك أظهر مما دلّ على وقوع الإجازة بعد الرّد ، فيتصرف فيه بإرادة عدم الجزم بالإجازة والرّد ، ومع هذا التأويل يصح الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

ويمكن أن يكون نظر المصنف قده إلى إجمال الفعل وعدم ظهوره في الرّد حتى تكون الإجازة بعد الردّ ، فأخذ الابن ووليدته فعل مجمل ليس فيه دلالة على الرد. وقوله عليه‌السلام : «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ لك البيع» وقول إمامنا الباقر عليه‌السلام في مقام الحكاية : «لمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع» ظاهر بل صريح في إجداء الإجازة وتصحيحها بيع الفضولي ، فيؤخذ بهذا الظاهر ، ويأوّل ما يوهم الردّ بإرادة عدم الجزم بالإجازة والرد.

(٢) أي : في ظهور سياق كلام الأمير عليه الصلاة والسّلام .. إلخ.

(٣) متعلق ب «فيأوّل».

__________________

(*)لكن هذا التأويل ينافي ما أفاده من شهادة الوجوه الأربعة المتقدمة على كون الإجازة بعد الرد.

ولا يخفى أنّ استدلال المصنف قدس‌سره ليس بالحكم الشخصي وهو الإجازة بعد الردّ حتى يتعدّى منه إلى ما يشابهه في الخصوصيات وهو الإجازة المسبوقة بالردّ ، والمفروض قيام الإجماع على عدم نفوذها. بل الاستدلال يكون بذيل الصحيحة ، وهو قوله عليه‌السلام : «فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع» لدلالته على صحة بيع الفضولي بالإجازة وإن لم ينطبق على المورد (١).

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢١٤.

٤٠٤

.................................................................................................

__________________

وفيه : أنّ الصحيحة إن كانت مشتملة على عموم أو إطلاق يستفاد منه كبرى كلية ولم يمكن تطبيقها على المورد أمكن القول بأنّ الاستدلال ليس بالحكم الشخصي الثابت للمورد ، فيصح الاستدلال بالكبرى الكلّية فيما ليس من قبيل المورد وإن لم يتضح انطباقها على المورد. نظير ما ورد في موثقة ابن بكير التي سأل فيها زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب (١) وغيره من الوبر. فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انّ الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحلّ الله أكله» الحديث (٢). فإنّ الصلاة في السنجاب مع عدم كونه ممّا يؤكل لحمه جائزة قطعا ، ولكنه يتمسّك بالكبرى ـ وهي البطلان فيما لا يؤكل لحمه ـ في غير السنجاب.

وأمّا المقام فليس فيه إطلاق أو عموم حتى يمكن استفادة كبرى كلية منه ليصح التمسك بها في سائر العقود الفضولية وإن لم تنطبق على نفس المورد ، هذا.

أقول : الدلالة على تلك الكبرى ليست منوطة بدلالة اللفظ عليها صريحا ، بل يكفي مطلق الدلالة عليها ، ومن المعلوم أنّ قوله عليه‌السلام : «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه» يدلّ على إناطة صحة عقد الفضولي ـ من حيث إنه فضولي ـ بالإجازة ، لا من حيث كون المبيع وليدة ، أو غيرها من الحيثيات.

__________________

(١) السنجاب : حيوان على حد اليربوع ، أكبر من الفارة ، شعره في غاية النعومة ، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون ، وهو شديد الختل ، إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية .. إلخ. مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٨٤.

(٢) وسائل الشيعة ج ٣ ، ص ٢٥٠ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلي ، الحديث : ١.

٤٠٥

أو كون (١) حبس الوليدة على الثمن ، أو نحو ذلك (٢).

وكأنّه قد اشتبه مناط الاستدلال على من لم يستدلّ بها في مسألة الفضولي (٣).

أو يكون (٤) الوجه في الإغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة ، فإنّها لا تزيد على الإشعار ، ولذا (٥) لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي ،

______________________________________________________

(١) بالجرّ معطوف على «بإرادة» يعني : يأوّل ما يظهر منه الردّ بكون حبس الوليدة .. إلخ.

(٢) كحبس الوليدة ، للتحرّي لما هو صلاحه من الرد والإجازة.

(٣) وتخيّل أنّ مناط الاستدلال نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي ، وغفل عن كون مناط الاستدلال هو ظهور كلامي الأمير والامام الباقر عليهما‌السلام.

(٤) الأولى ـ لمماثلة المعطوف والمعطوف عليه ـ أن يقال : «أو كان الوجه».

(٥) أي : ولضعف دلالة الصحيحة على صحة عقد الفضولي ـ وأنّه مجرّد إشعار بها ـ لم يستدلّ الشهيد قدس‌سره بهذه الصحيحة في مسألة البيع الفضولي مع التزامه بصحته في كتاب الدروس ، وإنّما استدلّ بها في باب بيع الحيوان. وقد تقدم نصّ كلامه في (ص ٣٨٩).

ولا يخفى ما في توجيه المصنف ـ لما صنعه الشهيد من عدم ذكر الصحيحة في عداد أدلة صحة البيع الفضولي وتوقفه على الإجازة ـ من غموض ، لأنّ الشهيد اعترف بقوله : «وفيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف» بظهور مدلولها في صحة البيع الفضولي ، وليس في دلالتها ضعف أصلا.

ولعلّ عدم تعرضه لها في بيع الفضولي لأجل بعض الموهنات المتقدمة ، فتكون صحة الفضولي في مورد الصحيحة منصوصة ، ويقتصر على موردها ، ولا يتعدى منها إلى سائر البيوع الفضولية. لا الإشعار الذي أفاده الماتن ، فلاحظ قول الشهيد بعد نقل

٤٠٦

بل ذكرها في موضع آخر. لكن الفقيه في غنى عنه (١) بعد العمومات المتقدمة.

وربما يستدلّ أيضا (٢) بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحرّ والعبد الثابتة (٣) بالنص والإجماعات المحكية ،

______________________________________________________

مضمون الصحيحة : «وهي قضية عليّ عليه‌السلام في واقعة ، ولعلّ ذلك استصلاح منه عليه‌السلام ، وفيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف ..» ولو كان الوجه في إهمال هذه الصحيحة ضعف دلالتها وإشعارها بالصحة لم يصحّ الاستدلال بها أصلا حتى في موردها ، مع صراحة كلام الشهيد قدس‌سره بتمامية دلالتها في موردها.

(١) أي : عن الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(٢) أي : على صحة عقد الفضولي بعد العمومات المتقدمة ، وهي الآيات كعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وغيره.

د : فحوى ما دلّ على صحة النكاح الفضولي (١)

(٣) بالجرّ صفة «صحة» أي : صحة عقد الفضولي الثابتة بالنص ، وهذا رابع الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي بإجازة المالك بدون سبق نهي منه.

والنصوص في صحة النكاح الفضولي وتوقفه على الإجازة كثيرة ، فمنها ما ورد بالنسبة إلى الأحرار ـ رجالا ونساء ـ ومنها ما ورد بالنسبة إلى المملوك.

أمّا ما ورد في الأحرار فكخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنه سأله عن رجل زوّجته امّه وهو غائب. قال : النكاح جائز ، إن شاء المتزوّج قبل ،

__________________

(١) المستدل بالفحوى جماعة كأصحاب الرياض والمناهل والمقابس والجواهر ، فلاحظ : رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٨١ و ٨٢ ، والمناهل ، ص ٢٨٧ ، ومقابس الأنوار ، ص ٢٦ (كتاب البيع) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٧.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن شاء ترك ..» الحديث (١). وهو كالصريح في قابلية النكاح الفضولي للصحة الفعلية بإجازة الزوج.

وقد ورد نحوه بالنسبة إلى المرأة التي زوّجت فضولا. (٢)

وأمّا ما ورد في نكاح العبيد والإماء فكثير ، منه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده ، فقال : ذاك إلى سيّده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما. قلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّه لم يعص الله ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز». (٣)

ومنه ما هو قريب منه بزيادة : «انّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه» (٤).

والأخبار الدالة على توقف عقد النكاح على الإجازة كثيرة ، بل في السرائر : «والأخبار متواترة عن الأئمة الأطهار بوقوف عقود النكاح على الإجازة» (٥).

وأمّا الإجماعات المحكية على وقوف عقد النكاح الفضولي على الإجازة فمذكورة في كثير من كتب الفقه الاستدلالية (٦) ، بل في الجواهر : «بل يمكن

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٠٧ ، الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ٢.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢

(٥) السرائر الحاوي ، ج ٢ ، ص ٥٦٥.

(٦) كما في الناصريات ، ص ٢٤٧ (ضمن الجوامع الفقهية) المسألة : ١٥٤ ، السرائر ، ج ٢ ، ص ٥٦٥ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٨١ ، وحكاه عن السيد والحلّي في كشف اللثام ج ١ ، كتاب النكاح ص ١٧ ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ١٨٨ ، منبّها على أن معقد إجماع السيد صحة نكاح الحرّ والعبد فضولا ، بخلاف إجماع الحلي فإن معقده الحر خاصة.

٤٠٨

فإنّ (١) تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولى بذلك (٢). مضافا (*) إلى ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح ، لأنّه «يكون منه الولد»

______________________________________________________

تحصيل الإجماع على خلافها ـ اي خلاف دعوى الصحة ـ فضلا عمّا سمعته من محكيّه» (١).

(١) هذا تقريب الاستدلال ، توضيحه : أنّ الإجازة إن كانت مؤثرة في تمليك بضع الغير كان تأثيرها في تمليك ماله أولى ، فالاستدلال يكون بالفحوى أي الأولوية القطعية.

والمحقق الشوشتري قرّب الاستدلال بهذه النصوص بوجوه خمسة ، اثنان منها بالفحوى ، وثلاثة منها ناظرة إلى مساواة عقد البيع والنكاح في مناط الصحة ، فراجع. (٢)

(٢) أي : بالإجازة مع شدة اهتمام الشارع في عقد النكاح معلّلا بأنه «يكون منه الولد». وطيب الولادة مما اهتمّ به الشارع والعقل ، فلا بدّ من مراعاة الاحتياط فيه ، فإذا أجاز الشارع العقد الفضولي في النكاح فقد أجازه في غير النكاح بالأولوية ، لأنّه يتسامح في الماليات بما لا يتسامح به في الفروج.

__________________

(*) لعل الأولى إبدال «مضافا» ب «لما» بأن يقال : «أولى بذلك لما علم من شدة» لأنّ المقام يقتضي بيان وجه الأولوية ، والغرض من قوله : «مضافا» بيان ذلك.

وكيف كان فقد أورد على هذه الأولوية بوجهين ، الأوّل : إنكار الأولوية.

والثاني تسليم الأولوية مع ابتلائها بالمعارض.

أمّا الوجه الأوّل فتقريبه : أنّ اهتمام الشارع بأمر النكاح وشدّة الاحتياط فيه

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢٠١.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٦.

٤٠٩

كما في بعض الأخبار (١).

وقد أشار إلى هذه الفحوى (٢) في غاية المراد. (١) ، واستدلّ بها (٣) في الرياض ، بل قال : «إنّه لولاها أشكل الحكم (٤) من جهة الإجماعات المحكية على المنع (٥)». وهو (٦) حسن.

______________________________________________________

(١) كقول أبي عبد الله عليه‌السلام فيما رواه العلاء بن سيابة : «ان النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه ، وهو فرج ، ومنه يكون الولد». (٢)

(٢) وهي الأولوية المذكورة.

(٣) أي : بالفحوى ، وهي الأولوية ، وضمير «لولاها» راجع إلى «الفحوى».

(٤) وهو صحّة عقد الفضولي بالإجازة.

(٥) أي : منع صحة عقد الفضولي ، حيث إنه قال : «ولعمري انّها من أقوى الأدلة ، ولولاها لأشكل المصير إلى هذا القول ، لحكاية الإجماعين الآتيين». (٣)

(٦) أي : إشكال صاحب الرياض حسن.

__________________

لا يقتضي الاحتياط في سببه ، بل يقتضي التسهيل في أسبابه ، لأن لا يقع الناس في السفاح ، مثلا إذا كان سبب النكاح خصوص العقد العربي المعتبر فيه لفظ بمادة وهيئة خاصتين كان ذلك سببا للوقوع في الحرام ، لعدم تمكن أكثر الناس خصوصا سكّان القرى والبوادي من إيجاد النكاح بهذا السبب. فأهمية النكاح تقتضي التسهيل في أسبابه ، لا التضييق فيها ، كما نرى أنّ الشارع وسّع في أسباب النكاح بتشريع المتعة

__________________

(١) غاية المراد ، ص ١٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ١٩٣ ، الباب ١٥٧ ، من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث : ٣ ، ونحوه الحديث : ١.

(٣) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢.

٤١٠

.................................................................................................

__________________

وملك اليمين والتحليل ، وجواز الاقتصار في مقام الإذن على السكوت. فعدم احتياط الشارع والتوسعة في سبب النكاح لا يستلزم بالأولوية التوسعة في سبب البيع الذي ليس بتلك المرتبة من الأهمية.

فالأولوية ممنوعة ، لتوقّفها على الاحتياط في سبب النكاح حتى يكون الحكم بصحة عقد الفضولي في غير عقد النكاح بالإجازة بالأولوية.

وبالجملة : الاهتمام في المسبّب لا يقتضي التشديد في السبب ، بل يقتضي سهولته. وأثر الاهتمام لزوم الاحتياط في الشبهات الحكمية والموضوعية في حصول الزوجية ، كاحتمال كون المرأة معتدة ، أو أخته من الرضاعة ، أو أخت زوجته ، أو احتمال جواز التزويج الدائم بالكتابية وعدمه ، إلى غير ذلك من موارد الشبهة. فإنّ الاحتياط في هذه الموارد لا يقتضي الاحتياط في نفس العقد الذي هو سبب تحقق النكاح. فاهتمام الشارع أجنبي عن مرحلة السبب حتى يتمسك بفحوى صحة الفضولي في النكاح على صحته في غير النكاح ، بل يعتبر في بعض العقود ما لا يعتبر في عقد النكاح كالتقابض في المجلس في بيع الصرف ، وقبض الثمن في السلم. هذا محصّل ما أورد على الفحوى ، والنتيجة إنكار الفحوى التي هي مدار الاستدلال.

لكن يمكن أن يقال : إنّ كلّ ما يعتبر في المسبب يعتبر في السبب ، إذ العقد المؤثر في تحقق المسبب هو الجامع للشرائط مطلقا سواء أكانت راجعة إلى المتعاقدين ، أم العوضين ، أم نفس العقد كالعربيّة والماضوية وغيرهما.

وعليه فشرط كون المرأة أجنبية أو عدم كونها أخت زوجته أو أخته من الرضاعة أو غيرها من الشرائط الوجودية والعدمية شرط للعقد أيضا ، فالاهتمام بالمسبّب اهتمام بالسبب.

فما في حاشية بعض الأجلة قدس‌سره من قوله : «فالاهتمام المعلوم من الشارع أجنبي

٤١١

إلّا أنّها (١) ربما توهن

______________________________________________________

(١) أي : أنّ الفحوى المزبورة. فالمصنف قدس‌سره التزم بالفحوى ، لكنها موهونة بالنص الوارد في الرّد على العامة الّذين فرّقوا بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله

__________________

عن هذا الوادي الذي نحن فيه ليتمسك بفحوى صحة الفضولي في النكاح على صحته في المقام» (١). غير ظاهر ، فإنّ التقابض في المجلس في بيع الصرف شرط في صحة عقده وتأثيره.

والحاصل : أنّ الحق وجود الأولوية ، وعدم سبيل إلى إنكارها.

نعم لا بأس بالإشكال في حجّيّتها ، لكونها ظنّية ، والظن لا يغني من الحق شيئا.

إلّا أن يقال : إنّ مفهوم الموافقة من المداليل الالتزامية التي تكون حجة عند أبناء المحاورة كالمداليل المطابقية.

إلّا أن يناقش فيه بعدم كون الأولوية في المقام من المداليل الالتزامية ، حيث إنّ صحة بيع الفضولي ليست من المدلول الالتزامي لصحة نكاح الفضولي ، لا عقلا ولا عرفا ، خصوصا بعد الالتفات إلى تعبّدية الأحكام وعدم الإحاطة بملاكاتها ، إذ المفروض أنّه لا بدّ أن تكون الأولوية ناشئة من أقوائية الملاك ، وهي غير معلومة لنا. فلا وجه للأولوية هنا أصلا.

وعلى تقدير تحققها لا يكون الظن الحاصل منها بمعتبر قطعا ، لكونه كالظن القياسي في عدم الحجية.

فالحق عدم صحة الاستدلال بهذه الأولوية أصلا ، لعدم انطباق ضابط الدلالة الالتزامية عليها ، وإلّا كانت حجة كسائر الدلالات الالتزامية.

هذا كله في الوجه الأوّل من الإيراد على الأولوية ، وسيأتي الوجه الثاني قريبا.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١١٩.

٤١٢

بالنص (١) الوارد في الرد على العامّة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول

______________________________________________________

بالعزل وبين بيعه ، بذهابهم إلى الصحة في الثاني ، لأنّ المال له عوض ، والبطلان في الأوّل ، لأنّ البضع ليس له عوض.

(١) وهو خبر العلاء بن سيابة ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة وكّلت رجلا بأن يزوّجها من رجل ، فقبل الوكالة ، فأشهدت له بذلك ، فذهب الوكيل فزوّجها ، ثم إنّها أنكرت ذلك الوكيل ، وزعمت أنّها عزلته عن الوكالة ، فأقامت شاهدين على أنّها عزلته.

فقال : ما يقول من قبلكم في ذلك؟ قال : قلت : يقولون ينظر في ذلك ، فإن كانت عزلته قبل أن يزوّج. فالوكالة باطلة ، والتزويج باطل. وإن عزلته وقد زوّجها فالتزويج ثابت على ما زوّج الوكيل ، وعلى ما أنفق معها من الوكالة إذا لم يتعدّ شيئا مما أمرت به واشترطت عليه في الوكالة.

قال : ثم قال : يعزلون الوكيل عن وكالتها ولم تعلمه بالعزل؟ قلت : نعم يزعمون أنّها لو وكّلت رجلا وأشهدت في الملإ ، وقالت في الخلإ : اشهدوا أنّي قد عزلته أبطلت وكالته بلا أن تعلم في العزل ، وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة. وفي غيره لا يبطلون الوكالة إلّا أن يعلم الوكيل بالعزل ، ويقولون : المال منه عوض لصاحبه ، والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.

فقال عليه‌السلام : سبحان الله ، ما أجور هذا الحكم وأفسده ، إنّ النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه ، وهو فرج ، ومنه يكون الولد ، إنّ عليّا عليه‌السلام أتته امرأة تستعديه على أخيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، إنّي وكّلت أخي هذا بأن يزوّجني رجلا وأشهدت له ، ثم عزلته من ساعته تلك ، فذهب فزوّجني ، ولي بيّنة أنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني ، فأقامت البيّنة ، فقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتني ولم تعلمني أنّها عزلتني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرتني.

فقال لها : ما تقولين؟ قالت : قد أعلمته يا أمير المؤمنين. فقال لها : ألك بيّنة

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلته.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كيف تشهدون؟ قالوا : نشهد أنّها قالت : اشهدوا أنّي قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا ، وأنّي مالكة لأمري قبل أن يزوّجني.

فقال : أشهدتكم على ذلك بعلم منه ومحضر؟ فقالوا : لا. فقال : تشهدون أنّها أعلمته بالعزل كما أعلمته بالوكالة؟ قالوا : لا. قال : أرى الوكالة ثابتة ، والنكاح واقعا ، أين الزوج؟ فجاء ، فقال : خذ بيدها بارك الله لك فيها.

فقالت : يا أمير المؤمنين ، أحلفه أنّي لم أعلمه العزل ولم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح ، قال عليه‌السلام : وتحلف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فحلف ، فأثبت وكالته ، وأجاز النكاح» (١).

ومحصّل الخبر : أنّ الراوي سأل الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام عن حكم توكيل امرأة رجلا ليزوّجها من رجل ، فقبل الوكيل ، وأقامت المرأة بيّنة على التوكيل ، فزوّجها الوكيل. ولكن المرأة ادّعت عزله ، وأقامت البيّنة على العزل ، مع عدم إعلام الوكيل به.

وبعد عرض هذا السؤال استفسر الامام عليه‌السلام عن رأي العامة في المسألة ، فأخبره العلاء بن سيابة بأنّهم يفصّلون ـ في الوكيل المعزول الجاهل بعزله ـ بين البيع والنكاح ، كما يفصّلون في النكاح بين وقوع التزويج قبل العزل فيصح ، ووقوعه بعده فيبطل. بخلاف التوكيل في البيع ، فيصح بيع الوكيل المعزول الجاهل بالحال ، تشبثا بوجه استحسانيّ ، وهو : أنّ البيع لو كان فاسدا في الواقع

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٣ ص ٢٨٦ الباب ٢ من أبواب الوكالة ، الحديث ٢. وتوصيف الرواية بالصحة كما في المتن وحاشية السيد مما لم يظهر له وجه ، في كل من طريقي الفقيه والتهذيب ، لعدم توثيق العلاء وإن كان الطريق تامّا.

الّا أن يقال : إنّ رواية ابن أبي عمير عنه توثيق له ، لما قيل من : أنّه لا يروي إلّا عن ثقة. ولكنه لا يخلو عن بحث تعرّضنا له في شرح الكفاية ، فراجع : منتهى الدراية ، ج ٨ ، ص ١٤٩ إلى ١٦٨.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يتضرّر المتبايعان ، لوصول عوض كلّ من المالين إلى الآخر. بخلاف النكاح ، لعدم كون المهر عوضا عن البضع.

فلمّا سمع الامام عليه‌السلام رأيهم ، قال متعجبا ومستنكرا : سبحان الله ما أجور الحكم ببطلان نكاح الوكيل وصحة بيعه ، مع أنّ الاحتياط في الأعراض يقتضي صحة النكاح تحرزا عن السفاح.

ثم استشهد عليه‌السلام بقضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين في واقعة مماثلة لمورد السؤال ، وأنّه عليه‌السلام نفّذ تزويج الوكيل المعزول الجاهل بالعزل.

ولعلّ استشهاده بقضاء الأمير عليه‌السلام لأجل الرّد على العامة ، وإلزامهم بما يرونه حجة عندهم ، من حجية قول الصحابي وقضائه خصوصا من رووا في شأنه عن النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقضاكم عليّ» فكيف غضّ العامة أبصارهم ـ كما غضّت بصائرهم ـ عن قضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين بصحة نكاح الوكيل الذي يكون فضوليا بعد العزل؟ وحكموا ببطلان النكاح وصحة البيع الفضولي لوجه استحساني ، مع عدم إحاطة البشر بمناطات الأحكام الشرعية.

والغرض من ذكر هذا الخبر إبداء المانع ـ عن الاستدلال على صحة البيع الفضولي بالفحوى المتقدمة عن صاحب الرياض وغيره من الأعلام ـ بتوهين الأولوية.

توضيح الوهن : أنّ الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه أنكر على العامة حكمهم ببطلان نكاح الوكيل المعزول ، لأنّ مقتضى الاحتياط في النكاح ـ لكونه منشأ لتكوّن الولد منه ـ هو أولوية النكاح بالصحة من البيع ، إذا قيل بصحته في الفضولي مع الإجازة. فالمستفاد من الرواية أنّ صحة المعاملة المالية تستلزم صحة النكاح بطريق أولى ، فتكون صحة البيع أصلا ، وصحة النكاح فرعا. فصحة البيع تستلزم صحة النكاح دون العكس الذي كان الاستدلال مبنيّا عليه ، وهو التمسك بفحوى صحة

٤١٥

مع جهله (١) بالعزل وبين بيعه (٢) ، بالصحة (٣) في الثاني (٤) لأنّ المال له عوض ، والبطلان (٥) في الأوّل (٦) ، لأنّ (٧) البضع ليس له عوض (*)

______________________________________________________

النكاح الفضولي على صحة الفضولي في غير النكاح.

هذا كله في تقريب منع الفحوى. وسيأتي توضيح جهتين في المتن.

إحداهما : حكمه عليه الصلاة والسّلام باقتضاء الاحتياط صحة عقد النكاح الذي أنشأه الوكيل المعزول ، مع أنّها لو لم تكن زوجة واقعا حرمت معاشرتها مع الزوج.

ثانيتهما : وجه ربط هذا الخبر ـ المانع للفحوى ـ بباب الفضولي ، مع أنّ موردها عقد الوكيل المعزول ، فانتظر.

(١) يعني : جهل الوكيل المعزول بعزله. ومحصل ما يستفاد من هذه الصحيحة : أنّ العامّة فرّقوا بين عقدي النكاح والبيع الصادرين من الوكيل المعزول الجاهل بعزله ، بالحكم بصحة البيع وبطلان النكاح.

(٢) يعني : بيع الوكيل المعزول مع جهله بالعزل.

(٣) متعلق ب «الفارقين».

(٤) وهو البيع ، لأنّ للمال عوضا ، فصحته لا توجب ضررا مع وجود العوض المالي ، لأنّ كل واحد من المتبايعين يترك شيئا ويأخذ شيئا عوضا عنه.

(٥) بالجر معطوف على «بالصحّة».

(٦) وهو النكاح ، وهذا الحكم من فقهاء السنة.

(٧) هذا تعليل المخالفين لبطلان النكاح ، ومحصله : أنّ البضع لا عوض له ، إذ ليس مالا حتى يبذل بإزائه المال ويقابل به.

__________________

(١) فيه أوّلا : أنّ عدم العوض ليس مناطا للبطلان ، بل مناطه هو كونه منشأ تكوّن الولد منه.

٤١٦

ليس له عوض ، حيث (١) قال الامام عليه‌السلام في مقام ردّهم واشتباههم في وجه الفرق : «سبحان الله ما أجور هذا الحكم (٢) وأفسده ،

______________________________________________________

(١) هذا شروع في بيان وهن الأولوية المزبورة بالنص الوارد في ردّ العامة ، الفارقين بين التزويج والبيع الصادرين من الوكيل المعزول مع جهله بالعزل ، بحكمهم ببطلان التزويج وصحة البيع. وقد تقدم توضيحه بقولنا : «توضيح الوهن : أن الامام الصادق عليه‌السلام أنكر على العامة .. إلخ».

(٢) أي : التفريق بين البيع والنكاح في الحكم بصحة الأوّل وبطلان الثاني.

__________________

وثانيا : انّ للبضع عوضا وهو المهر ، غاية الأمر أنّه ليس ركنا في صحة النكاح حتّى يلزم ذكره في متن العقد كالعقود المعاوضية ، إذ الركنان في النكاح الزوجان ، وفي العقد المعاوضي العوضان.

وأمّا الوجه الثاني من الإيراد على الأولوية ، وهو ما أفاده المصنف من قوله : «إلّا أنّها ربّما توهن بالنص الوارد في الرد على العامة .. إلخ». الظاهر في الرد على العامة الفارقين بين النكاح والبيع الصادرين من الوكيل المعزول الجاهل بعزله ، في الحكم بصحة البيع ، لوجود العوض فيه ، وبطلان النكاح ، لعدم عوض للبضع ـ ببيان : أنّ النكاح أحرى بأن يحتاط فيه ، لأنّ منه الولد ، فإذا حكم بصحة البيع فلا بد من الحكم بصحة النكاح بطريق أولى ، لكون الاحتياط فيه أحرى وأجدر ، فيكون النكاح أولى من البيع بالصحة. وهذا عكس الأولوية المذكورة التي استدلّ بها على استلزام صحة النكاح لصحة البيع. فهذه الصحيحة توهن تلك الأولوية وتثبت عكسها ، وهي كون البيع أصلا ، والنكاح فرعا ، وأنّ الأولوية تثبت صحة النكاح ، لكونها فرع صحة البيع ، فيبطل الاستدلال بفحوى صحة النكاح على صحة البيع.

ففيه أوّلا : أنّ المخالفين لم يستدلّوا على صحة البيع بالاحتياط حتى يردّهم الامام عليه‌السلام بأنّ الاحتياط بصحة النكاح أحرى من الاحتياط بصحة البيع ، بل استدلّوا

٤١٧

فإنّ (١) النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه ، لأنّه الفرج ومنه يكون الولد» الخبر (٢).

وحاصله (٣) : أنّ مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع (٤) أولى بالصحة من (٥) حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره.

______________________________________________________

(١) هذا كلام الإمام عليه‌السلام الذي هو علّة لكون حكم علماء السنة ـ بفساد النكاح ـ في غاية الجور والفساد ، وحاصله : أنّ النكاح أولى من أن يحتاط فيه ، لكونه مبدء تكوّن الولد الذي يرجى منه الفوز بتحصيل السعادة الأبدية ، وطيب الولادة دخيل في الوصول إلى الدرجات العالية من الإيمان والمعارف الإلهية. فالبضع أهم من المال من حيث لزوم الاحتياط فيه.

(٢) أي : إلى آخر الخبر المذكور تمامه آنفا.

(٣) أي : وحاصل ما يقصده الامام عليه‌السلام من الاحتياط في النكاح هو أولويته بالصحة.

(٤) أي : الذي أنشأه الوكيل المعزول الجاهل بعزله من ناحية موكّله.

(٥) لأولوية صحة النكاح ـ الصادر من الوكيل المعزول ـ بالصحة من البيع الصادر منه. وحاصله : أنّ النكاح أولى بالاحتياط من غيره كالبيع ، لأنّ النكاح منشأ تكوّن الأولاد ، فلا بدّ من تحليل البضع. فالقول بصحته ـ إذا صدر فضولا ثم أجيز ممّن له أمر الإجازة ـ أولى ممّا يدّعيه العامة من صحة البيع وبطلان النكاح ، مع أن البيع فاقد لملاك الصحة ، والنكاح واجد له.

__________________

عليها بوجه استحساني يقتضي صحة البيع وبطلان النكاح.

وثانيا : أنّه ليس المراد بالاحتياط الذي يكون أحرى في النكاح ما أفاده الشيخ قدس‌سره من الحكم بصحة النكاح حتى تكون صحته أولى من صحة البيع ، بل الاحتياط في الفتوى يقتضي التوقف وعدم الفتوى بشي‌ء من الصحة والفساد ، لابتناء كلّ منها على

٤١٨

فدلّ (١) على أنّ صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولى. خلافا للعامة حيث عكسوا وحكموا بصحة البيع دون النكاح. فمقتضى حكم الامام عليه‌السلام أنّ صحة المعاملة المالية الواقعة في كلّ مقام (٢) تستلزم صحة النكاح الواقع (٣) بطريق أولى.

______________________________________________________

(١) أي : فدلّ كلام الامام الصادق عليه‌السلام ، وهذه نتيجة الاحتياط ، فإنّ الاحتياط في النكاح يدلّ على أنّ صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولى ، لما عرفت من كون النكاح منشأ لتكوّن الولد.

(٢) سواء صدرت من الوكيل المعزول الجاهل بعزله أم من الفضولي.

(٣) أي : أنّ صحة النكاح الصادر من الوكيل المعزول ـ الجاهل بعزله من موكّله ـ أولى من القول بصحة البيع وبطلان النكاح ، مع وجود ما فيه من الاحتياط ، وعدمه في البيع ، فلا موجب لصحته دون النكاح.

__________________

وجه استحساني يكون الركون إليه تشريعا محرّما. كما أنّ الاحتياط في العمل يقتضي أحد أمور :

إمّا الطلاق ، لأنّ المرأة على فرض صحة العقد وصيرورتها زوجة تبين من زوجها بالطلاق ، ويصح حينئذ تزويجها منه أو من رجل آخر. وعلى فرض فساد العقد يكون الطلاق لغوا ، لوقوعه على الأجنبية.

وإمّا إجراء العقد عليها ثانيا.

وإمّا إجازة المرأة عقد الوكيل المعزول الجاهل بعزله مع عدم ردّ المرأة العقد قبل الإجازة.

والحاصل : أنّ أمر النكاح في المقام يكون ـ بحسب العمل ـ دائرا بين المحذورين ، لأنّه على فرض صحة العقد واقعا تكون المرأة زوجته ، وعلى فرض فساده تكون أجنبية عنه ، فالاحتياط فيه لا يمكن إلّا بأحد الوجوه المتقدمة. وكذا البيع ، فإنّ

٤١٩

وحينئذ (١) فلا يجوز التعدّي من صحة النكاح في مسألة الفضولي إلى (٢) صحة البيع ، لأنّ (٣) الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في باب الأولوية ، وإلّا (٤) لم يتحقق الأولوية كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) أي : وحين القول باستلزام صحة البيع صحة النكاح ـ خلافا للعامة القائلين بصحة البيع وبطلان النكاح ـ لا يجوز التعدّي من صحة النكاح الفضولي ـ كما هو مقتضى ما دلّ على صحة نكاح العبد بدون إذن سيده ـ إلى البيع وغيره.

(٢) متعلق ب «التعدي».

(٣) تعليل لعدم جواز التعدي من صحة النكاح الفضولي إلى البيع الفضولي ، ومحصله : أنّ الحكم بالصحة في الفرع ـ وهو النكاح الفضولي ـ لا يستلزم الحكم بالصحة في الأصل وهو البيع في باب الأولوية.

(٤) يعني : ولو استلزم الحكم بصحة الفرع الحكم بصحة الأصل لما تحقّق مفهوم الأولوية ، إذ مفهوم الأولوية هو استلزام الحكم الثابت في الأصل لحكم الفرع ، كاستلزام حرمة التأفيف لحرمة الضرب ، لا استلزام حكم الفرع لحكم الأصل ، فإنّ حرمة الضرب لا تستلزم حرمة التأفيف.

__________________

صحته وفساده لا يوافقان الاحتياط ، لدوران أمر المال بين المحذورين.

فغرض الامام عليه‌السلام ـ كما في حاشية المدقق الأصفهاني قدس‌سره ـ إبطال استحسانهم ، إلّا أنّ عدم تمكنه عليه‌السلام من بيان ذلك صريحا لأجل التقية أوجب مراعاة جانب الاحتياط ، وأجابهم بأنّ النكاح أحرى بالاحتياط ممّا يتعلّق بالماليات. فاللازم الاستناد فيه إلى ركن وثيق من آية أو رواية ، لا إلى القياس والاستحسان. وليس كالماليّات التي لا اهتمام بها كالنكاح. ولذا عقبه عليه‌السلام بقضاء أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام الذي يتّبع قضاؤه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقضاكم علىّ عليه‌السلام» (١) هذا.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٤.

٤٢٠