هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

.................................................................................................

__________________

ولا فرق في بطلان العقد حينئذ بين كون الدليل على بطلان عقد المكره حديث الرفع ودليل اعتبار طيب النفس.

أمّا على الثاني فواضح ، لفقدانه مع الخوف المزبور.

وأمّا على الأوّل فلما عرفته من أنّ حقيقة الإكراه هي انبعاث الفعل عن خوف الضرر المترتب على الإكراه وإن لم يوعد المكره بالضرر ، لكن كان المكره خائفا بأن علم بالضرر أو احتمل احتمالا عقلائيا.

فعلى كل حال لا ينبغي الريب في فساد المعاملة الناشئة عن خوف الضرر الوارد عليه من جهة مخالفة أمر الآمر ، وإن لم يكن نفس الآمر ملقيا له في الضرر.

الرابع : ما أشار قدس‌سره إليه في المتن في مقام الفرق بين إمكان التفصي بالتورية ، وبين إمكانه بغيرها من قوله : «ذكروا من شروط تحقق الإكراه أن يعلم أو يظن المكره أنّه لو امتنع مما اكره عليه وقع فيما توعد عليه» وظاهره اعتبار العلم أو الظن بترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه ، وعدم كفاية احتماله.

لكن المحقق النائيني قدس‌سره في عبارته المتقدمة اكتفى باحتمال ترتب الضرر على ترك المكره عليه ، وهذا هو الصواب.

أما بناء على شرطية طيب النفس فواضح ، لأنّ خوف الضرر الناشئ عن الاحتمال العقلائي مناف للرضا النفساني المعتبر في صحة المعاملة ، فتبطل ، لانتفاء طيب النفس.

وأمّا بناء على مانعية الإكراه فلما عرفت من أنّ ضابطه هو نشو الفعل عن خوف الضرر الوارد عليه من إنسان ، بحيث لو لم يكن الخوف لما فعل ذلك. ومن المعلوم أنّ هذا الضابط متحقق بمجرّد الاحتمال العقلائي من دون حاجة إلى العلم أو الظن بترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه. ولا دليل أيضا على اعتبار العلم أو الظن في الإكراه تعبدا ، هذا.

٢٠١

.................................................................................................

__________________

ثم إنّ السيد قدس‌سره ذكر «أنّه لا بدّ في صدق الإكراه من كون الضرر المتوعد به مما لم يكن مستحقا عليه ، فلو قال : افعل كذا وإلا قتلتك قصاصا ، أو : وإلّا طالبتك بالدّين الذي لي عليك ونحو ذلك لا يصدق عليه الإكراه» (١).

وهذا هو الصحيح ، لأن الإكراه إمّا منصرف عن هذه الصورة ، فلا يشمله دليل مانعية الإكراه. وإمّا لا يشمله الحديث ، لكونه خلاف الامتنان. وهو الحق ، فموضوع الإكراه عرفا وإن كان صادقا ، لكن حكمه هنا غير ثابت.

ودعوى بطلان المعاملة حينئذ ، لفقدان طيب النفس مدفوعة أوّلا : بتحقق الطيب ، لأنّ دفع الضرر المستحق عليه يوجب الرضا بالمعاملة المكره عليها.

وثانيا : أن شرطية طيب النفس أو مانعية الإكراه مختصة بغير صورة الإكراه بحقّ ، فإنّ الإكراه كذلك خارج حكومة أو تخصيصا عن عموم حديث الرفع ، وإلّا كان الإكراه بحقّ لغوا.

الخامس : ما أشار إليه بقوله : «ثم إنه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن ذلك الضرر المتوعد بما لا يوجب ضررا آخر».

وحاصله : أنّه هل يعتبر في مفهوم الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بتورية أو بغيرها ، أم لا يعتبر ذلك في موضوعه ، بل يعتبر في حكمه وهو بطلان المعاملة أو غيره؟ فيه أقوال.

ثالثها : التفصيل بين الإكراه على المعاملة ، والإكراه على غيرها من الأفعال كالشرب ونحوه ، فيعتبر ذلك فيها دون المعاملات.

ورابعها : التفصيل بين إمكان التفصي بغير التورية ، فينافي الإكراه ، وبين إمكان التفصي بالتورية فقط ، فلا يخلّ بصدق الإكراه.

خامسها : التفصيل بين الحكم والموضوع ، فيقال باعتبار عدم التمكن من التفصي

__________________

(١) حاشية المكاسب ج ١ ، ص ١٢٢ ، سطر ١٨.

٢٠٢

.................................................................................................

__________________

في صدق الإكراه موضوعا ، وعدم اعتباره فيه حكما ، فإذا أكره أحد على بيع داره وأمكنه التفصي ، فلم يفعل وباع الدار كان فاسدا وإن لم يصدق عليه عنوان الإكراه.

وقبل التعرض لتلك الوجوه ينبغي بيان حقيقة التورية ، وهي كما عن اللغة بمعنى الستر والإخفاء ، وإلقاء كلام ظاهر في معنى وإرادة خلاف ظاهره مع إخفاء القرينة على المراد ، فكأنّ المتكلم وارى مراده عن المخاطب بإظهار غيره وخيّل إليه أنّه أراد ظاهر كلامه ، وتقدّم كلام مجمع البحرين في التوضيح.

وفي القاموس : «ورّاه تورية أخفاه» (١).

ثم إنّ التورية كما تثبت في الأقوال ، كذلك تثبت في الأفعال.

أما جريانها في الأقوال فكما إذا أراد أحد أن ينكر مقالته الصادرة منه فيقول : «علم الله أنه ما قلته» حيث يظهر كلمة الموصول بصورة أداة النفي ، ويخيّل إلى السامع أنّه ينكر كلامه الصادر منه.

ومن هذا القبيل : ما عن سلطان العلماء في حاشيته على المعالم عند البحث عن المجمل من : أنه سئل أحد العلماء عن علي عليه‌السلام وأبي بكر بأنّ أيّهما خليفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «من بنته في بيته».

ومنه قول عقيل : «أمرني معاوية أن ألعن عليّا ، ألا فالعنوه».

ومنه أيضا ما سئل بعض الشيعة عن عدد الخلفاء ، فقال : «أربعة أربعة أربعة» وقصد من ذلك الأئمة الاثني عشر ، وزعم السائل أنّه أراد الخلفاء الأربع.

ومنه أيضا ما عن بعض الأجلة من أن شخصا طلب مبلغا بعنوان المساعدة والإعانة ، وكان المسؤول لا يراه مستحقا ، فألقى السبحة من يده على الأرض ، وقال : والله إنّ يدي خالية ، وتخيّل السائل من هذا الكلام أنّه غير متمكن من إعطاء سؤله وقضاء حاجته.

__________________

(١) القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٩٩.

٢٠٣

.................................................................................................

__________________

وأمّا جريان التورية في الأفعال فهو كما إذا أكرهه الجائر على شرب الخمر ، فأخذها المكره وأهرقها في جيبه ، فزعم الجائر أنّه شربها. وكما إذا أمر الظالم أحد عمّاله بضرب مظلوم في الليل المظلم ، فيورّي المأمور في فعله بأن يضرب سوطه على الجدار ، ويأمر المظلوم بالنياحة والبكاء ليعتقد الظالم بأنه ضربه. إلى غير ذلك من الأمثلة.

إذا عرفت حقيقة التورية وجريانها في الأقوال والأفعال فاعلم أنّ المصنف قدس‌سره فصّل بين المعاملات وغيرها حيث إنّه اعتبر العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه في الثاني دون الأوّل.

وملخص ما أفاده هو : أنّ المناط في الإكراه الرافع لأثر المعاملات إنما هو عدم طيب النفس بمفاد المعاملة ، ومن المعلوم أنّ هذا يتحقق فيما إذا أكره على معاملة ، وهو في مكان يكره الخروج منه ، ولكن لو خرج كان له في الخارج أحبّاء يكفّون عنه شرّ الظالم المكره ، فلو باع والحال هذه في ذلك المكان كان البيع باطلا ، لفقدان طيب النفس فيه ، فالإكراه حينئذ موجود.

ولو فرض في هذا المثال إكراهه على محرّم كشرب الخمر والكذب والزنا وأمثالها لا يتحقق الإكراه الرافع للحرمة ، ولا يعذر في ارتكاب الحرام. فالإكراه المسوّغ للحرمة بمعنى الجبر المذكور في خبر ابن سنان المتقدم الذي فرّق بين الجبر والإكراه ، بأن جعل الأوّل من السلطان ، والثاني من الزوجة والأب والأم الذي ليس بشي‌ء ، ولا يترتب عليه أثر من ارتفاع الحرمة.

وبالجملة : فالإكراه في المعاملة بمعنى عدم طيب النفس وإن لم يتوجّه على ترك المكره عليه ضرر ، كما في إكراه الأب والأمّ والزوجة. فالإكراه في المعاملات أعم من الإكراه المسوّغ للمحرّمات. فأكراه الأبوين والزوجة رافع لأثر المعاملة ، وليس رافعا للحرمة التكليفية.

والموجب للتفكيك بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات والإكراه الرافع لصحة

٢٠٤

.................................................................................................

__________________

المعاملة هو رواية ابن سنان المذكورة في المتن ، حيث إنّ إكراه الأبوين والزوجة يمكن التفصي عن ضرره ، بخلاف جبر السلطان ، فإنّه لا يمكن التفصي عن ضرره غالبا. فالمعاملة في صورة إكراه الأبوين والزوجة مع إمكان التفصي باطلة ، حيث إنه يمكن التفصي عن ضررهم. وهذا بخلاف إجبار السلطان ، فإنّ الغالب عدم إمكان التفصي عن ضرره.

والحاصل : أنّه يصدق الإكراه مع إمكان التفصي ، فلا يعتبر العجز عن التفصي في حقيقته ، هذا.

وفيه أوّلا : أنّ معنى الإكراه في جميع الموارد واحد لا تعدد فيه ، وهو حمل الغير على ما يكرهه مع الإيعاد على تركه ، ومن المعلوم انطباق هذا المعنى على جميع موارد الإكراه بنهج واحد ، من دون فرق بين المعاملات والمحرمات ، فأكراه الزوجة لا يصدق إلّا إذا لم يتمكن الزوج من مخالفتها ، ومن رفع ضررها كإخلال نظامه الداخلي وتنغيص عيشه.

نعم يستفاد من الرواية كفاية الضرر الضعيف في رفع الأثر الوضعي كاليمين ، لأنّ ضررهم غالبا راجع إلى الأمور الداخلية ، دون الأثر التكليفي كالحرمة ، فإنّ إكراههم له يرفع الحرمة ، فإذا أكرهوه على شرب الخمر مثلا لا يسوغ له الشرب بهذا الإكراه. فالصواب اعتبار العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه مطلقا من غير فرق بين الإكراه في المعاملات والمحرّمات.

فالمستفاد من الرواية أخصيّة الإكراه الرافع للحكم التكليفي من الإكراه الرافع للحكم الوضعي.

وبالجملة : فلا تدل الرواية على التفرقة ، واعتبار العجز عن التفصي عن الضرر في الإكراه المسوّغ للمحرمات ، وعدم اعتباره في الإكراه المانع عن صحة المعاملة.

وثانيا : أنّ الرواية ضعيفة السند ، لأنّ الراوي عن عبد الله بن سنان عبد الله بن القاسم وهو ضعيف ، سواء أكان الحضرمي المعروف بالبطل ، أم الحارثي ، فإنّ كليهما

٢٠٥

ثمّ إنّ (١) ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصّي إنّما هو في الإكراه

______________________________________________________

الفرق بين الإكراه على ارتكاب الحرام والإكراه على المعاملة

(١) غرضه من هذا الكلام التفرقة بين الإكراه المسوّغ للمحرمات كشرب الخمر وإفطار الصوم والولاية من قبل الجائر ونحوها ، وبين الإكراه الموجب لفساد المعاملة.

وحاصل وجه الفرق هو : أنّه يعتبر في الأوّل العجز عن التفصي عن الضرر ، من غير فرق بين أنحاء التفصّي من التورية وغيرها. بخلاف الثاني ، فإنّه لا يعتبر فيه ذلك ، لأنّ المناط في صحة المعاملة طيب النفس ، فكلّ ما يوجب ارتفاعه يوجب فساد المعاملة ، لانتفاء شرطها. وأمّا حدود الله تعالى شأنه فلا مسوّغ للتعدّي عنها إلّا الاضطرار.

وقد سبق المصنف إلى هذه التفرقة صاحب المقابس قدس‌سرهما وقد تبعهما الفقيه

__________________

ضعيفان ، لقول النجاشي في الأوّل : «كذاب غال يروي عن الغلاة ، لا خير فيه ولا يعتد بروايته» (١). ولقوله في الثاني : «ضعيف غال كان صحب معاوية بن عمار ، ثم خلط وفارقه» (٢).

فتحصّل مما ذكرنا : أنّ رواية ابن سنان لا تدلّ على اختلاف في معنى الإكراه ، وأنّ العجز عن التفصي عن الضرر لا يعتبر فيه ـ كما في إكراه الزوجة ـ حتى تكون حاكمة على حديث الرفع ، ومبيّنة لعدم اعتبار العجز عن التفصي في الإكراه المانع عن صحة المعاملة. بل الإكراه في جميع الموارد بمعنى واحد ، وهو حمل الغير على فعل مع الإيعاد بالضرر على تركه. غاية الأمر أنّ بعض مراتب الإكراه رافع لأثر المعاملة ، لكونه رافعا لطيب النفس ، بخلاف الإكراه الرافع للحرمة ، فإنّ ضرر العباد أهم في نظر الشارع من مصالح الأحكام ، ولذا أنيط ارتفاعها بالاضطرار ، هذا.

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ١٥٧ (الطبعة الحجرية).

(٢) المصدر ، ص ١٥٦.

٢٠٦

المسوّغ للمحرّمات (١) ، ومناطه توقف دفع ضرر المكره (٢) على ارتكاب المكره عليه.

______________________________________________________

المامقاني قدس‌سره (١).

خلافا لما يظهر من الشيخ قدس‌سره في كتاب الطلاق ، حيث قال : «وأمّا بيان الإكراه فجملته : أنّ الإكراه يفتقر إلى ثلاثة شرائط :

أحدها : أن يكون المكره قاهرا غالبا مقتدرا على المكره ، مثل سلطان أو لصّ أو متغلّب.

والثاني : أن يغلب على ظنّ المكره أنّه إن امتنع من المراد منه وقع به فيما هو متوعد به.

والثالث : أن يكون الوعيد بما يستضرّ به في خاصّة نفسه» (٢).

فإنّ ظاهر الشرط الأوّل كون المكره عاجزا عن التفصي ، فيكون الطلاق باطلا مع الإكراه المانع عن صحته. فالمراد بالإكراه هو العجز عن التفصي. ولا فرق بين الطلاق وغيره من العقود وسائر الإيقاعات. فعليه يكون الإكراه المانع عن صحة العقد والإيقاعات والمسوّغ لارتكاب المحرّمات واحدا.

أقول : لا ينبغي الإشكال في الاتحاد المزبور بناء على مانعيّة الإكراه لصحة العقود والإيقاعات. نعم بناء على شرطية طيب النفس يكون ما أفاده صاحب المقابس والمصنف والفاضل المامقاني قدس‌سرهم وجيها.

(١) كشرب الخمر وإفطار الصائم ، فيعتبر العجز عن التفصّي عنه ، وتوقّف دفع الضرر المتوعّد به على فعل الحرام ، فترتفع حرمته بالإكراه.

(٢) بالكسر ، من إضافة المصدر إلى الفاعل ، وقوله : «على ارتكاب» متعلق ب «توقف».

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٧ ، غاية الآمال ، ص ٣٣٤.

(٢) المبسوط ، ج ٥ ، ص ٥١.

٢٠٧

وأما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أنّ المناط فيه عدم (١) طيب النفس بالمعاملة ، وقد يتحقق (٢) (*) مع إمكان التفصّي.

مثلا من كان قاعدا في مكان خاصّ خال عن الغير متفرّغا لعبادة أو مطالعة ، فجاءه من أكرهه على بيع شي‌ء ممّا عنده ، وهو في هذه الحال غير قادر على دفع ضرره ، وهو (٣) كاره للخروج عن ذلك المكان ، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفّونه (٤) شرّ المكره ، فالظاهر (٥) (**) صدق الإكراه

______________________________________________________

(١) لا الإلجاء والاضطرار.

(٢) أي : وقد يتحقق الإكراه في المعاملة عند إمكان تفصّي المكره ، فلا يتوقف على العجز عن التخلّص ، بل يكفي فيه عدم طيب النفس بالمعاملة ، كما في مثال المتفرّغ في مكان لعبادة أو مطالعة.

(٣) ضمير «وهو» في الجملتين يرجع إلى «من كان» وهو موصول اشرب معنى الشرط.

(٤) أي : يمنعونه من شر المكره ويدفعون عنه إضراره.

(٥) جواب الشرط المستفاد من قوله : «من كان قاعدا».

__________________

(*) بل لا يتحقق ، إذ المناط في وقوع الفعل عن إكراه هو دفع الضرر ، والمفروض إمكان دفعه في المثال بالخدم ، فلا يتوقف رفع الضرر على فعل المكره عليه ، فلو فعله كان صحيحا.

والحاصل : أنّ المناط في الإكراه هو صدور العمل للخوف عن الضرر المتوعد به ، فمع تمكنه من دفع الضرر بدون إيجاد المعاملة لا يتحقق الإكراه ، فالمعاملة صحيحة.

(**) بل الظاهر عدم صدق الإكراه حينئذ ، لقدرته على ترك المكره عليه ، من دون توجه ضرر إليه ، فهو كصورة حضور الخدم عنده في قدرته على دفع ضرر المكره بدون فعل المكره عليه.

٢٠٨

حينئذ (١) بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي‌ء.

بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده ، وتوقّف دفع ضرر إكراه الشخص على أمر خدمه بدفعه وطرده (٢) ، فإنّ هذا (٣) لا يتحقق في حقه الإكراه ، ويكذّب (٤) لو ادّعاه.

بخلاف الأوّل (٥) إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل.

ولو فرض في ذلك المثال (٦) إكراهه على محرّم

______________________________________________________

(١) أي : حين عدم قدرته على دفع ضرره وكراهته الخروج إلى مكان حضور خدمه ليدفعوا عنه شرّ المكره.

(٢) فلو لم يأمرهم بدفع ضرر المكره وطرده ، وباع ما طلبه المكره منه كان صحيحا ، لقدرته على دفع الضرر المتوعد به بغير البيع ، فبيعه ـ مع أمن الضرر ـ كاشف عن طيب نفسه في هذه الحال. بخلاف من كان خدمة غائبين عن مجلس الإكراه ، ولم يتمكن فعلا من إعلامهم ، فيصدق عليه الإكراه وعدم طيب نفسه بالبيع. نعم هو قادر على التفصي بالخروج وإعلام خدمه بما وقع ، لكن الموضوع محقّق بالفعل.

(٣) المشار إليه ومرجع الضميرين المستترين في «يكذّب وادعاه» هو الموصول في قوله : «من كان خدمه حاضرين».

(٤) الوجه في التكذيب عدم خوفه من إضرار المكره ، لحضور خدمه عنده ، فلم يتحقق الإكراه موضوعا.

(٥) وهو الذي كان خدمه خارجين عن مجلس الإكراه مع كراهته الخروج عن ذلك المكان ، لتفرّغه للعبادة فيه حسب الفرض ، فالإكراه على المعاملة صادق. بخلاف ما لو أكرهه على ارتكاب محرّم ، إذ يجب عليه الخروج والتوسل بخدمة لدفع شرّ المكره ، فلو لم يخرج وارتكب الحرام لم يكن معذورا ، لكونه مختارا في إتيان المحرّم.

(٦) غرضه بيان الفارق في صدق الإكراه بين المعاملة وفعل الحرام ، كما عرفت.

٢٠٩

لم يعذر (١) فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل (٢).

وقد تقدم (٣) الفرق بين الجبر والإكراه في رواية ابن سنان (٤) (١).

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإكراه بمعنى الجبر المذكور ، والرافع (٥) لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها (٦) أنّه قد يكون من الأب والولد والمرأة. والمعيار فيه (٧) عدم طيب النفس فيها ، لا الضرورة والإلجاء (٨) وإن كان هو (٩) المتبادر من لفظ الإكراه ، ولذا (١٠) يحمل الإكراه في حديث الرفع

______________________________________________________

(١) جواب «ولو فرض».

(٢) يعني : كراهة الخروج عن ذلك المنزل اختيارا ، فإنّ الإكراه مع القدرة على الخروج عن ذلك المنزل لدفع الضرر غير متحقق ، فإذا باع متاعه حينئذ كان البيع صحيحا ، لعدم حصول المانع وهو الإكراه.

(٣) غرضه أنّ المتبادر من الإكراه وإن كان هو العجز عن التفصي عن الضرر ، فيكون مساوقا للجبر ، إلّا أنّ رواية ابن سنان حاكمة على ما يتبادر من الإكراه من العجز عن التفصي. ومقتضى حكومته سعة دائرة الإكراه بحيث يشمل صورة القدرة على التفصي عن الضرر ، كإكراه الأب والأم والزوجة ، وصورة العجز عنه.

(٤) عند قوله عليه‌السلام «الجبر من السلطان ، ويكون الإكراه من الزوجة والأم والأب» فراجع (ص ١٩٠).

(٥) معطوف على «المعتبر» يعني : والإكراه الرافع لأثر المعاملات .. إلخ.

(٦) أي : في رواية ابن سنان ، وضمير «إنّه» راجع إلى الإكراه.

(٧) أي : في الإكراه الرافع لأثر المعاملات.

(٨) الذي هو المعيار في رفع الحرمة التكليفية ، والآتي من السلطان.

(٩) أي : الإلجاء هو المتبادر من لفظ الإكراه.

(١٠) يعني : ولهذا التبادر من لفظ الإكراه يحمل الإكراه المذكور في حديث الرفع على الإلجاء والضرورة المسمّاة بالجبر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٦ ، ص ١٤٣ ، الباب ١٦ من أبواب كتاب الايمان ، الحديث ١٠.

٢١٠

عليه ، فيكون الفرق بينه (١) وبين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض.

لكن الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات (٢) هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس (٣) ، حيث استدلّوا على ذلك بقوله تعالى : (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ولا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه وعموم (٤)

______________________________________________________

(١) كأنّه دفع لما يتوهم من أنّ الإكراه إذا كان بمعنى الإلجاء المنوط بالعجز عن التفصّي لم يبق فرق بين الإكراه والاضطرار المذكورين في حديث الرفع ، مع أنّ عطف «الاضطرار» على «الإكراه» يقتضي مغايرتهما وعدم اتحادهما.

فدفع قدس‌سره هذا التوهم بأنّ الفارق بينهما هو اختصاص الاضطرار بما لا يحصل من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض ، والإكراه يحصل بفعل الغير بحمله على الفعل ، وتوعيده على الترك كالسلطان.

(٢) غرضه توجيه ما اختاره في المعاملات من جعل الإكراه بمعنى عدم طيب النفس ، مع أنّه خلاف ما يتبادر من لفظ الإكراه وهو الإلجاء والضرورة.

وحاصل ما أفاده من التوجيه : أنّ المعتبر في المعاملات طيب النفس ، بقرينة استدلالهم على مانعية الإكراه بآية «التجارة عن تراض» والروايات الدالة على اعتبار طيب النفس ، واعتبار الإرادة في صحّة الطلاق. ومن المعلوم أنّ طيب النفس يرتفع بأدنى شي‌ء ، فلا يعتبر أن يكون رافع الطيب خصوص إكراه السلطان الموجب للضرورة والإلجاء ، بل يكفي في مبطلية الإكراه للمعاملة ـ الرافع لطيب النفس ـ أن يكون من الأب والأمّ والزوجة ، بخلاف الإكراه المسوّغ للمحرّمات ، إذ لا بدّ فيه من ترتب الضرر على ترك المكره عليه ، كما هو شأن الجبر من السلطان.

(٣) فلا عبرة بالقصد الحاصل من تحميل الغير ، الموجب للنفرة والكراهة بدل الطيب والرضا.

(٤) معطوف على «قوله تعالى» ومثال هذا العموم قوله عليه الصلاة والسّلام

٢١١

اعتبار الإرادة في صحة الطلاق ، وخصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة (١) مع عياله.

فقد تلخّص مما ذكرنا (٢) أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخصّ من الرافع لأثر الحكم الوضعي.

______________________________________________________

في صحيحة هشام بن سالم : «لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق» والتعبير بالعموم لأجل عدم اختصاص البطلان بالمكره ، بل يشمل من لا قصد له كالسكران والمعتوه والصبي والمبرسم والمجنون والمكره كما في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (١).

(١) تقدم (في ص ١٦٤) نقل الرواية النافية لطلاق المداراة ، فراجع. ولا يخفى أنّ مورد خبر طلاق المداراة صورة تحقق الإكراه ، فهو داخل في سائر الأخبار الواردة في الإكراه.

(٢) أي : ما ذكره بقوله : «ثمّ إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الإكراه المسوّغ للمحرمات .. وأما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أنّ المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة .. إلخ» (٢).

وغرضه بيان النسبة تارة بين نفس الإكراه على المعاملة والفعل الحرام ، وأخرى بين ملاك الإكراه عليهما.

أمّا الأوّل فالإكراه على المحرّمات أخصّ من الإكراه على المعاملات ، وذلك لأنّ كل إكراه مسوّغ للمحرّمات مانع عن صحة المعاملة ، لعدم طيب النفس فيها. وليس كل إكراه رافع لطيب النفس ومانع عن صحة المعاملة رافعا للحرمة التكليفية ، كإكراه الأب والأم والزوجة ، فإنّه مانع عن صحة المعاملة ، وليس مسوّغا للحرمة التكليفية.

وكذلك في القدرة على التفصي ، فإنّه يصدق الإكراه بمعنى عدم طيب النفس بالمعاملة ، ولا يكفي هذا المقدار في الإكراه على المحرّمات ، لأنّ الرافع للحرمة هو

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٢٨٦ ، الباب ١١ من أبواب مقدمات الطلاق ، الحديث : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ص ٣٢٧ ، الباب ٣٤ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث : ٣.

٢١٢

ولو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الإكراه (١) كانت (٢) النسبة بينهما العموم من وجه ، لأنّ المناط في رفع الحكم التكليفي هو رفع الضرر ، وفي رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة وطيب (٣) النفس.

______________________________________________________

الاضطرار ، وتوقف دفع الضرر المتوعد به على الارتكاب.

وأمّا الثاني ـ وهو النسبة بين ملاك ارتكاب الحرام وبين ملاك فساد المعاملة ـ فالنسبة عموم من وجه. فمورد اجتماعهما هو الإكراه على الحرام والمعاملة مع العجز عن التفصي عنهما بتورية أو بغيرها ، كما لو أكرهه على شرب المسكر أو أكرهه على بيع داره ، ولم يتمكن المكره من التخلص منه ، فيجوز له الشرب دفعا للضرر ، ويبطل بيعه ، لعدم طيب النفس به.

ومورد افتراقهما ، أمّا من ناحية المعاملة فكما لو أكره على البيع أو الشرب مع إمكان التفصي عنهما ، فيصدق الإكراه على المعاملة ، لعدم طيب نفسه بها ، كما في مثال المتفرّغ في مكان لشأنه من عبادة ومطالعة ونحوهما ، وله خدم يكفونه شرّ المكره لو خرج من مكانه واستنصر بهم. لكنّه لم يخرج وأنشأ البيع ، فيبطل ، لعدم الرضا. ولا يصدق الإكراه على ارتكاب المحرّم ، لإمكان دفع الضرر بالخروج من مكانه.

وأمّا من ناحية تحقق مناط فعل الحرام دون المعاملة ، فكما لو توقّف حفظ النفس على شرب المتنجّس لدفع العطش ، فيحل له شربه دفعا للضرر ، مع طيب نفسه بالشرب ، ولو أمكنه دفع ضرر العطش ببيع شي‌ء من ماله لتحصيل الماء لطابت نفسه به ، لكن المفروض انحصار العلاج في شرب المتنجس أو النجس.

(١) يعني : بل بملاحظة مناط الإكراه على فعل الحرام أو ترك الواجب ، وهو توقّف دفع الضرر على إطاعة المكره ، ومناط فساد المعاملة وهو عدم الرّضا.

(٢) جواب «لو لوحظ».

(٣) معطوف على «الإرادة» يعني : وعدم طيب النفس.

٢١٣

ومن هنا (١) لم يتأمّل أحد في أنّه إذا أكره الشخص على أحد الأمرين المحرّمين لا بعينه ، فكلّ منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم ، لأنّ المعيار في رفع الحرمة رفع الضرر المتوقف على فعل أحدهما.

أمّا لو كانا (٢) عقدين أو إيقاعين ـ كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه ـ

______________________________________________________

(١) أي : ومن كون المناط في رفع الحكم التكليفي هو رفع الضرر ، وفي رفع الحكم الوضعي هو عدم الطيب لم يتأمّل أحد في كون الإكراه على أحد المحرمين لا بعينه رافعا لحرمة أيّ واحد منهما وقع في الخارج ، لأن مناط هذا الإكراه ـ وهو الضرر ـ موجود في تركهما ، فيتوقف على هذا اندفاع الضرر المتوعد به على فعل أحدهما ، فيصدق على ما يقع في الخارج أنّه مكره عليه.

كما لو أكرهه على شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير مخيّرا بينهما ، ولم يتمكن من المخالفة ، فيجوز اختيار واحد منهما لدفع الضرر ، لأنّه المناط في حلية الارتكاب ، لا عنوان الإكراه.

وهذا شاهد على افتراق ملاك الإكراه على أحد الفعلين ـ أو ترك أحد الواجبين ـ عن ملاك الإكراه على إحدى المعاملتين ـ بالمعنى الأعم ـ كالإكراه على بيع داره أو بستانه ، أو على بيع داره أو تزويج بنته منه ، أو على عتق أحد عبديه ، أو على طلاق إحدى زوجتيه ، أو على طلاق زوجته أو عتق عبده ، وهكذا.

فيظهر من العلامة قدس‌سره الحكم بصحة طلاق زوجته لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه. والوجه في الصحة كونه مختارا في طلاق إحداهما معيّنة ، إذ المكره عليه طلاق إحداهما مبهمة ، فكان له أن يقول : «إحدى زوجتي طالق» فعدوله إلى التعيين كاشف عن طيب نفسه بطلاق هند مثلا ، ورغبته في بقاء زوجته الأخرى على حبالته.

وهذه الفتوى ـ أمكن توجيهها أم لا ـ شاهدة بالفرق بين ملاك الإكراه الموجب لحليّة الفعل المحرّم ، وبين ملاك الإكراه المفسد للمعاملة.

(٢) يعني : لو كان الأمران المكره عليهما عقدين كبيع داره أو متاعه ، أو إيقاعين كعتق عبده أو طلاق زوجته.

٢١٤

فقد استشكل غير واحد (١) في أنّ ما يختاره من الخصوصيّتين (١) بطيب نفسه ، ويرجّحه على الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه مكره (٢) عليه باعتبار جنسه (٣) أم لا (٤)؟ بل أفتى في القواعد بوقوع الطلاق وعدم الإكراه ، وإن حمله (٥) بعضهم على ما إذا قنع المكره ـ بالكسر ـ بطلاق إحداهما مبهمة ،

______________________________________________________

(١) أي : أحد الفردين ، كما إذا اختار بيع داره في الإكراه على أحد العقدين ، أو عتق عبده في الإكراه على أحد الإيقاعين.

(٢) خبر قوله : «أنّ ما يختاره» وقوله : «أم لا» معطوف على «مكره عليه» وعدل له.

(٣) وهو الجامع بين الفعلين المكره على أحدهما لا بعينه ، فالإكراه على الجامع يوجب الإكراه على الفرد.

(٤) إذ اختيار الخصوصية كان بدواعيه النفسانية ، فلا يصدق الإكراه على الخصوصية ، ولذا أفتى في القواعد بصحة الطلاق ، لعدم الإكراه على الخصوصية ، حيث قال فيه : «ولو ظهرت دلالة اختياره صحّ طلاقه ، بأن يخالف المكره ، مثل أن يأمره .. أو بطلاق إحدى زوجتين لا بعينها فيطلّق معيّنة» (٢).

(٥) نسب في المقابس (٣) هذا الحمل ، إلى بعض الأجلّة ، ولم أقف على الحامل.

وكيف كان فهذا الحمل هو ظاهر قول العلامة : «لا بعينها» فمورد حكمه بالصحة قناعة المكره بطلاق المبهمة ، ولكن المكره زاد على هذا الإكراه وطلّق معيّنة ، والظاهر صحته عند الكل لا خصوص العلّامة ، ففي المسالك : «نعم لو صرّح ـ أي المكره ـ له بالحمل على طلاق واحدة مبهمة بأن يقول : إحداكما طالق مثلا ، فعدل عنه إلى طلاق معينة ، فلا شبهة هنا في وقوع الطلاق على المعيّنة ، لأنه غير المكره عليه جزما» (٤) ونحوه في الجواهر.

__________________

(١) المستشكل هو العلامة في التحرير ، ج ٢ ، ص ٥١ ، ويستفاد التردد أيضا من كلام المحدث البحراني ، فراجع الحدائق الناضرة ، ج ٢٥ ، ص ١٦٢ و ١٦٣.

(٢) قواعد الأحكام ص ١٦٩ (الطبعة الحجرية).

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٦.

(٤) مسالك الافهام ج ٩ ، ص ٢١ و ٢٢ ، جواهر الكلام ، ج ٣٢ ، ص ١٤.

٢١٥

لكن المسألة عندهم غير صافية من الاشكال (١) ، من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية.

وإن كان الأقوى ـ وفاقا لكل من تعرّض للمسألة ـ تحقق الإكراه لغة وعرفا (٢). مع (٣) أنّه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الإكراه أصلا ، إذ الموجود في الخارج دائما إحدى خصوصيات المكره عليه (٤) ، إذ لا يكاد يتفق

______________________________________________________

وعليه ففرع القواعد أجنبي عمّا يكون المصنف بصدده من الإشكال في مبطلية الإكراه على أحد العقدين أو الإيقاعين. وجه الأجنبية عدم كون ما أنشأه المكره مصداقا للجامع المكره عليه ، لما فيه من زيادة التعيين.

(١) يعني : الإشكال في كون الإكراه على الجامع بين العقدين أو الإيقاعين مبطلا للخصوصية. ووجه الاشكال استناد اختيار أحد العقدين ـ بالخصوص ـ إلى طيب نفسه ، ولا يكون تمام الباعث على الإنشاء هو الإكراه على الجامع ، فمقتضى القاعدة الحكم بالصحة ، إذ لا إكراه على الخصوصية.

(٢) يعني : فيكون العقد باطلا ، لصدق الإكراه ـ لغة وعرفا ـ على الخصوصية ، وإن كان باعتبار الإكراه على الجامع بين الخصوصيتين.

(٣) هذا إشكال نقضي ، وحاصله : أن عدم صدق الإكراه على الخصوصية الفردية ـ فيما إذا كان الإكراه متعلقا بالقدر المشترك ـ يوجب عدم تحقق الإكراه في شي‌ء من الموارد ، لأنّ الإكراه دائما يتعلّق بالجامع ، والخصوصيات خارجة عن حيّز الإكراه ، كما إذا أكره على بيع داره واختار بيعها في مكان خاص وزمان كذلك ، وغير ذلك من الخصوصيات ، فاللازم صحة هذا البيع ، لأن المكره لم يكره على الخصوصيات الفردية ، هذا.

(٤) فلو كان المكره عليه عقدا جزئيا كبيع الدار المعيّنة ولم تكن خصوصياته مكرها عليها ـ كبيعها من زيد بمبلغ كذا في يوم كذا ـ فهل يمكن القول حينئذ بصحّة بيعها من عمرو بمبلغ دون القيمة السوقية مثلا أو بأزيد منها ، بدعوى كون المكره عليه أصل البيع مع الغض عن لوازم الوجود.

٢١٦

الإكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات (١).

نعم (٢) هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية ، وإن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك ، بمعنى : أنّ وجوده الخارجي ناش عن إكراه واختيار (٣) ، ولذا (٤) لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل ، ويستحقّه باعتبار الخصوصية.

وتظهر الثمرة (٥) فيما لو رتّب أثر على خصوصية المعاملة الموجودة ،

______________________________________________________

(١) إلّا بأن يلتفت المكره إلى جميع الخصوصيات حتى يأخذها في متعلّق أمره ، بأن يقول : بع دارك بالمعاطاة من زيد ، بمبلغ ألف دينار ، نسية في ساعة كذا من اليوم الفلاني ، في مكان كذا ، وغيرها من عوارض وجود البيع خارجا.

(٢) غرضه أن الإكراه على الجامع ـ كطلاق إحدى الزوجتين ـ يجتمع مع اختيار الخصوصية كطلاق هند ، فطلاقها بالخصوص ذو حيثيتين :

إحداهما : كونه مكرها عليه بلحاظ الجامع ، وبهذه الحيثية لا يستحق الزوج للمدح على طلاقه لو كان طلاقه حاسما لمادة الفساد والنزاع بين الزوجين ، ولا للذم لو كانت معاشرته معها بالمعروف ، ولا داعي في مثله للفرقة بينهما. وعدم استحقاق المدح والذم كاشف عن عدم اختياره في الطلاق ، لكونه بتحميل الغير.

ثانيتهما : كون طلاق هذه الزوجة بخصوصها اختياريا ، ولذا يستحق المدح لو كانت بينهما منافرة ، ويستحق الذم لو كانت المعاشرة بالمعروف.

(٣) يعني : ينضمّ الإكراه على الكلي مع اختيار الخصوصيّة.

(٤) أي : لأجل أنّ هذا الفرد من الطلاق ناش عن إكراه على الجامع ، واختيار للخصوصية لا يستحق .. إلخ. وجه عدم استحقاق المدح أو الذم على أصل الفعل دوران الاستحقاق مدار الاختيار ، وحيث لا فلا.

(٥) يعني : الثمرة بين كون الإكراه على الجامع إكراها على الخصوصية وعدمه ، فإنّ الثمرة تظهر فيما إذا كان الأثر مترتّبا على الخصوصية ، دون القدر المشترك. فعلى

٢١٧

فإنّه (١) لا يرتفع بالإكراه على القدر المشترك. مثلا لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر لم يرتفع تحريم الخمر ، لأنّه مختار فيه وإن كان مكرها في أصل الشرب (٢).

وكذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد ، فإنّه لا يرتفع أثر الصحيح ، لأنّه مختار فيه وإن كان مكرها في جنس البيع ، لكنه لا يترتب على الجنس أثر يرتفع بالإكراه (٣).

ومن هنا (٤) يعلم أنّه لو أكره على بيع مال أو إيفاء مال مستحق لم يكن إكراها لأنّ القدر المشترك بين الحق وغيره إذا أكره عليه لم يقع باطلا وإلّا لوقع

______________________________________________________

القول بصيرورة الخصوصية مكرها عليها ـ لكونها من أفراد الجامع المكره عليه ـ ترتفع الحرمة عنها. وعلى القول بعدم كون الخصوصية مكرها عليها فالحرمة باقية.

كما لو أكرهه على أحد البيعين إمّا بيع داره وإما بيع أرض مزروعة لا يصح بيعها ، لكونها أرضا مفتوحة عنوة ، فباع المكره داره ، كان صحيحا ، لإمكان التخلص من إكراهه بإنشاء بيع فاسد على الأرض.

(١) أي : فإنّ أثر الخصوصية لا يرتفع بالإكراه على الجامع ، وإنما يترتب إذا تساوت الأفراد في الأثر.

(٢) ولكنّ أثر الفرد وهو حرمة شرب الخمر ـ لا يرتفع بالإكراه على أصل الشرب.

(٣) يعني : فالمكره عليه ليس له أثر حتى يرفعه الإكراه ، وما له الأثر وهو الخصوصية ليس مكرها عليها.

(٤) يعني : ومن عدم ترتب الأثر على الجنس حتى يرفع بالإكراه ـ يعلم ، وغرضه التنبيه على بعض ثمرات المسألة.

فمنها : ما إذا كان زيد مديونا لعمرو بدين مطالب ، ولم يؤده مماطلة ، فأكرهه عمرو على إيفاء حقّه من النقود الموجودة عند زيد ، أو على بيع كتبه أو أثاث بيته

٢١٨

الإيفاء أيضا باطلا ، فإذا اختار البيع صحّ ، لأنّ الخصوصية (١) غير مكره عليها ، والمكره عليه وهو القدر المشترك غير (٢) مرتفع الأثر.

ولو أكرهه (٣) على بيع مال أو أداء مال غير مستحقّ كان إكراها ، لأنّه لا يفعل البيع إلّا فرارا من بدله (٤)

______________________________________________________

ليستوفي الدائن حقّة ، فهذا إكراه على القدر المشترك بين فردين ، أحدهما حقّ ، وهو أداء الدين المطالب ، والآخر غير حق وهو بيع أمواله الأخرى مع كراهته بيعها.

فلو باع المكره صحّ وجاز أداء دينه من الثمن ، لعدم صدق الإكراه على الجامع عند كون أحد الفردين حقّا ، إذ لو صدق الإكراه لزم عدم تحقق وفاء الدين ، لكونه أحد العدلين المكره عليهما ، ولا ريب في أنّ وفاء الدين يحصل بما عنده من النقود. وكما لا يسري الإكراه على الجامع إلى هذا الفرد ، فكذا لا يسري إلى العدل الآخر وهو البيع.

(١) وهي خصوصية البيع ، فمع عدم كونها مكرها عليها لا وجه لبطلانها.

(٢) خبر قوله : «والمكره عليه» يعني : أن القدر المشترك المكره عليه لا أثر له حتى يرتفع بالإكراه ، ضرورة أنّ القدر المشترك بين الحق كأداء دينه وغير الحق ـ كبيع بعض أمواله ـ لا أثر له حتى يرفع بالإكراه.

(٣) هذه ثمرة أخرى ، وهي من فروع صدق الإكراه على الجامع على كلّ من الفردين ، كما لو أكرهه الجائر على أحد الأمرين : إمّا بيع مال وإما دفع مال إلى المكره ، وهو لا يستحقه. فلو باع لم يصح لعدم طيب نفسه به ، لأنّ كلّا من البيع وأداء المال ناش من خوف الضرر المتوعد به ، فاختيار أحدهما لدفع الضرر لا يكشف عن طيب نفسه ، لتساويهما في دفع الضرر.

(٤) وهو أداء مال غير مستحق ، كما لو قال المكره : «بع دارك أو أعطني ألف دينار» مع فرض عدم اشتغال ذمة المكره بشي‌ء للمكره ، فكلّ من البيع ودفع المال تحميل من المكره.

٢١٩

أو وعيده المضرّين (١) ، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر ، فإنّ ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأخروي (٢) ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده (٣) (*).

______________________________________________________

(١) يعني : فلا يقع البيع عن طيب نفسه ، بل عن الكره لدفع الضرر الذي هو عدل بيع ماله ، أعني به أداء مال غير مستحق ، أو لدفع الضرر المتوعد عليه.

(٢) وهو استحقاق المؤاخذة المترتب على شرب الخمر الذي هو أحد الأمرين المكره عليه.

(٣) أي : وعيد المكره. والحاصل : أنّ ارتكاب البيع إنّما هو لدفع أحد الضررين ، وهما ضرر شرب الخمر ، والضرر الذي أوعد به المكره.

هذا كلّه في فروع إكراه شخص واحد على أحد الفعلين ، وسيأتي إلحاق إكراه أحد شخصين على فعل واحد به ، بحيث لو صدر من أحدهما كان محققا لغرض المكره ودافعا لشره.

__________________

(١) الجهة الخامسة : ما أشار إليه المصنف قدس‌سره بقوله : «أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه .. إلخ» وحاصله : أن الإكراه تارة يقع على الخصوصية ، كأن يقول : «طلق زوجتك هندا وإلّا قتلتك» ولا إشكال حينئذ في تحقق الإكراه الرافع للأثر. وأخرى على أحد الأمرين تخييرا ، كأن يقول : «طلّق إحدى زوجتيك وإلّا قتلتك». وهذا قد يكون في الأفراد العرضية ، وقد يكون في الأفراد الطولية.

فهنا مقامان ، الأول في الإكراه على أحد الأمرين عرضيا.

والثاني في الإكراه عليه طوليّا.

أمّا الأول فقد حكي فيه عن بعض الأصحاب كالعلامة في القواعد القول بصحة الفعل الذي اختاره المكره من الفعلين اللذين اكره على أحدهما تخييرا ، نظرا إلى أن الإكراه لم يتعلق بالخصوصية ، فاختيارها إنما يكون بطيب نفسه ، فيقع صحيحا إن كان معاملة ، وحراما إن كان من المحرمات.

٢٢٠