هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

١
٢

«إنا لله وإنا إليه راجعون»

فوجئنا ببالغ الأسى والأسف ـ والكتاب قيد الطبع ـ بالمصاب الجلل والكارثة العظمى ، وذلك بارتحال فقيه الطائفة ، السيد المؤلف قدس سره ، ففجعت أسرة آل الجزائري العريقة في العلم والتدين بفقد عميدها في العصر الحاضر ، بل وفجعت الحوزات العلمية بفقدها أحد أساطين العلم والتقوى ، فصدق قوله عليه السلام :

«إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء»

ففي السحر من ليلة السبت ٢٥ ذي القعدة الحرام ١٤١٩ أفل هذا الكواكب الساطع عن سماء الفقاهة وافدا على ربه الكريم ، فسكن ذلك القلب العطوف ، وسكنت تلك اليراعة التي خلدت لسالكي طريق الإجتهاد ورواد الفضيلة تراثا علميا ومعنويا ضخما. بعد أن قضى زهاء أربعين عاما من عمره الشريف بجوار باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم متعلما ثم مدرسا ومؤلفا ، وكان أمله أن يشوى في تلك الأرض المقدسة ، لكن قدر له الخروج منها ، وأن ينتقل إلى «دار السلام» في حرم أهل البيت عليهم السلام فيكون مضجعة ومثواه الأخير بجوار سيدتنا فاطمة الصغرى عليها السلام.

وبهذا الفادح الأليم نعزي حامي الشريعة الغراء سيدنا الإمام المنتظر «صلوات الله وسلامه عليه وعجل فرجه الشريف» كما نعزي أسرته الكريمة ، سائلين منه تعالى لهم الصبر والأجر.

وإننا وإن فقدنا شخص المؤلف ، لكنا لم نفقد منتهى هدايته في علمه وتقواه ، وتواضعه وزهده وعزوفه عن الدنيا وزخارفها ، وإعراضه عنها ، فقد جسد قدس سره الاسلام علما وعملا ، عاش سعيدا ومات حميدا ، وجزاه الله عن الاسلام وأهله خيرا.

ونستمد منه تعالى التوفيق لمواصلة منهاجه ، ونشر ما بقي من أجزاء هذه الموسوعة الفقهية الخالدة «هدى الطالب» بل وإعداد سائر مؤلفات الثمينة التي هي حصيلة جهادة العلمي الدؤوب للطبع ، لتكون خدمة أخرى لفقه أهل البيت عليهم السلام ، إنه ولي التوفيق.

٣

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجل الله تعالى فرجه الشريف واللعن المؤبد على أعدائهم أجمعين.

٤

الكلام في شروط المتعاقدين (١)

______________________________________________________

شرائط المتعاقدين

(١) وهي أمور ، والمذكور منها في الكتاب البلوغ والقصد والاختيار وملك أمر البيع إمّا بملك العوضين ـ مع انتفاء الحجر ـ وإمّا بولاية التصرّف. ولا بأس بالإشارة إلى بعض الأمور قبل الشروع في توضيح العبارة.

الأمر الأوّل : أنّ شرائط البيع على قسمين :

أحدهما : ما يكون دخيلا في البيع عرفا ، كمالية العوضين ، والقصد إلى إنشائه.

والآخر : ما يكون دخيلا فيه شرعا ، من دون دخل له في البيع العرفي ، كاعتبار البلوغ في المتعاقدين ، فإنّه قيد زائد على ما اعتبره العرف في البيع ، فاشتراطه فيه منوط بقيام دليل شرعي عليه. فإن نهض دليل عليه فهو المتّبع ، وإلّا فإطلاق دليل إمضاء المعاملة واف بإثبات نفوذ معاملات الصبي المميّز المتمشّي منه قصد العنوان المعاملي ، ولا يبقى مجال للتمسك بأصالة الفساد.

الأمر الثاني : أنّ الظاهر من الروايات كون البلوغ شرطا ، لا كون الصبا مانعا.

وتظهر الثمرة في الشك في بلوغ العاقد. فعلى الأوّل يحكم بفساد العقد ، لكونه مقتضى استصحاب عدم البلوغ ، فيبطل الإنشاء. وعلى الثاني يصح ، لاندفاع المانع بالأصل.

ثمّ إنّ ظاهر تعبير الفقهاء ب «شروط المتعاقدين» دخل الأمور المذكورة بنحو

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط الذي يتمّ به تأثير العقد ، لا كون أضدادها موانع الصحة ، فمثل البلوغ والاختيار متمّم تأثير الإنشاء في النقل والانتقال ، لا كون الصبا والإكراه مانعين عن نفوذه. ويشهد له تعبيرهم «باشتراط الكمال بالبلوغ والعقل» وتفريعهم بطلان عقد الصبي عليه ، من جهة فقد الشرط.

نعم تعبير المصنف قدس‌سره ب «بطلان عقد الصبي» قد يوهم مانعية الصبا عن الصحة.

لكن يندفع بأنّه متفرّع على اشتراط الكمال كما سيأتي في كلام الشهيد قدس‌سره. مضافا إلى تداول إطلاق الشرط على الأمر الوجودي وعدم المانع ، والأمر سهل.

الأمر الثالث : أنّ الشرائط المذكورة معتبرة في البيع ، سواء أنشئ بالقول أم بالفعل ، بناء على ما تقرّر في باب المعاطاة من المكابرة في منع صدق البيع العرفي ـ الموجب للملك ـ عليها. وكذا الحال لو قيل بعدم الملك ، وأنّها تفيد الإباحة تعبدا ، وذلك لما تقرّر في أوّل تنبيهات المعاطاة من أن المتيقن من المعاملة الفعليّة هي الجامعة لشرائط البيع القولي.

إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور فلنشرع في توضيح المتن.

٦

مسألة

المشهور ـ كما عن (١) الدروس والكفاية ـ بطلان عقد الصبي ،

______________________________________________________

الشرط الأوّل : البلوغ

(١) الحاكي هو السيّد المجاهد قدس‌سره (١). ونسبة الشهرة إلى الفاضل السبزواري قدس‌سره وإن كانت في محلها ، إلّا أنّ نسبتها إلى الشهيد مسامحة ، لقوله في الدروس : «ونعني بكمال المتعاقدين بلوغهما وعقلهما. فعقد الصبي باطل وإن أذن له الولي ، أو أجازه ، أو بلغ عشرا ، على الأشهر» وتعبيره بالأشهر لتعدد الأقوال في المسألة كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة (٢) ، وقد أنهاها الفقيه المامقاني قدس‌سره (٣) إلى سبعة أقوال ، ويتجه التعبير بالأشهر بالنسبة إلى القول الثامن ـ وهو البطلان مطلقا ـ سواء أذن له الولي قبل العقد أم لا ، وسواء أجاز عقده بعده أم لا ، وسواء بلغ عشر سنين أم لا ، وسواء أكان مميّزا أم لا.

وهذا بخلاف ما لو عبّر الشهيد بالمشهور ، فإنّه موهم بل ظاهر في ندرة القول بالصحة وشذوذه ، مع أنّه ليس كذلك ، كما سيظهر في مطاوي الأبحاث الآتية

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٨٦ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٢ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٠.

(٣) غاية الآمال ، ص ٣٢١ و ٣٢٢.

٧

بل (١) عن الغنية الإجماع عليه وإن (٢) أجاز الولي.

وفي كنز العرفان «نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا» (٣).

______________________________________________________

إن شاء الله تعالى ، لوجود المفصّل تارة بين عقد المميّز وغيره ، واخرى بين إذن الولي له واستقلاله فانتظر.

وكيف كان فغرض المصنف قدس‌سره من حكاية الشهرة عن الدروس والكفاية توهين القول بصحة معاملة الصبي ، وذلك لمخالفته للشهرة الفتوائية على البطلان. وقد استدلّ على فساد عقده بالإجماع المتضافر نقله وبالنصوص ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

الوجوه المستدل بها على اعتبار البلوغ

أ : الإجماع

(١) غرضه الترقي عن مجرد اشتهار الفتوى بالبطلان إلى كون الحكم مجمعا عليه. قال السيد أبو المكارم قدس‌سره : «ويخرج عن ذلك أيضا ـ يعني كخروج بيع العبد الجاني عن دليل حلّ البيع ـ بيع من ليس بكامل العقل ، وشراؤه ، فإنّه لا ينعقد وإن أجازه الولي ، بدليل ما قدّمناه من الإجماع ، ونفي الدليل الشرعي على انعقاده. ويحتج على المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ..» (١).

(٢) وصلية ، وغرض السيّد قدس‌سره تعميم البطلان لصورة إذن الوليّ له في البيع والشراء ، وأمّا بطلانه في صورة عدم الإذن فكأنّه من الواضحات.

(٣) قال الفاضل المقداد قدس‌سره في الأحكام المستفادة من آية (وَابْتَلُوا الْيَتامى) ما لفظه : «اختلف في معنى ابتلائهم ، فقال أبو حنيفة : هو أن يدفع إليه ما يتصرف

__________________

(١) غنية النزوع ، ص ٥٢٣ ، س ٣٤ ، والحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٠.

٨

وظاهره (١) إرادة التعميم لصورة إذن الولي (٢).

وعن التذكرة : «أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ والإجماع ، سواء كان مميّزا أو لا ، في جميع التصرّفات ، إلّا ما استثني ، كعباداته (٣)

______________________________________________________

فيه. وقال أصحابنا والشافعي ومالك : هو تتبّع أحواله في ضبط أمواله ، وحسن تصرفه ، بأن يكل إليه مقدمات البيع ، لكن العقد لو وقع منه كان باطلا ، ويلزم على قول أبي حنيفة أن يكون العقد صحيحا» (١).

والشاهد في نسبة بطلان عقد الصبي المميّز إلى أصحابنا.

(١) منشؤه إطلاق محجورية الصبي عن التصرف ، بلا فرق بين استقلاله فيه وبين إذن الولي له.

(٢) يعني : فيكون الصبي مسلوب العبارة كالبهائم ، فلا عبرة بعبارته وإن اقترنت بإذن الولي أو إجازته. ففي المسألة أقوال ، أهمّها اثنان :

أحدهما : اعتبار البلوغ في المتعاقدين ، وعدم العبرة بعبارة الصبي وإن كانت مع إذن الولي أو إجازته. وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل المدّعى عليه الإجماع.

ثانيهما : اعتباره في نفوذ عقده من دون حاجة إلى مراجعة الولي.

وبعبارة أخرى : ما يثبت في البالغ ـ من استقلاله في أموره من عقوده وإيقاعاته ـ ينفى في الصبي ، فليس الصبي مستقلّا في تصرفاته بحيث تنفذ عقوده وإيقاعاته بلا مراجعة الولي. فلا مانع من شمول إطلاق الأدلة الإمضائية لعقد الصبي مع إذن وليّه.

(٣) لما ثبت في محلّه من شرعية عباداته ، وإن كان محلّ الخلاف ، وظاهر كلام العلّامة التسالم على استثناء عبادات الصبي من أفعاله التي هو محجور عليها. ولكنه غير ظاهر.

__________________

(١) كنز العرفان ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

٩

وإسلامه (١) وإحرامه وتدبيره ووصيّته وإيصال الهدية وإذنه في الدخول على خلاف في ذلك (٢)» (١) انتهى.

واستثناء إيصال الهدية (٣) وإذنه الهدية واذنه في دخول الدار يكشف

______________________________________________________

ثم إنّ الظاهر أنّ مورد البحث هو الصبي المميز الذي له قصد وإرادة. وأمّا غير المميّز الذي لا يميّز الصلاح عن الفساد ولا قصد له ففعله كعدمه ، ولا يصلح أن يكون موردا للبحث والنزاع ، لفقدان القصد المقوّم للأفعال القصدية الّتي منها البيع. ومن المعلوم أنّ الفعل الصادر بعنوانه المتقوّم بالقصد إذا صدر عن الصبي ينبغي أن يقع فيه البحث ، وأنّه هل يكون موضوعا للآثار؟ أم لا بد في ترتيب الأثر عليه من صدوره عن البالغ ، وأنّ الصادر عن الصبي ليس موضوعا للأثر. فدعوى «الإجماع على كون فعل الصبي كالعدم سواء أكان مميزا أم لا» غير مسموعة ، إذ لا مقتضي لصحة فعل غير المميّز ، لعدم القصد إليه.

وبالجملة : فلا بدّ من جعل مورد البحث خصوص الصبي المميز القاصد للفعل ، لتوقف العناوين القصدية على القصد.

(١) المراد بنفوذ إسلام الصبي هو خروجه به عن تبعية أبويه الكافرين ، وهذا المورد منصوص ، كصحة إحرامه وتدبيره ووصيته ، وسيأتي في التعليقة التعرّض لها إن شاء الله تعالى.

(٢) أي : في اعتبار إذن الصبي في الدخول ، فقد يقال بجواز الدخول في الدار بمجرد إذن الصبي ، وقد يقال بمنعه.

(٣) غرض المصنف قدس‌سره من هذه العبارة تقريب دلالة كلام العلّامة على ما نحن فيه ، وهو حجر الصبي عن العقد والإيقاع وعدم العبرة بإنشائه ، وتوضيحه : أنّه قد يتخيّل أجنبية عبارة التذكرة عن المقام ، لظهور قوله : «الصغير محجور عليه في

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٧٣ ، س ٢٥ ، والحاكي عنه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٠.

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جميع التصرفات» في اختصاص الحجر بتصرّفه في ماله كبيعه وشرائه وصلحه وهبته وإجارته ونحوها من التصرف الاعتباري في أمواله الشخصية. وأمّا إذا لم يتصرّف الصبي في مال نفسه بل توكّل عن الغير في مجرّد الإنشاء فقد يشكل استظهار بطلانه من قول العلّامة : «جميع التصرفات» لعدم كون إجراء العقد والإيقاع ـ بالوكالة عن الغير ـ تصرفا في مال الصبي حتى يكون محجورا عنه. ومن المعلوم أخصيّة المنع ـ من التصرف في مال نفسه ـ من المدّعى ، وهو عدم العبرة بأفعاله وأقواله مطلقا سواء تعلقت بماله أم بمال وليّه بإذنه ، أم بمال الغير وكالة.

وقد زيّف المصنف قدس‌سره هذا الوهم ، لدلالة فحوى كلام العلامة على أنّ المراد من التصرف مطلق أقواله وأفعاله ، وذلك لأمرين مسلّمين :

أحدهما : أصالة الاتصال في الاستثناء ، وعدم حمله على الانقطاع إلّا بقرينة.

ثانيهما : أولوية حجر الصبي عن تصرفه ـ الموضوع لحكم شرعيّ ـ من حجره عن تصرفه الذي لا يترتب عليه الأثر.

وتوضيحه : أنّ العلّامة استثنى ـ من عموم حكمه بحجر الصغير عن التصرف ـ أمورا ، منها : ما يترتب عليه الأثر كإسلامه وإحرامه وعتقه ونحوها ممّا حكم الشارع عليه بالصحة والنفوذ.

ومنها : ما ليس موضوعا لحكم كإيصال الهدية والإذن في الدخول. والوجه في عدم موضوعيّتهما لحكم هو أنّ جواز تصرف المهدي إليه منوط بوصول الهدية إليه عن إذن المالك ، ولا دخل لإيصال الصبي فيه أصلا ، وإنّما هو آلة ، كما لو حملها المهدي على حيوان أو أرسلها بالبريد.

وكذلك الحال في جواز الدخول في دار الغير ، فإنّه مترتّب على إحراز رضا المالك ، سواء أكان الكاشف عنه إذن الصغير أم البالغ ، فالعبرة بالمكشوف وهو الرضا المالكي ، لا بالكاشف ، فلو لم يحرز رضاه بإذن الكبير لم يجز للأجنبي الدخول.

١١

بفحواه عن شمول المستثنى منه (١) لمطلق (٢) أفعاله ، لأنّ (٣) الإيصال والإذن ليسا من التصرفات (٤) القولية والفعلية. وإنّما الأوّل (٥) آلة في إيصال الملك ، كما لو حملها على حيوان وأرسلها (٦).

______________________________________________________

وعلى هذا فحيث إنّ العلّامة قدس‌سره استثنى من موارد الحجر هذين الموردين اللّذين لا يترتب عليهما أثر شرعي كان مقتضى اتصال الاستثناء دخولهما في المستثنى منه ـ أعني به جميع التصرفات ـ لو لا الاستثناء. ولمّا كان المستثنى منه شاملا لهما اقتضت الأولوية القطعيّة اندراج فعل الصبي وقوله ـ الموضوعين للأثر الشرعي ـ فيه ، كما إذا صار الصغير المميّز وكيلا عن غيره في إنشاء عقد أو إيقاع ، فإنّ مقتضى عموم قوله : «جميع التصرفات» حجر الصبي عنه وعدم العبرة بعبارته ، ولا يختص المنع بالتصرف في مال نفسه حتى يكون معقد الإجماع مختصا بتصرف الصبي في أمواله ، كي يصير الدليل أخصّ من المدّعى ، وهو عموم حجر الصبي وإلغاء إنشائه مطلقا سواء تعلق بماله أم بمال الغير.

(١) المراد بالمستثنى منه قول العلّامة : «جميع التصرّفات» والوجه في الفحوى ما عرفته من أن إيصال الهدية ممّا ليس موضوعا لحكم شرعي لو توقّف تمشّيه من الصبي على الاستثناء كشف ذلك بالأولوية عن توقف الفعل والقول الموضوعين للحكم على الاستثناء.

(٢) متعلق ب «شمول».

(٣) هذا تقريب الفحوى ، وقد عرفته.

(٤) المراد من التصرف هنا معناه الأخص ، وهو القول والفعل الموضوعان للأثر ، كالإسلام والإحرام والتدبير والوصية ، فإنّها موضوعات لأحكام. بخلاف إيصال الهدية.

(٥) لو قال : «وإنّما الصبي في الأوّل آلة .. إلخ» كان أنسب ، حتى يكون المراد بالأوّل مثال إيصال الهدية ، وتتّجه آليّة الصغير فيه.

(٦) أو أرسلها بالبريد أو بوسيلة أخرى ، حيث إنّ المهمّ وصول الهدية عن إذن مالكها.

١٢

والثاني (١) كاشف عن موضوع تعلّق عليه إباحة الدخول ، وهو رضا المالك (*).

______________________________________________________

(١) بالرفع معطوف على «الأوّل» والمراد بالثاني أذن الصغير في دخول الضيف في الدار ، حيث إنّ العبرة بالمكشوف وهو إباحة الدخول من قبل المالك ، لا إعلام الصبي وإذنه.

هذا كله في الدليل الأوّل على بطلان عقد الصبي ، وهو الإجماع المنقول.

__________________

(*) تعميم معقد الإجماع للصبي المميّز غير ظاهر. قال في الكفاية مفرّعا على ما ذكره بقوله : «يشترط أن يكون المتعاقدان عاقلين بالغين على المشهور» ما لفظه : «فلا يصح بيع المجنون ولا الصبي ، وكذا الشراء ، وفي المميّز إشكال».

وكذا يشكل شمول إجماع الغنية للصبي المميّز ، لأنّ عبارتها المحكيّة هي هذه : «لا ينفذ بيع من ليس بكامل العقل وشراؤه ، فإنّه لا ينعقد وإن أجازه الولي ، بدليل ما قدمناه من الإجماع ، ونفي الدليل الشرعي». إذ الظاهر ممّن ليس بكامل العقل هو غير المميّز ، لا مطلق الصبي ، لأنّ من الواضح كون بعض أفراد غير البالغ كامل العقل بالوجدان ، فلا يصدق عليه العنوان المزبور ـ وهو غير كامل العقل ـ فلا يشمل معقد الإجماع الصبي المميّز. وعلى تقدير الشمول لم يحرز كون الإجماع تعبديا ، لاحتمال مدركيته ، بأن يستند المجمعون إلى بعض الوجوه المحتج بها على مذهب المشهور.

والحاصل : أنّه لا إجماع أوّلا ، لكون المسألة خلافية ، وأنّ معقده بعد تسليمه لا يشمل المميّز ثانيا ، وأنّ احتمال مدركيته يسقطه عن الاعتبار ثالثا. فالإجماع لا يصلح لإثبات مدّعى المشهور.

وكذا دليلهم الثاني وهو حديث «رفع القلم عن الصبي» لما سيأتي في توضيح المتن.

وكذا دليلهم الثالث ، وهو الروايات المتضمنة منطوقا ومفهوما لعدم جواز أمر الصبي ، لما ذكره المصنف بقوله : «لكن الإنصاف أنّ جواز الأمر .. إلخ» فتلك الأخبار أيضا لا تفي بإثبات مذهب المشهور. وعلى تقدير دلالتها على نفي مطلق الجواز عن عقد الصبي لا ينافي النفوذ بعنوان كونه عقدا للولي ، حيث إنّ إذنه تصحح نسبته إليه كعقد الفضولي المضاف إلى من بيده اعتباره بعد إجازته.

١٣

واحتج (١) على الحكم في الغنية بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ».

______________________________________________________

ب : حديث رفع القلم عن ثلاثة

(١) هذا شروع في النصوص المستدل بها على المدّعى ، ولا يخفى أن السيّد لم يستدل بحديث رفع القلم ، وإنما قال : «ويحتج على المخالف ..» فلاحظ كلامه في (ص ٨).

وكيف كان فالاستدلال بحديث رفع القلم عن الصبي يقع في مقامين ، أحدهما في السند ، والآخر في الدلالة.

أمّا الأوّل فقد روى في الوسائل عن الخصال عن الحسن بن محمّد السكوني عن الحضرمي عن إبراهيم بن أبي معاوية عن أبيه عن الأعمش ، عن ابن ظبيان ، قال : «اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت ، فأمر برجمها. فقال علي عليه‌السلام : أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ» (١).

وهذا الطريق لا يخلو من ضعف بالأعمش وغيره ، إلّا أن أصل الحادثة وقضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين ممّا يطمأن بصدوره. فالشيخ المفيد قدس‌سره صدّر الفصل ـ الذي عقده لذكر قضائه عليه‌السلام في عهد إمرة الثاني ـ بقوله : «فمن ذلك ما جاءت به العامة والخاصة» (٢) ثم ذكر هذه القصّة بعنوان : «ورووا [روي] أنّ مجنونة .. إلخ» ولعلّه يستفاد من تعبيره قدس‌سره تسالمهم على روايته ، ولا أقلّ من تضافر نقله ، هذا.

مضافا إلى تلقّي الفقهاء لجملة «رفع القلم عن الثلاثة» بالقبول ، وإسناده إلى

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣٢ ، الباب ٤ من أبواب مقدمات العبادات ، ح ١٠.

(٢) الإرشاد ، ج ١ ، ص ٢٠٣ و ٢٠٤ ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام ، ورواه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار عن العامة ، في ج ٣٠ ، ص ٦٨٠ ، وإن شئت الوقوف على مصادر القصّة عندهم فراجع هامش الإرشاد والبحار.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى من لا يعمل منهم بالخبر الواحد العاري عن قرينة القطع كابن إدريس ، فقال في باب الوصية : «وأيضا قوله عليه‌السلام : رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبي حتى يحتلم» (١). وقال في الحدود : «لقوله عليه‌السلام المجمع عليه رفع القلم عن ثلاثة» (٢). وهذا المقدار كاف في حصول الوثوق بالصدور لو لم يوجب القطع به.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو في الدلالة ـ فنقول : إنّ القلم المرفوع محتمل لأمرين قد شملت كلّا منهما عناية الجعل.

أحدهما : قلم التكليف ، سواء أكانت إلزامية أم غير إلزامية ، بل قلم مطلق الأحكام حتى الوضعية بناء على تأصلها في الجعل. وأمّا بناء على الانتزاع يختصّ بالمجعول وهو التكليف. وهذا القلم مساوق لمثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٣) و (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (٤) فالحكم المتعلق بفعل المكلف قلم مجعول شرعا في حقّه.

ثانيهما : قلم المؤاخذة ، وهو قلم كتابة السيئات المترتب على عصيان الخطاب الإلزامي المنجّز ، في قبال قلم الحسنات والمثوبات المترتّبة على فعل الطاعات. ولا فرق في كتابة المؤاخذة والعقوبة شرعا بين كونها دنيوية أعم من كونها بدنيّة في النفس والطرف كالحدود والقصاص والتعزيرات أم مالية كالديات ، وبين كونها أخروية وهو كلّ ما توعّد به تعالى العصاة في تلك النشأة. وهذا القلم أي : المؤاخذة الفعلية ـ الّتي هي فعل الشارع أيضا ـ قابل لكلّ من الوضع والرفع التشريعيّين ولو باعتبار منشئهما ، وهو الحكم الإلزامي ونحوه.

إذا اتضح إطلاق «القلم» على كلّ من التكليف وما يلحقه من العقوبة ، فيقال في تقريب استدلال المشهور بحديث «رفع القلم» : إنّ المراد بالقلم المرفوع هو كافة

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ٢٠٧.

(٢) السرائر ، ج ٣ ، ص ٣٢٤.

(٣) البقرة ، الآية ١٨٣.

(٤) الأحزاب ، الآية ٥٠.

١٥

وقد سبقه في ذلك (١) الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار ، وقال : «إنّ مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم (٢)» (١). ونحوه الحلّي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا. وتبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة (٢) وغيره (٣).

واستدلّوا أيضا بخبر (٣) حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه‌السلام : «ان الجارية

______________________________________________________

الأحكام المجعولة على الكبار ، تكليفية كانت أم وضعيّة ، فكما لا يتصف فعل الصبي بالوجوب والحرمة ، فكذا لا تثبت في حقّه الأحكام الوضعية كسببيّة عقده وإنشائه للبيع ـ مثلا ـ لحصول النقل والمبادلة في إضافة الملكية ، فإنّ سببيّته له اعتبار وضعي إمضائي مرفوع عن الصغير ، إمّا برفعها وإمّا برفع منشأ انتزاعها كوجوب الوفاء كرفعها عن إنشاء المجنون والنائم. وعليه فالحديث واف بالمدّعى وهو إلغاء أقوال الصبي وأفعاله عن الاعتبار وعدم موضوعيتها للآثار المترتّبة على ما إذا صدرت من الكبير. هذا تقريب الاستدلال ، وسيأتي مناقشة المصنف فيه بوجوه ثلاثة.

(١) أي : في الاستدلال بحديث «رفع القلم» على عدم نفوذ إقرار الصبي.

(٢) يعني : الحكم المترتب على كلام البالغ ، وهو التأثير في النقل والانتقال ووجوب الوفاء به ، وغير ذلك من أحكام الإنشاء الممضى شرعا.

ج : عدم جواز أمر الصبي

(٣) هذا دليل ثالث للمشهور ، وهو جملة من الروايات الدالة منطوقا أو مفهوما على عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء. بتقريب : أن إطلاق نفي الجواز يقتضي نفي الأثر عن عقده مطلقا ، سواء استقل به أم أذن له الولي. والمستدل جماعة ، منهم

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٢٠٠ ، س ٣٦ وج ٢ ، ص ١٤٥ ، س ٣٩ وص ١٤٦ ، س ١٧.

(٣) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٥٠ ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ، ج ٧ ، ص ٨٣ وغيره ، والمحقق الشوشتري في مقابس الأنوار ، ص ٣ ، كتاب البيع.

١٦

إذا زوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء. والغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ، ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة» الحديث (١).

وفي رواية ابن سنان : «متى يجوز أمر اليتيم؟ قال : حتى يبلغ أشدّه. قال : ما أشدّه؟ قال : احتلامه (١)» (٢).

______________________________________________________

أصحاب مفتاح الكرامة والرياض والمستند والجواهر والحدائق قدس‌سرهم. قال السيد العاملي : «والمراد بجواز أمره تصرفه بالبيع والشراء ونحوهما ، فالقول بأنّه لا منافاة بين صحة عقده وبين عدم دفع المال إليه ـ كما يظهر من مجمع البرهان ـ لا وجه له ، فإنّ الخبر المذكور قد دلّ على عدم جواز أمره يعني تصرفه بجميع أنواع التصرفات. والعقد الواقع منه إن كان صحيحا موجبا لنقل الملك فهو التصرف الذي دلّ الخبر على المنع منه ، وإلّا فهو لغو» (٣).

(١) الظاهر أنّ مراده ما رواه الصدوق في الخصال عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللّؤلؤ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال : حتى يبلغ أشدّه. قال : وما أشدّه؟ قال احتلامه. قال : قلت : قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر ولم يحتلم؟ قال : إذا بلغ وكتب عليه الشي‌ء [ونبت عليه الشعر] جاز عليه أمره ، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

ونقله صاحب الوسائل ـ في كتاب الحجر ـ عن الخصال ، عن بيّاع اللؤلؤ ، لا عن

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣ ، الباب ٤ من أبواب مقدمات العبادات ، ح ٢ ، وج ١٣ ، ص ١٤٢ الباب ٢ من أبواب الحجر ، ح ١.

(٢) الخصال ، ج ٢ ، ص ٢٦٨ ، عنه في البحار ، ج ١٠٣ ، ص ١٦٢ ، ح ٥ ، وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٤٣ ، الباب ٢ من أحكام الحجر ، ح ٥.

(٣) راجع مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧١ ، رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١١ ، مستند الشيعة (الطبعة الحديثة) ج ١٤ ، ص ٢٦٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٦١ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٣٦٩ ، مقابس الأنوار ، ص ٣ ، كتاب البيع.

١٧

وفي معناها (١) روايات أخر.

لكن الإنصاف (٢) أنّ جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في

______________________________________________________

ابن سنان ، والظاهر وقوع السهو فيه.

وروى في وصيّة الوسائل عن التهذيب رواية أخرى عن ابن سنان تتضمن سؤاله عن مدلول الآية المباركة وتفسير الأشدّ بالاحتلام ، إلّا أن ذيله يختلف عما نقلناه ، لتضمنه تحديد البلوغ ـ بالسنين ـ بثلاثة عشرة سنة ، فراجع (١).

وكيف كان فالشاهد في عدم جواز أمر الصبي وسلب عبارته ، وصدر الرواية دالّ عليه.

(١) ممّا يتضمّن الحجر قبل البلوغ ، وتوقف نفوذ المعاملة عليه ، كما في معتبرة هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام ، وهو أشدّه ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله» (٢).

وكمرسلة الصدوق : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها ، وجاز أمرها في مالها ، وأقيمت الحدود التامة لها وعليها» (٣).

(٢) ناقش المصنف قدس‌سره في دلالة كلتا الطائفتين من الأخبار ـ وهما أحاديث رفع القلم وعدم جواز أمر الصبي ـ على مدّعى المشهور من سلب العبارة وعدم العبرة بإنشائه.

أمّا المناقشة في الطائفة الثانية المشتملة على عدم جواز أمر الصبي فتوضيحها : أنّ عدم نفوذ الأمر يفترق عن سقوط عبارته بالكليّة ، وذلك لأنّ المثبت في البالغ منفيّ في الصبي ، ومن المعلوم أنّ المثبت في البالغ هو الاستقلال والنفوذ ، من دون حاجة إلى إذن أحد ، فلا بدّ أن يكون المنفي في الصبي هو ذاك المعنى المثبت في البالغ ، لأنّه مقتضى قرينة المقابلة بين القضيتين الإيجابية والسلبية مع وحدة المحمول كالنفوذ

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٣٠ ، الباب ٤٤ من أحكام الوصايا ، ح ٨.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٣٠ ، الباب ٤٤ من أحكام الوصايا ، ح ٩.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٤٣ ، الباب ٢ من أحكام الحجر ، ح ٣.

١٨

التصرف لأنّ (١) الجواز مرادف للمضي ، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة. كما يقال : بيع الفضولي غير ماض (٢) ، بل موقوف.

ويشهد له (٣) الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله : «إلّا ان يكون سفيها». فلا (٤) دلالة لها حينئذ على سلب عبارته ، وأنّه (٥)

______________________________________________________

وعدمه. وعليه يكون إنشاء الصبي نظير عقد الفضول في عدم سقوطه عن قابلية الإمضاء بلحوق إجازة مالك الأمر.

والشاهد على إرادة عدم الاستقلال من قوله عليه‌السلام : «لا يجوز أمره» وعدم إرادة سلب العبارة كما يدعيه المشهور هو الاستثناء الوارد في رواية عبد الله بن سنان المتقدمة : «إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» حيث إنّ السفيه ليس مسلوب العبارة ، وإنّما هو محجور عن الاستقلال في تصرفاته المالية ، فيظهر من هذا الاستثناء نفي التصرف المستقل ، إذ المراد بالجواز في البالغ هو النفوذ بالاستقلال ، وهذا منفي في غير البالغ.

وبهذا ظهر أجنبية هذه الطائفة عن مدّعى المشهور.

وأما المناقشة في الطائفة المتضمنة لرفع القلم عن الصبي فبوجوه ثلاثة ستأتي قريبا إن شاء الله تعالى.

(١) هذا تقريب ظهور «عدم جواز الأمر» في عدم الاستقلال ، لا في مدّعى المشهور من سلب العبارة.

(٢) يعني : أنّ عدم المضي لا ينافي صحة عقد الصبي معلّقا على إجازة وليّه ، نظير توقف نفوذ عقد الفضول على إجازة وليّ العقد.

(٣) يعني : ويشهد لظهور الروايات في نفي الاستقلال : الاستثناء الوارد في بعضها ، على ما عرفته آنفا.

(٤) هذا متفرع على ظهور الروايات في نفي الاستقلال ، لا في سلب العبارة كلّيّة.

(٥) معطوف على «سلب عبارته» ومفسّر له ، يعني : إذا تصدّى الولي لمقدمة المعاملة من تعيين العوضين ثم أمر الصبي المميّز بإنشاء العقد ، لم تدل الروايات

١٩

إذا ساوم (١) وليّه متاعا وعيّن له قيمته ، وأمر الصبي بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا. وكذا (٢) لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن (٣) وليّه.

وأمّا حديث (٤) رفع القلم ففيه أولا : أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة (*)

______________________________________________________

ـ المتضمنة لعدم جواز أمر الصبي ـ على بطلانه رأسا ، هذا.

(١) المساومة هي المجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة وفصل ثمنها.

(٢) معطوف على «أنّه» يعني : لا دلالة لمثل خبر حمزة بن حمران على بطلان إنشاء إيجاب النكاح أو قبوله إذا كان بإذن وليّه. وجه عدم الدلالة ما تقدم آنفا من ظهور الرواية في نفي استقلال الصبي في التصرف ، لا في سلب عبارته حتى يكون إنشاؤه لغوا كإنشاء الهازل واللّاغي.

(٣) متعلق ب «أوقع» يعني : لو أذن الولي للطفل في أن يزوّج هندا من زيد ، أو يقبل ذلك الإيجاب ، لم تدل رواية حمزة بن حمران على بطلانه.

والظاهر أنه لا فرق في صحة إنشاء الصبي بإذن وليّه بين كون التزويج لنفسه أو لغيره ، ولم يظهر وجه تقييد الصحة بكون النكاح لغيره.

(٤) أشرنا إلى أنّ المصنف قدس‌سره ناقش في دلالة «رفع القلم عن الصبي» على سلب عبارته ـ وكون إنشائه كالعدم ـ بوجوه ثلاثة :

توضيح الوجه الأوّل : أنّ الاستدلال به منوط بكون المرفوع عن الصغير هو الأحكام المجعولة في حقّ البالغين ، سواء أكانت إلزامية أم غيرها ، وسواء أكانت تكليفية أم وضعية ، فيقال حينئذ بخلوّ صفحة التشريع ـ بالنسبة إلى الصبيان ـ عن كلّ قلم مجعول في حق الكبار ، كما تقدم في تقريب الاستظهار.

__________________

(١) سيأتي في التعليقة ضعفه ، وأنّ المراد قلم جعل الأحكام الإلزامية ، يعني : أنّ قلم جعلها مرفوع عن الصبي ، فالرواية أجنبية عن عقد الصبي ، وغير شاملة له.

٢٠