هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

العقد ، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه وتردّده (١) بين الفضولي ومن وقع له العقد ، إذ (٢) لو صحّ وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة ، ووقع له. إلّا (٣)

______________________________________________________

وتردّده بين الفضولي ومن وقع له العقد ، إذ ليس الفضولي طرف المعاملة ، فإنّ طرفيها هما المالكان للعوضين.

(١) هذا الضمير وضميرا «لخروجه ، ملكه» راجعة إلى المال.

(٢) تعليل لعدم تردد المال بين الفضولي ومن له العقد ، وحاصله : أنّه لو بني على وقوع العقد للفضولي ، فلا وجه لهذا التردد ، بل يقع للفضولي من دون حاجة إلى إجازته ، لمباشرته للعقد.

(٣) استثناء ممّا ذكره من عدم وقوع العقد للفضولي ، ومحصله : وقوع العقد للفضولي فيما إذا أنكر الطرف الآخر في المعاوضة ، سواء أكان ذلك الطرف بائعا أم مشتريا ، فمع حلفه على نفي علمه بفضولية مدّعي الفضولية حكم له على الفضولي بوقوع العقد.

والوجه في توجّه الحلف إلى الأصيل مطابقة دعواه لظاهر الأمر من أن الفضولي عقد لنفسه ، لا أنه قصد المعاملة للغير ، لوضوح أنّ وقوعها للغير منوط بمئونة زائدة ثبوتا بالقصد ، وإثباتا بإقامة دالّ على إسناد المعاملة إليه. ولا يكفي القصد الذي يدّعيه الفضولي ، بعد خلوّ الإنشاء عن إسناد البيع إلى الغير ، ومقتضى ظهور إطلاق الكلام انعقاده لنفس العاقد لا لذلك الغير.

ولمّا كانت دعوى الأصيل «قصدت البيع أو الشراء لك» موافقة لظاهر الإنشاء كفى يمينه في وقوع العقد للفضول ، لا لذلك الغير الذي قصده الفضول ، فيقول المشتري الأصيل «والله لم أعلم بقصدك البيع للغير ، فاشتريت الكلّي الذمي منك» ويحكم على الفضولي بالوفاء بعقده. ولا يبقى مجال لجريان أصالة الفساد المحكّمة في موارد الشك في صحة المعاملة وفسادها ، بعد اقتضاء الظهور الإطلاقي صحتها كما تقدّم.

٦٢١

أنّ الطرف الآخر لو لم يصدّقه (١) على هذا القصد (٢) وحلف على نفي (٣) العلم حكم (٤) له على الفضولي بوقوع [لوقوع] العقد له ظاهرا (٥) ، كما عن المحقق (١) وفخر الإسلام والمحقق والكركي والسيوري والشهيد الثاني (*).

______________________________________________________

(١) أي : لو لم يصدّق الطرف الآخر الفضوليّ.

(٢) أي : قصد الفضولي كون البيع أو الشراء لغيره.

(٣) إنّما يحلف الأصيل على نفي علمه بما قصده الفضول ، لا على عدم قصد الفضول ، لوضوح أن قصد الفضول واقعا وعدمه لا يعلم إلّا من قبله ، فلا يبقى للأصيل إلّا الحلف على عدم علمه بما قصده الفضول.

(٤) أي : للطرف على الفضولي ، وحاصله : وقوع العقد للطرف على الفضولي ظاهرا ، فيجبر الفضولي على دفع الثمن وإن لم يجز له التصرف في المبيع ، لدعواه الفضولية ، إلّا بإذن البائع. كما لا يجوز للبائع أيضا التصرف في الثمن إلّا بإذن المشتري ، فيبقى المال مردّدا بينهما. ومقتضى الاحتياط إنشاء عقد جديد عليه بالثمن الأوّل.

(٥) التقييد بقوله : «ظاهرا» إنّما هو لأجل أنّ قصد الفضولي وقوع العقد لغيره يكون بمنزلة التصريح بكون العقد له ، في أنّه مع إجازة ذلك الغير يصح العقد ، ومع الرّد ينحلّ العقد واقعا. وهذا يدلّ على أجنبية الفضولي عن هذا العقد. فالحكم به

__________________

(*) قد يشكل الحكم بالصحة بالحلف على نفي علمه بما قصده الفضولي بل المعاملة باطلة ، وبيانه : أنّه قد يتوافق البائع والمشتري على وحدة القصد ، ولكن يكذّب كلّ منهما الآخر فيما قصده بالخصوص ، فالبائع يقول للمشتري : «بعتك المال

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٦٠ و ٣٦١ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٤٧ ، جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ٢٠٥ ، مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٠٠ ، وكذا نسبه صاحب المقابس الى الفاضل السيوري ، فراجع مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٠.

٦٢٢

وقد يظهر (١)

______________________________________________________

للطرف الآخر على الفضولي لا بدّ أن يكون في مقام الظاهر لحلف الطرف الآخر على نفي العلم.

وقد حكي نظير هذا الفرع عن المحقق في كتاب الوكالة ، وهو : «أنه إذا اشترى إنسان سلعة ، وادّعى أنّه وكيل لإنسان ، فأنكر ، كان القول قوله مع يمينه ، ويقضى على المشتري بالثمن ، سواء اشترى بعين أو في الذمة ، إلّا أن يكون قد ذكر أنه يبتاع له في حالة العقد» ونحوه كلام العلّامة في وكالة القواعد ، فراجع.

(١) هذا هو القول الثاني في المسألة ، وهو وقوع العقد للفضولي ظاهرا وباطنا ، وربّما يظهر من العلّامة في مضاربة القواعد ، كقوله : «وإن اشترى ـ يعني العامل ـ في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز المالك» (١) وكقوله : «وليس له ـ أي للعامل ـ أن يشتري من ينعتق على المالك إلّا بإذنه ، فإن فعل صحّ وعتق وبطلت المضاربة في ثمنه ، فإن كان كلّ المال بطلت المضاربة. ولو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته ، والوجه الأجرة. وإن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة وذكر المالك ، وإلّا وقع للعامل مع علمه» حيث ان قوله : «وإلّا وقع للعامل» ظاهر في وقوع العقد للعامل واقعا ، إذ لم يقل : «وقع للعامل ظاهرا» ومن المعلوم أنّ العامل هنا فضولي ، لأنّه اشترى من ينعتق على المالك بدون إذنه (٢).

__________________

وقبلت لنفسك» ويقول المشتري له : «بعت المال بثمن على عهدة زيد ، واشتريت له فضولا» فالبائع يدّعي أنّ المشتري اشترى لنفسه بثمن منه ، والمشتري يدّعي الشراء للغير بثمن في ذمة ذلك الغير ، وهذا مورد التداعي والتحالف.

وقد لا يتوافقان على قصد واحد بأن يقول البائع : «بعتك المال» ويدّعي

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٣٨.

(٢) المصدر ، ص ٣٣٩.

٦٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى أن تعبير الماتن ب «وقد يظهر» يلوح منه عدم الجزم بظهور عبارة القواعد في وقوع البيع للعامل ـ الفضولي ـ واقعا ، لبقاء احتمال وقوعه له ظاهرا ، لا في

__________________

المشتري أنه اشتراه للغير لا لنفسه. وهذا مورد الادّعاء والإنكار ، لمطابقة قول البائع لظهور قبول المشتري للبيع ، لأنه لم يضفه إلى الغير ، ومخالفة قول المشتري للظاهر.

وفي هذه الصورة يحكم ببطلان البيع أيضا ، لأنّ النية أمر قلبي يمتنع إقامة البيّنة عليها ، فيردّ اليمين إلى البائع الذي يوافق كلامه ظاهر العقد وأصل الصحة ، فلو حلف على نفي علمه بما قصده المشتري من كون الشراء للغير صح البيع. لكن لا جدوى في هذا الحلف ، لعدم منافاته لدعوى المشتري. فلا بدّ من الحلف على نفي ما يدّعيه المشتري ، ولمّا لم يكن له طريق إلى نفيه رجع الحلف إلى المدّعي ، فيحلف على الفضولية ، ويحكم ببطلان البيع ، هذا (١).

لكن الظاهر صحة ما أفاده المصنّف من صحة البيع ، بلا فرق بين الصورتين ، لموافقة قول البائع لظاهر العقد ، بناء على ان اعتبار تعيين الذّمة بالقصد أو باللفظ مختص بما إذا قصد جعل الثمن في ذمّة الغير. فاشتغال ذمة المشتري بالثمن لا يتوقف على التعيين ، بل يكفي إطلاق العقد وتجرده عن الإضافة إلى الغير في انصرافه الى نفس المشتري.

وعلى هذا فدعوى المشتري الشراء بثمن كلّي في ذمة زيد منوطة بقرينة دالّة عليه. وحيث إنّ المفروض عدم إضافة الشراء إلى ذمة الغير كان قول البائع موافقا للظاهر ، ولا يطالب باليمين ابتداء. نعم لو ادّعى المشتري علم البائع بمقصوده اتّجه الحلف على نفي علمه بما قصده المشتري. وعلى تقديري الحلف وعدمه يقدّم قول البائع الموافق للظاهر ولأصالة الصحة. ولم يظهر وجه للتفصيل بجعل المسألة موردا للتداعي تارة وللادعاء والإنكار أخرى. إذ المفروض مخالفة قول المشتري لظاهر العقد ، هذا.

__________________

(١) المحاضرات ، ج ٢ ، ص ٣٣٥.

٦٢٤

من إطلاق (١) بعض الكلمات كالقواعد والمبسوط (٢) وقوع (٣) العقد له

______________________________________________________

نفس الأمر. وعبارة القواعد لا تأبى هذا الاحتمال ، كما يظهر بمراجعة كلمات الشرّاح ، كقول فخر المحققين قدس‌سره : «وإن كان ـ أي شراء من ينعتق على ربّ المال ـ في الذمة ، وأطلق ، أو لم يعلم المالك بأنّ العامل نواه ، وقع في نفس الأمر عن العامل إن لم ينو المالك. ويقع عنه ظاهرا إن نواه» (١).

وقال المحقق الكركي قدس‌سره : «وإن لم يكن الشراء بالعين ـ أي كان بالثمن الذمي ـ ولا ذكر المالك لفظا ولا نواه ـ بحيث يعلم به البائع ـ وقع الشراء للعامل والزم به ظاهرا» (٢) وكذا قوله : «في باب الوكالة لإمكان أن يريد بقوله : لا يقع له ـ إلزامه به ظاهرا ، لأنه المبحوث عنه» (٣).

ولعلّه لأجل تطرّق هذه الشبهة في عبارة القواعد قال المحقق صاحب المقابس :

«والأوّل ـ أي ثبوت البيع واقعا للفضولي ولغوية نيته وقصده ـ قضية إطلاق القواعد. ويمكن تنزيله على الثاني ، وهو وقوعه له في الظاهر» (٤) فراجع.

(١) المراد بالإطلاق ـ كما نبهنا عليه ـ عدم تقييد وقوع البيع للفضولي ـ كالعامل والوكيل ـ ب «ظاهرا» إذ من المعلوم اقتضاء هذا الإطلاق الوقوع له باطنا وظاهرا.

(٢) كقوله في الوكالة : «فإذا حلف ثبت البيع في حقّ الوكيل» (٥). وكقوله في شراء العامل من ينعتق على ربّ المال : «وإن كان الشراء في الذمة وقع الملك للعامل ، وصحّ الشراء .. إلخ» (٦).

(٣) فاعل «يظهر» وضمير «له» راجع إلى الطرف الآخر ، وهو الأصيل.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣١٤ ونحوه في ص ٣٤٧.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ٩٩.

(٣) المصدر ، ص ٢٥٣.

(٤) مقابس الأنوار ، ص ٤٠.

(٥) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٣٧٩ و ٣٨٦.

(٦) المبسوط ، ج ٣ ، ص ١٧٥.

٦٢٥

واقعا (*). وقد نسب ذلك (١) إلى جماعة في بعض فروع المضاربة.

وحيث عرفت (٢) أنّ قصد البيع للغير

______________________________________________________

(١) المشار إليه هو وقوع العقد للعامل واقعا وظاهرا. ولكن لم أظفر في المسالك والجواهر وجامع المقاصد والحدائق على هذه النسبة. نعم ذكر السيد العاملي قدس‌سره ـ في مسألة شراء شي‌ء في الذمة وإلزام العامل به ـ ما لفظه : «لأنّ البيع ظاهرا يقع ، وبه صرّح الشيخ وجماعة» (١).

والظاهر أن مراده من كلمة «ظاهرا» هو صحة الشراء بما في الذمة ، لا الظاهر في مقابل الواقع ونفس الأمر ، لعدم فرض تنازع المالك والعامل حتى يحمل وقوعه للعامل على الحكم الظاهري. وبهذا فيكون الناسب إلى الجماعة هو صاحب مفتاح الكرامة ، فراجع.

هذا ما أفاده في المسألة الاولى ، وقد تحصّل منه صحة البيع الفضولي لو كان أحد العوضين كليّا في الذمة ، وأنّه لو اختلفا في القصد قدّم قول من يوافق كلامه ظاهر العقد ، وبالحلف على عدم علمه بما قصده الطرف الآخر يؤاخذ الفضولي بظاهر العقد.

(٢) أي : في (ص ٦١٧) عند قوله : «ثم إنّ تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي» وهذا تمهيد لبيان المسألة الثانية ، وهي الجمع بين المتنافيين في إنشاء الفضولي.

__________________

(*) وتظهر الثمرة بين وقوع العقد للفضولي واقعا وبين وقوعه له ظاهرا في ترتب أحكام الملك واقعا على ما اشتراه الفضولي بناء على وقوعه له واقعا ، وعدم ترتبها عليه بناء على وقوعه له ظاهرا ، ولزوم الصلح في جواز التصرف في ملك الغير.

وتظهر الثمرة أيضا في شراء العامل من ينعتق عليه كأحد العمودين.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٤٦٢ ، السطر ١٠.

٦٢٦

أو إضافته (١) إليه في اللفظ يوجب صرف الكلّي إلى ذمة ذلك الغير ، كما أنّ إضافة الكلّي إليه (٢) توجب صرف البيع أو الشراء إليه (٣) وإن لم يقصده (٤) أو لم يضفه إليه (٥).

______________________________________________________

(١) معطوف على «قصد» وضمير «إضافته» راجع إلى البيع ، وضمير «إليه» إلى الغير. وإضافة البيع إلى الغير في اللفظ كأن يقول : «بعت لزيد منّا من الحنطة».

(٢) أي : إلى الغير ، فإنّ إضافة الكلي إليه ـ كأن يقول البائع الفضولي : «بعتك كرّا من طعام في ذمة زيد» أو يقول المشتري الفضولي : «اشتريت كرّا من طعام بدينار في ذمة زيد» ـ توجب صرف البيع أو الشراء إلى من أضيف إليه الكلّي.

(٣) أي : إلى ذلك الغير.

(٤) يعني : وإن لم يقصد الفضولي البيع أو الشراء لذلك الغير.

(٥) يعني : وإن لم يضف الفضولي البيع أو الشراء إلى الغير. فالصور المستفادة من المتن أربع :

إحداها : قصد الفضولي البيع أو الشراء للغير من دون إبراز باللفظ.

ثانيتها : إضافة البيع أو الشراء إلى الغير باللفظ. ويدلّ على هاتين الصورتين قوله : «ان قصد البيع للغير أو إضافته» إلى قوله : «ذلك الغير».

ثالثتها : إضافة الفضولي الكلي إلى الغير وإن لم يقصد البيع أو الشراء لذلك الغير ، كقوله : «بعت كرّا من طعام في ذمة زيد» أو «بعت هذا الكتاب بدينار في ذمة زيد» وتستفاد هذه الصورة من قوله : «كما أنّ إضافة الكلي إليه» إلى قوله : «وإن لم يقصده».

رابعتها : إضافة الفضولي الكلي إلى الغير وإن لم يقصد البيع أو الشراء للغير ، كقوله : «بعتك كرّا من حنطة في ذمة زيد» ويشير إلى هذه الصورة قوله : «أو لم يضفه إليه».

٦٢٧

ظهر (١) من ذلك (٢) التنافي بين إضافة البيع إلى غيره وإضافة الكلّي إلى نفسه (٣) ، أو قصده (٤) من غير إضافة. وكذا بين إضافة البيع إلى نفسه وإضافة الكلّي إلى غيره (٥). فلو جمع بين المتنافيين ، بأن قال : «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي» أو «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان» ففي (٦) الأوّل يحتمل البطلان (*)

______________________________________________________

(١) جواب «حيث» في قوله : «وحيث عرفت».

(٢) أي : من وحدة المعقود له فضولا والمضاف إليه الكلّي الذمي ـ سواء ثبت اتحادهما بالقصد أم بالإضافة لفظا أم بالاختلاف ـ ظهر التنافي بين إضافة البيع إلى غيره وإضافة الكلّي إلى نفسه ، كأن يقول : «بعت عن زيد كرّا من حنطة في ذمتي» حيث إنّ إضافة البيع إلى غيره تقتضي أن يكون الكلي في ذمة ذلك الغير ، لا في ذمة نفسه ، فإضافة الكلّي حينئذ إلى نفسه أو قصد الكلي من غير إضافة لفظا تنافي إضافة البيع إلى غيره. فهل يحكم بنفوذ البيع بالنسبة إلى نفسه وإلغاء تسمية زيد ، أم يحكم بالبطلان رأسا؟ وجهان سيأتي بيانهما.

(٣) كقوله : «بعت لزيد كرّا من حنطة في ذمتي».

(٤) معطوف على «إضافة» يعني : سواء أكان جعل الكلي في ذمته بالإضافة لفظا كأن يقول : «في ذمتي» أم بالقصد ، كأن يقول : «بعت لزيد كرّا من طعام» قاصدا كون الكرّ من الطعام في ذمة نفسه ، مع إضافة البيع إلى غيره وهو زيد.

(٥) كقوله : «بعتك كرّا من حنطة بذمة زيد».

(٦) جواب الشرط في قوله : «فلو جمع» والمراد بالأوّل : المثال الأوّل ، وهو قوله : «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي» والاحتمالان مذكوران في المقابس أيضا ، فراجع (١).

__________________

(*) بل ينبغي القطع بالبطلان بناء على ما اختاره المصنف قدس‌سره من معنى

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤١.

٦٢٨

لأنّه (١) في حكم شراء شي‌ء للغير بعين ماله. ويحتمل إلغاء أحد القيدين (٢) وتصحيح المعاملة لنفسه (٣) أو لغيره (٤).

______________________________________________________

(١) هذا التعليل مبني على ما قرّره من توقف معنى المعاوضة على دخول أحد العوضين في ملك من خرج عنه الآخر ، فلا محيص حينئذ عن القول بالبطلان.

(٢) وهما قيد «لفلان» وقيد «في ذمتي».

(٣) إذا ألقى القيد الأوّل ، وهو «لفلان».

(٤) إذا ألقى القيد الثاني ، وهو «في ذمّتي».

__________________

المعاوضة ، إذ يمتنع الجمع بين القيدين. وهذا محذور ثبوتي لا إثباتي حتى يقال : بأظهرية أحدهما من الآخر ، أو بأرجحية ما هو مقدّم في اللّفظ من الآخر. ومن المعلوم أن ذكر كل واحد من القيدين لم يكن هزلا ، بل كان جدّيا. فمقتضى قاعدة المعاوضة بطلان العقد في كلتا الصورتين اللّتين هما مثالان للجمع بين المتنافيين ، وعدم التأمل في بطلانهما.

كما أنّه بناء على جواز الشراء للغير بمال نفسه وبالعكس ينبغي الجزم بالصحة في الصورة الاولى ، وهي «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي» بلا إجازة. وفي الصورة الثانية وهي : «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان» مع إجازة ذلك الغير.

وأمّا ما أفاده من احتمال إلغاء أحد القيدين وتصحيح المعاملة لنفسه أو لغيره فلم يظهر له وجه وجيه ، لأنّ الإلغاء إمّا اقتراحي ، وإمّا للتأخر في الذكر. وكلاهما خلاف الميزان. ولا مجال للأخذ بالأظهرية ، ولا بالتقدم الذكري بعد كون الكلام واحدا ، وعدم استظهار معنى منه إلّا بعد تماميته.

وبالجملة : فتصحيح العقد بإلغاء أحد القيدين ـ مع كون كليهما مقصودا ـ كما هو مقتضى تبعية العقود للقصود في غاية الإشكال ، إذ المفروض كون العاقد قاصدا لا هازلا.

٦٢٩

وفي الثاني (١) يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير ، فيقع للغير بعد إجازته ، لكن (٢) بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملك في ذمة الغير اعتقادا (٣). ويحتمل (٤) الصحة بإلغاء (٥) قيد «ذمة الغير» (*).

______________________________________________________

(١) أي : في المثال الثاني ، وهو قوله : «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان» فإنّ فيه أيضا احتمالين ، أحدهما : وقوعه للغير بعد إجازته ، قياسا للكلي الذمي بالعين الخارجية في وقوع الشراء له إذا وقع على ما في ذمته ، كوقوعه له إذا وقع على ماله الخارجي.

(٢) يعني : أنّ وقوع المعاوضة للغير بعد الإجازة منوط بقصد المعاوضة ، وهو موقوف على بناء مباشر العقد على تملّكه لذمة الغير اعتقادا حتى يتحقق مفهوم المعاوضة الحقيقية المتقوم بها مفهوم البيع.

(٣) التقييد بالاعتقاد إنّما هو لأجل عدم إمكان الغصب في الكليّ حتى يتحقق البناء العدواني أيضا. ومع عدم البناء على التملك اعتقادا لا بدّ من الحكم بالبطلان ، لعدم تحقق معنى المعاوضة.

(٤) معطوف على «يحتمل» وهذا هو الاحتمال الثاني ، ومحصله : أنّه يحتمل الصحة لنفسه في المثال الثاني المذكور بقوله : «اشتريت لنفسي هذا بدرهم في ذمة فلان» بأن يلغى قيد «ذمة فلان» لأنّ تقييد الشراء أوّلا بكونه لنفسه كما هو مدلول قوله «اشتريت لنفسي» يوجب إلغاء ما ينافيه من قوله : «في ذمة الغير» لأنّه كالإنكار بعد الإقرار ، فلا يسمع.

(٥) متعلق ب «يحتمل» والباء للسببية.

__________________

(*) الظاهر أنّ الوجه في الفرق بين الأوّل والثاني ـ بإلغاء أحد القيدين من دون ترجيح لأحدهما على الآخر في المثال الأوّل ، وبإلغاء قيد ذمة الغير بخصوصه في المثال

٦٣٠

لأنّ (١) تقييد الشراء أوّلا بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما ينافيه من (٢) إضافة الذمة إلى الغير. والمسألة (٣) تحتاج إلى التأمل (*).

______________________________________________________

(١) تعليل لإلغاء قيد «ذمة الغير» يعني : أنّ قيد ذمة الغير يلغى لأجل كونه منافيا لتقييد الشراء أوّلا لنفسه.

(٢) بيان للموصول في قوله : «ما ينافيه».

(٣) وهي الجمع بين المتنافيين من قوله : «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي».

__________________

الثاني ـ هو : «أنّ لفظ اشتريت» بدون التقييد منصرف إلى الشراء لنفسه ، وتقييده بقوله : «لنفسي» متّصلا به يوجب قوة ظهور دلالة «اشتريت» في وقوع الاشتراء للمتكلم ، بحيث لا يصلح قوله : «في ذمّتي» في ذيل الكلام لمعارضته ، فيحكم بمقتضى هذا الظهور القوي وهو الصحة لنفسه.

وهذا بخلاف ذكر «لفلان» بعد قوله : «اشتريت» فإنّه لكونه منافيا أسقط ظهور إطلاق «اشتريت» وانصرافه إلى الاشتراء لنفسه ، وصار معارضا ب «في ذمتي» هذا.

لكن الحقّ ـ بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي ذكرناه ـ هو صحة المعاملة في كلا المثالين المذكورين بعد الإجازة. ففي المثال الأوّل يصح الشراء لفلان إذا أجاز ، وعلى العاقد الفضولي دفع الثمن وهو الدرهم الذي جعله في ذمة نفسه. وفي المثال الثاني يصح الشراء لنفس العاقد الفضولي إذا أجاز من جعل الدرهم في ذمته.

كما أنّه بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي اختاره المصنف قدس‌سره لا محيص عن البطلان في كلا المثالين ، وعدم الفرق بينهما ، لتغاير من له العقد ومن عليه الكلّي الذمي ، وعدم الوجه في إلغاء أحد القيدين كما عرفت آنفا. وعليه يكون هذا المعنى الذي استظهره المصنف مساوقا للمثال الأوّل وهو قوله : اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي.

(*) الظاهر عدم خفاء في حكم المتنافيين ، وهو البطلان في كلا المثالين بناء

٦٣١

ثم إنّه قال (١) في التذكرة : «لو اشترى فضوليا ، فإن كان بعين مال الغير ، فالخلاف (٢) في البطلان أو الوقف على الإجازة. إلّا (٣) أنّ أبا حنيفة قال : يقع

______________________________________________________

و «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان».

(١) قد تعرّض المصنف قدس‌سره لكلام التذكرة هنا ، لأنّه استظهر منه أنّ العلّامة في مقام بيان مورد من موارد الجمع بين المتنافيين ، ونشير إلى مورد استظهاره إن شاء الله تعالى.

(٢) وهو الخلاف المعهود في بيع مال الغير لنفسه من البطلان أو التوقف على إجازة الغير ، فإنّه جار هنا ، فإذا اشترى لنفسه متاعا بعين مال الغير جرى فيه ذلك الخلاف ، وكان من الجمع بين المتنافيين.

(٣) استدراك على ما في المسألة من القولين ـ وهما البطلان والوقف على الإجازة ـ فإنّ أبا حنيفة خالف وذهب إلى قول ثالث ، وهو الصحة ووقوعه للمشتري على كل حال ، سواء أجاز المالك أم ردّ.

__________________

على مختار العلّامة والمصنف قدس‌سرهما في معنى المعاوضة.

وما احتمله في المتن ـ من تصحيح الشراء في المثال الأوّل للمباشر بإلغاء قيد «لفلان» أو للغير بإلغاء قيد «في ذمّتي» على نحو التخيير. وكذا في المثال الثاني من احتمال الصحة للمباشر ، لإلغاء قيد «في ذمة فلان» تعيينا ، لتأكّد ظهور ضمير المتكلم في «اشتريت» في كون الشراء لنفس العاقد بقوله : «لنفسي» وأقوائية ظهوره من ظهور «في ذمة فلان» ـ ضعيف.

أمّا الأوّل فلما فيه من : أنّ مقتضى القاعدة في القيود والأمور المتنافية سقوط الجميع عن الاعتبار ، كوقوع عقدين على امرأة لرجلين في زمان واحد ، وغيره من أمثاله. لا التخيير الذي يختص بباب تعارض الأخبار لدليل خاص ، وهو الأخبار العلاجية.

٦٣٢

للمشتري بكلّ حال (١) (١). وإن (٢) كان في الذمة لغيره (٣) وأطلق اللفظ ، قال

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أجاز المالك أم ردّ.

(٢) معطوف على «فإن كان» يعني : وإن كان الشراء الفضولي الذي هو للغير كزيد بثمن في ذمة نفس العاقد المباشر ـ بأن يتعلق «لغيره» ب «اشترى» المستفاد من السياق ، يعني : اشترى للغير ، وجعل العوض في ذمة نفسه بدون ذكره لفظا ، كأن يقول : «اشتريت كرّا من الحنطة بدينار» وأطلق اللفظ بأن لم يقل : «بدينار في ذمتي» ـ قال علماؤنا : يقف على الإجازة ، فإن أجازه المعقود له ـ وهو زيد في المثال ـ لزمه أداء الثمن قضية للمعاوضة ، واقتضاء دخول المثمن في ملكه خروج الثمن عن ملكه. وإن ردّه صحّ عن العاقد المباشر ، لما سيأتي من وجهه.

(٣) هذا مورد استظهار المصنف ، فإنّ المراد بقول العلامة : «وإن كان في الذمة لغيره» على ما فهمه المصنف هو «وإن كان الاشتراء للغير بثمن في ذمة نفسه» فيكون حينئذ من جزئيات تنافي القصدين ، وهما قصد الشراء للغير ، وكون الثمن في ذمة نفسه.

وعليه يكون هذا المعنى الذي استظهره المصنف مساوقا للمثال الأوّل ، وهو قوله : «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي».

__________________

وأمّا الثاني فلما فيه من عدم الوجه في تقديم قيد «لنفسي» وإلغاء قيد «في ذمة فلان» والحكم بصحة الشراء للمباشر ، وذلك لأنّ التقديم إن كان لأجل تقدم «لنفسي» لفظا على «في ذمة فلان» فهو يقتضي تقدم «لفلان» على «في ذمتي» والحكم بصحة الشراء لذلك الغير تعيينا في المثال الأوّل أيضا ، لا تخييرا.

وإن كان التقديم لأجل الأظهرية ـ ببيان : أنّ ظهور ضمير المتكلم في «اشتريت لنفسي» قد أكّد ب «لنفسي» فصار ظهور الشراء لنفس العاقد أقوى من ظهور الشراء للغير ،

__________________

(١) راجع المغني ، لابن قدامة ، ج ٤ ، ص ٢٢٧.

٦٣٣

.................................................................................................

__________________

فيلغى قيد «في ذمة فلان» لكونه منافيا لظهور «اشتريت لنفسي» بحيث يصير من قبيل الإنكار بعد الإقرار ـ ففيه : أنّ حديث تقديم الأظهر على الظاهر إنّما يكون فيما إذا كان الظاهر والأظهر في كلامين. وأمّا إذا كانا في كلام واحد فلا يؤخذ بظاهر الكلام إلّا بعد تماميته ، فربّما يصير الظاهر مقدّما على الأظهر ، كما في تقديم «يرمي» الذي يكون ظهوره بالإطلاق على «أسد» الذي يكون ظهوره بالوضع. وفي المقام يكون الظاهر والأظهر في كلام واحد.

بل ما نحن فيه أجنبي عن بحث الظاهر والأظهر ، لكون «في ذمة فلان» أيضا في غاية الظهور. وعليه فالقيدان ـ وهما «لنفسي» و «في ذمة فلان» ـ متساويان في الظهور.

فتلخص ممّا ذكرنا أمور :

الأوّل : أنّ المثالين المذكورين من صغريات الجمع بين المتنافيين بناء على ما اختاره المصنف قدس‌سره من معنى المعاوضة.

الثاني : أنّه لا وجه لإلغاء أحد القيدين تخييرا ، والحكم بصحة الشراء للعاقد المباشر أو للغير في المثال الأوّل. بل لا بدّ من إلغاء كليهما والحكم بالبطلان.

الثالث : أنّه لا وجه لترجيح أحد القيدين والأخذ بأحدهما تعيينا ، والحكم بصحة الشراء للمباشر في المثال الثاني.

الرابع : أنّ الحق هو البطلان في كلا المثالين ، لكون كلا القيدين فيهما مقصودا جدّا لا هزلا ، مع امتناع الجمع بينهما ، فلا محيص عن بطلان العقد.

هذا كله بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي اختاره المصنف قدس‌سره.

وأمّا بناء على كون المعاوضة في مقابل المجانية ـ على التفصيل الذي تقدم سابقا ـ فالحق صحة العقد في كلا المثالين ، فيصح للغير في المثال الأوّل بعد إجازته ، وللمباشر بعد إجازة الغير في المثال الثاني.

الخامس : أنّه بناء على المعنى الذي اخترناه في المعاوضة لا يتحقق التنافي الذي ذكره المصنف في شي‌ء من الموارد ، ويكون الحكم في الجميع الصحة.

٦٣٤

علماؤنا : يقف على الإجازة. فإن أجازه (١) صحّ ، ولزمه أداء الثمن. وإن ردّ نفذ عن المباشر (٢). وبه (٣) قال الشافعي في القديم (٤) ، وأحمد. وإنّما يصح الشراء (٥) لأنّه تصرف في ذمته (*).

______________________________________________________

(١) أي : المعقود له كزيد في المثال. ووجه صحته : شمول العمومات له ، إذ المفروض أنّ الفضولي عقد الشراء لزيد ، وهو بمقتضى المعاوضة يوجب كون ذمته مشغولة بالثمن ، لا ذمة نفس الفضولي ، لأنّه خلاف مقتضى المعاوضة. ومقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» هو نفوذ إجازته لهذا الشراء ، فيصير الشراء لمن قصده الفضولي.

(٢) وهو العاقد الفضولي ، ولزمه أداء الثمن من ماله ، إذ لا مانع من وقوعه للفضولي إلّا مجرّد قصد كون الشراء لغيره ، من دون تقييد الإنشاء بما يدلّ عليه صريحا ، كقوله : «للغير» أو ظاهرا ، كإضافة الثمن الكلي إلى ذمته. وردّ المعقود له رافع للقصد المذكور ومزيل لفضوليته ، فيشمله عموم ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقود.

وإن شئت فقل : إنّ قصد الشراء لنفسه ليس شرطا لوجوب الوفاء ، بل قصد الغير مانع ، وهو يرتفع بالرّد ولو حكما وتنزيلا ، بشهادة الإجماع المدّعى في المتن.

(٣) أي : وبنفوذ الشراء عن المباشر إن ردّ الشراء قال .. إلخ.

(٤) هذا اسم لآرائه حين إقامته ببغداد ، والجديد اسم لآرائه الصادرة منه بعد انتقاله إلى مصر وإقامته فيه.

(٥) أي : يصحّ الشراء لنفس الفضولي عند ردّ المعقود له ، لأنّ الفضولي المباشر للعقد قصد تصرّف في ذمة نفسه بجعل الثمن الذي يدفعه إلى البائع في ذمته ، لا في ذمة الغير.

__________________

(*) استشهد المصنف قدس‌سره بهذه العبارة على أنّ مراد العلّامة بقوله : «وإن كان في الذمة لغيره» جعل الثمن في ذمة نفس العاقد الفضولي ، لرجوع ضمير «ذمته» إلى المباشر. فكأنّه قال : «يصح الشراء للعاقد الفضولي ، لأنّه إنّما تصرّف في ذمة نفسه ، لا في

٦٣٥

لا في (١) مال غيره (٢).

______________________________________________________

(١) كما في الفرض الذي ذكره بقوله : «فان كان بعين مال الغير».

(٢) هذا الضمير وضمائر «لأنّه ، تصرّف ، ذمته» راجعة إلى الفضولي.

__________________

عين مال غيره ـ وهو منويّ الفضولي ـ حتى يكون منهيّا عنه ، فيفسد من أجله الشراء» هذا.

أقول : يمكن أن يقال : إن ضمير «ذمته» راجع إلى «غيره» في قوله : «لغيره» ومعناه : أنّه يصحّ الشراء للمباشر ، لأنّ المباشر تصرّف في ذمة الغير التي هي ليست مالا ولا ملكا حتى يصحّ جعله عوضا ، إلّا إذا أجاز ذلك الغير ، ولم يتصرف في ماله الخارجي حتى يفسد الشراء ، ولا يقبل الصحة بالإجازة.

وبالجملة : فلا يشهد قوله : «لأنّه تصرف في ذمته» بما أفاده المصنف قدس‌سره من جعل الثمن في ذمة المباشر.

ولا بأس ببيان ما يحتمل في قول العلّامة : «وإن كان في الذمة لغيره» فنقول : إنّه يحتمل أن يراد بقوله : «في الذمة» كون الثمن كلّيا في الذمة ، من غير التفات إلى تعلقه بذمة نفس المباشر أو غيره ، وعدم تعيين ذمة أحدهما. لكن مع قصد كون الشراء للغير ، كأن يقول : «اشتريت هذا الكتاب لزيد بدينار» من دون بيان كونه في ذمة نفسه أو غيره ، ومن دون التفات إلى ذلك.

وعلى هذا الاحتمال يكون قوله : «للغير» خبرا بعد خبر ، كأنّه قيل : «كان الشراء في الذمة» أي : ليس الثمن عينا خارجية ، بل هو كلّي ذمّي ، وكان الشراء لغيره. فإنّ كلّ واحد من خبرين أو أخبار متمّم للفائدة. كقوله : «زيد عالم عادل» فإنّ كلّ واحد من هذين الخبرين خبر مستقل لزيد.

ويحتمل أن يراد الاشتراء بثمن في ذمة الغير ، فكأنّه قال : «وإن كان الاشتراء بثمن في ذمة الغير» كما هو مقتضى المقابلة والعطف على قوله : «فإن كان بعين مال الغير»

٦٣٦

.................................................................................................

__________________

فالفضولي يشتري متاعا لزيد بدينار في ذمة زيد. وهذا الاحتمال مبني على أن يكون «لغيره» ظرفا مستقرّا نعتا للذمة ، فكأنّه قال : وإن كان الاشتراء في الذمة الكائنة لغير العاقد الفضولي.

ويحتمل أن يراد الاشتراء للغير بثمن في ذمة نفس العاقد الفضولي كما استظهره الشيخ قدس‌سره ، ولذا جعله من صغريات الجمع بين المتنافيين ، بتقريب : أنّ معنى «وإن كان في الذمة لغيره» هو : وإن كان الاشتراء لغيره في ذمة نفس العاقد الفضولي ، بقرينة التعليل بقول العلامة قدس‌سره : «لأنّه تصرّف في ذمته» أي : لأنّ الفضولي تصرّف في ذمة نفسه.

وبالجملة : فالاحتمالات المتصورة ثبوتا في الثمن الكلّي الذمي أربعة.

أحدها : كون الذمة مطلقة.

ثانيها : كونها مضافة إلى ذمة الفضولي.

ثالثها : كونها مضافة إلى من اشترى له الفضولي.

رابعها : كونها مهملة.

هذه هي الوجوه المحتملة ثبوتا في الثمن الكلّي الذّمي المجعول عوضا في الشراء الفضولي.

وأمّا الظاهر من هذه الاحتمالات ـ بحيث يصح الركون إليه في مقام الإثبات عند أبناء المحاورة ـ فهو الاحتمال الثاني ، لأنّ السياق يقتضي ذكر قسمي الثمن الذي يقع الشراء عليه.

أحدهما : كون الثمن عينا خارجية للغير ، وهو منويّ الفضولي.

وثانيهما : كون الثمن كلّيّا في ذمة ذلك الغير. فإنّ المناسب أن يكون عدل «فان كان بعين مال الغير» هو «وإن كان بما في ذمته» أي : ذمة ذلك الغير ، حتى يستوفى حكم الشراء الفضولي بكلا قسمي الثمن المجعول على من اشترى الفضولي له من الثمن الشخصي والكلي.

وأمّا جعل الثمن الكليّ على غير منويّ الفضولي فهو خلاف ظاهر السياق ،

٦٣٧

.................................................................................................

__________________

ولا موجب للحمل على خلاف الظاهر.

ولا ينافي هذا الظهور تعليل صحة الشراء للفضولي بقوله : «لأنّه تصرف في ذمته لا في مال غيره» وذلك لأنّ معناه : أنّ الفضولي لم يتصرف في مال الغير حتى يكون الشراء فاسدا للنهي ، وغير قابل لإجازة الفضولي ، وإنّما تصرّف في ذمته أي ذمة ذلك الغير. وذلك ليس تصرفا في مال الغير ، لأنّ الكلي الذمي لا يصير مالا عند العقلاء إلّا بعد أن يضيفه صاحب الذمة إلى نفسه. وإضافة غيره الى ذمته كالعدم ، ولا تجعله مالا عرفا. فإذا ردّ من قصد له الشراء فمقتضى القاعدة البطلان ، وعدم إمكان تصحيحه بإجازة العاقد الفضولي ، لعدم المقتضي وهو إنشاء الشراء له ، إذ لم يكن الفضولي مقصودا في إنشاء الشراء لمن اشترى له. فالالتزام بوقوعه له مع الإجازة أو بدونها مخالف لقاعدة تبعية العقود للقصود ، ولحقيقة المعاوضة بمعناها الذي اختاره العلّامة والشيخ قدس‌سرهما. فالقول بصحته مشكل.

إلّا أن يقال بما أسلفناه سابقا من : أنّ المعتبر في متعلق القصد هو نفس التبديل بين المالين ، لتقوم البيع به ، دون غيره من الخصوصيات كالبائع والمشتري ، ومن المعلوم تحقق القصد بهذا النحو هنا.

وعليه فلا قصور في شمول عمومات الصحة له إذا أجاز الفضولي بعد ردّ من اشترى له الفضولي ، فإنّ المعاوضة بالمعنى الذي بيّناه سابقا متحققة في المقام.

وكيف كان ففي صورة إطلاق الذمة والشراء لفظا وقصدا ـ وكذا في صورة إهمالهما كذلك ـ ينصرف الشراء إلى الفضولي ، ويكون عليه أداء الثمن ، لشمول العمومات لهما بلا مانع. وفي صورة إطلاق اللفظ وقصد الشراء للغير يتعيّن الشراء لمن قصد.

وبالجملة : فمع قصد الغير يتعيّن الشراء له ، فإن أجاز ألزم بأداء الثمن سواء أطلق اللفظ أم أهمل.

٦٣٨

وإنّما (١) توقّف على الإجازة (*) لأنّه (٢) عقد الشراء له ، فإن أجازه (٣) لزمه ، وإن ردّه لزم لمن اشتراه. ولا فرق بين أن ينقد (٤) من مال الغير أو لا. وقال أبو حنيفة : يقع (٥) عن المباشر ، وهو جديد للشافعي» انتهى (٦).

______________________________________________________

(١) إشارة إلى توهم ، وهو : أنّه بناء على وقوع الشراء للفضولي المباشر للعقد ـ لكونه متصرّفا في ذمة نفسه ، لا في ذمة غيره حتى لا يصح الشراء له كما في الفرض الذي نقله الشيخ بقوله : فان كان بعين مال الغير ـ فما وجه توقّف المعاملة على إجازة الغير الذي ردّ الشراء؟

(٢) هذا دفع التوهم المزبور ، ومحصله : أنّ هذا التوقف إنّما هو لأجل أنّ الفضولي المباشر للعقد قد عقد الشراء ابتداء للغير وإن أضاف الثمن إلى ذمة نفسه قصدا لا لفظا.

(٣) يعني : فإن أجاز الغير هذا الشراء لزمه ، وصار الشراء له ، وإن ردّه لزم للعاقد المباشر.

(٤) بالقاف والدال المهملة كما هو في التذكرة ، والمراد به الإعطاء ، يعني : لا فرق في لزوم المعاملة للمباشر بين إعطاء الثمن من مال الغير ومن مال نفسه.

(٥) أي : يقع الشراء عن المباشر للعقد مطلقا من دون توقفه على ردّ الغير للشراء.

(٦) أي : انتهى كلام العلّامة قدس‌سره في التذكرة (١).

__________________

(*) الظاهر أنّ الأولى أن يقال : «وإنّما توقف نفوذه عن المباشر على عدم الإجازة أو الرد ، لأنّه .. إلخ». إذ المفروض أنّ نفوذ الشراء للعاقد الفضولي مترتب على ردّ الغير للشراء ، لا على إجازته ، فتدبّر.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣.

٦٣٩

وظاهره (١) الاتفاق على وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا ، كما يشعر به (٢) تعليله (٣) بقوله : «لأنّه (*) تصرف في ذمته لا في مال الغير (**)».

______________________________________________________

(١) أي : وظاهر كلام العلّامة الاتّفاق على وقوع الشراء للعاقد الفضولي في صورة ردّ الغير له ، وكونه عقدا للعاقد الفضولي واقعا. أمّا ظهور كلامه في الاتفاق فلقوله : «قال علماؤنا» فإنّه من الألفاظ الظاهرة في الإجماع. وأمّا ظهوره في وقوع العقد للفضولي واقعا فلمقابلته مع وقوع الشراء للمجيز ، إذ لا ريب في وقوعه للمجيز واقعا ، فإنّ هذه المقابلة قرينة على وقوع الشراء للفضولي واقعا أيضا.

(٢) أي : بوقوع الشراء للمشتري. وقوله : «للمشتري» متعلق ب «وقوع الشراء».

(٣) أي : تعليل العلّامة في التذكرة بأنّ المشتري تصرّف في ذمة نفسه لا في مال الغير.

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا التعليل ـ بناء على المعاوضة بالمعنى الذي اختاره العلّامة والمصنف قدس‌سرهما ، وبناء على رجوع ضمير «ذمته» إلى الفضولي ـ يناسب بطلان العقد رأسا ، لعدم إنشاء مفهوم المعاوضة على مذهبهما ، فلم يتحقق عقد حتى تصل النوبة إلى تنفيذه بإجازة الفضولي ، أو منويّة.

وإن شئت فقل : إنّ إجازة عقد الفضولي شرط لتنفيذ العقد ، فالشرط متأخر عن وجود المقتضي ، لأنّه شرط لتأثيره ، ومع عدم المقتضي لا موضوع للإجازة.

(**) يستفاد من هذا الكلام أمران :

أحدهما : تعيّن الذمة ، لا إطلاقها ولا إهمالها كما في بعض الكلمات ، غاية الأمر أنّها إمّا ذمّة الفضولي كما استظهره بعض كالمصنف ، وإمّا ذمّة من اشترى له الفضولي.

ثانيهما : أنّ العقد لأيّ شخص وقع يقع واقعا لا ظاهرا ، على ما هو مقتضى التعليل : «بأنّه تصرف في ذمته لا في ذمة غيره» فإنّه يناسب وقوعه واقعا لا ظاهرا ، كما بيّناه في التوضيح.

٦٤٠