هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

بالغصب أنّ ظاهر جماعة كقطب الدين والشهيد وغيرهما (١) «أنّ الغاصب مسلّط على الثمن وإن لم يملكه ، فإذا اشترى به شيئا ملكه» (١) وظاهر هذا (٢) إمكان أن لا يملك الثمن ويملك المثمن المشتري (٣).

إلّا أن يحمل ذلك (٤) منهم على التزام تملك البائع الغاصب للمثمن (٥) مطلقا

______________________________________________________

(١) لعلّ المراد بهذا الغير هو العلّامة على ما استظهره بعض من عبارة المختلف ، وقد تقدّم في رابع تنبيهات المعاطاة ، فراجع (٢).

(٢) أي : اشتراء الغاصب ـ أي غاصب المبيع ـ بالثمن الذي أخذه من المشتري العالم بكون البائع غاصبا للمبيع ومالكيته للمثمن ظاهر في عدم اعتبار كون أحد العوضين ملكا للعاقد ، فيصح حينئذ ما أفاده البعض في الوجه الثاني المذكور بقول المصنف : «الثاني : أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد».

(٣) بصيغة المفعول صفة للمثمن ، أي المثمن الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي تسلّمه من المشتري العالم بالغصب.

(٤) أي : اشتراء الغاصب بالثمن المغصوب ومالكيته للمثمن.

(٥) متعلق ب «تملك» والمراد بقوله : «الغاصب» غاصب المثمن.

وغرضه توجيه ما أفاده بقوله : «نعم» بحيث لا يكون حكم قطب الدين والشهيد قدس‌سرهما منافيا لما تقدم من منع الوجه الثاني. وحاصله : أنّه يمكن توجيه مالكية الغاصب ـ لما اشتراه بالثمن الذي باع به العين المغصوبة ـ بأحد وجهين :

أحدهما : أن مالك العين المغصوبة ـ لو أجاز بيع الغاصب لنفسه ـ فقد ملّكه الثمن ، فيجوز له التصرف فيه بما يتوقف على الملك ، بأن يشتري به شيئا أو يهبه للغير.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.

(٢) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ١٢٢.

٦٠١

كما نسبه الفخر رحمه‌الله إلى الأصحاب ، أو آنا ما (١) قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا (٢) للشراء.

وكيف كان (٣) فالأولى في التفصي

______________________________________________________

وهذا ما احتمله فخر المحققين قدس‌سره بقوله : «فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له ـ أي بإجازته لبيع الغاصب ـ فإذا نقل الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله ويكون ما يشتري الغاصب بالثمن له ، وربحه له ، وليس للمالك أخذه ، لأنّه ملك الغاصب» (١).

وعلى هذا فتملّك الغاصب للثمن يستند إلى إجازة المغصوب منه ، سواء اشترى به شيئا أم لا.

ثانيهما : أنّ التسليط المالكي غير كاف في صحة البيع والشراء بمال الغير ، ولكن يلتزم بالملكية الآنية قبل أن يشتري الغاصب بالثمن شيئا ، فيكون الشراء بالثمن المملوك له ، لا لذلك المشتري المسلّط للغاصب على ماله.

وبناء على هذين الوجهين لا يكون حكم قطب الدين والشهيد منافيا لما تقدم في منع الوجه الثاني من أنّ حقيقة المعاوضة تتوقف على دخول العوض في ملك مالك المعوّض. وجه عدم المنافاة صيرورة الغاصب مالكا إمّا مطلقا وإمّا آنا قبل الشراء ، هذا.

(١) هذا في مقابل قوله : «مطلقا» فالمراد بالإطلاق يعني : كون الغاصب مالكا للثمن سواء اشترى به شيئا أم لا.

(٢) قيد لقوله : «الا ان يحمل» والدليل على هذا الحمل هو دلالة الاقتضاء. فتأمّل.

(٣) يعني : سواء تمّ الوجهان المتقدّمان عن بعض تلامذة كاشف الغطاء قدس‌سره لحلّ الإشكال في شراء الفضولي الغاصب لنفسه شيئا أم لم يتمّا ، فالأولى .. إلخ.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨.

٦٠٢

عن الاشكال المذكور (١) في البيع لنفسه ما ذكرنا (٢).

ثم (٣) إنّ ممّا ذكرنا من أنّ نسبة ملك العوض حقيقة إنّما هو (٤) إلى مالك المعوّض ، لكنه (٥) بحسب بناء الطرفين (٦) على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه (٧) يظهر (٨) اندفاع إشكال آخر في صحة البيع لنفسه مختصّ (٩) بصورة علم المشتري الأصيل ، وهو (١٠) : أنّ المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع

______________________________________________________

(١) وهو قوله في (ص ٥٧٤) «ولكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه .. إلخ».

(٢) في (ص ٥٨١) من قوله : «فالأنسب في التفصي أن يقال : انّ نسبة الملك .. إلخ» هذا تمام الكلام في الوجوه الأربعة لبطلان بيع الفضولي لنفسه ، مع أجوبتها ، وأنّ الصحيح وفاقا للمشهور صحة بيع الغاصب لو أجاز المالك. وبقي هناك وجه خامس مختص بصورة علم المشتري بالغصب ، وسيأتي.

(٣) هذا تمهيد للتعرض لوجه آخر من وجوه الاشكال على صحة بيع الغاصب ، ودفعه ، ويختلف عمّا تقدّم باختصاصه بعلم المشتري بكون البائع غاصبا ، ولا يجري في صورة الجهل ، كما لا يجري في غير الغاصب. والظاهر أنّ المستشكل هو العلّامة قدس‌سره.

(٤) الضمير راجع إلى «نسبة» فالأولى تأنيثه.

(٥) أي : ولكن ملك العوض يكون بحسب .. إلخ.

(٦) وهما البائع الغاصب والمشتري العالم بالغصبية.

(٧) أي : إلى الغاصب ، و «منسوب» خبر «لكنه».

(٨) خبر «إنّ» في قوله : «ان ممّا ذكرنا».

(٩) بالجر صفة ل «إشكال» يعني : أنّ في صحة بيع الغاصب لنفسه إشكالا يختصّ بصورة علم المشتري الأصيل بغاصبية البائع للمبيع مع دفع الثمن إلى الغاصب.

(١٠) أي : وذلك الإشكال الآخر هو : أنّه يلزم ـ في صورة علم المشتري بكون البائع لنفسه غاصبا للمبيع ـ أن يكون البيع هنا بلا ثمن.

٦٠٣

لنفسه غاصبا فقد حكم الأصحاب ـ على ما حكي عنهم (١) ـ بأنّ المالك لو ردّ فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

______________________________________________________

توضيحه : أنّه مع علم المشتري بغصبية المبيع وعدم استحقاق البائع للثمن ـ الذي هو بدل المبيع في كلتا صورتي الرّد والإجازة ـ لا يتحقق المعاوضة حينئذ ، ويكون البيع بلا ثمن ، إذ لا يتصور قصد المشتري للمعاوضة مع العلم بعدم استحقاق البائع للثمن ، لكونه غاصبا للمبيع. فدفع الثمن إلى البائع تمليك مجاني وبلا عوض ، أي : هبة. ومن المعلوم أنّ إجازة المالك لا تجدي في تبديل التمليك المجّاني بالبيع.

والحاصل : أنّ مناط هذا الاشكال المختص بعلم المشتري بغصبية المبيع هو عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية ، وأنّ دفع الثمن إلى البائع تسليط مجّاني له على الثمن ، وليس عوضا عن المبيع ، هذا.

وقد دفعه المصنف قدس‌سره بأنّ بناء كلّ من البائع الغاصب والمشتري العالم بغصبية المبيع على مالكية البائع يوجب قصد المعاوضة ، وصيرورة الثمن بدلا عن المبيع ، فلا يكون بذل الثمن تسليطا مجّانيا حتى يصير البيع بلا ثمن.

(١) ظاهره حكاية إجماع الأصحاب على الحكم ، والمدّعي له هو العلّامة وفخر المحققين وغيرهما. قال في المختلف : «إذا رجع ـ أي المالك ـ على المشتري ، قال علماؤنا : لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع ، لأنّه علم بالغصب ، فيكون دافعا للمال بغير عوض ، وأطلقوا القول في ذلك. والوجه عندي التفصيل ، وهو : أن الثمن إن كان موجودا. قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. وإن كان تالفا فالحقّ ما قاله علماؤنا» (١).

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥ و ٥٦ ، ونحوه في تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ، نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٨ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧١ ، وكذلك لاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٣

٦٠٤

وهذا (١) كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية ، وإلّا (٢) لكان ردّها موجبا لرجوع كل عوض إلى مالكه.

وحينئذ (٣) فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن ، لسبق (٤) اختصاص الغاصب به ، فيكون (٥) البيع بلا ثمن.

ولعلّ هذا (٦) هو الوجه في إشكال العلّامة في التذكرة ، حيث قال ـ بعد الإشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري (٧) ـ : «إنّ الحكم في الغاصب

______________________________________________________

(١) أي : حكم الأصحاب بعدم رجوع المشتري على البائع لأخذ الثمن ـ في صورة ردّ المالك لهذا البيع ـ كاشف عن عدم حصول المعاوضة الحقيقية ، إذ مقتضاها دخول الثمن في ملك من خرج عنه المثمن.

(٢) أي : ولو كان هذا البيع معاوضة حقيقية لكان للمشتري حقّ الرجوع على البائع بالثمن عند ردّ المالك للبيع ، وأخذ الثمن من البائع الغاصب.

(٣) أي : وحين عدم تحقق المعاوضة الحقيقية فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن ، لكون سبب اختصاص البائع الغاصب بالثمن ـ أعني به : دفع المشتري العالم بغصبيّة المبيع له إلى الغاصب وتسليطه عليه ـ أسبق من السبب الثاني ، وهو إجازة مالك المبيع.

(٤) تعليل ل «لم يملك الثمن» وقد مرّ توضيحه آنفا.

(٥) هذا هو الإشكال الذي أشار إليه في (ص ٦٠٣) بقوله : «يظهر اندفاع إشكال آخر في صحة البيع».

(٦) أي : وقوع البيع بلا ثمن ـ الذي هو لازم حكم الأصحاب بعدم جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن في صورة ردّ المالك ـ هو الوجه في إشكال العلامة .. إلخ.

(٧) لعدم تحقق المعاوضة مع عدم كون المبيع ملكا للبائع.

٦٠٥

مع علم المشتري أشكل (١)» انتهى.

أقول : هذا الاشكال (٢) ـ بناء (٣) على تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنّه ليس للمشتري استرداد الثمن مع ردّ المالك وبقائه (٤). وبعد (٥) تسليم أنّ الوجه

______________________________________________________

(١) يعني : أشكل من صورة جهل المشتري بكون البائع غاصبا. وجه أشدّية الإشكال : أنّ المشتري ـ مع علمه بعدم ملكية المبيع للبائع ـ لا يكون قاصدا للبيع حقيقة ، بل هو قاصد للتمليك المجاني الخارج عن حقيقة البيع.

(٢) أي : إشكال عدم قصد البيع حقيقة ، وغرضه من هذا الكلام هو : أنّ ورود هذا الاشكال منوط بأمور أربعة :

أحدها : تسليم ما عن الأصحاب من عدم جواز الرجوع في الثمن ، إذ لو كان جائزا مع ردّ المالك مطلقا سواء أكان الثمن باقيا أم تالفا ـ كما عن المحقق ، واستوجهه في محكي جامع المقاصد (١) ـ لم يكن مجال لهذا الاشكال ، لعدم لزوم البيع بلا ثمن كما هو واضح.

(٣) هذا إشارة إلى الأمر الأوّل.

(٤) يعني : وبقاء الثمن عند الغاصب.

(٥) معطوف على «بناء على تسليم» وهذا هو الأمر الثاني الذي يتوقف عليه الاشكال ، ومحصله : كون التسليط مطلقا ـ لا مراعى بعدم الإجازة ـ سببا في حكم

__________________

(١) ظاهر المحقق في الشرائع عدم الرجوع بما اغترمه خاصة ، وأما الثمن فقال فيه : «وقيل : لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» وظاهره عدم اختياره له. ولذا قال في الجواهر : «ومن هنا حكي عن المصنف في بعض تحقيقاته القول بالرجوع به ـ أي بالثمن ـ مطلقا» يعني سواء تلف الثمن أم بقي بيد الغاصب فراجع ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٥.

وقال المحقق الكركي : «وفي رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع مطلقا ، وهو المتجه» جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٧.

٦٠٦

في حكمهم ذلك (١) هو مطلق التسليط (٢) على تقديري الرد والإجازة ، لا التسليط (٣) المراعى بعدم إجازة البيع ـ إنّما (٤) يتوجه على القول بالنقل ،

______________________________________________________

الأصحاب بانقطاع سلطنة المشتري عن الثمن ، وعدم جواز رجوعه على البائع الغاصب في كلتا صورتي الإجازة والرد بناء على ناقلية الإجازة لا كاشفيتها ، إذ بناء على الكاشفية تكون الإجازة كاشفة عن انتقال الثمن إلى مالك المبيع قبل تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن. كما تكشف عن سبق سبب انتقال الثمن إلى مالك المبيع على سبب اختصاص الثمن بالبائع الغاصب ، ولا يلزم حينئذ أن يكون البيع بلا ثمن.

وإنّما يلزم هذا المحذور بناء على ناقلية الإجازة سواء أجاز المالك أم ردّ ، لأنّه على تقدير الإجازة يكون سبب انتقال الثمن إلى المالك متأخرا عن تسليط المشتري للبائع على الثمن ، فيكون البيع بلا ثمن. وعلى الردّ لا يكون للمشتري انتزاع الثمن من البائع الغاصب ، لصيرورته ملكا له بتسليط المشتري إيّاه عليه.

وبالجملة : فإشكال لزوم كون البيع بلا ثمن منوط بناقلية الإجازة دون كاشفيتها.

(١) أي : حكم الأصحاب بعدم رجوع المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ بالثمن على البائع.

(٢) وهو تسليط المشتري العالم البائع الفضولي على الثمن ، من غير فرق في ذلك بين ردّ المالك البيع وعدمه.

(٣) معطوف على «مطلق» إذ مع كون التسليط مراعى بعدم الإجازة ، فإذا أجاز المالك كان الثمن له لا للبائع الغاصب. ولا وجه حينئذ لصيرورته ملكا للغاصب أصلا كون الإجازة ناقلة لا كاشفة.

(٤) خبر لقوله : «هذا الإشكال» يعني : هذا الاشكال .. إنّما يتوجّه بعد الأمرين المتقدمين. وهذا إشارة الى الأمر الثالث مما يتوقف عليه الاشكال ، ومحصله : القول بأنّ الإجازة ناقلة ، لا كاشفة.

٦٠٧

حيث (١) إنّ تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (٢) انتقاله إلى مالك المبيع بالإجازة (٣) ، فلا يبقى مورد للإجازة (٤).

وأمّا (٥) على القول بالكشف فلا يتوجه إشكال أصلا ، لأنّ الرّد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له (٦) على مال نفسه (٧) ، والإجازة كاشفة عن كونه (٨) تسليما له على ما يملكه غيره بالعقد السابق على التسليط الحاصل

______________________________________________________

(١) هذا تقريب توجه الإشكال على فرض ناقلية الإجازة ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «وانما يلزم هذا المحذور بناء على ناقلية الإجازة».

(٢) خبر «إنّ» في قوله : «حيث إنّ تسليط» يعني : أن تسليط المشتري يكون قبل انتقاله .. إلخ.

(٣) متعلق ب «انتقاله».

(٤) إذ المفروض صيرورة الثمن قبل الإجازة ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري له على الثمن ، وتقدّم التسليط يوجب صيرورة إجازة المالك من البيع بلا ثمن ، ومثل هذا البيع غير قابل للإجازة.

(٥) هذا في مقابل قوله : «إنّما يتوجه على القول بالنقل» توضيحه : أنّه ـ على القول بكون الإجازة كاشفة عن انتقال الثمن قبل التسليط المذكور إلى مالك المبيع ـ لا يتوجه هذا الاشكال ، وهو كون المبيع بلا ثمن أصلا ، إذ المفروض حصول ملكية الثمن بنفس العقد لمالك المثمن ، وكون التسليط متأخرا عنه ، فلا تكون الإجازة إجازة لبيع بلا ثمن. كما أنّ الرّد يكشف عن كون تسليط المشتري تسليطا للبائع الغاصب على مال نفسه ، لا على مال غيره وهو المالك.

(٦) أي : للبائع الفضولي.

(٧) أي : نفس المشتري ، إذ مع الرّد لا يتحقق بيع حتى يصير الثمن ملكا لمالك المبيع ، بل الثمن ملك المشتري ، فهو قد سلّط البائع الغاصب على مال نفسه ، فلم يتحقق بيع حتى يكون بيعا بلا ثمن.

(٨) أي : كون تسليم المشتري العالم تسليطا للبائع الغاصب على ما يملكه غير

٦٠٨

بالإقباض ، ولذا (١) لو لم يقبضه الثمن حتى أجاز المالك أو ردّ لم يكن للغاصب

______________________________________________________

الغاصب ـ وهو مالك المبيع ـ بسبب العقد الذي هو سابق على التسليط الخارجي الحاصل بإقباض المشتري ، فالثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع ، فوقع التسليط متأخرا عن العقد وفي ملك مالك المبيع ، فلا يكون البيع بلا ثمن.

(١) هذا إشارة إلى الأمر الرابع ممّا يتوقف عليه الاشكال المتقدم ، ومحصله : وقوع التسليط الخارجي الذي هو سبب ملكية الثمن للبائع الغاصب ، إذ بدون وقوعه لا مورد لهذا الاشكال ، لعدم انتقال الثمن إلى البائع بعد.

وعليه فالمراد بقوله : «ولذا» هو : أنه لأجل كشف الإجازة عن كون تسليط المشتري تسليطا للعاقد الفضولي على ما يملكه غير الغاصب ـ وهو مالك المبيع ـ فلو لم يدفع المشتري الثمن إلى البائع الغاصب حتى أجاز المالك أو ردّ البيع ، لم يكن للغاصب انتزاع الثمن من يد المشتري إن كان في يده ، لعدم تحقق التسليط الخارجي الموجب لملكية الثمن للغاصب. وكذا لو كان في يد المالك ، لصيرورته ملكا له بالإجازة ، وعدم تحقق التسليط قبل البيع حتى يصير الثمن ملكا للغاصب.

فالمتحصل : أنّ ورود إشكال البيع بلا ثمن منوط بتسليم أمور :

الأوّل : عدم جواز استرداد الثمن من الغاصب بعد ردّ المالك للمعاملة.

الثاني : كون الوجه في عدم جواز الاسترداد سببيّة التسليط له.

الثالث : كون التسليط مطلقا ـ لا مراعى بعدم الإجازة ـ موجبا لتملك المسلّط للمسلّط عليه.

الرابع : كون الإجازة ناقلة لا كاشفة. فبإنتفاء أحد هذه الأمور ينتفي الإشكال رأسا.

وحاصل وجه اندفاع هذا الاشكال على ما أفاده المصنف ـ بعد تسليم الأمور المتقدمة التي بني الإشكال عليها ـ هو : أنّ البيع يقع حقيقة بين مالكي الثمن والمثمن ،

٦٠٩

انتزاعه (١) من يد المشتري أو المالك (*). وسيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك (٢) ، فانتظر.

______________________________________________________

لكون المالكية جهة تقييدية ، فالمسلّط الحقيقي على الثمن هو عنوان «المالك» المنطبق على البائع ، لبنائه على أنّه مالك ، لا من حيث كونه غاصبا حتى يتملّك الثمن ، ويصير البيع بلا ثمن. فالمالك إذا ردّ البيع فللمشتري الرجوع على البائع بالثمن ، لعدم حصول الملك للغاصب ، إذ لم يتحقق موجبه ، وهو تسليطه على الثمن بما هو غاصب ، إذ المفروض تسليطه عليه بما أنّه مالك ، وهو ليس بمالك. وهذا يرجع إلى عدم تسليم المقدمة الاولى ، وهي عدم جواز استرداد الثمن من الغاصب.

(١) أي : انتزاع الثمن والضمير المستتر في «يقبضه» راجع إلى المشتري ، والبارز إلى البائع.

(٢) أي : تتمة للبحث عن مالكية العاقد الفضولي إذا اشترى لنفسه بمال الغير. وسيأتي في الأمر الثالث مما يتعلق بالعقد المجاز.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الإشكال إن كان بلحاظ علم المشتري بغصبية المبيع للبائع ، إذ لا يمكنه حينئذ أنّ يملّكه الثمن ضمنا بإزاء المبيع الذي ليس ملكا للغاصب ، فيصبح البيع بلا ثمن ، فيندفع بما أفاده المصنف قدس‌سره من البناء على المالكية ، حيث إنّ كلّا من البائع والمشتري يبني على مالكية نفسه لما عنده من العوض ، فيملّك ويتملّك.

لكن هذا الإشكال أجنبي عن جواز الرجوع على البائع بالثمن مطلقا أو مع بقائه ، إذ جواز الرجوع وعدمه من أحكام التسليط الخارجي وغير مرتبط بالبيع ، فلا وجه لأخذه في الاشكال. وتفريع الاشكال عليه كما صنعه المصنف قدس‌سره.

كما لا وجه لإناطة هذه الاشكال بكون الإجازة ناقلة لا كاشفة ، لما عرفت من أنّ مناطه المجانية وعدم صدق التمليك المعاوضي حين إنشاء البيع. وهذا المناط موجود مطلقا سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة ، فلا يتوقف الاشكال عليه.

وإن كان الاشكال بلحاظ أنّ التسليط الخارجي ـ المترتب عليه عدم جواز الرجوع

٦١٠

.................................................................................................

__________________

على البائع بالثمن ـ كاشف عن اختصاص البائع الغاصب بالثمن ، فلا يكون موردا للإجازة ، إذ لا يملكه المالك المجيز بعد اختصاصه بالبائع ، فلا تتحقق المعاوضة التي هي انتقال كل من العوضين الى مالك الآخر ، فالإشكال بناء على المقدمات المذكورة في المتن متجه. لكنه لا يندفع بالبناء الذي ذكره المصنف قدس‌سره ، لأنّه إنّما يجدي في الأمور الاعتبارية كالملكية ، فيملّك أو يتملّك بعنوان كونه مالكا ، فالتمليك والتملك راجعان إلى الحيثية التقييدية ، لا إلى الذات المتحيثة بها.

وهذا بخلاف التسليط الخارجي المتعلق بالشخص لا بالعنوان حتى يكون تسليطه تسليطا لمالك بما هو مالك ، إذ لو كان بعنوان كونه مالكا لجاز الرجوع إليه كما هو مقتضى المعاوضة ، مع أنّهم يقولون بعدم الجواز.

والظاهر أنّ نظر المصنف قدس‌سره إلى أنّ مورد الإجازة هو العقد الذي صحّحه بالبناء ، وهو لا يستلزم التسليط الخارجي المانع عن تأثير الإجازة ، فالعقد قد يكون مع التسليط الخارجي ، وقد لا يكون ، ولكل من العقد والتسليط حكم ، هذا.

والحقّ في حلّ هذا الاشكال ما أسلفناه في دفع الاشكال السابق من : أن تبديل مال بمال ـ الذي هو حقيقة البيع ـ صادق في جميع العقود الفضولية حتى في مورد علم المشتري بغصبية المبيع ، إذ لا ريب في أنّه بقصد الثمنية يسلّط البائع الغاصب على المال الذي يدفعه إليه برجاء إجازة مالك المبيع ، فالتسليط المجاني الذي صار منشأ للإشكال ـ وهو كون البيع بلا ثمن ـ مفقود هنا.

ولو سلّم وجوده هنا لم يقدح في تحقق المبادلة ، لأنّ التسليط المجاني متأخر عن إنشاء المبادلة ، لكونه في رتبة الوفاء فلو أجاز مالك المبيع هذا البيع صحّ ، وكان الثمن المدفوع إلى البائع الفضولي ملكا لمالك المبيع ، وليس ملكا للبائع الغاصب ، إذ مالك المبيع ملك الثمن بنفس العقد ، والتسليط وقع بعده وفي رتبة الوفاء ، فالمشتري سلّطه على مال غيره وهو مالك المبيع ، لا على مال نفسه حتى يقال : إنّه سلطه على مال نفسه مجّانا ، ووقع البيع بلا ثمن ، فيبطل ولا يصحّ بالإجازة.

٦١١

ثم اعلم (١) أنّ الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا

______________________________________________________

(١) غرضه التمهيد لدفع كلام صاحب الرياض قدس‌سره وغيره ، وبيانه : أنّ ما تقدم من أوّل المسألة الثالثة إلى هنا ناظر إلى وقوع البيع للمالك لو قصد الفضولي وقوعه لنفسه ، وقد تحقق أنّ الأقرب صحته ، لوجود المقتضي ، واندفاع ما قيل من الموانع. وهناك مسألة أخرى. وهي : أنّ البائع الفضولي لنفسه لو تملّك المبيع بعد العقد وأجازه فهل يصحّ أم لا؟ وهي موضوع البحث في المسألة المعروفة المعنونة ب «من باع شيئا ثم ملكه» فقد يقال بالصحة فيهما كما هو مختار المصنف ، وقد يقال بالبطلان كذلك كما ربما يظهر من صاحب المقابس ، وقد يفصّل بين المسألتين ، لاختلافهما مناطا.

وبهذا يظهر غموض ما أفاده سيد الرياض قدس‌سره من قوله : «ولو باع الفضولي ـ أي ملك الغير ـ من دون إذنه مطلقا لم يلزم إجماعا ، بل لم يصح إذا كان البيع لنفسه لا للمالك ، فيمشي إلى المالك فيشتريها منه. كما صرّح به جماعة كالفاضلين ، العلّامة في جملة كتبه كالمختلف والتذكرة مدّعيا فيها عدم الخلاف فيه بين الطائفة .. إلخ» (١).

وحاصل كلامه قدس‌سره : أنّه جعل لبيع الفضولي صورتين :

إحداهما : أن يبيع للمالك ، وحكم بالصحة فيها وفاقا للمشهور.

وثانيتهما : أن يبيع لنفسه ، وجعل قدس‌سره هذه الصورة موردا لمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» وحكم فيها بالفساد ، بمعنى عدم وقوع البيع للعاقد الفضولي لو تملّك المبيع من مالكه الأصلي ثم أجاز بيع نفسه. واستدلّ على البطلان بالإجماع المدّعى في المختلف وغيره. ولم يفصّل السيد قدس‌سره بين المسألتين ، وهما مسألة «من باع

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢.

٦١٢

كان أو غيره (١) إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز ، وهو (٢) الذي لم يفرّق المشهور بينه وبين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه. وأمّا الكلام في صحة بيع الفضولي ووقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع

______________________________________________________

شيئا ثم ملكه» ووقوعه للعاقد لو أجاز ، ومسألة بيع الغاصب لنفسه ووقوعه للمالك لو أجاز.

فإذا باع الفضولي مال غيره لنفسه ثم اشتراه من مالكه فقد حكم العلّامة بعدم الصحة ، لكونه موردا لرواية حكيم بن حزام الناهية عن بيع ما ليس عندك.

ولو اشترى الفضولي لنفسه ـ كالغاصب ـ ولم يتملّك ما باعه ، وأجاز المالك ، فظاهر كلام العلّامة الصحة وإن استشكل فيها في حال علم المشتري بالغصب. لكن الظاهر التزامه بالصحة ، ولا أقلّ من عدم دعوى الإجماع على البطلان.

قال في خامس فروع بيع الفضولي : «الغاصب وإن كثرت تصرفاته فللمالك أن يجيزها ، ويأخذ الحاصل في الحال ، يتبع العقود ويعتمد مصلحته في فسخ أيها شاء ، فينفسخ فرعه ، وهو أضعف قولي الشافعي ، وأصحّهما عنده بطلان الجميع» (١) فلو كان بيع الغاصب فاسدا عنده لم يكن وجه لجواز إمضاء المالك بعض العقود الواقعة على ماله.

(١) كما لو اعتقد بأنّه مالك ، كما في صحيحة الحلبي الواردة في إقالة مشتري الثوب بوضيعة وبيعه من شخص آخر أغلى مما أقال به المشتري الأوّل.

(٢) أي : بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز ، من دون أن يفرض تملك الغاصب له ببيع أو إرث أو هبة. فلو صار الفضولي مالكا وأجاز عقد نفسه كان خارجا عن البحث ، لكونه من صغريات مسألة «من باع

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ، ونحوه في ص ٤٨٦ ، السطر ٩.

٦١٣

وأجاز (١) سواء باع لنفسه أو المالك ، فلا دخل له بما نحن فيه (٢) لأنّ الكلام هنا (٣) في وقوع البيع للمالك ، وهناك (٤) في وقوعه للعاقد إذا ملك.

ومن هنا (٥) يعلم أنّ ما ذكره في الرياض من «أنّ بيع الفضولي لنفسه باطل ، ونسب إلى التذكرة نفي الخلاف فيه» في غير محله (٦). إلّا أن يريد (٧) ما ذكرناه ، وهو (٨) خلاف ظاهر كلامه.

______________________________________________________

شيئا ثم ملكه».

(١) أي : أجاز البائع الفضولي الذي تملّك المبيع من مالكه بالهبة أو غيرها.

(٢) وهو وقوع بيع الفضولي مال الغير لنفسه ـ أو وقوع الشراء لنفسه ـ للمالك.

(٣) وهو كون بيع الفضولي مال الغير لنفسه ممّا يقع للمالك لو أجاز.

(٤) وهو بيع الفضولي ووقوعه لنفسه إذا صار مالكا.

(٥) أي : من ذهاب المشهور إلى صحة بيع الفضولي لنفسه إذا أجاز المالك ، فيصير ثمن المبيع ملكا للمالك الأصيل ، يعلم أنّ .. إلخ.

(٦) خبر قوله : «أنّ ما ذكره» لأنّ ذهاب المشهور إلى صحة بيع الفضولي لنفسه ينافي نفي الخلاف في بطلانه.

(٧) أي : يريد صاحب الرياض قدس‌سره من بيع الفضولي لنفسه ما ذكرناه ، وهو وقوعه للعاقد الفضولي إذا ملك المبيع ، ثم أجاز البيع ، فإنّه معقد إجماع التذكرة وغيرها على البطلان.

(٨) أي : كون مراد صاحب الرياض من بيع الفضولي ما ذكرناه خلاف ظاهر كلامه في عدم وقوع البيع للمالك إذا أجاز ، لأنّه قدس‌سره حكم بفساد بيع الفضولي لنفسه ، ولم يفصّل بين المسألتين. فلا وجه لحمل كلامه على خصوص مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» حيث منع العلامة وغيره عن صحتها وعدم وقوعه للعاقد.

هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة ، وهي بيع الفضولي لنفسه.

٦١٤

بقي هنا أمران :

الأوّل (١) : أنّه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير

______________________________________________________

تتمة تتضمن أمرين :

الأوّل : عموم بحث بيع الفضولي للدين كالعين

(١) الغرض من عقد هذا الأمر تعميم بيع الفضولي ـ على القول بصحته ـ للعين الخارجية التي كانت مورد الأبحاث السابقة ، وللدّين وهو الكلّي الذّمّي. وقد عقد صاحب المقابس الموضع التاسع لتحقيق هذا الأمر ، وبيان صور المسألة ، فراجع (١). كما سبق في شرطية القصد التعرّض لبعض فروع المطلب.

وكيف كان فالمصنف قدس‌سره بحث عمّا إذا كان أحد العوضين أو كلاهما كلّيّا في مسألتين ، لأنّ الفضولي تارة يضيف الثمن أو المثمن إلى ذمّة خاصة من دون أن يعقّبه بما ينافيه كإضافته إلى نفسه ، واخرى يجمع بين المتنافيين. والكلام فعلا في المسألة الأولى ، بأن اشترى شيئا بمال في ذمة غيره ، أو باع كلّيا في ذمة الغير ، ولهذه المسألة صور. لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون الكلي في ذمة غير الفضولي ، وإمّا أن يكون في ذمة نفس الفضولي ، وإمّا أن يجعل الكلي متعلقا بذمة المالك بنفس بيع الفضولي ، فالصور ثلاث :

إحداها : أن يبيع الفضولي ـ كزيد مثلا ـ كرّا من طعام مملوكا لعمرو في ذمة بكر ، بأن اشتغلت عهدة بكر بهذا الطعام بسلف أو بإتلاف حنطة مملوكة لعمرو ، أو

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٠.

٦١٥

عينا أو دينا (١) في ذمة الغير (*).

______________________________________________________

بغيرهما ، فباع زيد فضولا هذا الطعام الذّمّي من بشر مثلا بكذا ، فإن أجاز عمرو هذا العقد الفضولي صحّ ، ودخل الثمن في ملكه ، لعموم أدلة صحة البيع الفضولي. وإن ردّه بطل.

ثانيتها : أن يكون زيد ـ وهو البائع الفضولي ـ مديونا لعمرو كرّا من طعام ، فباع هذه الحنطة الذميّة من بكر بكذا ، فإن أجاز عمرو ـ وهو مالك ما في ذمة زيد ـ صحّ وتملّك الثمن. وإن ردّه بطل.

ثالثتها : أن لا تكون الذمة مشغولة للغير قبل البيع ، كما إذا باع زيد الفضولي من بكر كرّا من طعام في ذمة عمرو ، مع عدم اشتغال عهدة عمرو بهذا الطعام ـ قبل البيع ـ لا لبكر ولا لغيره ، وإنّما يستقرّ في ذمته بنفس هذا البيع لو أجازه.

وعلى هذا فالمبيع الكلّي ـ وهو الكرّ من الطعام ـ قد يستقرّ قبل البيع في ذمة غير الفضولي كما في الصورة الاولى ، وقد يستقرّ ـ كذلك ـ في ذمة نفس الفضولي. كما في الصورة الثانية. وقد يستقر بنفس البيع في ذمة غير الفضولي كما في الصورة الثالثة. هذا إذا كان المبيع فضولا كلّيا في الذمة ، وتجري هذه الصور الثلاث في الشراء بالثمن الكلي كما سيأتي في المتن.

(١) من هنا أشار إلى الصور الثلاث. فالمراد «بالغير» الأوّل هو من يبيع عنه الفضولي المعبّر عنه بالمالك والبائع الأصيل ، وإن شئت فعبّر عنه بغير الفضولي.

والمراد بالغير الثاني غير البائع الأصيل ، وهو إمّا نفس الفضولي الذي اشتغلت ذمته بكرّ من طعام لعمرو البائع الأصيل ، وإمّا غير الفضولي المديون لعمرو بكرّ من

__________________

(*) أو كلّيّا في معيّن ، كأن يقول الفضولي : «بعتك صاعا من هذه الصبرة ـ التي هي مال زيد ـ بدينار» مثلا ، فإنّ الظاهر ـ بناء على القول بصحة عقد الفضولي ـ هو الصحة إذا أجاز مالك الصبرة». ولعلّه لوضوحه لم يتعرّض له المصنف ولا غيره. وكذا الحال في الجزء المشاع ، كما إذا باع فضولا ثلث دكّان غيره. فإن أجازه المالك صحّ البيع كسائر العقود الفضولية ، وإن ردّه بطل.

٦١٦

ومنه (١) جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير.

ثمّ (٢) إنّ تشخيص ما في الذمة ـ الذي يعقد عليه (٣) الفضولي ـ إمّا بإضافة (٤) الذمة إلى الغير ، بأن يقول : «بعت كرّا من طعام في ذمة فلان بكذا»

______________________________________________________

طعام لسلف أو دين.

(١) أي : ومن الفضولي جعل العوض ثمنا كان أو مثمنا في ذمة الغير بدون إذنه ، كأن يشتري ثوبا بدرهم في ذمة زيد ، أو يبيع ثوبا في ذمة زيد بدرهم. فقوله : «ومنه» إشارة إلى الصورة الثالثة. كما أنّ قوله : «أو دينا في ذمة الغير» إشارة إلى الصورة الاولى والثانية. والمراد بالغير الثالث هو البائع أو المشتري الذي بيده الإجازة المصحّحة للبيع أو الشراء.

(٢) غرضه قدس‌سره ـ بعد حكمه بجريان بحث الفضولي في الثمن والمثمن الكلّيّين الذميّين ، وعدم اختصاصه بالأعيان الشخصية ـ بيان كيفية تعيين من يضاف الكلّي إليه حتى يجب عليه الوفاء بالعقد لو أجاز إنشاء الفضولي ، وتقريبه : أن بيع العين الشخصية أو الشراء بالثمن الشخصي فضولا لا يتوقف إلّا على إجازة المالك المعيّن خارجا كزيد مثلا. وأمّا الكلّي الذّمّي فلمّا لم يكن موجودا خارجا توقّف تعيّنه على إضافته إلى عهده معيّنة ليكون أمر الإجازة والرّد بيده. فلا بدّ من تعيينه بأحد نحوين ، فإمّا أن يصرّح الفضولي به في العقد بأن يقول : «بعتك منّا من الحنطة في ذمة زيد بدينار» وإمّا أن ينوي وقوع البيع له من دون التصريح باسمه في العقد ، فيقول : «بعتك منّا من الحنطة الذميّة بدينار» ويقصد اشتغال ذمة زيد به.

فإن أجاز زيد بيع الفضول صحّ واشتغلت عهدته بما أضيف إليها من الثمن أو المثمن الكلّي ، وإن ردّ بطل البيع إلّا في صورة واحدة يقع لنفس الفضول ، وهو ما إذا باع بقصد وقوعه لزيد ، فأنكر المشتري عليه ، وسيأتي بيانه.

(٣) الضمير راجع إلى الموصول في «ما في الذمة» والمراد به الثمن أو المثمن الكلي الذمي.

(٤) المراد بهذه الإضافة ـ في قبال القصد ـ هو التصريح باسم صاحب الذمة في العقد.

٦١٧

أو «بعت هذا بكذا في ذمة فلان (١) وحكمه (٢) أنّه لو أجاز فلان يقع العقد له ، وإن ردّ (٣) بطل رأسا.

وإمّا (٤) بقصده العقد له ، فإنّه إذا قصده في العقد تعيّن كونه صاحب الذمة ، لما عرفت (٥) (*) من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير (٦) من خرج عنه

______________________________________________________

(١) هذا في الثمن الكلي ، وما قبله في المبيع الكلي ، فإنّ تشخّصهما منوط بالإضافة إلى ذمة شخص خاص.

(٢) أي : وحكم تشخيص الكلي ـ بإضافة إلى شخص خاص ـ هو قابليته للصحة بالإجازة ، وللبطلان بالرد.

(٣) الضمير المستتر وضمير «له» راجعان إلى «فلان».

(٤) معطوف على قوله : «إمّا» وحاصله : أنّه قد يكون تشخيص الكلي بقصد الفضولي وقوع العقد للغير ، كأن يقصد «بيع كرّ من طعام على زيد بدينار» فإنّ قصد كون البيع على زيد بدينار يعيّن كون زيد صاحب الذمة. ووجه تعيّنه هو : كونه مقتضى المعاوضة ، فإنّ مقتضى قصد كون زيد بائعا هو خروج المبيع من كيسه ودخول الثمن في كيسه.

(٥) تقدّم التنبيه عليه مكرّرا ، كما في رابع تنبيهات المعاطاة ، وكما في بيع الفضولي لنفسه ، حيث قال في ردّ الوجه الثاني : «فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة ..» فلاحظ (ص ٥٩٩).

(٦) يعني : غير من قصد له العقد.

__________________

(*) ما أفاده في حقيقة المعاوضة ـ من اعتبار دخول كلّ واحد من العوضين في ملك من خرج عنه العوض الآخر ـ هو مبنى الملازمة بين تعيّن كلّ من المعقود له وذي الذمّة بتعيين الآخر بالإضافة أو بالقصد ، لفرض وحدتهما. وأمّا بناء على عدم كون

٦١٨

الآخر ، إلّا على احتمال ضعيف تقدّم (١) عن بعض. فكما أنّ تعيين العوض في الخارج (٢) يغني عن قصد من وقع له العقد ، فكذا قصد من وقع له العقد يغني (*) عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلى شخص خاص.

______________________________________________________

(١) تقدّم في (ص ٥٩١) بقوله : «الثاني : أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للآخر .. إلخ» وهذا هو الوجه الثاني من الوجهين اللّذين ذكرهما البعض في توجيه كلام كاشف الغطاء قدس‌سره.

(٢) غرضه مقايسة قصد «من وقع له العقد» بتعيين العوض في الخارج ، بأن يقال : كما أنّ تعيين أحد العوضين في الخارج كقوله : «بعتك هذا الكتاب» يغني عن تعيين البائع ، لتعينه في الخارج بسبب قيام إضافة الملكية به ، كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين العوض الكلي ، كما إذا قصد أن يبيع عن زيد كرّا من حنطة ، فإنّ قصد البيع عن زيد يوجب تعيّن المبيع ، ويغني عن تعيينه لفظا ، بأن يقول : «بعت لزيد كرّا من حنطة في ذمة زيد».

__________________

حقيقة المعاوضة كذلك ـ كما هو الأوجه ـ فالملازمة ممنوعة.

(*) إغناؤه عنه بدون إضافة الكلي إلى شخص معين في غاية الإشكال ، لاستلزامه التمليك والتملك بلا عقد ، لتقوم العقد بالقصد ، فصرف الكلّي أو البيع أو الشراء إلى شخص بلا قصد ولا إضافة إليه يوجب الملكية بدون العقد. وهو كما ترى ، فلا بدّ من القصد ولو إجمالا.

وبالجملة : ففرق واضح بين العين الخارجية والكلّي الذّمي ، فإنّ إضافة العين الخارجية إلى من قصد له العقد غير معتبرة في صحة العقد ، لأنّ كلّا من ماليتها وملكيتها ثابت من دون حاجة إلى إضافة. بخلاف الكلي ، فإنّ إضافته إلى شخص معيّن أو هيئة كذلك مقوّمة عرفا لماليته وملكيته. وبدونها ليس في اعتبار العقلاء مالا ولا ملكا.

٦١٩

وحينئذ (١) فإن أجاز من قصد مالكيته وقع العقد ، وإن ردّ فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعا (٢) ، لأنّ مقتضى ردّ العقد بقاء كل عوض على ملك صاحبه ، إذ المال (٣) مردّد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي وبين من وقع له

______________________________________________________

(١) يعني : وحين القول بأنّ تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد ـ وكذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلّي ـ يصحّ العقد إن أجاز من قصد له العقد بائعا كان أو مشتريا. وإن ردّ بطل العقد ، لأنّه مالك أمر هذا العقد تصحيحا وإبطالا. ففي صورة الإبطال يبقى كلّ عوض على ملك صاحبه ، لعدم تحقق ما يوجب انتقال المال عن صاحبه إلى غيره.

(٢) إذ مع الرّد وحلّ العقد من وليّه لا يبقى ما يوجب صحة العقد ولو ظاهرا ، فكل عوض باق على ملك صاحبه بمقتضى انحلال العقد.

ثم إن الحكم ببطلان العقد واقعا بالنسبة إلى من قصد وقوع العقد له لا ينافي صحته ظاهرا في حق الفضولي لو لم يصدّقه المشتري الأصيل.

(٣) أي : مال المالك الأصيل. وهذا تعليل لبقاء كل من العوضين على ملك صاحبه وعدم التعدي عنه إلى غيره ، وحاصله : أنّ مال الأصيل مردّد بين بقائه على ملك مالكه الأصلي إن لم يؤثّر العقد في النقل والانتقال ، وبين انتقاله إلى من وقع له العقد إن أثّر العقد كما في صورة الإجازة ، فلا معنى لخروج المال عن ملك مالكه

__________________

فلا يصلح لأن يقع عوضا في العقد المعاوضي. ومجرّد قصد من وقع له العقد لا يعيّن الكلي حتى يصح جعله عوضا في العقد المعاوضي ، هذا.

مضافا إلى : ما عرفت من استلزامه خلوّ العقد عن القصد بالنسبة إلى جزئه وهو الكلي الذي وقع عليه عقد الفضولي ، لانتفاء موضوع القصد وهو الكلي ، فيمتنع تعلق القصد به.

٦٢٠