هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

السابقين (١) أوضح (٢). وليس فيهما (٣) ما يدلّ ـ ولو بالعموم ـ على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز (٤).

وأمّا الحصر (٥) في صحيحة ابن مسلم والتوقيع (٦)

______________________________________________________

ولعلّ وجه أوضحية الروايتين دلالة من النبويين هو : أنّ المنفي في النبويّين ذات البيع وجنسه بمقتضى كلمة «لا» والمنفي في الروايتين هو وصف البيع من جوازه ومضيّه ، ومعلوم أنّ نفي الوصف أقرب إلى ملاحظته ـ بالنسبة إلى شخص دون آخر ـ من نفي الذات ، لكونه أظهر في الإطلاق.

(١) وهما النبويّان المذكوران.

(٢) تقدم وجه الأوضحيّة آنفا.

(٣) يعني : ولا يدلّ شي‌ء من هاتين الروايتين السابقتين ـ ولو بلسان العموم ـ على مقصود القائلين ببطلان الفضولي من بطلانه وعدم وقوعه للمالك إذا أجاز ، بل تدلّان على عدم وقوعه للفضولي ، ولا دلالة فيهما بوجه على عدم وقوعهما مطلقا حتى للمالك مع إجازته.

(٤) أي : إذا أجاز المالك ، وضمير «له» راجع الى المالك.

(٥) سوق البيان يقتضي أن يقال : «وعن الحصر» ليكون معطوفا على «عن النبوي» في قوله : «والجواب عن النبوي» فالمناسب للتعبير ب «وأما الحصر» أن يكون مسبوقا ب «أمّا الجواب عن النبوي» حتى يعطف «وأما الحصر» عليه.

وكيف كان فالمراد بالحصر «لا تشترها إلّا برضا أهلها» الوارد في صحيحة ابن مسلم ، وكذا قوله عليه‌السلام في مكاتبة الحميري : «انّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها ، أو بأمره أو برضا منه».

وقد أجاب عن هذا الحصر بوجهين ، سيأتي بيانهما.

(٦) معطوف على «صحيحة» يعني : وأمّا الجواب عن الحصر الوارد في توقيع الإمام الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، وجعلناه فداه .. فإنّما هو .. إلخ.

٥٠١

فإنّما (١) هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض والضيعة رأسا (٢) على ما يقتضيه السؤال فيهما (٣). وتوضيحه (٤) : أنّ النهي في مثل المقام وإن كان يقتضي الفساد ،

______________________________________________________

(١) جواب «وأمّا» وضمير «هو» راجع إلى «الحصر» وهذا إشارة إلى الجواب الأوّل.

(٢) يعني : أنّه في مقام اعتبار الرضا في الصحة ، في مقابل انتفائه مطلقا من السابق واللّاحق. توضيح جواب الحصر في صحيحة ابن مسلم والتوقيع هو : أنّ النهي عن الاشتراء منحصر في الاشتراء الفاقد لرضا المالك رأسا من المقارن والمتأخّر. ولازمه صحة عقد الفضولي ، إذ المفروض كونه واجدا لرضا المالك بعد العقد بالإجازة ، فيكون الحصر في الصحيحة والتوقيع دليلا على صحة الفضولي ، لا على بطلانه كما هو مرام القائل ببطلان الفضولي.

نعم يكون دليلا على بطلانه بناء على كون الاشتراء المنهي عنه خصوص الاشتراء غير المقارن للرضا ، وأنّ هذا الإنشاء لا يصلح للتأثير ولو بعد لحوق الإجازة من المالك. فينحصر الإنشاء الموجب للتمليك الفعلي في الإنشاء المقترن بالرضا حين صدوره. وهذا دليل على بطلان الفضولي.

ومع هذين الاحتمالين في الصحيحة والتوقيع لا يصح الاستدلال بهما على بطلان الفضولي ، بمعنى عدم ترتب الأثر الفعلي عليه.

(٣) أي : في صحيحة ابن مسلم والتوقيع ، فإنّ السؤال ـ المتضمن لنزاع أهل الأرض وأهل الأستان في بيع الأرض الواقعة بفم النيل ـ يدلّ على عدم رضا المالكين رأسا بالبيع ، بحيث لو استجيزوا لما أجازوا ، إذ لو كانوا راضين لطالبوا الثمن وتنازعوا فيه.

(٤) أي : توضيح أنّ المراد بالحصر هو عدم رضا أهل الضيعة والأرض رأسا ، لا خصوص الرضا المقارن ، فلا يشمل عقد الفضولي المتعقّب بإجازة المالك. واستفادة

٥٠٢

إلّا أنّه بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه ، ومن المعلوم أنّ عقد

______________________________________________________

كفاية الرضا المتأخر إنّما هي من إطلاق الرضا في قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «لا تشترها إلّا برضا أهلها» ومن قوله عجل الله تعالى فرجه الشريف : «لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها» فإنّ إطلاق الرضا والابتياع يدلّ على الرضا والابتياع من المالك بأيّ نحو حصل ، سواء كانا مقارنين مع العقد أم متأخرين عنه.

فعقد الفضولي الذي تلحقه الإجازة الكاشفة عن رضا المالك داخل في العقد الواقع عن رضا المالك وغير منهي عنه ، إذ المفروض أنّ المراد بالمنهي عنه هو العقد الفاقد للرضا رأسا. والمراد ببطلان عقد الفضولي هو عدم ترتب الأثر كالملكية الفعلية عليه ما لم يرض المالك به ، لا عدم صلاحيته لترتب الأثر عليه بإجازة المالك.

وبالجملة : فمجرّد النهي عن بيع الفضولي لا يدلّ على فساده مطلقا ، بحيث لا يفيده الإجازة الكاشفة عن رضا المالك.

فمحصّل أوّل وجهي الجواب : أنّ النهي عن البيع إلّا برضا المالك إن كان دالّا على أنّ الإنشاء المملّك فعلا منحصر في الإنشاء المقارن لرضا المالك ، فهو دليل على بطلان عقد الفضولي وإن أجاز المالك ، إذ المفروض قصور الإنشاء في نفسه عن سببيّته للتمليك ولو بعد الإجازة. وإن كان دالّا على بطلان الإنشاء الخالي عن الرضا مطلقا وإن تأخّر عن العقد لم يدلّ على بطلان الفضولي ، إذا لحقه الرضا.

وحيث إنّ الرضا مطلق ولم يقيّد بمقارنته للعقد فإطلاقه ناف لاعتبار خصوص الرضا المقارن. فالنهي حينئذ لا يدلّ إلّا على اعتبار الرضا في الجملة ولو بعد العقد ، فقبل الرضا لا يتحقق النقل والانتقال. فإطلاق «الباطل» على عقد الفضولي ـ كما في كثير من عبارات الأصحاب ـ صحيح باعتبار عدم ترتب الأثر الفعلي عليه ، لكونه فاقدا لرضا المالك ، فصحة عقد الفضولي قبل الإجازة تأهّليّة ، وبعدها فعليّة.

٥٠٣

الفضولي لا يترتب عليه بنفسه (١) الملك المقصود منه. ولذا (٢) يطلق عليه «الباطل» في عباراتهم كثيرا ، ولذا (٣) عدّ في الشرائع والقواعد من شروط المتعاقدين ـ أعني شروط الصحة ـ كون العاقد مالكا أو قائما مقامه (*).

______________________________________________________

(١) أي : بدون رضا المالك ، وقوله «الملك» فاعل «يترتب».

(٢) أي : ولأجل عدم ترتب الأثر الفعلي ـ على عقد الفضولي بنفسه ـ يطلق عليه الباطل.

(٣) أي : ولأجل إطلاق «الباطل» على عقد الفضولي ـ في كثير من كلمات الأصحاب ـ عدّ في الشرائع .. إلخ.

قال المحقق قدس‌سره : «وأن يكون البائع مالكا أو ممّن له أن يبيع عن المالك كالأب والجدّ .. فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه ، على الأظهر» (١) وكلمة الباطل وإن لم ترد في الشرائع ، إلّا أن اشتراط صحة البيع وترتب الأثر عليه بكون البائع مالكا أو وليّا كاف في الاستشهاد بكلامه على أنّ المراد بالباطل ما لا يترتب عليه الأثر فعلا ، سواء لم يترتب عليه أصلا حتى بالإجازة كما هو رأي القائلين ببطلان بيع الفضولي رأسا كالشيخ في الخلاف والمبسوط ، وابن إدريس قدس‌سرهما (٢). أم ترتب الأثر عليه بعد لحوق إجازة وليّ العقد كما هو رأي القائل بصحته.

__________________

(*) لا يخفى أنّ قوله عجل الله تعالى فرجه في مكاتبة الحميري «ان الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها أو بأمره أو رضا منه» ظاهر في صحة الفضولي ، وذلك لأنّ العطف يقتضي المغايرة فإنّ عطف «الرّضا» يدلّ على مغايرته للمعطوف عليه ، فإنّ الرضا

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ ، ونحوه كلام العلّامة في القواعد ، ج ٢ ، ص ١٨ و ١٩.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٦٨ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٧٥ ، السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٧٤.

٥٠٤

وإن أبيت إلّا عن ظهور الروايتين (١) في لغويّة عقد الفضولي رأسا (٢) وجب تخصيصهما (*)

______________________________________________________

(١) وهما صحيح محمد بن مسلم ومكاتبة الحميري إلى وليّ الأمر وحجة العصر عجّل الله تعالى فرجه. وهذا إشارة إلى ثاني وجهي الجواب عن الصحيحة والتوقيع الشريف. ومحصل هذا الجواب هو : أنّه لو سلّمنا ظهور النهي فيهما في لغوية عقد الفضولي ـ بحيث لا يصلح الإنشاء ذاتا للتأثير في ترتب الأثر المقصود عليه حتى بعد إجازة المالك ـ نقول بلزوم تخصيصهما بما تقدم من أدلة صحة الفضولي.

وعليه فلا يدلّ الحصر في صحيحة ابن مسلم والتوقيع على لغوية عقد الفضولي ، بحيث يكون كعقد الغافل والنائم ونحوهما ممّن لا يتمشّى منه القصد إلى المدلول ، مع بداهة تبعية العقد للقصد بل تقوّمه به.

(٢) بأن يكون إنشاء الفضولي في نفسه غير قابل للتأثير في الملكية مثلا وإن أجاز المالك.

__________________

في الابتياع عن المالك مباشرة أو بأمره المنطبق على وكيله أو مأذونه مقارن للعقد كما هو واضح. بخلاف عقد غير المالك ومأذونه وهو الفضولي ، فإنّ رضا المالك بعقده متأخر عنه ، وليس مقارنا له. ومع ذلك جعل في المكاتبة ممّا يوجب صحة عقد الفضولي كصحة عقد المالك أو مأذونه ، فإنّ غير المالك ومأذونه ليس إلّا الفضولي. فالمكاتبة دليل على صحة عقد الفضولي ، لا على بطلانه كما رامه القائل ببطلان عقد الفضولي.

(*) لا يخفى أنّه ـ بناء على لغوية الإنشاء وعدم قابليته للتصحيح كلغوية عقد الساهي والنائم ـ لا وجه لتخصيصه بأدلة الصحة ، لعدم صدق العقد والعهد عليه حينئذ. فلا بدّ أوّلا من إثبات عدم لغوية إنشاء الفضولي ، وعدم كونه كعقد الغافل والنائم حتى تصل النوبة إلى دعوى التخصيص بأدلة الصحة كما لا يخفى ، وعدم لغويته ثابت بأدلة صحة الفضولي ، فالتخصيص في محلّه.

٥٠٥

بما تقدّم من أدلّة الصحة (١).

وأمّا (٢) رواية القاسم بن فضيل فلا دلالة فيها (٣) إلّا على عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي ، لأنه باع ما لا يملك. وهذا (٤) حقّ لا ينافي صحة الفضولي.

______________________________________________________

(١) وهي الأدلة الخاصة المتقدمة في أدلة صحة عقد الفضولي ، لكونها دالّة على الصحة مع إجازة المالك ، فهي أخصّ من أدلة بطلان الفضولي الدالة على بطلانه مطلقا وإن أجاز المالك ، فهي أعمّ من أدلة الصحة ، فتخصص بأدلة الصحة.

(٢) الكلام في عطفه هو الكلام في عطف قوله : «وأما الحصر» المتقدم في (ص ٥٠١).

(٣) محصل هذا الجواب المذكور في المقابس (١) أيضا هو : أنّ هذه الرواية تنفي الصحة الفعلية دون الصحة التأهلية التي هي مورد البحث. توضيحه : أنّ جواز إعطاء الثمن من آثار الصحة الفعلية ولوازمها ، والرواية تنفيه ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، فالمنفي هو الصحة الفعلية. ولا ريب في أنّ القائلين بصحة الفضولي لا ينكرون عدم الصحة الفعلية ، بل يعترفون بذلك ، وإنّما هم يدّعون الصحة التأهلية.

فالمنفي في الرواية ـ وهو الصحة الفعلية ـ لا ينافي الصحة التأهلية التي يدّعيها القائلون بصحة عقد الفضولي ، فالرواية المذكورة لا تنفي الصحة التأهلية الاقتضائية التي هي مورد البحث ، حتى تكون دليلا على بطلان عقد الفضولي ، بل تنفي غير ما يدّعيه القائلون بصحة عقد الفضولي. فالمثبت في كلام المثبتين ـ وهو الصحة التأهلية ـ غير المنفي ، وهو الصحة الفعلية عند النافين.

(٤) أي : وعدم جواز إعطاء الثمن لا ينافي صحة عقد الفضولي اقتضاء وتأهّلا ، لما مرّ من أنّ جواز إعطاء الثمن من لوازم الصحة الفعلية ، لا الاقتضائية التي هي مورد

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٠.

٥٠٦

وأمّا توقيع الصفّار (١) فالظاهر (*) منه نفي جواز البيع فيما لا يملك ، بمعنى وقوعه للبائع على جهة الوجوب واللزوم (٢).

______________________________________________________

البحث في الفضولي.

(١) وهو توقيع الإمام العسكري عليه‌السلام إلى الصفّار (١) وهذه المناقشة مذكورة في المقابس والجواهر أيضا ، فراجع (٢).

(٢) يعني : لا يقع البيع للبائع الفضولي على وجه اللزوم كما يقع للمالك ، فالمنفي هو البيع الواقع على وجه اللزوم المندرج في أفراد البيع في «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» فذلك البيع اللازم لا يقع للبائع الفضولي.

__________________

(*) ظاهره كون عدم الجواز أعمّ من الفساد ، إذ المفروض قابلية عقد الفضولي للصحة الفعلية بإجازة المالك ، مع أنّ الفساد مساوق لعدم الجواز والنفوذ والصحة ، كما أنّ الجواز والنفوذ مساوقان للصحة.

فالأولى أن يقال : إنّ عدم الجواز إذا نسب الى نفس العقد من حيث هو ـ وبعبارة أخرى من حيث هو إنشاء ـ فهو فاسد ، ولا يصحّحه شي‌ء. والفساد بهذا المعنى مقصود القائلين ببطلان عقد الفضولي ، نظير البيع الربوي ، وبيع ما لا يملك كبيع الخمر.

وإذا نسب إلى من لا يملك كالفضولي ، ثمّ تبدّلت هذه النسبة وأضيف العقد إلى المالك بإجازته ، خرج العقد عن الموضوع المحكوم بعدم الجواز وعدم المضيّ. وعدم الجواز بهذا المعنى مراد في توقيع الصفّار : «وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ عدم الجواز فيه أضيف إلى بائع ما لا يملك. كما أنّ وجوب الشراء أضيف إلى مالك

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٢ ، رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن محمّد بن الحسن الصفار ، وقد روى عنه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد الذي روى عنه محمّد بن علي بن الحسين ، فالسند صحيح.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٠ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٤.

٥٠٧

ويؤيّده (١) تصريحه عليه‌السلام بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك ،

______________________________________________________

(١) يعني : ويؤيّد ما ذكرناه ـ من أنّ الظاهر من توقيع الصفّار هو عدم وقوع البيع على وجه اللزوم للفضوليّ ـ قوله عليه‌السلام في التوقيع المذكور : «وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّه يدلّ على أنّ المنفي هو البيع اللازم الوفاء ، لأنّه بيع المالك ، والفضوليّ ليس بمالك ، فالبيع اللازم منفيّ عنه ، لا البيع الذي يصير بيعا للمالك بإجازته.

وبالجملة : فهذا التوقيع الشريف ينفي عن الفضوليّ البيع الذي يصحّ للمالك ، وهو البيع الذي يترتب عليه النقل والانتقال ، ولزوم القبض والإقباض. ومن المعلوم أنّ القائلين بصحة الفضولي لا يدّعون الصحة بهذا المعنى المعبّر عنها بالصحة الفعلية ، بل يدّعون الصحة التي لا يترتب عليها النقل والانتقال فعلا ، ولا وجوب القبض والإقباض. وهذا المعنى من الصحة غير منفي في التوقيع ، والمنفي فيه هو الصحة الفعلية ، وإنّما يترتب الصحة الفعلية على عقد الفضولي بعد إجازة المالك ، لصيرورته حينئذ عقدا للمالك بقاء وإن لم يكن عقده حدوثا ، إذ المفروض صدوره عن الفضولي.

__________________

المبيع. فالفساد في عقد الفضولي منسوب إلى العقد من حيث هو عقد لغير المالك ، لا من حيث نفسه حتى لا يصلحه شي‌ء ولو أجازه المالك.

ويؤيّد إرادة عدم الجواز المنسوب إلى من لا يملك ـ لا إلى العقد نفسه ـ أنّ الأصحاب القائلين بصحة الفضولي مع إجازة المالك أطلقوا الباطل على عقد الفضولي ، حيث إنّ مرادهم بالباطل هو عدم الاستقلال في التأثير ، لا اللغوية كعقد الغافل والنائم.

فتلخّص : أنّ شيئا من الروايات لا يصلح لإثبات بطلان الفضولي مطلقا ولو بإجازة المالك ، بمعنى كون عقد الفضولي لغوا بحيث لا يصلحه شي‌ء ولو كان إجازة المالك.

٥٠٨

فلا دلالة (١) على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز.

وبالجملة : فالإنصاف أنّه لا دلالة في تلك الأخبار (٢) بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز ، ولا تعرّض فيها إلّا لنفي وقوعه للعاقد.

الثالث (٣) : الإجماع على البطلان ، ادّعاه الشيخ في الخلاف (٤) معترفا (٥) بأنّ الصّحّة مذهب قوم من أصحابنا ، معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم (٦).

______________________________________________________

(١) يعني : فلا دلالة في التوقيع على عدم وقوع البيع للمالك إذا أجاز ، وهذه نتيجة ما أفاده بقوله : «فالظاهر منه نفي جواز البيع .. إلخ».

(٢) وهي النبويّان وتوقيع الإمام العسكري عليه‌السلام ورواية الحميري وصحيحتا محمّد بن مسلم ومحمّد بن القاسم.

ج : الإجماع

(٣) هذا ثالث الأدلة الأربعة التي استدلّ بها القائلون ببطلان عقد الفضولي.

(٤) قال في الخلاف : «مسألة : إذا باع إنسان ملك غيره بغير إذنه كان البيع باطلا ، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : ينعقد البيع ، ويقف على إجازة صاحبه ، وبه قال قوم من أصحابنا. دليلنا : إجماع الفرقة ، ومن خالف منهم لا يعتد بقوله ، ولأنّه لا خلاف أنّه ممنوع من التصرف في ملك غيره ، والبيع تصرف .. إلخ» (١).

(٥) حيث اعترف بقوله : «وبه قال قوم من أصحابنا».

(٦) بقوله : «ومن خالف منهم لا يعتد بقوله».

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٦٨ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٧٥.

٥٠٩

وادّعاه (١) ابن زهرة أيضا في الغنية.

وادّعى (٢) الحلّيّ في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب (٣).

______________________________________________________

(١) أي : وادّعى الإجماع السيد ابن زهرة بقوله : «اشترطنا ثبوت الولاية احترازا من بيع من ليس بمالك للمبيع ولا في حكم المالك له .. فإنه لا ينعقد وإن أجازه المالك ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ..» (١).

(٢) قال في مسألة ما إذا غصب مالا لرجل فاتّجر به فربح ، أو كان في يده مال أمانة أو وديعة أو نحوهما ، فتعدّى فيها ، واتّجر وربح : «فلمن يكون الربح؟ قيل : فيه قولان .. والقول الثاني : انّ الربح كله للغاصب ، لا حقّ لربّ المال فيه. لأنّه إن كان قد اشترى بعين المال فالشراء باطل بغير خلاف. وإن كان الشراء في الذمة ملك المشتري المبيع وكان الثمن في ذمته بغير خلاف .. وهذا القول هو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب» (٢).

والشاهد في قوله : «فالشراء باطل بغير خلاف» لظهوره في الإجماع على فساد الشراء بعين مال الغير.

(٣) الاستدلال على بطلان الفضولي في المسألة الأولى ـ وهي بيع الفضولي عن المالك بدون سبق منع منه ـ بعدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب منوط بتسليم أمرين :

أحدهما : عدم الفرق بين الشراء والبيع.

ثانيهما : عدم الفرق بين الغاصب وغيره.

__________________

(١) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ص ٥٢٣ ، السطر ١٣ إلى ١٥.

(٢) السرائر ، ج ٢ ، ص ٤١٥.

٥١٠

والجواب (١) عدم الظنّ بالإجماع ، بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين والمفيد والمرتضى والشيخ بنفسه في النهاية ـ التي هي آخر مصنفاته على ما قيل ـ وأتباعهم على (٢) الصحة. وإطباق المتأخرين عليه (٣) عدا فخر الدين وبعض متأخري المتأخرين (٤) (١).

______________________________________________________

وكلاهما محلّ التأمل ، إذ من الأقوال التفصيل بين الشراء والبيع ، بالبطلان في الأوّل والصحة في الثاني. ومن جملتها التفصيل بين البيع لنفسه ، ومنه الغاصب ، والبيع للمالك ، ببطلان الأوّل وصحة الثاني.

(١) محصّل الجواب : أنّ المفيد هو القطع بالإجماع ، وذلك ليس بحاصل مع ذهاب معظم القدماء والشيخ بنفسه في النهاية إلى الصحة كما هو ظاهر. مع أنّ اللازم هو اتّفاق الكل على البطلان. ومع الغضّ عنه وتسليم الاتفاق المزبور يحتمل إرادة عدم الاستقلال من الباطل ، كما ظهر ذلك من إطلاق الفقهاء «الباطل» على عدم الاستقلال بنفسه في التأثير.

وعليه فلا يدلّ الإجماع ـ على تقدير تحققه ـ على البطلان الذي أراده القائلون ببطلان الفضولي ، إذ المحتمل أن يكون الإجماع ناظرا إلى منع الصغرى ، وهي التصرف ، لتوقّف صدقه على الإجازة التي هي بيد المالك فقط ، إذ لم يصدر من المالك شي‌ء ، وإنّما صدر عقد من الفضولي.

(٢) متعلق ب «ذهاب» كذا في نسخ الكتاب ، والأولى أن يقال : «إلى الصحة» ليناسب الذهاب.

(٣) الأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الصحة ، وقوله «إطباق» معطوف على «ذهاب».

(٤) كالمحقق الأردبيلي قدس‌سره.

__________________

(١) تقدمت مصادر أرباب الأقوال في ص ٣٧٤ و ٣٧٥ ، فراجع.

٥١١

الرابع (١) : ما دلّ من العقل (*) والنقل (**) على عدم جواز التصرف في

______________________________________________________

د : حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير بلا إذن منه

(١) هذا رابع الأدلة التي أقيمت على بطلان عقد الفضولي ، ومحصله : أنّ التصرف في مال الغير بدون إذنه ظلم في حقّ المالك ، لتجاوز هذا التصرف عن حدود العدل والإنصاف ، وذلك قبيح عقلا. ولا يرتفع هذا القبح بالرّضا اللاحق ، لأنّ ما وقع لا يتغيّر عمّا وقع عليه ، والقبيح لا يترتب عليه آثار الصحة إلّا مع تبدل الموضوع بصيرورة القبيح في مرحلة البقاء حسنا.

وبعبارة أخرى : هذا الدليل العقلي يثبت كبرى القياس ، وهو قبح التصرف في مال الغير إلّا بإذنه ، وصغرى القياس هو صدق «التصرف» على مجرّد إنشاء الفضولي ، كما صرّح به الشيخ في الخلاف.

ونتيجة القياس حكم العقل بقبح بيع الفضول عقلا ، وحرمته شرعا.

__________________

(*) الأولى أن يقال : ما دلّ من العقل على قبح التصرف في مال الغير إلّا بإذنه. وبقاعدة الملازمة يستكشف الفساد شرعا ، فلا حاجة إلى بيان رواية الاحتجاج.

(**) الأولى إسقاط «النقل» وإن كان هو مساعدا للعقل ، إلّا أن الكلام في دليليّة كل من الأدلة الأربعة باستقلاله ، ومع الغضّ عن الآخر.

بل يمكن أن يقال : بعدم الوجه للاستدلال بالدليل العقلي هنا.

أمّا أوّلا : فلأنّ العقل لا حكم له إلّا إدراك الحسن والقبح المترتبين على إدراك المصالح والمفاسد ، وليس له حكم وجوبي أو تحريمي حتى يستدلّ به على حكم تكليفي كالحرمة ، أو وضعي كالبطلان في عقد الفضولي ، فلا ينبغي التعبير بعدم الجواز كما في المتن ، حيث قال : «على عدم جواز التصرف في مال الغير .. إلخ» بل المناسب التعبير بقبح التصرف. إلّا أن يراد بعدم الجواز عدم النفوذ ، لا الحكم التكليفي.

٥١٢

مال الغير إلّا بإذنه ، فإنّ الرضا اللاحق لا ينفع (١) في رفع القبح الثابت حال

______________________________________________________

(١) لأنّ الفعل لا يتغيّر وصفه الذي كان ثابتا له حين وقوعه ، فإذا وقع بعنوان الظلم مثلا لا يرتفع عنه هذا الوصف ، ولا يقال : إنّ حدوثه لم يكن بصفة الظلم.

__________________

وأمّا ثانيا : فلأنّه لا موضوع في عقد الفضولي لحكم العقل ، ضرورة أنّ موضوعه التصرف ، وهو إمّا خارجي أعني به المماسة مع الشي‌ء كالأكل واللبس والافتراش ونحوها ، وإمّا اعتباري كالملكية.

وكلاهما مفقود في عقد الفضولي. أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلتوقفه على حصول إضافة الملكية القهرية بعقد الفضولي. ومن الواضح عدم تحققها بمجرد العقد ، وعدم حصول إجازة المالك. فالتصرف الذي هو موضوع حكم العقل ـ بكلا قسميه من الخارجي والاعتباري ـ مفقود في عقد الفضولي. ومع فرض عدم صدق التصرف عليه لا يحكم العقل بقبحه حتى يحكم بقاعدة الملازمة بحرمته المقتضية لفساده. فالاستدلال على بطلان عقد الفضولي بحكم العقل الذي جعل رابع أدلة بطلانه غير واضح.

ثمّ إنّه ـ بعد الغضّ عن جميع ذلك ، وتسليم حكم العقل بالقبح ، واستكشاف حرمته بقاعدة الملازمة ـ لا نسلم دلالة هذه الحرمة على البطلان ، بمعنى لغوية الإنشاء ، وعدم صلاحيته للتأثير ولو بإجازة المالك. وذلك لأن فساده ناش من عدم إضافة العقد إلى المالك ، وليس ناشئا من نفس العقد من حيث هو كبيع المصحف من الكافر ، والبيع الربويّ ، حيث لا يقبل الصحة أصلا.

وبالجملة : فلا يدلّ العقل على فساد عقد الفضولي كفساد البيع الربويّ ، ولو دلّ لكانت دلالته على حدّ دلالة السنّة على الفساد. وقد عرفت أنّ المراد بالفساد عدم الصحة الفعلية ، لا عدم الصحة التأهلية ، فإنّ عدم الصحة الفعلية مسلّم عند الكل حتى عند القائلين بصحة الفضولي ، حيث إنّهم لا يدّعون الصحة الفعلية ، بل مصبّ النزاع بين المثبتين والنافين هو الصحة التأهليّة.

٥١٣

التصرف ، ففي التوقيع المروي في الاحتجاج (١) «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه (١). ولا ريب أنّ بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

والجواب (٢) : أنّ العقد الواقع؟؟؟ على مال الغير متوقّعا لإجازته غير (٣) قاصد لترتب الآثار عليها ليس تصرفا فيه (٤) (*).

______________________________________________________

(١) غرضه من ذكر التوقيع هو إثبات مساعدة النقل الذي أشار إليه بقوله : «من العقل والنقل» لحكم العقل.

(٢) محصّل الجواب منع الصغرى وهي التصرف ، فإنّ موضوع عدم جواز التصرف والحكم الوضعي ـ أعني به الفساد ـ هو التصرف ، وصدقه على عقد الفضولي للمالك بتوقّع الإجازة من المالك ممنوع. وعليه فلا موضوع للفساد ، ولا لعدم الجواز التكليفي حتى يقال باقتضائه للفساد.

وببيان آخر : ليس عقد الفضولي عن المالك ـ بترقّب الإجازة منه ـ تصرّفا في ماله ، لا خارجيّا ولا اعتباريّا كما مرّ مفصّلا. وحكم العقل بالقبح منوط بصدق الظلم على الغير ، وهو موقوف على التصرّف الذي هو مفقود هنا (٢).

(٣) هذا وقوله : «متوقّعا» حالان من «العقد» أي : الإنشاء حال كون المنشئ متوقّعا لإجازة المالك ، وحال كونه غير قاصد لترتيب الأثر على إنشائه.

(٤) ظاهره أنّ العقد بدون توقع الإجازة يكون تصرفا في مال الغير ، مع أنّه

__________________

(*) في حاشية الفقيه السيد الطباطبائي قدس‌سره نفي العبد عن صدق التصرّف على

__________________

(١) الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٩٩ ، طبع مطبعة النعمان عام ١٣٨٦ ، لكن في المصدر «لا يحلّ» ، رواه في وسائل الشيعة عن إكمال الدين ، ج ٦ ، ص ٣٧٦ و ٣٧٧ ، الباب ٣ من أبواب الأنفال ، ح ٦

(٢) هذا الجواب مذكور في جملة من الكتب كمفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٦ ، السطر ٤ ، مقابس الأنوار ، ص ٢٨ ، السطر ١٣ ، وجواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٢.

٥١٤

نعم (١) لو فرض كون العقد علّة تامة ـ ولو عرفا (٢) (*) ـ لحصول الآثار

______________________________________________________

ليس كذلك ، لأنّ صدق التصرف منوط بكون العقد سببا تامّا لحصول الملك قهرا للمشتري. وليس الأمر كذلك ، بل هو موقوف على إجازة المالك ، إذ خروج المال عن ملك مالكه قهرا من أقبح أفراد الظلم ، فعقد الفضوليّ مطلقا ـ سواء أكان العاقد مترصّدا لإجازة المالك أم غير مترصّد له ـ ليس تصرّفا في مال الغير حتى يكون قبيحا عقلا وفاسدا شرعا.

(١) استدراك على قوله : «ليس تصرّفا» يعني : يمكن فرض كون عقد الفضوليّ تصرّفا فيما إذا كان العقد علّة تامّة لحصول الأثر المقصود كالملكيّة مثلا.

(٢) يعني : لا بالدقة العقليّة ، فلو صدق عرفا كون العقد علّة تامّة لترتّب الآثار عليه ـ كما إذا تصدّى المالك بنفسه لبيع ماله ـ قلنا بجواز هذا الإنشاء ، تبعا لجواز التصرّف في مال نفسه.

__________________

عقد الفضولي الصادر عن جدّ ، لا عن هزل (١).

لكن فيه : أنّ صدق التصرف عليه منوط بتبدل إضافة الملكية بهذا العقد ، وذلك بدون إجازة المالك ممتنع ، فإنّ الملكيّة تدور بين الوجود والعدم ، ومعلوم أنّها معدومة قبل إجازة المالك ، فكيف يصدق التصرف على مجرّد العقد؟

(*) لكن فيه : أنّ الصدق العرفي يعتدّ به ما لم يخطّئه الشرع ، ومع التخطئة لا يترتب عليه آثار التصرف. وبيع الغاصب المستقلّ مستلزم للتصرّف الخارجي ، لا أنّ نفس عقده تصرف.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٤٠.

٥١٥

كما في بيع المالك أو الغاصب (١) المستقلّ ، كان (٢) حكم العقد (٣) جوازا ومنعا حكم معلوله المترتب عليه (*).

ثم لو فرض (٤) كونه تصرّفا فممّا استقلّ العقل بجوازه (**) مثل

______________________________________________________

(١) يعني : أن إنشاء الغاصب المستقل الذي يبيع لنفسه قبيح وباطل ، لكونه علّة تامّة عرفا لترتّب القبض والإقباض عليه.

(٢) جواب قوله : «لو فرض».

(٣) فعقد المالك جائز ، لجواز معلوله ، وعقد الغاصب المستقل ممنوع ، لحرمة التصرف في المبيع المغصوب ، لكنّه لا يكون تابعا لمعلوله جوازا ومنعا بناء على علية العقد له ، لكنه ممنوع.

(٤) غرضه مع التنزل وتسليم كون عقد الفضولي تصرفا ، لكنّه ليس من التصرفات الممنوعة ، بل من التصرّفات التي يستقلّ العقل بجوازها. وهذا من قبيل

__________________

(*) هذا متجه بناء على كون العقد سببا تامّا لترتب التصرفات الخارجية في العين قهرا وبدون الاختيار. لكنه ليس كذلك ، فلا يسري حكم المعلول إلى العلّة وهي العقد ، والعقد إنّما يكون تصرفا في لسان العاقد ، لا في أحد العوضين حتى يحرم.

(**) فيه : أنّ مثل الاستضاءة بسراج الغير ليس تصرفا ، وإنّما هو انتفاع بمال الغير ، والموضوع هنا هو التصرف ، ومن المعلوم أنّ عقد الفضولي ليس تصرفا في مال الغير ، لا خارجيا ولا اعتباريا.

أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلتوقفه على إجازة المالك ، فإن الملكية معدومة قبل إجازة المالك ، ولا توجد إلّا بإجازته ، فإنّها بسيطة ، إمّا موجودة ، وإمّا معدومة ، ولا واسطة بينهما. كما أنّ عقد الفضولي ليس انتفاعا بمال الغير أيضا حتى يكون كالاستظلال بشجر الغير.

٥١٦

الاستضاءة والاصطلاء بنور الغير وناره.

مع (١) (*) أنّه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال ، بناء (٢) على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي.

مع (٣) أنّ تحريمه لا يدلّ على الفساد.

مع (٤) أنّه

______________________________________________________

الاستظلال بجدار الغير أو شجره ، أو الاستضاءة بسراجه. فليست هذه التصرفات من التصرف القبيح بنظر العقل حتى يحكم بفساد عقد الفضولي ، لكونه تصرّفا قبيحا عقلا.

(١) هذا جواب آخر عن قبح التصرّف ، بأن يقال : إنّ فرض قبحيّة عقد الفضوليّ أخصّ من المدّعى ، بمعنى عدم جريانه في جميع الموارد ، كما إذا علم بقرينة حاليّة أو مقاليّة أنّ المالك يأذن في هذا البيع الفضولي ، ومع هذا العلم لا يكون عقد الفضوليّ تصرّفا قبيحا عقلا حتى يكون فاسدا.

(٢) يعني : أنّ فرض العلم بالإذن مبنيّ على عدم كونه خارجا عن عنوان الفضوليّ ، إذ مع خروجه عنه موضوعا يكون أجنبيّا عن بحث الفضوليّ.

(٣) هذا جواب آخر أيضا عن الاستدلال على بطلان عقد الفضوليّ «بكونه تصرّفا قبيحا عقلا» وحاصله : أنّ قبح العقد عقلا وحرمته شرعا لا يدلّ على الفساد بمعنى لغويّة العقد كعقد الساهي.

(٤) هذا جواب آخر أيضا ، وهو : أنّه ـ على فرض دلالة النهي على الفساد ـ

__________________

(*) فيه : أنّه ـ بعد فرض كون عقد الفضولي تصرّفا في مال الغير بدون إذنه ـ لا ينفكّ عن القبح ولو مع العلم بإذن المالك فيما بعد ، لصدق التصرّف في مال الغير بدون إذنه على العقد غير المأذون فيه.

٥١٧

لو دلّ (١) لدلّ على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه ، وعدم استقلاله في ذلك. ولا ينكره (٢) القائل بالصحة ، خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة.

وممّا ذكرنا (٣) ظهر الجواب عمّا لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري (٤) بناء على أنّ العقد

______________________________________________________

لا يراد بالفساد لغوية الإنشاء بحيث لا يترتب عليه الصحة الفعلية بإجازة المالك ، بل المراد بالفساد هو عدم ترتب الأثر المقصود ـ وهو النقل والانتقال ـ على عقد الفضولي بنفسه ، بل ترتبه عليه منوط برضا المالك وإجازته ، والقائلون بصحة عقد الفضولي لا ينكرون الفساد بهذا المعنى.

(١) يعني : لو دلّ التحريم التكليفي على بطلان البيع لكان المراد ببطلانه عدم استقلاله في التأثير.

(٢) يعني : ولا ينكر البطلان بهذا المعنى ـ وهو عدم ترتب الأثر على العقد بالاستقلال ـ من يقول بصحة عقد الفضولي ، خصوصا بناء على ناقلية الإجازة ، إذ لا أثر للعقد أصلا قبل الإجازة.

(٣) أي : من كون المراد بالبطلان ـ المترتب على النهي التكليفي هو ـ عدم ترتب الأثر على العقد باستقلاله ، ظهر الجواب عن فرض قبح عقد الفضولي المستتبع للفساد فيما إذا قصد الفضولي ترتب الأثر على عقده بالاستقلال من دون مراجعة المالك ، فإنّ قبح هذا العقد عقلا يوجب النهي عنه ، وهو مستلزم للفساد.

وحاصل الجواب : أنّ المراد بالفساد ما ذكر من عدم ترتب الأثر على العقد بنفسه ، لا عدم ترتبه عليه مطلقا ولو مع إجازة المالك.

(٤) الصواب تبديله ب «المالك». وقد تحصل من جميع ما أفاده المصنف قدس‌سره في الجواب عن الدليل العقلي المذكور وردّه وجوه خمسة :

الأوّل : أنّ العقد على مال الغير بتوقّع الإجازة منه ليس تصرفا قبيحا وفاسدا ، وهذا الجواب منع صغروي ، وهو في غاية الجودة.

٥١٨

المقرون بهذا القصد (١) قبيح محرّم ، لا نفس (٢) القصد (٣) المقرون بهذا العقد.

وقد يستدل للمنع (٤)

______________________________________________________

الثاني : أنّ عقد الفضولي ـ بعد تسليم كونه تصرفا ـ ليس من التصرفات القبيحة عقلا ، بل من التصرفات التي يستقل العقل بجوازها كالاستضاءة بسراج الغير.

لكن فيه ما عرفت من أنّ مثل الاستضاءة بنور الغير ليس تصرفا ، بل هو انتفاع بمال الغير كما لا يخفى.

الثالث : أنّه أخص من المدّعي الذي هو كون عقد الفضولي تصرفا قبيحا ، إذ يمكن عدم قبحه في بعض الموارد ، كما إذا علم بقرينة حاليّة أو مقاليّة إذن المالك ورضاه بالعقد.

لكن هذا الجواب لا ينافي الاستدلال على الفساد بنحو الإيجاب الجزئي.

الرابع : أنّه ـ بعد تسليم القبح الموجب للنهي ـ لا يدلّ النهي على الفساد.

الخامس : أنّه ـ بعد تسليم دلالة النهي على الفساد ـ ليس المراد بالفساد عدم ترتّب الأثر على عقد الفضوليّ مطلقا حتى بعد الإجازة ، بل المراد بالفساد عدم ترتّب الأثر عليه بعنوان كونه عقد الفضوليّ ، لا مطلقا ، فإذا صار عقد المالك بالإجازة وخرج عن عنوان الفضوليّ ترتّب عليه الأثر.

(١) أي : قصد العاقد ترتب الأثر على عقده بالاستقلال بدون إجازة المالك.

(٢) معطوف على «أنّ العقد».

(٣) حيث إنّ مورد الحسن والقبح اللذين يحكم بهما العقلاء هو الفعل الخارجي الذي تكون مصلحته حافظة للنظام ومفسدته مخلّة بالنظام. وأمّا القصد النفساني الذي لا أثر له خارجا في النظام فلا يتصف بالحسن أو القبح أصلا.

الاستدلال على بطلان البيع الفضولي بوجوه أخرى

(٤) أي : المنع عن صحة عقد الفضولي.

٥١٩

بوجوه أخر ضعيفة (١) أقواها : أنّ القدرة على التسليم معتبرة في صحة البيع ، والفضوليّ غير قادر (٢). وأنّ (٣) الفضولي غير قاصد حقيقة (٤) إلى مدلول اللفظ كالمكره ، كما صرّح به في المسالك (١).

______________________________________________________

(١) قد ذكرت تلك الوجوه في المقابس بعد بيان تمسكهم بالإجماع ، قال : «الثاني : أنّ العقود الشرعية موقوفة على الدليل ، ولا دليل على أنّ عقد الفضولي من العقود المقرّرة في الشرع ، وأنّه يقف على الإجازة ، فوجب الحكم بفسادها».

وفيه : أنّه قد ثبت مما تقدم من أدلة صحة الفضولي انّ عقد الفضولي صحيح تأهّلا ، وتصير فعلية صحته بإجازة المالك.

وإن شئت الوقوف على سائر الوجوه فراجع المقابس ، فإنّ المذكور فيها أزيد من عشرة أوجه (٢).

(٢) ولأجل اعتبار القدرة على التسليم في صحة البيع حكموا ببطلان بيع العبد الآبق ، حيث إنّ شرط القدرة على التسليم مفقود فيه ، فبيع الفضولي لا بدّ أن يكون أولى بالبطلان ، لفقدان الملكية للعاقد ، وعدم قدرته على تسليم المبيع فيه. وعلى هذا يقع البيع باطلا. وهذا تاسع الوجوه المانعة المذكورة في المقابس.

(٣) معطوف على «أنّ القدرة» وهذا وجه آخر لمنع صحة عقد الفضولي ، وهو عاشر الوجوه المانعة المذكورة في المقابس. وينسب هذا الوجه إلى السيد بحر العلوم قدس‌سره قال في المقابس : «العاشر : أنّه يشترط في صحة العقد مقارنته لقصد المدلول ، فإنّ العقود تتبع القصود ، وهو منتف في الفضولي ، لأنّه لا يتعلق إلّا بالمقدور ، والنقل غير مقدور له ، فيمتنع قصده» (٣) أي قصد مدلوله خارجا.

(٤) يعني : غير قاصد إلى تحقق مدلول اللفظ في الخارج ، كالعقد الصادر من

__________________

(١) تقدّم كلامه في بيع المكره فراجع ص ١٦٦

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٧ و ٢٨.

(٣) المصدر ، ص ٢٨.

٥٢٠