هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

ورواية (١) عروة البارقي الآتية (١) ، حيث أقبض المبيع وقبض الدينار ، لعلمه برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولو كان فضوليّا موقوفا على الإجازة لم يجز التصرف في المعوّض والعوض بالقبض والإقباض. وتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له على ما فعل دليل على جوازه ، (٢) هذا.

______________________________________________________

(١) معطوف كما قبله على «لعموم وجوب الوفاء»

(٢) محصّل استدلال المصنّف قدس‌سره برواية عروة البارقي ـ الذي هو الوجه الرابع من أدلة خروج العقد المقرون برضا مالك التصرف عن عقد الفضولي ـ هو : أنّ العروة لمّا كان عالما برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعله باع إحدى الشاتين اللتين اشتراهما بالدينار الّذي أعطاه الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقبضها للمشتري ، وقبض منه ثمنها الذي كان دينارا ، إذ لو لم يكن الرضا القلبي ـ الذي علمه عروة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كافيا في صحة العقد ، بل كانت صحته متوقفة على الإجازة ، لكونه فضوليا ، لم يكن تصرفه بإقباض الشاة إلى المشتري وقبض ثمنها وهو الدينار منه جائزا ، وكان حراما قبل الإجازة ، لكونه تصرفا في مال الغير. وتقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل على تصرف عروة في المعوّض وهو الشاة التي باعها بإقباضها ، وتصرفه في العوض وهو الدينار بقبضه من المشتري.

__________________

الإجازة أيضا فيه إذا قام عليه دليل. فالاستدلال به على ما ادّعاه الشيخ قدس‌سره غير وجيه.

وأمّا ما دلّ على نكاح العبد ، وأن سكوت المولى إقرار منه ، فهو على خلاف المطلوب أدلّ ، لدلالته على كون السكوت إقرارا أي إجازة ، فإنّ السكوت في مقام البيان

__________________

(١) في ص ٣٨٠.

٣٦١

مع (١) أنّ كلمات الأصحاب

______________________________________________________

هذا لكن في خروج العقد بهذا ، عن الفضولية تأمل ، فراجع الجواهر (١).

(١) غرضه قدس‌سره الخدشة في ما نسبه إلى الأصحاب آنفا بقوله : «لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب» حيث إنّه جعل ظاهر الأصحاب شمول عنوان «الفضوليّ» لما إذا علم العاقد رضا المالك. فقوله هنا : «مع أن ظاهر الأصحاب» استظهار لخروج العلم بالرضا عن الفضولي موضوعا ، على ما يستفاد من بعض كلماتهم ، وهو الذي يقوى في نفسه الشريفة.

__________________

وعدم مانع للمتكلم من بيان تمام مراده بيان لعدم دخل شي‌ء آخر في مراده ، فيستفاد من قوله عليه‌السلام : «أكانوا علموا» أنّ علمهم مقدمة لبيان كون السكوت إجازة ، فلو لم تكن المعاملة المقرونة برضا المالك محتاجة إلى الإجازة لم تكن حاجة إلى قوله عليه‌السلام : «سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم» وكان قوله عليه‌السلام : «أثبت على نكاحك الأوّل» كافيا.

وأمّا الاستدلال بحديث عروة بن الجعد البارقي ـ بالواو كما هو المشهور ، لكن عن بعض الأعلام قدس‌سره «انّ المذكور في الكتب الرجالية للخاصّة والعامّة عرفة الأزديّ الموصوف بأنّه دعا له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : اللهم بارك في صفقة يمينه .. نعم في الاستيعاب من كتب العامة : «غرفة الأزدي بالغين المعجمة».

لكن عن شيخ الطائفة في رجاله وكذا العلّامة قدس‌سرهما في الخلاصة : عرفة الأزدي من أصحاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا له ، فقال : اللهم بارك له في صفقة يمينه».

وفي مضاربة التذكرة «عروة بن لبيد البارقي» (٢).

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٧ آخر الصفحة.

(٢) تذكرة الفقهاء ج ٢ ص ٢٥٠ ، السطر ١٠.

٣٦٢

في بعض المقامات (١) يظهر منها خروج هذا الفرض (٢) عن الفضولي ، وعدم (٣)

______________________________________________________

(١) مثل ما نقله السيد العاملي قدس‌سره عن المستدلّين على صحة بيع الفضولي ، بقوله : «احتج الأوّلون بأنّ السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط ، وكلّها كانت حاصلة إلّا رضا المالك ، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام عمله ..» (١) فراجع.

(٢) وهو العقد المقرون برضا المالك باطنا ، مع عدم إذن منه بذلك ، لا صريحا ولا فحوى.

(٣) معطوف على «خروج» أي : يظهر عدم وقوفه على الإجازة.

__________________

واحتمال تعدّد الواقعة (٢) ـ كما في كلام بعض الأعاظم ـ فلا يكون تردّد اسم صاحب القصة موهنا لا يخلو من بعد ، مع وحدة المتن وخصوصيات الواقعة.

ففيه أوّلا : ضعف سنده ، لما قيل من أنّه بنفسه غير موثق عندنا. ولعدم ذكره مسندا في أصول الشيعة المشهورة. ولذا قال المحقق الأردبيلي قدس‌سره : «ومعلوم عدم صحة الرواية ومعارضتها بأقوى منها» (٣).

ولكن دفعه في الجواهر «بأنّ خبر عروة البارقي قد أغنت شهرته عن النظر في سنده» (٤).

وفي الرياض «دعوى انجبار قصور سنده بالشهرة» (٥).

أقول : الملاك في حجيّة الخبر هو الوثوق بالصدور المعبّر عنه بالوثوق الخبري ، دون الوثوق المخبري كما أصرّ عليه بعض الأعلام دام بقاؤه. فمع حصول الوثوق

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩ ، أواخر الصفحة.

(٢) معجم رجال الحديث ، ج ١١ ، ص ١٣٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٨.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٧.

(٥) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢ ، السطر قبل الأخير.

٣٦٣

وقوفه على الإجازة ، مثل قولهم في الاستدلال على الصحة (١) : «إنّ الشرائط كلّها حاصلة إلّا رضا المالك» (٢) وقولهم (٣) : «إنّ الإجازة لا يكفي فيها السكوت ، لأنّه أعمّ من الرضا» ونحو ذلك (٤)

______________________________________________________

(١) أي : صحة عقد الفضولي ، في قبال بطلانه رأسا.

(٢) فهذا الاستثناء ـ مع الجمود على ظاهر «رضا المالك» وهو الرضا الباطني غير المبرز ـ دليل على خروج العقد المقرون به ولو بدون مبرز له من الإذن الصريح أو الفحوى عن عقد الفضولي.

(٣) بالجر معطوف على : «قولهم» توضيحه : أنّ أعميّة السكوت من الرضا تدلّ على أنّ الشرط في صحة العقد وتأثيره هو الرضا الباطني ، والسكوت لا يكون مبرزا له ، فإذا أحرز الرضا من الخارج كفى في صحة العقد.

(٤) يعني : ونحو هذين القولين من كلماتهم الدالة على خروج هذا الفرض من الفضولي.

__________________

بصدور الخبر تشمله أدلة حجية الخبر ، ولا ينظر حينئذ إلى الراوي ، كما هو كذلك في بعض النبويات. فمع عدم نقل الحديث في كتب الخاصة ، وفرض استناد المشهور إليه في مقام الفتوى يصحّ الاعتماد عليه والركون إليه.

نعم مجرّد شهرة حديث في الكتب الاستدلالية أو أصول الشيعة مع عدم إحراز الاستناد إليه في استنباط الحكم لا يوجب حجيته ، لأن الشهرة الجابرة لضعف السند هي الشهرة الاستنادية ، لا الروائية. وكذا مع إجمال معناه.

فهذا الحديث وإن كان مشهورا من حيث النقل في الكتب الروائية والاستدلالية ، لكن إجمال معناه يمنع حجيته كما سيظهر.

وثانيا : انّ قضية عروة مشتبهة عندنا ، لاحتمال كونه وكيلا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يرجع

٣٦٤

ثم لو سلّم كونه (١) فضوليا لكن ليس كلّ فضوليّ يتوقف لزومه على الإجازة ، لأنّه لا دليل على توقفه مطلقا على الإجازة اللاحقة ، كما هو (٢) أحد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثم ملكه (٣).

______________________________________________________

(١) يعني : أنّه مع الغض عما ذكرنا من خروج العقد المقرون برضا مالك التصرف باطنا عن عقد الفضولي ، وتسليم كونه من الفضولي ـ موضوعا ـ نمنع توقّف كلّ فضولي على الإجازة ، إذ لا دليل على هذا التوقف في جميع الموارد. وعليه فالمنع حكمي لا موضوعي.

أقول : بعد تسليم كونه فضوليا يحتاج خروجه عنه حكما إلى الدليل ، وإطلاق دليل توقف عقد الفضولي على إجازة مالك التصرف يشمل المقام.

(٢) أي : كما أنّ عدم توقّف الفضولي على الإجازة مطلقا أحد الاحتمالات .. إلخ.

(٣) بسبب اختياريّ كالبيع والصلح ونحوهما ، أو قهريّ كالإرث ، فإنّه بعد التملك لا يحتاج إلى الإجازة. وحاصله : أنّ من باع مال غيره ثم تملكه يكون فضوليا حال البيع ، لكن يحتمل عدم توقف صحة بيعه على الإجازة ، للفرق بين أفراد الفضولي.

__________________

إلى السّوق من المعاملات. بل في حاشية السيد «روي أنّه كان معدا لخدماته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

ولا ينفي هذا الاحتمال أمره بالاشتراء ، لعدم ظهور هذا الأمر في عدم كونه وكيلا ، بل هو بيان لما يحتاج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه من شراء الشاة للأضحية أو غيرها.

كما لا ظهور في الدعاء لعروة ـ بالبركة في صفقة يمينه ـ في كون عقد عروة فضوليا حتى يكون هذا الدعاء إجازة ، لأنه أعمّ ، والعامّ لا يدلّ على الخاص.

كما لا ظهور لهذه القضية في كون عروة عالما برضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعله ، حتى

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٥.

٣٦٥

مع (١) أنّه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما ، إذ وقوعه برضاه لا ينفكّ عن ذلك (٢) مع الالتفات.

ثمّ (٣) إنّه لو أشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا مع العلم برضا السيد ولو لم يأذن له ، لعدم تحقق المعصية

______________________________________________________

(١) هذا ناظر إلى التوسعة في الإجازة بجعل الرضا الحاصل بعد البيع آنا ما إجازة ، فلا تختص الإجازة بما إذا كان الرضا مفقودا ثم أنشأها المالك.

(٢) أي : عن الإجازة آنا ما مع الالتفات إلى البيع ، فمحصّل ما أفاده إلى هنا : أنّ العقد المقرون برضا المالك باطنا إمّا خارج عن الفضولي موضوعا ، وإمّا خارج عنه حكما.

(٣) غرضه أنّ الإشكال في عقد غير المالك مع رضا المالك باطنا حين العقد

__________________

يصح الاستدلال بها على المطلوب ، وهو عدم الحاجة إلى إجازة المالك للتصرف مع رضاه باطنا حين العقد. فتكون قضية عروة أجنبيّة عن عقد الفضولي وعن العقد المقرون برضا مالك التصرف من دون صدور إذن منه.

ولا ظهور في تبريكه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تمامية المعاملة بسبب الرضا حتى يصح الاستدلال به على كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة. وذلك لاحتمال كون التبريك متمما للبيع ، وإجازة له بلسان التبريك ، فيكون من الفضولي المجاز. والظهور المزبور منوط بكون التبريك متمحضا في الدعائية لا متمما للمعاملة ، وكلّ منهما محتمل. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.

لا يقال : إنّه يمكن أن يدّعى علم عروة برضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث إنّه تصرف في العوض والمعوّض بالإقباض والقبض ، إذ لو كان البيع فضوليا لم يجز له هذا التصرف إلّا بعد الإجازة.

٣٦٦

.................................................................................................

__________________

فإنّه يقال أوّلا : إنّه لم يعلم حال عروة من حيث علمه بالحكم الشرعي ، وأنّه لا يجوز له التصرف إلّا بعد الإجازة ، حتّى يدّعى علمه برضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلعلّه كان جاهلا بالحكم.

وثانيا : أنّ علمه ـ بعد تسليمه ـ لا يجدي إلّا في التصرف الخارجي دون الاعتباري ، لعدم استلزام الرضا بالتصرف الخارجي للتصرف الاعتباري ، لإمكان الرضا بالقبض والإقباض فقط ، أو الرضا بإنشاء العقد دون القبض. فمجرّد الرضا بالتصرف الخارجي لا يلازم الرضا بإنشاء المعاملة. هذا بالنسبة إلى بيع الشاة.

وأمّا بالنسبة إلى شراء الشاتين بدينار فيحتمل أن يكون شراء كلتيهما فضوليا ، لظهور الأمر بشراء شاة في شراء شاة واحدة ، فكان وكيلا في شراء شاة واحدة لا شاتين.

ويحتمل أن يكون شراء إحداهما فضوليا دون الأخرى ، لثبوت وكالته في شراء واحدة.

ويحتمل صحة شرائهما معا ، بحمل الشاة الموكّل في شرائها على الجنس الشامل للواحد والمتعدد.

هذا إذا كان شراؤهما ببيع واحد. وإذا كانا ببيعين كان الشراء الأوّل صحيحا والثاني فضوليا.

فصار المتحصل : أنّ قضية العروة لضعف سندها وإجمالها لا تصلح للاستدلال بها على خروج البيع الصادر من غير المالك للتصرف ـ مع رضا المالك باطنا وعدم إذنه وإجازته ـ عن بيع الفضولي حتى لا يحتاج إلى إجازة المالك.

قال بعض الأعاظم : الحقّ أن يقال : إنّ الرضا الباطني ممّن له حق في العين بدون مبرز له من الاذن والإجازة كاف في عقد المالك الممنوع من تصرفه في ماله ، لتعلق حق الغير به كحق الرهانة ، فإذا باع الراهن المالك العين المرهونة مع رضا المرتهن بذلك البيع صحّ البيع ولزم ، ولا يحتاج إلى الإجازة الموجبة لإضافة العقد إلى المالك ، إذ المفروض

٣٦٧

.................................................................................................

__________________

صدور العقد من نفس المالك ، والمانع تعلق حق الغير به ، فإذا رضي بالبيع أسقط حقّه ، بخلاف غير المالك ، فإنّه لا يضاف إلى المالك ولا يصير عقدا له حتى يجب عليه الوفاء به. فإذا صار عقدا له عرفا وجب الوفاء به. ولا يمكن أن يكون كذلك إلّا بأن يضيفه هو إلى نفسه ولو مسامحة بوسيلة الإجازة ، لتوقف إضافة العقد إلى شخص حقيقة على صدوره منه مباشرة أو تسبيبا عقديا كالتوكيل ، أو خارجيا كبيع الرّعية إذا أمرهم السلطان به. وليست الإجازة إلّا إظهار الرّضا بالعقد ، والإكتفاء بالإجازة في صحة العقد دليل على عدم لزوم انتسابه إلى المالك بنحو التسبيب.

ومجرّد علم الغير برضا المالك لا يوجب إضافة العقد إليه عرفا ، فإنّ الرضا في مقابل عدم الميل ، ومجرّد الميل النفساني إلى بيع ماله لا يوجب صحة إضافة البيع إليه ، بل لا بدّ من إبرازه حتى يصدق الالتزام بنقل ماله.

ولو فرض شكّ في صيرورته عقدا له بمجرّد العلم برضاه لم يجز التمسك بمثل «أوفوا» لإثبات وجوب الوفاء عليه ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية هذا (١).

ولا يخفى أنّ كون إجازة المالك سببا لإضافة العقد إليه لا توجب كفاية الرضا الباطني لمن عليه حقّ في أحد العوضين إلّا إذا دلّ دليل على كفايته ، فإنّ الإجازة تارة توجب إضافة العقد إلى المالك ، واخرى توجب ارتفاع المانع عن تأثير العقد ، ولم ينهض دليل على انحصار فائدة الإجازة في إضافة العقد إلى المالك.

وعليه فمجرّد رضا المرتهن لا يكفي في صحة بيع العين المرهونة ، بل لا بدّ من الإذن أو الإجازة. وكذا رضا الغرماء في بيع المفلّس ، وكذا إذن الوارث في نفوذ وصية مورّثهم فيما زاد على الثلث ، فإنّ التعبير بالإذن والإجازة في أمثال هذه الموارد ظاهر في أنّ العبرة بهما ، لا بمجرّد الرضا الباطني ولو لم يبرز بمبرز.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ١٢.

٣٦٨

.................................................................................................

__________________

ولو شك في كفاية مجرد الرضا النفساني وسقوط حقه به فمقتضى أصالة الفساد في العقود عدم كفايته ، فإنّ الشك يكون في رافعيّة الموجود ، حيث إنّه يشك في أنّ مجرد الرضا رافع للحق كحق الرهانة أولا ، فيستصحب الحقّ.

وقد ظهر مما ذكرنا أمران :

أحدهما : أنّ الإجازة إمّا مقتضية للتأثير ، كما في إجازة المالك الموجبة لإضافة العقد إليه ، وإمّا شرط للتأثير ، كما في إجازة كل ذي حق متعلّق بأحد العوضين. فلا تنحصر فائدة الإجازة في إضافة العقد إلى المالك حتى يقال : إنّ العاقد إذا كان هو المالك لم تكن حاجة إلى إجازة من له حق في أحد العوضين ، بل يكفي رضاه الباطني في تأثير العقد كما يظهر من تقريرات بعض الأعاظم دامت أيام إفاداته الشريفة ، مع تصريحه في رسالته العملية بلزوم إجازة الوارث في تنفيذ الوصية بالنسبة إلى الزائد على الثلث ، وعدم كفاية رضاه باطنا في نفوذ الوصية بالنسبة إلى الزائد.

وما أفاده من التفصيل بين المالك وغيره ـ بكفاية الرضا الباطني في غير المالك ، وعدم الحاجة إلى الإجازة ، وعدم الكفاية في المالك ، وتوقف تأثير العقد على إجازته ـ من إفادات شيخه المحقق الأصفهاني على ما في شرحه للكتاب (١) وردّ على المحقق النائيني قدس‌سره ، حيث قال مقرر بحثه العلّامة الشيخ موسى الخوانساري قدس‌سره : «والحق عدم خروج العقد الصادر من غير من بيده زمام أمر المعقود عليه بمجرد الرضا الباطني من المالك ومن له الحق مرتهنا كان أو مولى. وذلك لأنّه لو كان أمر العقد موقوفا وغير ماض إمّا لعدم كون العاقد مالكا أو لعدم كونه مستقلّا ، فلا يخرج عن التوقيف إلّا باستناده إلى المالك أو ذي الحق والاستناد والتنفيذ من الأمور الإنشائية ، ويكونان كسائر الإيقاعات لا بدّ من إيجادها إمّا باللفظ أو بالفعل ، فلا الكراهة الباطنية ردّ ، ولا الرضا

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٠.

٣٦٩

.................................................................................................

__________________

الباطني إجازة ، بل كل منهما يحتاج إلى كاشف» (١).

ثم إنّه لا فرق في اعتبار إبراز الرضا وعدم كفاية الرضا النفساني في إذن غير المالك أو إجازته بين أن يكون معتبرا في صحة العقد أو في لزومه.

وبعبارة أخرى : اختلاف المشروط بالإذن أو الإجازة في كونه الصحة أو اللزوم لا يوجب تفاوتا في اعتبار الإنشاء في الإذن والإجازة ، فلا يكفي الرضا النفساني فيمن له حقّ في العين التي جرى عليها العقد ، كعدم كفايته من نفس المالك.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا : أنّه لا فرق في عدم كفاية الرضا الباطني بين المالك وغيره ممّن له حقّ في متعلّق العقد ، خصوصا بعد ملاحظة كون الرضا الباطني والإذن والإجازة من مقولتين ، إذ الرضا انفعال النفس ، والإذن والإجازة فعل النفس ، والمقولات متباينات.

ومع الشك في شرطية أحدهما المعيّن بعد العلم بشرطية أحدهما في الجملة ـ وعدم ما يوجب تعيّنه ـ لا محيص عن الرضا المبرز بالإذن والإجازة ، إذ بدون المبرز يشك في ترتب الأثر على العقد. ومقتضى أصالة الفساد عدم ترتبه بعد وضوح قصور العمومات عن تعيين ما هو شرط ، إذ هي مرجع لنفي الشك في أصل الشرطية دون كيفيتها ، مع تباين الكيفيتين ، لكونهما من مقولتين. إلّا إذا كان لدليل الشرط إطلاق يقتضي إطلاق الكيفية. كما إذا فرض لدليل اعتبار الرضا في العقد إطلاق ينفي احتمال اعتبار مقارنته للعقد ، فلا إشكال حينئذ في عدم اعتبارها فيه تمسكا بالإطلاق المزبور.

وكيف كان فمقتضى استدلال المصنف قدس‌سره لصحّة عقد الفضولي هنا وفيما يأتي بعموم أدلة البيع والعقود كون عقد الفضولي على طبق القاعدة ، إذ خلوّه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد والبيع عنه. واحتمال اشتراط سبق الاذن في تأثيره ـ لا في عقديته ـ منفي بالإطلاقات.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢١٠.

٣٧٠

.................................................................................................

__________________

فالنتيجة : أنّ المصنف حيث إنّه لا يعتبر في عقدية العقد استناده إلى من بيده زمام البيع ، وإنّما اعتبر فيه الرضا فقط ، فقد استدلّ على كون عقد الفضولي مطابقا للقاعدة بالعمومات ، إذ المتيقن من تخصيصها فقد الإذن والإجازة معا. فعقد الفضولي غير الفاقد لهما داخل في العمومات ، ويكون على طبق القاعدة.

وأمّا بناء على اعتبار استناد العقد إلى من بيده أمره فينبغي الاستدلال لصحته بالعمومات بوجه آخر ، وهو : أنّ الرضا والاستناد معا وإن كانا معتبرين في صيرورة العقد عقد المالك ، إلّا أنّ المتيقّن اعتبارهما في ناحية المسبب ، وهو حاصل المصدر كالنقل والانتقال ، لا في السبب وهو الإيجاب والقبول اللفظيّان ، لأنّ من ينشئ العقد سواء أكان هو المالك أم الوكيل أم الفضولي إنّما ينشئ المقابلة بين العوضين ، فيقول : «بعت هذا بهذا» ولا يقول المالك : «بعت مالي بمال المشتري» ولا يقول الوكيل أيضا : «بعت مال الموكل» بحيث يضاف المالان إلى المالكين أو الموكلين. فلا فرق في إنشاء مبادلة مال بمال بين إنشاء المالك والوكيل والفضولي.

وعليه فالمعتبر استناد خصوص المسبب إلى المالك ، وهو يحصل بإجازته. بل لا معنى لاستناد نفس السبب وهو ألفاظ الإيجاب والقبول إلى المالك ، لأنّها لا تتغير بالإجازة عمّا وقعت عليه ، فلا يتعلّق شك باعتبار الاستناد إلى المالك في نفس السبب حتى يرجع في نفيه إلى الإطلاقات.

والحاصل : أنّ جهة مطابقة الفضولي للقاعدة هي اعتبار الرضا والاستناد في المسبب كالنقل والانتقال ، وهو يتوقف على إجازة المالك ، وبحصولها يتحقق الاستناد إليه. هذا مختار المحقق النائيني قدس‌سره.

وأمّا مختار الشيخ الذي هو عدم اعتبار الاستناد إلى من بيده أمر البيع واعتبار رضاه فقط ، فدليله العمومات ، إذ الخارج منها تخصيصا هو العقد الفاقد للإذن والإجازة معا. فالعقد المقرون بالرضا داخل في العقود التي يجب الوفاء بها.

٣٧١

.................................................................................................

__________________

ولا يبعد كون ما أفاده الميرزا النائيني قدس‌سره هو الحق ، لأنّ المأمور بوجوب الوفاء بكل عقد هو العاقد تسبيبا أو مباشرة ، أو من يضاف إليه العقد بالإذن أو الإجازة كما يظهر من النصوص وإن لم يساعده العرف.

ثم إن الإجازة تضيف نتيجة العقد ـ والحاصل من المصدر ـ إلى المالك ، لا ألفاظ العقد ، فإنّها متصرمة الوجود بخلاف نتيجته ، فإنّها موجودة في وعاء الاعتبار ، فتجاز.

وبالجملة : فنفس ألفاظ العقد لتصرمها وانعدامها لا تصلح للإجازة والاستناد إلى المالك ، فإنّ ما وقع لا يتغير عما وقع عليه ، ولا معنى لاتصاف المعدوم بأمر وجودي ، فلا بدّ من كون المجاز نتيجة العقد التي هي موجودة اعتبارا ، وهي المضافة إلى المالك ، لا نفس الألفاظ المتصرّمة كما مرّ.

وقد يقال في تقريب عدم كون الفضولي مطابقا للقاعدة : إنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما صدر عن الغير ، فنفس الإجازة يقتضي كون المجاز فعل غير المجيز ، فكيف يصير عقد الفضولي عقد المجيز حتى يشمله عموم أوفوا؟

والحاصل : أن الإجازة بنفسها تدفع انتساب العقد إلى المجيز. وعليه فلا يمكن أن يصير عقد الفضول عقد المالك حتى يكون مطابقا للقاعدة ، هذا.

لكن فيه : أنّ موضوع «أَوْفُوا» هو العقد المضاف بنحو من الإضافة إلى المالك وإن لم يكن صادرا منه ولو تسبيبا ، ولذا قال عزوجل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ولم يقل : أوفوا بما عقدتم حتى يكون الموضوع خصوص العقد الصادر من المالك بحيث يعدّ من أفعاله. فالعقد العرفي المقرون برضا المالك موضوع ل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سواء أكان مجري العقد نفس المالك أم أجنبيا ، فإنّه لا دليل على اعتبار كون مجري الصيغة نفس المالك ، بل الدليل قام على اعتبار رضا المالك في مبادلة ماله بمال آخر ، إذ لا يعتبر إضافة العوضين إلى مالكيهما في نفس العقد ، بأن يقول الموجب : «بعت مالي بمالك» بل يقول : بعتك هذا المال بذلك المال.

٣٧٢

لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار (*) وعدم (١) منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف.

ثم اعلم (٢) أنّ الفضولي قد يبيع للمالك ، وقد يبيع لنفسه. وعلى الأوّل (٣) فقد لا يسبقه منع من المالك ، وقد يسبقه المنع ، فهنا مسائل ثلاث :

______________________________________________________

ـ من حيث الاحتياج إلى إجازة المالك وعدمه ـ مختص بغير عقد العبد مع العلم برضا السيد. أمّا عقده مع العلم برضا سيده فلا إشكال في صحته ولو لم يأذن له السيد ، وذلك لأنّ مناط عدم صحته ـ وهو عصيان السيد ـ مفقود فيه ، ضرورة أنّه مع علمه برضا مولاه ليس عاصيا ولا متجرّيا له.

(١) معطوف على «عدم تحقق المعصية» وضمير «منافاته» راجع إلى «عدم الاذن» المستفاد من قوله : «ولو لم يأذن له» ومحصّله : أنّ العلم برضا المولى يخرج العبد عن الاستقلالية في التصرف ، والمنافي للاستقلالية هو إنشاء العقد من دون إذن السيد ولا العلم برضاه.

(٢) هذا شروع فيما يقع في الخارج من أقسام الفضولي الثلاثة.

(٣) وهو أن يبيع الفضولي للمالك لا لنفسه.

__________________

(*) أقول : لكن تعليل المتن بعدم المعصية مختص بصورة العلم برضا السيد حين العقد ، فلا يشمل ظهور الرضا بعد العقد مع جهل العبد برضا المولى حاله.

ولا يخفى أنّه ينبغي تعميم ما أفاده من عدم الحاجة إلى الإجازة لكلّ عقد كانت فضوليته لتعلق حق الغير به ، سواء أكان مولى أم وليّا أم صاحب حقّ كحق الرهانة ، لأنّ عدم الاستيذان الذي هو مناط عدم صحة عقد العبد موجود فيهم أيضا. والمراد بعصيان السيد هو العقد بدون إذنه ، والعصيان بهذا المعنى موجود في جميع العقود الفضولية.

٣٧٣

الاولى : أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك. وهذا (١) هو المتيقّن من عقد الفضولي. والمشهور الصحة (٢) ، بل في التذكرة نسبها (٣) إلى «علمائنا» تارة صريحا ، واخرى ظاهرا بقوله : «عندنا» إلّا أنّه (٤) ذكر عقيب ذلك : «أنّ لنا فيه قولا بالبطلان».

______________________________________________________

(١) أي : البيع للمالك بدون سبق منع من المالك.

(٢) أي : صحة بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك.

(٣) أي : نسبة الصحة إلى علمائنا صريحا تارة وظاهرا اخرى. أمّا الصريح فقوله في فروع بيع الفضولي ـ في ما لو اشترى بمال في ذمة غيره ، وأطلق اللفظ ـ ما لفظه قدس‌سره : «قال علماؤنا : يقف على الإجازة ، فإن أجاز صحّ ولزمه أداء الثمن» (١).

وأما الظاهر في الإجماع فقد تكرّر في التذكرة ، كقوله : «بيع الفضولي جائز عندنا ، لكن يكون موقوفا على إجازة المالك» ونحوه في بيع ما يملك وما لا يملك ، وفي الوكالة ، فراجع (٢).

(٤) أي : أنّ العلّامة ذكر ـ عقيب نسبة الصحة إلى الأصحاب ـ أنّ لنا قولا بالبطلان ـ والذي ظفرت عليه قول العلّامة قبل دعوى الإجماع لا عقيبه ، حيث إنه بعد حكمه بصحة الفضولي وتوقفه على الإجازة نقل فيه البطلان عن بعض العامة فقال : «وقال أبو ثور وابن المنذر والشافعي في الجديد وأحمد في الرواية الأخرى :

يبطل البيع ، وهو قول لنا ..» (٣).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ، السطر : ٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٨٦. السطر : ١ ، وص ٤٦٣ ، السطر ١٩ وج ٢ ، ص ١٢٧ ، السطر ١١.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢ ، السطر ٤١.

٣٧٤

وفي غاية المراد (١) حكى الصحة عن العمّاني والمفيد والمرتضى والشيخ في النهاية وسلّار والحلبي والقاضي وابن حمزة (٢) ، وحكيت عن الإسكافي (٣) ، واستقرّ عليها رأي من تأخّر (١) عدا فخر الدين وبعض متأخري المتأخّرين كالأردبيلي (٤) والسيد الداماد وبعض متأخري المحدثين (٢).

______________________________________________________

وكيف كان فقد حكي البطلان عن شيخ الطائفة في الخلاف والمبسوط مدعيا الإجماع عليه ، ولكنه اختار الصحة في نهايته ، وحكي البطلان عن ابن إدريس أيضا.

(١) كالمحقق والفاضل الآبي والعلّامة في جملة كتبه ، والشهيد وغيرهم كما في مفتاح الكرامة (٥).

(٢) وهو صاحب الحدائق (٦) ، والسيد الجدّ السيد المحدث الجزائري قدس‌سرهما في

__________________

(١) غاية المراد ، ص ١٧٨.

(٢) لم أظفر بكلام العماني ، وراجع المقنعة للشيخ المفيد ، ص ٦٠٦ ـ الناصريات للسيد المرتضى (ضمن الجوامع الفقهية) ص ٢٤٧ ، المسألة ١٥٤ ـ النهاية للشيخ الطوسي ، ص ٣٨٥ ـ الكافي لأبي الصلاح الحلبي ، ص ٢٩٢ ـ الوسيلة لابن حمزة الطوسي ، ص ٢٤٩ ـ المهذب للقاضي ابن البرّاج ، ج ٢ ، ص ١٩٤ ، ١٩٥ ، ٢١٦.

(٣) حكاها عنه العلامة في المختلف ، ج ٥ ، ص ٥٣.

(٤) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٧ ـ مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٨.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٥ ولاحظ : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ج ١٤ و ٢٧٨ ـ المختصر النافع ، ص ١١٨ و ١٧٣ ـ كشف الرموز ، ج ١ ، ص ٤٤٦ ـ مختلف الشيعة ج ٥ ، ص ٥٤ ـ قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٤٨ ـ إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ٨ ـ تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٨٦ ـ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٥ ـ الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٢ ـ اللمعة الدمشقية (ضمن الروضة البهية) ج ٣ ، ص ٢٢٩ ـ جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٩ وج ١٢ ، ص ١٥٠ ـ مسالك الافهام ج ٣ ، ص ١٥٨ ، ج ٧ ، ص ١٥٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٩ ، وج ٥ ، ص ١٤٠

(٦) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٣٧٨.

٣٧٥

لعموم أدلّة البيع والعقود (١)

______________________________________________________

شرح التهذيب على ما قيل.

وكيف كان فهنا مقامان ، أحدهما في دليل الصحة ، وثانيهما في دليل البطلان.

المقام الأوّل : ما استدل به على صحة عقد الفضولي

أ : عموم الكتاب

(١) هذا شروع في الوجوه التي أقامها الأعلام ـ المذكورون في المتن وغيرهم ـ على صحة البيع الفضولي ، واقتصر المصنف على ذكر وجوه عشرة ، وقد رتّبها قدس‌سره في طوائف ثلاث.

الاولى : ما يستدل به على المدّعى ، وهو أربعة أوجه ، العمومات ، وحديث عروة البارقي ، وصحيحة محمد بن قيس الواردة في بيع جارية استولدها المشتري ، وما يدل بالأولوية على صحة البيع الفضولي من صحة نكاحه.

الطائفة الثانية : ما اختلف تعبير المصنف فيه ، من الدلالة أو الاستيناس أو التأييد ، وهو موثقة جميل ، وأخبار التجارة بمال اليتيم.

الطائفة الثالثة : ما جعله مؤيّدا لصحة البيع الفضولي ، وهو خبر موسى بن أشيم وما بعده. وسيأتي تفصيل الكلام في كلّ منها إن شاء الله تعالى.

والكلام فعلا في الدليل الأوّل من الطائفة الاولى ، وهو اندراج بيع الفضولي في إطلاق «حلّ البيع» وعموم الوفاء بالعقود ، لاجتماع الشرائط في المتعاقدين ـ من الكمال والقصد إلى المدلول ـ عدا رضا المالك ، وهو حاصل بالإجازة اللاحقة للعقد.

٣٧٦

لأنّ خلوّه (١) عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد والبيع عنه (٢). واشتراط ترتّب الأثر بالرضا وتوقفه عليه أيضا (٣) لا مجال (٤) لإنكاره ، فلم (٥) يبق الكلام إلّا في اشتراط سبق الإذن ، وحيث لا دليل عليه فمقتضى الإطلاقات عدمه (٦).

ومرجع ذلك (٧) كلّه إلى عموم حلّ البيع ووجوب الوفاء بالعقد ، خرج

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ خلوّ عقد الفضولي عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد عنه ، غاية الأمر أنّه عقد ناقص ، لانتفاء شرطه وهو إذن المالك. فالعقد لا يناط صدقه ـ على عقد الفضولي ـ بشي‌ء غير الإيجاب والقبول ، وإذن المالك شرط تأثيره ، لا مقوّم عقديّته.

(٢) أي : عن عقد الفضولي ، لأنّ العقد هو الإيجاب والقبول ، وكلاهما موجود فيه.

(٣) يعني : واشتراط ترتّب الأثر كالنقل والانتقال على عقد الفضولي برضا المالك ـ كعقديّته ـ لا مجال لإنكاره ، وهذا الاشتراط مسلّم ، كتسلّم صدق العقد عليه.

(٤) خبر قوله : «واشتراط». وضمير «لإنكاره» راجع إلى اشتراط.

(٥) يعني : فلا نقص في عقد الفضولي من حيث التأثير إلّا فرض اعتبار سبق إذن المالك ، وحيث إنّه لا دليل على اعتباره فيه مع صدق العقد العرفي عليه بدونه ، فمقتضى الإطلاقات ك (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) عدم اشتراط سبق إذن المالك في تأثير العقد في معنى الاسم المصدري ، وهو الملكيّة المترتبة على الإنشاء.

(٦) أي : عدم اشتراط سبق الإذن وضمير «عليه» راجع إلى «اشتراط».

(٧) أي : مرجع عدم اشتراط سبق إذن المالك في تأثير عقد الفضولي إلى

٣٧٧

منه (١) العاري عن الإذن والإجازة ، ولم يعلم خروج ما فقد (٢) الإذن ولحقه الإجازة (٣).

وإلى ما ذكرنا (٤) يرجع استدلالهم «بأنّه (٥) عقد صدر من أهله وقع في محله» (١).

______________________________________________________

الإطلاقات ، حيث إنّها تصلح لنفي اعتبار كلّ ما شكّ في دخله في تأثير عقد الفضولي بعد صدق العقد العرفي عليه ، وعدم قدح خلوّه عن الإذن المقارن لصدوره في صدق العقد عليه عرفا.

(١) أي : خرج من عموم حلّ البيع وغيره العقد العاري عن كلّ من الإذن والإجازة ، لأنّه حينئذ لا يكون عقدا لأحد حتى يخاطب بوجوب الوفاء ، ضرورة أنّه ليس عقدا للفضولي ، لأجنبيته عن المال الذي وقع عليه العقد ، ولا لمالك البيع ، لعدم كونه عاقدا لا مباشرة ولا تسبيبا ، فليس لهذا العقد مخاطب حتى يجب عليه الوفاء به.

(٢) الأولى ان يقال : «فقده الإذن» أو «فقد الإذن منه» للزوم اشتمال الصلة على الضمير العائد إلى الموصول.

(٣) هذا متمّم للاستدلال بالعمومات ، وحاصله : أنّه بعد صدق العقد عرفا على عقد الفضولي غير المقارن لإذن المالك ـ والمتعقب بالإجازة الموجبة لإضافته إلى المالك وصيرورته عقدا له ـ لا وجه لخروجه عن العمومات.

(٤) من أنّ خلوّ عقد الفضولي عن الإذن السابق عليه لا يوجب سلب اسم العقد والبيع عنه.

(٥) أي : عقد الفضولي صدر من أهله وقع في محله.

__________________

(١) كما في تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٨٦ ، السطر ٢ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٤ ، المهذّب البارع ، ج ٢ ، ص ٣٥٦ ، مسالك الافهام ، ج ٧ ، ص ١٥٩ ، رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢ ، المناهل ص ٢٨٧.

٣٧٨

فما (١) ذكره في غاية المراد من «أنّه من باب المصادرات» (١) لم أتحقّق (٢) وجهه ، لأنّ (٣) كون العاقد أهلا للعقد من حيث إنّه بالغ عاقل لا كلام (٤) فيه. وكذا كون المبيع قابلا للبيع ، فليس محلّ الكلام إلّا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك ، وهو مدفوع بالأصل (٥).

ولعلّ مراد الشهيد (٦)

______________________________________________________

(١) متفرّع على ما ذكره من أنّ خلوّ عقد الفضولي عن إذن المالك ـ قبل العقد ـ لا يوجب سلب اسم العقد والبيع عنه. ومحصل الكلام : أنّ الشهيد قدس‌سره في غاية المراد أورد على استدلال الفقهاء على كون عقد الفضولي صادرا من أهله في محله ، وأنّ خلوّه عن سبق الإذن لا يوجب سلب اسم العقد عنه «بأنّه مصادرة على المطلوب ، لأنّ صدوره من أهله أوّل الكلام ، ولا بدّ من إثباته بدليل».

(٢) خبر قوله : «فما ذكره» ولعل نظره في ذلك إلى الإشكال في صدق الإضافة إلى المالك بالإجازة ، مع ذهابه إلى أنّ موضوع الحكم هو العقد المضاف إلى المالك ، فيرجع إلى الأصل العملي ، وهو أصالة الفساد.

(٣) تعليل لقوله : «لم أتحقق وجهه» وحاصله : أنّه لا قصور في عقد الفضولي لا من حيث العاقد ، لأنّه بالغ عاقل ، ولا من حيث المبيع ، لكونه قابلا للبيع ، فلا يبقى في البين إلّا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك. واحتمال اعتبارها في صحة العقد مدفوع بأصالة الإطلاق في العقود النافي لاعتبار المقارنة المذكورة فيها.

(٤) خبر قوله : «لأنّ كون».

(٥) وهو أصالة الإطلاق في العقود ، فثبت أنّ عقد الفضولي عقد كسائر العقود.

(٦) من «أنّ عقد الفضولي عقد صدر من أهله وقع في محله من باب المصادرات» ووجه المصادرة عدم إحراز أهلية العاقد ، لتقوّمها بالملك أو الولاية ، والمفروض انتفاء كليهما ، فليس الفضول أهلا حتى يصدر منه العقد ويقع في محله.

__________________

(١) غاية المراد ، ص ١٧٨.

٣٧٩

أنّ الكلام في (١) أهلية العاقد. ويكفي [ويكتفى] في إثباتها (٢) العموم [بالعموم] المتقدّم (٣).

وقد اشتهر الاستدلال عليه (٤) بقضية عروة البارقي ، حيث دفع إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دينارا ، وقال له : «اشتر لنا به شاة للأضحيّة ، فاشترى به شاتين ، ثم باع إحداهما في الطريق بدينار ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشاة والدينار ، فقال له

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «ان الكلام».

(٢) أي : إثبات الأهلية. وهذا ردّ من الشيخ على الشهيد قدس‌سرهما ، وحاصل الردّ : أنّه يكفي في إثبات أهلية العاقد عموم كلامه المتقدّم في تعريف الفضولي ، حيث قال : «والمراد من الفضولي هو الكامل غير المالك للتصرف .. إلخ» والحاصل : أنّ أهلية العاقد من حيث كونه بالغا عاقلا حرّا مختارا مسلّمة ، فعدم أهليته لم يظهر وجهه.

وبهذا البيان أورد الشهيد الثاني في نكاح المسالك على المصادرة التي ادعاها الشهيد قدس‌سره في غاية المراد ، فراجع (١).

(٣) في تعريف الفضولي في أوائل المسألة ، وقد مرّ آنفا بقولنا : «والمراد من الفضولي هو الكامل».

ب : حديث عروة البارقي

(٤) أي : على بيع العاقد الفضولي للمالك. وهذا شروع في الاستدلال على صحة عقد الفضولي بالروايات ، بعد الفراغ من شمول آيات حلّ البيع والتجارة وعموم الوفاء بالعقود له.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٥٩.

٣٨٠