هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

وعلى هذا (١) فالقصد إلى العوض وتعيينه يغني عن تعيين المالك. إلّا أنّ ملكية العوض وترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك (٢) ، فإنّ من الأعواض ما يكون متشخّصا بنفسه في الخارج كالأعيان (٣). ومنها ما لا يتشخّص إلّا بإضافته إلى مالك كما في الذمم (٤) ، لأنّ ملكية الكلّي لا يكون إلّا مضافا إلى ذمة (٥). وإجراء (٦) أحكام الملك على ما في ذمة الواحد المردّد بين شخصين فصاعدا غير معهود. فتعيّن الشخص في الكلّي إنّما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم على تعيين صاحب الذمة (٧).

فصحّ على ما ذكرنا (٨) أن تعيين المالك مطلقا غير معتبر

______________________________________________________

(١) أي : وعلى كون مقتضى المعاوضة دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر.

(٢) الأولى أن يقول : «على إضافة العوض إلى شخص معيّن» في قبال : عدم إضافته إلى أحد ، وفي قبال إضافته إلى شخص غير معيّن ، حيث إنّ صاحب الذمة ليس مالكا لما في ذمّته وإن كان يصحّ تمليكه إيّاه لغيره.

(٣) يعني : الأعيان الشخصية الخارجية ، كهذا الكتاب وذلك الفرس ، وكل ما هو متشخص موجود.

(٤) تقدمت أمثلته مكررا في شرح كلمات صاحب المقابس قدس‌سره.

(٥) فليس منّ من الحنطة ملكا لزيد إلّا بإضافته إليه ، فيبيعه سلفا قبل الحصاد.

(٦) بالرفع مبتدأ ، وخبره «غير معهود» وغرضه أنّ تعيين مالك الكلّي الذمي إنّما هو لعدم اعتبار العقلاء ملكية الكلّي إذا تردّد مالكه بين زيد وعمرو وبكر مثلا. ولعلّ عدم اعتبارهم لأجل أنّه لا ماهية ولا هويّة للمردّد ، كما هو واضح.

(٧) لا لأجل تعبّد خاص وراء تقوّم مفهوم المعاوضة به.

(٨) من عدم اعتبار تعيين المالك ـ من حيث إنّه مالك ـ في صحة العقد ، وإنّما الحاجة إلى تعيينه لكون الكلّي بدون إضافته إلى شخص لا يقبل المعاوضة.

١٢١

سواء (١) في العوض المعيّن أو في الكلي. وأنّ (٢) اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشقّ الأوّل (٣) من تفصيله إنّما هو لتصحيح ملكيّة العوض بتعيين من يضاف الملك إليه ، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا ، فإنّ من اشترى لغيره في الذمة إذا لم يعيّن الغير لم يكن الثمن ملكا ، لأنّ ما في الذمة ما لم يضف إلى شخص معيّن لم يترتب عليه أحكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا.

وكذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين ، فإنّه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال : «بعت عبدا بألف» ثم قال : «قبلت» فلا يصير العبد قابلا للبيع ، ولا الألف قابلا للاشتراء به حتّى يسند كلّا منهما إلى معيّن أو إلى نفسه من حيث إنّه نائب عن ذلك المعيّن ، فيقول : «بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان» فيمتاز البائع عن المشتري.

وأمّا ما ذكره من الوجوه الثلاثة (٤) فيما إذا كان العوضان معيّنين

______________________________________________________

(١) هذا بيان لقوله : «مطلقا».

(٢) معطوف على قوله : «ان تعيين المالك».

(٣) المراد به ما أفاده صاحب المقابس قدس‌سره بقوله : «إنّه إن توقّف تعين المالك على التعيين حال العقد .. إلخ». ومورده كليّة العوضين ، والمراد من الأمثلة ما ذكره بقوله : «كبيع الوكيل إلى قوله في بيوع متعددة» ، وما ذكره بقوله أخيرا : «وعلى هذا فلو اشترى الفضوليّ لغيره في الذمّة ..».

(٤) من قول صاحب المقابس : «ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه ، أو عدمه مطلقا أو التفصيل .. إلخ» وهذا شروع في الوجه الثاني من المناقشة في كلام المحقق التستري قدس‌سره ، وهو ناظر إلى ما أفاده في الشق الثاني أعني به تعيّن العوضين خارجا.

وملخص إيراده على صاحب المقابس هو : أنّه مع تعيّن العوضين في الخارج

١٢٢

فالمقصود (١) إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أنّ من لوازمها العقلية دخول العوض في ملك مالك المعوّض ـ تحقيقا (٢) لمفهوم العوضية والبدلية ـ فلا (٣) حاجة إلى تعيين من ينقل عنهما وإليهما العوضان.

وإذا لم يقصد (٤) المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد ، فإن (٥) جعل العوض من عين مال غير المخاطب الّذي ملّكه المعوّض ، فقال : «ملّكتك فرسي هذا بحمار

______________________________________________________

إن قصدت المعاوضة الحقيقية التي تستلزم عقلا دخول العوض في ملك مالك المعوّض ، فلا حاجة حينئذ إلى تعيين مالكي العوضين ، لتعينهما بتعيّن العوض والمعوض. وإن قصدت المعاوضة الصورية فلا ينعقد البيع أصلا. فلا مورد لتثليث الوجوه في صورة تعيّن العوضين خارجا ، لأنّه مع قصد المعاوضة الحقيقية ـ التي لازمها دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر ـ فقد عيّن المالكان قهرا بالملازمة. ومعه لا معنى للترديد بين الوجوه الثلاثة. ومع عدم قصد المعاوضة الحقيقيّة فالوجوه كلها باطلة ، ومعه أيضا لا معنى للترديد بينها.

(١) جواب قوله : «وأما» والأولى تبديله ب «ففيه» ليكون أظهر في الإيراد.

(٢) متعلق ب «دخول العوض».

(٣) جواب قوله : «إذا كان» وقد تقدم توضيحه آنفا.

(٤) معطوف على «إذا كان» وهو شقّ آخر من المنفصلة ، أي : عدم قصد حقيقة المعاوضة ، وأنّه لا فائدة في تعيين البائع والمشتري حينئذ.

(٥) الظاهر أنّه متفرّع على قصد المعاوضة الحقيقية ، وحاصله : أنّه إذا قصد المعاوضة الحقيقية ـ ولكن جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملّكه المعوّض ـ لم يقع البيع لخصوص المخاطب ، لعدم تحقق مفهوم المعاوضة الحقيقية بالنسبة إليه. وأمّا وقوع البيع فضوليا لعمرو ففيه كلام يأتي في بيع الغاصب ، وهو : أنّ المجاز غير المنشأ ، والمنشأ غير المجاز.

١٢٣

عمرو» فقال المخاطب : «قبلت» لم يقع (١) البيع لخصوص المخاطب ، لعدم مفهوم المعاوضة معه. وفي وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام (٢) يأتي (٣).

وأمّا ما ذكره من مثال «من باع مال نفسه عن غيره» (٤) فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره. والظاهر (٥) وقوعه عن البائع ، ولغوية قصده عن الغير ، لأنّه أمر غير معقول (٦) لا يتحقق القصد إليه حقيقة.

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «فان جعل».

(٢) مبتدأ مؤخّر ، خبره قوله : «وفي وقوعه».

(٣) سيأتي هذا البحث في المسألة الثالثة من بيع الفضولي بقوله : «ولكن يشكل في ما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير .. فلا مورد لإجازة مالك الدراهم .. إلخ».

(٤) وهو ما ذكره صاحب المقابس ـ في التفريع على الاحتمال الثاني ـ بقوله : «وعلى الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه ، ولغا قصد كونه عن الغير» والمصنف قدس‌سره وإن كان موافقا له في حكم المسألة أعني وقوع البيع لنفس العاقد ، ولغوية التصريح بوقوعه عن الغير. إلّا أنّ الظاهر اعتماد صاحب المقابس على مقام الإثبات ، وهو الأخذ بأصالة الظهور في «بعت» في إرادة البيع لنفسه. والمصنف يعتمد على مقام الثبوت ، وهو أن قصد المعاوضة الحقيقية يوجب عدم قصد وقوعها عن الغير ، لتوقف المعاوضة الحقيقية على قصد خروج المبيع من ملك البائع إلى ملك المشتري ، وحلول الثمن محلّه ، فلا يعقل القصد الجدّي لدخول الثمن في ملك الغير.

وبهذا ظهر أن المانع الثبوتي ـ أي عدم المعقولية ـ هو الموجب لوقوع البيع عن نفس العاقد ، ولا تصل النوبة إلى مقام الإثبات حتى يحكم بوقوعه له رعاية لجانب الأصالة.

(٥) لأصالة الظهور في قوله : «بعت مالي» لظهوره في المعاوضة الحقيقية ، وهي الوقوع للبائع المالك للمبيع.

(٦) لأنه خلاف مقتضى المعاوضة.

١٢٤

وهو (١) معنى لغويته.

ولذا (٢) لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي‌ء (٣) ولا يقع عن نفسه أبدا.

نعم (٤) لو ملّكه فأجاز قيل : بوقوعه له ، لكن (٥) لا من حيث إيقاعه أوّلا لنفسه ، فإن (٦) القائل به لا يفرّق

______________________________________________________

(١) يعني : وعدم تحقق القصد إليه هو معنى لغويّته.

(٢) يعني : ولأجل عدم المعقولية لو باع مال غيره عن نفسه ـ كقوله : بعتك كتاب زيد عن نفسي بدينار بأن يدخل الثمن في ملك العاقد ـ وقع للغير إن أجاز ، تحقيقا لمعنى المعاوضة ، ولا وجه لوقوعه عن نفسه ، لاقتضاء المبادلة دخول الثمن في ملك مالك المبيع ، وبالعكس ، فيلغو قصد وقوعه عن العاقد.

(٣) يعني : في المسألة الثالثة من بيع الفضولي ، وهي بيع الفضولي لنفسه.

(٤) غرضه الاستدراك على قوله : «ولا يقع عن نفسه أبدا» ببيان صورة أخرى يلتزم فيها بدخول الثمن في ملك نفسه ، كما لو باع كتاب زيد لنفسه بدينار ، ثم تملّك الكتاب من زيد بشراء أو بهبة أو بإرث ، ثم أجاز ذلك البيع الفضول ، فقد قيل بصحة هذا البيع الفضولي بعد الإجازة ، ودخول الثمن في ملك العاقد. لكن هذا القول لا ينافي ما تقدم من اقتضاء مفهوم المعاوضة دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

وجه عدم المنافاة : أنّ تملكه للثمن في المثال المزبور لا يستند إلى إيقاع ذلك البيع الفضولي لنفسه ، بل لكونه من قبيل «من باع شيئا ثم ملكه» إذ القائل بالصحة بعد تملّك مال الغير لا يفرّق بين المثالين ، وهما : بيع مال الغير عن نفسه فضولا ، وبين بيعه عن مالكه فضولا. وعدم الفرق كاشف عن لغوية قصد وقوع البيع عن نفسه. بل يقع عن مالكه ، وبعد تملكه منه وإجازته يدخل الثمن في ملك العاقد.

(٥) هذا توجيه الاستدراك ، وقد ذكرناه بقولنا : «لكن هذا القول لا ينافي ..».

(٦) تعليل لقوله : «لا من حيث» يعني : أنّ قصد وقوع بيع الغير عن نفسه لغو

١٢٥

حينئذ (١) بين بيعه (٢) عن نفسه أو عن مالكه. فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما ، ووجوده كعدمه (٣).

إلّا (٤) أن يقال : إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره إنّما لا يعقل إذا فرض

______________________________________________________

على كلّ حال ، وذلك لأنّ القائل بالوقوع لنفسه يقول به سواء قصد العاقد وقوعه لنفسه أم لمالك المبيع.

(١) أي : حين القول بصحته.

(٢) أي : بيع مال الغير.

(٣) إذ لو كان هذا القصد مؤثّرا لزم الفرق بين قصد وقوعه لنفسه وللمالك ، بأن يقال : إنّه عند قصد وقوعه لنفسه يقع له ، ولا حاجة إلى الإجازة بعد تملكه للمبيع ، لفرض وقوع البيع له. بخلاف ما لو أضافه إلى المالك ، فإنّه يقع عنه ، ولذا يتوقف على إجازة العاقد بعد تملكه للمبيع. وعليه فالحاجة إلى الإجازة في كلا الفرضين دليل على لغوية قصد وقوعه لنفسه ، وأنّه يقع لمالك المبيع خاصة.

(٤) استدراك على ما ذكره في الفرع الأوّل من قوله : «من باع مال نفسه عن غيره .. والظاهر وقوعه عن البائع» وحاصله : أنّه لمّا كان بيع مال نفسه ظاهرا في إرادة المعاوضة الحقيقية ـ بأن يقع لنفسه ـ أمكن رفع اليد عن هذا الظاهر عند إتيانه بكلمة «بعت كتابي عن زيد بدينار» ويقال بالبطلان بأحد احتمالين :

الأوّل : عدم تحقق المعاوضة الحقيقية ، وأنّه لا يقع البيع للعاقد كما لا يقع عن زيد ، فهو إنشاء لغو ، فهو غير قاصد من حين الإنشاء للمبادلة بين كتابه والدينار ، لكنّه يتشبّث بقرينة مانعة عن إضافة البيع إلى نفسه ، وهي إضافته إلى زيد. وحينئذ لا وجه لما أفاده المصنف بقوله : «والظاهر وقوعه عن البائع» وفاقا لصاحب المقابس.

الاحتمال الثاني : أن يستند البطلان إلى عدم قصد المعاوضة الحقيقية ، بأن يقصدها على وجه التنزيل والادّعاء ، يعني : أنّ المالك عند ما يقول : «بعت كتابي عن زيد بدينار» يدّعي مالكية زيد للكتاب تنزيلا له منزلة نفسه ، ثم ينشئ البيع ،

١٢٦

قصده للمعاوضة الحقيقية ، لم لا يجعل هذا (١) قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية؟ (٢) أو على (٣) تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع؟ كما سيأتي أن (٤) المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصوّر إلّا على هذا الوجه (٥) ،

______________________________________________________

فيستند البطلان إلى انتفاء ركن العقد ، وهو إضافة العوض إلى غير مالكه ، وبه تنتفي إرادة حقيقة المعاوضة.

والحاصل : أنّه بناء على كلا الاحتمالين يحكم بفساد هذا البيع ، ولا يصح ما تقدم من الجزم بوقوعه للبائع المالك ، ولغوية قصد وقوعه عن الغير.

نعم سيأتي إبطال الاحتمال الثاني ، وتقوية وقوعه عن المالك ، فانتظر.

(١) المشار إليه هو إضافة البيع إلى الغير ليقع عنه. وهذا إشارة إلى أوّل الاحتمالين المتقدمين في بطلان هذا الإنشاء.

(٢) ومن المعلوم أنّه لا بيع عند انتفاء قصد المبادلة الحقيقية ، فلا يقع لا عن نفسه ولا عن غيره. وقوله : «المبادلة» مفعول لقوله : «إرادته».

(٣) معطوف على «على عدم» يعني : لم لا يجعل إضافة البيع إلى الغير قرينة على تنزيل ذلك الغير منزلة المالك ادّعاء ، وإن لم يكن مالكا واقعا؟ وهذا ثاني الاحتمالين المتقدمين آنفا.

(٤) سيأتي في المسألة الثالثة من بيع الفضولي ـ وهي بيع الغاصب لنفسه ـ التنبيه عليه غير مرّة ، فقال في بعض كلامه : «فالأنسب في التفصّي أن يقال : ان نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه من قوله : تملكت منك .. ليس من حيث هو ، بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا ، ولذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته ، ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة .. إلخ» فراجع (ص ٥٨١).

(٥) أي : على وجه التنزيل منزلة المالك الحقيقي ، وادّعاء كون نفسه هو ذاك.

ولا يخفى أنّ ما أفاده في بيع الفضول ناظر إلى بيع مال الغير عن نفسه ، بفرض

١٢٧

وحينئذ (١) فيحكم ببطلان المعاملة ، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي.

ومن هنا (٢) ذكر العلامة وغيره في عكس المثال المذكور : «أنّه لو قال

______________________________________________________

نفسه مالكا حقيقيا ، وهذا عكس ما نحن فيه ، وهو بيع مال نفسه عن غيره ، ويشترك الأصل والعكس في تنزيل غير المالك منزلة المالك.

(١) أي : وحين كون قصد وقوع البيع عن غير المالك قرينة على انتفاء إرادة المعاوضة الحقيقية ـ بأحد الوجهين المتقدمين ـ يحكم ببطلان المعاملة ، لا بوقوعها عن المالك.

(٢) أي : ومن عدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي في بيع مال نفسه عن الغير ، حكم العلّامة وغيره كالشهيد قدس‌سرهما .. إلخ. قال في رهن القواعد : «ولو قال : بعه لنفسك ، بطل الإذن ، لأنّه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه». وقال في الدروس : «ولو قال : الراهن للمرتهن : بعه لنفسك لم يصح البيع ، لأنّ غير المالك لا يبيع لنفسه» (١).

وظاهره الإذن في البيع بعد تحقق العقد ، لا باشتراطه في ضمن العقد.

وكيف كان فغرض المصنف تأييد بطلان العقد المزبور بما ذكره جمع في فرعين :

أحدهما : أن يقول الراهن للمرتهن : «بع هذه الوثيقة لنفسك» فباعها المرتهن. وحكموا ببطلانه ، وهو من موارد بيع مال الغير لنفس العاقد ، لبقاء الرّهن على ملك الرّاهن بعد ، وإذنه في البيع غير مصحّح له.

ثانيهما : أن يدفع شخص مالا إلى طالب طعام ، ويقول له : «اشتر به لنفسك طعاما» فيبطل ، لأنّ الثمن بعد باق على ملك الدافع ، فلا يتمشّى من المشتري قصد حقيقة المعاوضة ، لأنّه المنتفع بالطعام ، لا دافع الثمن.

__________________

(١) لاحظ قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٤٠٩.

١٢٨

المالك للمرتهن : «بعه لنفسك» بطل ، وكذا لو دفع مالا إلى من يطلب [يطلبه] (١) الطعام وقال : «اشتر به لنفسك طعاما» (١) هذا.

ولكن (٢) الأقوى صحة المعاملة المذكورة ، ولغوية القصد المذكور ، لأنّه (٣) راجع إلى إرادة إرجاع فائدة البيع إلى الغير ، لا جعله (٤) أحد ركني المعاوضة (٥).

وأمّا حكمهم (٦) ببطلان البيع في مثال الرهن واشتراء الطعام فمرادهم

______________________________________________________

وهذان المثالان عكس ما نحن فيه ، وهو بيع مال نفسه عن الغير. لكن مناط البطلان في الجميع واحد ، وهو انتفاء القصد الجدّي للمعاوضة مع المالك الحقيقي. وسيأتي توجيه حكمهم في الكل.

(١) كذا في النسخ ، والظاهر صحة ما أثبتناه ، بحذف الضمير.

(٢) هذا عدول عن قوله : «وحينئذ فيحكم ببطلان المعاملة» وغرضه تثبيت ما أفاده أوّلا ـ جازما به ـ من قوله : «والظاهر وقوعه عن البائع ، ولغوية قصده عن الغير» وتوضيحه : أنّ القائل : «بعت كتابي عن زيد» إن قصد حقيقة المعاوضة بأن يدخل الثمن في ملك زيد ويخرج الكتاب عن ملك نفسه كان البطلان مسلّما. وأمّا إذا قصد إضافة البيع إلى نفسه ، وكان إضافته إلى زيد لأجل حصوله على فائدة المعاملة بأن يدخل الدينار في ملكه بهبة ونحوها لا بنفس هذا البيع ، قلنا بصحته ووقوعه للمالك ، ودخول الثمن في ملكه ، ولو أراد تمليكه من زيد توقّف على مملّك آخر غير ذلك البيع.

(٣) أي : لأنّ القصد المذكور ـ وهو الوقوع عن الغير ـ راجع إلى جعل فائدة البيع له.

(٤) بالجر ، معطوف على «إرادة».

(٥) حتى تبطل من جهة إضافة المال إلى غير مالكه.

(٦) كأنّه يتوهّم أنّ حكم العلّامة وغيره ببطلان البيع ـ في مثال الرهن واشتراء الطعام ـ ينافي صحة البيع ولغويّة قصد الغير.

__________________

(١) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ٨٧ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢١١.

١٢٩

عدم وقوعه للمخاطب (١) ، لا أنّ المخاطب إذا قال : «بعته لنفسي (٢) أو اشتريته لنفسي (٣)» لم يقع لمالكه إذا أجازه.

وبالجملة (٤) : فحكمهم بصحة بيع الفضولي وشرائه لنفسه ووقوعه للمالك يدلّ (٥) على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثم إنّ ما ذكرنا كله (٦) حكم وجوب تعيين كلّ من البائع والمشتري من يبيع له ويشتري له.

______________________________________________________

ودفع هذا التوهّم بقوله : «فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب .. إلخ». وحاصله : أنّ مرادهم بالبطلان عدم وقوعه للمخاطب ، لا مطلقا ولو للمالك.

ولا يخفى أنه قد سبق في رابع تنبيهات المعاطاة توجيه مسألة شراء الطعام بمال الدافع ، وكيفية تملك المشتري له ، فراجع (١).

(١) فلا مانع من وقوعه للمالك ، كالراهن والدافع للمال في المثالين المزبورين.

(٢) في مسألة بيع الرهن.

(٣) في مسألة شراء الطعام.

(٤) غرضه تأييد ما أفاده ـ من عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك في البطلان ـ بحكمهم في الفضولي بصحة البيع ، وشرائه لنفسه ، ووقوعه للمالك.

(٥) خبر قوله : فحكمهم.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل مما حقّقه صاحب المقابس ، وما ناقش فيه المصنّف ، وهو اشتراط البيع بتعيين مالكي العوضين. بأن يقصد الموجب من ينتقل عنه المبيع ، وأن يقصد القابل من ينتقل إليه المبيع ، ويخرج الثمن من ملكه. وقد فصّل المصنف قدس‌سره بين العوض الكلّي والشخصي. ويأتي الكلام في المقام الثاني.

(٦) من قوله : «واعلم أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه» إلى هنا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٥.

١٣٠

وأمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري (١)

______________________________________________________

هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري ، والقابل للبائع أم لا؟

(١) غرضه تعيين كلّ من البائع والمشتري للآخر في مقام الإثبات ، بمعنى علم الموجب بأنّ القابل يقبل لنفسه أو لغيره. وكذا علم القابل بأنّ الموجب يوجب لنفسه ، أو لغيره مع معرفة ذلك الغير في كلا الموردين.

وهذا المقام يتكفل موضعين من البحث.

الأوّل : علم كل من المتعاقدين بالآخر. مثلا : إذا قال زيد للمشتري : «بعتك هذا الكتاب بدينار» فهل يعتبر في صحة البيع معرفة مخاطبة ، وأنّ المشتري هو عمرو لا بكر وخالد ، لاحتمال أن يشتري عمرو لنفسه ، أو لغيره وكالة أو فضولا؟ أم لا يعتبر ذلك.

وهل يعتبر معرفة المشتري بأنّ مالك الكتاب المريد لبيعه هو زيد المباشر للعقد ، أم أنّ البائع الحقيقي هو موكّل زيد ، أو من يبيع له زيد فضولا ، لاحتمال أن يبيع مال نفسه وغيره ، أم لا يعتبر ذلك؟ في المسألة احتمالان :

أحدهما : اعتبار تعيين كل من المتعاقدين للآخر مطلقا ، إلّا مع العلم بعدم إرادة خصوص المخاطب ، كما لعلّه حال غالب البيوع ، حيث لا يهمّ البائع إلّا أصل المعاوضة ، وأمّا كون المشتري خصوص المخاطب بقوله : «بعتك» أو موكّله أو من يلي أمره ، فليس بمهمّ ، فالمخاطب بنظر البائع الموجب هو الأعم من المشتري الحقيقي والجعلي.

ثانيهما : عدم الاعتبار مطلقا إلّا في مثل عقد النكاح ، حيث إنّ لكلّ من الزوجين عناية خاصة بالآخر ، فلو قالت هند لزيد : «زوّجتك نفسي بكذا» لم تقصد موكّل زيد أو الصغير الذي لزيد ولاية عليه.

وذهب صاحب المقابس إلى اعتبار التعيين في النكاح ، وعدم اعتباره في البيع ونحوه ، وسيأتي كلامه.

١٣١

المخاطب والقابل لخصوص البائع ، فيحتمل اعتباره (١) ، إلّا في ما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكلّ من المتخاطبين ، كما في غالب البيوع والإجارات (٢). فحينئذ (٣) يراد من ضمير المخاطب في قوله : «ملكتك كذا أو منفعة كذا بكذا» هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيّا أو جعليّا ، كالمشتري الغاصب ، أو من (٤) هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية.

______________________________________________________

الموضع الثاني : في أنّه بعد علم الموجب أنّ القابل يقبل عن غيره ولاية أو وكالة هل يجوز له مخاطبته له ، بأن يقول : «بعتك هذا بكذا» أم يلزمه إضافة «كاف» الخطاب إلى الموكّل أو المولّى عليه ، بأن يقول : «بعت هذا من موكّلك أو من زيد الذي تلي أمره»؟ وسيتضح الأمر في كلا الموضعين إن شاء الله تعالى.

(١) هذا أحد الاحتمالين ، وقد تقدم آنفا.

(٢) الأمر في غالب البيوع واضح كما أفاده قدس‌سره. وكذا الحال في غالب الإجارات ، لتعلّق غرض المؤجر ـ في إجارة الأعيان كالدور والدكاكين والنواقل ـ بتمليك المنفعة بعوض ، مهما كان المستأجر. كما أنّ همّ المستأجر استيفاء المنفعة سواء أكانت العين لزيد أم لعمرو. وكذا الحال في إجارة الأعمال.

نعم قد يتعلق الغرض ـ نادرا ـ بإجارة العين من مستأجر خاص ، أو استيجار العين من مالك خاص ، وذاك مقام آخر.

وعلى كلّ فالغلبة المزبورة قرينة نوعيّة مانعة عن انعقاد الظهور في إرادة شخص المخاطب بخصوصيته.

(٣) أي : فحين عدم إرادة خصوص المخاطب.

(٤) هذا والوكيل والولي مثال للمالك الجعلي. أمّا الغاصب الذي يشتري لنفسه بمال الغير فلانّه يعتبر نفسه مالكا حقيقيا. وأمّا الوكيل فأدلة الإذن تصحّح تنزيل نفسه منزلة الموكّل. وأمّا الولي فدليل ولايته على القاصر ينزّله منزلة المولّى عليه في ما يصلح له.

١٣٢

ويحتمل (١) عدم اعتباره إلّا في ما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين كما في النكاح والوقف الخاص والهبة والوكالة والوصية (٢).

الأقوى هو الأوّل (٣) عملا بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية ، وتبعية العقود للقصود.

وعلى فرض القول الثاني (٤) فلو صرّح بإرادة خصوص المخاطب اتّبع قصده ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «فيحتمل» وقد تقدم توضيحه آنفا.

(٢) لما يقال من أنّ الموقوف عليه الخاص والمتهب والوكيل والوصي ركن في هذه العقود ، بحيث يكون للواقف والواهب والموكّل والموصى عناية خاصة بهم.

(٣) وهو الاعتبار ، إلّا مع العلم بعدم إرادة خصوص المخاطب ، فإنّ العلم بذلك قرينة على عدم إرادة ظاهر كاف الخطاب في قوله : «بعتك» حيث إنّ ظاهره خصوص المخاطب ، وهذا الظاهر حجة ما لم تقم قرينة على خلافه من إرادة الأعم منه ومن وكيله مثلا.

وأمّا مع عدم العلم بإرادة الأعم من المخاطب ومن وكيله مثلا فلا بدّ من رعاية ظاهر الخطاب المقتضي لوقوعه للمخاطب ، فلو قبل لموكّله مثلا لم يحصل التطابق بين الإيجاب والقبول بالنسبة إلى بعض الخصوصيات ، وتنثلم قاعدة «تبعية العقود للقصود» إذ كان قصد الموجب وقوع العقد لهذا المخاطب الحقيقي لا للأعم ، فقبوله للأعم ليس مطاوعة لذلك الإيجاب ولا مطابقا له.

(٤) وهو عدم الاعتبار إلّا مع العلم بدخل خصوصية الطرفين كما في النكاح وشبهه ، والأولى تبديل «القول الثاني» ب «الاحتمال الثاني» وإن كان القائل به موجودا أيضا ، لعدم سبق ذكر القولين.

وكيف كان فبناء على اعتبار رعاية ظاهر الخطاب لا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره ، لإباء «كاف» الخطاب عن الرجوع إلى الغير ، والمفروض دخل خصوصية المخاطب في إيجاب العقد ، فلو قصد القابل غيره لم يكن قبولا لذلك الإيجاب.

١٣٣

فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره (١).

قال في التذكرة : «لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر فإشكال (٢) ، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» (١).

وهذا الاشكال وإن كان ضعيفا مخالفا للإجماع (٣) والسيرة ،

______________________________________________________

(١) غرضه من نقل كلام العلامة قدس‌سره الاستشهاد به على عدم جواز القبول عن الغير لو كان مقصود الموجب وقوع العقد لخصوص القابل المخاطب بضمير الخطاب.

ووجه الشهادة : أنّ العلامة استشكل في صحة بيع الفضولي بإجازة المالك عند جهل الطرف الآخر بفضولية العقد ، إذ يقصد الأصيل حينئذ بقوله : «بعتك بكذا» تمليك هذا المخاطب ، لا المالك الواقعي للثمن ، فإذا انكشف الحال انتفت المطابقة بين الإيجاب والقبول ، لكون قصد الموجب تمليك المبيع لهذا القابل وتملّك الثمن منه ، فقبول الفضول تملّك المبيع لغيره ـ وهو المجيز ـ غير مقصود للموجب ، فلم يحصل التطابق بينهما في الخصوصيات.

وهذا الإشكال مبنيّ على اعتبار تعيين الموجب والقابل ، ومراعاة ظاهر الكلام.

لكن ضعّفه المصنف قدس‌سره بعدم لزوم مخالفة ـ في المقام ـ لكبرى وجوب التعيين. وأنّ الإيجاب والقبول متواردان على شي‌ء واحد ، وبيانه : أنّ البائع الأصيل الجاهل بفضولية القابل إنّما يخاطبه بقوله : «بعتك» زعما منه مالكيته للثمن ، لا لخصوصية في شخص القابل ، لما سبق آنفا من بناء العقود المعاوضية غالبا على مبادلة الأموال ، ولا غرض في معرفة الأشخاص.

وعليه فلمّا كان قصد الموجب تمليك المبيع لمن يملك الثمن واقعا لم يكن توجيه الخطاب إلى الفضول منافيا لوقوع البيع للمالك المجيز.

(٢) مبتدء ، خبره «فيه» مقدّرا ، والجملة جواب «لو باع ..».

(٣) القائم على صحة هذا البيع لو أجاز المالك. وتفصيله موكول إلى بحث بيع الفضول.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ، السطر ١٢.

١٣٤

إلّا أنّه (١) مبنيّ على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.

وقد يقال في الفرق (٢) بين البيع وشبهه وبين النكاح : «إنّ (٣) الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود ، ويختلف الأغراض باختلافهما ، فلا بدّ من التعيين ، وتوارد الإيجاب والقبول على أمر واحد. ولأنّ (٤) معنى قوله : بعتك كذا

______________________________________________________

(١) أي : إلّا أنّ الاشكال مبني على اعتبار مراعاة ظاهر الكلام من وقوع الشراء للمخاطب ، لا للمالك المجيز.

التفصيل في اعتبار تعيين الموجب والقابل بين مثل البيع والنكاح

(٢) أي : الفرق بين النكاح في اعتبار تعيين الزوجين ، وبين البيع في عدم لزوم تعيين البائع والمشتري. وهذا الفارق وجهان أفادهما المحقق التستري قدس‌سره.

الأوّل : أنّ الدليل على اعتبار تعيين الزوجين هو كونهما ركنا في العقد ، كالعوضين في البيع وشبهه ، فكما يقدح الجهل بخصوصية العوضين في الصحة ، فكذا يقدح الجهل بخصوصية الزوجين ، فيلزم على كل منهما تعيين الآخر ليتوارد الإيجاب والقبول على أمر واحد ، وهو العلقة الخاصة بين شخصين ، فلو قالت المرأة : «زوّجت نفسي من موكّلك زيد» وقال وكيل الزوج : «قبلت التزويج لنفسي» لم يتواردا على أمر وحداني ، بل كانا كإيقاعين لم يرتبط أحدهما بالآخر. هذا في النكاح ، بخلاف البيع الذي يقصد فيه تبديل المالين غالبا ، بلا عناية بمالكيهما.

(٣) نائب فاعل «يقال» وعبارة المقابس هكذا : «فإنه يشترط فيه ـ أي في النكاح ـ تعيين الزوجين ، ومعرفة كلّ من المتعاقدين بذلك ، لأنّهما كالعوضين ..» (١).

(٤) معطوف على «لأنّهما» وهذا ثاني وجهي الفرق بين البيع وشبهه ، وبين النكاح ، وحاصله : أنّ معنى قوله : «بعتك» هو رضا الموجب بكون المخاطب مشتريا ، والمشتري يطلق على المالك ووكيله. بخلاف الزوج ، فإنّه لا يطلق على وكيله ، فمعنى قولها : «زوّجتك نفسي» رضاها بكون المخاطب زوجا ، لها لا غيره ، فلو قصد القابل

__________________

(١) القائل هو المحقق التستري في المقابس ، كتاب البيع ، ص ١٣ ، س ٦.

١٣٥

بكذا ـ رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع ، والمشتري (١) يطلق على المالك ووكيله. ومعنى قولها : ـ زوّجتك نفسي ـ رضاها بكونه زوجا ، والزوج لا يطلق على الوكيل» انتهى.

ويرد على الوجه الأوّل من وجهي الفرق : أنّ (٢) كون الزوجين كالعوضين

______________________________________________________

غيره لم يكن قبولا للإيجاب.

وهذا الوجه ناظر إلى تفاوت لفظ المشتري والزوج في مقام الإثبات ، لصدق المشتري ـ عرفا ـ على كلّ من الأصيل والوكيل ، فيصح البيع. وأمّا الزوج فلا يطلق على الوكيل. ولا مانع من اختلاف مفاد الألفاظ بحسب الموارد ، فالوكالة في الشراء والنكاح هي الإذن في القبول لا غير ، ولكنّها في البيع توجب صدق المشتري على الوكيل ، ولا توجبه في عقد النكاح. ومن المعلوم أنّ المتّبع ظهور الألفاظ في المحاورات.

(١) ابتداء جملة مستأنفة ، وليست الواو بعاطفة.

(٢) ناقش المصنّف في كلا دليلي الفرق. أمّا في الأوّل فبوجهين.

أحدهما : أنّه وإن كان صحيحا ، لكنه مثبت لجزء المدّعى لا لتمامه ، توضيحه : أنّ المقصود إثبات لزوم التعيين في النكاح وشبهه ، وعدم لزومه في البيع ، وما أفاده ـ من ركنية الزوجين في عقد النكاح كالعوضين في البيع ـ يصلح لإثبات وجوب التعيين في النكاح ، ولا ينفي وجوبه في البيع ، إذ لا يدلّ كلامه على عدم ركنية البائع والمشتري حتى لا يجب تعيينهما. وعليه فالدليل غير واف بتمام المدّعى.

ثانيهما : أنّه أخصّ من المدّعى ، وهو لزوم التعيين في كلّ من النكاح والوقف والوصية والوكالة. والمذكور في المتن مختصّ بالنكاح ، فلا يعمّ جميع موارد لزوم التعيين ، فلا بدّ من إقامة الدليل عليه في الهبة والوصيّة والوقف ممّا يكون من له العقد فيها مقوّما للعنوان ، لعدم صدق المتّهب والوصيّ والموقوف عليه على الوكيل من قبلهم فلو أراد زيد هبة مال لعمرو ، وادّعى بكر وكالته عن عمرو في قبول الهبة لم يصح توجيه الخطاب إليه ، ولا قصد قبول الهبة لنفسه ، فيبطل لو قال : «وهبت هذا لموكّلك عمرو ، فقبل لنفسه» زعما منه كون المتهب ـ كالمشتري ـ صادقا على الوكيل منه.

١٣٦

إنّما يصحّ وجها لوجوب التعيين في النكاح ، لا (١) لعدم وجوبه في البيع.

مع (٢) أن الظاهر أنّ ما ذكرنا من الوقف وإخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة (٣) أو الفضولي (٤) ، فلا بدّ من وجه مطّرد في الكلّ.

وعلى (٥) الوجه الثاني : أنّ معنى «بعتك» في لغة العرب ـ كما نصّ عليه

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ الدليل واف ببعض المدعى وهو عقده الإيجابي ، ولا يفي بعقده السلبي أعني به عدم تعيين طرفي العقد في مثل البيع.

(٢) هذا ثاني الإيرادين المتقدّمين ، وهو الأخصية من المدّعي.

(٣) يعني : أنّه لا يصحّ للقابل في الوقف ـ مثلا ـ القبول للموقوف عليه ، لوكالته عنه ، فلو قال الواقف : «وقفت هذا عليك» وقصد المخاطب قبوله عن موكّله حتى يتم الوقف له ، لم يصح ، لعدم صدق عنوان «الموقوف عليه» على وكيله في قبول الوقف. وكذا الحال في المتهب والوصي ونحوهما. بخلاف المشتري الصادق على كلّ من الموكّل والوكيل ، هذا.

(٤) كما إذا قبل الوقف فضولا عن زيد ، ليكون هو الموقوف عليه ، فيبطل ، لكون الموقوف عليه ركنا في باب الوقف ، كالعوضين في البيع.

(٥) معطوف على «يرد على الوجه الأوّل» ومحصّله : منع ما أفاده صاحب المقابس من «الفرق بين البيع والنكاح ، بأنّ معنى بعتك : رضيت بكونك مشتريا ، فيصدق المشتري على مالك الثمن وعلى وكيله» وجه المنع : أنّ معنى «بعتك» ملّكتك ، لما سبق في مباحث المعاطاة وغيرها من نقل كلام فخر المحققين «معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري».

وعليه فمفاد قوله : «بعتك» جعلتك مالكا ، ومن المعلوم عدم صدق «المالك» على الولي عليه ، والوكيل عنه ، والفضولي ، لما عرفت من تقوم الملك بطرفين أحدهما المالك ، والآخر المملوك. ومعه كيف يصدق «مالك المبيع» على الوكيل عن المشتري

١٣٧

فخر المحققين ـ وغيره هو «ملّكتك بعوض» ومعناه جعل المخاطب مالكا. ومن المعلوم أنّ المالك لا يصدق على الولي والوكيل والفضولي (١).

فالأولى في الفرق ما ذكرنا (٢) من أنّ الغالب في البيع والإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو ، بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير.

______________________________________________________

في قبول العقد؟ وبعد سقوط هذا الوجه تقتضي القاعدة تعيين القابل حتى في مثل البيع ، هذا.

(١) كعدم صدق «الزوج والمتهب والموقوف عليه والوصي» على الولي عليهم أو الوكيل عنهم. هذا ما يتعلق بردّ مقالة صاحب المقابس.

(٢) غرض المصنف إبداء فارق آخر بين البيع وشبهه وبين مثل النكاح ، وقد سبق ذلك قبل نقل عبارة المقابس ، ومحصله : أنّ همّ البائع تبديل المبيع بثمن ، وهمّ المشتري بذل الثمن بإزاء اقتناء المبيع ، فليس مقصود البائع من قوله : «بعتك بكذا» إلّا تمليك ماله بمال المخاطب ، سواء أكان أصيلا أم وكيلا أم وليّا. وهذا بخلاف مثل النكاح مما يكون لكلّ من المتعاقدين عناية بالطرف الآخر ، فلا بد من تعيين شخصه.

فإن قلت : لا يصح ما أفيد في البيع من غلبة قصد المالك الواقعي ، لا خصوص المخاطب في مقام الإنشاء ، وذلك لمنافاته لما تقرّر من عدم سماع دعوى المشتري ـ بعد تمام العقد ـ وكالته عن غيره ، وأنّه اشترى لموكّله ، حتى يطلب الثمن منه لا من المشتري. ووجه عدم السماع هو اتّباع ظاهر الكلام ، لقول البائع : «بعتك» وقول المشتري «قبلت أو اشتريت منك أو تملكت منك» مما ظاهره الشراء لنفسه لا لموكّله.

ولو صحّ ما في المتن ـ من أن مقصود البائع هو المالك الحقيقي ، أعم من شخص المخاطب ومن وكيله ـ كان اعتذار المشتري بأنه اشتراه لغيره متّجها ، لعدم مخالفته لمضمون العقد. وعليه فالبيع كالنكاح في اعتبار تعيين من يقع العقد له ، هذا.

قلت : لا منافاة بين كون قصد البائع أعم من القابل ومن موكّله وبين عدم سماع دعوى المشتري الشراء لموكّله ، وذلك لأنّ ردّ قول المشتري ينشأ من ظهور

١٣٨

ولا ينافي ذلك (١) عدم (٢) سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل ، فتأمّل (٣).

بخلاف (٤) النكاح وما أشبهه ، فإنّ الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنّه ركن للعقد.

بل (٥) ربّما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب (٦) من حيث (٧) قيامه مقام الأصيل

______________________________________________________

«التاء» في «قبلت واشتريت» في الشراء للنفس لا للغير ، وحيث كانت دعواه مخالفة لأصالة الظهور في القبول كانت مردودة ، هذا.

(١) المشار إليه قوله : «إنّ الغالب في البيع والإجارة هو قصد المخاطب بالاعتبار الأعم».

(٢) فاعل «ينافي» وقد تقدم بيان المنافاة وعدمها بقولنا : «إن قلت .. قلت».

(٣) الظاهر أنّه إشارة إلى الدقة في وجه عدم المنافاة.

(٤) هذا عدل لقوله : «ان الغالب في البيع ..» وغرضه اقتضاء الغلبة تعيين الزوج وإرادة شخصه ، لا الأعم منه ومن وكيله أو وليّه.

(٥) لمّا كان مفاد قوله : «فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد» صحة عقد النكاح نادرا لو قامت قرينة على ما لو قصدت المرأة بقولها : «زوّجتك نفسي» التزويج من موكّل القابل ، بدعوى أنّ وكالته صحّحت توجيه «كاف» الخطاب إلى الوكيل ، مع كون الزوج هو الموكّل ، فأراد المصنف الترقي بمنع هذا الفرد النادر ، وأنّه لا يصح أن تقول المرأة «زوّجتك» قاصدة موكّل القابل.

والوجه في المنع عدم تعارف صدق عنوان «الزوج» على الوكيل ولو مجازا ونادرا. وعليه فلا بدّ أن يراد بالمخاطب نفس الزوج.

(٦) يعني : المخاطب العاقد عن الزوج ، فإنّه وكيله في قبول النكاح.

(٧) يعني : لا تريد المرأة تزويج نفسها من المخاطب حقيقة ، وإنّما تخاطبه

١٣٩

كما لو قال (١) : «زوّجتك» مريدا له باعتبار كونه (٢) وكيلا عن الزوج. وكذا قوله : «وقفت عليك وأوصيت لك ووكّلتك».

ولعل الوجه (٣) عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها ، فلا يقال للوكيل : «الزوج ولا الموقوف عليه ولا الموصى له ولا الموكل» (٤) بخلاف البائع والمستأجر ، فتأمّل حتّى لا يتوهّم رجوعه (٥) إلى ما ذكرنا سابقا

______________________________________________________

بـ «زوّجتك» من حيث كونه وكيلا عن زوجها.

(١) تذكير الضمير وكذا تذكير «مريدا» باعتبار وكيل الزوجة في إيجاب العقد ، كما هو الغالب من عدم مباشرة المرأة إنشاء النكاح.

(٢) هذا الضمير وضمير «له» راجعان إلى «المخاطب» المفروض وكالته عن الزوج.

(٣) أي : وجه منع هذا الفرد النادر ، وعدم صحة العقد حتى مع قيام القرينة على إرادة الموكّل من حرف الخطاب.

(٤) يعني : لا يقال للوكيل : «الموكّل» للمقابلة بينهما ، فلا يطلق أحدهما على الآخر ، وإن كان الوكيل كالأصيل في نفوذ تصرفه في مورد وكالته ، لكن هذا لا يصحّح تسمية الوكيل موكّلا.

(٥) الضمير راجع إلى ما ذكره بقوله : «فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أن الغالب» والمراد من الموصول في قوله : «إلى ما ذكرنا سابقا» هو الوجه الثاني من وجهي الفرق بين البيع والنكاح الذي ذكره سابقا بقوله : «وقد يقال في الفرق إلخ».

والمقصود بالوجه الثاني قوله : «وإنّ معنى قوله : بعتك كذا بكذا رضاه بكونه مشتريا .. إلخ».

والمراد من الاعتراض عليه ما ذكره بقوله : «وعلى الوجه الثاني ان معنى بعتك ..».

ووجه عدم الرجوع إليه أنّ المقصود من المخاطب فيما اعترضنا عليه كان هو بعنوان خاص أعني كونه مخاطبا في هذه المعاملة ، وفيما ذكرنا بقولنا : «والأولى في الفرق» هو بعنوانه العام ، لكونه مالكا ، ولكونه وكيلا أعني منه عنوان : المسلّط على المال في مقام المعاملة.

١٤٠