هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بارك الله لك في صفقة يمينك» (١) فإنّ بيعه وقع فضولا (١) وإن وجّهنا شراءه على وجه (٢) يخرج عن الفضولي ، هذا.

ولكن (٣) لا يخفى أنّ الاستدلال بها يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع (٤) الفضولي. توضيح ذلك (٥) : أنّ الظاهر علم عروة برضا

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ مورد الاستدلال هو بيع إحدى الشاتين ، حيث إنّه لم يكن مأذونا في بيعها.

(٢) بأن يقال : إنّ المراد بالشاة في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشترلنا به شاة» هو الجنس ، فيعم الثنتين أيضا.

لكنه خلاف الظّاهر ، لأنّ ظهور تنوين النكرة في الوحدة.

أو يقال : إنّ القرينة الحالية وهي كون الشاة للأضحية توجب الاذن في شراء الشاة مطلقا وإن توقف على شراء شاة أخرى معها ، كما إذا كان مالك الشياة لا يبيع إلّا شاتين أو أزيد ، وهذا أيضا خلاف الظاهر ، لندرة الفرض جدّا.

ولعل الأولى أن يقال : إنّ الإذن في شراء شاة واحدة بدينار إذن عرفا مطلقا في شراء شاتين به ، أو فيما إذا كان الدينار مساويا لقيمة شاتين ، فيخرج الشراء حينئذ عن الفضولية ، فليتأمّل.

(٣) غرضه : أنّ صحة الاستدلال بقضية عروة على صحة عقد الفضولي مبنية على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي ، خلافا لما قوّاه سابقا من خروجها عنه.

(٤) متعلّق ب «دخول».

(٥) المشار إليه هو كون معاملة عروة مقرونة برضا المالك. لكن لم يظهر منشأ هذا الظهور ، لعدم كونه ممّن يوثق به ، وعدم ثبوت وكالته في الحوائج.

__________________

(١) المستدرك ج ١٣ ص ٢٤٥ ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١. وكلمة «للأضحية» ليست في المصدر ، ورواها في عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٢٠٥ ، الحديث ٣٦.

٣٨١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعل ، وقد (١) أقبض المبيع وقبض الثمن (٢). ولا ريب أنّ الإقباض والقبض في بيع الفضولي حرام ، لكونه تصرفا في مال الغير.

فلا بدّ إمّا من التزام أنّ عروة فعل الحرام في القبض والإقباض ، وهو (٣) مناف لتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وإمّا (٤) من القول بأنّ البيع الذي يعلم تعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة بناء على كون الإجازة كاشفة. وسيجي‌ء ضعفه (٥). فيدور (٦) الأمر بين ثالث ، وهو جعل هذا الفرد من البيع

______________________________________________________

(١) غرضه إثبات رضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما فعله عروة ، ومحصله : أنّه إن كان من بيع الفضولي فلا بدّ من الالتزام بارتكاب عروة للحرام ، لحرمة القبض والإقباض على الفضولي قبل الإجازة ، لكونه تصرفا في مال الغير. والالتزام بحرمتهما عليه مناف لتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والمراد بالإقباض إقباض الشاة التي باعها إلى المشتري ، وبالقبض قبض ثمنها وهو الدينار من المشتري.

(٢) وهو الدينار ، والمراد بالمبيع هو الشاة.

(٣) أي : الالتزام بأنّ عروة ارتكب الحرام ـ في القبض والإقباض ـ مناف لتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) معطوف على «إمّا» يعني : وإمّا لا بدّ من القول بأنّ البيع الذي يعلم تعقبه بالإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة ، بناء على كونها كاشفة ، وإن كان هذا القول ضعيفا كما صرّح بذلك في كلامه : «وسيجي‌ء ضعفه».

(٥) وجه ضعفه : أنّ البناء على كاشفية الإجازة يوجب كون الشرط وصف التعقب ، مع أنّ ظاهر الأدلّة هو شرطية نفس الإجازة.

(٦) يعني : بعد ضعف الالتزامين المذكورين يدور الأمر بين ثالث ورابع. أمّا الثالث فهو خروج البيع المقرون برضا المالك عن الفضولي ، وعدم كونه محكوما بحكمه.

٣٨٢

ـ وهو المقرون برضا المالك ـ خارجا عن الفضولي كما قلناه (١) ، ورابع (٢) وهو علم عروة برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإقباض ماله (٣) للمشتري حتى يستأذن ، وعلم (٤) المشتري بكون البيع فضوليا حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الأمانة.

______________________________________________________

(١) حيث قال : «وإن كان الذي يقوى في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب عدم توقفه على الإجازة اللاحقة .. إلخ فراجع (ص ٣٥٧)».

(٢) بالجرّ معطوف على «ثالث» يعني : فيدور الأمر بين قول ثالث وقول رابع. أمّا الثالث فقد تقدم بيانه. وأمّا الرابع فهو علم عروة برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإقباض ماله للمشتري حتى يستأذن منه ، وعلم المشتري بكون البيع فضوليا ، فيكون الثمن عند البائع أمانة.

(٣) وهي الشاة التي باعها أي بإقباض عروة مال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمشتري.

(٤) بالرفع معطوف على «علم عروة» وحاصل القول الرابع هو : أنّ عروة كان عالما برضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإقباض الشاة للمشتري ، وكان المشتري أيضا عالما بكون بيع الشاة فضوليا ، وكان دفعه للثمن إلى عروة على وجه الأمانة. وهذا الوجه هو رابع الوجوه المحتملة في قضية عروة.

والوجه الأوّل الالتزام بارتكاب عروة للحرام من القبض والإقباض ببيع الشاة وقبض الدينار.

والثاني كون البيع الذي يعلم تعقبه بالإجازة موجبا لجواز التصرف قبل الإجازة.

والثالث خروج العقد المقرون برضا المالك عن بيع الفضولي.

والرابع ما تقدم بقولنا : «وحاصل القول الرابع هو أن عروة كان عالما .. إلخ».

٣٨٣

وإلّا (١) فالفضولي ليس مالكا ولا وكيلا ، فلا يستحق قبض المال ، فلو كان المشتري عالما (٢) فله أن يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال (*). بخلاف ما لو كان جاهلا (٣).

______________________________________________________

(١) يعني : وإن لم يكن دفع المشتري ثمن الشاة إلى عروة بعنوان الأمانة عنده ، لم يكن وجه لقبض البائع الثمن ، لعدم كونه مالكا ولا وكيلا حتى يحصل له مجوّز في القبض.

(٢) أي : عالما بأنّ عروة قد باعه فضولا ، فللمشتري أن يستأمن عروة على الثمن حتى ينكشف الحال.

(٣) إذ مع كون المشتري جاهلا بأنّ البائع فضولي لا يكون دفع الثمن إلى المشتري على وجه الأمانة.

__________________

(*) قد اعترض بوجوه على الاستدلال بالحديث لصحة الفضولي :

أحدها : ما عن المحقق الأردبيلي قدس‌سره من احتمال كون عروة وكيلا مطلقا ، فيكون كلّ من الشراء والبيع خارجا عن الفضولي ، فلا يصحّ التمسك بقضية عروة لصحة عقد الفضولي (١).

وفيه : أنّ ظاهر الأمر بشرائه هو الوكالة في شراء شاة واحدة لا شاتين ، لظهور النكرة في الفرد الواحد ، فشراء شاتين أجنبي عن الموكّل فيه وخارج عن حدود الوكالة ، فالشراء بالنسبة إلى كلتا الشاتين فضولي ، إن لم ينحل إلى شرائين ، أحدهما فضولي كما في حاشية الفقيه المامقاني قدس‌سره (٢) والآخر غير الفضولي.

وعلى تقدير وكالته في شرائهما يقع الكلام في بيع إحداهما ، وإقباضها

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ١٥٨.

(٢) غاية الآمال ، ص ٣٥٦.

٣٨٤

.................................................................................................

__________________

وقبض ثمنها ، فإنّ وكالته في بيعها ممّا لا يدلّ عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشترلنا شاة» فالتمسك بهذه الجملة لصحة بيع الفضولي لا بأس به.

ثانيها : أنّ عروة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد دعا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، وذلك يدلّ على كونه رجلا جليلا لا ينبغي له مخالفة الشرع. ولا ريب في حرمة إقباض المبيع وقبض الثمن في الفضولي بدون إذن المالك. واحتمال عدم علمه بالحكم أو تعمد مخالفته مع العلم بالحكم موهوم. وهذا يوجب العلم بوكالته في التصرف في أمواله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو في خصوص هذه المعاملة.

وفيه : أنّ جلالة شأن عروة غير ثابتة لنا ، بل قيل : إنّه غير موثق عندنا ، وإن حكي عن العلّامة قدس‌سره في الخلاصة : «أنّه لا يبعد أن يعتمد على روايته» وعلى كل حال لم تثبت جلالته ولا علمه بالأحكام.

ثالثها : أنّ الأمر بشي‌ء يتوقف على مقدمة أو مقدمات يستلزم الأمر بها ، فالمأمور بإيجاد ذي المقدمة مأمور بإيجاد مقدماته ومأذون فيه. وما نحن فيه من هذا القبيل ، حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر عروة بشراء شاة ، ولمّا كان شراؤها موقوفا على شراء شاتين ، فكان مأذونا في شرائهما مقدّمة لتحصيل شاة أمر بشرائها. وعليه فيخرج شراء الشاة الأخرى وبيعها عن عنوان الفضولي ، ويكونان من قبيل ما تعلّق به الإذن والوكالة.

وفيه : أنّ تطبيق هذا على ما نحن فيه غير معلوم ، لعدم إحراز توقف تحصيل شاة ـ أمر عروة بشرائها ـ على شراء شاتين ، ثم بيع إحداهما حتى يكون الأمر بشراء شاة أمرا بشراء شاتين وبيع إحداهما. وهذا مجرد احتمال لم يقم عليه شاهد ، بل بعيد جدّا ، لندرة وقوع الفرض ، حيث إنّه يفرض فيما إذا كان أمر بيع الشياة بيد شخص لا يبيع شاة واحدة ، بل شاتين أو أكثر. وهذا في غاية البعد ، فلا يحمل عليه قضية عروة.

٣٨٥

ولكنّ الظاهر هو أوّل الوجهين (١) كما لا يخفى (٢) ، خصوصا بملاحظة أنّ الظاهر (٣) وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة. وقد تقدم (٤) أنّ المناط فيها

______________________________________________________

وبالجملة : ففي صورة جهل المشتري بفضولية البائع لا يكون دفع الثمن إلى البائع على وجه الأمانة. وفي صورة علمه بفضولية البائع يكون أمانة مالكية حتى ينكشف الحال. فإذا تلف بدون التعدّي لا يكون ضامنا ، لأنّه مقتضى الأمانة. بخلاف التلف في صورة الجهل بكون البائع فضوليّا ، فإنّه ضامن للثمن المقبوض.

(١) المراد بهما هو الاحتمال الثالث والرابع المذكوران بقوله : «وهو جعل هذا الفرد من البيع وهو المقرون برضا المالك .. إلى قوله ورابع وهو علم عروة .. إلخ» والمراد بأوّل الوجهين هو الاحتمال الثالث أعني به خروج العقد المقرون بالرضا عن الفضولي (١).

(٢) وجه ظهور أوّل الوجهين هو : أنّ الوجه الأخير يتضمن علم المشتري بكون البيع فضوليا. وعلمه أيضا بأنّ الفضولي ليس له قبض الثمن ، وكذا علمه بأنّه إن كان عالما بأنّ البيع فضولي فله أن يستأمن البائع. ومن البعيد إحاطة المشتري بجميع ذلك.

(٣) لعلّ وجه هذا الظهور هو : أنّ صفقة اليمين تطلق على البيع والبيعة ، لحصولهما بضرب إحدى اليدين على الأخرى ، فظاهر التبريك حينئذ هو تبريك البيع الحاصل من الأخذ والإعطاء ، لا من اللفظ الذي لا مساس له بصفقة اليمين.

(٤) أي : في ثامن تنبيهات المعاطاة ، حيث استقرب في آخر التنبيه ذلك وقال : «فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع الرضا بالتصرف» وهذا وإن كان مجديا في تحقق المعاطاة بمجرد المراضاة ووصول العوضين. لكنه قدس‌سره بنى الاكتفاء بذلك على القول بالإباحة لا الملك ، فقال في تتمة كلامه : «وهذا ليس ببعيد على القول بالإباحة» مع أنّ الغرض إثبات الاكتفاء بوصول العوضين في مملكية المعاطاة التي

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٣٠٢.

٣٨٦

مجرّد المراضاة ووصول (١) كل من العوضين إلى صاحب الآخر ، وحصوله (٢) عنده بإقباض المالك أو غيره ولو كان صبيا أو حيوانا (٣) ، فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي وغيره مقرونا برضا المالكين ، ثمّ وصل كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر وعلم برضا صاحبه كفى (٤) في صحة التصرف.

وليس هذا (٥) من معاملة الفضولي ، لأنّ (٦) الفضولي صار آلة في الإيصال ، والعبرة برضا المالك المقرون به (٧).

______________________________________________________

أنشأها عروة بإقباض المثمن وقبض الثمن.

(١) هذا و «حصوله» بالرفع معطوفان على «مجرّد» وضمير «فيها» راجع إلى المعاطاة.

(٢) أي : حصول كلّ من العوضين عند صاحب الآخر.

(٣) بأن حملت عليه سلعة أو علّقت على عنقه إلى دار مالك العوض الآخر.

(٤) جواب الشرط في قوله «فإذا حصل».

(٥) يعني : إذا كان المناط في المعاطاة مجرّد المراضاة ووصول كلّ من العوضين إلى صاحب العوض الآخر بإقباض كلّ من المالكين أو غيرهما ـ ولو كان صبيّا أو حيوانا ـ فليس وصول العوضين أو أحدهما إلى صاحب العوض الآخر من باب الفضولي ، لأنّ الموصل لهما أو لأحدهما آلة الإيصال ، لا طرف المعاملة حتى يندرج في معاملة الفضولي.

(٦) تعليل لعدم كون الفضولي طرف المعاملة حتى يندرج في معاملة الفضولي.

(٧) أي : بالإيصال ، يعني : أنّ الملاك في صحة التصرف هو رضا المالك المقرون بالإيصال.

٣٨٧

واستدلّ له (١) أيضا تبعا للشهيد في الدروس بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة (٢) باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها ، فولدت منه ، فجاء سيّدها فخاصم سيّدها الآخر ، فقال : (٣) وليدتي باعها ابني بغير إذني. فقال عليه‌السلام : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها ، فناشده (٤) الذي اشتراها ، فقال (٥) له : خذ ابنه الذي

______________________________________________________

ج : صحيحة محمّد بن قيس

(١) أي : لعقد الفضولي في المسألة الاولى وهي بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك ، والمستدلّ جماعة منهم أصحاب الرياض والمقابس والجواهر فراجع (١).

(٢) عن ابن الأثير في النهاية بعد تفسير الوليد بالطفل : «والأنثى الوليدة ، والجمع الولائد. وقد تطلق الوليدة على الجارية والأمة وإن كانت كبيرة ، ومنه الحديث : تصدّقت على أمّي بوليدة : يعني جارية» والمراد في الحديث أيضا الأمة الكبيرة.

(٣) يعني : فقال سيدها الأوّل ، وهذا تفسير قوله : «فخاصم» والمراد بسيّدها الآخر هو المشتري ، وفاعل «أن يأخذ» هو السيّد الأوّل.

(٤) يعني : فناشد مشتري الوليدة الإمام عليه‌السلام ، ومعنى كلمة «ناشد» أنّه سأله وأقسم عليه المشتري في أمره ، كما عن النهاية. وحاصله : أنّ المشتري حلّف الإمام عليه‌السلام.

(٥) يعني : فقال الامام عليه‌السلام للمشتري : «خذ البائع ـ وهو ابن سيّد الوليدة ـ حتى ينفّذ سيّدها لك بيع الوليدة.

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢ و ٥١٣ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٨.

٣٨٨

باعك الوليدة حتى ينفّذ (١) البيع لك. فلمّا رآه (٢) أبوه قال له : أرسل ابني. قال : لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني. فلمّا (٣) رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» الحديث (١).

______________________________________________________

(١) كذا في الكافي والتهذيب ، والإنفاذ هو إمضاء عقد الابن. وفي الاستبصار : «حتى ينقد لك ما باعك» (٢).

يعني : حتى ينقد البائع ـ وهو ابن السيّد الأوّل ـ الثمن الذي أخذه من المشتري ، أو حتى ينقد نفس المبيع وهو الوليدة. وعلى كل منهما فحبس البائع إنما يكون بداعي إلزام أبيه بإجازة بيعه.

(٢) أي : فلمّا رأى أبو البائع أنّ المشتري أخذ ابنه الذي باع الوليدة ـ مكان الوليدة وابنها ـ اضطرّ والد بائع الوليدة ، ولذا قال للمشتري : أرسل أي أطلق ابني ، قال المشتري : «لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني الذي ولدته الوليدة».

(٣) هذا كلام الإمام أبي جعفر عليه‌السلام يعني : فلمّا رأى ذلك ـ أي أخذ المشتري ولده بائع الوليدة ـ أجاز البيع حتى يطلق ابنه البائع من يد المشتري.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ١ وما في المتن تمام الحديث ، فقوله : «الحديث» زائد. وهذه الرواية نقلها المشايخ الثلاثة. وسند شيخ الطائفة إلى الحسن بن على بن فضال لا يخلو من ضعف لأنّ فيه علي بن محمد بن الزبير ، ولم تثبت وثاقة. فتوصيف هذا الطريق بالموثّق كما في المقابس وغيره مشكل. نعم لا بأس بما في المتن وغيره من التعبير بالصحيحة ، اعتمادا على طريق الكليني قدس‌سره ، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى نجران عن عاصم بن الحميد عن محمد بن قيس (الكافي ، ج ٥ ص ٢١١ ، الحديث ١٢) ورجال هذا السند من الأجلّاء الثقات حتى إبراهيم بن هاشم على الأقوى وإن عبّر عنها صاحب المقابس بالحسن كالصحيح. ولا يخفى اختلاف الجوامع الروائية في ألفاظ الرواية ، والمذكور في المتن قريب ممّا في الكافي وإن كان يغايره بسقوط بعض الكلمات.

(٢) الاستبصار ، ج ٣ ، ص ٢٠٥ ، الباب ١ من أبواب العقود على الإماء ، ح ٩.

٣٨٩

قال في الدروس (١) : «وفيها (٢) دلالة على صحة الفضولي ، وأنّ الإجازة

______________________________________________________

(١) عبارة الدروس منقولة بالمعنى ، ونصّ كلام الشهيد قدس‌سره هذا : «وفيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف ، وعلى أنّ الإجازة كاشفة» (١).

(٢) أي : وفي صحيحة محمد بن قيس دلالة واضحة على الفضولي موضوعا وحكما. أمّا الأوّل فلقوله : «وليدتي باعها ابني بغير إذني» مع عدم سبق منع منه عن بيعها.

وأمّا الثاني فلقوله عليه‌السلام : «حتى ينفّذ البيع لك» فإنّه يدلّ على صحة البيع تأهّلا ونفوذه بالإجازة ، فتدلّ هذه الصحيحة بوضوح على صحة بيع الفضولي بالإجازة ، لعدم وقوع بيع آخر بين السيد الأوّل والمشتري ، فالعقد الناقل هو بيع الابن الذي أجازه أبوه.

ولو لم يكن عقد الفضولي قابلا للتأثير بالإجازة اللاحقة لما أرشد أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام المشتري بإمساك الابن حتى ينفّذ أبوه عقد الفضول ، بل كان المناسب أن يأمره عليه الصلاة والسّلام بإنشاء بيع آخر بين السيّد الأوّل والمشتري ، وإجراء حكم المغصوب على الجارية التي استولدها المشتري.

ويدلّ على قابلية عقد الفضولي للإنفاذ كلام الإمام أبي جعفر الباقر صلوات الله وسلامه عليه ، الحاكي لهذه القضية : «فلمّا رأى سيّد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» لظهور هذه الجملة في أمرين ، أحدهما : كون بيع الولد فضوليا ، لعدم إذن المالك وهو أبوه.

وثانيهما : صحة عقد الفضول بالإجازة ، بعد أن علّم أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه المشتري طريق التخلص من المنازعة بما لا يذهب ثمن الجارية هدرا.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٤٩ إلى ٢٣٣.

٣٩٠

كاشفة» (١).

ولا يرد عليها (٢) شي‌ء ممّا يوهن الاستدلال بها فضلا (٣) عن أن يسقطها (٤).

______________________________________________________

(١) وجه كونها كاشفة كشفا حقيقيّا هو : أنّ الإجازة لو كانت ناقلة كانت الأمة حال تكوّن الولد فيها ملكا لسيّدها ، وقد وطأها الثاني شبهة ، واللازم حينئذ على المشتري أن يردّ قيمة الولد على السيّد الأوّل ، لأنّه نماء ملكه ، وقد أتلفه المشتري ، لانعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه. فقاعدة الإتلاف تقتضي ضمانه لقيمة الولد ، كما تقدم تفصيله في مباحث المقبوض بالعقد الفاسد ، فراجع (١). مع أنّ ظاهر ذيل الحديث وقوع الإجازة للبيع بغير أخذ عوض عن الولد. ولازم ذلك وقوع الوطي في ملك الواطي ، فلا يحتاج إلى عوض ، ولا يكون ذلك إلّا على تقدير صحة العقد من زمان وقوعه. وهذا مبنيّ على كون الإجازة كاشفة كشفا حقيقيا.

(٢) أي : على صحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

(٣) ظاهر هذه الكلمة أنّ الوهن في الاستدلال تضعيف للدلالة بقصور المقتضي ، من دون أن يبلغ هذا الضعف حدّ السقوط بالكلّية ، الذي هو شأن المانع وهو المسقط للدلالة بالمعارضة ، فالمصنف قدس‌سره يدّعي ـ خلافا لصاحب المستند ـ تمامية الرواية سندا ودلالة على صحة بيع الفضولي تأهّلا ، ولا مزاحم لحجيتها بحيث يسقطها عن الاعتبار. نعم قد ذكر بعض ما يوهن الاستدلال بها ، ولكنه قابل للدفع ، حتى الموهن الذي ارتضاه المصنف قدس‌سره من مخالفة الصحيحة لما أجمعوا عليه من عدم قابلية عقد الفضول للتنفيذ بالإجازة عند سبق الردّ. والوجه في عدم موهنيّته ما سيأتي في المتن من قوله : «إلّا أنّ الإنصاف».

(٤) أي : يسقط الشي‌ء الموهن صحة الاستدلال بالصحيحة. واعلم أن الأمور

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٤٩ إلى ٥٥.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الموهنة لهذه الصحيحة بعضها يوهن الاستدلال بها على كون بيع الفضولي موقوفا على الإجازة ، وبعضها يوهن نفس الحديث ، وهي أمور (١).

منها : قوله عليه‌السلام : «الحكم أن يأخذ الوليدة وابنها» فإنّ ظاهره أنّ حكم الله تعالى في أمثال هذه القضية هو أخذ المبيع ابتداء. وهذا إنّما يتمّ على القول ببطلان بيع الفضولي ، لا على صحتها موقوفة على الإجازة.

والجواب عنه : أنّ الامام عليه‌السلام في مقام بيان الحكم مع الغضّ عن الإجازة.

وبعبارة اخرى : انّ بيع الفضولي لم يخرج المبيع عن ملك البائع ، وأنّه باق على ملكه وإن كان له إخراجه عن ملكه بإجازة البيع وتنفيذه.

ومنها : أنّ الإجازة في الصحيحة تكون بعد الردّ ، إذ المفروض أخذ السيد الأوّل الوليدة وابنها بأمر الإمام عليه‌السلام ، والإجازة وقعت بعد الردّ ، وهي غير مفيدة إجماعا ، لكون الردّ مانعا عن نفوذ الإجازة.

وجوابه : أنّ الرّد ـ وهو حلّ العقد وإسقاطه عن صلاحيته للإجازة ـ لم يتحقق هنا ، لعدم كون مجرّد ترك الإجازة ردّا. والأمور المذكورة من أخذ الوليدة وابنها ومناشدة المشتري للإمام عليه‌السلام في فكاك ولده وغير ذلك ليست من اللوازم المساوية للرد ، بل أعم منه ، حيث إنّها مما يقتضيه الملكية السابقة ، فلا تدلّ على الردّ بمعنى حلّ العقد ، فإنّ وجه الفعل مجمل ، فلا يدلّ أخذ الوليدة وابنها على ردّ البيع ، لإمكان أن يكون لاستنقاذ ماله من قيمة الوليدة وابنها ، حيث إنّ البائع الفضولي قبض الثمن من المشتري وأتلفه ، كما لعلّه الغالب في تصرف الأولاد في أموال الآباء. ومجرّد الكراهة لا يكون ردّا ، ولذا لو أجاز بعد الكراهة النفسانية كان نافذا كما تقدم في بيع المكره.

__________________

(١) أورد الفاضل النراقي بجملة من هذه الوجوه على الاستدلال بالصحيحة ، فراجع مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٧٦ و ٢٧٧. كما أنه تعرض لجملة منها ولأجوبتها المحقق الشوشتري في المقابس ، كتاب البيع ، ص ٢٣ و ٢٤.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : حكمه عليه‌السلام بأخذ ابنها مع أنّه ولد الحرّ ، لأنّ الظاهر أنّ الوطي كان بالشبهة أو بالملك على تقدير الإجازة بناء على كونها كاشفة. فعلى أيّ حال لا موجب لأخذ المولى الولد الذي ولدته الأمة.

وجوابه : أنّه يمكن أن يكون أخذ الولد لأجل أخذ قيمته من المشتري ، ولذا قال : الشيخ الطوسي قدس‌سره : «الحكم أن يأخذ وليدته وقيمة ابنها. حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه» (١) أو لكون المشتري عالما بالحال ، فيكون الولد حينئذ رقّا.

ومنها : حكمه عليه‌السلام للمشتري بأخذه البائع الفضولي ، وهو ابن مولى الوليدة ، مع عدم جواز ذلك ، إذ غاية الأمر كون الولد غاصبا ، وليس للمشتري إلزام مالك الوليدة بإجازة البيع حتى يحبس ابنه لتحصيلها ، بل هو مختار في الإجازة والرد.

وجوابه : أنّه يمكن أن يكون حبس ابن مولى الوليدة لمطالبة الثمن الذي دفعه المشتري إليه عن الوليدة ، فإنّه بحبسه يتمكن من أخذ الثمن منه ، لقاعدة الغرور.

ومنها : تعليم الإمام عليه‌السلام للمشتري كيفية الحيلة ، مع عدم جواز تعليم القاضي الاحتيال لأحد المتخاصمين أو كليهما.

وجوابه : أنّه تعليم للحكم ، بأن يعلم المشتري أنّ له حقّ مطالبة الثمن الذي دفعه إلى البائع ، لا أنّه احتيال ، إذ الظاهر أنّ الولد البائع الفضولي أخذ قيمة الوليدة ، وتلفت عنده في المدة الكثيرة التي كان سيّد الوليدة غائبا فيها. بل لا يبعد أنّ الحاجة إلى ثمنها ألجأته إلى بيعها.

وبالجملة : فلا ظهور معتدا به لشي‌ء من فقرات الرواية في ردّ سيّد الوليد بيعها حتى يكون إجازة بيع ولده لها فضولا بعد الرد ، فيقال : إنّ الإجازة بعد الردّ لا تجدي

__________________

(١) الإستبصار ، ج ٣ ، ص ٨٥ ، ذيل الحديث الرابع.

٣٩٣

وجميع ما ذكر فيها (١) من الموهنات موهونة ، إلّا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد ، من جهة ظهور المخاصمة (*) في ذلك (٢).

______________________________________________________

في صحة بيع الفضولي إجماعا ، بل قاعدة أيضا.

(١) أي : ما ذكر في صحيحة محمد بن قيس من الموهنات التي عرفتها آنفا.

(٢) أي : في الردّ ، إذ لو كان مولى الوليدة راضيا ببيعها ومجيزا له لم يكن في البين مخاصمة كما عرفت. ولا يخفى أن المصنف قدس‌سره ادّعى ظهور الصحيحة في الردّ بوجوه أربعة :

الأوّل : أنّ مخاصمة كلّ من سيد الوليدة ومشتريها على الوليدة وابنها ـ في دعوى سيّد الوليدة بيعها بدون إذنه ، ودعوى مشتريها بأنّها بيعت بإذن سيّدها ـ ظاهرة في ردّ البيع ، إذ مع إجازة البيع لا وجه للمخاصمة ، فنفس المخاصمة ظاهرة في ردّ سيّد الوليدة بيع ولده لها.

__________________

(*) ظهور المخاصمة في رد البيع غير ظاهر ، حيث إنّ غاية ما يدلّ عليه المخاصمة هو كراهة البيع وعدم إذنه فيه كما قال : «باعها ابني بغير إذني» ومن المعلوم أنّ عدم الإجازة أعمّ من الردّ ، إذ ليس الردّ والإجازة من الضدين اللّذين لا ثالث لهما. ولو كان مجرّد الكراهة وعدم الإجازة ردّا لم يكن لصحة عقد المكره بالرضا المتأخر وجه ، لاستلزامه الرضا بالعقد المردود بالكراهة الحاصلة حين العقد.

ويمكن أن تكون المخاصمة وحبس الأمة والولد لتحصيل ثمن الجارية ، إذ الظاهر أنّ البائع أتلف ثمنها ، فلا تكون المخاصمة وحبس الوليدة وابنها من أمارات الرد ، وردّ البيع على فرض عدم تحصيل الثمن تقديري لا فعليّ ، ولا يعتدّ بالتقديري.

٣٩٤

وإطلاق (١) (*) حكم الامام عليه‌السلام بتعيين أخذ الجارية وابنها من المالك ، بناء (٢) على أنّه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرّد.

______________________________________________________

(١) بالجرّ معطوف على «ظهور» وهذا ثاني الوجوه الأربعة ، ومحصله : أنّ إطلاق حكم الامام عليه‌السلام بتعيين أخذ الجارية ـ وعدم تقييده بصورة الردّ ـ يدلّ على ردّ البيع.

(٢) قيد للإطلاق وتعليل له ، يعني : أنّ سيّد الأمة إذا لم يرد تنفيذ البيع بالإجازة فلا بدّ من تقييد جواز الأخذ بصورة الرد.

وبعبارة أخرى : لم يفصّل أمير المؤمنين صلوات الله عليه في جواز أخذ الوليدة وابنها بين الصورتين وهما ردّ بيع الولد وإمضائه ، بأن يجوز الأخذ في صورة الرد ، ولا يجوز في صورة الإمضاء والإجازة إذ لو أجازه لم يجز الأخذ ، لصيرورة الوليدة ملكا للمشتري. ولا معنى لجواز استردادها. فالحكم بجواز الأخذ مطلقا وعدم التفصيل بين صورتي الرد والإجازة كاشف عن علمه عليه‌السلام بتحقق الرّد وانتفاء موضوع الإجازة ، لانهدام العقد السابق بردّ المالك.

__________________

(*) هذا أيضا كسابقه لا يدلّ على الردّ ، لأنّ جواز أخذ المبيع فضولا من المشتري لا يدور مدار الردّ ، بل يدور مدار عدم الإجازة. ومن المعلوم أنّ عدم الإجازة أعمّ من الردّ.

وبعبارة أخرى : جواز أخذ المبيع تكليفا من مقتضيات ملكيته لمالكه ، لا من مقتضيات الرد ، فتعيّن أخذ الوليدة إنّما هو لبقائها على ملك سيدها الأوّل ، لا لأجل ردّ عقد الفضولي كما هو واضح جدّا.

ومن هنا يظهر ما في كلام المصنف قدس‌سره : «بناء على أنّه لو لم يرد .. إلخ» لما عرفت من عدم إناطة جواز أخذ المبيع بالردّ حتى يلزم التقييد بصورة اختيار الردّ ، بل مع عدم كل

٣٩٥

ومناشدة (١) (*) المشتري للإمام عليه‌السلام وإلحاحه إليه في علاج فكاك ولده (٢).

______________________________________________________

(١) بالجرّ معطوف على «ظهور المخاصمة» وهذا ثالث الوجوه الأربعة ، ومحصّله : أنّه ـ بعد الحكم بأخذ المولى جاريته وابنها ـ ألحّ المشتري على الامام عليه‌السلام في علاج فكاك ولده المستولد من الجارية. وهذا دليل على ردّ البيع ، إذ مع الإجازة ـ بناء على القول بكشفها الحقيقي ـ يكون الولد ولد المشتري ، وليس لسيّد الوليدة أخذه.

(٢) أي : ولده الذي استولده من الوليدة.

__________________

من الإجازة والرد يجوز أخذه ، لأنّه ماله ولم يخرج عن ملكه. وأخذ الجارية ليس تصرفا ناقلا حتى يكون منافيا للعقد وردّا فعليا له.

(*) لا تدل المناشدة أيضا على ردّ البيع ، بل لمّا لم يجز سيّد الوليدة البيع ، وأخذ ابنها الذي هو نماؤها إلى أن ينفك الولد بأداء قيمته ، فطلب المشتري من الامام عليه‌السلام علاجا ليجيز البيع حتى يستردّ ولده بلا عوض بناء على كاشفية الإجازة كشفا حقيقيا ، أو مع العوض بناء على ناقليتها. وعلى كل حال لا تكون المناشدة ظاهرة في ردّ البيع.

ومنه يظهر أنّ قوله : «حتى ترسل ابني» ليس ظاهرا في ردّ البيع ، بل هو ظاهر في عدم الإجازة ، ولا مانع من تصرف المالك قبل الإجازة ولو على القول بالكشف. غاية الأمر أنّ لحوق الإجازة يكشف عن بطلانه ، لا أنّه لا يجوز له تكليفا قبل الإجازة.

نعم التصرف المنافي للعقد كنقل المبيع ببيع أو صلح أو غيرهما مصداق فعليّ للردّ ، فيوجب انحلال العقد. ومجرد أخذ المبيع ليس مصداقا للرد ، بل لكونه ملكا له.

٣٩٦

وقوله : (١) (*) «حتى ترسل ابني» الظاهر في أنّه حبس الولد ولو على قيمته يوم الولادة.

وحمل (٢) (**) إمساكه الوليدة على حبسها لأجل ثمنها ـ كحبس ولدها

______________________________________________________

(١) بالجرّ معطوف على «ظهور» وهذا رابع الوجوه ، ومحصّله : أنّ قول المشتري لمولى الجارية : «لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني» ظاهر في أنّ سيّد الجارية قد حبس ولد المشتري المتولّد من الوليدة ليأخذ منه قيمة الولد يوم الولادة ، لأنّه زمان الإتلاف وهو حرّيته. وهذا دليل على رد البيع ، إذ مع الإجازة يكون الولد للمشتري.

(٢) مبتدأ ، خبره قوله : «ينافيه» وهذا إشارة إلى توهم ودفعه ، وهما يتعلقان بالوجه الرابع أعني به دلالة إمساك الوليدة على الرد.

أما التوهم فحاصله : أنّ حبس الوليدة لم يكن لأجل استيفاء ثمنها من المشتري

__________________

(*) هذا أيضا لا يدلّ على الردّ ، لكفاية عدم الإجازة في جواز الحبس ، وعدم توقّفه على الرد ، إذ للمالك قبل الإجازة حتى على القول بالكشف أن يتصرف في ماله.

فلعلّ حبس الولد كان لأجل تحصيل قيمة الولد بلا ردّ منه للبيع بناء على استحقاق البائع لقيمته حتى على تقدير الإجازة بناء على كونها ناقلة. أو لعلّ حبس الولد كان لأجل الفحص عمّا تقتضيه المصلحة من الإجازة أو الردّ ، فإن تمكّن ـ لحبسه للولد ـ من تحصيل قيمة الولد أخذ قيمة الولد ، وردّ البيع ، وأخذ الجارية أيضا. وإن لم يتمكن من ذلك أجاز بيع الجارية. فلمّا رأى عدم تمكنه من ذلك وغلبت حيلة المشتري على حيلته أجاز البيع من دون سبق رد منه لبيع الجارية.

(**) لا حاجة إلى هذا الحمل بعد فرض بقاء المال على ملك المالك إلى أن يجيز ، فله استرداده المجتمع مع عدم الإجازة وعدم الرد.

٣٩٧

على القيمة ـ ينافيه (١) (*) قوله عليه‌السلام : «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الوليدة».

______________________________________________________

كحبس ولدها على القيمة حتى لا يكون شاهدا على الردّ ، إذ يحتمل أن لا يكون هذا الحبس لأجل الرد ، بل لأخذ الثمن وقيمة الولد. ومع هذا الاحتمال لا يشهد الحبس المزبور بردّ البيع ، إذ شهادته به منوطة بتعيّن احتمال الرد وابطال الاحتمال الأخر.

وأمّا الدفع فسيأتي.

(١) هذا هو الدفع ، وغرضه تعيّن احتمال كون الحبس لأجل الردّ ، لا لأخذ الثمن وقيمة الولد ، ومحصله : أنّ قوله عليه‌السلام : «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الولد» ينافي حمل حبس الجارية وولدها على الحبس لأخذ ثمن الوليدة وقيمة الولد ، لكون كلمة «أجاز» دليلا على ردّ البيع ، فتقع الإجازة حينئذ بعد الرد.

وبعبارة اخرى : انّ إمساك الوليدة وابنها إمّا أن يكون بقصد ردّ بيع الولد وإمّا بقصد أخذ الثمن ، ولكن الثاني باطل ، فيتعيّن الأوّل. والوجه في البطلان : منافاة قول الراوي : «فلما رأى سيد الوليدة ذلك أجاز بيع الولد» لأن يكون حبس الولد بقصد أخذ الثمن ، لظهور الإجازة اللاحقة في كون إمساك الوليدة ردّا فعليا لبيع الولد.

__________________

(*) قد ظهر من الحاشية السابقة عدم المنافاة ، وأنّ إجازة سيد الوليدة لم تكن بعد ردّه للبيع ، بل كانت في مورد عدم الإجازة ، فإنّ الإمساك أعمّ من الردّ ، كما عرفت ما في الحبس من الاحتمال.

فصارت النتيجة : أنّ شيئا من الوجوه الأربعة المتقدمة لا يشهد بردّ البيع حتى تكون الإجازة بعد الرد.

ولعل استظهار الردّ من ثالث الوجوه الأربعة إنّما هو لأجل إناطة جواز تصرف المالك في المال الذي بيع فضولا بردّ البيع ، وكون أخذه له لازما مساويا للرد حتى تصحّ

٣٩٨

والحاصل (١) : أنّ ظهور الرواية في ردّ البيع أوّلا ممّا لا ينكره المنصف.

إلّا أنّ الانصاف أنّ ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي (٢) مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية

______________________________________________________

(١) أي : نتيجة ما ذكرناه في معنى الصحيحة ـ من دلالة الوجوه الأربعة على ظهور الصحيحة في ردّ البيع ـ هي : أنّ الصحيحة ظاهرة في ردّ البيع ووقوع الإجازة بعد الردّ. وهذا ممّا لا ينكره المنصف في هذه القضية الشخصية ، إلّا أنّ ظهورها في أصل المدّعى وهي صحة الفضولي بالإجازة ـ مع الغض عن الإجازة الشخصية في مورد الصحيحة ـ غير قابل للإنكار.

(٢) لقوله عليه‌السلام في الصحيحة المتقدمة : «حتى ينفّذ البيع لك» فإنّ دلالته على

__________________

دعوى كون الأخذ ظاهرا في الرد.

لكن فيه منع كبرى وصغرى. أمّا منع الكبرى فلما مرّ من عدم الإناطة المزبورة ، بداهة أنّ جواز التصرف منوط ببقاء المبيع على ملكيته للمالك ، والمفروض بقاؤه على الملكية ما لم يجز البيع. وأمّا منع الصغرى فلما مرّ أيضا من عدم دلالة الأخذ على الردّ ، لكونه مما تقتضيه ملكية المبيع له وغيره.

وعليه فلا بأس بالاستدلال بصحيحة محمد بن قيس على صحة عقد الفضولي ، لاندفاع شبهة كون الإجازة بعد الردّ حتى تسقط عن الاعتبار ، لمخالفته للإجماع على عدم تأثير الإجازة بعد الردّ في صحة العقد.

أو يستدلّ بالفحوى ، بأن يقال : إنّ تأثير الإجازة بعد الردّ في هذه القضية يستلزم تأثيرها قبله بالأولوية. لكن الاستدلال بالفحوى منوط بدفع إشكال مخالفة الإجماع وإحراز العمل به حتى يصح التمسك بالفحوى.

وبعبارة أخرى : التشبث بالفحوى منوط بحجية المنطوق ، والمفروض عدمها ، لمخالفته للإجماع.

٣٩٩

في مورد الرواية (١) غير (٢) قابل للإنكار. فلا بدّ (٣) من تأويل ذلك الظاهر ، لقيام (٤) القرينة ـ وهي الإجماع ـ على اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد.

والحاصل : أنّ مناط الاستدلال (٥) لو كان (٦) نفس القضية الشخصية (٧) من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة ـ بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي ـ

______________________________________________________

نفوذ البيع الواقع فضولا بالإجازة واضحة وممّا لا يقبل الإنكار.

(١) وهي الصحيحة المتقدمة ، والإجازة الشخصية هي إجازة سيّد الجارية بيعها حتى يرسل المشتري ابنه الذي حبسه. والوجه في الغضّ عن هذه الإجازة الشخصية هو ظهورها في سبق الردّ ، فلا تصلح للاستدلال على صحة بيع الفضولي مع الإجازة. وأمّا مع الغضّ عن مورد الصحيحة فيصحّ الاستدلال بها ، لقول الأمير عليه‌السلام : «حتى ينفّذ لك البيع» ولقول الامام الباقر عليه‌السلام في حكاية القصة : «أجاز بيع ابنه».

(٢) خبر قوله : «أنّ ظهور».

(٣) هذا متفرّع على ظهور الصحيحة في ردّ البيع أوّلا ، ووقوع الإجازة بعده. والمراد بقوله : «ذلك الظاهر» هو ظهور الصحيحة في ردّ البيع أوّلا ، وإجازته ثانيا ، فلا بدّ من علاج هذا الظاهر وتأويله.

(٤) تعليل لقوله : «فلا بد» وغرضه أنّه لا محيص عن التصرف في ذلك الظاهر المستلزم لوقوع الإجازة بعد الرد ، فإنّ الإجماع على اشتراط تأثير الإجازة بعدم سبق الرد قرينة على تأويل ذلك الظاهر.

(٥) أي : الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(٦) اسم كان ضمير راجع الى «مناط» المتقدّم ، و «نفس» خبره.

(٧) وهي إجازة سيّد الوليدة بيعها ليتمكّن من أخذ ولده ـ وهو البائع الفضولي ـ من المشتري.

٤٠٠