هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

والحاصل : (١) أنّ مقتضى ما تقدّم من الإجماع المحكي في البيع وغيره من العقود ، والأخبار المتقدمة ـ بعد انضمام بعضها إلى بعض ـ عدم (٢) الاعتبار بما يصدر من الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها ، كإنشاء العقود أصالة ووكالة ، والقبض والإقباض ، وكلّ التزام على نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إيجار (٣).

وقال في التذكرة (٤) : «وكما لا يصح تصرفاته اللفظية ،

______________________________________________________

(١) هذا الحاصل راجع إلى أصل المطلب وهو سلب عبارة الصبي ، مستدلا عليه بالإجماع والنصوص ، لكن لمّا لم تجتمع شرائط الحجية في كل واحد منها بالخصوص ـ لما تقدم من المناقشة الدلالية في بعض الأخبار ، وكذا في انعقاد الإجماع التعبدي ـ فلذا تصدّى المصنف لإثبات مرامه بدعوى التجابر وانضمام بعضها إلى بعض.

وهذا نظير ما أفاده في بحث الاستصحاب ـ بعد قصور بعض الأخبار سندا ، كمكاتبة القاشاني ، وقصور بعضها دلالة كصحاح زرارة ـ من دعوى التجابر والتعاضد ، ولكنه لا يخلو من شي‌ء تعرّضنا له في موضعه (١).

(٢) خبر قوله «إنّ مقتضى».

(٣) هذا التعميم مبنيّ على عدم اختصاص ما دلّ على «أنّ عمد الصبي خطأ» بالجنايات ، وكون المراد به جعل العمد كالعدم ، لا تنزيل العمد منزلة الخطاء.

لكن سيأتي في التعليقة خلافه ، وأنّ المراد تنزيل أحد الوجوديّين منزلة الآخر في الأحكام المترتبة على المنزّل عليه ، المستلزم لسلب آثار المنزّل ـ كالعمد ـ عن نفسه ، فينفى أثر العمد عن عمد الصبي ، ويثبت له آثار الخطأ.

(٤) غرضه من نقل عبارة التذكرة تأييد ما ذكره من عدم العبرة بما يصدر من الصبي من الأفعال التي يناط ترتب الأثر عليها بالقصد إلى مقتضاها. وقد تضمّنت العبارة فروعا سيأتي توضيح كلّ منها.

ولا يخفى أنّ المصنف نسب تمام العبارة إلى التذكرة ، مع أنّ المذكور فيها مقدار

__________________

(١) راجع منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٢٤٢.

٦١

كذا لا يصح قبضه ، ولا يفيد حصول الملك في الهبة وإن اتّهب له الولي (١) ، ولا لغيره (٢) وإن أذن الموهوب له بالقبض. ولو قال (٣) مستحق الدين للمديون :

______________________________________________________

منها ، والباقي منقول عن النهاية. وظاهر تعبيره : «قال في التذكرة» النقل عنه بلا واسطة ، ولكن لم أظفر ببعض ما نقله في التذكرة.

والأولى ما حكاه عنه السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بقوله : «فروع ذكرها في التذكرة ونهاية الأحكام ، قال : ولو اشترى الصبي وقبض واستقرض وأتلف فلا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ ، لأنّ التضييع من الدافع. وعلى الولي استرداد الثمن ، ولا يبرء البائع بالرد إلى الصبي. وقال : كما لا تصح تصرفاته اللفظية ..» إلى آخر ما في المتن ، فراجع (١).

(١) هذا هو الفرع الأوّل ، وغرض العلّامة إسقاط قبض الصبي عن الاعتبار في العقود التي يكون القبض فيها متمّما لتأثيرها ، كالهبة وبيع الصرف ، وتوضيحه : أنّه لو وهب شخص للصبي مالا ، أو باعه أحد النقدين وأقبضه إيّاه لم يدخل في ملك الصبي ، بل هو باق على ملك الواهب والبائع ، سواء أكان الولي قبل الهبة أو البيع أم لا. والوجه في عدم العبرة بقبض الصبي سقوط أفعاله القصدية عن الاعتبار.

(٢) معطوف على «له» المحذوف بعد قوله : «ولا يفيد حصول الملك في الهبة» وهذا إشارة إلى الفرع الثاني ، يعني : أنّه لو وهب شخص لغيره مالا ، وأذن المتهب للصبي في أن يتسلّم له الهبة ويوصلها إلى المتهب لم يكن قبض الصبي جزء السبب المملّك ، فالعين الموهوبة باقية على ملك الواهب ما لم يقبضها المتهب بنفسه أو بواسطة وكيله البالغ ، ولا فرق في عدم العبرة بقبض الصبي بين إذن وليّه في القبض وعدمه.

(٣) هذا هو الفرع الثالث ممّا يتفرّع على عدم العبرة بقبض الصبي ، وتوضيحه أنّ زيدا لو كان مديونا لعمرو منّا من الحنطة مثلا ، فقال له الدائن : سلّم حقي إلى هذا الصبي ، فسلّم المديون مقدار حقّه إلى الصبي لم يبرء المديون عن دينه ، لأنّ الدين كلّي في الذمة ، ولا يتعين حقّا للدائن إلا بقبض صحيح ، والمفروض أنّ قبض الصبي

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٢.

٦٢

سلّم حقّي إلى هذا الصبي ، فسلّم مقدار حقه إليه لم يبرء عن الدين ، وبقي المقبوض على ملكه ، ولا ضمان (١) على الصبي ، لأنّ المالك ضيّعه حيث دفعه إليه ، وبقي الدين ، لأنّه (٢) في الذمة ، ولا يتعيّن إلّا بقبض صحيح ، كما لو (٣) قال : إرم حقي في البحر ، فرمى مقدار حقّه. بخلاف (٤) ما لو قال للمستودع : سلّم مالي إلى

______________________________________________________

كالعدم ، فلا يترتب عليه ما يترتب على قبض البالغ من تعين الكلّي الذمّي في المقبوض.

ولو تلف المال بيد الصبي لم يضمنه ، بل يتلف من مال المديون الذي ضيّع ماله بدفعه إلى الصبي.

وعليه فقبض الطفل لا يوجب تعيّن الكلي الذمي في المقبوض. كما أنّ الخمس لا يتعيّن إلّا بقبض صحيح من المستحق أو وليه أو وكيله ، فلا تفرغ الذمة لو دفعه إلى من زعم استحقاقه ، فبان عدمه واقعا.

وحيث إنّ الإلقاء في البحر ليس قبضا للدين إلى الدائن ـ ما لم يرجع إلى التوكيل في القبض ثم الرمي فيه ـ فالكليّ المملوك للدائن باق في ذمة المديون.

وهذا بخلاف الأمر بإلقاء عين شخصية في البحر أو تسليمها إلى الصبي ، كما في الوديعة ، فلو قال المودع للمستودع : «سلّم حقّي إلى هذا الطفل» ففعل الودعي لم يكن عليه شي‌ء ، لفرض كون العين الشخصية ملكا للمودع ، من دون توقف ملكيته لها على القبض الصحيح. ولمّا كان المالك سلطانا على ماله جاز له الإذن في إتلافه أو إقباضه من الصبي ، وهذا هو الفارق بين العين الشخصية والكلية.

(١) يعني : لا ضمان على الصبي لو تلف عنده أو أتلفه. والوجه في عدم الضمان استناد التضييع إلى المالك الدافع ماله إلى صبيّ أسقط الشارع قبضه عن الاعتبار.

(٢) أي : لأنّ الدّين كلّي في ذمة المديون ، ويتوقف الفراغ منه على قبض صحيح منتف حسب الفرض.

(٣) غرض العلامة قدس‌سره تنظير عدم تعيين الحق ـ بقبض الصبي ـ بالأمر بإلقاء مقدار من المال في البحر.

(٤) هذا بيان الفارق بين العين الشخصيّة والكلية ، وقد عرفته آنفا.

٦٣

الصبي أو ألقه في البحر ، لأنّه امتثل أمره في حقّه المعيّن.

ولو كانت (١) الوديعة للصبي ، فسلّمها إليه ضمن وإن كان (٢) بإذن الولي ، إذ ليس له (٣) تضييعها بإذن الولي.

وقال أيضا (٤) : «لو عرض الصبي دينارا على الناقد لينقده أو متاعا إلى

______________________________________________________

(١) هذا فرع رابع من فروع قبض الصبي. وتوضيحه : أنّ وليّ الطفل لو جعل مال الصبي وديعة عند شخص ، ثم قال له : سلّمه إلى الصبي ، ففعل الودعي ، كان ضامنا ، لأنّ قبضه بمنزلة العدم ، فإقباضه إيّاه تضييع للمال. ولا عبرة بإذن الولي في التسليم المضيّع ، لأنّ وظيفة الولي حفظ مال المولّى عليه ومراعاة مصلحته ، ودفع المال إلى الصبي خلاف مصلحته ، لأنّه في معرض الخطر والتلف ، فالدفع إلى الصبي كالأمر بإلقاء ماله في البحر في ترتب الضمان عليه.

(٢) أي : وإن كان تسليم الوديعة إلى الصبي بإذن الولي.

(٣) أي : ليس للودعي تضييع الوديعة وإن كان الولي أذن له في التضييع.

(٤) أي : قال العلّامة. وهذا فرع خامس من فروع قبض الصبي ، وتوضيحه : أنّه لو عرض الصبي دينارا على صرّاف ليصرفه دراهم ، لم يجز للصرّاف ردّ الدينار أو الدراهم إلى الصبي ، بل يجب الرد إلى الولي ، لكون قبض الطفل كلا قبض.

نعم لو أمره الولي بالدفع إلى الصبي فأقبضه الصرّاف ، فإن كان الدينار للولي بري‌ء الصرّاف بالإقباض إلى الطفل ، لكونه مالا متعيّنا أذن مالكه له بدفعه إلى الصبي ، كما لو أذن بإلقائه في البحر أو إحراقه. وإن كان الدينار للصبي لم يجز للصرّاف دفعه إليه اعتمادا على إذن وليّه ، لما تقدم في الفرع الرابع من اعتبار رعاية صلاح المولّى عليه ، ولا مصلحة في إقباض المال إلى الصبي ، لكونه في عرضة التلف والضياع.

وكذا الحال لو عرض الصبي متاعا على مقوّم لتعيين سعره ، فأخذه المقوّم ، فلا يجوز ردّه إلى الصبي ، على نحو ما تقدّم في الدينار.

٦٤

مقوّم ليقوّمه ، فأخذه لم يجز (١) له ردّه إلى الصبي ، بل إلى وليّه (٢) إن كان ، فلو أمره (٣) الولي بالدفع إليه فدفعه إليه بري‌ء من ضمانه إن كان المال للولي ، وإن كان للصبي فلا ، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر ، فإنّه يلزمه (٤) ضمانه.

وإذا (٥) تبايع الصبيان وتقابضا ، وأتلف كلّ واحد منهما ما قبضه ، فإن جرى بإذن الوليين فالضمان عليهما ، وإلّا فلا ضمان عليهما ، بل على الصبيين» ويأتي في باب الحجر تمام الكلام (١)

«ولو فتح (٦) الصبي الباب وأذن في الدخول على أهل الدار ، وأدخل الهدية إلى إنسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد ، لتسامح السلف فيه» (٢) انتهى كلامه رفع مقامه.

______________________________________________________

(١) أي : لم يجز للناقد أو المقوّم.

(٢) المراد به الأب والجد ، وإلّا فالولي العام وهو الحاكم الشرعي موجود على كل حال.

(٣) أي : فلو أمر الوليّ الناقد أو المقوّم بالدفع إلى الصبي بري‌ء الناقد أو المقوّم من الضمان إن كان المال للوليّ ، وإلّا فلا.

(٤) أي : يلزم الملقي ـ وهو الناقد أو المقوّم ـ ضمان مال الصبي ، وضمير «فإنه» للشأن.

(٥) هذا فرع سادس ، وتوضيحه : أنّه إذا تبايع صبيّان ، وقبض المشتري المبيع ، والبائع الثمن ، وأتلف كل منهما ما قبضه ، فإن كان البيع والشراء بإذن الوليين كانا ضامنين ، لإذنهما في القبض المضمّن المنتهى إلى الإتلاف. وإن كان بدون إذنهما كان الضمان على الصبيّين ، لقاعدة الإتلاف الموجب لضمان المتلف وإن كان صبيّا. وليس هنا إذن من الولي يرفع الضمان عن الصبيين.

(٦) هذا فرع سابع ، وهو مخالف لما تقدّم من إسقاط أقوال الصبي وأفعاله عن

__________________

(١) هذه العبارة للسيد العاملي ، لا من العلامة في التذكرة ونهاية الاحكام.

(٢) نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٤.

٦٥

ثم إنّه ظهر مما ذكرنا (١) أنّه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة ، لما عرفت من عموم النص والفتوى ، حتّى (٢) أنّ

______________________________________________________

الاعتبار. وغرضه قيام السيرة على الاعتماد المزبور ، فبالسيرة المتشرعية يثبت ما قامت عليه السيرة من الإذن في الدخول على أهل الدار وإدخال الهدية الى المهدي له بإذن مهديها (١).

هذا تمام كلام في الاستدلال لمذهب المشهور من بطلان إنشاء الصبي وسلب عبارته ، وسيأتي الكلام في ردّ بعض الأقوال في المسألة.

بعض الأقوال الأخرى في المسألة

١ ـ التفصيل في معاملة الصبي بين الخطير والحقير

(١) من قوله قبل أسطر : «والحاصل : أنّ مقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي في البيع وغيره من العقود ، والأخبار المتقدّمة .. إلخ» فإنّ مقتضى ذلك ، عدم الفرق في المنع عن معاملات الصبي بين المحقرات وغيرها ، لشمول إطلاق تلك الأدلة للمحقّر وغيره ، لعدم تقييد مثل «عدم جواز الأمر ، ورفع القلم وكون عمده كلا عمد ، بل والإجماع أيضا» بالأموال الخطيرة.

وهذا تمهيد لردّ جملة من الأقوال في المسألة كقول المحدّث الكاشاني من التفصيل بين المحقرات وغيرها ، وتفصيل صاحب الرياض بين استقلال الصبي في المعاملة ، فتبطل وبين آليّته لمعاملات الوليّ فيصحّ ، ويترتّب الملك عليه ، وقول الشيخ الفقيه كاشف الغطاء بترتّب الإباحة على معاملة الأطفال المأذونين ، دون الملك ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

(٢) لمّا كان ظاهر فعل أبي الدرداء نفوذ بيع الصبي للأشياء الحقيرة كالعصفور ، وكان موافقا لدعوى المحدّث الكاشاني ، تصدّى المصنف لردّه بما أفاده العلّامة قدس‌سره من وجوه ثلاثة :

__________________

(١) هذا الفرع مذكور في التذكرة ، ج ١ ، ص ٤٦٤ ، س ٣٠ وفي نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٤.

٦٦

العلّامة في التذكرة لمّا ذكر حكاية ـ أنّ أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبيّ فأرسله ـ ردّها (١) بعدم الثبوت وعدم الحجية ، وتوجيهه (٢) بما يخرجه عن محل الكلام.

وبه (٣) يظهر ضعف ما عن المحدّث الكاشاني من : «أنّ الأظهر جواز بيعه وشرائه فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج» انتهى (١) ، فإنّ

______________________________________________________

الأوّل : عدم ثبوت أصل القضية ، لضعف السند.

الثاني : أنّ شراء أبي الدرداء ليس حجة شرعا ، لأنّه ليس من السنة التي هي قول المعصوم عليه‌السلام وفعله وتقريره.

الثالث : توجيه الواقعة بما يخرجه عن البيع الجدّي من الصبي ، وذلك لاحتمال علمه بعدم مالكية الصبي للعصفور ، فاشتراه أبو الدرداء منه ليستنقذه ، ومن المعلوم توقف البيع على مالكيّة البائع للمبيع ، أو الوكالة عنه أو الولاية عليه ، فمع العلم بعدم مالكيته ونحوها له لم تنشأ المعاملة الجدّية. وعليه فإعطاء الثمن للصبي ليس إلّا مقدمة لإرسال العصفور واستنقاذه ، هذا.

ولا يخفى أنّ العلّامة اقتصر على وجهين ، ولم يتعرض لضعف السند وعدم ثبوت القضية ، فقال في ردّ المالكية : «وفعله ـ أي فعل أبي الدرداء ـ ليس حجة. وجاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكا للصبي ، فاستنقذه منه» (٢).

(١) جواب «لمّا» الظرفيّة ، وضمير «ردّها» راجع الى «حكاية».

(٢) بالجرّ معطوف على «عدم» وهذا موهن ثالث لصحة بيع الصبي للشي‌ء الحقير. وقد عرفت أنه في عبارة التذكرة موهن ثان لا ثالث.

(٣) أي : بما تقدم من قوله : «والحاصل : أنّ مقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي .. إلخ» وغرضه منع مستند المحدث الكاشاني ، وهو قاعدة نفي الحرج ،

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ، ج ٢ ، ص ٤٦ والحاكي عند هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٨٠ ، س ٢٤.

٦٧

الحرج ممنوع ، سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات ، والتزام مباشرة البالغين لشرائها ، أم أراد أنّه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة.

ثم لو أراد استقلاله في البيع والشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنّه غير محجور عليه في الأشياء اليسيرة فالظاهر (١) كونه مخالفا للإجماع.

______________________________________________________

بتقريب : أنّ الحكم بفساد معاملة الصبيان في المحقرات يستلزم الحرج على البالغين إذا باشروا شراء جميع ما يحتاجون إليه كالخضراوات والبيضة ونحوها ، ولما كانت القاعدة حاكمة على إطلاق الأدلة القاضية بسلب عبارة الصبي فلذا يختص المنع بالأمور الخطيرة ، هذا.

وقد ناقش المصنف قدس‌سره فيه بمنع الحرج صغرويا ، سواء أريد لزوم الحرج في طرف المشتري بأن يقع الأولياء في العسر لو تصدّوا لشراء جميع ما يحتاجون إليه حتى المحقّرات. أم أريد لزومه في طرف البائع ، كاعتياد أرباب الدكاكين تفويض بيع الأشياء اليسيرة إلى الأطفال ، فالحكم بفساد معاملتهم حرج على البائعين.

فالحقّ أنّه لا حرج في شي‌ء من المقامين.

هذا لو كان نظر المحدث الكاشاني إلى جواز معاملة الصبيان في المحقّرات بإذن أوليائهم ، مستندا إلى نفي الحرج ، وقد عرفت عدم لزومه.

ولو كان مقصوده إثبات استقلالهم في بيع المحقّرات وشرائها بأموالهم ـ من دون مراجعة أوليائهم ـ فهو ممنوع جدّا ، لمخالفته للإجماع ، إذ القدر المتيقن منه عدم استقلالهم في المعاملة بأموالهم ، للحجر. فيبعد التزام المحدث الفيض بتجويز معاملتهم في المحقّرات بالاستقلال لمجرّد الحرج ، هذا.

(١) جواب قوله : «لو أراد» وقد عرفته آنفا.

٦٨

وأمّا (١) ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : ونهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده» معلّلا

______________________________________________________

(١) غرضه قدس‌سره توجيه رواية السكوني بما لا يدلّ على نفوذ معاملة الصبي. أمّا تقريب دلالتها على وجود المقتضي للصحة في معاملاته فبوجوه تستفاد من فقرات ثلاث :

الأولى : الحكم بالكراهة المدلول عليها بنهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الغلام الذي لا يحسن صناعة ، على ما عليه المشهور ، بلحاظ احتمال سرقته ، وهذا كالنهي التنزيهي في صدر الرواية عن كسب الإماء معلّلا «بأنّها إن لم تجد زنت» مع أنّه لا ريب في نفوذ معاملتها ، فليس ما اكتسبتها محرّما بقول مطلق. ومن المعلوم أنّ كراهة التصرف تدل على اقتضاء معاملة الصبي للصحة ، إذ لو كان التصرف في ما اكتسبه حراما كانت الرواية دليلا على عدم نفوذ معاملته وبقاء مكسوبه على ملك من تعامل مع الصبي ، فعدم تحريم التصرف في ما اكتسبه شاهد على كون الصبي مالكا لما اكتسبه.

والوجه في عدم التحريم كون احتمال السرقة شبهة موضوعية بدوية بالنسبة إلى ما بيد الغلام ، وهي مجرى قاعدة الحل.

الثانية : تقييد موضوع الكراهة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لا يحسن صناعة بيده» فإنّ التقييد كاشف عن عدم فساد معاملة الغلام من أصلها ، فلو كان إنشاؤه لغوا شرعا وساقطا من أصله لغا تقييد موضوع الكراهة بعدم عرفان صناعة ، لفرض حرمة التصرف في ما اكتسبه مطلقا سواء أحسن صناعة أم لم يحسنها.

الثالثة : تعليل النهي عن الكسب «بأنّه ان لم يجد سرق» وتقريبه : أنّ العلم بسرقة ما بيد الغلام في رتبة المانع عن التصرف في ما اكتسبه ، ومن المعلوم أنّ تعليل النهي بوجود المانع فرع تمامية المقتضي لمالكيّته لما اكتسبه ، فلو لم يكن كسبه نافذا حرم التصرف فيه حتى مع العلم بعدم سرقته. وعليه فالتعليل المزبور دالّ على مشروعية كسب الغلام بالبيع والشراء والإجارة والصلح ونحوها. وهذا ينافي

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مختار المشهور من بطلان عقد الصبي.

وقد دفع المصنف هذا الاستدلال بأجنبية الرواية عن المقام ـ وهو نفوذ معاملة الصبي ـ وبيانه : أنّ الكسب المنهي عنه تنزيها إن أريد به معناه المصدري من بيع وشراء وتجارة ونحوها من أنحاء تحصيل المال كانت الرواية حجة على نفوذ معاملته ، للوجوه الثلاثة المتقدمة. وإن أريد به معناه الاسمي أي مكسوب الغلام ـ وما وقع بيده ـ لم تنفع الرواية لإثبات صحة إنشاءاته.

وظاهر التعليل لأنه «إن لم يجد سرق» إرادة الكسب بمعناه الاسمي أي ما حصّله بأحد الأنحاء ، فالتصرف في المال الواقع تحت يد الغلام محكوم بالكراهة ، لاحتمال سرقته.

وبناء على إرادة الكسب بمعنى المكسوب ـ لا المعنى المصدري ـ نقول : بأنّه لم يفرض في الرواية كراهة معاملة الصبي حتى يستكشف نفوذها وصحتها ، بل المهم الحزازة في التصرف في ما بيد الغلام ، سواء حصّله بدون معاملة كالالتقاط المترتّب عليه الملكية حتى بدون اعتبار قصد التملّك بفعله ، كي يقال : بعدم اعتبار قصده شرعا.

وكذا لو حصّله بحيازة مباح كالصيد.

أو صار مالكا لما بيده بمعاملة صحيحة من الولي ، كما إذا آجر الغلام لعمل محترم ، فإنّ الأجرة المسماة ملك الأجير.

أو صار مالكا لاجرة المثل كما إذا آجره الولي بإجارة فاسدة اختلّ بعض شرائط الصحة فيها. أو آجر الصبيّ نفسه لعمل محترم ، أو أمره شخص بعمل كذلك ، فإنّ الصبي يملك اجرة المثل في هذه الموارد الثلاثة ، وهذه الأجرة هي كسبه الذي يكره التصرف فيه.

وعلى كلّ حال فجواز التصرف في هذه الموارد لا يكشف عن نفوذ معاملة الصبي بما هو صبي. فالرواية قاصرة عن إثبات مقصود المستدل ، هذا.

٧٠

«بأنّه إن لم يجد سرق» فمحمول (١) على عوض كسبه من التقاط أو اجرة عن إجارة أوقعها الوليّ أو الصبي (٢) بغير إذن الولي ، أو عن (٣) عمل أمر به من دون إجارة ، فأعطاه المستأجر أو الآمر اجرة المثل ، فإنّ هذه (٤) كلّها مما يملكه الصبي (٥). لكن يستحب للولي وغيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبي فيها (٦) ، لاحتمال (٧) كونها من الوجوه المحرّمة (٨). نظير رجحان الاجتناب عن

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «وأمّا ما ورد» وقد عرفت عدم ظهور النهي عن كسب الغلام في الكسب بمعناه المصدري أي المعاملة ، بل المراد معناه الاسمي ـ بقرينة التعليل ـ وهو المال الحاصل في يده ، ولو لم يتوقف حصوله فيها على مباشرة الصبي للبيع والشراء والإجارة.

(٢) إذا آجر الصبي نفسه للغير كانت إجارته فاسدة ، ولا يستحق الأجرة المسمّاة ، ولكنه يستحق اجرة المثل.

(٣) كما إذا أمر شخص صبيّا بعمل محترم كحلق رأسه ، ففعل ، فله اجرة المثل لئلّا يضيع عمل العامل.

(٤) المشار إليه هو المذكورات من عوض الالتقاط والأجرة المسماة واجرة المثل.

(٥) يعني : مع فرض عدم نفوذ معاملة الصبي ، فجواز التصرف في هذه الموارد لا يدلّ على نفوذ تصرفات الصبي.

(٦) هذا الضمير وضمير «اجتنابها» راجعان إلى المذكورات من الأجور وعوض الالتقاط.

(٧) تعليل لاستحباب الاجتناب عن الأموال التي اكتسبها الصبيّ بأجرة ونحوها.

(٨) كالسرقة المذكورة في الرواية.

٧١

أموال غيره ممّن لا يبالي بالمحرمات (١).

وكيف كان (٢) فالقول المذكور في غاية الضعف.

نعم (٣) ربّما صحّح سيد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا كان الصبيّ

______________________________________________________

(١) يعني : مع احتمال وجود الحرام فيه بإحتمال غير منجّز ، وإلّا فمع العلم بالحرام يجب الاجتناب عنه.

(٢) يعني : سواء تمّ حمل رواية السكوني على ما اكتسبه الصبي بأجرة وحيازة مباح ونحوهما ، أم لم يتم ، فالتفصيل ـ بين الأشياء اليسيرة بصحة معاملة الصبي فيها ، وبين الخطيرة بعدم الجواز ـ في غاية الضعف.

ثم لا يخفى أنّ ذكر رواية السكوني هنا ظاهر في كونها من جملة أدلة المحدث الكاشاني على نفوذ معاملة الصبي في المحقرات. مع أنّها أجنبية عن التفصيل بين الأشياء الخطيرة والحقيرة. فإن تمّت دلالتها بأحد الوجوه الثلاثة كانت حجة على صحة معاملة الغلام وتملكه لما يكتسبه قليلا أو كثيرا. وإن لم تتم لم تصلح لإثبات جواز اكتسابه القليل أيضا ، فلاحظ.

٢ ـ التفصيل بين استقلال الصبي وآليّته

(٣) بعد أن أبطل تصرفات الصبي من حيث كونها تصرفا أراد تصحيحها بغير عنوان التصرف الموضوع للأثر الشرعي ، وحاصل ما أفاداه في الرياض ومفتاح الكرامة : أنّ الصبي يكون آلة لمن يصحّ له التصرف من البالغ العاقل ، لا أن يكون أحد طرفي المعاملة ، فتقع المعاملة بين البالغين العاقلين ، ويكون الصبي كالحيوان الموصل لأحد العوضين إلى من انتقل إليه المال.

قال في الرياض ـ بعد ما استدل بالنصوص المتقدمة على عدم جواز تصرف الصبي ـ ما لفظه : «نعم الأظهر جوازه في ما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية ، لتداوله في الأعصار والأمصار السابقة واللاحقة من غير نكير ، بحيث يعدّ مثله إجماعا من

٧٢

بمنزلة الآلة لمن له أهلية التصرف «من جهة استقرار السيرة (١) واستمرارها على ذلك».

وفيه إشكال (٢) من جهة قوّة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين كما في سيرهم الفاسدة (٣).

______________________________________________________

المسلمين كافّة. لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة ، فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتفاق الأمة» (١).

وظاهره قابلية الصبي المأذون للإنشاء ، اعتمادا على السيرة التي لا بدّ من اختصاصها بما هو المعتاد ، فلا سبيل لآليته في الأشياء الخطيرة ، هذا.

والفرق بين كلامي الرياض والمفاتيح هو : أن المحدث الكاشاني يرى نفوذ معاملة الصبي في المحقرات ، وظاهره استقلاله في التصرف دفعا للحرج المنفي في الشريعة المقدسة ، وصاحب الرياض يرى نفوذه لا من جهة استقلاله ، بل لآليّته للولي.

(١) لمّا كانت دليلية السيرة ـ بعد تحققها أوّلا ـ منوطة بإمضائها شرعا فلذا ادّعى سيّد الرياض استقرارها ، واستمرارها إلى عصر المعصوم عليه‌السلام لإحراز الإمضاء ولو بعدم الردع.

(٢) أورد المصنف على صاحب الرياض بوجهين :

أحدهما : عدم اعتبار سيرة المسلمين هنا ، لقوة احتمال كونها حادثة وصادرة ممّن يتساهل بأحكام الشرع. ومثلها لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة المانعة عن معاملة الصبي.

وثانيهما : أنّ عنوان «ما جرت به العادة» إحالة على المجهول ، لعدم كونه منضبطا في نفسه ، بل يختلف بحسب أعمار الأطفال كما سيأتي مثاله في المتن.

(٣) كسير المسلمين قديما وحديثا على ارتكاب كثير من المناهي وإشاعتها

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧١.

٧٣

ويؤيّد ذلك (١) ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين وغيرهم ، ولا بينهم وبين المجانين ، ولا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال ـ بحيث لا يعلم الولي أصلا ـ ومعاملتهم (٢) لأوليائهم على سبيل

______________________________________________________

كالقمار والرّشى وحلق اللحى والكذب والغيبة ونحوها ، فهل تكون هذه ممضاة حتى تعدّ حجة على الحكم الشرعي؟

(١) أي : ويؤيد كون السيرة ناشئة من عدم المبالاة في الدين. وجه التأييد :

أنّ سيرة المسلمين استمرّت على أمور لا سبيل للالتزام بها.

منها : التعويل على معاملة الصبيان ، سواء بلغوا حدّ التمييز أم لا.

ومنها : التسوية بين الأطفال وبين المجانين في الاعتماد على معاملاتهم.

ومنها : الاعتماد على معاملة الأطفال سواء عاملوا بأموال أنفسهم ـ أي مستقلّا ـ بحيث لا يعلم أولياؤهم بما يفعلون ، أم عاملوا للأولياء ، بأن كان الصبيان آلات لهم.

مع أنّه لا شك في سقوط هذه السير العملية عن الاعتبار شرعا ، إذ لا أقل من حجر المجنون والصبي ، فكيف يستقل كل منهما في التصرف؟

والظاهر أن الوجه في جعل هذه السيرة الفاسدة مؤيّدة لا حجّة هو : أنّ الغرض إسقاط السيرة التي اعتمدها السيّدان الجليلان صاحبا الرياض والمفتاح. ويكفي في وهنها قوة احتمال صدورها من أهل التسامح بأحكام الشرع. وأمّا سيرتهم على تسوية المجنون والطفل ونحوهما فهي وإن كانت فاسدة قطعا ، إلّا أنّه لا تلازم بين وهن هذه وبين وهن سيرتهم على قبول معاملة الصبي فيما جرت به العادة بشرط كونه آلة للولي ، فيمكن التفكيك بحجّيّة إحدى السيرتين دون الأخرى. نعم لا بأس بالتأييد من جهة المماثلة.

(٢) بالجر معطوف على «بين معاملتهم» يعني : استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال ، وبين معاملتهم لأوليائهم على نحو الآلية.

٧٤

الآلية. مع أنّ هذا (١) مما لا ينبغي الشك في فساده ، خصوصا الأخير (٢).

مع (٣) أنّ الإحالة على «ما جرت العادة به» كالإحالة على المجهول ، فإنّ الّذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلى كلّ صبي ماهر [ما هو] فطن فيه ، بحيث لا يغلب في المساومة عليه ، فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل ، أو بيع بيضة دجاج بفلس ، وإلى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم والخبز ونحوهما. وإلى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب ، بل الحيوان ، بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق والبلدان. ولا يفرّقون بينه وبين من أكمل خمسة عشر سنة. ولا يكلون إليه شراء مثل القرى والبساتين وبيعها إلّا بعد

______________________________________________________

(١) يعني : التعميم المزبور ممّا لا ينبغي الشك في فساده.

(٢) وهو عدم الفرق بين معاملتهم بالاستقلال لأنفسهم ولأوليائهم على سبيل الآلية.

(٣) هذا إشكال آخر على صاحب الرياض ، وهو أنّه لو سلّم اعتبار السيرة قلنا إن عنوان «ما جرت به العادة» مجهول الحدّ ، إذ لم تجر العادة على معاملة الصبيان مبلغا معيّنا بحيث لا يتجاوزونه إلى أزيد منه ، لاختلافهم في المقدار بحسب أعمارهم وفطانتهم ، فالأولياء يهمّهم عدم غبن الأطفال في المعاملة ، فربّما يكون ما جرت به العادة بالنسبة إلى أبناء ست سنين شراء باقة من الخضراوات بثمن بخس ، أو شراء بيضة دجاج ، وبالنسبة إلى أبناء ثمان سنين شراء أقراص خبز أو قليل من اللّحم ، وبالنسبة إلى المراهقين وأبناء أربعة عشر سنة شراء الثياب والحيوان ونحوهما ممّا يبلغ ثمنه دنانير.

وحينئذ نسأل صاحب الرياض ما المراد ب «ما جرت به العادة» فإنّ هذه الموارد كلّها مما جرت به العادة ، كلّ منها بحسب عمر الصبي. فإمّا أن يلتزم بالتفصيل بين سنيّ الأطفال ، وهو بعيد. وإمّا أن يقتصر على عنوان «ما جرت به العادة» وهو مجهول.

٧٥

أن يحصل له التجارب. ولا أظنّ أنّ القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل (١).

وكيف كان فالظاهر أنّ هذا القول (٢) أيضا مخالف لما يظهر منهم.

وقد عرفت (٣) حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز ردّ المال إلى الصبي إذا دفعه إلى الناقد لينقده ، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوّم ليقوّمه ، مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للوليّ ، وكذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه بإذن الولي ، مع أنّه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.

وقال كاشف الغطاء رحمه‌الله (٤) ـ بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة

______________________________________________________

(١) يعني : فإذا لم يلتزم بهذا التفصيل فلا بدّ من إرادة ما جرت السيرة والعادة عليه في الجملة ، وهو الإحالة على المجهول.

(٢) أي : قول صاحبي الرياض ومفتاح الكرامة ـ بنفوذ تصرفات الصبي إذا كان آلة لمن له أهلية التصرف ـ مخالف للمشهور ، كمخالفة قول المحدث الكاشاني له.

(٣) غرضه التنبيه على أنّ تصحيح معاملات الصبي فيما إذا كان آلة خلاف ظاهر كلماتهم من عدم نفوذ معاملاته وأفعاله ، حيث إنّ العلّامة قدس‌سره ذكر منع تصرفه ـ في المال ـ في موارد يكون فعل الطفل فيها كالآلة للولي ، وهذا يكشف عن عدم كون الصبي كالآلة.

٣ ـ إفادة معاملة الصبي لإباحة التصرف

(٤) غرضه من نقل كلام كاشف الغطاء قدس‌سره أنه كالمشهور التزم بعدم صحة معاملة الصبي بحيث يكون أحد طرفي العقد إيجابا أو قبولا ، لكن التزم بإباحة التصرف في معاملة الصبي إذا ثبت إذن الأولياء للصبيان في إعطاء المتاع للمشتري ، والاذن له في التصرفات ، فيكون الآخذ موجبا للمعاملة من طرف ولي الصبي وقابلا لنفسه.

٧٦

ووكالة ـ ما لفظه : «نعم ثبت الإباحة في معاملة المميّزين إذا جلسوا مقام أوليائهم أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد حتى يظنّ أنّ ذلك من إذن الأولياء ، خصوصا في المحقرات» ثم قال : «ولو قيل بتملك الآخذ (١) منهم ، لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات (٢) فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا» (١) انتهى.

أمّا التصرف (٣) والمعاملة بإذن الأولياء سواء كان على وجه

______________________________________________________

وهذا قول ثالث ـ مما عدا المشهور ـ في المسألة ، وقد نفى البعد في آخر كلامه عن حصول الملك لمن يتعامل مع الصبي ، بالشرطين المزبورين ، وهما التمييز ، فلا عبرة بآليّة الطفل غير المميّز. والعلم أو الظن بإذن الولي ، فالمبيح للمأخوذ من الصبي هو الوليّ الآذن في المعاملة ، لا نفس الصبي المنشئ لها بالقول أو بالمعاطاة.

(١) يعني : أنّ الآخذ من الصبي مأذون من قبل الولي في التصرف في المأخوذ بأنحاء التصرفات ، الّتي منها الوكالة عن الولي في إيجاب البيع ، ثم قبوله أصالة لنفسه. وبناء على هذا لا شأن للصبي في المعاملة أصلا ، وإنّما يكون جلوسه مقام وليّه كاشفا محضا عن إذنه العام لمن يشتري من الصبي ويأخذ منه. ولا ريب في اقتضاء هذا الإذن العام للملك لا للإباحة المجرّدة ، غايته استكشاف التوكيل بالعلم أو الظن الحاصل من جلوس الأطفال ، ولا ضير فيه.

(٢) يعني : حتى التصرف التملّكي بعوض يدفعه إلى الصبي ليسلّمه إلى وليّه.

(٣) اعترض المصنف على قول كاشف الغطاء قدس‌سرهما : «نعم ثبت الإباحة في معاملة المميزين ..» بما حاصله : أنّ الإباحة إمّا تحصل بنفس إنشاء الصبي ـ قولا أو فعلا على ـ نحو الموضوعية ، وإمّا تحصل به على نحو الطريقية والكشف عن إذن الولي.

والأوّل خلاف المشهور ، بل ادّعى العلّامة الإجماع على حجر الصبي عن كل تصرّف عدا أمور معيّنة. ولا فرق في مخالفته للمشهور بين القول باعتبار شرائط

__________________

(١) كشف الغطاء ، ص ٥٠ ، أفاده في شرطية البلوغ مما تعرض له في المقصد الثاني الذي عنوانه «في القواعد المشتركة بين المطالب الفقهية» قبل التعرض الشرطية العقل بسطرين.

٧٧

البيع أو المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنّه خلاف المشهور والمعروف ، حتى لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة ، لأنّها (١) تصرّف لا محالة وإن لم يكن بيعا ، بل ولا معاوضة (٢).

وإن أراد بذلك : أنّ إذن الولي ورضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة ـ لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعارة الصبي ـ فتوضيحه (٣) ما ذكره بعض المحققين من تلامذته وهو : أنّه لمّا كان (٤) بناء المعاطاة

______________________________________________________

البيع اللفظي في ترتب الإباحة على المعاطاة ، وبين القول بعدم الاعتبار. وجه عدم الفرق أن إنشاء الصبي ومعاملته المفيدة للإباحة تصرّف في المال ، وهو محجور عنه حسب الفرض.

والثاني ـ وهو كشف إنشاء الصبي عن إذن وليّه ـ منوط بمقدمات ذكرها المحقق الشوشتري في توضيح نظر أستاذه كاشف الغطاء قدس‌سره ، وستأتي.

ولا يخفى أنّ الأولى أن يقال ـ بدل قوله : أمّا التصرف والمعاملة بإذن الأولياء ـ «ان أراد بذلك أي ثبوت الإباحة في معاملة المميّزين» لأنّه في مقابل قوله بعد ذلك : «وإن أراد بذلك أنّ إذن الولي .. إلخ» فالمقابلة تقتضي أن تكون العبارة على النحو المذكور.

(١) تعليل للتعميم المتقدّم بقوله : «حتى لو قلنا» وتقدم بيانه آنفا.

(٢) وجه عدم كون المعاطاة المبيحة معاوضة هو اعتبار المبادلة الملكية أو الحقيّة في مفهوم المعاوضة ، فالإباحة المجرّدة عن الملك ليست معاوضة ، ولكن التصرف صادق عليها ، والمفروض حجر الصبي عن مطلق التصرف.

(٣) جزاء قوله : «وإن أراد بذلك» وهذا شروع في نقل كلام المقابس بطوله.

(٤) يعني : أنّ الإباحة تتوقّف على مقدمات أربع :

الاولى : عدم توقف صدق المعاطاة على التعاطي من طرفين ولا من طرف واحد ، بل يكفي حصول المراضاة بتصرف كل منهما في مال الآخر ، كما يقال في مثل

٧٨

على حصول المراضاة كيف اتّفق ، وكانت (١) مفيدة لإباحة التصرف خاصة كما هو المشهور ، وجرت (٢) عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة ، والرّضا (٣) باعتماد غيرهم في التصرف فيها على الأمارات (٤) المفيدة للظنّ بالرضا في المعاوضات ، وكان (٥) الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبي تعيّن (٦)

______________________________________________________

وضع الفلس في موضع أعدّه صاحب آنية الماء ، وأخذ إناء منها. وقد تقدم تفصيل ذلك في ثاني تنبيهات المعاطاة ، فراجع (١).

(١) معطوف على «كان» في ـ لمّا كان ـ وهذه مقدمة ثانية ، وهي إفادة المعاطاة للإباحة كما عليه المشهور ، دون الملك حتى المتزلزل.

(٢) معطوف على «كان» وهذه مقدمة ثالثة ، وهي : جريان عادة الناس على التسامح في معاملة المحقّرات ، والاقتصار على الأمارة المفيدة للظن برضا المالك بالتصرف ، ولا يتحرّون القطع برضاه ، ومن تلك الأمارات جلوس الصبي موضع وليّه في معاملة الأشياء الرخيصة.

(٣) بالجر تقديرا بالعطف على «التسامح» وقوله : «باعتماد» متعلق ب «الرضا».

(٤) هذا وقوله : «في التصرف» متعلقان ب «اعتماد» يعني : جرت عادة الناس برضاهم بأن يعتمد غيرهم في التصرف في أموالهم على ما يفيد الظن بالرضا في المعاوضات فيها.

(٥) معطوف على «كان» في «لمّا كان» وهذه مقدمة رابعة ، وحاصلها : أنّ الأموال الحقيرة ـ التي يعتمد في معرفة قيمتها غالبا على إخبار الصبيان ـ إمّا أن تكون أسعارها معيّنة بالدقة ، وإمّا أن يكون الاختلاف فيها بما يتسامح به عادة ، فلا يصير الصبي مغبونا في المعاملة.

(٦) خبر قوله : «وكان الغالب» يعني : ومع هذه الغلبة الموجبة لتعيّن القيمة لا حاجة إلى المساومة.

__________________

(١) الجزء الثاني من هذا الشرح ، ص ٥٣ و ٣٠٢.

٧٩

القيمة أو الاختلاف الذي يتسامح به في العادة ، فلأجل (١) ذلك صحّ القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع والشراء مع الشروط المذكورة (٢). كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار وفي إيصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق. بل ما ذكرنا (٣) أولى بالجواز من الهدية من وجوه (٤) ، وقد استند فيه (٥) في التذكرة إلى تسامح السلف.

وبالجملة : فالاعتماد في الحقيقة (٦) على الاذن المستفاد من حال المالك في

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «لمّا كان بناء المعاطاة» وقوله : «ذلك» إشارة إلى المقدمات الأربع المتقدمة آنفا.

(٢) المذكور في عبارة كاشف الغطاء أمران ، أحدهما التمييز ، والآخر الجلوس مقام الأولياء. ولو فرض شرط ثالث فهو حقارة الأشياء التي عبّر عنها ب «خصوصا» والأمر سهل.

(٣) أي : الاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع والشراء ـ مع الشروط المذكورة ـ أولى بالجواز من الاعتماد على إيصال الصبي للهدية من وليّه إلى المهدي إليه.

(٤) الأوّل : تخصيص المال في المقام باليسير ، وتعميمه في الهدية له وللخطير على ما يقتضيه إطلاق كلامهم.

الثاني : وجود الأمارات المفيدة للظن بالإذن مثل الجلوس في الدكان ، والمعاملة بمرأى ومسمع من الناس هنا ، دون الهدية.

الثالث : انّ المقام من باب الإباحة ، والهديّة من باب التمليك ، ويتسامح في الأوّل بما لا يتسامح به في الثاني.

الرابع : أنّ المقام فيه العوض ، بخلاف الهدية.

(٥) أي : في الحكم بإباحة المال المأخوذ في معاملات المميّزين.

(٦) في معاملات الصبيان.

٨٠