هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

منع (١) الاتحاد أوّلا. ومنع قدحه (٢) ثانيا.

هذا (٣) إذا أمره الآمر بالاشتراء من مولاه. فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولى فعن جماعة منهم المحقق والشهيد الثانيان : أنّه لا يصح ، لعدم الإذن من المولى (٤) (*).

______________________________________________________

وثانيها : ما تعرض له بقوله : «منع الاتحاد» لتعدد السيد والعبد حقيقة فتعدّد الموجب والقابل.

وثالثها : ما أفاده بقوله : «ومنع قدحه» لعدم دليل على لزوم تعدد الموجب والقابل حقيقة ، فيكفي فيه التعدد الاعتباري.

(١) مبتدء مؤخر ، وخبره قوله : «فيه».

(٢) هذا الضمير وضمير «اقتضائه» راجعان إلى اتحاد الموجب والقابل.

(٣) المشار إليه هو القول بصحة شراء العبد نفسه من مولاه لو أمره آمر. وأمّا لو أمره ذلك الآمر بالاشتراء من وكيل المولى فعن جماعة عدم الصحة ، لعدم الإذن من المولى.

(٤) قال المحقق الثاني في شرح قول العلامة : «وليس للملوك أن يبيع أو يشتري إلّا بإذن مولاه ، فان وكّله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي» ما لفظه : «لعلّ النكتة في قوله : ـ من مولاه ـ استلزام بيع المولى له نفسه إجازته لوكيل الغير إيّاه. بخلاف ما لو اشترى من وكيل مولاه. والأصح الجواز ، لأنّ التغاير بين العوضين والمتعاقدين يتحقق مع التغاير الاعتباري» (١). ونحوه كلام الشهيد الثاني.

__________________

(*) قد عرفت سابقا عدم توقف الإنشاءات غير المتعلقة بنفس العبد على إذن المولى. وعلى تقدير التوقف يكفي الإذن الضمني الذي يدلّ عليه ـ التزاما ـ إيجاب المولى أو وكيله المفوّض معه ، حيث إنّ إيجابه يدلّ على إجازته للعبد في قبول وكالته عن الآمر الذي أمره باشتراء نفسه.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٨ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٧ و ١٥٨.

٣٤١

وربما قيل (١) بالجواز حينئذ (٢) أيضا بناء على ما سبق منه (٣) من أنّ المنع لأجل النهي ، وهو لا يستلزم الفساد.

وفيه (٤) ما عرفت (٥) : من أنّ وجه المنع (*) هو أدلة عدم استقلال العبد

______________________________________________________

وصريح كلامهما ترجيح الصحة ، وإنّما ذكرا عدم الصحة وجها في المسألة.

وصاحب الجواهر قدس‌سره نقل وجه البطلان عنهما (١) ، ولم ينقل قولهما : «والأصحّ الجواز» وصار هذا منشأ لأن يقول المصنف : «فعن جماعة أنه لا يصح» فراجع الكلمات متأمّلا فيها.

(١) القائل هو صاحب الجواهر قدس‌سره (٢).

(٢) أي : حين الاشتراء من وكيل المولى لا نفسه ، كالاشتراء من نفس المولى في الصحة.

(٣) أي : من صاحب الجواهر ، وقوله : «بناء» قيد للجواز ، يعني : أنّ الجواز مبنيّ على ما سبق منه من أنّ النهي عن معصية السيّد لا يقتضي الفساد .. إلخ.

(٤) أي : وفيما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٥) عند إشكال المصنف عليه (في ص ٣٣٣) بقوله : «وفيه أوّلا منع حرمة هذه ..

إلخ».

__________________

(*) قد تقدم سابقا قصور أدلة عدم استقلال العبد عن شمولها للإنشاءات المتعلقة بغيره.

وكيف كان فالحق أن يقال : إن كان الوكيل مفوّضا فحكمه حكم السيد ، وإلّا فالوجه البطلان ، لخلوّ وكالة العبد عن الآمر بالشراء عن إذن السيد ، وصحته منوطة بإجازة السيد ، لكونه من صغريات عقد الفضولي.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٢.

٣٤٢

في شي‌ء ، لا منعه عن التصرف في لسانه (١) ، فراجع ما تقدّم (٢). والله أعلم (*).

______________________________________________________

(١) كما أفاده في الجواهر بقوله : «إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد» إلى آخر ما تقدم في عبارته المنقولة في (ص ٣٢٩).

(٢) من إشكال المصنف عليه بقوله : «وفيه أوّلا .. وثانيا .. إلخ».

__________________

(*) ثمّ إنّ هنا فروعا كثيرة لا بأس بالتعرض لبعضها :

منها : أنّه إذا حاز العبد مباحا بإذن المولى مع القصد ، فلا إشكال في صيرورته ملكا للمولى. وبدون القصد فالظاهر بقاؤه على الإباحة.

إلّا أن يقال : إن إذن المولى يتضمّن قصد التملك أيضا ، وهو كاف في حصول شرط تملك المباحات أعني به قصد التملك.

وإن حازه بغير إذنه مع القصد ، فعلى القول بملكيته يملكه محجورا عن التصرف فيه. وعلى القول بالعدم ففي بقائه على الإباحة أو صيرورته ملكا للمولى قهرا وجهان ، أقواهما الثاني ، لأنّه من منافع عبده. ولا يعتبر في تملك المباحات سوى الحيازة والقصد ، وكلاهما موجود.

نعم إذا حاز المباح بدون القصد يشكل الحكم بملكيته للسيد أو العبد ، بل هو باق على الإباحة ، نظير حيازة حيوان لشي‌ء مباح ، فإنّه باق على إباحته ، إذ لا قصد للحيوان ، فلا يملكه مالك الحيوان. وهذا القصد هو الفارق بين حيازة العبد وحيازة الحيوان ، فالصور أربع ثنتان منها مع الإذن ، وثنتان منها بلا إذن.

ومنها : أنّه لا مانع من أن يوكّله مولاه في بيع نفسه أو إعتاقه ، إذ ما يتصوّر مانعا منه هو اتحاد الموجب ومتعلق المعاملة ، وذلك ليس مانعا بعد ما تقدم من جواز اتحاد الموجب والقابل ، وكفاية التغاير الاعتباري.

٣٤٣

مسألة :

ومن شروط المتعاقدين (١) : أن يكونا مالكين (*) أو مأذونين من المالك

______________________________________________________

من شروط المتعاقدين : ملك التصرف

(١) اشترط الفقهاء قدس‌سرهم في المتعاقدين مالكيتهما للعوضين أو مأذونيتهما في البيع بالإذن الشرعي أو المالكي ، وفرّعوا عليه انتفاء الصحة الفعلية عن بيع من ليس له ولاية التصرف في العوضين ، سواء قيل ببطلانه رأسا أم بصحته التأهليّة.

وبيانه : أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمر العقد سواء أكان مالكا ، أم وليّا عليه ، أم مأذونا منه ، أم وكيلا عنه ، وهذا لا إشكال في صحته. وإمّا يصدر من غير من له ولاية العقد بدون إذنه وإجازته ، وهذا لا إشكال في فساده. وإمّا يصدر من غير من له ولاية العقد مع تعقبه بالإجازة. وهذا هو مورد البحث والكلام في الصحة أو اللزوم كعقد نفس المالك أو المأذون منه أو من الشارع إلّا بالإجازة.

__________________

(*) في هذا التعبير مسامحتان :

الأولى : في اعتبار مالكية العوضين في الخروج عن الفضولية ، لانتقاضه بموارد.

منها : بيع العين المرهونة على المشهور ـ بل المدّعى عليه الإجماع ـ من حجرهما عن التصرف فيها ، مع كونها ملكا للراهن ، وهذا يكشف عن عدم كفاية مالكية العوضين في انتفاء الفضولية.

٣٤٤

أو الشارع (١)

______________________________________________________

(١) هذا العنوان بقول بعض الأعلام قدس‌سره (١) من جوامع الكلم ، لشموله لجميع أقسام من يصحّ منه البيع كالمالكين للعوضين والمأذونين منهم كوكلائهم ، والمأذونين من الشارع ، وهم الأولياء المنصوبون منه كالأب والجدّ والحاكم الشرعي ومنصوبه ،

__________________

ومنها : بيع السفيه والمفلّس ، لعدم نفوذ بيعهما مع كونهما مالكين.

ومنها : بيع المريض ـ في مرض موته ـ ما زاد على الثلث بناء على نفوذ تصرفه في الثلث خاصة ، لتوقف صحة بيعه على إجازة الورثة ، مع عدم زوال مالكيته عن أمواله بعد.

ومنها : غير ذلك ممّا لا ينفذ بيع المالك.

ومنه يظهر أنّ توجيه المتن «بأنّ المراد اشتراط نفوذ التصرف بمالكية المتعاقدين» غير وجيه ، لأنّ نفوذ التصرف منوط بمالكية المتعاقدين لأمر العقد لا للعوضين.

نعم تندفع هذه المسامحة بما سيأتي نقله من كلام الشهيد قدس‌سره في تعريف الفضولي من تصريحه بأن «الفضولي هو من لا يملك التصرف» وعليه فالعبارة الجامعة لملك العوضين والاذن في البيع شرعا أو مالكا هو ملك أمر العقد.

الثانية : التعبير ب «لا يصح» وتفسيره بعدم ترتب اللزوم عليه كعقد الأصيل ، إذ الكلام في نفوذ عقد الفضول وعدمه ، لا في لزومه وجوازه. لأنّ الفضول قد ينشئ عقدا خياريا كما إذا باع حيوانا مملوكا للغير ، فبيعه عقد جائز غير نافذ ، لوقوفه على إجازة الملك.

وعليه فالحكم ببطلان عقد الفضول إنّما يتّجه لو اختلّ بعض شروط العقد. ومع فرض وقوعه باطلا امتنع تصحيحه بالإجازة المتأخرة ، لاستحالة انقلاب الشي‌ء عمّا وقع عليه. فلا بدّ أن يكون نفس العقد صحيحا حتّى يتوقّف تأثيره ونفوذه على الإجازة.

__________________

(١) هو الفاضل المامقاني في غاية الآمال ، ص ٣٥٠.

٣٤٥

فعقد الفضولي (١) لا يصحّ (٢) ، أي : لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره (٣)

______________________________________________________

والمأذون من قبله ، وكذا المنصوب من الأب أو الجد قيّما على الصغير ، وغير ذلك من الموارد التي تنتفي الفضولية فيها.

(١) الفضولي لغة الاشتغال بما لا يعنيه. قال الفيومي : «وفضل فضلا من باب قتل زاد ، وهو الفضل أي الزيادة ، والجمع فضول ، مثل فلس وفلوس. وقد استعمل الجمع استعمال المفرد أيضا : فيما لا خير فيه ، ولهذا نسب إليه على لفظه ، فقيل : فضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه ، لأنّه جعل علما على نوع من الكلام ، فنزّل منزلة المفرد ، وسمّي بالواحد» (١).

وعن أقرب الموارد : «الفضول جمع الفضل كما مرّ ، والفضول العمل الفضولي ، وهو مفرد هنا ، يقال : انّ ذلك فضول منه أي اشتغال بما لا يعنيه».

ولا يخفى أنّه لو لا علمية الفضول لنوع من الكلام لكان مقتضى القاعدة الأدبية ـ من ردّ الجمع الى المفرد في النسبة ـ أن يقال : «فضلي» لا «فضولي».

واصطلاحا ـ كما عن الشهيد ـ «هو الكامل غير المالك للتصرف فيه ، سواء كان غاصبا أم لا». والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي هو الإطلاق والتقييد.

وكيف كان فالفضولي صفة للعاقد ، والفضول صفة للعقد ، فجعل الفضولي صفة للعقد مجاز من قبيل الوصف بحال متعلّقه.

(٢) يعني : أنّه يتفرّع على هذا الشرط عدم صحة عقد الفضولي ، بمعنى عدم ترتب الأثر الذي يترتب على عقد غير الفضولي وهو اللزوم.

(٣) أي : غير الفضولي من لزوم ترتيب الأثر من النقل والانتقال أو غيرهما ، فإنّ هذا الأثر لا يترتب على عقد الفضولي.

__________________

(١) المصباح المنير ، ص ٤٧٥.

٣٤٦

من اللزوم (١) (*). وهذا (٢) مراد من جعل الملك وما في حكمه (٣) شرطا ، ثمّ فرّع (٤) عليه «بأنّ بيع الفضولي موقوف على الإجازة» كما في القواعد. فاعتراض (٥)

______________________________________________________

(١) بيان ل «ما» الموصول.

(٢) أي : ما ذكرناه ـ من كون الشرط مالكية المتعاقدين أو مأذونيّتهما من المالك أو الشارع ـ هو مراد من جعل الملك وما في حكمه أعني الإذن من المالك أو الشارع شرطا ، توضيحه : أنّ مراد العلامة قدس‌سره من جعل الشرط الملكية أو الإذن من المالك أو الشارع هو توقف لزوم العقد فعلا على إجازة وليّ البيع ومالكه ، في قبال العقد الصادر من وليّ البيع ، فإنّه بمجرد صدوره يكون لزومه فعليا.

(٣) وهو الإذن من المالك أو الشارع.

(٤) يعني : العلّامة قدس‌سره فإنّه فرّع على هذا الشرط توقف بيع الفضولي على الإجازة حيث قال : «ويشترط كون البائع مالكا أو وليّا عنه كالأب والجدّ له ، والحاكم وأمينه ، والوصي ، أو وكيلا ، فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ..» (١).

(٥) محصل اعتراض المحقق الثاني قدس‌سره على ما في القواعد هو : أنّ هذا التفريع في

__________________

(*) لعلّ الأولى ابداله ب «الأثر» لأنّ ظاهر اللزوم ترتب الملكية في البيع بدون اللزوم ، وتوقف اللزوم على الإجازة. مع أنه ليس كذلك ، لأنّ شرطية طيب نفس المتعاقدين ـ الذي تكشف عنه الإجازة ـ تقضي بعدم ترتب أثر أصلا على عقد الفضولي إلّا بالإجازة ، حيث إنّ طيب النفس المستكشف جزء العقد أو شرطه ، ولا يترتب الحكم على الموضوع قبل تمامية جزئه وشرطه. فالحكم الوضعي من الملكية اللازمة كما في البيع والجائزة كما في الهبة لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بالإجازة.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.

٣٤٧

جامع المقاصد عليه «بأن التفريع في غير محله» لعلّه (١) في غير محلّه (*).

وكيف كان (٢) فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهمّ المسائل (٣) ، فنقول : اختلف الأصحاب وغيرهم في بيع الفضولي ، بل مطلق

______________________________________________________

غير محله ، إذ المتبادر من الشرط المذكور بطلان عقد الفضولي ، لكونه فاقدا لذلك الشرط ، إذ المفروض أنّه ليس مالكا ولا مأذونا منه ولا من الشارع. لا توقفه على الإجازة كما أفاده العلامة قدس‌سره.

(١) خبر «فاعتراض» أي : لعلّ اعتراض المحقق الثاني على العلامة قدس‌سرهما في غير محله ، وذلك لأنّ مراد العلامة من الشرط المذكور شرطيّته في الصحة الفعلية ، بمعنى أنّ عقد الفضولي لا يصير مؤثرا فعلا. وهذا لا ينافي صحته الشأنية ، وتوقف فعليتها على الإجازة.

(٢) أي : سواء كان اعتراض المحقق الثاني ـ ومن تبعه كالسيد العاملي قدس‌سرهما (١) ـ على تفريع العلّامة في محلّه أم في غير محلّه ، فالمهمّ .. إلخ. وهذا شروع في الإشارة إلى أقوال الفقهاء في المسألة وتحرير محلّ النزاع ، وأن بحث الفضولي مخصوص بالعقود ، ولا يجري في الإيقاعات ، لاتفاقهم على بطلانها.

(٣) أي : المسائل المهمة الفقهية التي وقع فيها البحث قديما وحديثا بين علماء الفريقين.

__________________

(*) نعم هو في غير محله ، لكن لا لما ذكره المصنف ، بل لفقدان شرطه وهو طيب النفس ، والإجازة كاشفة عنه ، فإن حصلت ترتّب الأثر على العقد ، وإلا فلا ، وغرض العلّامة قدس‌سره من التوقف على الإجازة هو عدم ترتّب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد تحقّق شرطه وهو الإجازة. وهذا كلام متين.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٨ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٤.

٣٤٨

عقده (١) ـ بعد اتفاقهم على بطلان إيقاعه (٢) كما في غاية المراد (٣) ـ على أقوال (٤).

______________________________________________________

(١) أي : عقد الفضولي كالصلح والنكاح والإجارة والوكالة والمساقاة والمزارعة وغيرها ، فلا يختص النزاع بالبيع.

(٢) أي : إيقاع الفضولي. والظاهر من عبارة الشهيد الآتية جميع الإيقاعات.

(٣) قال في غاية المراد : «اختلف علماؤنا في كل عقد صدر عن الفضولي ، ونعني به الكامل غير المالك للتصرف فيه ، سواء كان غاصبا أم لا ، بعد اتفاقهم على بطلان الإيقاع ، وعلى عدم لزوم العقود على أقوال» (١).

وقال المحقق الأردبيلي قدس‌سره في شرح قول العلامة قدس‌سره في الإرشاد : «والرّاهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» ما لفظه : «والظاهر عدم القول به ـ يعني بالفضولي ـ في العتق ، لقولهم عليهم‌السلام : لا عتق إلّا في ملك. ويمكن الجواز والتأويل كما لا بيع إلّا فيما يملك» (٢).

(٤) متعلق ب «اختلف». ثم إنّ أقوال المسألة على ما عن الشهيد قدس‌سره في نكاح غاية المراد خمسة :

الأوّل : بطلانه مطلقا أي في البيع والشراء والنكاح وغيرها ، سواء أجاز المالك العقد أم لا. حكاه رحمه‌الله عن الشيخ رحمه‌الله في المبسوط والبيع من الخلاف.

الثاني : وقوفه على الإجازة مطلقا ، حكاه ره عن الحسن والمفيد والمرتضى والشيخ في النهاية ، وسلّار والقاضي والتقي وابن حمزة والمحقق والعلّامة.

الثالث : أنّه يقف بالبيع ويبطل الشراء ، حكاه ره عن الشيخ في كتاب النكاح من الخلاف. والمعنون في كثير من العبارات إنّما هو «ما لو باع الفضولي» من دون تعرض لشرائه ، فيحتمل أن يكون ذكر البيع من باب المثال ، كما يحتمل أن يكون من باب الاختصاص بالحكم.

__________________

(١) غاية المراد ، ص ١٧٧ ، وحكاه عنه في المقابس ، ص ١٩ (كتاب البيع).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ١٦٣.

٣٤٩

والمراد بالفضولي كما ذكره الشهيد هو الكامل (١) غير المالك للتصرف (٢) ولو (٣) كان غاصبا ، وفي كلام بعض العامة «أنّه (٤) العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه» (*)

______________________________________________________

الرابع : بطلان البيع وصحّة النكاح قال رحمه‌الله : «وهو قول الفاضل ابن إدريس رحمه‌الله».

الخامس : بطلان النكاح في غير البكر الرشيدة مع حضور الولي ، وعقد الأبوين على الصغير ، والجدّ مع عدم الأب ، وعقد الأخ والعمّ والامّ على صبيته ، والعقد لعبد منه أو من أجنبي بلا إذن السيد ، قال ره : «وهو قول ابن حمزة».

(١) أي : الكامل بالنسبة إلى الشرائط العامة كالبلوغ والعقل والاختيار والحرية.

(٢) غرضه أنّ الفضولي ليس خصوص من لا يكون مالكا للعين ، بل يعمّ كلّ من ليس له حق التصرف في عين المال وإن كان مالكا لها ، كالراهن المالك للعين المرهونة ، فإنّه ـ مع كونه مالكا لها ـ ليس له حق التصرف فيها إلّا بإذن المرتهن. وكذا القصّر كالصغار والمجانين والمفلّسين ، فإنّهم مع كونهم مالكين ممنوعون من التصرف.

(٣) كلمة «لو» غير مذكورة في كلام الشهيد ، والمذكور فيه «سواء كان غاصبا أم لا» كما عرفت نصّ كلامه في (ص ٣٤٩).

(٤) أي : الفضولي ، يعني : أنّ الفضولي يطلق في كلام بعض العامة على العاقد الذي يعقد بدون إذن من يعتبر إذنه من المالك أو الشارع.

__________________

(*) الظاهر أنّ النسبة بينهما هي العموم المطلق ، لأنّ كل كامل غير مالك للتصرف عاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه. ولا عكس ، كما إذا كان العاقد مجنونا أو صغيرا بحيث يمكن تمشّي القصد منهما ، فإنّ هذا العاقد فضولي ، لصدق العاقد بلا إذن من يعتبر إذنه عليه ، ولا يصدق عليه الفضولي بمعناه الأوّل ، لعدم كون العاقد كاملا.

وتعريف الشهيد أولى من تعريف بعض العامة ، لأنّ عقد الفضولي ـ في مقابل عقد الأصيل ـ يقتضي أن يكون عقدا تاما من جميع الجهات الدخيلة في عقديته

٣٥٠

وقد يوصف به (١) نفس العقد ، ولعلّه (٢) تسامح.

وكيف كان (٣) فيشمل العقد الصادر من الباكرة [البكر] (*) الرشيدة بدون إذن الوليّ ، ومن المالك (٤) إذا لم يملك التصرف ،

______________________________________________________

(١) أي : بالفضولي ، يعني : أنّه قد يوصف نفس العقد بالفضولي ، فيقال : «العقد الفضولي» كما يقال : «العاقد الفضولي» وقد وصف الشهيد العقد بالفضولي ، لقوله في غاية المراد : «البيع الفضولي».

(٢) يعني : ولعلّ توصيف نفس العقد بالفضولي مسامحة ، وجه المسامحة : أنّ العقد ليس ملكا لأحد حتى يكون متصفا بالفضولي ، وإنّما المتصف به هو العاقد غير المالك للتصرف.

(٣) يعني : سواء أكان الفضولي بالمعنى الذي ذكره الشهيد أو بعض العامة ، فيشمل عقد الفضولي العقد الصادر من البكر الرشيدة بناء على ولاية الأب والجدّ عليها ، وعدم ولايتها على تزويج نفسها ، لصدق مفهوم الفضولي بكلا تفسيريه على عقد البكر الرشيدة كما لا يخفى.

(٤) معطوف على «من البكر» يعني : ويشمل عقد الفضولي العقد الصادر من المالك الممنوع عن التصرف في ماله كالراهن والمفلّس وغيرهما من المحجورين من

__________________

إلّا صدوره ممّن له ولاية العقد ، فجميع شروط العقد في عقد الفضولي موجودة ، فلا يشمل عقدا لا يكون قابلا للإجازة كالصغير بناء على كونه مسلوب العبارة ، بحيث لا يصح عقده حتى بإجازة وليّه.

(*) المذكور في نسخ المكاسب «الباكرة» غير النسخة المنسوبة إلى جامعة النجف الدينية. والصحيح هو (البكر) فعن شرح القاموس «بأن التعبير عن هذا المعنى ـ أي العذراء ـ بلفظ الباكرة غلط».

٣٥١

لتعلق حق الغير بالمال (١) كما يومي إليه (٢) استدلالهم لفساد الفضولي بما دلّ على المنع من نكاح الباكرة [البكر] الرشيدة بغير إذن وليّها. وحينئذ (٣) فيشمل بيع الراهن والسفيه ونحوهما (٤) وبيع (٥) العبد بدون إذن السيد.

______________________________________________________

التصرف في أموالهم.

(١) كتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة ، فإنّ مالكها ـ وهو الراهن ـ ممنوع من التصرف فيها.

(٢) أي : يومي الى هذا الشمول استدلال الفقهاء ـ لفساد عقد الفضولي مطلقا بيعا كان أو غيره ـ بالأخبار الواردة في منع نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها الموجود ، كما في خبر أبى مريم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الجارية البكر التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها. وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت متى شاءت» (١).

وعلى كلّ فالمستدل بهذه الروايات هو القائل بفساد عقد الفضول ، وقد أشار إليه صاحب المقابس في عدّ حججهم بقوله : «ومنها : ما ورد في النكاح ، وهي أيضا كثيرة ، تطلب مع الجواب عنها في محلّها» (٢).

(٣) أي : وحين شمول عقد الفضولي لعقدي البكر الرشيدة بدون إذن وليّها والمالك الذي لا يملك التصرف ـ بسبب استدلال الفقهاء بالأخبار الواردة في منع نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها ـ فيشمل عقد الفضولي بيع الراهن والسفيه.

(٤) كالمفلّس والمحجور عليه لصغر أو جنون.

(٥) معطوف على «بيع الراهن» وغرضه أنّ تعريف الشهيد للفضولي ـ بما ذكر ـ يشمل بيع العبد مال نفسه بدون إذن سيده ، أو بيع العبد مال غيره بإذن مالكه وبدون

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٠٥ ، الباب ٤ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٢. ونحوه ما ورد في الباب ٩ ، ص ٢١٤ و ٢١٥ ، وما ورد في بعض أخبار الباب ١١ من أبواب المتعة ، ٤٥٧ إلى ٤٦٠.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣١.

٣٥٢

وكيف كان (١) فالظاهر شموله (٢) (*) لما إذا تحقّق رضا المالك للتصرف باطنا ، وطيب (٣) نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوى (٤) ،

______________________________________________________

إذن سيده في إجراء صيغة البيع. وهذا أولى من سابقه ، لاندراجه في بيع المالك إذا لم يملك التصرف في ماله.

لكن قد عرفت سابقا منع توقف صحة إجراء الصيغة على إذن السيد.

حكم العقد المقرون برضا المالك

(١) يعني : سواء قلنا بشمول الفضولي لمثل بيع الراهن بلا إذن المرتهن ، أم قلنا بعدمه.

(٢) أي شمول عقد الفضولي لما إذا أحرز طيب نفس المالك مع عدم إذن منه ، فإذا باع شخص مال غيره مع إحراز رضاه كان هذا البيع من أفراد عقد الفضولي ، ومجرد رضا المالك به لا يخرجه عن الفضولية.

(٣) معطوف على «رضا» أي : تحقق طيب نفس المالك بالعقد.

(٤) أو بشاهد الحال ، فإنّ جميع هذه الثلاثة إذن ، غايته أنّ الأوّلين إذن بلسان القال ، والثالث إذن بلسان الحال. فغرض المصنف قدس‌سره من هذا الكلام إدراج مورد العلم برضا المالك في الفضوليّ ، وأنّ خروجه عن الفضولية منوط بإظهار الرضا ولو بالفحوى. واستدلّ عليه بما سيأتي.

__________________

(١) لا يخفى أنّه بناء على شمول الفضولي لصورة رضا المالك باطنا يشكل التصرف الاعتباري كالبيع ونحوه في السهم المبارك لمن يأخذه ويصرفه في ضروريات معاشه ، ويشتري به ما يحتاج إليه ، لتوقف البيع والشراء وغير ذلك من التصرفات المملّكة على الملكية ، مع فرض عدم صيرورة السهم المبارك ملكا لأحد.

٣٥٣

لأنّ (١) العاقد لا يصير مالكا للتصرف ومسلّطا عليه بمجرد علمه (٢) برضا المالك.

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم خروجه عن الفضولية ، ومحصّله : أنّ مجرد العلم برضا المالك لا يجعل العاقد مالكا للتصرف حتى يخرج عن عنوان الفضولي ، وخروجه عن هذا العنوان منوط بكونه مالكا للتصرف.

(٢) أي : علم العاقد برضا المالك ، وضمير «عليه» راجع إلى التسلط.

__________________

دون التصرف الخارجي كالأكل والشرب واللبس ، لكفاية طيب النفس في جوازها ، وعدم اشتراطها بالإذن.

ويمكن دفع الإشكال أوّلا : بأن يشتري آخذ السهم متاعا بثمن في ذمته ، ليتملّك المتاع ، ثم يدفع السهم إلى البائع لتفريغ ذمته عمّا اشتغلت به من الثمن تبرّعا من ناحيته عليه‌السلام اعتمادا على إذنه عليه‌السلام لقابض السهم المبارك في التصرف فيه ، فإنّ التبرع بأداء دين الغير من المستحبات ، وفراغ الذمة لا يتوقف على مالكية المديون للمال الذي يدفعه إلى الدائن ، بل هو مال الامام عليه‌السلام ، وبه تبرء ذمة المديون ، ويملك المشتري المتاع بنفس الشراء ، والتبرع المستحب بماله عليه‌السلام داخل في التصرف المأذون فيه.

والرضا بوفاء الدين بماله عليه‌السلام مستلزم لمالكية الدائن لذلك المال ، وإلّا لم يكن وفاء ، فنفس الوفاء يوجب ملكية المال الذي يوفى به الدين للدائن.

وثانيا : أنّ رضاه عليه‌السلام بالتصرف في ماله مع القطع بوقوع التصرفات المتوقفة على الملك فيه بالضرورة أذن بشاهد الحال في جميع تلك التصرفات ، فيخرج عقدها عن الفضولي ، ويصير المتاع المشتري بماله ملكا له عليه‌السلام مع الإذن لمشتريه بالتصرف فيه.

أو إذن منه عليه‌السلام بتملك ماله عليه‌السلام ، كتملك المرتزقين من بيت المال ، فإنّ من يرتزق منه كالقاضي يتملّك المال ويتصرف فيه تصرفا متوقفا على الملك. نظير من

٣٥٤

.................................................................................................

__________________

يأذن لغيره عموما أو خصوصا بتملك ماله بمعنى رفع المانع عن تملك الغير له كتملك مال أعرض عنه مالكه.

والفرق بين هاتين الصورتين أنّه في هذه الصورة يصير السهم المبارك ملك الآخذ بالقبض مع قصد التملك ، فيبيع ويشتري بمال نفسه. وفي الصورة السابقة يكون مأذونا في البيع والشراء بمال الامام عليه‌السلام ، لا بمال نفسه ، لكن مع جواز التصرف فيه بإذنه عليه‌السلام.

ويحتمل أن يعامل مع السهم المبارك معاملة المال المتعذر وصوله إلى مالكه ، فيكون أخذه من باب التصدق الموجب لتملك الآخذ له. لكن يشكل حينئذ صرفه في غير ضروريات معاش الفقراء والمضطرّين ، كبناء المدارس العلمية والمساجد والحسينيّات وغيرها.

إلّا أن يضعف هذا الاحتمال بأنّه مع تعيّن المصرف من مالك السهم لا تصل النوبة إلى التصدق ، هذا.

ثمّ إنّ لسيدنا المحقق الخويي كلاما في المقام مذكورا في بعض أجوبة استفتاءاته ، وهو : أنه إذا وقعت المعاملة بعين السهم المبارك كان عوضها ملك الامام عليه‌السلام.

وهذا يتوقف على كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة ، والاستغناء عن الإجازة لخروجها عن الفضولية. مع أنّه دام بقاؤه لا يخرج هذه المعاملة المقرونة برضا المالك عن عقد الفضولي. فالالتزام بصحّتها ولزومها ينافي التزامه باندراج المعاملة المقرونة برضا المالك باطنا مع عدم إذنه في عقد الفضولي.

ويمكن دفع المنافاة بحصول الإذن منه عليه‌السلام بشاهد الحال الذي هو كالإذن بلسان المقال ، حيث إنّ بقاء الأحكام وشرائع الإسلام موقوف على إقامة الحوزات العلمية وتشييد أركانها ، إذ بدونها تندرس الأحكام ، وتنمحي آثار الإسلام. وهذا الوضع

٣٥٥

ويؤيّده (١) اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليّا ، وفرّعوا (٢) عليه بيع الفضولي

______________________________________________________

(١) يعني : ويؤيّد شمول عقد الفضولي للعقد الذي أحرز رضا مالك التصرف باطنا به ـ بدون إذنه صريحا أو فحوى بهذا العقد ـ اشتراط الفقهاء في لزوم العقد .. إلخ.

وجه التأييد : أنّ إطلاق تفريع بيع الفضولي على اشتراط كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليّا يقتضي اندراج كلّ عقد فاقد للشرط المذكور تحت بيع الفضولي حتى مع اقترانه برضا المالك باطنا.

والتعبير بالتأييد دون الدلالة ظاهر الوجه ، إذ ليس تفريع الفقهاء حجة شرعية حتى يستدلّ به على المدعى ، نعم هو صالح للتأييد.

(٢) أي : فرّعوا على الاشتراط المزبور بيع الفضولي ، والتفريع يدلّ على شمول عقد الفضولي لصورة رضا مالك التصرف باطنا ، لعدم كون العاقد ـ مع رضا المالك باطنا ـ مالكا ولا مأذونا ولا وليّا ، وكل عاقد لم يكن كذلك كان فضوليا.

__________________

يقتضي إذنه عليه الصلاة والسّلام بالبيع والشراء بالسهم المبارك ، فتندرج المعاملة في معاملة المأذون من ناحية المالك ، وتخرج عن عقد الفضولي.

وقد حكي عن السيد المحقق المجدد الميرزا الكبير الشيرازي قدس‌سره أنه قال : «أنا قاطع برضا مولانا الحجة المنتظر عجّل الله فرجه بصرف سهمه المبارك في إقامة الحوزات العلمية الشيعية ، وإدارة شؤونها».

فالمتحصل : أنّ جواز التصرف في السهم المبارك يمكن أن يكون بأحد الوجوه المتقدمة.

٣٥٦

ويؤيّده (١) أيضا استدلالهم على صحة الفضولي بحديث عروة البارقي (١) ، مع أنّ الظاهر علمه (٢) برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعله.

وإن (٣) كان الذي يقوى في النفس ـ لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب (٤) ـ عدم توقفه على الإجازة اللّاحقة ، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد ، سواء علم به (٥) العاقد

______________________________________________________

(١) معطوف على «ويؤيّده» يعني : ويؤيّد شمول عقد الفضولي لصورة رضا المالك باطنا وطيب نفسه بالعقد ـ من دون إذنه صريحا أو فحوى ـ استدلال الفقهاء على صحة عقد الفضولي بحديث عروة البارقي ، مع علمه ظاهرا برضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعله. وهذا الاستدلال كاشف عن عدم خروج صورة رضا المالك باطنا عن عقد الفضولي. وسيأتي شرح حديث عروة البارقي إن شاء الله تعالى.

(٢) أي : علم عروة. غرضه من قوله : «مع أن الظاهر» إدخال قضية عروة ـ المحرز لرضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باطنا ـ في بيع الفضولي حتى يصح الاستدلال بها على أنّ إحراز الرضا باطنا لا يخرج المعاملة عن عقد الفضولي.

لكن لم يظهر منشأ هذا الظهور ، مضافا الى ضعف السند. ولعله لذا جعله مؤيدا لا دليلا.

(٣) هذا شروع في بيان مختاره في صورة رضا المالك باطنا مع عدم إذنه. والأقوى عنده قدس‌سره صحة البيع وعدم توقفه على الإجازة ، وخروجه عن عقد الفضولي موضوعا.

(٤) حيث إنّ كثيرا من فقهاء الإمامية ذهبوا إلى أنّ هذه الصورة أيضا تحتاج إلى الإجازة ، فالعلم برضا المالك لا يخرجه عن الفضولي.

(٥) أي : برضا المالك ، فيجب على المالك ترتيب آثار الصحة عليه.

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٢٠٥ ، ح ٣٦ ، ورواه المحدّث النوري ـ عن ثاقب المناقب للشيخ الطوسي ـ في مستدرك الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٢٤٥ ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١.

٣٥٧

أو انكشف بعد العقد حصوله (١) حينه ، أو لم ينكشف (٢) أصلا ، فيجب على المالك فيما بينه وبين الله تعالى إمضاء ما رضي به ، ويرتب الآثار عليه ، لعموم (٣) وجوب الوفاء بالعقود (١) (*) وقوله تعالى شأنه (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٢)

______________________________________________________

(١) أي : حصول الرضا ، وضمير «حينه» راجع إلى «العقد».

(٢) أي : لم ينكشف بعد العقد حصول الرضا حين العقد.

والظاهر الاستغناء عن كلمة «أصلا» إذ ليس لعدم الانكشاف إلّا فرد واحد وهو عدم الانكشاف بعد العقد. إلّا أن يراد من كلمة «أصلا» عدم العلم بالرضا حين العقد وعدم الانكشاف بعده ، فتأمّل.

(٣) قد استدلّ المصنف قدس‌سره على مختاره بوجوه :

الأوّل : عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بتقريب : أنّ هذا العقد جامع للشرائط المعتبرة في العقود سوى الإجازة الصريحة أو الفحوى من المالك ، لكن رضاه القلبي موجود ، فيصير هذا العقد من العقود الصحيحة التي تشملها الآية الكريمة ، وكذا الحال في آية التجارة ، لصدق التجارة عليه ، فتشمله آية التجارة.

__________________

(*) يتوجه عليه : أنّ وجوب الوفاء بكل فرد من أفراد العقود متوجه إلى من تحقّق له عقد بحيث يضاف إليه ويقال : إنّه عقده. ومجرّد الرضا الباطني للمالك لا يجعل عقد الفضولي عقده حتى يكلّف بالوفاء به. وكذا الحال في آية التجارة ، حيث إنّ مجرّد الرضا الباطني للمالك لا يجعلها تجارة المالك ، فلا ينسب إليه التجارة ، ولا يقال : إنّه اتّجر بماله.

وبالجملة. فعقد الفضولي ليس عقدا للمالك ولا تجارة له ، فلا يشمله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ولا آية التجارة عن تراض. فهاتان الآيتان الشريفتان نظير آية وجوب الوفاء

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

٣٥٨

ولا يحلّ (١) مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه (١) (*).

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني ، وهو : ما دلّ على حرمة مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه. والمفروض أنّه راض ببيع ماله ، فيكون خارجا عن الفضولية ، فيجوز التصرف فيه بلا حاجة إلى الإجازة.

__________________

بالنذور في عدم كون جميع المكلّفين مخاطبين بهذه التكاليف ، فلا يصح الاستدلال بهما على المقام.

(*) وفيه : أنّ الظاهر إرادة الحلية التكليفية في التصرفات الخارجية كالأكل والشرب. فإن كان كذلك فهو أجنبي عن مورد البحث وهو الحكم الوضعي أعني به نفوذ البيع ونحوه.

وإن أريد بالحل أعمّ من التكليفي والوضعي كما هو المحتمل ـ لكون الحل بمعنى الإرسال والفتح في مقابل السّدّ ـ ففيه : أنّه لا يدل إلّا على دخل طيب النفس في الحلية ، ولا دلالة فيه على انحصار سبب الحل في الرضا الباطني حتى ينافي اعتبار أمر آخر فيه كالإذن والإجازة إذا نهض دليل عليه.

والوجه في عدم إفادة الحصر ممّا دلّ على نفي الحل إلّا مع طيب النفس هو : أنّ نفي الماهية عند انتفاء شي‌ء لا يدلّ على الحصر ، وإناطة وجود تلك الماهية بوجود ذلك الشي‌ء فقط ، بل يدلّ على اعتباره في الماهية وأنّها تنتفي بانتفائه. ولا ينافي ذلك اعتبار شي‌ء آخر فيها فمثل «لا صلاة إلّا بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لا يدلّ على الحصر وعدم تحقق الصلاة إلّا بالطهور أو الفاتحة ، بل يدل على اعتبار الطهور والفاتحة

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ٢ ، ص ١١٣ ، الحديث : ٣٠٩.

٣٥٩

وما (١) دلّ على أنّ علم المولى بنكاح العبد وسكوته (٢) إقرار منه.

______________________________________________________

(١) بالجرّ محلّا عطفا على «لعموم» وهذا إشارة إلى الوجه الثالث ، وهو ما دلّ على علم المولى بنكاح العبد ، وأنّ سكوته إقرار منه بذلك. تقريب الاستدلال به : أنّ ظاهره كفاية الرضا الباطني في خروج العقد عن الفضولية ، لأنّ كفاية السكوت في نفوذ العقد وعدم الحاجة إلى إجازة جديدة تدلّ على كفاية الرضا الباطني ، وهذا ممّا يدل عليه جملة من الروايات :

منها : رواية معاوية بن وهب قال : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : إنّي كنت مملوكا لقوم ، وإنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ ، ثم أعتقوني بعد ذلك ، فأجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟ فقال عليه‌السلام له : أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم وسكتوا عنّي ، ولم يغيّروا عليّ. قال فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، أثبت على نكاحك الأوّل» (١) وقريب منه غيره.

(٢) بالنصب عطفا على «علم» وضميرا «سكوته»، منه راجعان الى «المولى».

__________________

شطرا أو شرطا فيها ، ولا ينافي ذلك اعتبار شي‌ء آخر فيها تنتفي الصلاة بانتفائه أيضا ، فاستدلال أبي حنيفة على عدم دلالة الاستثناء على الحصر بمثل «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» غير سديد ، لأنّ الاستثناء في موارد نفي الماهية ليس حقيقيا حتّى يدلّ على الحصر كما في «جاء القوم الّا زيدا» بل هو استثناء صوري لا يدلّ إلّا على اعتبار المستثنى شطرا أو شرطا في الماهية المنفية المستثنى منها.

وبالجملة : فما دلّ على دخل طيب النفس ـ بعد تسليم عموم الحلّ للتكليفي والوضعي ـ لا يدلّ على انحصار الحلّ في الرضا الباطني. فلا ينافي اعتبار الإذن أو

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٥ ، الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ونحو الحديث ٢ و ٣ من الباب.

٣٦٠