هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

.................................................................................................

__________________

اعلم : أنّ نزاع كاشفية الرضا وناقليّته متفرع على القول المشهور من صحة عقد المكره بلحوق الرضا ، وإلّا فعلى القول ببطلانه من أصله وعدم قابليته للصحة بلحوق الرضا لا مجال لهذا النزاع. وحيث إنّ الأقوى قابليّته للصحة بما يلحقه من طيب النفس ، فلهذا البحث مجال ، فنقول وبه نستعين : إنّ تنقيح البحث في ناقلية الرضا المتأخر عن العقد وكاشفيته يتم ببيان أمور :

الأول : في بيان ضابط الشروط المتأخرة التي تجري فيها نزاع النقل والكشف ، وتميزها عن الشروط التي لا تصلح لجريان هذا النزاع فيها ، فنقول : إنّ كلّ ما يرجع إلى تنفيذ ما وقع وإمضائه فهو محل هذا النزاع ، وكل ما يكون متمّما لمضمون العقد ومعدودا من أجزائه فلا يجري فيه هذا النزاع ، بل يكون جزء العقد ومقوّما لمضمونه ، ويتعين فيه النقل.

والأوّل كالإجازة في الفضولي ، والرضا في عقد المكره.

والثاني كالقبول والقبض في الصرف والسلم ونحوهما.

وعلى هذا فلا ينبغي الارتياب في كون رضا المكره كإجازة المالك لعقد الفضولي من صغريات الشرط الذي يجري فيه نزاع النقل والكشف.

وأما ما عن المحقق الثاني قدس‌سره «من كون إجازة المرتهن ناقلة مع ذهابه إلى الكشف في إجازة الفضولي» فهو من النزاع في الصغرى ، بمعنى : أن إجازة المرتهن ليست تنفيذا لما صدر من الراهن ، بل مرجع الإجازة إلى الطلقية أي : خلوّ المبيع عن حق غير البائع. والطلقية من أركان البيع كالقبول ، فإذا سقط حق المرتهن بالإسقاط أو بأداء الدين تم جميع أركان العقد ، فتمامية العقد إنّما هي بالإسقاط ، فلا معنى لكون إجازة المرتهن كاشفة ، بل لا محيص عن كونها ناقلة.

وهذا الكلام من المحقق المتقدم وإن لم يكن صحيحا ، لكون الإسقاط كالإجازة

٣٠١

.................................................................................................

__________________

ناظرا إلى تنفيذ العقد السابق وإمضائه ، إلّا أنّ الكبرى صحيحة.

وعلى هذا فيجري النزاع في إجازة العمّة والخالة العقد الواقع على بنت الأخ والأخت. وإجازة الدّيان بيع الورثة ، وإجازة المرتهن بيع الراهن ونحو ذلك.

الثاني : هل الأصل أن تكون الإجازة ناقلة أو كاشفة؟ لا ينبغي الارتياب في أنّ مقتضى الأصل كون الرضا في عقد المكره ـ كالإجازة في عقد الفضولي وغيره ـ هو النقل ، بعد البناء على كون الشرط في نفوذ العقد وجود الإجازة خارجا كما هو ظاهر الأدلة ، لا عنوان التعقب كما هو الشأن في شرطية الأجزاء اللاحقة في الصلاة للأجزاء السابقة ، فيلتزم بالكشف.

وقد يقال : إنّ مقتضى الأصل هو الكشف ، لأنّ إجازة العقد السابق عبارة عن الرضا بمضمون العقد ، وهو نقل الملك حين تحققه.

لكن فيه : أنّ مضمون العقد ليس هو إيجاد المنشأ حين صدور الإنشاء. وفرق واضح بين تحقق الإنشاء في زمان من باب أنّه لا بدّ من وقوع كل زمانيّ في الزمان. وبين دلالة اللفظ على الإيجاد في زمان الإنشاء ، فلو كان مفاد «بعت : أو جدت البيع الآن» كما هو ظاهر النحويين في مفاد الأمر والنهي من كونهما موضوعين للطلب في الحال لكان الأصل هو الكشف.

وأمّا لو كان مفاده أصل إيجاد البيع ، واستفيد وقوع المنشأ في الحال من جهات أخرى كمقدمات الحكمة الجارية في الإجارة والنكاح وغيرهما التي هي كون المنشئ بصدد الإيجاد وعدم تقييد ما أنشأه بقيد ، وكذا الحال في البيع ، فإنّ تلك المقدمات تقتضي وقوع المنشأ في حال الإنشاء ، لم يكن الرضا كاشفا ، بعد وضوح مدخلية الرضا في النقل بحيث يكون من قبيل تقييد الملكية بقيد متأخر ، فلا تحصل الملكية بدون ذلك القيد.

والعاقد وإن لم يقيّد إنشاءه بقيد ، لكن تقييد الشارع بمنزلة تقييد نفس العاقد ،

٣٠٢

.................................................................................................

__________________

فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه المتوقف على اجتماع جميع ما يعتبر في الحكم ، ومن المعلوم أن الإجازة مما يعتبر في ذلك ، فما لم يتحقق الإجازة لا يحكم الشارع بالنقل.

وجواب بعض المحققين عن هذا «بأنّ ما أنشأه العاقد لا يتخلف بنظره عن زمان إنشائه ، والتخلف إنّما يكون بنظر الشارع ، وهو غير قادح في الكشف ، إذ المجيز إنّما يجيز ما أوجده العاقد وعقده ، وإن لم يدل لفظا على الإيجاد في زمان التلفظ. لكن مقتضى وقوع الإنشاء في ذلك الزمان وتحقق المنشأ بنظره ـ لتحقق كل اسم مصدر بإيجاد المصدر ـ هو حصول المنشأ في زمان الإنشاء ، فإذا أمضى المجيز ما أوجده العاقد نفذ من ذلك الزمان» غير مفيد ، لأنّ الأمور الاعتبارية لا تتحقّق إلّا باعتبار من بيده الاعتبار ، وليس العاقد ممّن بيده الاعتبار ، بعد وضوح دخل الرضا في حصول الأمر الاعتباري. فنظر المنشئ لا أثر له ، فتكون الإجازة كالقبول ، والقبض في الصرف والسلم والهبة.

فالمتحصل : أنّ الأوفق بالقواعد هو النقل لا الكشف.

الثالث : بعد أن ثبت كون النقل مقتضى القواعد الأولية يقع الكلام في أنّ الكشف الحكمي الثابت في الفضولي تعبدا هل يثبت في المقام أيضا أم لا؟ فيه وجهان بل قولان ، من كون النص واردا في النكاح ، ومن عدم خصوصية لإجازة المالك عقد الفضولي ، بل كل ذي حق له أن ينفّذ العقد الواقع على متعلّق حقه. فعلى هذا يكون حكم الرضا اللاحق في عقد المكره حكم الإجازة في عقد الفضولي من حيث الأصل الأوّلي والثانوي.

ومن جملة الروايات الواردة في عقد الفضولي معتبرة أبي عبيدة الحذاء ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين؟ فقال :

٣٠٣

.................................................................................................

__________________

النكاح جائز ، وأيّهما أدرك كان له الخيار .. قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله : ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث (١).

ثم إنّه ينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : أنّ الإكراه واقعي ، واعتقاد المكره به طريق إليه ، فإذا اعتقد الإكراه ، وباع داره بدون الطيب والرضا ، ثم تبيّن عدم الإكراه وأنه اشتبه في ذلك فالوجه البطلان ، لوجود ملاك البطلان في الإكراه ، وهو فقدان الرضا فيه.

الثاني : أنّه إذا زعم عدم الإكراه ، فباع بطيب النفس بعض أمواله ، ثم انكشف الإكراه صحّ بيعه ، لوجود الرضا.

الثالث : إذا أكره على نفس البيع كبيع داره بدون قيد وشرط ، وباعها كذلك ، وبعد زوال الإكراه أجازه مقيّدا كأن يقول : «رضيت ببيع الدار بشرط أن يكتب لي صحيفة سجادية» فقد حكم الفقيه المامقاني قدس‌سره بالبطلان «لأنّه ليس إجازة لما وقع ، بل هو أمر مغاير له» (٢).

لكن فيه : أنّ معيار الصحة هو الرضا ، والعقد السابق ما دام لم يلحقه الرضا لا يترتب عليه أثر ، فإذا رضي بتمامه وبعضه صحّ لأجل الرضا ، فهو كبيع ما يملك وما لا يملك في أنّ العقد ينحل إلى عقدين أو عقود ، في صحته بالنسبة إلى بعض المبيع ، وفساده بالإضافة إلى بعضه الآخر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٧ ، ص ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١. ولا يخفى أن هذه الرواية من أدلة انتصاف المهر بالموت كالطلاق قبل الدخول.

(٢) غاية الآمال ، ص ٣٤٠.

٣٠٤

.................................................................................................

__________________

إلّا أن يقال : إنّ الشرط لم يقع في ضمن العقد حتى يجب الوفاء به ، فالشرط باطل والعقد صحيح.

إلّا أن يدّعى : أنّ العقد قبل صدور الرضا لم يتم حتى يقع الشرط خارج العقد ، بل المتمم له هو الرضا ، فالشرط يقع في ضمن العقد ، فيصح كل من الشرط والعقد.

الرابع : عكس الثالث وهو ما إذا أكره على بيع مال مقيّدا ، كما إذا أكره على بيع داره مشروطا بأن يقبل ولاية الجائر ، وبعد زوال الإكراه رضي بالبيع بدون قبول الولاية ، ففي حاشية المامقاني قدس‌سره «عدم كون الرضا مفيدا للصحة ، لمغايرة العقد الواقع لما تعلّق به الإجازة. وليس هذا مثل العفو عن الشرط المقيّد به العقد وإسقاطه ، لتحقق العقد والشرط هناك ، إلّا أنه أسقط حقه الثابت سابقا. وهنا أنشأ إجازة عقد لم يقع ، ضرورة أن الواقع غيره. إلّا أن يقصد إمضاء العقد المقيّد ، ثم يسقط حقّه ، وهو خارج عن المفروض» (١).

وفيه : أنّ الشرط خارج عن ماهية العقد ، والتزام مرتبط بالالتزام العقدي ، ولذا نقول بعدم مفسدية الشرط الفاسد ، وعليه فلا مانع من التفكيك بين الالتزامين بالصحة في العقدي ، والفساد في الالتزام الشرطي. وعليه فدفع الشرط بعدم الالتزام به أولى من رفعه بإسقاطه بعد الالتزام به ، لأهونيّة الدفع من الرفع ، وما ذكره المامقاني رحمه‌الله مبني على وحدة المطلوب وكون الشرط قيدا.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٤٠.

٣٠٥

مسألة (١):

ومن شروط المتعاقدين إذن السيد لو كان العاقد عبدا ، فلا يجوز (٢) للمملوك أن يوقع عقدا إلّا بإذن (٣) سيّده ، سواء كان

______________________________________________________

الشرط الرابع : إذن السيد لو كان العاقد عبدا

(١) الغرض من عقد هذه المسألة بيان اعتبار شرط رابع في المتعاقدين ، وهو استقلالهما بمعنى كونهما مالكين للعقد ومسلّطين عليه شرعا.

وبعبارة أخرى : يعتبر فيهما أن يكون لهما ولاية البيع ونفوذ التصرف شرعا من دون توقف عقدهما على مراجعة غيرهما ، ومن صغريات هذه الكبرى مسألة عقد المملوك ، فلعلّ عنوان المسألة بهذا العنوان العام أولى.

(٢) أي : فلا يمضي ولا ينفذ شي‌ء من إنشاءاته العقدية والإيقاعية إلّا بإذن سيده ، فالمراد بعدم الجواز عدم الحكم الوضعي ، حيث إنّ المصنف قدس‌سره جعل إذن السيد من شرائط المتعاقدين الراجعة إلى تنفيذ الإنشاء العقدي ، وإن كان غير إنشاءاته من حيث الحكم التكليفي جوازا ومنعا أيضا محل البحث والكلام.

(٣) الظاهر أنّ المراد به أعمّ من الإذن والإجازة كما يظهر من الرواية الآتية والغرض منه عدم استقلاله في التصرف ، وعدم نفوذه إلّا برضا السيد.

وكيف كان فالمصنف قدس‌سره على ما يستفاد من مجموع كلماته يذهب إلى عدم جواز تصرفاته ، أي عدم نفوذ تصرفاته إلّا بإذن السيّد أو إجازته ، فلا يستقل المملوك

٣٠٦

لنفسه (١) في ذمته ، أو بما (٢) في يده ، أم لغيره (٣) ، لعموم أدلّة عدم استقلاله في أموره (٤) ، قال الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (١).

وعن الفقيه بسنده إلى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «قالا : المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلّا بإذن سيده ، قلت : فإن كان السيد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيّد ، (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) ، أفشي‌ء الطلاق» (٢).

______________________________________________________

في العقود والإيقاعات والتوكّل عن الغير ، فالمنفي هو الاستقلال لا مطلقا ولو مع الإذن.

(١) بأن يشتري شيئا لنفسه بمال خارجي أو في ذمته ، أو باع شيئا كذلك أي مالا خارجيا أو في ذمته.

(٢) معطوف على «في ذمته» يعني : أنّ كل معاملة يوقعها لنفسه مطلقا ـ من البيع والشراء بالعين الخارجية أو في الذمة ـ موقوفة على إذن السيد وإجازته.

وقوله : «سواء كان لنفسه في ذمته .. إلخ» إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في التحرير بقوله : «لو باع العبد ما في يده باذن سيّده صحّ ، وبغير إذنه يقف على الإجازة. وكذا لو اشترى في الذمة قال الشيخ رحمه‌الله : «الأقوى أنّه لا يصح شراؤه» (٣).

(٣) معطوف على «لنفسه» يعني : معاملته لغيره ـ سواء أكانت بالعين أم في الذمة ـ لا تنفذ إلّا بإجازة السيد.

(٤) هذا أحد الأدلة التي أقامها على المدّعى ، وهو عدم نفوذ تصرفاته وتوقفه على إذن السيد ، فالمراد بعدم القدرة عدم استقلاله ، وعدم القدرة صادق على عدم الاستقلال.

__________________

(١) سورة النحل الآية ٧٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ، ج ٣ ، ص ٥٤١ ، الباب ١٧٣ ح ٤٨٦٠ ، عنه في وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٣٤٣ ، الباب ٤٥ من أبواب مقدمات الطلاق ح ١ وإسناد الفقيه إلى زرارة صحيح ، فالرواية صحيحة ،

(٣) تحرير الاحكام ، ج ١ ، ص ١٦٤.

٣٠٧

والظاهر (١) من القدرة ـ خصوصا بقرينة الرواية (٢) ـ هو الاستقلال ،

______________________________________________________

(١) توضيحه : أن الآية الشريفة نفت قدرة العبد على شي‌ء من الأشياء ، وظهورها البدوي في إسقاط كافة تصرفات العبد عن موضوعيّتها للآثار ، وذلك لأمرين :

أحدهما : ظهور نفي القدرة في كون المنفي مطلق القدرة ، أي كون فعله كالعدم ، فلا هو تمام الموضوع ولا جزؤه ، لا كون المنفي خصوص الاستقلال الموجود في الحر.

ثانيهما : ظهور النكرة في سياق النفي ـ أعني به كلمة شي‌ء ـ في الشمول ، فلا يترتب على قول العبد وفعله أثر أصلا.

لكن المانع عن الأخذ بهذا الظهور والموجب لحمل عدم القدرة على نفي الاستقلال هو موضوعية بعض أفعاله للأحكام بالضرورة كإتلافه مال الغير وجنايته عليه ، فيتعين أن يراد بالشي‌ء الأمور الاعتبارية المتقوّمة بالقصد والإنشاء كالملكية والزوجية والبينونة ونحوها ، فيقال : إنّ الحر مستقل في هذه التصرفات ، بخلاف العبد ، لتوقف نفوذها على إذن السيد.

هذا مع الغض عن تطبيق «الشي‌ء» في معتبرة زرارة على النكاح والطلاق ، وأمّا بالنظر إلى التطبيق فلا يبقى شك في عدم إرادة نفي مطلق القدرة ، ولا في عدم شمول «الشي‌ء» لمطلق أفعال العبد وتصرفاته ، ولذا عبّر المصنف قدس‌سره عنه بقوله : «خصوصا».

(٢) قرينيّتها إنّما هي بملاحظة تعليق جواز النكاح والطلاق ونفوذهما على إذن السيد ، ويعلم من ذلك عدم استقلاله وكون إذن السيد جزءا أخيرا لموضوع الصحة والنفوذ ، لا أنّ إنشاءه كالعدم نظير صوت البهائم ، وإلّا لم يجد مجرّد إذن السيد في الصحة ، بل كان اللازم تجديد العقد.

فيظهر أن المراد بالقدرة ـ في الآية الشريفة ـ هو الاستقلال ، فالمنفي هو القدرة

٣٠٨

إذ (١) المحتاج إلى غيره في فعل غير قادر عليه ، فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنّه شي‌ء ، فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولى ، فهو (٢) شرعا بمنزلة العدم لا يترتب عليه الأثر المقصود منه (٣) لا (٤) أنّه لا يترتب عليه حكم شرعي أصلا كيف (٥)؟ وأفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار.

______________________________________________________

الثابتة في الأحرار ، ومن المعلوم أنّها فيهم هو الاستقلال.

(١) تعليل لكون المراد بالقدرة المنفية في الآية الشريفة هو الاستقلال ، لا القدرة المطلقة ، وحاصل التعليل : أنّ عدم القدرة صادق على عدم الاستقلال كصدقه على عدم القدرة المطلقة. والقرينة على إرادة هذا الفرد ـ أي عدم الاستقلال ـ من الآية المباركة هي ما ذكرناه من تعليق الصحة في الرواية على إذن السيد ، لا على تجديد إنشاء النكاح والطلاق. والمراد عدم قدرة العبد بالاستقلال على المسبّبات التي هي معاني أسماء المصادر كالملكية في البيع ، والزوجية في النكاح ، وغير ذلك من آثار العقود والإيقاعات.

وأمّا القدرة على أسبابها ـ بمعانيها المصدرية كإجراء صيغ العقود والإيقاعات فهي حاصلة في الأحرار والمماليك.

(٢) شبه جواب الشرط لقوله : «فكلّ ما صدر».

(٣) لأنّه مقتضى دخل إذن السيد ، فإنّ ترتب كل أثر شرعي تكليفي أو وضعي منوط بتمامية موضوعه بما له من الأجزاء والشرائط ، فانتفاء جزء أو شرط من الموضوع يوجب انتفاء الأثر المقصود المترتب عليه ، سواء أكان عقدا أم إيقاعا ، لعدم تمامية موضوعه.

(٤) عاطفة ، يعني : ليس المراد عدم ترتب أثر شرعي مطلقا ، بل خصوص الأثر المقصود من ذلك الفعل كالملكية المقصودة من البيع.

(٥) يعني : كيف يمكن الحكم بعدم ترتب الأثر أصلا على فعل العبد؟ مع أنّ

٣٠٩

وكيف كان (١) فإنشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون إذن المولى ، أمّا مع الإذن السابق فلا إشكال (٢). وأمّا مع الإجازة اللّاحقة فيحتمل

______________________________________________________

أفعاله كأفعال الحرّ في موضوعيّتها لأحكام شرعية كإتلافاته وجناياته وغير ذلك.

وبالجملة : فيستفاد من هذه الصحيحة أنّهما عليهما الصلاة والسّلام استدلّا بالآية الشريفة على عدم نفوذ طلاق العبد ونكاحه بدون إذن السيد على نحو الشكل الثالث ، بأن يقال : الطلاق شي‌ء ، والعبد لا يقدر على شي‌ء ، فالعبد غير قادر على الطلاق.

بل يمكن أن يكون على سبيل الشكل الأول ، بأن يقال : «الطلاق شي‌ء ، وكل شي‌ء لا يقدر عليه العبد ، فالطلاق لا يقدر عليه العبد إلّا إذا انضمّ إليه إذن السيد» بخلاف طلاق الحرّ ، فإنّ طلاقه نافذ ، لاستقلاله وعدم الحاجة إلى انضمام إذن غيره ، فيستفاد من هذه الصحيحة أمور :

الأوّل : أنّ العبد غير مستقل في التصرف ، بل نفوذه منوط بإذن سيده.

الثاني : أنّ الإذن السابق على العقد يؤثر في الأثر المقصود منه.

الثالث : أنّه ليس تصرفه الإنشائي كإنشاء المجنون والصبي غير المميّز في عدم نفوذ إنشائه ولو بإذن الولي أو إجازته كما عن المشهور ، بل يترتب الأثر المقصود على إنشاء العبد المأذون.

(١) يعني : سواء لم يترتب على فعل العبد أثر أصلا ـ مقصودا كان أم غير مقصود ـ أم لم يترتب عليه خصوص الآثار المقصودة ، فعلى كلّ من الاحتمالين لا يترتب على إنشاءاته آثارها لو صدرت منه بلا إذن مولاه.

(٢) يعني : فلا إشكال في نفوذ إنشاءاته الصادرة منه مع الإذن السابق من المولى من غير فرق في ذلك بين إنشاءاته العقودية والإيقاعية.

٣١٠

عدم الوقوع (١) ، لأنّ (٢) المنع فيه ليس من جهة العوضين اللّذين يتعلّق بهما حق المجيز ، فله (٣) أن يرضى بما وقع على ماله من التصرف في السابق وأن لا يرضى بل المنع من جهة راجعة إلى نفس الإنشاء الصادر ، وما صدر على وجه لا يتغيّر (٤) منه بعده.

وبتقرير آخر (٥) : انّ الإجازة إنّما تتعلّق بمضمون العقد وحاصله أعني انتقال المال بعوض. وهذا (٦) فيما نحن فيه ليس منوطا برضا المولى قطعا ،

______________________________________________________

(١) أي : عدم وقوع الآثار المقصودة من تلك الإنشاءات كالملكية في إنشاء البيع ، والزوجية في إنشاء النكاح ، وهكذا.

(٢) علّة لعدم إجداء الإجازة في وقوع إنشاءات العبد المتعقب برضا السيد. ومحصل التعليل : أنّ المانع عن الصحة ليس راجعا إلى العوضين حتى يكون السيد مختارا في الإجازة وعدمها ، كي يقال : إنّ العوضين في المفروض ليسا ملكا له ، بل هما ملك لغيره ، فلا موجب لإجازته. بل المانع هو نفس الإنشاء الصادر الذي صدر بدون إذن السيد بنحو الاستقلال ، وهو لا يتغيّر عما وقع عليه ، ولا يخرج عن الكيفية الصادرة.

(٣) هذا متفرع على المنفي ، وهو كون المنع من جهة العوضين حتى يكون رضا المالك المتأخر مصحّحا للتصرف السابق.

(٤) يعني : لا يتغيّر العقد من ذلك الوجه ـ وهو الاستقلال ـ بعد صدوره.

(٥) توضيحه : أنّ الإجازة وظيفة من له تعلّق بمضمون العقد ونتيجته التي هي معنى اسم المصدر كالملكيّة في البيع مثلا ، فالمجيز يجيز العقد ويرضى بانتقال ماله إلى الغير بإزاء ماله. وأمّا إذا لم يكن له تعلق بمضمون العقد ـ كالمفروض من كونه أجنبيا عن العوضين ـ فلا مورد للإجازة ، لأنّها إنما تتعلق بنتيجة العقد لا بمعناه المصدري.

(٦) أي : الانتقال ـ الذي هو معنى اسم المصدر ـ أجنبي عن المولى ، فلا يناط برضاه.

٣١١

إذ المفروض أنّه أجنبي عن العوضين (١) ، وإنّما له (٢) حقّ في كون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده ، فإذا وقع (٣) على وجه يستقل به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه (٤) عن الاستقلال الواقع عليه قطعا (*).

______________________________________________________

(١) لعدم كونهما ملكا له ، فلا معنى لإجازة من ليس له علاقة بالعوضين للعقد الواقع عليهما.

(٢) يعني : وإنّما للمولى حق في قيام إنشاء هذا المضمون بعبده.

(٣) يعني : فإذا وقع العقد على وجه وهو الاستقلال ـ كما هو المفروض ـ فلحوق الإجازة .. إلخ.

(٤) يعني : لا يخرج لحوق الإجازة العقد الواقع على وجه الاستقلال عن الاستقلالية.

__________________

(١) لا ريب في أنّ العبد ليس كالحر مستقلّا في تصرفاته ، كما أنّه ليس كالمجانين حال جنونهم في عدم ترتب أثر على أفعاله من عباداته ومعاملاته ، بل هو برزخ بين الحر العاقل والمجنون.

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ في تصرفات العبد ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه محجور عن كل تصرف إلّا ما يتوقف عليه ضروريّات معاشه التي جرت السيرة على عدم الاستيذان فيها من السيّد ، وكذا واجباته البدنيّة مثل الصلاة والصوم والطهارة. فليس له الإتيان بالمباحات غير الضرورية إلّا بالاستيذان ، فليس له حركة اليد ولا المشي إلى مكان مباح حتى وضع أقدامه على دار السيد إلّا بإذن السيد.

ثانيها : نفوذ جميع تصرفاته إلّا ما يكون تصرفا في سلطنة المولى فتنفذ جميع تصرفاته التي لا تنافي حقّ المولى ، كأن يتوكّل عن غيره في إجراء عقد أو إيقاع أو قبض مال أو أداء دين أو نحوها.

٣١٢

.................................................................................................

__________________

ثالثها : عدم جواز تصرفه في كل ما يعد عرفا شيئا معتدا به ، سواء تعلّق بأموال سيّده من عقد أو إيقاع ، أم تعلق بأموال نفسه بناء على مالكيته شرعا ، أم تعلق بأموال سائر الناس من التصرف فيها بعقد أو إيقاع ، فإنّ صحة جميع ذلك موقوفة على إذن السيد أو إجازته.

وبالجملة : كل تصرف ـ من دون تقيده بقيد وبقسم خاص ـ لغو ، إلّا مع إذن السيد أو إجازته ، فلا يجوز إجراء صيغة الوكالة لغيره إلّا بإذن السيد.

والمصنف اختار هذا الوجه الثالث ، لذهابه إلى عدم جواز إيقاع المملوك عقدا إلّا بإذن سيده ، من غير فرق بين كون العقد أو الإيقاع لنفسه أم لغيره. فمرجع هذا الكلام إلى نفي استقلال المملوك في التصرفات التي يتوقف عليها الحكم الوضعي.

هذه أقوال المسألة.

ولا بأس قبل بيان الحق بتقديم أمر ، وهو : أنّ الأصل الأوّلي في أفعال المملوك عدم وجوب الاستيذان من السيد في شي‌ء من أفعاله وكونها كأفعال الحرّ في عدم توقف جوازها تكليفا ووضعا على إذن المولى ، للعمومات والإطلاقات الشاملة لكل من الأحرار والمماليك ، إلّا فيما قيّد موضوعه بالحرية أو عدم الرقية ، وهذا الأصل متّبع إلّا إذا قام دليل على خلافه ، فنخرج به عن مقتضى الأصل بمقدار دلالة الدليل المخرج عليه.

فنقول وبه نستعين : إنّ ما دلّ على توقف نفوذ أفعال المملوك على إذن السيّد روايتان :

الأولى : معتبرة زرارة عنهما عليهما‌السلام المذكورة في المتن.

ولا يراد من عدم جواز نكاح العبد وطلاقه فيها حرمتهما تكليفا ، إذ لو كانا

٣١٣

.................................................................................................

__________________

محرّمين شرعا لم يكن وجه لجوازهما بإذن السيد كإذن مالك السلعة بيعها ربويا مثلا ، فإنّ الإذن لا يسوّغه ، لأنّ البيع الربوي معصية له تعالى ولا يصححه إذن مالك السلعة أو إجازته ، حيث إنّ إذن السيد حق خلقي لا يترتب على تضييعه إلّا مخالفة حق الناس ، ومعصية السيد. ولا ربط له بحكم إلهي كحرمة الغصب ، فإنّ ما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير يدل على الحرمة التكليفيّة ، وأنّ موضوع جواز التصرف في مال الغير هو إذن المالك ، وطيب نفسه بالتصرف ، وأنّ التصرف تجاوز على الغير وظلم عليه ، وهو قبيح عقلا وحرام شرعا.

وهذا بخلاف النكاح والطلاق ، فإنّهما في نفسهما جائزان تكليفا ، غاية الأمر أنّ شرط صحتهما في المملوك إذن السيد أو إجازته.

الرواية الثانية : ما رواها الصدوق أيضا في الباب المشار إليه عن ابن بكير عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده؟ فقال : ذلك إلى السيد إن شاء أجاز ، وإن شاء فرق بينهما. فقلت : أصلحك الله إنّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ، فلا يحلّ إجازة السيد له. فقال : إنّما عصى سيده ولم يعص الله ، فإذا أجاز له فهو جائز» (١).

والمراد بالمعصية هو التعدي عن أحكام الله وحدوده ومخالفة قوانينه ، ولا فرق في عصيانه تعالى شأنه بين فعل المحرّمات وترك الواجبات ، وبين الإتيان بالعقود والإيقاعات على النحو غير المقرّر فيها كإنشائها بدون شرائطها ، أو مع وجود موانعها ، فإنّ هذه المعصية لا ترتفع بإجازة المولى ، لأنّه معصية الخالق ، ولا ربط لها بمعصية السيد

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١ موثقة ـ بابن بكير ـ بطريق الصدوق ، وصحيحة بسند الكليني لعدم وجود ابن بكير في طريق الكافي.

٣١٤

.................................................................................................

__________________

حتى ترتفع بإجازته. فالعقد في نفسه لعدم جامعيته للحدود ـ التي حددها الله تعالى فيه كمجهولية العوضين أو ربوية المعاملة ونحو ذلك ـ غير نافذ.

ويستفاد من هذه الموثقة أنّ كل تصرف إنشائي فيه عصيان السيد وتفويت حق سيادته غير نافذ. فالخارج عن العمومات وإطلاقات العقود والإيقاعات هو الإنشاء غير المقرون برضا السيد. ولو شكّ في خروج الإنشاء المتعقب بالرضا ، فمقتضى أصالة العموم عدم خروجه عن العمومات ، وكون العقد المتعقب بالإجازة كالعقد المسبوق بالإذن نافذا. فالمتيقّن خروجه عن عمومات العقود والإيقاعات هو عقد العبد الخارج عن حيطة رضا السيد وغير المقرون بطيب نفسه.

هذا مضافا إلى دلالة موثقة زرارة المتقدمة التي فيها «ذاك الى السيد إن شاء أجاز وإن شاء فرّق بينهما» على كون الإجازة كالإذن سببا لنفوذ العقد.

ثمّ إنّ الحق كون المستفاد من الآية والروايتين المذكورتين ـ بعد ملاحظة إرادة القدرة الشرعيّة من قوله تعالى «لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» لوضوح قدرة المملوك تكوينا على الأفعال الخارجية التي منها الإنشاءات العقدية والإيقاعية ـ هو نفي القدرة المستقلة الثابتة للأحرار على النتائج المترتبة عليها كالملكية والزوجية وغيرهما ، فترتبها على تلك الإنشاءات منوط بإذن السيد أو إجازته.

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص التوقف على الإذن أو الإجازة بما يتعلّق بنفس العبد كالنكاح والطلاق ، ولو بني على التعدي عن مورد الروايتين يتعدّى إلى كل ما يتعلق بنفسه كبيعه وصلحه وجعالته ، إذ المراد بالشي‌ء في الآية المباركة ليس كل شي‌ء بالضرورة ، لقدرته على كل ما يقدر عليه الحر من الأكل والشرب وسائر الأمور ، بل المراد بقرينة الروايات هو الإنشاء الصادر من العبد لنفسه من نكاح وطلاق. وبإلغاء خصوصية المورد يتعدى إلى غيرهما من الإنشائيات.

٣١٥

إلّا (١) أنّ الأقوى هو لحوق إجازة المولى (*)،

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ الإجازة اللاحقة كالإذن السّابق توجب نفوذ إنشائه ، وهذا عدول عما أفاده قبل أسطر بقوله : «فيحتمل عدم الوقوع ، لأنّ المنع فيه ليس من جهة العوضين .. إلخ».

__________________

فإذا باع لنفسه توقف نفوذه على إذن السيد أو إجازته ، فتوكله عن الغير ـ فضلا عن إجراء عقد الوكالة للغير ـ لا مانع منه إلا إذا كان منافيا لحقّ سيّده ، فحينئذ يتوقف على إذنه. وكذا إنشاءاته لغيره ، فإنّها نافذة. واعتبار عدم المنافاة لحق السيد إنما هو لأجل قوله عليه‌السلام في الموثقة : «إنّما عصى سيده» فإن لم يكن تصرفه منافيا لحق المولى ومعصية له جاز ذلك مع إذن ذلك الغير له في الإنشاء العقدي أو الإيقاعي. وأما بدون إذن وذلك الغير فلا يجوز أي لا ينفذ تصرفه الإنشائي في مال السيد وغيره ، لا لأجل المملوكية ، بل لكونه تصرفا في مال الغير بدون إذنه ، فيندرج في الفضولي.

فالفرق بين هذا الاستظهار وبين قول الشيخ ـ وهو منع العبد عن كل تصرف يعدّ شيئا معتدا به عرفا كالإنشاءات ، سواء تعلّق بنفسه أم بغيره سيّدا كان أم غيره حتى إجراء صيغة الوكالة لغيره ، فإنّ نفوذ جميعها منوط بإذن سيده ـ هو أنّ إنشاءات نفس العبد لا تنفذ إلا بإذن السيد أو إجازته ، وأمّا الإنشاءات المتعلقة بغيره فتنفذ بدون إذن السيد إلّا مع المنافاة لحقه.

(*) قد يورد عليه بأنّ الإثبات متفرع على الثبوت ، فإن كان مقام الثبوت ممتنعا فلا يبقى مجال الإمكان لمقام الإثبات. بيانه : أن قول المصنف قدس‌سره : «وما صدر على وجه لا يتغير منه بعده» ظاهر في الامتناع ، ومع امتناع مقام الثبوت وعدم إمكان تغيره عمّا وقع عليه كيف يمكن التمسك بالوجوه المذكورة في المتن

٣١٦

لعموم (١) أدلة الوفاء بالعقود (*)

______________________________________________________

(١) هذا وجه لحوق الإجازة بالإذن ، ومحصّله : أنّ عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) عموم أفرادي وأزماني ، ومقتضاه لزوم الوفاء بكل فرد من أفراد العقود في كل زمان من الأزمنة ، على كل شخص من الأشخاص الذين أنشأوا العقود سواء أكان حرّا أم عبدا ، وسواء صدر منه بالاستقلال أم برضا المالك.

__________________

لإثبات لحوق الإجازة بالإذن في التأثير؟ مع وضوح تبعية الإثبات إمكانا وامتناعا لمقام الثبوت.

لكن يندفع هذا الإشكال بأنّ اتصاف العقد بالاستقلال مع تعلّق حقّ الغير به منوط بعدم رضا صاحب الحقّ به ، فإذا لم يرض ذو الحق به اتّصف بالاستقلال ، وإذا رضي به كشف رضاه عن عدم استقلاله ، فالعقد يكون مراعى ، لا أنّه يقع بالاستقلال ومتّصفا به بمجرد صدوره حتى يستشكل عليه باستحالة تغيّره عمّا وقع عليه.

هذا كله مضافا إلى : لغوية الاستقلال وعدم موضوعيته لحكم شرعي ، والمدار على نفس الإنشاء وهو مورد الإجازة ، لا الإنشاء المتصف بالاستقلال حتى يقال بالاستحالة وامتناع انقلابه عمّا وقع عليه. نظير إجازة المالك لبيع الفضولي إذا باع الفضولي لنفسه ، فإنّ المجاز هو نفس العقد ، وقصد كون البيع لنفس الفضولي لغو ليس ملحوظا في الإجازة.

وإلى : أنّ المجاز حقيقة هي نتيجة العقد أعني بها معنى اسم المصدر كالملكية لا الألفاظ الصادرة من العبد الملحوظ فيها استقلال المتكلم بإيجادها.

(*) هذا مبني على كون الزمان مفرّدا ، بأن يكون كل قطعة من قطعات الأزمنة فردا للعام ، إذ بناء على كونه ظرفا لاستمرار الحكم يكون المرجع استصحاب عدم وجوب الوفاء.

٣١٧

والمخصّص (١) إنّما دلّ على عدم ترتب الأثر على عقد العبد ، من دون مدخلية

______________________________________________________

(١) غرضه دفع إشكال ، وهو : أنّ العام بعد تخصيصه ـ بما دلّ على عدم نفوذ العقد الصادر من العبد على وجه الاستقلال ـ يعنون بنقيض الخاص ، فكأنّه قيل : «أوفوا بكل عقد إلّا الصادر من العبد بدون إذن مولاه».

ودفعه بأنّ المخصص لا يدلّ على بطلان عقده الصادر على وجه الاستقلال ، ومن المعلوم أنّه كما يرفع الإذن استقلال العبد ، كذلك يرفعه الإجازة التي هي رضا بما أنشأه ، ولا يدلّ على مدخلية خصوص الإذن السابق حتى لا يجدي الإجازة اللاحقة ، فإنّ لحوق الرضا بالعقد بعد وقوعه كاف في رفع استقلال العبد ، فيعمه دليل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

وبعبارة أخرى : الخارج عن عموم «أَوْفُوا» هو العقد الصادر من العبد كالصادر من الحرّ من حيث الاستقلال ، ويكفي في رفع الاستقلال رضا السيد وإجازته ، ولا خصوصية للإذن.

__________________

إلّا أن يقال : بالفرق بين التخصيص من الأوّل وبينه في الأثناء بالرجوع إلى العام في الأوّل ، لأنه مبدء تشريعه وإلى استصحاب حكم الخاص في الثاني كما قرر في الأصول ، وقد ذكرنا شطرا من الكلام في شرحنا على الكفاية ، فراجع (١).

ثم إنّه يستفاد من التمسك بمثل «أَوْفُوا» منع انحصار المقتضي لتصحيح عقد العبد في خصوص الإذن ، كما أنّ الروايات التي استدلّ بها المصنف قدس‌سره لتصحيح عقد العبد بإجازة السيد كإذنه دليل على مصحّحيّة الإجازة كمصحّحية الإذن.

__________________

(١) منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٧٠٦ ـ ٧١١.

٣١٨

المولى أصلا سابقا ولا حقا ، لا مدخلية (١) إذنه السابق (٢). ولو شكّ أيضا وجب (٣) الأخذ بالعموم في مورد الشك.

وتؤيّد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة (٤) السابقة

______________________________________________________

(١) بالجرّ معطوف على «عدم» أي : ولا يدلّ المخصّص على مدخلية إذنه السابق.

(٢) حتى يقال : إنّ الإجازة لا تجدي ولا تدرجه في عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

(٣) لأنّ المرجع في المخصّص المنفصل المجمل المردّد بين الأقل والأكثر هو المتيقن منه أعني الأقل ، وهو في المقام عقد العبد الصادر منه بدون إذن سابق ، ولا إجازة لاحقة من السيد. فالخارج من عموم «أَوْفُوا» هو العقد المجرّد عن الإذن والإجازة ، وفي غيره يتمسك بالعموم (*).

(٤) بالرّفع فاعل «وتؤيّد» وهي صحيحة زرارة المروية عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلّا بإذن سيده» بتقريب : أنّ الإذن أعم من السابق والإجازة اللاحقة.

ولم يظهر تقريب أعميّته ، لأنّ الإذن هو الترخيص في إيقاع شي‌ء ، والإجازة هي الرّضا بما وقع ، ولا جامع بينهما ، إذ الإجازة في دليل لا يوجب إرادة الأعم منها ومن الإذن الوارد في دليل آخر بعد كونهما مثبتين. ولعلّ هذا وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة.

__________________

(*) وأورد عليه المحقق النائيني قدس‌سره بعدم إجمال المخصص ، لأنّ الإذن ظاهر في الترخيص في إيجاد شي‌ء ، والرّضا هي الرضا بوقوع شي‌ء ، وكلّ منهما مغاير للآخر. ومع عدم إجمال المخصّص لا وجه للأخذ بالقدر المتيقن حتى يتمسك بالعموم ويحكم بصحة تصرف العبد مع الإجازة اللّاحقة ، بل يحكم بالبطلان ، إذ المصحّح لعقد العبد هو الإذن ، وذلك مفقود في العقد المتعقب بالإجازة (١).

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٠٨.

٣١٩

فإنّ (١) جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة (*) ، فالمراد بالإذن (٢) هو الأعم ، إلّا (٣)

______________________________________________________

(١) هذا تقريب تأييد الصحيحة لإرادة الأعم من السابق واللّاحق. ومحصل وجه التأييد : أنّه ثبت بأخبار خاصة تصحيح الإجازة نكاح العبد الواقع بدون إذن السيد ، فهذا يكشف عن كون المراد بالإذن في الصحيحة أعمّ من السابق واللّاحق.

ومن جملة تلك النصوص موثقة زرارة المتقدمة ، قال : «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال : ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما» الحديث ، فإنّه صريح في أنّ الإجازة تجدي في صحة العقد كالإذن. وعليه فيكفي في صحة إنشاء العبد رضا السيد المبرز ، سواء أكان سابقا على إنشاء العبد أم لا حقا له.

(٢) أي : الإذن الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة.

(٣) استثناء من كون المراد بالإذن في الصحيحة المذكورة هو الأعم من السابق واللّاحق ، ومحصّله : أنّ الطلاق ليس كالنكاح في صحته بالإجازة إذا وقع بدون إذن السيد ، إذ الطلاق خرج بدليل خاص ، ولو لا التخصيص لحكمنا بكفاية رضا السيد بعد طلاق العبد.

__________________

والإشكال عليه بما في تقرير سيدنا الخويي قدس‌سره «من توقف عدم إجمال المخصص على ظهور الإذن في الإذن السابق ، وهو أول الكلام» (١) غير ظاهر ، إذ لا ينبغي الارتياب في ظهوره في الترخيص في إيقاع شي‌ء ، في قبال ظهور الإجازة في الرضا ببقاء ما وقع. ولا فرق في هذا الظهور بين موارد استعمال كلمة الإذن ، فمقتضى القاعدة بطلان عقد العبد بدون الإذن ولو مع الإجازة اللّاحقة ، لأنّ المصحح لعقده خصوص الاذن.

(*) جواز النكاح بالإجازة لنصوص خاصة لا يوجب إرادة الأعم من الإذن في الصحيحة ، بل تكون الإجازة بتلك النصوص كالإذن في صحة النكاح.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٣ ، ص ٣٤٦.

٣٢٠