هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

فالاستدلال (١) بصحة النكاح على صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح أولى بالبطلان ، من جهة أنّ البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه‌السلام الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله ، مستدلّا (٢) بأنّه يكون منه الولد ، مع أنّ الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين ، ولا احتياط في البين.

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة البحث ـ بعد منع الفحوى بخبر العلاء بن سيابة ـ وهي : أنّ الاستدلال بصحة النكاح الفضولي ـ الذي هو الفرع ـ على صحة البيع وهو الأصل يكون مطابقا لحكم العامة. فالاستدلال المزبور في غير محله.

(٢) هذا شروع في بيان ما أشرنا إليه في (ص ٤١٦) من معنى الاحتياط الوارد في كلام الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه ، حيث إن الأحوط هو الأوثق ،

__________________

ويحتمل أن يراد بأجدريّة الاحتياط في النكاح أجدريّته من الحكم بصحة النكاح أو بطلانه في موارد الاشتباه ، لا أجدرية النكاح بالصحة من غير النكاح كما استظهره المصنف ، حتى توهن بها الأولوية التي استدلّ بها على تعدّي الفضولية من النكاح إلى غيره.

والحاصل : أنّ الحكم في موارد اشتباه النكاح هو أولوية الاحتياط الذي هو فعل المكلّف من الحكم بصحة النكاح أو بطلانه. فالمفضّل عليه هو الحكم ، لا البيع حتى يصير ذلك أصلا والنكاح فرعا ، ويعارض الأولوية السابقة التي استدلّ بها على جريان الفضولية في غير النكاح.

وعلى هذا فتلك الأولوية لا توهن برواية العلاء المتقدمة.

لكنه مع ذلك لا يتجه الاستدلال بها على جريان الفضولية في غير النكاح ، لأنّها لا تفيد إلّا الظن ، وهو لا يغني من الحقّ شيئا. بل مع الالتفات إلى قضية أبان لا تفيد الأولوية شيئا من مراتب الظن أيضا.

٤٢١

ويمكن أن يكون الوجه في ذلك (١) أنّ (٢) إبطال النكاح في مقام الاشكال

______________________________________________________

والاحتياط هو إحراز الواقع عملا كالجمع بين القصر والإتمام في الموارد المشتبهة ، وكترك شرب الإنائين في موارد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما.

وقد يشكل تطبيق العمل بالاحتياط على حكمه صلوات الله وسلامه عليه بصحة النكاح. وذلك لامتناع الاحتياط هنا من جهة دورانه بين المحذورين ، فإنّ هذه المرأة الموكّلة في النكاح إن كانت قد عزلت الوكيل كان تزويجها فضوليا ، والمفروض عدم إجازتها ، ويحرم على الزوج معاشرتها ، لكونه أجنبيا عنها. وإن لم تكن عازلة له كانت زوجة للرجل. ولو حكمنا بفساد النكاح وكونها خليّة ظاهرا جاز لها التزويج برجل آخر ، وكان المباشرة معها زنا بذات بعل.

ومع دوران أمر هذه المرأة الموكّلة بين الزوجية والأجنبية يمتنع إحراز الواقع بالاحتياط ، فيكون التزويج نظير البيع ، إذ لو صحّ بيع الوكيل كان الثمن ملكا للبائع ، وإن لم يصح كان للمشتري ، وحرم على البائع التصرف فيه. مع أنّه عليه‌السلام جعل صحة النكاح أحرى بالاحتياط. ويتجه السؤال حينئذ بأنه كيف يحتاط في مورد الدوران بين المحذورين؟

(١) أي : في الاحتياط. هذا توجيه الاحتياط بنحو لا يكون من الاحتياط المصطلح الذي يحرز به الواقع عملا ، إذ يراد به هنا الأخذ بأخفّ المحذورين. توضيحه : أنّ إبطال النكاح يوجب الفراق بين الرجل والمرأة ، فلو كان النكاح صحيحا واقعا لزم الزنا بذات البعل إذا تزوّجت بغيره. وهذا بخلاف إبقاء النكاح ، فإنّه على تقدير بطلانه واقعا لا يلزم منه إلا وطء المرأة غير ذات البعل ، وهو أهون من الزنا بذات البعل. فالمراد بالاحتياط مراعاة أقلّ المحذورين بفعله ، وترك ما يكون أشدّ محذورا.

(٢) خبر قوله : «أن يكون» وقوله : «يستلزم» خبر «أن ابطال».

٤٢٢

والاشتباه (١) يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة واقعا ، فتتزوّج (٢) المرأة ، ويحصل الزنا بذات البعل. بخلاف إبقائه (٣) ، فإنّه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلّا وطء المرأة الخالية عن المانع. وهذا (٤) أهون من وطء ذات البعل.

فالمراد بالأحوط (٥) هو الأشدّ احتياطا (*).

وكيف كان (٦) فمقتضى

______________________________________________________

(١) كالمقام ، لعدم وضوح هذا النكاح من حيث الصحة والبطلان.

(٢) هذه نتيجة بطلان النكاح ، فإن تزوّجت برجل آخر كان التزويج بذات البعل ، والزنا بها أشدّ من الزنا بالخليّة.

(٣) أي : إبقاء النكاح. وضمير «منه» راجع إلى «إبقائه».

(٤) أي : وطء المرأة الخالية عن الزوج أهون من وطء ذات البعل.

(٥) المستفاد من كلمتي «أحرى وأحرى» الواقعتين في رواية علاء بن سيابة المتقدمة. فالمراد بالاحتياط هو الأشد احتياطا واحترازا ، فإنّ في إبقاء النكاح رعاية الطرف الذي محذورة أقلّ من محذور الطرف الآخر ، وهو إبطال النكاح ، على التفصيل المتقدم آنفا.

(٦) يعني : سواء أريد بالاحتياط ما ذكرناه أم غيره.

__________________

(*) بل تقدم في التعليقة السابقة أنّ المراد بالاحتياط هو الاحتياط التام الحاصل بأحد الأمور المتقدمة من أنّه مع إرادة بقاء الزوجية لا بدّ إمّا من تجديد العقد عليها ، أو إجازة المرأة ذلك العقد. ومع إرادة عدم بقاء الزوجية لا بدّ من تطليقها. وليس المراد بالاحتياط الإضافي منه كما التزم به المصنف قدس‌سره ، فإنّه خلاف ظاهره ، ولا قرينة على إرادته بعد إمكان إرادة ظاهره.

٤٢٣

هذه الصحيحة (١) أنّه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب (٢) ذلك التعدي (٣) إلى الحكم بصحة بيع الفضولي.

نعم (٤) لو ورد الحكم بصحة البيع أمكن الحكم بصحة النكاح ، لأنّ النكاح أولى بعدم الإبطال ، كما هو نص (*) الرواية (٥).

______________________________________________________

(١) قد تقدم الإشكال في توصيف هذه الرواية بالصحيحة ، فراجع (ص ٤١٤).

(٢) لأنّ المفروض صيرورة المعاملة المالية أصلا والنكاح فرعا ، ولذا جعل الحكم بصحته أحرى وأولى ، فينعكس الأمر ويصير صحة النكاح ثابتة بالفحوى ، دون العكس وهو صحة البيع بالفحوى.

(٣) كما كان هو المقصود من الوجه الرابع أعني به التمسك بفحوى ما دلّ على صحة النكاح لإثبات صحة سائر العقود الفضولية ، ووجه عدم التعدي هو عدم ثبوت حكم الفرع للأصل.

(٤) يعني : ولكن العكس ـ وهو استلزام صحّة البيع لصحة النكاح ـ ثابت لأولوية النكاح من البيع بالصحة ، لدلالة النص المزبور من حيث كون النكاح أحرى من البيع بالاحتياط.

(٥) وهي رواية العلاء بن سيابة المتقدمة ، والمراد بنصّ الرواية هو قوله عليه‌السلام : «إنّ النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه».

__________________

(*) قد عرفت عدم ظهور الرواية ـ فضلا عن صراحتها ـ في صحة النكاح ، فإنّ الاحتياط لا يقتضي صحته ولا بطلانه ، لدورانه بين المحذورين وهما زوجية المرأة واجنبيّتها ، فلا بدّ من التوقف في الفتوى.

ولم يذكر الامام عليه‌السلام اقتضاء الاحتياط للصحة حتى يدّعى أولوية النكاح بالصحة من البيع ، ويقال : إنّ الفحوى بالعكس ، وأنّ هذه الفحوى تعارض تلك الفحوى المستدل بها على التعدي من النكاح الفضولي إلى البيع الفضولي.

٤٢٤

ثمّ (١) إنّ الرواية وإن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي (٢) ، إلّا أنّ المستفاد منها قاعدة (*)

______________________________________________________

(١) هذا بيان ما أشرنا إليه (في ص ٤١٦) من الجهة الثانية المتعلقة برواية العلاء ابن سيابة ، إذ قد يتوهم عدم مانعيتها للفحوى المستفادة من نصوص صحة نكاح العبيد والأحرار بالإجازة.

والوجه في التوهم : تعدد الموضوع ، لكون موضوع تلك النصوص إنشاء عقد النكاح فضولا ، فيصح بالإجازة ، ويصح بيع الفضولي بالأولوية.

ولكن موضوع خبر العلاء أمر آخر ، وهو بيع الوكيل المعزول ، ومن الممكن اختلاف حكم الفضولي عن الوكيل المعزول ، فلا وجه لمنع الفحوى بخبر العلاء.

وقد دفع المصنف هذا التوهم بأنّ تعدد الموضوع غير قادح في منع الفحوى ، لأنّ العبرة بكلامه عليه‌السلام في بيان ضابطة كليّة ، وهي : أنّ إمضاء العقد الواقع على المال ـ كالبيع ـ يستلزم إمضاء النكاح ، ولا عكس. مع أنّ مبنى استدلالهم على صحة بيع الفضولي هو أولوية البيع بالصحة ، وقد عرفت منعها.

(٢) حيث إنّ رواية العلاء المتقدمة وردت في الوكالة ، والرّجل يدّعي الوكالة عن المرأة ، وهي تنكرها وتدّعي عزله.

__________________

(*) استفادة القاعدة الكلية منوطة بإلغاء خصوصية المورد ، وهو عقد الوكيل المعزول الجاهل بعزله ، فإنّه بعد وضوح بقاء الوكالة إلى وصول خبر العزل إلى الوكيل ـ وأنّ العزل بوجوده العلمي يوجب الانعزال لا بوجوده الواقعي ـ يكون فعل الوكيل قبل وصول خبر العزل إليه كفعل نفس الموكّل نافذا وغير محتاج إلى الإجازة ، فإبطال عمله حينئذ كإبطال عمل الموكّل. وهل يمكن إلغاء خصوصية الوكالة وجعلها كالعدم في التأثير؟ حتى يستفاد هذه القاعدة الكلية.

٤٢٥

كلّيّة (١) هي (٢) : أنّ إمضاء العقود المالية يستلزم إمضاء النكاح ، من دون العكس (٣) الذي هو مبنى الاستدلال (٤) في مسألة الفضولي ، هذا.

______________________________________________________

(١) بحيث تنطبق على صغرياتها التي منها مورد البحث.

(٢) الأحسن اقترانها بالواو الاستئنافية حتى تكون الجملة مفسّرة ل «قاعدة».

(٣) وهو عدم استلزام إمضاء نكاح الفضولي إمضاء غيره من العقود.

(٤) حيث إنّ مبنى الاستدلال هو فحوى صحة نكاح الفضولي. وقوله : «الذي هو» صفة لكلمة «العكس» يعني : أنّ العكس المذكور هو مبنى الاستدلال بالأحاديث ـ الواردة في نكاح الفضولي الصادر من الحرّ والعبد ـ على جريان الفضولي في غيره.

هذا تمام الكلام في الطائفة الاولى ، وهي الوجوه الأربعة التي عبّر عنها بالدلالة وسيأتي الكلام في الطائفة الثانية.

__________________

والحاصل : أنّ الرواية مسوقة لبيان عدم انعزال الوكيل إلّا بوصول عزله إليه. وعدم كون مجرّد العزل بدون العلم به موجبا لانعزاله.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنّ رواية العلاء بن سيابة المتقدمة لا تعارض الأولوية التي استدلّ بها على التعدي من نكاح الفضولي إلى غيره من العقود الفضولية ، بل تؤيّد الفحوى المذكورة ، حيث إنّ مقتضى أهمية النكاح هو التعدي عن سببه إلى غيره كالبيع ، فإنّ التوسعة في أسباب الأهم تقتضي التوسعة في أسباب غيره كالبيع ، إذ سببية عقد الفضولي لتحقق النكاح الأهم تقتضي سببية عقد الفضولي لحصول المهم كالبيع بالأولويّة.

نعم يشكل الاعتماد على تلك الأولوية لكونها ظنية ، بل مع الالتفات إلى تعبدية الأحكام الشرعية وعدم إحاطتنا بملاكاتها لا يحصل الظن بالأولوية أيضا.

٤٢٦

ثمّ إنّه ربما يؤيّد صحة الفضولي ـ بل يستدل عليها (١) ـ بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصّة ، مثل موثقة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة ، فاشترى (٢) غير الذي أمره. قال : هو (٣) ضامن ، والربح بينهما على ما شرطه» (٤). (١)

______________________________________________________

الطائفة الثانية : النصوص الخاصة

أ : ما ورد في المضاربة

(١) أي : على صحة الفضولي. وهذا خامس الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي إذا باع للمالك.

(٢) هذا الضمير المستتر وضمير «ليشتري» راجعان إلى الرجل المدفوع إليه المال ، وهو عامل المضاربة.

(٣) أي : العامل ضامن للخسارة لأجل مخالفته لما أذن له المالك الدافع.

(٤) هذه النصوص الخاصة قد استدلّ بعضهم بها على صحة بيع الفضولي كصاحب المقابس قدس‌سره ، وأيّدها بها بعضهم كصاحب الجواهر قدس‌سره وإن لم يصرّح بخصوص ما ورد في باب المضاربة ، حيث قال بعد الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس ما لفظه : «مؤيّدا ذلك كله بالنصوص الواردة في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتّجر به .. وغير ذلك في الأبواب المتفرقة كالرهن وغيره مما يظهر الاتفاق منهم عليه ، وهو فضولي أو شبه فضولي». (٢)

وقال في كتاب المضاربة فيما إذا خالف العامل ما شرطه ربّ المال عليه : «لم يمض إلّا مع إجازة المالك ، لكونه تصرفا قد وقع بدون إذن المالك ، وهو غير باطل

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٨٢ ، الباب ١ من أبواب أحكام المضاربة ، الحديث : ٩ ، ونحوه أكثر أحاديث الباب. والظاهر صحة السند كما يظهر لمن يراجع كتب الرجال.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٨ و ٢٧٩.

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عندنا ، وإنّما هو فضولي ، فإن أجاز نفذ». (١)

وقال المحقق الشوشتري قدس‌سره بعد نقل موثقة جميل : «ويعضدها أخبار أخر قد عمل بها الأصحاب ، بلا خلاف يعرف بينهم. ووجه الاستدلال بها : أنّ العامل لم يكن وكيلا في تلك المعاملة ، فلو بطل عقد الفضولي لبطل عقد العامل هنا أيضا ، فوجب ردّ كلّ إلى صاحبه ، ولم يجز تقسيم الرّبح بينهما ، كما دلّت عليه ـ أي على تقسيم الربح بينهما ـ الرواية ، فهي محمولة على تحقق الإجازة مع الرّبح كما هو الغالب ، دون الخسران. وإنّما قسّم الربح بينهما بناء على إطلاق عقد المضاربة ، وتعلقه بكل عقد صحيح وقع بذلك المال برضا المالك سابقا أو لاحقا. وفي هذا كلام يبيّن في محلّه». (٢)

هذا ما ورد في بعض الكلمات. وأمّا المصنف قدس‌سره فقد عبّر تارة بالتأييد ، وأخرى بالدلالة ، وثالثة بالاستيناس ، واقتصر في التقريب على الأوّل والثالث ، حيث احتمل في موثقة جميل وجهين ، جعل أحدهما استيناسا ، والآخر مؤيّدا.

وينبغي أوّلا ذكر مضمون الموثقة وغيرها من أخبار الباب ، ثم النظر في أنّها تصلح للتأييد أو الاستيناس أو الدلالة ، أم لا تصلح لشي‌ء منها ، فنقول وبه نستعين : إنّه سئل الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه عن حكم ما إذا شرط ربّ المال ـ في عقد المضاربة ـ على العامل أن يتاجر سلعة معينة أو في بلد خاص. ثم خالفه العامل ، وجاء بعد مدّة برأس المال وبالأرباح المكتسبة منه. فأجاب عليه الصلاة والسّلام بحكمين ، أحدهما : أنّ العامل ضامن لرأس المال حينما خالف الشرط.

وثانيهما : أنّ الأرباح تقسّم بين ربّ المال والعامل على ما اتّفقا عليه في عقد المضاربة من النصف أو الثلث مثلا. وهذا الحكم الثاني هو محطّ النظر من التعرض لهذه الأخبار هنا ، فاستظهر صاحب المقابس قدس‌سره منها أمرين :

الأوّل : صغروية تصرّف العامل لعقد الفضولي.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٣٥١.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٦.

٤٢٨

ونحوها غيرها الواردة في هذا الباب (١).

فإنّها (٢) إن أبقيت على ظاهرها

______________________________________________________

والثاني : كبروية صحة عقد الفضول المتعقب بالإجازة.

فتكون الموثقة دليلا على المدّعى ، بتقريب : أنّ مخالفة العامل لما أذن له ربّ المال ـ من شراء متاع معيّن ـ توجب كون الشراء فضوليّا. وجعل الربح بينهما على النحو المقرّر في عقد المضاربة كاشف عن صحّة الشراء بالإجازة ورضا المالك ، وإلّا كان الشراء باطلا ، وكان ربّ المال مالكا للثمن الذي دفعه العامل إلى البائع ، إلّا إذا قلنا بصحة المعاملة بدون إجازة المالك لأجل هذا النّص كما سيذكره المصنف قدس‌سره.

والمتحصل : أنّ جعل هذه الموثقة دليلا منوط بأمرين ،

أحدهما : كون معاملة العامل متعقبة بإجازة المالك.

والآخر : إلغاء خصوصية المورد. إذ بدون إلغائها يقتصر على موردها ، ولا يكون دليلا على صحة الفضولي في سائر المقامات.

هذا كلّه في تقريب الاستدلال ، الذي لم يبيّنه المصنف قدس‌سره. وأما تقريب التأييد والاستيناس فسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.

(١) أي : الباب الأوّل من أبواب المضاربة ، فراجع.

(٢) أي : فإنّ موثقة جميل بن درّاج إن أبقيت .. إلخ ، وغرض المصنف قدس‌سره من هنا بيان احتمالين في مفاد هذه الموثقة وما بمضمونها ، مع وجود القائل بكلّ منهما فيكون أحد الاحتمالين موجبا للاستئناس لصحة بيع الفضولي ، ويكون الاحتمال الآخر موجبا للتأييد.

أمّا الاحتمال الأوّل فتقريبه : أنّ حكمه عليه الصلاة والسّلام بتقسيم الربح بين ربّ المال والعامل بالنسبة المعيّنة في عقد المضاربة ـ مع عدم تنبيهه عليه‌السلام على أن معاملات العامل متوقفة على إجازة ربّ المال ـ ظاهر في اختصاص المضاربة بحكم تعبّدي ، وهو صحة ما يأتي به العامل المخالف لما اشترط به عليه فعلا ، بلا توقف على

٤٢٩

من عدم توقف ملك الربح (١) على الإجازة ـ كما نسب إلى ظاهر الأصحاب ، وعدّ (٢) هذا خارجا (٣) عن بيع الفضوليّ

______________________________________________________

إجازة المالك. إذ لو لم تكن معاملاته نافذة لم يكن وجه لتملك ربّ المال للأرباح ، بل كان اللازم ردّ الأرباح إلى من باع من العامل شيئا أو اشترى منه.

وعلى هذا فإبقاء الموثقة على ظاهرها ـ من عدم إناطة تملك الربح بإجازة تصرفات العامل ـ يوجب تخصيص ما دلّ على توقف الملكية على إجازة المالك. فيلتزم في باب المضاربة بعدم اعتبار إمضاء ربّ المال لو خالف العامل الشرط.

فإن قلت : بناء على الأخذ بظاهر الموثّقة تصير أجنبية عن عقد الفضولي بالمرّة ، فلا معنى لاستيناس صحة بيع الفضولي منها. ووجه أجنبيتها عنه واضح ، ضرورة اعتبار إجازة المالك في جميع العقود الفضولية ، حتى تنتهي الصحة التأهلية ـ بسبب الإجازة ـ إلى الفعلية. والمفروض في هذه الموثقة نفوذ تصرفات العامل بلا إجازة المالك. ومع تعدد الموضوع لا معنى لاستفادة حكم بيع الفضولي من أخبار المضاربة.

قلت : الموجب للاستئناس وعدم الاستيحاش من الحكم بصحة بيع الفضولي هو : أنّ الرواية تدلّ على عدم اعتبار سبق إذن المالك في صحة نقل ماله إلى غيره ، إذ المفروض في الموثقة مخالفة العامل لربّ المال فضلا عن الاستيذان منه. ومع دلالتها على صحة تصرفات العامل في مورد المخالفة أمكن دلالتها على ما نحن فيه وهو صحة بيع الفضولي ـ غير المسبوق بمنع المالك ـ بالإجازة المتأخرة ، وهذا هو الاستيناس.

وأما الاحتمال الثاني فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(١) أي : ربح هذه المعاملة الصادرة من العامل على خلاف ما أذن له المالك.

(٢) بالجرّ معطوف على «عدم» أي : من عدّ هذا خارجا .. إلخ.

(٣) أي : حكما لا موضوعا ، إذ المفروض وقوع المعاملة بدون إذن المالك ، فخروجها يكون عن حكم الفضولي ، وهو توقف صحته على إجازة المالك لا عن موضوعه.

٤٣٠

بالنصّ كما في المسالك (١) وغيره ـ كان (٢) فيها

______________________________________________________

(١) قال الشهيد الثاني قدس‌سره شارحا لعبارة المحقق قدس‌سره : «ولو أمره بالسفر إلى جهة ، فسافر إلى غيرها ، أو أمر بابتياع شي‌ء معيّن ، فابتاع غيره ضمن. ولو ربح والحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط». ما لفظه : «المراد أنّ المضاربة لا تبطل بهذه المخالفة وإن وجب الضمان والإثم في التصرف غير المأذون. والربح بينهما على حسب الشروط ، للنصوص الصحيحة الدالة عليه. وإلّا لتوجّه الإشكال إلى صحة الابتياع المخالف ، لوقوعه بغير إذن ، فينبغي أن يكون فضوليا. وكأنّ السبب في ذلك أنّ الغرض الذاتي في هذه المعاملة هو الربح ، وباقي التخصيصات عرضية لا تؤثر في فساد المعاوضة المخالفة لحصول المقصود بالذات. وبالجملة فالمستند النص وعمل الأصحاب به» (١) ونحوه كلامه في الروضة.

وقوله في آخر كلامه : «وبالجملة فالمستند النص وعمل الأصحاب به» دليل على صحة فتوى المحقق قدس‌سره من عدم بطلان المضاربة بمخالفة العامل ، ومن كون الربح بينهما. ولو لا هذا التعبد كانت تصرفات العامل فضولية متوقفة على إجازة ربّ المال ، ولكن المفروض عدم إشعار في النصوص ولا في الفتاوى بتوقفها على إجازته.

ومنه ظهر وجه تعبير المصنف قدس‌سره «كما نسب إلى ظاهر الأصحاب» فالنسبة إلى الأصحاب موجودة في كثير من الكتب (٢).

والمراد ب «ظاهر الأصحاب» لا صريحهم هو أن صحة تصرفات العامل وعدم توقفها على الإجازة إنما تستفاد من حكمهم بتقسيم الربح وعدم تنبيههم على اعتبار الإجازة.

(٢) جواب الشرط في قوله : «إن أبقيت».

__________________

(١) مسالك الافهام ، ج ٤ ، ص ٣٥٢ و ٣٥٣ ، الروضة البهيّة ، ج ٤ ، ص ٢١٣ و ٢١٤ ، ونحوه كلام المحقق الثاني في عدم إجراء حكم العقد الفضولي على تصرف العامل ، فراجع جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ١١٠.

(٢) لاحظ جامع المقاصد ج ٨ ، ص ١١٠ ، ملاذ الأخيار للعلامة المجلسي قدس‌سره ، ج ١١ ، ص ٣٣٧ ، رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٦٠٧ ، آخر الصفحة ، المناهل ، ص ٢٠٧ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٦ ، جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٣٥٤ ، آخر الصفحة.

٤٣١

استيناس (١) لحكم المسألة من (٢) حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلى غيره.

وإن (٣) حملناها على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح كما هو

______________________________________________________

(١) الوجه في الاستيناس ما عرفت من صحة المعاملة الخارجة عمّا قرره المالك لعامل المضاربة بدون الإجازة ، لاشتراك هذه المعاملة مع مطلق الفضولي في عدم اعتبار الإذن السابق ، فيستأنس بالمعاملة الصحيحة بدون إجازة المالك لمطلق الفضولي.

(٢) بيان لحكم مسألة الفضولي ، وهو عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل ماله إلى غيره ، وكفاية إجازته بعد وقوع العقد الناقل على ماله.

(٣) معطوف على «إن أبقيت» ومحصّله : أنّه إن حملنا رواية جميل وغيرها على رضا المالك ـ بعد انكشاف ظهور الربح في المعاملة المنهي عنها ـ اندرجت في الفضولي.

وتقريب هذا الاحتمال الثاني الذي هو مبنى التأييد : أنّ نصوص باب المضاربة وإن لم يرد فيها توقف مالكية الربح على الإجازة ، إلّا أنه لا مناص من حملها على صورة رضا ربّ المال بما صنعه العامل ، وذلك لقرينتين :

إحداهما : ما نبّه عليه جمع كالمحقق والشهيد الثانيين. (١) من أنّ الغرض الأصلي من عقد المضاربة هو الاسترباح وتنمية المال ، ولو شرط المالك على العامل تجارة خاصة أو بلدا معيّنا فإنّما هو لزعمه حصول غرضه ـ من الاسترباح ـ في ما شرطه على العامل ، فلو تبيّن للمالك خطاؤه في مقام التطبيق وكون العامل أبصر منه بالتجارات الرابحة رضي بتصرفات العامل عند مجيئه برأس المال وربحه إليه.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ٨٥ ، مسالك الافهام ، ج ٤ ، ص ٣٥٣.

٤٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى هذا فتصرّف العامل بالبيع والشراء يكون من صغريات العقد الفضولي الذي تعقّبه رضا المالك ، وليس خارجا عنه كما كان مبنى الاستيناس.

ثانيتهما : اقتضاء الجمع العرفي بين الضرورة الفقهية وبين إطلاق نصوص المضاربة حمل هذه النصوص على صورة إجازة المالك ورضاه بتصرف العامل. بتقريب : أنّ حرمة أكل مال الغير والتصرف فيه قد ثبتت شرعا بمثل قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» ونحوهما. ومقتضاهما حرمة تصرف العامل في مال المضاربة ، لمخالفته للشرط ، إلّا بإحراز رضاه. وحيث إن نصوص المضاربة مطلقة ، لدلالتها على تملك ربّ المال لحصّته من الرّبح ـ سواء أجاز تصرفات العامل أم لا ـ لزم تقييدها بصورة إجازته لها ، لئلا يلزم مخالفة ما علم من الفقه ضرورة.

والمتحصل من هاتين القرينتين صغروية روايات المضاربة لعقد الفضولي ، وعدم كون تملك الربح تعبدا محضا.

فإن قلت : بناء على هذا التقييد ينبغي جعل نصوص المضاربة دليلا على صحة عقد الفضولي مطلقا كما صنعه صاحب المقابس قدس‌سره لوحدة المناط وهو لحوق الإجازة بالعقد ، لا مؤيّدا لها كما أفاده المصنف قدس‌سره.

قلت : هذه النصوص بعد حملها على صورة إجازة المالك إنّما تدلّ على مشروعية المضاربة الفضولية ، ولا تدل على صحة الفضولي في سائر العقود ، لاحتمال دخل خصوصية عنوان المضاربة في الحكم ، ومن المعلوم أنه لا وجه لإلغاء خصوصية المورد إلا بالقطع بعدم دخلها. ولا سبيل لإحرازه ، فلذا يقتصر على مورد النص.

٤٣٣

الغالب (١) ، وبمقتضى (٢) الجمع

______________________________________________________

نعم لا مانع من تأييد صحة الفضولي مطلقا بهذه الأخبار ، وأما الدلالة فلا.

(١) هذه إشارة إلى القرينة الأولى المتقدمة آنفا ، وهي أنّ الغالب رضا المالكين بالمعاملات الواقعة على أموالهم إن كانت رابحة وإن لم يأمروا بها ، بل وإن نهوا عنها ، إذ غرضهم الأصلي من التجارة بأموالهم هو تكثيرها وتحصيل الربح منها. والنهي عن بعض المعاملات بها إنّما هو للاجتناب عن الضرر ، أو عدم النفع.

(٢) هذه إشارة إلى القرينة الثانية على حمل روايات المضاربة على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح. ومحصل هذه القرينة الثانية ـ كما عرفت ـ هو : أنّ الجمع العرفي يقتضي تقييد إطلاق موثقة جميل وغيرها ـ الدّالّين بالإطلاق على ملك العامل للربح ولو لم يجز المالك ـ بما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله. مثل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال : «سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل ، وأهل الأرض يقولون : هي أرضهم ، وأهل الأستان يقولون : هي من أرضنا؟ فقال : لا تشترها إلّا برضا أهلها» (١). وآية (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ونحوهما مما هو صريح في إناطة تملك مال الغير برضاه وطيب نفسه.

وحينئذ تنطبق الموثقة المتقدمة ونحوها من أخبار المضاربة على المقصود ، وهي صحة عقد الفضولي مع لحوق الإجازة به ، فإنّ الموثقة تدلّ على صحة عقد الفضولي مطلقا حتى مع عدم إجازة المالك ، بل مع رده أيضا. وأدلة اعتبار الطيب والرضا أخص منها ، لدلالتها على اعتبار الرضا في نقل مال المالك الى غيره مطلقا سواء كانت المعاملة من عامل المضاربة أم غيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٤٨ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٣٠.

٤٣٤

بين هذه الأخبار (١) (*) وبين ما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله (٢) والنهي (٣) عن أكل المال بالباطل اندرجت (٤) المعاملة (٥) في الفضولي. وصحّتها (٦) في خصوص المورد وإن احتمل (٧) كونها للنصّ الخاصّ ، إلّا أنّها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

______________________________________________________

(١) أي : أخبار المضاربة ، كموثقة جميل المتقدمة في المتن.

(٢) كآية التجارة عن تراض ، وحديث «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بطيب نفسه» ورواية محمد بن مسلم المتقدمة آنفا.

(٣) بالجرّ معطوف على «اعتبار» والنهي مدلول آية (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ).

(٤) جواب «وإن حملناها» وقد تقدم وجه اندراج المعاملة ـ التي خالف العامل فيها أمر المالك ، واشترى غير المتاع الذي أمره المالك بشرائه ـ في معاملة الفضولي.

(٥) وهي المعاملة التي خالف العامل فيها أمر المالك.

(٦) يعني : وصحة المعاملة التي خالف العامل فيها أمر المالك وإن احتمل أن تكون صحتها مستندة إلى النص الخاص وهو الموثقة. لكنها تؤيّد المطلب ، وهو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك بدون سبق منع من المالك.

(٧) الجملة خبر قوله : «وصحتها».

__________________

(١) لا يخفى أنّ مقتضى أخصيّة الموثقة من الأدلّة الدالّة على اعتبار الرّضا في جميع المعاملات هو تخصيص تلك الأدلة بالموثقة ، وعدم اعتبار رضا المالك في خصوص مورد الموثقة. وليست النسبة بينهما عموما من وجه كما توهّم.

لكن التخصيص بعيد جدّا يأباه ذوق المتشرعة ، وإن قال المحقق الايرواني قدس‌سره : «ينبغي عدّه خارجا عن مسألة اعتبار رضا المالك وطيب نفسه في

٤٣٥

.................................................................................................

__________________

انتقال ماله». (١)

وكيف كان فالظاهر أنّ الرواية المذكورة ونظائرها أجنبية عن مسألة الفضولي بحيث لا يستدلّ ولا يؤيّد ولا يستأنس بها لمسألة الفضولي.

توضيحه : أنّ الغرض الأصلي لربّ المال هو الاسترباح بماله بالمعاملات التي يتصدّاها عامل المضاربة ، فهو راض بكل معاملة رابحة ، فإذا نهى العامل عن معاملة خاصة وعن شراء متاع معيّن كان ذلك لأجل اعتقاده بأنّ تلك المعاملة غير رابحة أو خاسرة ، وبعد انكشاف كونها رابحة يظهر أنّها كانت مرضيّا بها من أوّل الأمر. فكل معاملة رابحة تصدر من العامل مقرونة برضا المالك حين صدورها.

وعليه فالمعاملة المنهيّ عنها إذا كانت رابحة ليست من معاملة الفضولي موضوعا.

فلعلّ الأولى جعل الغالب قرينة على رضا المالك مقارنا لصدور كل معاملة رابحة من العامل ، لا جعل الغالب رضا المالك بالمعاملة بعد وقوعها حتى تنطبق على الفضولي.

وببيان أوضح : التقييد بمعاملة خاصة إن كان بنحو وحدة المطلوب ، فمع إجازة المالك يكون الربح كله له ، وليس للعامل شي‌ء حتى اجرة المثل. أمّا عدم استحقاقه لشي‌ء من الربح فلبطلان المضاربة بفقدان شرطها ، إذ شرط المالك يضيق دائرة المضاربة ويقيّدها ، فتبطل المضاربة بانتفاء شرطها.

وأمّا عدم استحقاقه لاجرة المثل فلسلب احترام عمله بسبب مخالفته للشرط. وهذا مما ينافي الرواية الدالة على اشتراك الربح بينهما على النحو الذي شرط في عقد المضاربة ، وعلى ضمان العامل للخسران ، لأنّ اشتراك الربح بينهما يكشف عن صحة المضاربة ، وصحتها تنافي الضمان ، لأنّ العامل أمين ، فالضمان

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١١٩.

٤٣٦

.................................................................................................

__________________

يكشف عن بطلان المضاربة.

وبالجملة : لا يمكن الجمع بين الضمان وبين اشتراكهما في الربح.

وإن كان التقييد بمعاملة خاصة بنحو تعدد المطلوب ـ بأن كان الشراء على وجه خاص مطلوبا أوّليّا ، ونفس الشراء مطلوبا ثانويّا ـ فلازمه كون كل معاملة رابحة مرضيا بها وإن لم تكن تلك هي المعاملة التي عيّنها ربّ المال ، إذ المفروض شمول عقد المضاربة لضمان لكل معاملة رابحة بحسب المطلوب الثانوي. نظير قضاء الفوائت ، فإنّ أدلة وجوب قضائها تكشف عن كون مطلوبية أدائها بنحو تعدد المطلوب.

وإشكال منافاة صحة المضاربة لضمان العامل للخسران مع كونه أمينا ، مندفع بأنّ الضمان نشأ من اشتراط المضاربة بالضمان على تقدير الخسران الوارد من شراء متاع خاص. واشتراط الضمان لا ينافي مقتضى المضاربة وحقيقتها التي هي دفع إنسان مالا إلى غيره ليتّجر به ، على أن يكون الربح بينهما بالنصف أو الثلث أو غيرهما من الكسور. وإنّما ينافي إطلاقها.

وعليه فالضمان يكون بمقتضى الشرط غير المنافي لحقيقة عقد المضاربة. كما أنّ اشتراك الربح بين المالك والعامل يكون مقتضى صحة المضاربة.

فتلخّص مما ذكرناه أمور.

الأوّل : أنّ صحيحة جميل المتقدمة ونظائرها أجنبية عن مسألة الفضولي ، لاقتران جميع المعاملات الرابحة الصادرة من عامل المضاربة برضا المالك حين وقوعها ، وخروجها عن العقود الفضولية موضوعا ، فلا يصح أن يستدل أو يؤيّد أو يستأنس بتلك الروايات لصحة عقد الفضولي.

الثاني : أنّ عقد المضاربة يكون من باب تعدد المطلوب الموجب لاقتران كل معاملة رابحة يتصدّى لها عامل المضاربة برضا المالك وإن كانت مخالفة لما قرّره المالك.

٤٣٧

ومن هذا القبيل (١) الأخبار الواردة في اتّجار غير الولي

______________________________________________________

ب : أخبار الاتجار بمال اليتيم

(١) يعني : ومن قبيل أخبار المضاربة ـ التي ليس فيها توقف ملكية الربح على إجازة المالك ـ الأخبار الواردة في الاتّجار بمال اليتيم لغير الولي.

ثم إن هذه الأخبار هي الوجه السادس من الوجوه المستدل بها على صحة عقد الفضولي ، أو المؤيّد بها صحته. ولم أظفر بمن استدلّ بهذه الأخبار على صحة عقد الفضولي مطلقا ، نعم جعلها صاحب الجواهر مؤيّدة لها كما تقدم كلامه في (ص ٤٢٧). وغرض المصنف قدس‌سره من التعرض لنصوص الاتجار بمال اليتيم أمّا الاستيناس بها لصحة البيع الفضولي ، وإمّا التأييد بها ، لتطرق احتمالين فيها ، على نحو ما تقدّم في أخبار المضاربة.

وفي مسألة الاتجار بمال اليتيم صور عديدة أنهاها الشهيد الثاني قدس‌سره إلى أزيد من عشرين صورة ، فراجع المسالك ، والمذكور في المتن هو أن يتاجر الأجنبي بمال

__________________

الثالث : أنّ مخالفة العامل للمالك توجب الضمان في صورة ورود الخسران.

الرابع : عدم المنافاة بين صحة المضاربة وبين صحة اشتراط الضمان على تقدير الوضيعة ، لعدم كون هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد ، بل لإطلاقه.

الخامس : اندفاع إشكال المنافاة بين ضمان العامل للخسران وبين ملكية الربح للعامل وربّ المال ـ على ما قرّر في عقد المضاربة ـ بما تقدم من تعدد المطلوب والشرط الضمني للضمان الناشئ من النهي عن معاملة خاصة.

السادس : أنّ موثقة جميل على تقدير كون موردها عقد الفضولي لا تنطبق على الصورة الأولى ، وهي بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك ، إذ المفروض هنا منع المالك عن البيع الخاص. ومن المعلوم أنّ المصنف قدس‌سره بصدد إقامة الدليل أو المؤيّد على صحة الفضولي في الصورة الأولى.

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

اليتيم ، وقد حكمت النصوص بأنّ الربح لليتيم ، وأنّ التاجر ضامن للخسارة. والقدر المتيقن هو التجارة بعين مال اليتيم ، لا شراء شي‌ء في ذمة نفسه ، ثم أداؤه بمال اليتيم.

والمقصود استفادة صحة البيع الفضولي من حكمهم عليهم الصلاة والسّلام بأنّ الربح لليتيم. وظاهر إطلاقه عدم الفرق بين إجازة الولي لتصرفات الأجنبي ، وعدمها.

واختلف الفقهاء قدس‌سرهم في الاستظهار من هذه النصوص على قولين ، فذهب جمع تبعا للشهيد قدس‌سره إلى تقييد الإطلاق وحمله على صورة إجازة الولي ، ضرورة حرمة التصرف في مال اليتيم على غير وليّه ، فلو لا إجازته تبطل تلك التصرفات ، وتكون الأرباح لأربابها ، لا للأجنبي ولا لليتيم ، فالحكم بأنّها لليتيم لا بدّ أن يكون في فرض صحة التصرف بإمضاء الولي. وبناء على هذا الحمل يندرج مورد هذه النصوص في كبرى تصرف الفضولي في مال غيره ، وصحته بإجازة وليّ العقد ويتأيّد صحة البيع الفضولي بها.

ولعلّ الوجه في التأييد ـ دون الدلالة ـ لاحتمال دخل خصوصية التجارة بمال اليتيم ـ المتعقبة بالإجازة ـ في تملكه للرّبح ، ولا يتعدّى عن مورده إلى غيره.

وذهب جمع إلى إبقاء إطلاق النصوص على حاله ، والحكم بأنّ الربح لليتيم تعبّدا وإن لم يجز الولي. فالأجنبي المتصرف في مال اليتيم لا ينطبق عليه الفضولي ، لاختصاصه بمن تتعقّب عقده إجازة المالك ، والمفروض أنّ مقتضى أخبار الباب دخول الربح في ملك اليتيم مطلقا حتى لو لم يمض الولي.

وبناء على هذا الاحتمال لا تكون النصوص دليلا ولا مؤيّدا لصحة بيع الفضولي. إلّا أنه يمكن الاستيناس بها لها ، لدلالتها على عدم اعتبار إذن الولي في تملك الربح ، وهذا المقدار كاف في ما نحن فيه ، وهو عدم اعتبار إذن المالك في مقام نقل ماله إلى غيره ، فلو نقله الفضول غير المأذون ، ثم أجاز المالك كفى في الصحة.

٤٣٩

في مال اليتيم (١) ، وأنّ الرّبح لليتيم. فإنّها (٢) إن حملت على صورة إجازة الولي ـ كما هو صريح جماعة (٣) تبعا للشهيد ـ

______________________________________________________

(١) كرواية سعيد السّمان «قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس في مال اليتيم زكاة ، إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به» (١). فإنّ جعل الربح لليتيم يدلّ على تملكه للربح بدون احتياج إلى إذن الولي.

ورواية ربعي عن الصادق عليه‌السلام : «في رجل عنده مال اليتيم ، فقال عليه‌السلام : إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو ، اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن».

ورواية أسباط بن سالم ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : أخي أمرني أن أسألك عن مال اليتيم في حجره يتّجر به ، فقال عليه‌السلام : إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي‌ء غرمه له ، وإلّا فلا يتعرض لمال اليتيم». (٢)

(٢) أي : أخبار الاتجار بمال اليتيم لغير الولي ، وغرضه قدس‌سره من هذه العبارة بيان كيفية الاستدلال بتلك الأخبار على صحة عقد الفضولي ، أو تأييدها بها ، ومحصّله كما عرفت آنفا : أنّ الاتجار بمال اليتيم لغير الولي ـ مع الإجازة ـ يكون من أفراد مسألة الفضولي.

(٣) كالمحقق والشهيد الثانيين وأصحاب المدارك والحدائق والجواهر ، وهذا الحمل يستفاد من فتوى بعضهم كما في كلام الشهيدين والمحقق الثاني ، ومن تصريح بعضهم في مقام الجمع بين الأدلة كما في الأخيرين.

قال في الدروس : «ولو انتفت الولاية واشترى في الذمة فهو له أيضا. وإن

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٦ ، ص ٥٧ ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث : ٢ ، رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن سعيد السمان.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٢ ، ص ١٩١ ، الباب ٧٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣ و ٤.

٤٤٠