هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

ويضعّف الأوّل (١) ـ مضافا (٢) إلى أنّ الفضولي قد يكون قادرا على إرضاء المالك ـ بأنّ (٣) هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا ، بل يكفي تحققه (٤)

______________________________________________________

المالك مع استجماع شرائط الصحة ، فإنّه يقصد وقوع ما ينشؤه من الملكية مثلا في الخارج ، فالفضولي فاقد لهذا القصد ، دون القصد الاستعمالي ، فإنّه حاصل في الفضولي قطعا ، وإلّا كان هازلا.

وكذا بيع المكره ، فإنّه قاصد لاستعمال الألفاظ في معانيها ، لكنّه غير قاصد لوقوع مدلول العقد خارجا ، إذ لو لم يكن قاصدا لاستعمال الألفاظ في معانيها لم يكن عقدا ، ولم ينفع الرضا اللاحق في صحته. وقد تقدم تفصيل هذا المطلب في أوّل بحث بيع المكره ، فراجع (ص ١٥٧) وما بعده.

(١) وهو عدم قدرة الفضولي على التسليم وقد أجاب عنه المصنف قدس‌سره بوجهين :

أحدهما : أنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى ، وهو بطلان عقد الفضولي مطلقا ، وفرض إمكان إرضاء المالك يوجب اختصاص البطلان بصورة عدم إمكان الإرضاء.

وثانيهما : أنّ شرطية القدرة على التسليم مختصة بالعاقد المالك ، لا مطلق العاقد ، وإلّا كان عقد الوكيل في إجراء الصيغة فقط باطلا ، لعدم قدرته على التسليم ، فلو كان المالك المجيز قادرا على التسليم كفى في صحة البيع.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل ، وهو الأخصيّة.

(٣) متعلق ب «ويضعّف» وهو إشارة إلى الوجه الثاني الذي أوضحناه بقولنا : «وثانيهما أنّ شرطيّة القدرة على التسليم .. إلخ».

(٤) أي : تحقق الشرط ، وهو القدرة على التسليم.

٥٢١

في المالك (*). فحينئذ (١) يشترط في صحة العقد ـ مع الإجازة ـ قدرة المجيز على تسليمه ، وقدرة المشتري على تسلمه ، على ما سيجي‌ء (٢).

ويضعّف الثاني (٣) بأنّ المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي والمكره ـ لا أزيد منه ـ بدليل الإجماع على صحة نكاح الفضولي

______________________________________________________

(١) أي : فحين الالتزام بكفاية قدرة المالك على التسليم يشترط في صحة العقد قدرة المجيز ـ الذي هو من له العقد ـ على تسليم المبيع إلى المشتري.

(٢) في بيان شرطية القدرة على التسليم في صحة البيع ، لقول المصنف هناك : «الثالث من شروط العوضين : القدرة على التسليم».

(٣) وهو كون الفضولي غير قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ ، ومحصل ما أفاده في الجواب عنه : أنّ القصد المعتبر في العقد هو استعمال اللفظ في المعنى في مقابل الألفاظ التي تصدر من الغافل والساهي ، إذ قصد استعمال الألفاظ منهما مفقود. وهذا القصد موجود في عقدي الفضولي والمكره ، ولو لم يكن هذا القصد موجودا لم يكن عقدا حتى يصح بالإجازة في عقد الفضولي وبالرّضا في عقد المكره ، وقد تقدّم في عقد المكره التزامهم بصحته لو كان الإكراه بحقّ ، فراجع (ص ١٧٨).

__________________

(*) بل يمكن أن يقال : إنّ المعتبر هو القدرة في الجملة ، فلو لم يكن المالك قادرا على التسليم وكان المشتري قادرا على التسلم ـ كما إذا كان المبيع في يد الغاصب ، ولم يقدر البائع على استرداده ، مع قدرة المشتري عليه ـ كفى في تحقق الشرط وصحة البيع.

٥٢٢

وبيع المكره بحقّ (١) ، فإنّ دعوى عدم اعتبار القصد في ذلك (٢) للإجماع كما ترى (٣).

______________________________________________________

(١) كما إذا أكره الحاكم الشرعي من يمتنع عن أداء دينه ـ مع تمكّنه منه ـ على بيع بعض أمواله.

(٢) أي : في كلّ من الفضوليّ والمكره.

(٣) حاصله : أنّ مرجع هذه الدعوى إلى تخصيص قاعدة تبعيّة العقود للقصود في عقدي الفضوليّ والمكره بحقّ. وأنت خبير بأنّ هذا التخصيص لا مورد له ، لتقوّم العقد بالقصد ، ومعلوم أنّ التخصيص إخراج حكميّ لا موضوعيّ ، وعدم الحاجة إلى القصد إخراج موضوعيّ ، إذ لا عقد حقيقة بدون القصد.

هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.

٥٢٣

المسألة الثانية (١)

أن يسبقه منع من المالك. والمشهور أيضا (٢) صحته (٣).

وحكي عن فخر الدين : أنّ بعض المجوّزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك. ويلوح إليه (٤) ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي

______________________________________________________

المسألة الثانية : بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك

(١) وهي عقد الفضولي للمالك مع سبق منع المالك ، وهذه المسألة هي ثانية المسائل الثلاث التي ذكرها المصنف قدس‌سره سابقا بقوله : «فهاهنا مسائل ثلاث».

(٢) يعني : كالمسألة الأولى ، فإنّ المشهور كما قالوا بصحة بيع الفضولي في المسألة الأولى ، كذلك قالوا بصحته في هذه المسألة الثانية. خلافا لما نسب إلى بعض من الفساد في هذه المسألة ، ونقل المصنف عن بعضهم وجهين له ، ثم ناقش فيهما ، وسيأتي.

(٣) أي : صحة عقد الفضولي مع سبق منع من المالك. وعن ظاهر شرح القواعد اندارجه في الشهرات المدّعاة ومعاقد الإجماع.

(٤) أي : ما عن فخر المحققين من أنّ بعض المجوّزين لعقد الفضولي اعتبر في صحته عدم سبق نهي المالك. واختاره في باب المضاربة بقوله : «لأنّه عقد نهاه المالك عنه ، والنهي المتقدم كالفسخ المتجدد في الابطال .. والنهي هنا يدلّ على الفساد .. إلخ» (١).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣١٤.

٥٢٤

«أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (١) بعد تضعيف السند على (١) «أنّه إن نكح بعد منع مولاه وكراهته فإنّه يقع باطلا» (٢).

والظاهر (٢) أنّه لا فرق بين

______________________________________________________

(١) هذا و «بعد تضعيف» متعلقان ب «حمل النبوي» وضمير «أنّه» راجع إلى «عبد» حيث قال بعد نقل استدلال جماعة من العامة بالنبوي المزبور : «والحديث ممنوع ، فإنّ أحمد بن حنبل قال : ذكرت هذا الحديث لأبي. فقال : هذا حديث منكر ، ورووه أيضا عن ابن عمر موقوفا عليه. سلّمنا ، لكنه محمول على أنه نكح بعد منع مولاه وكراهته له ، فإنه يقع باطلا. وملك الغير لا يستلزم الفساد من أصله ، فجاز أن يكون موقوفا كالفضولي».

وتعبير المصنف قدس‌سره ب «يلوح اليه» مع اختصاص مورد كلام العلّامة بنكاح العبد ، مبنيّ على عدم التنبيه على خلافه في البيع ، فيتحد حكم النكاح وغيره.

وحاصل الحمل المذكور : أنّه إذا نكح العبد ـ بعد منع المولى ـ فنكاحه باطل. ولعلّ الوجه في هذا الحمل هو جعل العبد عاهرا ، وذلك يناسب نهي السيّد عن النكاح.

لكن فيه : أنّ عاهريّته إنّما هي لأجل الاستمتاعات التي صدرت من العبد بدون إذن مولاه. ويكفي في حرمتها عدم الإذن ، من دون إناطتها بنهي السيد ، وبطلان عقد الفضولي. فالحمل المزبور غير ظاهر.

(٢) لأنّ المناط في صحة العقد هو استقلال العاقد ، وكونه وليّ أمر العقد ، وليس العبد مستقلّا في أموره.

وهذا الاستظهار نبّه عليه صاحب المقابس (٣) أيضا. ولا ريب في أن التعدي

__________________

(١) سنن الترمذي ، ج ٣ ، ص ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، الباب ٢١ ، ح ١١١١ ـ ١١١٢

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٨٨ ، السطر ١٨ والحاكي لكلاميهما هو صاحب المقابس ، كتاب البيع ، ص ٢

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٠.

٥٢٥

النكاح وغيره. ويظهر (١) من المحقق الثاني ، حيث جعل فساد بيع الغاصب نظرا إلى القرينة الدالّة على عدم الرضا وهي الغصب.

______________________________________________________

من مورد الخبر ـ وهو نكاح العبد ـ الى بيع الفضولي منوط بإلغاء خصوصية العبد والنكاح حتى يكون نهي المالك مقتضيا لفساد بيع الفضولي. والعلّامة قدس‌سره صرّح في باب الوكالة بعدم جواز بيع الوكيل الذي نهاه الموكّل عن معاملة خاصة (١) ، ولكنه لا يستلزم البطلان ، لتصريحه بصيرورة الوكيل المخالف لما عيّنه عليه الموكّل فضوليا ، وأنّ عقده موقوف على الإجازة ، ولا يبطل رأسا (٢). ولازمه اختصاص الحمل المزبور بنكاح العبد ، ولا سبيل لاستظهار اتحاد حكمه مع الفضولي الممنوع عن العقد.

(١) يعني : ويظهر ما حكي عن فخر المحققين ـ من توقف صحة عقد الفضولي على عدم نهي المالك ـ من المحقق الثاني أيضا ، فليس القائل منحصرا في العلّامة وفخر المحققين. قال في جامع المقاصد : «والأصحّ أنّ الفضولي موقوف غير باطل .. وكذا الغاصب ، أي : حكم الغاصب كالفضوليّ ، وهو أصحّ الوجهين ، وإن احتمل الفساد ، نظرا إلى القرينة الدالّة على عدم الرضا ، وهي الغصب» (٣). بناء على إرادة عموم الحكم لما إذا باع الغاصب لنفسه أو للمغصوب منه حتى ينطبق على ما نحن فيه ، وهو البيع للمالك مع نهيه عنه.

لكنّك خبير بما في النسبة ، فإنّ صريح كلام المحقق الكركي : «وهو أصحّ الوجهين» إلحاق الغاصب مطلقا بالفضولي ، وعدم بطلانه ، وإنّما احتمل عدم الصحة ، ولعلّ مورد البطلان بيع الغاصب لنفسه ، لكونه الغالب ، لا للمالك.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ١٢٥ ، السطر ٣٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ١٢٥ ـ ١٢٧ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٦٠ ، كقوله : «ولو خالفه في البيع وقف على الإجازة».

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٩.

٥٢٦

وكيف (١) كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا ، عدا تخيّل أنّ المستند في عقد الفضوليّ هي رواية عروة المختصّة بغير المقام (٢).

______________________________________________________

(١) يعني : سواء تمّت نسبة البطلان إلى العلّامة وغيره أم لم تتمّ ، فهذا القول ـ وهو بطلان عقد الفضولي بسبق منع المالك ـ لا وجه له ظاهرا .. إلخ.

وغرضه الإشارة إلى ما اعتمد عليه القائل ببطلان بيع الفضولي المسبوق بنهي المالك ، وهو ظاهر كلام الفاضل النراقي ، فإنّه قدس‌سره ألحق بيع الغاصب بالفضولي ، سواء باع لنفسه أو للمالك (١) ، ثم قال في فرع آخر : «فيعلم أنّ من يقتصر في دليل الخروج ـ أي عن أصالة بطلان بيع ما لا يملك ـ بخبر البارقي ونحوه يجب أن لا يصحّ عنده بيع الغاصب .. ويلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحة الفضولي إذا ردّه المالك أوّلا .. وفيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد وإن جوّز الرضا بعد ذلك» (٢).

والمقتصر على الاستدلال ـ بالأخبار ـ بخصوص خبر عروة هو مثل العلّامة (٣). ويكون حاصل إشكال صاحب المستند عليه هو : أنّ مورد خبر عروة ـ الدال على صحة عقد الفضولي ـ مختص بصورة عدم النهي ، بل مع رضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما صنعه عروة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : «بارك الله في صفقة يمينك» فلا دليل على صحة الفضولي مع نهي المالك ، فلا محيص حينئذ عن القول بالفساد ، لأصالة الفساد الجارية في العقود.

ولا يخفى أنّ مقتضى التخيّل المزبور اختصاص صحّة الفضوليّ بصورة رضا المالك.

(٢) المراد بالمقام هو سبق نهي المالك.

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٧٨.

(٢) المصدر ، ص ٢٧٩ و ٢٨٠.

(٣) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٤ ، تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢ و ٤٨٦ وج ٢ ، ص ١٢٧ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٥.

٥٢٧

وأنّ (١) العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع (٢) الموجود بعد العقد ولو آنا ما كاف في الرّد ، فلا ينفع الإجازة اللاحقة ، بناء على (٣) أنّه لا يعتبر في الردّ سوى عدم الرضا الباطني بالعقد ، على ما يقتضيه (٤) حكم بعضهم (٥) بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي

______________________________________________________

(١) معطوف على «أنّ المستند» وحاصله : أنّ البطلان في صورة نهي المالك ـ وعدم إمكان تصحيحه بالإجازة اللّاحقة ـ مبني على كفاية عدم الرضا الباطني في ردّ العقد ، وعدم تصحيحه بإجازة المالك ، وعدم حاجة الرد إلى الإنشاء.

(٢) جواب الشرط في «إذا وقع» وجملة الشرط والجواب خبر قوله : «ان العقد».

(٣) هذا البناء يستفاد من عبارة الفاضل النراقي المتقدمة. مضافا إلى دلالة حكم جماعة ـ في فرع الوكالة ـ عليه كما سيأتي قريبا.

(٤) أي : ما يقتضي عدم اعتبار شي‌ء في الردّ سوى كراهة العقد باطنا.

(٥) كالمحقق والعلّامة والمحقق والشهيد الثانيين ، قال في القواعد : «فلو ادّعى المشتري النيابة ، وأنكر الموكّل قضي على المشتري بالثمن .. إلّا أن يذكر في العقد الابتياع له ، فيبطل» (١).

وقال المحقق الكركي في شرحه : «لو ادّعى المشتري لشي‌ء أنّه وكيل لزيد في ذلك الشراء ، وأنكر زيد ـ المدّعى عليه ـ الوكالة ، حلف ، واندفع الشراء عنه ظاهرا ، سواء اشترى بعين من نقد وغيره ، أو في الذمة. لكن يستثنى من ذلك ما إذا ذكر في العقد الابتياع لزيد ، فإنّه يبطل ظاهرا .. إلخ» وحاصل هذا الفرع أنّ عقد البيع يبطل ـ ولا يقع للموكّل ولا للوكيل ـ فيما إذا صرّح الوكيل بأنّه قصد الشراء لموكّله لا لنفسه ، وأنكر الموكّل وحلف على نفي الوكالة.

هذا ما ذكروه. وغرض المصنف قدس‌سره من نقله الاستشهاد لمثل مقالة الفاضل النراقي قدس‌سره من أنّ الردّ الموجود حال العقد كاف في بطلان بيع الغاصب ، ولا حاجة

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٦٧ ، جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ٢٩٣ مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٠٠ ، مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٦٣٢.

٥٢٨

الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد ، لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا (١) ، هذا.

ولكنّ الأقوى عدم الفرق (٢) ، لعدم انحصار المستند حينئذ في رواية عروة (٣) ، وكفاية (٤) العمومات. مضافا (٥) إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمّد بن قيس (١).

______________________________________________________

إلى إنشاء ردّ جديد بعد العقد الذي أنشأه الفضول ، كما أنّ إنكار الوكالة كاف في بطلان العقد الذي أنشأه الوكيل ، ولا حاجة إلى إنشاء ردّ جديد ، كما لا تنفعه إجازته بعد الإنكار لو أجاز الموكّل عقد الوكيل.

(١) يعني : فمجرّد عدم الرضا كاف في الردّ وانحلال العقد ، ولا يحتاج الرّدّ إلى الإنشاء.

هذا كلّه في توجيه القول بالبطلان ، وسيأتي الخدشة فيه ، وتقوية صحة بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك.

(٢) بين هذه المسألة ـ وهي عقد الفضولي مع سبق منع المالك ـ والمسألة السابقة ، وهي عدم منع المالك ، فحكمهما واحد وهو الصحة مع إجازة المالك.

(٣) حتى يقال : إنّ موردها رضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو عدم النهي ، فلا تدلّ على الصحة مع نهي المالك ، فيحكم بفساده لأصالة الفساد.

(٤) معطوف على «عدم انحصار» يعني : ولكفاية العمومات في الصحة ، وهي الأدلّة العامّة كأوفوا بالعقود وأحلّ الله البيع ونحوهما. وهذا أوّل الوجوه على صحة بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك.

(٥) هذا وجه آخر لصحة عقد الفضوليّ مع سبق منع المالك ، ومحصّله : أنّ عدم الاذن يشمل النهي وعدمه. حيث إنّ الامام عليه‌السلام لم يستفصل من سيّد الوليدة أنّه نهى ولده عن بيع الوليدة قبل مسافرته أم لا ، وترك الاستفصال يفيد عموم الحكم بإجازة المالك في كلتا صورتي نهي المالك قبل البيع وعدمه.

__________________

(١) المتقدمة في ص ٣٨٨.

٥٢٩

وجريان (١) فحوى أدلّة نكاح العبد بدون إذن مولاه ، مع ظهور المنع فيها (٢) ولو بشاهد الحال بين الموالي والعبيد.

مع (٣) أنّ رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد حينئذ (٤).

______________________________________________________

لكن في استفادة العموم بترك الاستفصال هنا إشكال كما مرّ في التعليقة (في ص ٣٩٥).

(١) بالجرّ معطوف على «ترك الاستفصال» ومحصّله : أنّ صحة نكاح العبد بدون إذن مولاه ـ بعد إجازة السيّد له ـ تدلّ بالأولويّة على صحة عقد الفضولي في سائر الموارد ، مع كون أمر النكاح ممّا أكّد فيه الاحتياط الشديد.

والظاهر ابتناء هذا الوجه على تسليم أولويّة البيع بالصحة من النكاح ، كما عليه بعض على ما تقدّم (في ص ٤١٠) وإلّا فبناء على مختار المصنف من الخدشة في الفحوى لا يبقى مجال للاستدلال بها على صحة البيع الفضولي المسبوق بنهي المالك.

(٢) الظاهر رجوع الضمير إلى «أدلة» لكن الأولى تذكيره ، لرجوعه إلى «نكاح» لأنّ الحال تشهد بمنع المولى عبده عن التزويج بدون إذنه. وهذا أمر عادي خارجي ، وأدلة النكاح واردة على هذا الأمر العادي المتعارف بين الموالي والعبيد ، وليس داخلا في الأدلة حتى ينسب إليها.

(٣) هذه هي العمدة في استفادة صحة الفضولي مع نهي المالك ، فإنّ التعليل بقوله عليه‌السلام : «بأنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيّده» يدلّ على كبرى كلّية ، وهي : أنّ عصيان المخلوق يجبر برضاه ، دون عصيان الخالق ، فإنّه لا يجبر بشي‌ء ، فلا محيص عن لغويّته وعدم ترتيب أثر الصحة عليه ، فإنّ هذه العلة بمنزلة العلة المنصوصة المنطبقة على جميع العقود التي تجري فيها معصية المخلوق كالبيع وغيره ، فنهي المالك عن بيع ماله أو عدم رضاه به معصية ترتفع برضاه الحاصل بعد العقد.

(٤) أي : حين إجازة السيد. وضمير «إجازته» راجع إلى نكاح العبد.

٥٣٠

مع جريان المؤيّدات المتقدّمة له ، من بيع مال اليتيم ، والمغصوب (١) ، ومخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال ، الصريح (٢) في منعه عمّا عداه (٣).

وأمّا (٤) ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد ولو آنا ما ، فلم (٥) يدلّ دليل على

______________________________________________________

(١) قد يناقش فيه بأنّه لم يتقدم من المصنف شي‌ء في المغصوب حتى يصحّ عطفه على مال اليتيم.

إلّا أن يكون مراده من المغصوب ما ورد في رواية مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الودعي الذي جحد الوديعة واتّجر بها مدّة مديدة ، ثم جاء بعد سنين إلى المودع برأس المال وبالربح ، فقال له عليه‌السلام : «خذ نصف الربح منه ، وأعطه النصف وحلّله ، إن هذا رجل تائب والله يحب التوابين» (١) بناء على أنّ قبول الربح إجازة للمعاملات الواقعة على المال في تلك المدة المديدة ، فيكون من إجازة المغصوب.

ولا ريب في كون الوديعة غصبا بيد الودعي المنكر لها.

(٢) صفة للموصول في «لما اشترط» وضمير «منعه» راجع إلى العامل.

(٣) قد تقدّم الكلام في هذه الأمور وغيرها في أدلة صحة عقد الفضولي ، وأنّها خارجة عن عقد الفضولي ، فراجع (ص ٤٣٦ و ٤٤٣ وغيرهما).

(٤) هذا إشارة إلى ضعف ما استدلّ به القائل ببطلان عقد الفضولي للمالك ـ مع سبق منع منه ـ بقوله قبل أسطر : «وأنّ العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع الموجود بعد العقد ولو آنا ما كاف في الرد .. إلخ» ومحصل ما أفاده المصنف قدس‌سره في رده وعدم صلاحيته للمانعية عمّا يقتضي صحة عقد الفضولي ـ مع سبق منع المالك ـ هو عدم الدليل على كفاية منع المالك الباقي بعد العقد ولو آنا ما في الرد حتى لا تنفعه إجازة المالك.

وبعبارة أخرى : مجرّد عدم الرضا الباطني المستكشف من منع المالك لا يكفي في الردّ.

(٥) جواب «وأمّا ما ذكره» وضمير «كونه» راجع إلى منع المالك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٣٥ ، الباب ١٠ من أبواب الوديعة ، الحديث ١ ، وتقريب الاستدلال بهذه الرواية مذكور في المقابس ، ص ٢٤ ، فراجعه إن شئت الوقوف عليه.

٥٣١

كونه فسخا لا ينفع (١) بعده الإجازة.

وما ذكره في حلف الموكّل غير مسلّم (٢). ولو سلّم (٣) فمن جهة ظهور الإقدام على الحلف على ما أنكره في (٤) ردّ البيع وعدم تسليمه (٥) له.

وممّا ذكرنا (٦) يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا ، وأنّ كراهة المالك حال العقد وبعد العقد لا تقدح في صحته إذا لحقه الإجازة (*).

______________________________________________________

(١) للإجماع المدّعى على عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد ، لزوال العقد بالفسخ ، فلا يبقى شي‌ء في وعاء الاعتبار حتى يتعلّق به الإجازة والإمضاء.

(٢) يعني : أنّ ظهور عدم الرضا في الردّ ممنوع ، لإمكان أن يكون غرضه مجرّد نفي الوكالة عليه خاصّة وإن رضي به وأجازه.

(٣) يعني : ولو سلّم ظهور عدم الرضا في الرّد ، لكنّه ليس لأجل مجرّد الكراهة الباطنية ، بل الكراهة الباطنية التي أظهرت بالإقدام على الحلف ، والكراهة الباطنية التي لا تجدي في الرد هي التي لم ينصب عليها مظهر.

(٤) متعلّق ب «ظهور».

(٥) المصدر مضاف إلى الفاعل ، أي : عدم تسليم الموكّل لما أنكره من الوكالة في شراء شي‌ء.

(٦) يعني : من عدم كون مجرّد الكراهة الباطنية ردّا يظهر وجه صحة عقد المكره بالرضا اللّاحق.

__________________

(*) قد عرفت أنّ المسألة عند القائلين بصحة الفضولي ذات قولين ، أحدهما : الصحة مطلقا ، وإن منع المالك عن البيع. وثانيهما : صحته بشرط عدم المنع.

وتحقيق الحق يتوقّف على التكلم في مقامين : الأوّل فيما يقتضي صحة العقد ، والثاني فيما يمكن أن يكون مانعا عن الصحة.

أمّا المقام الأوّل فتفصيل الكلام فيه : أنّه تارة يستند صحة عقد الفضولي إلى العمومات ، مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ونحوهما ، إذ لا ريب في شمولها له بعد إجازة المالك الموجبة لإضافة العقد إلى المالك ، ولا فرق في ذلك بين سبق منع المالك

٥٣٢

.................................................................................................

__________________

وعدمه ، إلّا توهّم مانعية الكراهة المقارنة للعقد وجدانا أو استصحابا المستكشفة من المنع. وسيأتي إن شاء الله تعالى في المقام الثاني بيان عدم مانعيته.

واخرى تستند إلى الأدلة الخاصة كرواية عروة البارقي المتقدمة ، وصحيح محمد بن قيس المتقدم. لكن خبر عروة ظاهر في رضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتختص صحة عقد الفضولي بصورة رضا المالك ، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بصحة الفضولي على صورة رضا المالك ، مع عدم اقتصارهم عليها ، فلا يكون دليلا على صحته مطلقا حتى يدلّ على الصحة ولو مع نهي المالك. ولو فرض عدم رضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنه لم ينه البارقي.

فعلى كلّ حال لا يكون خبر عروة دليلا على مسألة صحة عقد الفضولي مع سبق منع المالك. وصحيح محمّد بن قيس لا يدلّ أيضا على الصحة في مسألتنا ، لأنّ ظاهر قول أبي البائع : «إنّ وليدتي باعها ابني بغير إذني» هو عدم سبق النهي عن بيع الوليدة ، وإلّا كان الأنسب في مقام الاحتجاج ذكر النهي عن البيع ، لأنّه أدخل في الإنكار والاحتجاج على عدم الصحة.

فدعوى «دلالة ـ باعها بغير إذني ـ على الأعم من النهي وعدمه» غير مسموعة ، فإنّ مفهوم عدم الإذن عدمي ، وهو نفي الترخيص. ومفهوم المنع وجودي وهو الزجر عن الوجود ، فلا يتحد المفهومان حتى يدلّ أحدهما على الآخر وإن اجتمعا موردا.

كما أنّ دعوى دلالته على العموم بسبب ترك الاستفصال «حيث إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد مخاصمة المالك الأوّل للمشتري لم يستفصل عن مالك الوليدة عند إرادة السفر أنّه نهى ابنه عن بيع الوليدة أم لا. وعدم الاستفصال يعمّ الحكم كلا القسمين ، وهما صورتا نهي المالك وعدمه» غير ظاهرة ، لأنّ ظهور قوله : «باعها بغير إذني» كما مرّ آنفا في عدم سبق النهي مانع عن التمسك بترك الاستفصال ، لانصراف الجواب إلى ما هو ظاهر السؤال. ومع هذا الظهور لا مجال للتشبث بترك الاستفصال على العموم الذي هو كالأصل بالنسبة إلى الدليل.

٥٣٣

.................................................................................................

__________________

فترك الاستفصال يفيد العموم فيما يكون السؤال محتملا لمعنيين مختلفين حكما بحسب الاحتمال ، كما إذا قال : «حكم المجتهد العادل نافذ» وكان الحكم محتملا للفتوى والحكم في الوقائع الجزئية ، وفرض عدم ظهور الحكم في خصوص باب القضاء ، فإنّه يحكم بعموم الحكم لكلّ من الفتوى والحكم.

ثمّ إنّ ظهور قوله : «باعه بغير إذني» في عدم نهي المالك مستند إلى نفس اللفظ عرفا ، لا إلى أمر عادي حدسيّ ، فلا يقال : إنّ ظهور قوله : «بغير إذني» حدسيّ ، ولا يوجب ذلك انصراف الجواب إليه. وعليه فدعوى التمسك بترك الاستفصال للعموم في غير محلها.

وبالجملة : فلا تدلّ صحيحة ابن قيس على صحة عقد الفضوليّ مع سبق نهي المالك ، بل تدلّ على صحّته مع عدم إذن المالك في البيع.

نعم لا بأس بالاستدلال على صحة عقد الفضولي للمالك ـ مع سبق منع منه ـ بالتعليل الوارد في نكاح العبد بدون إذن السيد ، فإنّ المستفاد منه أنّ النكاح لمّا كان بذاته ممّا شرّعه الشارع ولم يكن غير مشروع في نفسه ـ كنكاح المحارم الذي هو معصية الله تعالى ـ بل كان معصية للسيد ، لكونه وليّ أمر نكاح عبده ، ومن المعلوم أنّ عصيان السيّد ممّا يمكن رفعه بإجازته ورضائه بعد كراهته ، فلا مانع من صحته بإجازة السيد ، سواء أكان مسبوقا بنهي السيد أم لا ، لأنّ نهيه لا يجعل النكاح غير مشروع ذاتا ، بل غايته إناطة نفوذه بإجازته ، ولا يوجب نهيه شيئا زائدا على حقّ سيادته الموجب لتوقّف نفوذ النكاح على إجازته.

نعم بناء على كون النّهي والرّضا الباطني ردّا للعقد ـ بحيث يكون مانعا عن لحوق الإجازة به وعن نفوذه بها ـ يسقط العقد عن قابليته للنفوذ بسبب الإجازة ، ويصير لغوا.

لكن فيه كلام سيأتي في المقام الثاني إن شاء الله تعالى.

٥٣٤

.................................................................................................

__________________

فتلخّص من جميع ما ذكرنا وجود المقتضي لصحّة عقد الفضولي مع سبق نهي المالك ، فإنّ في العمومات وعموم التعليل في نكاح العبد كفاية في إثبات المقتضي للصحّة في كلّ عقد مشروع بذاته ، ومنوط نفوذه برضا المخلوق وإجازته ، فإنّ هذا التعليل كالعلّة المنصوصة ، فمقتضاها هو صحة كلّ عقد مشروع بذاته بإجازة من لإذنه أو إجازته دخل شرعا في نفوذه ، سواء أكان نكاحا أم بيعا أم صلحا أم غيرها من العقود.

وهذا التقريب غير الأولوية التي تقدّمت في أدلة صحة عقد الفضولي حتى يرد عليها : أنّ الأولوية تقتضي كون البيع أصلا والنكاح فرعا ، والحكم في الفرع ـ كالضرب ـ لا يستلزم ثبوته في الأصل وهو التأفيف. فيمكن أن يحرم الضرب دون التأفيف. وفي المقام يمكن أن يصحّ بالإجازة النكاح الفضولي الذي هو الفرع ، دون بيع الفضولي الذي هو الأصل. وقد مرّ سابقا الإشكال في هذه الأولوية.

لكن مع ذلك ليس المقام من هذا القبيل ، بل من قبيل تعليل حرمة الخمر «بكونه مسكرا» في أنّ تعدية الحرمة إلى سائر المسكرات ليست للأولويّة ، بل لأجل فرديّتها لعنوان كلّيّ وقع في حيّز الحرمة.

والحاصل : أنّ تعليل النكاح بعصيان السيد من سنخ العلّة المنصوصة ، والحكم ثابت في جميع العقود من باب انطباق الكلّيّ ـ الذي هو موضوع الحكم ـ عليها عرضا ، لا طولا حتى تصل النوبة إلى الأولويّة. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو البحث عن وجود المانع عن مقتضي صحّة عقد الفضوليّ مع سبق منع المالك وعدمه ـ فمحصّل الكلام فيه : أنّه يمكن أن يستند المنع عن صحة هذا البيع تارة إلى أنّه إذا كان الردّ بعد العقد مانعا عن صحته بالإجازة كان النهي عنه أولى بالمانعية ، لأنّ الدفع أهون من الرفع.

واخرى إلى : أنّ العقد مع النهي لا يضاف إلى المجيز بالإجازة ، فكان النهي السابق

٥٣٥

.................................................................................................

__________________

على العقد يمنع عن خصوص الارتباط عرفا بين المجيز والعقد كالرّد.

وثالثة إلى : أنّ النهي يكشف عن الكراهة الباطنية المتخللة بين العقد والإجازة ، وهذه الكراهة مانعة عن تحقق المعاقدة ، كالكراهة المتخللة من المشتري بين الإيجاب والقبول في كونها مانعة عن حصول المعاهدة والمعاقدة ، هذا.

وفي الجميع ما لا يخفى إذ في الأوّل أوّلا : منع الأولوية ، لأنّ مانعية الرد ثبتت بالإجماع ، والمتيقن منه ـ لكونه لبيّا ـ هو إنشاء الكراهة بأمر خارجي من قول أو فعل ، وليس دليلا لفظيا حتى يؤخذ بإطلاقه الحاكم بتحقق الردّ بالكراهة الباطنية المدلول عليها بالنهي السابق على العقد ، الباقية إلى ما بعد العقد.

وثانيا : كون الرّد عرفا كالفسخ في كون كلّ منهما حلّا للعقد ، غاية الأمر أنّ الرد في عقد الفضولي حلّ لصحته التأهلية ، والفسخ حلّ لصحته الفعلية ، إذ في موارد الخيار يفسخ ذو الخيار العقد الصحيح الفعلي ، فلا يصدق الرّد إلّا على حلّ العقد الموجود ، فقبل وجوده لا معنى لردّه أي حلّه.

وبالجملة : فالكراهة الباقية إلى زمان تحقق العقد لا تكون ردّا للعقد.

وفي الثاني : أنّ النهي لا يقطع الارتباط بين العاقد والمجيز ، لما يرى كثيرا من نهي التجار للدلّالين عن معاملة خاصة ، ولكنهم يجيزونها بعد وقوعها لمصلحة ، فلو لم يكن ارتباط بين المجيز والعقد لم يكن مورد للإجازة التي هي تنفيذ العقد الموجود.

وفي الثالث : عدم منعه عن حصول المعاقدة عرفا ، لما يرى كثيرا من نهي التجار الدلّالين عن معاملة خاصّة ، وبعد وقوعها بمضمونها ، لكونها مصلحة لهم.

وبالجملة : فالنهي لا يسقط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به.

ويمكن تقريب المطلب بوجه آخر ، وهو : أنّ المانع المتوهم إمّا أن يكون نفس النهي ، وإمّا أن يكون المنكشف به ، وهو الكراهة الباطنية. وعلى التقديرين إمّا أن تكون

٥٣٦

.................................................................................................

__________________

المانعية لأجل صدق الردّ عليهما ، وإمّا أن يكون لأجل عدم صدق العقد على هذا العقد المسبوق بنهي المالك. والأوّل وهو الرّد مانع ، والثاني وهو عدم صدق العقد دافع. وإمّا أن يكون لقطع الارتباط بين العقد والمجيز ، فالأقسام ستة :

القسم الأوّل : أن يكون النهي مانعا ، لكونه ردّا ، والحكم فيه عدم صدق الرّد عليه ، لأنّ الرّد كالفسخ حلّ للعقد وهدم له ، غايته أنّ الفسخ حلّ للعقد المؤثّر الفعلي ، فإنّ الخيار ثابت له ورافع لأثره ، والرّد حلّ للعقد المؤثر التأهّلي ، فلا بدّ أن يكون هناك عقد حتى يرد عليه فسخ أو ردّ. ففي المقام لا وجود للعقد حتى يكون النهي ردّا له.

وبقاء النهي وجدانا أو استصحابا إلى آن بعد العقد وإن كان ممّا لا إشكال فيه ، إلّا أنّه لا دليل على كونه ردّا شرعا.

القسم الثاني : أنّ يكون النهي مانعا عن صدق المعاقدة والمعاهدة ، فالنهي مانع عن تحقق الموضوع وهو العقد ، وبدونه لا موضوع للإجازة ، فالنهي في هذا القسم دافع ، وفي القسم الأوّل رافع. والحكم في هذه الصورة كسابقتها ، فإنّ العرف لا يساعد على دلالة النهي على كونه مانعا عن صدق العقد ، فإنّ كثيرا من التجّار ينهون الدلّالين عن معاملات ، وبعد وقوعها يمضونها لمصالح راجعة إليهم.

وكذا الحكم في القسم الثالث ـ وهو كون النهي قاطعا للارتباط بين العقد والمجيز ـ فإنّ العرف لا يساعده ، بل العمل على خلافه.

القسم الرابع : أن يكون عدم الرضا الباطني مانعا ، لكونه ردّا للعقد ، والحكم فيه عدم الردّ ، إذ المتيقن من الدليل اللبّي للرّد ـ أعني به الإجماع ـ هو الكراهة المبرزة بمبرز خارجي من قول أو فعل ، كما هو المسلّم في الفسخ ، فإنّ الكراهة النفسانية بدون المظهر الخارجي لا تكون فسخا ولا ردّا ، وإلّا لم يكن وجه لصحة عقد المكره برضاه بعد العقد. ولو شكّ في كونها ردّا فلا مانع من استصحاب العقد.

٥٣٧

.................................................................................................

__________________

القسم الخامس : أن تكون الكراهة الباطنية مانعة عن تحقق العقد ، وبدون تحققه لا موضوع للإجازة والرد. والحقّ فيه أيضا عدم كونها مانعة عن صدق العقد كما في عقد المكره والمكره بالحق.

وكذا الحكم في القسم السادس ، وهو انقطاع الارتباط بسبب هذه الكراهة بين المجيز والعقد كما هو المشاهد من أعمال العرف في معاملاتهم.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ عقد الفضولي مع نهي المالك صحيح كالصورة الأولى ، ونهي المالك وكراهته الباطنية لا يمنعان الصحة ، والله العالم.

٥٣٨

المسألة الثالثة (١)

أن يبيع الفضولي لنفسه ، وهذا غالبا يكون في بيع الغاصب ، وقد يتّفق من غيره بزعم ملكية المبيع ، كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة (١) في الإقالة بوضيعة (٢).

______________________________________________________

المسألة الثالثة : بيع الفضولي لنفسه

(١) وهي ثالثة المسائل الثلاث التي ذكرها المصنّف قدس‌سره بقوله : «فهاهنا مسائل ثلاث» وهذه المسألة هي : أن يبيع الفضولي لنفسه ـ لا للمالك ـ كما هو الغالب في بيع الغاصبين ، والنادر في بيع غيرهم كمن يعتقد بكون المبيع ملكه. بل هو غير نادر أيضا كالبيوع الفاسدة المبنيّة على الأمارات كاليد والسوق ، والأصول كالاستصحاب وأصالة الصحة وغيرها ، فإنّ البائعين في هذه الموارد يبيعون لأنفسهم باعتقاد ملكية المبيع لهم.

(٢) تقدّم تأييد صحة بيع الفضولي بهذه الصحيحة ، وموردها بيع الفضولي لنفسه باعتقاد كونه مالكا ، مع عدم صدق الاعتداء والغصب على بيعه ، وذلك لأنّ بائع الثوب يزعم جواز إقالة المشتري بوضيعة من الثمن فيقيله ، ثم يبيع الثوب من

__________________

(١) تقدمت في ص ٤٥٣.

٥٣٩

والأقوى فيه (١) الصحة ، وفاقا للمشهور (٢) ،

______________________________________________________

شخص آخر بأزيد ممّا أقال به المشتري الأوّل ، ففي هذا البيع الثاني تجتمع أمور :

أحدها : صدق «الفضولي» على البائع ، لكون المبيع ـ وهو الثوب ـ باقيا على ملك المشتري الأوّل.

ثانيها : أنّ البائع الفضولي قصد وقوع البيع لنفسه حتى يتملّك الثمن الزائد على مورد الإقالة.

ثالثها : عدم صدق «الغاصب» على هذا البائع ، لجهله ببطلان الإقالة ، وزعمه تملكه للثوب مرّة أخرى بقبول الاستقالة بوضيعة ، مع أن المفروض فسادها واقعا.

(١) أي : في بيع العاقد الفضولي لنفسه.

(٢) كما في المقابس ، حيث قال : «وقد أطلق كثير من الأصحاب أنه يقف على الإجازة كغيره. منهم العلامة في بيع المختلف وغصب التحرير وبيع التذكرة والقواعد وغصبهما ، والشهيد والسيوري والصيمري والكركي. واختاره فخر الإسلام بناء على صحة الفضولي ، وهو قضية إطلاق الباقين واللّازم من فتاواهم في مسألة ترتيب مسلسلة العقود على أحد العوضين» (١).

وهنا قولان آخران :

أحدهما : عدم الصحة مطلقا.

والثاني : التفصيل بين الغاصب وغيره كما عن ابن إدريس ، فإنّ المحكي عنه نفي الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا كان بعين المغصوب.

بل هنا تفصيل آخر منسوب إلى العلّامة وولده والشهيد وقطب الدين ، وهو التفصيل بين علم المشتري بالغصبية وجهله بها. فالأقوال في المسألة أربعة : الصحة

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣١.

٥٤٠