هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

كان (١) من أفراد المسألة. وإن عمل (٢) بإطلاقها كما عن جماعة ممن تقدّمهم خرجت (٣) عن مسألة الفضولي ، لكن يستأنس بها للمسألة (٤) بالتقريب المتقدم.

______________________________________________________

اشترى بالعين وأجاز الولي فالربح لليتيم ، وإلّا فالبيع باطل». (١)

وقال في الجواهر : «أمّا إذا كان ـ أي المتصرف ـ غير وليّ ، وقد اشترى بعين مال الطفل بعنوان أنّه له ، وكان فيه ربح ، فالضوابط تقتضي أنّه فضولي لا يدخل في ملك الطفل حتى يجيز الولي ..».

(١) جواب «إن حملت» أي : كان اتجار غير الولي من أفراد مسألة الفضولي.

(٢) معطوف على «إن حملت» وضمير «بإطلاقها» راجع إلى أخبار الاتجار بمال اليتيم ، وحاصله : أنّه إن عمل بإطلاق تلك الأخبار الشامل لإجازة الولي وعدمها ـ كما عن جماعة منهم الشيخ وابن زهرة والحلي والمحقق وفخر الإسلام قدس‌سرهم (٢) ـ لم يتجه الاستدلال بها على مسألة الفضولي ، لخروج الاتجار بمال اليتيم حينئذ موضوعا عنها ، إذ الكلام في مسألة الفضولي إنّما هو بعد الإجازة لا مطلقا وإن لم تلحقه إجازة ، قال المحقق : «أمّا لو لم يكن ـ أي المتاجر ـ مليّا أو لم يكن وليّا ، كان ضامنا ولليتيم الربح».

(٣) جواب «وإن عمل» أي : خرجت أخبار الاتجار بمال اليتيم عن موضوع مسألة الفضولي ، وقد مرّ آنفا تقريب خروجها.

(٤) يعني : لمسألة الفضولي بالتقريب المتقدم ، وهو عدم اعتبار الاذن السابق من المالك في نقل ماله إلى الغير.

__________________

(١) لاحظ : الدروس الشرعية ، ج ١ ، ص ٢٢٩ ، جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٥ ، مسالك الأفهام ، ج ١ ، ص ٣٥٧ ، مدارك الاحكام ، ج ٥ ، ص ٣٠ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٢ ، ص ٢٦ ، جواهر الكلام ، ج ١٥ ، ص ٢٣

(٢) المبسوط ، ج ١ ، ص ٢٣٤ ، النهاية ، ص ١٧٥ ، السرائر ، ج ١ ، ص ٤٤١ ، شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ١٤٠ ، تذكرة الفقهاء (الطبعة الحديثة) ج ٥ ، ص ١٤ ، قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٣٢٩ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ١٦٧.

٤٤١

وربما احتمل دخولها (١) في المسألة (٢) من حيث إنّ الحكم بالمضيّ إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة ، فتأمّل (٣) (*).

______________________________________________________

(١) أي : دخول المعاملة بمال اليتيم ـ لغير الولي ـ في مسألة الفضولي.

(٢) أي : مسألة صحة عقد الفضولي إذا باع للمالك بدون سبق منع منه ، بعد البناء على أنّ الأخبار الواردة في المقام مطلقة لا تقييد فيها بصورة إجازة الولي وحاصله : أنّ حكم عقد الفضولي ـ وهو صحته بالإجازة ـ ثابت في التجارة بمال اليتيم ، وذلك لأنّ حكم الامام عليه‌السلام بضمان المتجر بمال اليتيم وكون الربح لليتيم في تلك الروايات وإمضائه للمعاملة الواقعة بغير إذن الولي إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة ، فلا تحتاج المعاملة بعد هذه الإجازة ـ من وليّ الكل ـ إلى إذن الولي. وحينئذ يصح الاستدلال بالأخبار المذكورة لمورد البحث ، وهو صحة عقد الفضولي الواقع للمالك مع الإجازة ، لدلالة حكم الامام عليه‌السلام على حصول الإجازة.

(٣) لعلّه إشارة إلى : أنّ مورد الكلام هو إجازة مالك أمر العقد التي تكون جزء السبب المملّك ، دون الشارع الذي تكون إجازته حكم العقد التام.

مضافا إلى : أنّ حكمه أجنبي عن الإجازة اللاحقة للعقد ، لأنّه ثابت حين العقد ، وليس حادثا بعده حتى يكون من الإجازة المتأخرة.

__________________

(*) لا يخفى أنّ مورد بعض الإخبار اتجار الولي بمال اليتيم ، كخبر منصور الصيقل : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مال اليتيم يعمل به؟ فقال عليه‌السلام : إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح ، وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال». (١) لأنّ التصرف في مال اليتيم حرام إلّا بإذن الولي ، والمفروض

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٥٨ ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٧.

٤٤٢

.................................................................................................

__________________

أن الرواية أناطت جواز التصرف وصحة المعاملة باليسار. فلو كان المتجر بمال اليتيم غير الولي أناطت جواز التجارة بإذنه أيضا. فهذه الرواية تفصّل بين الملي وغيره بإبطال اقتراض غير الملي ، وتصحيح المعاملة للملي‌ء.

وأخبار الاتجار بمال اليتيم ثمانية ، وهي مذكورة في الوسائل فراجعها (١).

والمراد بقوله عليه‌السلام : «وضمنته» هو نقل مال اليتيم إلى نفسه بناقل شرعي كالقرض ، فإنّ الاتجار حينئذ يكون بمال نفسه لا بمال اليتيم ، فالربح له لا لليتيم. والمراد بقوله عليه‌السلام : «وأنت ضامن للمال» ضمانه له بسبب اختياري أعني به القرض الذي هو التمليك بالضمان. والمراد بقوله عليه‌السلام : «وان كان لا مال لك .. إلخ» هو : أنّه إذا كان الاتجار بنفس مال اليتيم وعينه فالربح لليتيم ، لأنّه نماء ماله ، ويكون العامل به على تقدير التلف ضامنا ، لعدم كونه مأذونا في التصرف فيه.

والظاهر أن هذه الرواية وما بمضمونها في مقام بيان أنّ التجارة بمال اليتيم تارة تكون له ، واخرى تكون لغيره ، وتمييز التجارة الواقعة لنفس المتجر عن التجارة الواقعة لليتيم. وليست الروايات في مقام بيان سائر الجهات حتى يتمسك بإطلاقها لنفي اعتبار الإجازة ، أو تحمل على حصول الإجازة من الولي.

فتكون تلك الروايات نظير قوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ) في مقام بيان حلية أكل ما اصطاده الكلب المعلّم فقط ، دون بيان سائر الجهات ، حتى يتمسك بإطلاق الآية الشريفة لإثبات طهارة موضع العضّ.

والحاصل : أنّ المستفاد من مجموع روايات التصرف في مال اليتيم ـ المذكورة في زكاة وسائل الشيعة وتجارتها في أبواب ما يكتسب به ـ أمور :

الأوّل : التفصيل بين المليّ وغيره ، بجواز أخذ مال اليتيم للأوّل ، وعدمه للثاني.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٥٧ و ٥٨ ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

٤٤٣

.................................................................................................

__________________

الثاني : الحكم الوضعي وهو صحة البيع ، وكون الربح لليتيم في صورة عدم الاقتراض من ماله ، وللمتجر في صورة الاقتراض.

الثالث : ضمان المتجر في كلتا صورتي حرمة التصرف للمعسر ، وجوازه للموسر غاية الأمر أنّ الضمان في الأوّل ضمان اليد ، لأنّ يده على المال عادية ، وفي الثاني ضمان التعهد الاختياري الحاصل بالاقتراض ، مع صحة البيع في كلتا الصورتين.

أمّا في صورة الاقتراض فلصيرورة مال اليتيم ملكا للمقترض ، فيصح البيع ، ويكون الربح له ، لوقوع البيع في ماله ، لا في مال اليتيم.

وأما في صورة عدم الاقتراض وحرمة التصرف ، فلأنّ الحرمة التكليفية في المعاملة ليست موجبة للفساد مطلقا كما لا يخفى. فمع كون البيع واقعا مصلحة لليتيم يقع صحيحا وإن كان حراما تكليفا.

والغرض من هذا التطويل أنّ الأخبار المشار إليها في مقام بيان الأحكام المذكورة ، ولا إطلاق لها حتى يقال : إنّ إطلاقها يدلّ على صحة البيع مطلقا وإن لم يجز الولي.

أو يقال : إنّ صحته المستكشفة من كون الربح لليتيم تدلّ على لحوق الإجازة للبيع ، فإنّها تتكفل أحكاما حيثية ، وهي : أنّ أموال اليتيم من حيث الحكم التكليفي والوضعي كذا وكذا. وأمّا إطلاق الأحكام المزبورة فليست تلك الأخبار في مقام بيانه حتى يقال : إنّ إطلاقها ينفي اعتبار الإجازة مثلا ، فإنّ نفيه ـ كنفي اعتبار البلوغ أو عدم اعتبار عربية الصيغة أو ماضويّتها ، وهكذا ـ ليس من شأن تلك الأخبار.

أو يقال : إنّ صحته تدل على تحقق الإجازة ، إذ الروايات المشار إليها في مقام تصحيح بيع مال اليتيم من حيث كونه مال اليتيم ، وأنّ إضافة المال إلى اليتيم ليست مانعة عن صحة البيع. وليست في مقام تصحيحه من سائر الحيثيات حتى يستفاد منها عدم اعتبار إجازة الولي في صحته. أو يستفاد منها حصول الإجازة في هذا البيع حتى يكون دليلا على صحة عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع.

٤٤٤

وربّما يؤيّد المطلب (١) أيضا برواية (٢) ابن أشيم الواردة في العبد المأذون

______________________________________________________

الطائفة الثالثة : ما يؤيّد الصحة

أ : ما ورد في شراء العبد المأذون

(١) وهو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك مع عدم سبق منع من المالك.

(٢) هذا إشارة إلى سابع الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي الواقع للمالك ، أو أيّد بها صحته ، وهو ما رواه ابن أشيم عن أبي جعفر عليه‌السلام «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة ، دفع إليه رجل ألف درهم ، فقال : اشتر بها نسمة وأعتقها عنّي ، وحجّ عنّي بالباقي. ثم مات صاحب الألف ، فانطلق العبد فاشترى أباه ، فأعتقه عن الميت ، ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميت ، فحجّ عنه ، وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعا ، فاختصموا جميعا في الألف. فقال موالي العبد المعتق : إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال الورثة : إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال موالي العبد : إنّما اشتريت أباك بمالنا. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أمّا الحجة فقد مضت بما فيها ، لا تردّ. وأمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه. وأيّ الفريقين بعد أقاموا البينة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا». (١)

ومدلول الرواية : أنّه سئل الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه عن عبد أذن له مولاه أن يتاجر له ولغيره ، فجاء رجل إلى هذا العبد المأذون ودفع إليه ألف درهم ووكّله في أمور ثلاثة :

أوّلها : أن يشتري نسمة ، ثانيها : أن يعتقها عن الرجل الموكّل. ثالثها : أن يحج هذا العبد المأذون ـ بما بقي من ألف درهم ـ نيابة عن الرّجل صاحب الدراهم. فقبل

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٣ ، ص ٥٣ ، الباب ٢٥ من أبواب بيع الحيوان ، ح ١ ، رواه الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن ابن أشيم ـ أو أشيم ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، والرواية ضعيفة بموسى بن أشيم المرمي بالغلو ، فلم يوثق لذلك ، أو لكونه مجهولا. إلّا أن يقال : إنّ في السند الحسن بن محبوب ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. لكن فيه بحث.

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

العبد المأذون هذه الوكالة والحجّ النّيابي ، ثم مات الموكّل.

فانطلق العبد لينفّذ مورد الوكالة ، وكان أبوه رقّا ، فجاء إلى موالي أبيه ، واشتراه منهم وأعتقه عن موكّله. ولم يحجّ العبد مباشرة بباقي المال ، وإنّما دفعه إلى أبيه ليحجّ نيابة عن صاحب الدراهم.

وبعد وقوع هذه الأمور ـ من الشراء والإعتاق والحج ـ اطّلع كلّ من موالي الأب ومولى العبد المأذون وورثة صاحب الدراهم على القصّة ، فتنازعوا جميعا ، فادّعى مولى العبد المأذون أنّ شراء الأب كان بأمواله التي دفعها إلى عبده ليتاجر بها ، ولم يأذن له في شراء أبيه وإعتاقه وإحجاجه. وادّعى موالي الأب أن ثمنه كان من أموالهم التي دفعوها إلى العبد المأذون للتجارة بها ، ويبطل البيع حينئذ ، لكون مالك الثمن والمثمن واحدا. وادّعى ورثة صاحب الدراهم أنّ شراء الأب كان بمالهم الذي انتقل إليهم بالإرث من مورّثهم ، لكون المفروض موت الموكّل قبل عمل العبد المأذون بالوكالة. هذه صورة المسألة.

وقد أجاب الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ـ على ما في الخبر ـ : بأنّ الحجّ النيابي ماض وصحيح. ويعود الأب رقّا لمواليه ، إلّا أن يقيم مولى العبد المأذون أو ورثة صاحب الدراهم بيّنة على أنّ الأب اشتري بماله الذي كان عند العبد المأذون.

هذا محصّل مضمون الرواية ، وقد استدلّ بها المحقق الشوشتري قدس‌سره قائلا : «بأنّه عليه‌السلام اكتفى في الحكم بتملك العبد بثبوت كون الشراء وقع بماله ، فلو لم تكن إجازة المالك للفضولي كافية في صحة العقد لم يكن كذلك ، لعدم استلزام العام للخاص ، فتدبّر». (١) وسيأتي تقريب الدلالة أو التأييد.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٦.

٤٤٦

الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة (١) ويعتقها ويحجّه عن أبيه (٢) ، فاشترى أباه ، وأعتقه (٣) ، ثم تنازع مولى المأذون ومولى الأب وورثة الدافع (٤) ، وادّعى

______________________________________________________

(١) وهو المملوك ذكرا كان أو أنثى.

(٢) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن الموجود في متن الرواية : «وحجّ عنّي».

(٣) ثم دفع العبد المأذون باقي المال إلى أبيه ليحجّ عن موكّله.

(٤) أي : تنازع ورثة دافع المبلغ ـ وهو ألف درهم ـ وموالي العبد المأذون في التجارة ، ومولى الأب ، وينبغي لتقريب التأييد بهذه الرواية لصحة عقد الفضولي الإشارة إلى أمور مسلّمة :

الأوّل : بطلان الوكالة بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته.

الثاني : انتقال كلّ مال لشخص بموته إلى وارثه.

الثالث : صحة نيابة المملوك في الحج.

وبعد وضوح هذه الأمور يتضح انطباق الرواية على الفضولي ، حيث إنّ تلك الدراهم انتقلت بموت دافعها الى ورثته ، وبطلت وكالة العبد المأذون في الشراء بنفس موت موكله وهو دافع الدراهم ، فشراء العبد إنّما تحقق بمال الورثة بدون إذنهم ، لقول الراوي : «وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت» الظاهر في عدم اطلاع الورثة على أفعال العبد المأذون في التجارة من الشراء وغيره ، فوقع الشراء بمال الورثة فضوليا ، ومطالبتهم للنّسمة المشتراة بمالهم إجازة لهذا الشراء الفضولي ، وإلّا لطالبوا نفس الدراهم.

وأمّا الشراء بالنسبة إلى موالي العبد المأذون فلا يكون فضوليا ، لكون ادّعائهم الشراء بمالهم دليلا على أنّهم أذنوا للعبد ـ المأذون ـ في الشراء بمالهم ، وأنّهم دفعوا إليه مالا ليشتري لهم عبدا ، فيخرج عن الفضولي.

وأمّا الشراء لموالي أب العبد المأذون فليس شراء حقيقة ، لكون كلا العوضين ملكا لهم ، وهو خلاف حقيقة المعاوضة.

٤٤٧

كلّ منهم أنّه (١) اشتراه بماله. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يرد المملوك رقّا لمولاه ، وأيّ الفريقين (٢) أقاموا البيّنة بعد ذلك (٣) على أنّه (٤) اشتراه بماله كان رقّا له» الخبر (٥). بناء (٦) على أنّه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملّك المبيع بعد مطالبتهم (٧) المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال ولا إقامة البيّنة

______________________________________________________

(١) أي : أنّ العبد المأذون اشترى أباه المعتق. وضمير «بماله» راجع إلى «كلّ منهم».

(٢) وهما مولى العبد المأذون ، وورثة الدافع. ولم يذكر عليه‌السلام إقامة البينة من قبل موالي الأب. والوجه فيه ما تقدّم آنفا من بطلان البيع لو كان الشراء بمالهم ، لكون العوضين مملوكين لهم ، ولا معنى للبيع حينئذ. فشراء الأب لو كان صحيحا في الواقع فإمّا أن يكون ثمنه من مولى العبد المأذون ، وإمّا من ورثه الدافع.

(٣) أي : بعد إعادة الأب رقّا لمواليه ظاهرا ، وليست كلمة «ذلك» في الرواية.

(٤) أي : أنّ العبد المأذون اشترى المملوك ، وضميرا «بماله ، له» راجعان إلى : أيّ الفريقين.

(٥) الظاهر الاستغناء عن هذه الكلمة ، لأنّ المنقول تمام مضمون الحديث لا بعضه حتى يحتاج إلى التنبيه على بقاء جملة أخرى منه.

(٦) هذا توجيه كون الرواية تأييدا لصحة عقد الفضولي ، أو دليلا عليها ، وقد مرّ بقولنا : «ومطالبة الورثة للنسمة المشتراة .. إلخ».

وهذا التقريب موافق لما تقدم من المقابس في تقريب الاستدلال ، فإن أمكن إلغاء خصوصية المورد تمّت الدلالة ، وإلّا فهذا الخبر كغيره ممّا ورد في موارد خاصّة مؤيّد للمطلب.

ولا يخفى أن المستفاد من قول المصنف : «بناء» وجود احتمال آخر في الخبر يصير أجنبيا عن عقد الفضولي ، مثل إذن مولى العبد في مطلق التجارة بالمال ، ورضى الورثة بتصرف العبد المأذون ، وسيأتي بعض الكلام في التعليقة إن شاء الله تعالى.

(٧) أي : مطالبة الورثة العبد المأذون في شراء النسمة بأخذ النسمة المشتراة

٤٤٨

عليها كافية (١) في تملك المبيع (*).

______________________________________________________

بمالهم الذي انتقل إليهم إرثا من أبيهم ، وهي الدراهم المذكورة.

(١) لفرض بطلان شراء الأب بمال لم يأذن مالكه في ذلك.

__________________

(*) لا يخفى أنّه قد أورد على الاستدلال بهذا الخبر بوجوه :

الأوّل : أنّ صحة الحج من العبد بدون إذن مولاه خلاف القاعدة.

والجواب عنه بعدم اشتراط الحرية في نائب الحج غير سديد ، إذ الاشكال إنّما هو في عدم الإذن من موالي العبد ، حيث إنّ أفعال الحج غير التلبية تصرف في ملك السيد ، وهو بدون إذنه حرام ، والنهي في العبادة مبطل لها. لا في مانعية الرقية حتى يجاب عنه بعدم قدح الرقية في صحة الحج.

فلعلّ الأولى في دفع الاشكال ما في كلام بعض الأجلة من قوله : «ويمكن أن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام : ـ الحجة قد مضت بما فيها لا ترد ـ لا يكون بصدد بيان حكم الحج صحة وفسادا ، بل بصدد التقابل بينه وبين العبد ، بأنّ العبد باق قابل للردّ ، دون الحج الذي مضى وتصرّم .. إلخ». (١)

وهذا الجواب في نفسه لا بأس به ، إلّا أنّه بعيد عن بيان الحكم الشرعي ، فإنّ المراد بردّ العبد إلى مواليه ليس هو الرّد الخارجي التكويني ، بل المراد به الرّد التشريعي ، وهو الحكم برقيّته. فالمقصود بعدم ردّ الحج ـ بقرينة المقابلة ـ هو عدم الردّ شرعا ، أي الصحة ، كما يقتضيها ظاهر قوله عليه‌السلام : «فقد مضت» فلا يحكم بتكرير الحج.

فيحتمل أن تكون صحة الحج في مورد الرواية تعبّدا خاصّا.

وقد يحتمل صحة الحج بالإجازة ، بناء على الكشف.

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ٢ ، ص ١٢٩.

٤٤٩

.................................................................................................

__________________

لكنه ضعيف ، ولو بناء على الكشف ، لأنّ الإجازة لا تفيد إلّا الملكية من زمان وقوع العقد. وأمّا الإذن في الحج فلا تفيدها الإجازة ، لأنها خارجة عن مورد الإجازة ، وهو مضمون العقد. كما أنّ الإجازة لا تصحّح ما وقع على مورد العقد كالإجارة والإعارة وغيرهما ، فإذا أجاز شراء البستان الذي اشتراه الفضولي له وآجره بعد الشراء لا تكشف صحة بيعه بالإجازة عن صحة إجارته ، لأنّ الإجازة تنفذ مضمون العقد ، وهو انتقال البستان إلى مالك الثمن. وأمّا إجارة البستان فليست مضمون الشراء ، ولا من لوازمه.

هذا كله مضافا إلى : أنّ الإذن المقارن شرط لصحة المناسك ، والإذن غير الإجازة المتأخرة. وليست أفعال الحج كالبيع حتى يقال بكفاية الإجازة المتأخّرة في صحتها.

الثاني : أنّ مقتضى قواعد باب القضاء تقديم قول الورثة ، لأنّهم منكرون ، لموافقة قولهم للحجة ، فإنّ قول الوكيل حجة ، وكذا فعله ، إذ الظاهر أنّ العبد اشترى أباه بالدراهم التي دفعها الميت إليه ، فتقديم قول موالي العبد وإرجاعه رقّا لهم خلاف قواعد القضاء.

وفيه : أنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء والعتق والحج بعد موت الموكل ، وهو مالك الدراهم ، فانعزل العبد المأذون عن الوكالة بنفس موت الموكّل ، وبعد انعزاله لا حجية في قوله ، لعدم كونه وكيلا حينئذ ، فلا يكون إنكار الورثة موافقا للحجة ، فلا موضوع لهذا الإيراد ، لابتنائه على حجية قول الوكيل وفعله ، والمفروض بطلان وكالته بالموت ، فلا عبرة بقوله وفعله بعد الموت.

الثالث : تقديم قول مدّعي الفساد على مدّعي الصحة فإن الحكم برجوع العبد رقّا إلى مولاه الأوّل وإن كان مما يقتضيه الاستصحاب ، لكنه مخالف لأصالة الصحة الحاكمة على الاستصحاب ، المقتضية لخروج العبد عن ملكه ، ولقاعدة الإقرار ، وهي «من ملك شيئا ملك الإقرار به» فإنّ العبد المأذون المالك لأمر العقد يعترف بالشراء بمال الميت ،

٤٥٠

.................................................................................................

__________________

فكيف يقدّم الاستصحاب عليها؟

وفيه : عدم المجال لجريان أصالة الصحة هنا ، ولا لجريان قاعدة «من ملك».

أمّا الأوّل فلأنّ مورد أصالة الصحة هو الشك في صحة العقد ، والشك في صحة شي‌ء إنّما هو بعد وجوده مع قابليته للصحة والفساد. وهذا مفقود في المقام ، لامتناع المبادلة بين المالين لمالك واحد ، فيمتنع الشراء لو كان بمال مالك العبد المعتق ، بل هو صورة المعاملة ، لا معاملة حقيقية ، فيدور الأمر حقيقة بين وقوع العقد وعدمه ، ومع الشك في وقوعه لا معنى لجريان أصل الصحة فيه.

وأمّا الثاني فلأنّه لا دليل على اعتبار قاعدة «من ملك» إلّا تسالم الأصحاب عليها ، فلا بد حينئذ من الأخذ بالمتيقن ، وهو كونه مالكا حين الإقرار ، وعدم كفاية مالكيته قبل الإقرار ، فإذا باع زيد بستانه مثلا ، ثم اعترف بأنّه كان مغصوبا من عمرو لم تسمع دعواه. وكذا لو ادّعى ذو اليد نجاسة ما كان تحت يده سابقا وانتقل إلى غيره.

ففي المقام لو كان إقرار العبد المأذون في الشراء قبل موت دافع الدراهم لكان مسموعا ، لكون إقراره حال سلطنته على الشراء. وأمّا بعد موته فلا عبرة بإقراره ، لارتفاع سلطنته وانعزاله بالموت ، فلا يكون إقراره في الشراء بعد الموت نافذا.

وعليه فلا بأس بالتشبث بالاستصحاب الموجب لبقاء الملكية وفساد المعاملة.

والحاصل : أنّ قاعدة «من ملك» لا تجري إلّا في حال سلطنته على ما وقع الإقرار به. وأمّا بعد انقضاء سلطنته عنه فلا عبرة بالإقرار. ولذا لو أقرّ بالرجوع في العدّة بعد انقضائها أو أقرّ الولي بعقد الصغيرة في حال صغرها بعد بلوغها وصيرورتها مالكة لأمرها لا ينفذ إقراره ، ويكون وجود هذا الإقرار بعد انقضاء زمان تلبس المقرّ بالسلطنة على ذلك الفعل كالوكالة والولاية كعدمه ، ولا يترتّب عليه أثر أصلا. فلا يحكم بزوجية المطلقة بعد انقضاء العدّة للمطلّق ، وبزوجية الصغيرة بعد بلوغها.

٤٥١

.................................................................................................

__________________

وبالجملة : فالحكم برقيّة العبد المعتق لمولاه الأوّل لا يكون مخالفا لشي‌ء من قاعدتي الصحة ، و «من ملك» هذا.

وقد يقال في وجه صحة الحج : انّ الظاهر من الرواية أنّ دفع الألف إلى العبد المأذون في التجارة كان بعنوان الوصية. ودعوى الورثة الشراء بالألف لأجل كون ولاء العتق لهم ، فالورثة لا ينكرون الوصية حتى يكون شراء العبد المأذون أباه فضوليّا. وعليه فتكون الرواية أجنبية عن مسألة الفضولي. فظهور الرواية في مسألة الفضولي فضلا عن الصراحة ممنوع (١).

أقول : فيه أوّلا : أنّ الحمل على الوصية بعيد جدّا ، إذ ليس منها في الرواية عين ولا أثر ، مع عدم قرينة خارجية عليه أيضا.

وثانيا : أنّ هذا الحمل لا يجدي في صحة الحج ، لأنّ الوصية بمقتضى قوله : «وحج عنّي بالباقي». قد تعلّقت بحجّ نفسه مباشرة لا غيره ، فلا موجب لصحته عن غير العبد المأذون.

وثالثا : أنّ هذا الحمل ينافي دعوى الورثة أنّ المأذون قد اشترى أباه بمالهم ، حيث إنّ مقتضى هذه الدعوى هو كون أبي المأذون رقّا لا حرّا. ومن المعلوم أنّ الفرض المزبور وهو ثبوت ولاء العتق لهم لا يترتب على دعوى الورثة الشراء بمالهم ، لأنّ مقتضاها رقّية أبي المأذون لهم ، لا حريّته حتى يترتب عليها ثبوت ولاء العتق لهم.

ورابعا : أنّ اعتراف الورثة بوصية أبيهم وعدم إنكارهم لها لا يوجب ثبوت ولاء العتق لهم ، إذ الولاء مشروط بكون المعتق متبرعا في العتق ، فلو كان العتق واجبا عليه كالكفارة والنذر لم يثبت له ولاء. ولمّا لم يكن حال العتق معلوما ، فثبوت الولاء مشكوك فيه ، ومقتضى الأصل عدمه.

ثم إنّ مقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولاء لمن أعتق» عدم ثبوت الولاء هنا لأحد ، لعدم

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢١٩.

٤٥٢

ومما تؤيّد المطلب (١) أيضا صحيحة الحلبي «عن الرجل يشتري ثوبا

______________________________________________________

ب : ما ورد في الإقالة بوضيعة

(١) وهو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك مع عدم سبق منع منه ، وهذا ثامن الوجوه لصحة عقد الفضولي ، دلالة أو تأييدا. وقد أيّد بها في الجواهر بقوله : «وفيمن باع ثم أقال بوضيعة ، ثم باع بأكثر من الثمن : أن الربح للمالك الذي أشترى أوّلا» (١).

ومحصّل مدلول الصحيحة الواردة في الإقالة هو : أنّه سئل الإمام أبو عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه عن رجل اشترى من آخر ثوبا ، ولم يشترط لنفسه الخيار ، فانعقد البيع لازما. ولكن المشتري ندم وكره الثوب ، فجاء إلى البائع

__________________

كون العبد المأذون المعتق بالكسر منعما ومولى له. وكذا الورثة ، فإنّهم ليسوا أيضا بمعتقين حتى يثبت لهم الولاء.

وخامسا : أنّ الحمل المزبور لإثبات الولاء لهم ينافي قوله عليه‌السلام : «أيّ الفريقين بعد أقاموا البيّنة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقا» لظهوره في الرقية الفعلية.

وجه المنافاة : أنّ الولاء مترتب على العتق ، ومن المعلوم أنّ البيّنة القائمة على كونه ملكا لإحدى الفرق المتخاصمة أمارة على تلبسه فعلا بالرقية ، لا أنّه كان رقّا وانقضت عنه.

فتلخص من جميع ما تقدم : أنّ الرواية ضعيفة سندا ودلالة ، إذ مع فرض دلالتها على الوصية تكون أجنبية عن مسألة الفضولي. وعلى تقدير دلالتها على الوكالة الباطلة بالموت تكون من مسألة الفضولي ، لكن الاستدلال بها حينئذ على مطلق عقد الفضولي منوط بإلغاء خصوصية المورد. وذلك مشكل جدّا ، فتكون الرواية مؤيّدة لصحة عقد الفضولي لا دليلا عليها.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٩.

٤٥٣

ولم يشترط على صاحبه شيئا (١) ، فكرهه ، ثمّ ردّه على صاحبه ، فأبى أن يقبله [يقيله] إلّا بوضيعة (٢). قال : (٣) لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة ،

______________________________________________________

يستقيله ليردّ المبيع إليه ويستردّ الثمن ، فأبى البائع أن يقيله إلّا بوضعية بأن لا يردّ تمام الثمن إلى المشتري ، مثلا لو كان المشتري قد اشترى الثوب بعشرة دراهم ، وأبقى البائع درهما عنده ، وردّ تسع دراهم إلى المشتري.

فأجاب الإمام عليه‌السلام بأنّه لا يصلح للبائع أن يشترط في الإقالة إبقاء شي‌ء من الثمن عند نفسه ، بل مقتضى الإقالة ردّ تمام الثمن إلى المستقيل وهو المشتري.

فإن كان البائع عالما بالحكم الشرعي ، وأنّه لم يجز له إمساك بعض الثمن حرم عليه التصرف فيه ، وفي الثوب ، لبطلان هذه الإقالة.

وإن كان جاهلا بالحكم فلا إثم عليه ، لكن الثوب باق على ملك المشتري. فلو باعه من شخص آخر بأزيد من الدراهم التسعة التي دفعها إلى المستقيل لم يملك هذه الزيادة ، لكونها ملكا للمشتري الأوّل ، لأنّها عوض الثوب الذي لم يخرج عن ملكه بالإقالة الفاسدة.

هذا مفاد الصحيحة ، وسيأتي تقريب تأييد صحة بيع الفضولي بها.

ولا يخفى أنّ المصنف قدس‌سره جعل هذه الصحيحة وما بعدها مؤيّدات لا أدلة ولا مما يستأنس بها لصحته ، مع ظهورها في صحة عقد الفضولي. والوجه فيه ما تقدم من احتمال التعبد ودخل خصوصية مواردها.

(١) أي : شيئا يوجب الخيار.

(٢) أي : بنقيصة من أصل الثمن الذي اشترى به الثوب.

(٣) أي : قال الإمام الصادق عليه‌السلام : لا يصلح للبائع أن يأخذ الثوب بنقيصة ، لأنّه إقالة ، وهي حلّ العقد السابق. وليست معاملة جديدة ، فلا يمكن أن تكون بنقيصة أو زيادة ، بل كلّ من العوضين يردّ إلى صاحبه ، بلا زيادة ونقيصة.

٤٥٤

فإن جهل (١) فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يردّ (٢) على صاحبه الأوّل ما زاد» (١).

فإنّ (٣) الحكم بردّ ما زاد لا ينطبق (*) بظاهره إلّا على صحة بيع الفضولي لنفسه.

______________________________________________________

(١) يعني : فإن جهل بائع الثوب الحكم فأخذ الثوب بوضيعة من المشتري ، وباعه على غيره بأكثر من ذلك الثمن ، فعليه ردّ الزائد الذي أخذه من المشتري الثاني إلى المشتري الأوّل.

(٢) جواب الشرط في «فإن جهل» والفاء في «فأخذه» عاطفة لا جوابية.

(٣) هذا تقريب التأييد ، توضيحه : أنّ حكم الامام عليه‌السلام بردّ ما زاد على الثمن إلى المشتري الأوّل لا ينطبق إلّا على القول بصحة عقد الفضولي ، وذلك لأنّ البيع الثاني وقع فضولا ، إذ الثوب كان باقيا على ملك المشتري الأوّل ، لعدم صحة الإقالة بسبب الوضيعة.

فالحكم بردّ الزائد ـ على الثمن الأوّل ـ إلى المشتري الذي هو المالك الفعلي للثوب دليل على صحة عقد الفضولي الذي باعه لنفسه ، بزعم أنّ الثوب صار ملكا له بعد أن ردّه المشتري إليه بالإقالة. وإلّا حكم عليه‌السلام بصحة البيع الثاني لنفسه ، وكون تمام الثمن في البيع الثاني له ، لا ردّ ما زاد على المشتري الأوّل.

__________________

(*) بل لا ينطبق على الفضولي ، إذ فضولية البيع الثاني مترتبة على كون الثوب ملكا للمشتري الأوّل وملكيّته له منوطة ببطلان الإقالة بالوضيعة ، إذ مع صحّتها ترجع

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ، ١٢ ، ص ٣٩٢ ، الباب ١٧ ، الحديث ١ ، رواه المشايخ الثلاثة بالطرق الصحيحة. وفي وسائل الشيعة عنوان الباب «باب عدم جواز الإقالة بوضيعة من الثمن فان فعل رد الزيادة» والتعبير عنها بالحسنة بقول مطلق كما في بعض الكلمات غير ظاهر ، إذ لا منشأ لحسنها إلّا وقوع إبراهيم بن هاشم في سند الكافي ، مع أنه قد تحقّقت وثاقته عند المتأخرين. مضافا إلى أن الصدوق والشيخ روياها بإسناد تام لم يقع إبراهيم فيه ، فكان المناسب أن يقال : «حسنة بطريق الكليني».

٤٥٥

.................................................................................................

__________________

ملكية الثوب إلى بائعه ، فيكون بيعه الثاني بيع الأصيل ، لا بيع الفضولي ، فلا وجه لردّ الزائد إلى المشتري.

وعلى تقدير فضولية البيع يكون الثمن كلّه ملكا للمشتري الأوّل ، سواء أكان مساويا للثمن الأوّل أم أقل أم أكثر منه ، لا خصوص ما زاد على الثمن الذي اشترى به الثوب. كما أنّ للبائع استرداد ما دفعه إلى المشتري بالإقالة.

فإذا فرض أنّ الثمن في البيع الأوّل كان عشرة دراهم ، ودفع البائع منها إلى المشتري بسبب الإقالة ثمانية دراهم ، فعلى البائع دفع تمام الثمن في البيع الثاني إلى المشتري الأوّل ، سواء أكان مساويا لثمن البيع الأوّل وهو عشرة دراهم ، أم أقل أم أكثر منها. كما أنّ له استرداد ما دفعه إلى المشتري الأوّل وهو ثمانية دراهم ، إذ مقتضى بقاء الثوب على ملك المشتري الأوّل وكون البيع الثاني فضوليا هو ملكية تمام الثمن له بشرط إجازته للبيع. مع أنّه ليس من الإجازة في صحيحة الحلبي المتقدمة عين ولا أثر.

فعدم الحاجة إلى إجازة المشتري الأوّل في البيع الثاني وكذا عدم تملكه لتمام الثمن ، وتملكه لخصوص الزائد على الثمن الذي اشترى به الثوب ـ دليل على عدم كون البيع الثاني فضوليا ، وأنّ الإقالة بالوضيعة كانت صحيحة ، وأنّ البائع الأوّل صار مالكا للوضعية بوجه مشروع كالهبة والصلح ، لا بنفس الإقالة حتى يرد عليه أنّها باطلة.

وبالجملة : فعلى كلا تقديري صحة الإقالة بالوضيعة وفسادها لا يكون البيع الثاني فضوليا ، إذ على تقدير الصحة ترجع ملكية الثوب إلى بائعه ، فيكون بيعه الثاني بيع الأصيل لا بيع الفضولي ، ويكون تمام الثمن في هذا البيع ملكا له ، وليس للمشتري الأوّل المستقيل شي‌ء من هذا الثمن ، لا بمقدار الوضيعة ولا غيره.

وعلى تقدير فساد الإقالة يكون البيع الثاني فضوليا ، لوقوعه في ملك المشتري

٤٥٦

.................................................................................................

__________________

الأوّل ، ولازمه كون الثمن كله ملكا له في صورة الإجازة ، لا خصوص ما زاد ، والمفروض أنّ الرواية خالية عن الإجازة. فصحة البيع بدون الإجازة والحكم بردّ ما زاد ، بضرس قاطع دليل على عدم فضوليته. ولذا حمل المحقق الأصفهاني قدس‌سره ردّ ما زاد على الاستحباب ، رعاية للمستقيل لئلّا يتضرر بإقالته ، دون ما إذا ساواه أو نقص (١).

ثم إنّه نسب إلى ابن الجنيد قدس‌سره أنّه استدلّ بهذه الصحيحة على صحة الإقالة بوضيعة ، وحمل قوله عليه‌السلام : «لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة» على الكراهة ، إذ مع بطلان الإقالة يجب ردّ العين إلى المشتري ، وليس له بيعها بأقلّ من الثمن أو أكثر إلّا بإجازته ، لا الحكم بصحة البيع بدون الإجازة من المشتري الأوّل.

لكن حمل الصحيحة على صحة الإقالة بوضيعة ـ كما عن ابن الجنيد ـ ينافيه الإجماع على بطلانها. قال في الجواهر : «ولو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صح عند ابن الجنيد ، والأصحاب على خلافه ، لأنّها فسخ لا بيع» (٢).

وتكون الرواية على هذا المعنى معرضا عنها ، فتسقط عن الحجية ، فلا مجال للاستدلال بها على صحة الإقالة بوضيعة ، هذا.

ثم إنّ المحقق النائيني قدس‌سره احتمل «أنّ البائع قد اشترى الثوب من المشتري ، ثم باعه على غيره بأكثر من ثمنه ، فيكون ردّ الزائد على المشتري استحبابيا. ويشهد له قوله عليه‌السلام : صاحبه الأوّل ، فإنّ التعبير بصاحبه الأوّل لا يناسب مع كون الثوب ملكا للمشتري فعلا». (٣)

وحاصله : أنّ صاحب الثوب فعلا هو البائع كزيد مثلا الذي صار مالكا له

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٥.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٤ ، ص ٣٥٣.

(٣) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٢٠.

٤٥٧

.................................................................................................

__________________

بالاشتراء من المشتري الأوّل وهو عمرو ، فللثوب مالكان أوّلهما : عمرو ، وهو المشتري الذي اشتراه أوّلا من هذا البائع. وثانيهما : هذا البائع الذي اشترى الثوب من المشتري الأوّل أعني به عمرا. فالصاحب الأوّل هو عمرو ، والثاني هو زيد ، فيستحبّ لزيد ردّ الزائد على عمرو.

وقيل : الظاهر انّ منشأ هذا الاحتمال هو إرجاع الضمير في «صاحبه» إلى «الثوب» فيكون معنى الرواية حينئذ أنّ من اشترى شيئا بثمن ، ثم باعه بأزيد منه ردّ الزائد على المالك الأوّل استحبابا ، هذا.

ولا يخفى أنّ محتملات الصحيحة كثيرة.

منها : بطلان الإقالة ، وكون بيع الثوب فضوليا. والصحيحة بهذا المعنى تصلح لتأييد صحة بيع الفضولي.

لكن فيه أوّلا : أنّ ظاهرها صحة البيع بلا إجازة. وهذا ممّا لم يقل به أحد.

وثانيا : أنّ لازم الفضولية كون تمام الثمن ملكا للمشتري ، لا خصوص الزائد.

وثالثا : أنّه لا دخل للجهل في بطلان الإقالة بوضيعة ، حيث إنّ نفس بطلان الإقالة يوجب استحقاق الثمن ، أو زيادته ، لا الجهل ببطلان الإقالة. إلّا أن يراد بالجهل العذر عن حرمة التصرف الاعتباري في مال الغير.

ومنها : صحة الإقالة ، بحمل «لا يصلح» على الكراهة ، وحمل ردّ الزائد على المشتري على الاستحباب.

وفيه أوّلا : أنّ البيع حينئذ ليس فضوليا ، لكون الثوب ملك البائع ، فبيعه بيع الأصيل ، لا بيع الفضولي ، فلا يصح التمسك بالصحيحة لصحة بيع الفضولي.

وثانيا : انّ حمل «لا يصلح» على الكراهة والبناء على صحة الإقالة بوضيعة خلاف الإجماع والتسالم كما مرّ أيضا ، فيسقط هذا الحمل بإعراض الأصحاب مع عدم قرينة على هذا الحمل.

٤٥٨

ويمكن التأييد له (١) أيضا بموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : «قال : سألت

______________________________________________________

ج : ما ورد في شراء السمسار

(١) أي للقول بصحة عقد الفضولي الذي يقع للمالك. وهذا تاسع الوجوه على صحة عقد الفضولي مع إجازة من له أمر العقد. وسيأتي توضيح وجه الاستدلال أو التأييد بها.

ومضمون الموثقة هو السؤال عن معاملة خاصة مع الدلّال الذي يتوسّط بين بائع السلعة ومشتريها ، فيراجعه شخص ويدفع إليه النقود ليشتري متاعا من آخر. ليسلّمه إلى دافع النقود ، ويأخذ منه أجرة عمله. ويشترط على الدلّال كونه مختارا

__________________

ومنها : كون ردّ الثوب معاملة جديدة توجب رجوع ملكية الثوب إلى بائعه.

وفيه أوّلا : منافاته لقوله عليه‌السلام : «فإن أخذه وباعه بأكثر من ثمنه عليه» إذ لو كان الردّ معاملة جديدة لم يكن لهذا التفريع وجه ، إذ الثمن كلّه حينئذ ملك البائع ، وليس منه شي‌ء للمشتري. وحمل ردّ الزائد إلى المشتري على الاستحباب محتاج إلى قرينة هي مفقودة.

وثانيا : أنّه تخرج هذه المعاملة عن بيع الفضولي وتندرج في بيع الأصيل ، فلا يصح جعل هذه الصحيحة دليلا أو مؤيّدة لصحة بيع الفضولي.

ومنها : كون بيع الثاني غير فضولي مع وقوعه عن المشتري ، لبطلان الإقالة وبقاء الثوب على ملك المشتري. توضيحه : أنّه وإن قلنا إنّ البيع المقرون بالرضا الباطني للمالك لا يخرج عن بيع الفضولي. لكن إذا برز ذلك بمبرز فعلي أو قولي خرج عن الفضولي ، لاقترانه بالرضا الباطني المبرز. وكلّ معاملة كانت كذلك لا يصدق عليها الفضوليّة.

وفي المقام لمّا أقدم المشتري على الإقالة بوضيعة دلّ ذلك بالالتزام على الرضا بالمبادلة بأكثر من ذلك قطعا. فالبيع وقع عن هذا الرضا المبرز الذي هو إذن ، فلا يكون هذا البيع فضوليا. وهذا الاحتمال لا بأس به في نفسه وليس بعيدا عن ظاهر الصحيحة ، إذ لا يلزم من إرادته تصرف في «لا يصلح» بحمله على الكراهة.

٤٥٩

أبا عبد الله عليه‌السلام عن السمسار (١) يشتري بالأجر (٢) ، فيدفع إليه الورق (٣) ، فيشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري ، فما شئت أخذته ، وما شئت تركته. فيذهب فيشتري ، ثم يأتي بالمتاع ، فيقول (٤) : خذ ما رضيت ودع ما كرهت؟ قال : لا بأس» (١)

______________________________________________________

في قبول المتاع وردّه. فيقبل الدلّال ، ويذهب إلى مالك المتاع ويشتريه منه ، ويأتي به إلى دافع الورق ويخيّره بين الأخذ والترك.

وقد أجاب عليه‌السلام بعدم البأس به ما دام دافع النقود مخيّرا غير ملزم بقبول ما هيّأه له الدلّال.

(١) بكسر السين وسكون الميم «المتوسط بين البائع والمشتري ، والجمع سماسرة. ومنه : لا بأس بأجر السمسار. و : يا معشر السماسرة افعلوا كذا. والسمسار أيضا القائم بالأمر الحافظ له» (٢). ويقال للسمسار : الدّلّال.

(٢) وهو حقّ السعي لإجراء المعاملة بين البائع والمشتري.

(٣) بفتح الواو والكسر الراء ـ كفخذ ـ وهي الدراهم المضروبة من الفضة ، جمعه : أوراق ووراق. وفاعل ـ فيشترط ـ وضمير «شئت وأخذت وتركت» هو الدافع.

(٤) أي : فيقول السمسار للمشتري الذي دافع الورق ايّها المشتري خذ .. إلخ.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٩٤ ، الباب ٢٠ من أبواب العقود ، ح ٢ ، ولا يخفى أن الموجود في نسخ الكتاب «موثقة عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن السمسار ..» والصحيح ما أثبتناه في المتن كما أن في الوسائل «أيشتري» بدل «يشتري». رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان. وللرواية طريقان آخران ، وهما طريقا الكليني والصدوق قدس‌سرهما وفي طريق الكليني الحسن بن محمّد بن سماعة ، وبناء على صحة أبان لكونه من أصحاب الإجماع تصير الرواية صحيحة بطريق الصدوق والشيخ ، وتوصيفها بالموثقة مخصوص بطريق الكليني.

(٢) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٣٣٧.

٤٦٠