هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

بناء (١) على أنّ الاشتراء من السمسار (٢) يحتمل أن يكون لنفسه (٣)

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ التأييد لصحة الفضولي بهذه الموثقة مبني على أن يكون حكم الامام عليه‌السلام عامّا لجميع محتملات الرواية بسبب ترك الاستفصال.

توضيح ذلك : أنّ محتملات الرواية ثلاثة :

الأوّل : أن يكون اشتراء السمسار لنفسه ليكون الورق عليه قرضا ، فيبيع ما اشتراه من الأمتعة على صاحب الورق ، ويؤدّي بذلك دينه. وهذا المحتمل أجنبي عن الفضولي ، ويكون قوله : «يشتري بالأجر» قيدا توضيحيا ومبيّنا لمعنى السمسار.

الثاني : أن يكون الاشتراء لمالك الورق بإذنه ، مع جعل الخيار له على بائع الأمتعة ، فيلتزم بالبيع فيما رضي به ، ويفسخه فيما كرهه. وهذا أيضا أجنبي عن الفضولي.

الثالث : أن يكون الاشتراء فضوليا عن مالك الورق أي بلا إذن منه للسمسار بالشراء ، فيختار ما يرغب فيه ، ويردّ ما يرغب عنه. وهذا الاحتمال ينطبق عليه الفضولي.

وليست الرواية ظاهرة في أحد هذه المعاني. إلّا أنّ ترك استفصال الامام عليه‌السلام عن هذه المحتملات وإطلاق الحكم بعدم البأس يدلّ على عموم الحكم لجميع المحتملات التي منها هذا المعنى الثالث.

(٢) أي : الاشتراء الصادر من السمسار ، فالعبارة صحيحة ، ولا تحتاج إلى إسقاط كلمة «من» كما لا يخفى ، وتكون «من» بمعنى النشوية ، كما يحتمل في آية (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها).

(٣) هذا هو الاحتمال الأوّل الذي مرّ آنفا بقولنا : «الأوّل أن يكون اشتراء السمسار .. إلخ».

٤٦١

ليكون (١) الورق عليه قرضا ، فيبيع على صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة ، ويوفيه (٢) دينه.

ولا ينافي (٣) هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممّن يشتري بالأجر ، لأنّ (٤) وصفه بذلك باعتبار أصل حرفته وشغله ، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية.

ويحتمل (٥) أن يكون لصاحب الورق بإذنه (٦) مع جعل خيار له على بائع

______________________________________________________

(١) يعني : حتى يكون الورق ـ الذي دفعه صاحبه إلى السمسار ـ قرضا عليه.

(٢) يعني : يوفي السمسار لصاحب الورق دينه بجعل المتاع مبيعا وعوضا عن دينه وهو الورق.

(٣) إشارة إلى وهم ، وهو : أنّ اشتراء السّمسار لنفسه ينافي فرض اشترائه بالأجرة ـ كما هو صريح الرواية ـ ومن المعلوم أنّ معنى الاشتراء بالأجرة هو الاشتراء للناس ـ بالأجرة ـ لا لنفسه. وهذا ينافي المعنى الأوّل ، وهو كون الشراء لنفس السمسار.

(٤) هذا دفع التوهم ، ومحصله : أنّ توصيف السمسار في الرواية بكونه ممّن يشتري بالأجر إنّما هو لأجل حرفته ، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية. فيمكن أن يشتري السمسار لنفسه متاعا ، ثم يعرضه على صاحب الورق ، فإن ارتضاه باعه السمسار منه بأزيد ممّا اشتراه هو من بائع المتاع ، وتكون تلك الزيادة أجرة عمله ، لكنها ليست اجرة بحسب الاصطلاح وإنّما هي جزء من ثمن المتاع.

(٥) هذا هو الاحتمال الثاني الذي تقدم بقولنا : «الثاني أن يكون الاشتراء لمالك الورق .. إلخ».

(٦) أي : بإذن صاحب الورق لا فضولا عنه ، فيأذن للسمسار بأن يشتري له المتاع مع جعل الخيار لصاحب الورق الذي هو المشتري حقيقة ، فضمير «له» راجع

٤٦٢

الأمتعة ، فيلتزم (١) بالبيع فيما رضي ، ويفسخه (٢) فيما كره.

ويحتمل (٣) أن يكون (٤) فضوليّا عن صاحب الورق ، فيتخيّر ما يريد ، ويردّ ما يكره.

وليس (٥) في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق للسّمسار على وجه (٦) ينافي كونه فضوليا كما لا يخفى.

______________________________________________________

إليه ، لا إلى السمسار.

(١) يعني : فيلتزم صاحب الورق الذي وقع الشراء له مع الإذن ـ لا فضولا ـ بالبيع فيما رضي به ، ويفسخه فيما كرهه ، لأنّ مقتضى جعل الخيار له هو السلطنة على الفسخ والإمضاء.

(٢) يعني : فيفسخ صاحب الورق البيع فيما لا يريده من المتاع ، ويختار ما يريده منه.

(٣) هذا هو الاحتمال الثالث الذي تقدّم بقولنا : «الثالث ان يكون الاشتراء فضوليا ..».

(٤) أي : يكون اشتراء السمسار فضوليا وضمائر «فيتخيّر ، يريد ، يرد ، يكره» راجعة إلى : صاحب الورق.

(٥) غرضه من هذه العبارة نفي أجنبية هذه الرواية عن مسألة الفضولي ، وإثبات احتمال كون موردها من الفضولي حتى تكون مؤيّدة لصحة عقد الفضولي مع الإجازة. ومحصله : أنّ الاحتمالات الثلاثة المتقدمة متطرقة في الرواية ، وليست ظاهرة في أحد الاحتمالين الأوّلين حتى يصير الاحتمال الثالث ـ وهو الفضولية ـ موهوما وأجنبيا عن مورد الرواية بحيث لا تصلح الرواية للتأييد ، بل الاحتمالات الثلاثة متكافئة ، فيمكن أن تكون الرواية مؤيّدة لصحة بيع الفضولي مع الإجازة.

(٦) المراد بهذا الوجه المنافي هو ما أشرنا إليه من ظهور الرواية في أحد الاحتمالين الأوّلين.

٤٦٣

فإذا (١) احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه (٢) وحكم الإمام عليه‌السلام بعدم البأس ، من دون استفصال عن المحتملات ، أفاد (٣) ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات (٤) (*).

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة نفي الوجه المنافي ، وهو ظهور الرواية في غير الاحتمال الثالث ، وإثبات تكافؤ الاحتمالات الثلاثة ، فإنّ حكم الامام عليه‌السلام بعدم البأس ـ من دون التفصيل بين هذه الاحتمالات الثلاثة ـ يعمّ جميع هذه الاحتمالات التي منها مسألة الفضولي ، فيكون عقد الفضولي صحيحا بالإجازة.

(٢) وهي الاحتمالات الثلاثة المتقدمة.

(٣) جواب «إذا» والمراد بالحكم هو الجواز الذي تضمّنه قوله عليه‌السلام : «لا بأس».

(٤) التي منها الاحتمال الثالث المنطبق على بيع الفضولي.

__________________

(*) لا يخفى أنّ ترك الاستفصال إنّما يفيد العموم فيما إذا لم يكن الكلام ظاهرا في معنى ولو بمعونة قرينة ، فلو كان له ظهور في أحد المحتملات معيّنا كان ذلك الظهور متّبعا عند أبناء المحاورة ، وخرج اللفظ حينئذ عن موارد استفادة العموم من ترك الاستفصال.

والحاصل : أنّ المانع من استفادة العموم بترك الاستفصال هنا هو ظهور الكلام في معنى معيّن ، لا ما في تقريرات بعض أعاظم العصر دامت أيام إفاداته الشريفة من أنّه «إنّما يتمسك بترك الاستفصال فيما إذا كان المسؤول عنه مردّدا ومنقسما إلى أقسام عديدة ، بأن كان حكما كليا ، ولا يجري ذلك فيما إذا كان المسؤول عنه قضية شخصية» (١).

وذلك لأنّ الوجه في إفادة ترك الاستفصال للعموم ـ وهو لزوم الإغراء بالجهل

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ٧٦.

٤٦٤

وربما يؤيّد المطلب (١) بالأخبار (٢) الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه

______________________________________________________

د ـ التعليل الوارد في نصوص نكاح العبد

(١) وهو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك بدون سبق منع منه ، وهذا الوجه العاشر آخر المؤيّدات.

(٢) وهذه الأخبار مذكورة في كتب الأحاديث ، منها صحيح أو حسن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال : سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال : ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما. قلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له

__________________

وفوات الغرض ـ جار في جميع الموارد التي يلزم فيها هذا المحذور ، سواء أكان الحكم فيها كلّيا أم جزئيا كمورد الرواية ، فإنّ ترك الاستفصال عن محتملاتها مع اختلافها حكما يفيد العموم ، وإلّا لزم الإغراء بالجهل. وهذا المحذور يوجب إفادة ترك الاستفصال للعموم في كلّ مورد يلزم فيه هذا المحذور ، من غير فرق في ذلك بين الحكم الكلي والجزئي ، ولا بين كون اللفظ مشتركا معنويا ـ كما نسب إلى الأصوليين إفادة ترك الاستفصال للعموم فيما إذا كان الواقع في السؤال من قبيل المشترك المعنوي ـ وبين كونه مشتركا لفظيا كما عن شريف العلماء قدس‌سره.

والحق عدم الاختصاص بهذه الموارد ، فإنّ قبح الإغراء بالجهل وتفويت الغرض الذي هو مناط إفادة العموم يجري في المحتملات كما أفاده المصنف قدس‌سره في هذه الرواية ، كجريانه في المشترك اللفظي والمعنوي. فليكن ما ذكرناه من إفادة ترك الاستفصال للعموم ضابطا كلّيا في كل مورد يلزم الإغراء بالجهل من عدم إرادة العموم فيه.

٤٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

جائز» (١). وقريب منها غيرها.

ولا بأس بذكر أمرين قبل توضيح المتن.

الأوّل : أنه تقدم ذكر هذا الخبر في (ص ٤٠٨) حيث استدلّ به بفحوى جريان الفضولي في النكاح على صحته في البيع ، وتقدمت مناقشة المصنف قدس‌سره في الأولوية بما ورد في رواية العلاء بن سيابة. والمقصود فعلا تأييد صحة بيع الفضولي بالتعليل الوارد في نصوص نكاح العبد بدون إذن مولاه إذا أجازه. وهذا التقريب سليم عن المناقشة المتقدمة في الفحوى ، لعدم كون مناط الاستشهاد بهذه النصوص أولوية البيع بالصحة من النكاح حتى تكون رواية العلاء مانعة عنها ، بل مناط الاستشهاد بها قوله عليه‌السلام : «انه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده». وسيأتي تقريب الدلالة.

الثاني : أن صاحب الجواهر قدس‌سره عدّ هذه النصوص ـ الدالة على صحة النكاح الفضولي ـ مؤيدة لصحة بيع الفضولي ، فقال : «بل يؤيّده ما ورد في إجازة السيد عقد العبد ..» (٢).

وصاحب المقابس جعلها دليلا عليها ، وقد أشرنا في (ص ٤٠٩) إلى أنّه قدس‌سره قرّب دلالتها بوجوه خمسة ، خامسها دلالة التعليل ، وهو ما أثبته المصنف قدس‌سره في المتن ، قال في المقابس : «الخامس فحوى التعليل المذكور في الخبرين ، حيث فرّق بينهما بين ما يكون سبب اختلال العقد أمرا محرّما بالأصالة ، وما يكون لأجل حقّ المخلوق كالمالك ، فالأوّل يبطل مطلقا ، والثاني يتدارك بإجازة ذي الحق وإسقاطه لحقّه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١ ، رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة ، والرواية صحيحة أو حسنة.

(٢) لاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٩.

٤٦٦

معلّلا (١) «بأنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده».

وحاصله : أنّ المانع من صحة العقد إذا كان لا يرجى زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا ، وهو (٢) عصيان الله تعالى. وأمّا المانع الذي يرجى زواله

______________________________________________________

وقد ذكر في مقام الاستدلال والتعجب من فتاوى المخالفين ، فيكون عامّا لكل ما كان كذلك إلّا ما خرج بالدليل ، فيندرج فيه البيع ، وهو المطلوب ، فلا وجه للعدول عن هذا القول أصلا» (١).

(١) هذا تقريب التأييد لصحة عقد الفضولي بالإجازة ، ومحصله : أنّ مقتضى عموم العلّة المنصوصة هو ثبوت الحكم لجميع مواردها ، وعدم اختصاصها بالمورد ، كما في ثبوت مثل الحرمة لغير الخمر من المسكرات ، بتعليل حرمة الخمر بكونه مسكرا.

والمقام كذلك ، فإنّ تعليل عدم فساد النكاح بعدم عصيان الله تعالى يدلّ على أنّ الموجب للفساد هو عصيانه سبحانه وتعالى ، فإنّ هذا العصيان مانع عن الصحة ، ولا يرجى زواله ، إذ لا يتصور الرضا منه سبحانه وتعالى في المعصية. وأمّا معصية غيره عزوجل فهي مما يرجى زوالها برضاه ورفع كراهته ، لأنّه حقّ آدمي ، فله الردّ والإمضاء ، فإذا رضي بالعقد وأجازه فقد ارتفع مانع الصحة ونفذ العقد.

ثم إنّ هذا الاستدلال ناظر إلى العلة المنصوصة التي هي من الظواهر المعتبرة عند أبناء المحاورة. كما أنّ الاستدلال السابق بتلك الروايات الراجعة إلى النكاح كان بالفحوى ، فلا يلزم إشكال تكرار الاستدلال بتلك الروايات.

(٢) هذا الضمير والمستتر في «كان» راجعان إلى المانع.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٧ ، والأولى أن تكون العبارة في أوّلها : «حيث فرّق فيهما» أي : في الخبرين.

٤٦٧

ـ كعصيان السيد ـ فبزواله يصحّ العقد. ورضا المالك من هذا القبيل (١) ، فإنّه لا يرضى أوّلا ويرضى ثانيا. بخلاف سخط الله عزوجل بفعل ، فإنّه يستحيل رضاه (٢) (*).

هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ ويستشهد به للقول بالصحة (٣). وبعضها (٤) وإن كان ممّا يمكن الخدشة فيه ، إلّا أنّ في بعضها الآخر (٥) غنى وكفاية (٦).

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «ورضا المالك» يعني : ورضا المالك في عقد الفضولي يكون من قبيل المانع الذي يرجى زواله ، فهو كعصيان السيّد في قابليته للزوال ، حيث إنّ عدم رضاه أوّلا يتبدّل بالرضا ثانيا.

(٢) لكونه رضا بما يستقلّ العقل بقبحه وهو عصيانه تعالى شأنه.

(٣) أي : بصحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك.

(٤) كرواية عروة وغيرها مما تقدّم.

(٥) وعمدة ذلك البعض هي العلّة المنصوصة في صحيح زرارة المتقدمة.

(٦) في إثبات المطلوب ، وهو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك وأجازه.

__________________

(*) قد يستشكل في الاستدلال بعموم العلة المنصوصة : بأنّ مورد التعليل ، هو نكاح العبد لنفسه ، ومن المعلوم أنّ العقد مضاف إلى صاحبه ومن يعتبر إضافته إليه ، فإجازة السيد هنا ليست لتحصيل هذه الإضافة.

وببيان أوضح : يكون العاقد في مورد التعليل مشمولا لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) غاية الأمر أنّ نفوذ العقد منوط بإجازة غيره ، فلا يتعدّى عن مورد التعليل إلّا إلى الموارد التي تكون مثله ، كبيع الراهن العين المرهونة من دون إذن المرتهن ، فإنّ إضافة العقد إلى الراهن متحققة ، وإجازة المرتهن دخيلة في نفوذ العقد ، لا في إضافته إلى صاحب العقد.

وكنكاح بنت أخ الزوجة أو بنت أختها ، فإنّ العقد مضاف إلى العاقد وهو الزوج ، وإجازة

٤٦٨

.................................................................................................

__________________

الزوجة شرط لنفوذه ، لا لحصول انتساب العقد إلى الزوج.

وأمّا إذا لم يكن العقد مضافا إلى من يعتبر إضافته إليه ، فلا يتعدّى عموم العلّة إليه.

وعليه فلا يتعدّى من عموم العلة إلى عقد الفضولي الذي لا يكون العقد مضافا إليه كعقد العبد لغيره. وإنّما يتعدّى من عموم العلّة إلى العقد المضاف إلى مالك أمره دون غيره. فالاستدلال بعموم العلة لصحة مطلق عقد الفضولي ضعيف ، هذا (١).

أقول : المستفاد من التعليل أنّ الاعتبار بعدم كون العقد معصية له تعالى ، وأن السبب المنحصر للبطلان هو كون النكاح عصيانا له تعالى شأنه. لا عدم كونها معصية من العبد. وعموم هذا التعليل كما يقتضي عموم ما يصدر من العبد سواء كان نكاحا أم غيره ، كذلك يقتضي العموم من جهة الصدور ، بأن يكون صادرا من العبد أو غيره.

وببيان آخر : مقتضى عموم العلّة عموم الحكم لكل عقد بيعا كان أو غيره ، ولكلّ عاقد سواء أكان مالكا أم غيره ، فيشمل جميع موارد الفضولي.

ولو بني على عدم التعدّي عمّن له العقد إلى غيره كالفضولي فلا بدّ من عدم التعدّي عن نكاح العبد إلى بيعه مثلا أيضا ، إذ لا فرق في الموردية للرواية بين النكاح وغيره ، إذ المدار على عدم كون المعاملة معصية له تعالى ، من غير فرق بين صدورها من العبد وغيره. وسواء كان الصادر بيعا أم غيره. وخصوصية المورد ليست مخصّصة للعموم ما لم تقم قرينة على مخصصيته لعموم العلة المنصوصة. خصوصا بملاحظة كون إضافة العقد إلى من له العقد ـ وهو العبد ـ في كلام الراوي دون الامام عليه‌السلام.

وبالجملة : مناط ترتب الأثر على العقد بالإجازة هو كونه حلالا ذاتا ومشروعا في نفسه ، ونافذا فعلا بسبب الإجازة. ومن المعلوم أنّ جميع موارد الفضولي المبحوث عنها كذلك. وأمّا اعتبار صدور العقد من خصوص من له العقد فمما لا دليل عليه ، إذ المناط كلّه بمقتضى ظاهر التعليل هو عدم كون العقد معصية له سبحانه وتعالى كنكاح

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ٤٤ و ٤٥.

٤٦٩

.................................................................................................

__________________

المحرمات.

ولا يقاس المقام بقاعدة التجاوز ، بأن يقال : إنّها كما لا تجري إلّا في الأجزاء وفيما له عنوان كالقراءة والركوع والسجود ونحوها ، ولا تجري في مقدمات الأجزاء كالهويّ والنهوض مع كلية القاعدة ، لصدق التجاوز عن المشكوك فيه بالدخول في المقدمات ، فإذا شك في السجود مثلا في حال النهوض إلى القيام صدق عليه التجاوز عن المشكوك فيه مع عدم جريان القاعدة فيه. كذلك لا يجري عموم العلة المنصوصة في المقام إذا كان العقد صادرا ممّن له ولاية العقد كعقد الراهن على ماله المرهون ، فإنّه مالك العقد ، لكون المرهون ملكه.

توضيح وجه عدم صحة القياس هو : أنّ الامام عليه‌السلام قبل بيان قاعدة التجاوز بقوله في صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام : «كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» وفي صحيح زرارة : «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» طبّق القاعدة على الأجزاء كالشك في القراءة وهو في الركوع ، والشك في السجود وهو في التشهد ، وغير ذلك. وتطبيق القاعدة في كلام الامام عليه‌السلام قرينة على كون موارد القاعدة خصوص ما يشابه تطبيقاته عليه‌السلام. ومن المعلوم أنّها خصوص الأجزاء دون مقدماتها.

وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ التطبيق على ـ من له العقد ـ وهو تزويج العبد لنفسه ـ يكون في كلام السائل دون الامام عليه‌السلام ، وهو لا يصلح لتخصيص العموم.

فتحصّل من جميع ما تقدّم ـ خصوصا عمومات التجارة والوفاء بالعقود وعموم تعليل الصحة بعدم عصيانه تعالى ـ صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك ، بل مورد بعضها وقوع العقد لغير المالك ، هذا.

ثم إنّ هنا وجوها أخر قد استدلّ بها على صحة عقد الفضولي.

٤٧٠

واحتجّ للبطلان (١) بالأدلة الأربعة (٢).

أمّا الكتاب فقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١) دلّ بمفهوم الحصر (٣)

______________________________________________________

المقام الثاني : أدلة بطلان بيع الفضولي

(١) أي : بطلان عقد الفضولي إذا وقع للمالك وإن أجازه.

(٢) وهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

أ : آية التجارة عن تراض

(٣) هذا أحد تقريبي الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد الفضولي ،

__________________

منها : بيع المال المتعلق للخمس ، ثم أجازه وليّ الخمس ، وهو الحاكم الشرعي له ، فإنّ بيعه بالنسبة إلى خمسة فضولي ، فإذا أجاز المجتهد نفذ البيع بالإضافة إلى الخمس.

ومنها التصدق بمجهول المالك كاللقطة وغيرها بناء على توقفه على إجازة المالك لو ظهر ، إذ مع عدم الإجازة استرجع العين. ويمكن أن يستظهر منه صحة الفضولي في الإيقاعات.

ومنها ما ورد من أنّ عقيلا باع دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة وأقرّه عليه ، قال في المقابس : «الرابع : ما نقل من حكاية بيع عقيل دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإقراره عليه بعد فتح مكة. ونقل في التذكرة أنّه لمّا قيل له : أين تنزل غدا؟ قال : وهل ترك لنا عقيل من رباع ، قال : يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب ، لأنّه ورثه دون إخوته. فإن كانت في الحكاية دلالة فهي من المؤيّدات» (٢).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٩.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٢ ، تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٥ ، السطر ٢٤.

٤٧١

أو سياق التحديد (١) على أنّ غير التجارة عن تراض

______________________________________________________

ومحصّله : أنّ مفهوم الحصر الحاصل من عقد سلبيّ وهو عدم صحة التجارة بدون التراضي ، وعقد إيجابي ـ وهو صحة التجارة عن تراض ـ يدلّ على انحصار التجارة الموجبة لجواز التصرف في الأموال في التجارة عن تراض ، وأنّ انتفاءها يوجب عدم جواز أكل أموال الناس ، وأنّ أكلها حينئذ أكل لها بالباطل. فيستفاد من الآية المباركة أنّه لا يجوز التصرف في أموال الناس بوجه من الوجوه إلّا بالتجارة المقرونة بالتراضي. ومن المعلوم أنّ عقد الفضولي ليس من التجارة عن تراض ، فلا يوجب جواز أكل أموال الناس.

(١) أي : تحديد التجارة بتقييدها ب «عَنْ تَراضٍ» وهذا ثاني تقريبي الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد الفضولي. وتوضيحه : أنّ الآية المباركة في مقام تحديد السبب الموجب لحلّ أكل أموال الناس ، وهذا التحديد يستفاد من تقييد التجارة بالتراضي ، فإنّ القيود الواردة في مقام التحديد ـ الذي لازمه الجامعيّة والمانعيّة ـ لها مفهوم ، وإن لم يكن لها مفهوم في سائر الموارد ، كتحديد مفهوم الماء والفرسخ والكرّ ، وغير ذلك من التحديدات الشرعية ، فإنّ جميع القيود المذكورة فيها تدلّ على الحصر.

ثم إن تقريب الاستدلال بمفهوم الحصر والقيد مذكور في المقابس ، حيث قرّب دلالتها بوجهين على البطلان ، فقال في جملة كلامه : «فإنّها تدلّ أبلغ دلالة على بطلان غير التجارة الصادرة عن التراضي ، ولذلك سمّى ما عداها باطلا. والمعنى : لا يتصرّف بعضكم في أموال بعض بوجه من الوجوه ، فإنه باطل ، إلّا بوجه التجارة المذكورة. ولو لم يقصد ذلك لزم الاجمال وقلّة الارتباط بين المستثنى والمستثنى منه ، فينبغي رفع ذلك بحسب الإمكان. والتجارة هي العقد لا التوكيل فيه ، أو الإجازة له. والتراضي عبارة عن تراضي المالكين ، إذ لا عبرة برضا غيرهما. ومعنى كون التجارة عن تراض أن تكون صادرة وناشئة عنه بالمباشرة أو الوكالة وما في حكمها ،

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو كائنة بعده .. ففي الآية دلالة من وجهين على اشتراط تراضي المالكين مقارنا للعقد ، وأنّه إذا لم يكن مقارنا كان التصرف في العوضين حراما ، وهو يشمل عقد الفضولي بأقسامه ، فيبطل مطلقا تعقبه الإجازة أم لا» (١).

ثم ناقش صاحب المقابس في كلا الوجهين كما صنعه المصنف أيضا ، إلّا الإشكال الثاني على مفهوم القيد ، وهو ورود القيد مورد الغالب ، إذ لم يتعرّض له المحقق الشوشتري قدس‌سره.

وكيف كان فقد أورد المصنف قدس‌سره على كلا التقريبين ، أمّا على مفهوم الاستثناء فبوجه واحد ، وأمّا على مفهوم القيد فبوجوه أربعة.

أمّا على الأوّل ـ هو مفهوم الحصر ـ فبما حاصله : منع دلالة الاستثناء على الحصر ، إذ دلالته عليه منوطة بكون الاستثناء متصلا حتى يدلّ نفي الحكم عن الطبيعة وإثباته لفرد واحد منها على الحصر ، وقصر الحكم على ذلك الفرد المستثنى. فلو كان الاستثناء منقطعا ولم يكن المستثنى من جنس المستثنى منه حقيقة أو عناية لم يفد الحصر ، لكون النفي والإثبات واردين على موضوعين أجنبيين. كما إذا قال : «جاء الكوفيون إلّا البصريين» فإنّه لا يدلّ على حصر عدم المجي‌ء في البصريين. خصوصا بناء على ما قيل من أنّ «إلّا» في الاستثناء المنقطع بمعنى «لكن» حيث إنه حينئذ بمنزلة قضيتين لقبيّتين ، وهما «جاء الكوفيون» و «لم يجئ البصريون» وكما إذا قال : «أكرم العلماء إلّا زيدا الجاهل».

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٨ و ٢٩.

٤٧٣

أو التجارة لا عن تراض (١) غير مبيح لأكل مال الغير وإن لحقها الرضا (٢) ، ومن المعلوم أنّ الفضولي غير داخل في المستثنى (٣).

وفيه (٤) : أنّ دلالته (٥) على الحصر ممنوعة ، لانقطاع الاستثناء كما هو (٦) ظاهر اللفظ ، وصريح (٧) المحكيّ عن جماعة من المفسّرين (٨) ، ضرورة (٩) عدم كون

______________________________________________________

(١) هذا وما قبله متعلقان ب «دلّ» بنحو اللّف والنشر المرتّب.

(٢) يعني : كما هو المفروض في عقد الفضولي.

(٣) وهو قوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) بل هو داخل في المستثنى منه وهو الباطل ، لأنّه تجارة لحقها الرضا ، لا تجارة ناشئة عن الرضا.

(٤) أي : وفي الاستدلال بمفهوم الحصر إشكال. وهذا إشارة إلى الإشكال على التقريب الأوّل المتقدم بقولنا : «أمّا على الأوّل وهو مفهوم الحصر فبما حاصله .. إلخ».

(٥) أي : دلالة قوله تعالى على الحصر ممنوعة ، لانقطاع الاستثناء ، وعدم كون المستثنى ـ وهو التجارة عن تراض ـ من سنخ المستثنى منه وهو الباطل.

(٦) أي : كون الاستثناء منقطعا ظاهر اللفظ بحسب الصناعة ، نظير قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً ، إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (١).

(٧) معطوف على «ظاهر».

(٨) كشيخ الطائفة وأمين الإسلام وغيرهما (٢).

(٩) تعليل لانقطاع الاستثناء ، فإنّ من الواضح عدم كون المستثنى ـ وهو التجارة عن تراض ـ من أفراد المستثنى منه وهو الباطل ، وكلّ ما كان كذلك فهو استثناء منقطع.

__________________

(١) سورة الواقعة ، الآية ٢٦.

(٢) راجع تفسير التبيان ، ج ٣ ، ص ١٧٨ ، مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٣٦ ، الكشاف للزمخشري ، ج ١ ، ص ٥٠٢.

٤٧٤

التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه (١) (*).

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى حقيقة الاستثناء ، وأنّها إخراج حكمي وتخصيص أصولي ، وأنّ المقام ليس من الاستثناء ، لخروج «التجارة عن تراض» موضوعا عن الباطل ، لا حكما مع بقاء فرديّته للمستثنى منه.

هذا تمام الكلام فيما يرجع الى ما أورده المصنف قدس‌سره على التقريب الأوّل وهو الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بمفهوم الحصر المستفاد من الاستثناء.

__________________

(*) قد يورد عليه أوّلا : أنّه لا معنى لانقطاع الاستثناء أصلا.

وثانيا ـ بعد تسليمه ـ أنّه خلاف الأصل كما صرّح به في بعض الكلمات (١) فلا يصار إليه ، ولا يحمل الكلام عليه إلّا بالدليل.

وعليه فالاستثناء هنا متصل ، فكأنه قيل : «لا تتملّكوا أموالكم بشي‌ء من الأسباب ، إلا أن تكون تلك الأسباب تجارة عن تراض ، فإنّها توجب حلية التملك». فهذا الاستثناء يفيد الحصر ، ويكون عقد الفضولي داخلا في المستثنى منه ، لكونه تجارة لا عن تراض ، إذ الرضا يلحقه ، ولا يسبقه كما هو ظاهر «عَنْ تَراضٍ» فهو باطل.

وتوهم أنّ حمل الاستثناء على الاتصال خلاف الواقع ، لعدم انحصار سبب حلية الأكل في التجارة ، فإنّ رضا المالك بإباحة التصرف في ماله كاف في الحلية من دون توقفها على التجارة. وبالجملة يلزم من الاستثناء تخصيص الأكثر المستهجن ، مندفع بأنّ المراد التصرفات المعاوضية والمعاملية الواقعة بينهم ، لا تحريم التصرف في مال الغير ، فإنّ المراد بالباطل كما روي عن مولانا الباقر عليه‌السلام هو القمار والربا والبخس والظلم ، فإنّ الظاهر أنّها من باب المثال. فالمراد كل معاملة ناقلة للأموال بعنوان المعاوضة ، فكل معاملة معاوضية باطلة إلّا التجارة عن تراض ، فإباحة التصرف في الأموال مجانا كالاضافات والتمليك المجاني كالهبات والهدايا خارجة موضوعا عن مورد الآية ،

__________________

(١) راجع هامش قطر الندى وبلّ الصدى ، ج ١ ، ص ٢٤٥.

٤٧٥

.................................................................................................

__________________

فيكون الحصر المستفاد من الاستثناء المتصل صحيحا.

لكن لا يخفى أنّ الاستثناء المتصل وإن كان مقتضى القواعد العربية ، لكونه إخراجا حكميا. لكنه لا سبيل للمصير إليه هنا بمقتضى ظاهر العبارة ، لأنّ معناه حينئذ «لا تأكلوا أموالكم بينكم بسبب باطل ، إلّا أن يكون ذلك السبب الباطل تجارة عن تراض» وهذا ضروري البطلان.

ولا يدور الأمر بين اتصال الاستثناء وانقطاعه حتى يقال : إنّ أصالة الاتصال تقتضي اتصاله. إذ مورد الدوران هو فرض إمكان الاتصال بمقتضى ظاهر الكلام. وقد عرفت امتناع الاتصال. ودلالة الاقتضاء لا تلجئنا إلى التقدير حتى نلتزم باتصال الاستثناء. وذلك لأنّ مورد دلالة الاقتضاء هو توقف صحة الكلام على التقدير ، كقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ومن المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه ، لعدم توقف صحة ظاهر الكلام على التقدير ، حيث إنّ ظاهره المنطبق على انقطاع الاستثناء معنى صحيح ، ولا يتوقف صحته على التقدير ، إذ معناه : أنّ أكل أموال الناس حرام بالسبب الباطل ، وحلال بالتجارة عن تراض.

ولا موجب للالتزام باتّصال الاستثناء الذي هو خلاف ظاهر الكلام حتى نحتاج إلى أصل التقدير فضلا عن تعدد المقدّر كما في تقرير بحث سيدنا الخويي قدس‌سره من قوله : «لا يجوز تملك أموال الناس بسبب من الأسباب ، فإنه باطل ، إلّا أن يكون ذلك السبب التجارة عن تراض».

وبالجملة : الاستثناء في الآية الشريفة ظاهر في الاستثناء المنقطع. وحمله على الاستثناء المتصل خلاف الظاهر ، وبلا موجب. مع أنه يستلزم ارتكاب التقدير الذي هو خلاف الأصل ، فلا محيص عن الذهاب إلى انقطاع الاستثناء الذي هو ظاهر الآية المباركة ، كما قرّبناه في الجزء الأوّل من هذا الشرح ، فراجع (ج ١ ص ٣٩٠).

٤٧٦

.................................................................................................

__________________

ولو سلّمنا دلالتها على الحصر ، لكونها مسوقة لبيان الأسباب الناقلة للأموال وتمييز صحيحها عن باطلها من غير نظر إلى انقطاع الاستثناء واتصاله ، فتدلّ حينئذ على الحصر ، وأنّ كل سبب لنقل الأموال باطل ، إلّا التجارة عن تراض ، وعقد الفضولي ليس من التجارة عن تراض ، فهو باطل. لقلنا : انه مع ذلك لا يصح الاستدلال المزبور به ، لأنّ التجارة «هي انتقال شي‌ء مملوك من شخص الى آخر بعوض مقدر على جهة التراضي» (١) ومن المعلوم أنّ مجرد الإنشاء بدون ما يعتبر في العقد المملّك من الشرائط لا يوجب الانتقال وتبادل اضافتي الملكية.

وعليه فالتجارة في الآية الكريمة لا تشمل عقد الفضولي ، لأنّ مجرد الإنشاء كما مرّ آنفا ليس تجارة ، فلا يندرج في المستثنى. كما لا يندرج أيضا في المستثنى منه ، لعدم كون مجرد إنشاء الفضولي تصرفا عرفا في مال الغير ، لعدم صدق التجارة بمال الغير على مجرد عقده حتى يشمله «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ» فعقد الفضولي خارج تخصصا عن كلا عقدي المستثنى والمستثنى منه. واندراجه في المستثنى منوط بالتراضي ، وبعد التراضي يتصف بالتجارة عن تراض.

فصار المتحصل : أنّ الاستثناء على تقدير الاتصال ، يدلّ على الحصر ، إلّا أنّ الآية لا تشمل بشي‌ء من عقديها عقد الفضولي. فالاستدلال بها ـ سواء أكان بمفهوم الحصر أم بمفهوم التحديد ـ على بطلان عقد الفضولي غير سديد ، هذا.

وقد يستدلّ على بطلان عقد الفضولي بعقد المستثنى منه ، بتقريب : أنّ عقد الفضولي تصرف في مال الغير ، وهو منهي عنه ، والنهي يقتضي الفساد.

لكن فيه أوّلا : أنّ عقد الفضولي ليس تصرفا في مال الغير حتى يحرم ويفسد ،

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.

٤٧٧

وأمّا سياق التحديد (١) الموجب لثبوت مفهوم القيد فهو

______________________________________________________

(١) أورد المصنف على التقريب الثاني ـ وهو الحصر المستفاد من التحديد ـ بما يرجع إلى وجوه أربعة.

الأوّل : أنّ هذا المفهوم مبني على مفهوم الوصف ، وهو غير ثابت.

الثاني : أنّه بعد تسليم المفهوم له يختص ذلك بما إذا انحصرت فائدة الوصف في المفهوم ، ولم تكن له فائدة أخرى كوروده مورد الغالب كما فيما نحن فيه. فلا يكون «عَنْ تَراضٍ» قيدا احترازيا حتى يكون له مفهوم ، وهو عدم كون عقد الفضولي تجارة عن تراض. بل يكون قيدا غالبيا.

فمرجع هذا الإيراد إلى تسليم نعتية «عَنْ تَراضٍ» للتجارة ، مع حمله على الغلبة ، كما في قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) فإنّ قيد «فِي حُجُورِكُمْ» ورد مورد الغالب ، لكون غالب الربائب في حجور أزواج أمّهاتهن ، ولذا ليس هو قيدا احترازيا حتى تختص الحرمة بالربائب اللّاتي في الحجور.

الثالث : أنّه يحتمل أن لا يكون «عَنْ تَراضٍ» وصفا للتجارة وقيدا لها حتى يكون له مفهوم. بل يكون خبرا ثانيا ل «تكون» بناء على نصب «تجارة» كما هو قراءة الكوفيين على ما في تفسير التبيان (١) ، نظير «زيد عالم شاعر» فيما إذا كان كل منهما

__________________

لوضوح عدم صدق التجارة عرفا بمال الغير على مجرد عقد الفضولي ، فإنّ التصرف إمّا خارجي كالأكل والشرب ونحوهما ، وإمّا اعتباري كالملكية. وكلاهما منتف كما لا يخفى.

وثانيا : أنّه ليس كل نهي في المعاملة مقتضيا للفساد ، وإنّما الفساد يختص بما إذا تعلق النهي بأحد ركني المعاملة.

__________________

(١) التبيان ، ج ٣ ، ص ١٧٨.

٤٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مستقلا في المعنى. «والرّمان حلو حامض» فيما إذا لم يكن كذلك ، بأن كان لكليهما معنى واحد.

فالمعنى حينئذ : أنّ سبب حلّ الأكل والتصرف هو التجارة وتراضي الطرفين ، سواء تقدّم التراضي على التجارة أم تأخّر عنها ، فيكون عقد الفضولي حينئذ صحيحا ، لتحقق كلّ من التجارة والتراضي فيه ، وإن كان الرضا حاصلا بعد التجارة. فلا يتم الاستدلال على بطلان الفضولي بمفهوم القيد وهو «عَنْ تَراضٍ» إذ المفروض رفض قيديته للتجارة ، وجعله خبرا ثانيا ل «تكون» (*).

__________________

(*) لكنك خبير بأنّ كلمة المجاوزة تقضي بتقدم التراضي على السبب المملك ، إذ ليست العبارة هكذا : «إلّا أن يكون السبب تجارة وتراضيا» حتى لا يعتبر تقدم التراضي على التجارة. فجعل «عَنْ تَراضٍ» خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» لا يجدي في دفع الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بمفهوم الوصف.

نعم إن رجع ضمير «تكون» إلى «الأكل» المستفاد من «لا تَأْكُلُوا» وكان تأنيث «تأكلوا» لمطابقته لخبره وهو «تجارة» اتجه عدم اعتبار تأخر العقد عن الرضا ، لكون الموضوع حينئذ مركّبا. ولا يعتبر في المركّب اجتماع الأجزاء في الوجود ، دون السبق واللحوق.

ثم لا يخفى أنّ الاشكال الثاني والثالث راجع إلى عدم المفهوم ل «عَنْ تَراضٍ» إمّا بحمله على الغلبة. وإمّا بمنع وصفه للتجارة بجعله خبرا ثانيا ل «تكون».

وفي كليهما منع ، إذ في الحمل على الغلبة الاعتراف باللغوية ، لأنّ مجرّد غلبة الوصف ليست فائدة لذكر الوصف ، وإلّا لكان «دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» في الآية الشريفة محمولا على الغالب ، وهو كما ترى.

وفي جعله خبرا ثانيا : أنّ كلمة المجاوزة تدل على اعتبار سبق التراضي على سبب الحل ، وفي الفضولي هذا السبق معدوم. إلّا أن يراد نفس الأكل.

٤٧٩

مع تسليمه (١) مخصوص (٢) بما إذا لم يكن للقيد فائدة أخرى (٣) ككونه واردا مورد

______________________________________________________

الرابع : أنّه لو أغمضنا عن احتمال كون «عَنْ تَراضٍ» خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» لبعده في نفسه وسلّمنا قيديته للتجارة حتى يكون له مفهوم ، وبنينا على حجيته ـ لم يجد ذلك أيضا في المقام ، حيث إنّ المخاطب بقوله تعالى هو أرباب الأموال وملّاكها ، فكأنّه سبحانه وتعالى قال : «يا أرباب الأموال لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» والتجارة في الفضولي بعد الإجازة تصير تجارة للمالك عن تراض ، فحين صيرورتها تجارة المالك تكون عن الرضا.

ثم إنّ معنى التراضي ـ على ما في مجمع البيان ـ عند الإمامية والشافعية وغيرهم هو التراضي بالتجارة بإمضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد ، بأن يقول : «اخترت العقد».

وبالجملة : عقد الفضولي خارج عن المستثنى منه تخصصا ، لعدم كون الفضولي مالكا حتى يشمله خطاب «لا تَأْكُلُوا» ويندرج في الباطل ، فعقد الفضولي لا يصير تجارة للمالك ـ الذي هو المخاطب في الآية الكريمة ـ إلّا بعد الإجازة ، فتجارته نشأت عن رضا المالك ، فلا وجه حينئذ لبطلان عقد الفضولي.

(١) هذا إشارة إلى الإيراد الأوّل ، وهو عدم تسليم مفهوم الوصف ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «الأوّل : ان هذا المفهوم مبني على مفهوم الوصف .. إلخ».

(٢) هذا إشارة إلى الإيراد الثاني الذي تقدم بقولنا : «الثاني أنه بعد تسليم المفهوم له .. إلخ».

(٣) يعني : غير فائدة المفهوم ، كورود القيد مورد الغالب. وغرضه قدس‌سره أنّ دلالة القيد على المفهوم إنّما هي لدلالة الاقتضاء حتى لا يلزم لغوية القيد ، وذلك مختص بما إذا لم يكن للقيد فائدة غير المفهوم ، فلو كان له فائدة أخرى لم يلزم اللغوية من عدم الالتزام بثبوت المفهوم له.

٤٨٠