هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

الغالب كما فيما نحن فيه (١) وفي قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (١) (٢)

______________________________________________________

(١) لكون أكثر التجارات الواقعة بين الناس مقرونة بتراضي المتعاملين ، ووقوعها عن إكراه نادر جدّا. هذا بالنسبة إلى نوع المتعاملين.

وأمّا بالإضافة إلى خصوص المؤمنين العاملين بوظائفهم فمعاملاتهم بأسرها تقع جامعة للشرائط التي منها التراضي يقينا.

(٢) لكون غالب الربائب في حجور أزواج أمّهاتهن ، فليس قيد الحجور احترازيا حتى يكون مفهومه حلّية الربائب ـ اللّاتي لسن في حجورهم ـ لهم ، هذا (*).

__________________

(*) لكن فيه ما لا يخفى ، فإنّ غلبة القيد ليست فائدة لبيانه ، وإلّا كان قيد «دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» في قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) محمولا على الغالب ، إذ لا ريب في كون الدخول وصفا غالبيا في النساء ذوات الأزواج ، لأنّه الغرض الأصلي من الزواج غالبا ، فلا بدّ ـ بناء على ما ذكر من حمله على الغلبة ـ من الالتزام بعدم دخله في الحكم وهو حرمة الربائب. مع أنّه من المسلّم توقف حرمة الربائب على الدخول بامّهاتهن.

فالغلبة لا ترفع ظهور القيد في الاحترازية ، ولذا يقال : إنّ فائدة القيد في الربائب هي التنبيه على كون الربائب بمنزلة الأولاد ، وثبت وصف الأولاد وهو كونهم في الحجور لهن ، نظير «أنشبت المنية أظفارها».

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٣.

٤٨١

مع احتمال أن يكون «عَنْ تَراضٍ» (١) خبرا بعد خبر ل «تكون» على قراءة نصب التجارة (٢) لا قيدا لها (٣) ، وإن كانت غلبة وصف النكرة (٤) تؤيّد التقييد ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الإشكال الثالث الذي تقدم بقولنا : «الثالث أنّه يحتمل أن لا يكون عن تراض وصفا للتجارة وقيدا لها .. إلخ» ومع كون «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» خبرا بعد خبر ل «تَكُونَ» تخرج عن قيديّتها للتجارة ، فينهدم أساس التقريب الثاني وهو الاستدلال بمفهوم الوصف في مقام التحديد.

وهذا الاحتمال أفاده في المقابس لإسقاط ظهور الآية في اعتبار مقارنة التراضي للتجارة ، قال قدس‌سره : «على أنه يمكن على تقديره ـ أي تقدير حجية مفهوم القيد ـ نصب تجارة ، كما هو المنقول عن قراءة الكوفيّين أن يكون عن تراض خبرا ثانيا لتكون ، فيلزم حينئذ وقوع الأكل والتصرف بعد التراضي ، سواء تقدم على التجارة أو تأخر عنها» (١).

لكن مجرد الاحتمال لا يمنع حجية الظاهر.

(٢) يعني : بناء على كون «تَكُونَ» ناقصة ، إذ لو كانت تامة لم تحتج إلى الخبر حتى تكون «عَنْ تَراضٍ» خبرا ثانيا لها.

وقد يقال : إنّ مقتضى نصب «التجارة» كون الإجازة ناقلة ، مع أنّها عند المصنف كاشفة.

(٣) أي : للتجارة ، بأن لا يكون «عَنْ تَراضٍ» قيدا للتجارة حتى يكون له مفهوم.

(٤) أي : غلبة توصيف النكرة بالجار والمجرور ـ في المحاورات ـ تؤيّد نعتيّة «عَنْ تَراضٍ» ل «تجارة» فمقتضى هذه الغلبة هو ظهور «عَنْ تَراضٍ» في القيدية لا الخبرية. وعليه فقوله : «وإن كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد» جملة معترضة وغرضه من بيانها تضعيف احتمال كون «عَنْ تَراضٍ» خبرا ثانيا.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٩.

٤٨٢

فيكون (١) المعنى : «إلّا أن يكون سبب الأكل تجارة ، ويكون عن تراض» ومن المعلوم أنّ السبب الموجب لحلّ الأكل في الفضولي إنّما نشأ عن التراضي (٢).

مع أنّ (٣) الخطاب لملّاك الأموال (٤) ، والتجارة (٥) في الفضولي إنّما تصير تجارة للمالك بعد الإجازة ، فتجارته (٦) عن تراض.

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على قوله : «مع احتمال أن يكون» لا على قوله : «وان كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد» يعني : بناء على كون «عَنْ تَراضٍ» خبرا ـ لا قيدا للتجارة ـ يكون سبب الأكل مركّبا من أمرين ، أحدهما التجارة ، والآخر التراضي مطلقا ، من غير فرق بين تقدّمه وتأخّره وتقارنه.

لكنه مشكل ، لما مرّ من قولنا : «لكنك خبير بأنّ كلمة المجاوزة تقضي بتقدم التراضي على السبب المملّك .. إلخ».

(٢) يعني : فيندرج عقد الفضولي في السبب المحلّل للأكل ، وهو عقد المستثنى.

(٣) هذا إشارة إلى الإشكال الرابع الذي تقدّم بقولنا : «انّه لو أغمضنا عن احتمال كون ـ عن تراض ـ خبرا ثانيا .. إلخ». وهذا الاشكال مذكور أيضا في المقابس بقوله : «ان الخطاب تعلّق بالمالكين ، والتجارة الصادرة من الفضولي لا يطلق عليها أنّها تجارة المالك إلّا بعد إجازته ، فكانت تجارته وقعت عن التراضي» (١).

(٤) يعني : فلا يشمل «لا تَأْكُلُوا» الفضولي ، لعدم كونه مالكا ، فلا يندرج عقده في المستثنى منه.

(٥) مبتدء خبره «انما تصير» يعني : فتجارة الفضولي بعد الإجازة تصير تجارة المالك.

(٦) مبتدء خبره «عَنْ تَراضٍ» يعني : فيكون تجارة الفضولي بعد الإجازة عن تراض ، فيخرج عقد الفضولي عن الباطل ويندرج في التجارة عن تراض ، فلا يتم الاستدلال بالآية على بطلانه.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٩.

٤٨٣

وقد حكي (١) عن المجمع «أنّ مذهب الإمامية والشافعية وغيرهم : أنّ معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتصرف (٢) أو التخاير بعد العقد» (٣).

ولعلّه (٤) يناسب ما ذكرنا

______________________________________________________

(١) الحاكي صاحب المقابس ، قال قدس‌سره : «أو يقال على القراءتين ـ أي كون عن تراض قيدا أو خبرا ثانيا ـ إنّ المراد أن تكون تجارة كاملة عن تراض أو ممضاة عن تراض ، فيندرج عقد الفضولي ، لأن كماله وإمضاءه بالإجازة. وهذا نظير ما حكى في المجمع عن مذهب الإمامية والشافعية وعن غيرهم من أن معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتفرق أو بالتخاير بعد العقد» (١).

(٢) وهو الفعل ، فإنّه يقع بعد وقوع العقد ، ولا يكون التراضي قبله.

(٣) بأن يقول بعد العقد : «اخترت العقد» وغرضه من بيان كلام مجمع البيان تعيين المراد من التجارة بالتراضي ، وأنّ التراضي المتأخر عن العقد تراض بالتجارة ، وليس المراد بالتراضي المعتبر في التجارة خصوص التراضي المتقدم على التجارة حتى يترتب عليه بطلان عقد الفضولي كما هو ظاهر كلمة المجاوزة.

وبهذا الاحتمال تصير الآية دليلا على صحة عقد الفضولي لا على بطلانه ، وذلك لأنّ قيد «عَنْ تَراضٍ» ناظر إلى إمضاء العقد بالتصرف في العوضين أو اختيار العقد ، وليس ناظرا إلى اعتبار مقارنة رضا المالك لنفس العقد حتى يتوهم دلالته على فساد عقد الفضولي الفاقد لرضا المالك حال الإنشاء.

(٤) أي : ولعلّ المحكي عن مجمع البيان يناسب إنكار قيدية «عَنْ تَراضٍ» ل «تِجارَةً» وجه المناسبة : أنّ كفاية الرضا بعد العقد في حصول التجارة تناسب كون «عَنْ تَراضٍ» خبرا بعد خبر ، إذ لو كان قيدا ل «تِجارَةً» اقتضى نشو التجارة عن

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٩ ، مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٣٧.

٤٨٤

من كون الظرف (١) خبرا بعد خبر (*).

______________________________________________________

تراض ، وعدم كفاية التراضي المتأخر فيها. بخلاف كونه خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» فإنّه يدلّ على كفاية الرضا المتأخر كما هو مقتضى المحكي عن مجمع البيان.

(١) وهو «عَنْ تَراضٍ».

__________________

(*) قد عرفت أنّ جعل الظرف خبرا بعد خبر لا يرفع ظهور كلمة المجاوزة في نشو التجارة عن الرضا وتقدم الرضا عليها.

وتأييد عدم اعتبار تقدم الرضا عليها وكفاية الرضا المتأخر في صحة التجارة بالمحكي عن مجمع البيان ، غريب ، ضرورة أنّ ما في المجمع راجع إلى إسقاط الخيار بالفعل وهو التصرف كالأكل والخياطة وغيرهما من التصرفات ، أو بالقول مثل «اخترت البيع» أو «أسقطت الخيار» ونظائرهما كما يظهر ذلك في مسقطات خيار المجلس من تذكرة العلامة قدس‌سره. (١) ومن المعلوم أنّ التراضي بلزوم العقد وبقائه غير التراضي بأصل العقد وحدوثه ، وهذا التراضي هو مورد البحث ، دون التراضي بلزوم العقد. فجعل هذا التراضي مؤيّدا للتراضي المبحوث عنه غير ظاهر الوجه.

وكيف كان فحقّ المقام أن يقال : إنّ الآية الشريفة لا تدلّ على بطلان عقد الفضولي لو لم تدل على صحته ، ولو قلنا بدلالتها على الحصر من ناحيتي الاستثناء والقيد الوارد في مقام التحديد. وذلك لأنّ التجارة على ما في مجمع البحرين كما تقدم في التعليقة (في ص ٤٦٩) هو الانتقال الذي هو معنى اسم المصدر ، ومن المعلوم أنّ مجرد إنشاء العقد لا يوجب الانتقال ، بل يتوقف على شرائطه التي منها رضا المالك. فالتجارة بمعنى الانتقال تقع عن الرضا.

فمعنى «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً» إلّا أن تكون التجارة ـ أي انتقال المال ـ انتقالا عن تراض. فمعنى المجاوزة حقيقة محفوظ ، إذ عقد الفضولي بنفسه ليس تجارة حتى

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٥١٧.

٤٨٥

وأمّا السنة (١) فهي أخبار :

منها : النبوي المستفيض ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحكيم بن حزام (٢) : «لا تبع

______________________________________________________

ب : السنّة ، وهي أخبار

الأوّل : النهي عن بيع ما ليس عنده

(١) هذا ثاني أدلة المبطلين لعقد الفضولي. والمراد بالسنّة مطلق الروايات المعصومية لا خصوص النبويات. وقد استدل بهذه الأخبار وغيرها صاحب الحدائق (١) على بطلان بيع الفضولي ، وأوردها في المقابس وناقش في كلّ منها ، فراجع (٢).

(٢) الحكيم ك «أمير» و «حزام» ككتاب ، هو وأبوه من الصحابة ، وابنه حزام كذلك ، كما عن القاموس. وهذا المضمون مرويّ عن طرقنا أيضا مثل ما رواه شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ونهى عن بيع ما ليس عندك ، ونهى عن بيع وسلف» (٣).

قال في المقابس بعد نقل هذا المضمون : «قال الشيخ : وهذا نصّ أي في بطلان

__________________

يستشكل فيه بأنّ الرضا متأخر عنه ، فلا يصدق على عقد الفضولي «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» بل التجارة على الفرض هي الانتقال الذي لا يتحقق إلّا برضا المالك الحاصل بالإجازة.

فتلخص من جميع ما تقدم : أنّ الاستدلال بآية (لا تَأْكُلُوا) على بطلان عقد الفضولي غير سديد.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٣٨٦ الى ٣٨٩.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٢٩ و ٣٠.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٥ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، ح ٥ ، رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن شعيب بن واقد ، وقريب منه الحديث ٢ من نفس الباب ، ورواه صاحب الوسائل أيضا في ص ٢٦٦ ، الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١٢.

٤٨٦

ما ليس عندك» (١) (١) فإنّ عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلّطه على تسليمه ، لعدم تملّكه ، فيكون (٢) مساوقا للنبويّ الآخر

______________________________________________________

بيع الفضولي» ثم تعجّب صاحب المقابس منه ، فراجع (٢).

(١) هذا النبويّ مرويّ في كتب الفريقين من جوامع الحديث والكتب الاستدلالية (٣) تقريب الاستدلال به ـ بعد البناء على الحجية من حيث الصدور ـ هو : أنّ المراد ليس هو الحضور المكاني قطعا ، لعدم اعتباره في صحة العقد ، لكفاية مجرّد إضافة الملكية في صحة العقد الوارد عليه ، فلو كان بينه وبين ملكه مسافة بعيدة جاز بيعه بلا إشكال. فالمراد به عدم تملّكه للمبيع ، فمرجعه إلى النهي عن بيع ما لا يملكه ، والنهي يقتضي الفساد ، فبيع الفضولي فاسد ، سواء باعه لنفسه أم لمالكه.

فيكون مساق هذا النبوي مساق نبوي آخر ، وهو «لا طلاق إلّا فيما يملك ، ولا عتق إلّا فيما يملك ، ولا بيع إلّا فيما يملك» بناء على قراءة «يملك» بصيغة المعلوم كما هو الظاهر من سياق الكلام ، لعدم تعقل الطلاق قبل النكاح ، حيث إنّه إزالة علقة النكاح ، ولا يعقل إزالتها قبل حصولها.

وأمّا بناء على قراءة «يملك» بصيغة المجهول فالرواية أجنبية عن المقام ، لدلالتها على عدم جواز بيع ما لا يقبل التملك كالطير في الهواء والسمك في الماء ونحوهما ، وهذا المعنى أجنبي عن بيع مال الغير المملوك له.

(٢) متفرع على قوله : «كناية عن عدم تسلطه .. إلخ» حيث إنّ محصّل «لا تبع

__________________

(١) سنن الترمذي ، ج ٣ ، ص ٥٣٤ ، الباب ١٩ ، ح ١٣٣٢ ، وفي مفتاح الكرامة : أنّه من الأخبار العامية ، فراجع ج ٤ ، ص ١٨٥.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٠.

(٣) كما في الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٦٨ ، كتاب البيوع ، المسألة : ٢٧٥ ، وتذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢ ، السطر قبل الأخير ، وفي ص ٤٨٦ ، السطر ٥.

٤٨٧

«لا بيع إلّا فيما يملك» (١) بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق إلّا فيما يملك ولا عتق إلّا فيما يملك» (١) ، ولما (٢) ورد في توقيع العسكري عليه‌السلام إلى الصفّار : «لا يجوز بيع ما ليس يملك» (٢).

______________________________________________________

ما ليس عندك» هو : لا تبع ما ليس ملكا لك. والمفروض عدم مالكية البائع الفضولي. ونتيجة هذا القياس ـ من الشكل الأوّل ـ بطلان بيع الفضولي.

(١) بناء على قراءة «يملك» بصيغة الفاعل ، لما مرّ آنفا.

(٢) معطوف على قوله : «للنبوي» يعني : فيكون النبوي المستفيض مساوقا لما ورد في توقيع العسكري عليه‌السلام : «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام في رجل له قطاع أرضين [أرض] فيحضر الخروج إلى مكة ، والقرية على مراحل من منزله ، ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه ، وعرّف حدود القرية الأربعة ، فقال للشهود : اشهدوا أنّي قد بعت فلانا ـ يعني المشتري ـ جميع القرية التي حدّ منها كذا ، والثاني والثالث والرابع ، وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك؟ وإنّما له بعض هذه القرية ، وقد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه‌السلام : لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك».

وغير ذلك من الروايات الواردة بهذا المضمون عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام. فدعوى تواتره المعنوي غير بعيدة ، وهي كافية في حجية هذا المضمون وصحة الاستدلال به.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٢٩٣ الباب ١٢ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ح ٥ ، والموجود في المستدرك : «فيما لا تملك» بدل قوله : «إلّا فيما تملك».

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع ، ح ١ ، رواه الصدوق والشيخ قدس‌سرهما بإسنادهما الصحيح عن الصفار ، فالرواية صحيحة.

٤٨٨

وما (١) عن الحميري «انّ مولانا عجّل الله فرجه كتب في جواب بعض مسائله : إنّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها ، أو بأمره ، أو رضا منه» (١).

______________________________________________________

الثاني : التوقيع الناهي عن ابتياع الضيعة بغير رضا مالكها

(١) يمكن أن يكون معطوفا على قوله : «للنبوي الآخر» والظاهر أنّه معطوف على «النبوي المستفيض» يعني : ومنها : أي ومن الأخبار ـ ما عن الحميري ـ وهو «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام : أنّ بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان ، فيها حصّة ، وأكرته ربما زرعوا وتنازعوا في حدودها ، وتؤذيهم عمّال السلطان ، وتتعرض في الكلّ من غلّات ضيعة ، وليس لها قيمة لخرابها ، وإنّما هي بائرة منذ عشرين سنة ، وهو يتحرّج من شرائها ، لأنّه يقال : إنّ هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان. فإن جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا [صوابا] وصلاحا له وعمارة لضيعته ، وأنّه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل ماء ضيعته العامرة ، وينحسم عن طمع أولياء السلطان. وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله. فأجابه : الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضى منه».

ومحصّل المسألة : أنّ لبعض أصحابنا ضيعة عامرة بجنب ضيعة خراب للسلطان ، ولخرابها لا قيمة لها ، وصاحب الضيعة العامرة يتحرج من شرائها ، لما يقال من أنّ هذه الحصة من الضيعة كانت وقفا قديما ، وأخذها السلطان. فإن جاز شراؤها من السلطان كان صلاحا ، وإن لم يجز عمل بما تأمره به.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٠ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٨ ، رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.

٤٨٩

وما (١) في الصحيح عن محمّد بن مسلم الوارد «في أرض بفم النيل (٢) اشتراها رجل ، وأهل الأرض يقولون : هي أرضنا ، وأهل الأستان (٣) يقولون : هي أرضنا. فقال : لا تشترها إلّا برضا أهلها» (١).

وما (٤) في الصحيح عن محمّد بن القاسم بن الفضيل «في رجل اشترى من

______________________________________________________

وحاصل الجواب : عدم جواز الشراء من السلطان ، لأنّه لا مالك ولا مأذون من ناحيته. فتدلّ المكاتبة على عدم جواز الشراء من غير المالك والمأذون من قبله ، والفضولي لا مالك ولا وكيل عنه ولا وليّ عليه ، فيبطل بيعه.

الثالث : النهي عن شراء الأرض إلّا برضا أهلها

(١) معطوف على «النبويّ المستفيض» أو على «للنبوي الآخر».

(٢) عن القاموس : «النيل بالكسر قرية بالكوفة ، وبلدة بين بغداد وواسط. وقيل : إنّ النيل نهر يتشعّب من الفرات ينتهي إلى دجلة بمسافة مراحل». وعلى هذا فالمراد بفم النيل صدر ذلك النهر ومبدؤه. وتقدّم في صحيحة أبي ولّاد كلام الأزهري حول هذه البلدة ، فراجع (٢).

(٣) بالضم ـ كما عن القاموس والمجمع ـ أربع كور ببغداد ، عال وأعلى وأوسط وأسفل. وفي المجمع «والكورة المدينة والناحية ، والجمع كور ، مثل غرفة وغرف» (٣).

الرابع : النهي عن شراء ما لا يملكه البائع

(٤) معطوف على «النبويّ المستفيض».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٤٩ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٣.

(٢) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٤٨٢ و ٤٨٣.

(٣) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٤٧٨.

٤٩٠

امرأة من آل فلان (١) بعض قطائعهم (٢) ، وكتب (٣) عليها كتابا بأنّه قد قبضت المال ، ولم تقبضه ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : قل له يمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعت ما لم تملكه» (١).

والجواب عن النبويّ (٤) أوّلا : أنّ الظاهر

______________________________________________________

(١) أي : آل عبّاس كما عن الكافي ، قال في محكي الوافي : «فلان كناية عن العباس. وفي الكافي : من امرأة من العبّاسيين. والقطائع محالّ ببغداد كان أقطعها المنصور لأناس من أعيان دولته ليعمّروها ويسكنوها. وإنّما لم تملكها ، لأنّها كانت مال الامام عليه‌السلام».

واستفادة ملكية القطائع للإمام عليه‌السلام لعلّها من التعليل ب «ليعمروها ويسكنوها» حيث إنّ الأرض الخربة ماله عليه‌السلام.

(٢) جمع قطيعة ، وفي المجمع «القطيعة محالّ ببغداد أقطعها المنصور .. إلخ» (٢).

(٣) يعني : وكتب ورقة مشتملة على أنّ المرأة البائعة قد قبضت الثمن ، والحال أنها لم تقبضه ، كما لعلّه المرسوم فعلا ، حيث إنّه يكتب في الورقة : أنّ البائع قبض الثمن ، مع أنّه لم يقبضه.

المناقشة في دلالة السّنة على بطلان بيع الفضولي

(٤) قد أجاب المصنف قدس‌سره عن الاستدلال بالنبوي الأوّل المروي عن حكيم بن حزام بوجهين :

الأوّل : الظاهر أنّ الظاهر المراد ب «ما» الموصول في «لا تبع ما ليس عندك»

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٤٩ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٢ ، والموجود في كثير من النسخ «الفضل» ولعلّ الصحيح كما في وسائل الشيعة هو «الفضيل» كما أثبتناه والمنقول عن التهذيب ، محمّد بن القاسم عن فضيل ، فراجع.

(٢) مجمع البحرين ، ج ٤ ، ص ٣٨٠.

٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

هو العين الشخصية ، للإجماع والنصّ على جواز بيع الكلّي مع عدم وجود شي‌ء من أفراده حين إنشاء البيع عنده ، سواء أكان البيع حالّا أم سلفا.

كما أنّ الظاهر كون المراد بالبيع في «لا تبع» هو البيع لنفسه. وجه الظهور ـ كما في التذكرة (١) هو وروده في مقام الجواب عن سؤال الحكيم بن حزام عن أن يبيع الشي‌ء ، فيمضي ويشتريه ، ويسلّمه. فالمراد بالبيع في السؤال حينئذ هو البيع لنفسه ، لا عن المالك. واشتراؤه من المالك إنّما يكون مقدمة لتسليم المبيع إلى المشتري. وهذا لا ينطبق على المدّعى وهو البيع للمالك ، إذ مورد البحث فعلا هو بيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه ، بل ينطبق على المسألة الآتية ، وهي : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ويكون دليلا عليها.

وبعد البناء على ظهور المبيع في العين الشخصية ، وظهور البيع لنفس الفضولي لا المالك نقول : إنّه يدور أمر النهي بين أن يراد به مجرّد إنشاء البيع. فيكون دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه ، فلا يقع البيع ، بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود عليه ، لا لنفسه ، ولا للمالك بعد إجازته ، لأنّ هذا النهي للإرشاد إلى الفساد. فهذا الإنشاء من حيث نفسه ـ سواء أضيف إلى المخاطب البائع أم إلى المالك ـ فاسد لا يترتب عليه الأثر وإن اجازه المالك. والنبوي بهذا البيان دليل على بطلان عقد الفضولي وعدم نفوذ إجازة المالك.

وبين أن يراد بالنهي الإرشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبائع المريد لاشتراء المبيع من مالكه ، والنهي بهذا التقريب لا يدلّ على عدم وقوع البيع للمالك بعد إجازته. وهذا هو ظاهر النبويّ ، فلا يدلّ على بطلان عقد الفضولي مطلقا كما هو مراد القائلين ببطلان الفضولي.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢ ، السطر الأخير ، وقريب منه في ص ٤٨٦ ، السطر ٧.

٤٩٢

من الموصول (١) هي العين الشخصية ، للإجماع والنص (٢) على جواز بيع الكلّي. ومن (٣) البيع : البيع لنفسه

______________________________________________________

والحاصل : أنّ النهي إن كان إرشادا إلى فساد العقد من حيث نفسه كان دليلا على بطلان عقد الفضولي مطلقا. وإن كان إرشادا إلى فساد العقد ـ من حيث إضافته إلى العاقد البائع الذي يريد اشتراءه من المالك ـ لم يدلّ على عدم وقوعه للمالك بإجازته. وهذا الشقّ الثاني هو مورد الرواية ، لما عن التذكرة وسيجي‌ء نقله إن شاء الله تعالى. وهذا البيع غير جائز من دون خلاف ظاهر فيه ، للنهي وللغرر.

(١) وهو «ما» في النبوي : «لا تبع ما ليس عندك».

(٢) أمّا الإجماع على صحة بيع الكلي فيكفيه تسالمهم على صحة بيع السلم ، وكذا بيع الكلّي حالّا. وأمّا النص فكصحيح عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده ، فيشتري منه حالا؟ قال : لا به بأس. قلت : إنّهم يفسدونه عندنا. قال : وأيّ شي‌ء يقولون في السّلم؟ قلت : لا يرون به بأسا ، يقولون : هذا إلى أجل ، فإذا كان إلى غير أجل فليس عند صاحبه فلا يصلح. فقال : فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود [أحق] ثم قال : لا بأس بأن يشتري الطعام ـ وليس هو عند صاحبه ـ حالا وإلى أجل» (١) الحديث.

ولا يخفى صراحة جوابه عليه‌السلام في جواز بيع الكلّي ، سواء أكان حالا بأن كان المتاع موجودا ، أم كان سلفا كبيع الزرع قبل حصاده.

(٣) معطوف على «من» يعني : أنّ الظاهر من البيع هو البيع لنفس الفضولي ، لا عن المالك الذي هو محلّ الكلام في المسألة الاولى ، وهي أن يبيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٤ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، ح ١.

٤٩٣

لا عن مالك العين (١).

وحينئذ (٢) فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد الإنشاء (٣) ، فيكون (٤) دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه ، فلا يقع له ولا للمالك بعد إجازته (٥). وإمّا (٦) أن يراد ما عن التذكرة

______________________________________________________

(١) كما هو المفروض ، إذ مورد البحث هو المسألة الاولى من المسائل الثلاث أعني بيع الفضولي عن المالك بدون سبق منع منه.

(٢) أي : وحين كون المراد من عدم جواز «بيع ما ليس عندك» هو البيع لنفسه لا للمالك ، فإمّا .. إلخ.

(٣) أي : بدون إضافة هذا الإنشاء إلى المالك أو العاقد ، فهذا الإنشاء في نفسه منهيّ عنه ، والنهي عن الإنشاء إرشاد إلى الفساد ، لا إلى الحرمة ، إذ لا مقتضي لحرمة التلفّظ بلفظ «بعت» مع عدم كونه تصرّفا خارجيّا ولا اعتباريّا في مال الغير حتى يشمله دليل حرمة التصرف في مال الغير.

(٤) هذه نتيجة كون النهي متعلّقا بمجرّد الإنشاء من حيث نفسه بدون إضافته إلى شخص.

(٥) إذ المفروض عدم صلاحية الإنشاء الفاسد لترتب البيع المملّك عليه ، فلا يقع لأحد ، من غير فرق فيه بين العاقد والمالك بعد إجازته. وقد تقدم توضيحه بقولنا : «انّه يدور أمر النهي بين أن يراد به مجرّد إنشاء البيع .. إلخ» فقوله : «فإمّا» إشارة إلى الشق الأوّل.

(٦) معطوف على «فإمّا» وهذا إشارة إلى الشق الثاني الذي مرّ آنفا بقولنا : «وبين أن يراد بالنهي الإرشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبائع المريد لاشتراء المبيع من مالكه» لا من حيث كونه إنشاء حتى لا يقع عن أحد حتى عن المالك بعد إجازته كي يكون دليلا على بطلان الفضوليّ.

٤٩٤

من أن يبيع (١) عن نفسه ، ثم يمضي ليشتريه من مالكه ، قال (٢) : «لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره جوابا لحكيم بن حزام ، حيث سأله عن أن يبيع الشي‌ء فيمضي ويشتريه ويسلّمه ، فإنّ هذا البيع (٣) غير جائز ، ولا نعلم فيه (٤) خلافا ، للنهي (٥) المذكور وللغرر (٦) لأنّ صاحبها قد لا يبيعها» انتهى.

وهذا المعنى (٧) يرجع إلى المراد من روايتي خالد ويحيى الآتيتين في بيع

______________________________________________________

(١) أي : يبيع الفضولي عن نفسه ، ثم يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

(٢) أي : العلّامة قدس‌سره في التذكرة ، قال : «لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره جوابا له ـ أي لحكيم بن حزام ـ حين سأله أن يبيع الشي‌ء ، ثم يمضي ويشتريه ويسلّمه ، والقدرة على التسليم موجودة إن أجازه» (١). وقال بعد أسطر : «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ، ويمضي ليشتريها ويسلّمها .. ولا نعلم فيه خلافا ، لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس عندك ، ولاشتماله على الغرر ، فإن صاحبها قد لا يبيعها ، وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها».

ولم أظفر بنصّ العبارة المنقولة في المتن عن مفتاح الكرامة ، ولعلّه نقلها بالمعنى ، أو ظفر بها في موضع آخر من التذكرة أو جمع بين العبارتين المتقدمتين.

(٣) وهو البيع لنفس الفضوليّ ، ثم اشتراؤه من المالك.

(٤) أي : في هذا البيع الواقع عن نفس الفضولي بحيث يكون الشراء مقدمة للتسليم.

(٥) وهو «لا تبع ما ليس عندك» هذا هو الدليل الأوّل على بطلان هذا البيع.

(٦) هذا هو الدليل الثاني على بطلان البيع المذكور ، وغرريته إنّما تكون لاحتمال أن لا يبيعها المالك ، فيكون بيع الفضولي لنفسه غرريّا ، والبيع الغرري منهي عنه. ولو كان المشتري عالما بحقيقة الحال لم يقدم على هذا الشراء.

(٧) وهو ما أفاده العلامة في التذكرة ، وذكره المصنف في المتن.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢ ، السطر الأخير ، والحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٦ ، ونقل مضمونه المحقق الشوشتري في المقابس ، كتاب البيع ، ص ٣٠.

٤٩٥

الفضولي لنفسه (١). ويكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرّد انتقاله إليه بالشراء ، فلا ينافي أهليّته (٢) لتعقب الإجازة من المالك.

وبعبارة أخرى : نهي المخاطب (٣) عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّرا في حقه (٤) ، فلا يدلّ (٥) على الغاية بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له. وهذا المعنى (٦) أظهر (*) من الأوّل (٧)

______________________________________________________

(١) يعني : مسألة «من باع شيئا ، ثم ملكه وأجاز» التي تأتي في شروط المجيز ، وقد استدلّ بهما صاحب المقابس على اعتبار مالكية البائع للمبيع ، وبطلان بيع ما لا يملكه. واحتمل هذا المعنى أيضا عند مناقشته في بعض الأخبار المتقدمة ، فقال في جملة كلامه : «وباحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد ، بأن يبيع مال الغير عن نفسه ، ثم يشتريه».

(٢) يعني : فلا ينافي بطلان البيع ـ بمعنى عدم وقوعه للفضولي العاقد ـ أهليّته لتعقبه بإجازة المالك ، ووقوع البيع له.

(٣) وهو نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكيم بن حزام ، المتقدم في النبوي المذكور.

(٤) أي : في حقّ العاقد الفضولي ، لأنّه المخاطب في النبوي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع».

(٥) أي : النهي المذكور في النبويّ المتقدم ، وضمير «الغائه ، تنفعه» راجعان إلى البيع.

(٦) أي : المعنى الثاني الذي ذكره العلّامة قدس‌سره ، وهو عدم وقوع العقد مؤثّرا في حقّه.

(٧) وهو الذي أفاده الشيخ قدس‌سره بقوله : «فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد

__________________

(١) بل هو المتعيّن ، ولا وجه لإرادة المعنى الأوّل ، إذ لازمه اعتبار وحدة العاقد والمالك بمعنى اعتبار صدور إنشاء التمليك من المالك دون غيره ، ولو من الوكيل والولي ، إذ مقتضى التعليل بالذاتي ـ وهو كونه إنشاء تمليك مال الغير ـ عدم تأثير إنشاء

٤٩٦

ونحن نقول به (١) كما سيجي‌ء.

وثانيا (٢) : سلّمنا دلالة النبويّ على المنع ، لكنّها بالعموم ، فيجب

______________________________________________________

الإنشاء .. إلخ». وجه الأظهريّة ظهور النهي المتوجّه إلى المخاطب في عدم ترتب الأثر على فعله من حيث إنّه فعله ، لا من حيث صيرورته فعلا للغير وهو المالك أيضا ، فلا يدلّ إلّا على عدم وقوعه عنه.

(١) أي : بما أفاده العلّامة من عدم صحة البيع بالنسبة إلى خصوص المخاطب الفضولي ، لا مطلقا ولو بالإضافة إلى المالك بإجازته.

(٢) معطوف على قوله : «أوّلا» وضمير «لكنّها» راجع الى «دلالة» ومحصّل

__________________

غير المالك في الملكية. نظير تعليل عدم حجية خبر الواحد في بعض الموضوعات بكونه خبر واحد. ولا يصح حينئذ تعليل البطلان بأمر عرضي كالغرر وعدم القدرة على التسليم.

وعليه فلا يصار إلى الاحتمال الأوّل وهو عدم تأثير إنشاء الفضولي من حيث كونه إنشاء بيع مال الغير.

ومنشأ هذا الاحتمال جعل مدخول النهي في النبوي طبيعة البيع وجنسه ، ومن المعلوم أنّ نفي الجنس يدلّ على نفي جميع أفراده.

وعليه فقوله : «لا تبع ما ليس عندك» ينفي كلا فردي البيع ، وهما بيع الفضولي والمالك بعد الإجازة.

لكن هذا الوجه غير وجيه ، لأنّ المقام ليس من موارد نفي الجنس ، ضرورة أنّ مفاد «لا تبع» غير مفاد «لا بيع» فإنّ هذا التعبير لسان نفي الطبيعة ، دون «لا تبع» فإنّه لا يدلّ إلّا على نفي خصوص الإنشاء الصادر من الفضولي. ونفي آثار هذا الإنشاء بالنسبة إلى شخص المخاطب وهو الفضولي دون غيره وهو المالك ، فإذا أجاز المالك صحّ إنشاء الفضولي ، وترتّب عليه الأثر ، للعمومات كأحلّ الله البيع وغيره ، لصيرورة عقد الفضولي

٤٩٧

تخصيصه (*) بما تقدّم من الأدلّة الدالّة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد

______________________________________________________

هذا الجواب الثاني عن النبويّ المتقدم هو : أنّه لو سلّمنا دلالة النبوي على فساد الإنشاء من حيث إنّه إنشاء بالنسبة إلى كلّ من الفضولي العاقد والمالك ـ حتى يكون دليلا على بطلان الفضولي مطلقا وإن أجاز المالك ، كما هو مقصود القائلين ببطلان عقد الفضولي مطلقا ـ قلنا : إنّ دلالته على بطلانه كذلك إنّما هي بالعموم ، فيجب تخصيصه بما تقدّم من الأدلة الدالة على صحة بيع ما ليس عند العاقد بإجازة المالك.

والمراد بتلك الأدلة هي الأدلة الخاصّة ، كالتعليل في نكاح العبد غير المأذون من سيّده بعدم عصيان الله تعالى ، وعصيان غيره يرتفع بالرضا. وصحيحة محمّد بن قيس الواردة «في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوها غائب» الحديث. وقد تقدّمت في أدلّة صحة الفضوليّ.

__________________

بسبب الإجازة عقد المالك ، فتشمله عمومات الصحة.

(*) لا يقال : إنّ النسبة بين أدلة صحة الفضولي وأدلة بطلانه عموم من وجه بناء على اختصاص الأخبار المانعة ببيع الفضولي لنفسه ، لاختصاص المانعة ببيع الفضولي لنفسه ، وأعميتها من أدلة الصحة ، لشمولها للإجازة وعدمها. وأعمية أدلة الصحة لشمولها لبيع الفضولي لنفسه وللمالك. وأخصّيّتها من الأدلة المانعة ، لاختصاصها بصورة الإجازة.

فمورد اجتماعهما هو بيع الفضولي لنفسه مع إجازة المالك ، فدليل الصحة يقتضي صحته ، ودليل البطلان يقتضي بطلانه. وتقديم دليل الصحة ليس بأولى من تقديم دليل البطلان. والحكم ببطلان البيع لنفسه وإن أجاز المالك كما ذكروه في بيع غاصبي الأموال.

فإنه يقال أوّلا : بمنع اختصاص الأخبار المانعة بالبيع لنفسه ، بأن يدّعى أنّ ظاهر مثل «لا تبع ما ليس عندك» هو النهي عن بيع مال الغير ، وأنّ هذا البيع لا يقع لنفس

٤٩٨

لمالكه إذا أجاز (١).

وبما ذكرناه من الجوابين (٢) يظهر الجواب عن دلالة قوله (٣) : «لا بيع إلّا في ملك» فإنّ الظاهر منه (٤) كون المنفي هو البيع لنفسه ، وأنّ النفي راجع إلى نفي

______________________________________________________

(١) أي : أجاز المالك الذي باع الفضولي له ، لا لنفسه.

(٢) وهما المذكوران في عبارة المصنف بعنوان «والجواب عن النبويّ أوّلا .. وثانيا : سلّمنا دلالة النبويّ على المنع ، لكنها بالعموم .. إلخ». وغرضه المناقشة في سائر الأخبار المستدل بها على فساد بيع الفضولي ، فدلالة النبويّ الآخر «لا بيع إلّا فيما يملك» مخدوشة بالوجهين المتقدمين في نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحكيم بن حزام.

(٣) وهو النبويّ المتقدم «لا بيع إلّا فيما يملك».

(٤) أي : من هذا النبويّ ، فإنّ ظاهره نفي البيع لنفس العاقد ، حيث إنّه لا يملك البيع ، لعدم كونه مالكا ، يعني : أنّ فعله لا يفيده ، ولا يترتب عليه الأثر الذي قصده من هذا الإنشاء. وأمّا نفي البيع عن غير العاقد الفضولي ـ وهو المالك ـ فليس مدلولا لهذا النبوي ، فلا بأس بصحته للمالك مع الإجازة. وهذا أوّل وجهي المناقشة في دلالة

__________________

الفضولي ، وذلك لا يقتضي كون مورد الأخبار المانعة هو البيع لنفسه وبقصد كونه له ، حتى تصير الأخبار من هذه الجهة أخصّ من أدلة الصحة ، وتكون النسبة بينهما عموما من وجه.

وعلى هذا ترجع النسبة بينهما إلى الأعم والأخص المطلق ، فتخصّص الأدلة المانعة بأدلة الصحة ، وتكون النتيجة بعد التخصيص صحة عقد الفضولي مع إجازة المالك ، فلا يثبت مدّعى القائلين ببطلان عقد الفضولي وهو بطلانه.

وثانيا : انّ مقتضى القاعدة في تعارض العامّين من وجه هو التساقط ، والرجوع إلى عمومات الصحة.

٤٩٩

الصحة في حقه (١) لا في حقّ المالك.

مع (٢) أنّ العموم لو سلّم وجب تخصيصه بما دلّ على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

وأمّا الروايتان (٣) فدلالتهما على ما حملنا عليه

______________________________________________________

النبويّ الآخر على فساد بيع الفضولي.

(١) بمعنى الإرشاد إلى عدم ترتب التمليك الحقيقي على التمليك الإنشائي الصادر من الفضولي للعاقد الفضولي ، لا مطلقا حتى للمالك مع الإجازة ، وعدم وقوعه للعاقد الفضولي يستفاد من قوله : «الا فيما يملك» إذ معناه «لا بيع إلّا لمن يملك» ، فالبيع يقع لمن يملك ، ولا يقع لمن لا يملك كالفضولي ، فإذا أجاز المالك وقع البيع له ، لصدق وقوع البيع ممّن يملك عليه بعد الإجازة.

(٢) هذا جواب ثان عن النبوي الثاني ، ومحصّله : أنّه ـ على فرض تسليم عمومه لبيع الفضولي لنفسه وللمالك ـ لا بدّ من تخصيصه بما دلّ من الروايات على وقوع البيع للمالك إذا أجاز. والمراد بتلك الروايات هو الروايات الخاصّة الدالة على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

(٣) وهما روايتا يحيى وخالد الآتيتان في بيع الفضولي لنفسه ، لا التوقيعان كما قيل. وقد ناقش المصنف قدس‌سره في الاستدلال بهما بمنع الدلالة ، وأنّهما في مقام النهي عن بيع ما ليس مملوكا للبائع بأن يقع البيع لنفسه ، ثم يمضي ويشتري المتاع من مالكه. وهذا النهي لا ينافي ما تقدم في الخدشة في النبوي من الحكم بصحة بيع الفضولي للمالك بإجازته.

بل ادّعى المصنف قدس‌سره أنّ روايتي يحيى وخالد أوضح دلالة على النهي عن بيع الفضولي لنفسه ما ليس مملوكا له ، ولا حاجة إلى حملهما على هذا المعنى كما حملنا النبويّين المتقدمين على النهي عن بيع ما ليس عنده.

٥٠٠