هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

لكن (١) أشرنا سابقا (٢) إجمالا إلى أنّ تطبيق هذا (٣) على القواعد مشكل ، لأنّه (٤)

______________________________________________________

(١) هذا إشكال المصنف على العلّامة قدس‌سرهما في وقوع الشراء للعاقد الفضولي إذا ردّه الغير.

(٢) أشار إليه في (ص ٥٧٤) بقوله : «ولكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير .. فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه» فراجع.

(٣) يعني : هذا الشراء ، بناء على ما استظهره المصنف قدس‌سره من عبارة التذكرة من جعل الفضولي الثمن في ذمة نفسه ، لا ذمّة من اشترى له ، فإنّ إشكاله مبني على هذا الاستظهار ، لقوله : «إذا جعل المال في ذمته .. إلخ».

(٤) أي : لأنّ المشتري العاقد ، وتوضيح الاشكال على صحة هذا الشراء للفضولي العاقد هو : أنّ العاقد إمّا أن يجعل المال في ذمة نفسه بالأصالة أي بقصد إخراج المال من ملك نفسه واقعا وبدون قصد النيابة عن الغير ، وإما أن يجعل المال في ذمة نفسه بانيا على كونه نائبا عن ذلك الغير بأن يأخذ بدله من غيره.

فعلى الأوّل إمّا أن يلتزم بالبطلان واقعا ، وإمّا بوقوعه للمباشر ظاهرا لا واقعا. بيانه : أنه مع جعل المال في ذمة نفسه بالأصالة لو رجّحنا قصده ونيّته من وقوع العقد لذلك الغير مع خروج العوض من ملك هذا العاقد كان باطلا واقعا ، لما تكرّر من تقوم المعاوضة بالمبادلة بين المالين في إضافة الملكية ، فلا يعقل وقوع البيع لذلك الغير المنوي وخروج الثمن من العاقد. ولو رجّحنا وقوع العقد لنفس العاقد لترجيح وقوعه في ذمة نفسه على وقوعه لذلك الغير حكمنا بصحته للمباشر ، ولا وجه لوقوعه لذلك الغير.

وعلى الثاني ـ وهو قصد جعل الثمن في ذمة نفسه نيابة ووكالة عن الغير المنوي ـ يشكل وقوع العقد لذلك الغير من وجهين سيأتي بيانهما.

٦٤١

إذا جعل المال في ذمته بالأصالة ، فيكون (١) ما في ذمته كعين ماله ، فيكون كما لو باع عين ماله لغيره.

والأوفق بالقواعد في مثل هذا (٢) إمّا البطلان لو عمل بالنية (٣) بناء (٤) على أنّه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير في ملك غيره قهرا. وإمّا (٥)

______________________________________________________

(١) جواب الشرط في قوله : «إذا جعل» أي : كان ما في ذمته ـ في صورة الأصالة ـ كعين ماله الخارجي ، فيكون وزان هذا الشراء ـ في عدم الصحة ـ وزان بيع عين ماله لغيره ، فإنّ كليهما محكوم بالبطلان.

(٢) أي : في مثل هذا الشراء الذي جعل الفضولي ثمن الشراء في ذمة نفسه ، ومحصل ما أفاده هو : أنّ الأوفق بالقواعد في هذا الشراء : إمّا البطلان مع رعاية العمل بنية الشراء للغير ، بناء على ما اختاره المصنف في معنى المعاوضة من عدم تعقل دخول المبيع ـ الذي هو عوض الثمن الذي يدفعه الفضولي إلى البائع ـ في ملك من عقد له الشراء.

وإمّا الصحة للفضولي مع إلغاء نية الشراء للغير ، لانصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا كما هو مقتضى المعاوضة وإن نوى خلافه.

(٣) أي : نية الشراء للغير.

(٤) تعليل للعمل بالنية ، يعني : أنّ العمل بنية الشراء إنّما هو لأجل معنى المعاوضة الذي مرّ مرارا ، فإنّه يقتضي انتقال المبيع إلى الفضولي المعطي للثمن ، لا انتقاله إلى من وقع الشراء له فضولا.

(٥) معطوف على قوله : «إمّا البطلان» وهذا هو الشق الثاني ، وحاصله : أنّ صحة هذا الشراء ووقوعه لنفس العاقد الفضولي مبنيّة على إلغاء نيّة الشراء للغير ، لأجل انصراف المعاملة إلى مالك العين ـ وهي الثمن ـ قهرا ، بحيث يكون هذا الانصراف ملغيا لتلك النية التي هي على خلاف مقتضى الانصراف ، وبعد إلغاء نية

٦٤٢

صحته ووقوعه لنفسه (١) لو ألغيت النية (٢) ، بناء (٣) على انصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا ، وإن نوى خلافه.

وإن جعل (٤) المال في ذمته لا من حيث الأصالة ، بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا ، ففيه (٥) مع [فمع] الإشكال في صحة هذا (٦) ـ لو لم يرجع (٧) إلى الشراء في ذمة الغير ـ

______________________________________________________

الشراء لهذا الانصراف يصحّ الشراء للفضولي.

(١) أي : لنفس الفضولي.

(٢) أي : نية الشراء للغير. وقوله : «لو ألغيت» قيد ل «صحته».

(٣) تعليل لإلغاء النية ، وقد مرّ بيانه آنفا بقولنا : «لأجل انصراف المعاملة إلى مالك العين».

(٤) معطوف على «إذا جعل المال في ذمته» توضيحه : أنّه إذا جعل الفضولي الثمن في ذمته ـ لا من جهة الأصالة ، بل من جهة النيابة عن الغير فضولا ـ اتّجه عليه إشكالان ، أحدهما : ابتناؤه على جريان الفضولي في الوكالة ، وجريانه فيها مشكل ، إذ الوكالة عبارة عن الاستنابة في التصرف ، والفضولي عبارة عن المباشرة في التصرف من عند نفسه. نعم لو جعل نفسه نائبا عن الغير وأجازه المنوب عنه قبل إيجاد العمل الذي يريد النيابة فيه حصلت الوكالة قبل مباشرة العمل بسبب الإجازة ، حيث إنّ الوكالة من العقود الجائزة التي تتحقق بكل لفظ يؤدّي الاستنابة ، وبتحقق الوكالة لا معنى للفضولية حينئذ.

(٥) جواب الشرط في قوله «وإن جعل».

(٦) أي : جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا.

(٧) إذ مع رجوع جعل نفسه نائبا عن الغير إلى الشراء في ذمة الغير ـ بدون النيابة عنه ـ لا يرد عليه إشكال جريان الفضولي في الوكالة ، وإن ورد عليه إشكال

٦٤٣

أنّ (١) اللازم من هذا أنّ الغير إذا ردّ هذه المعاملة وهذه النيابة تقع فاسدة من أصلها ، لا أنّها تقع للمباشر.

نعم (٢) إذا عجز المباشر من إثبات ذلك (٣) على البائع لزمه ذلك (٤) في ظاهر الشريعة كما ذكرنا سابقا (٥) ، ونصّ عليه (٦) جماعة (٧) في باب التوكيل.

______________________________________________________

الشراء في ذمة الغير ، وهو خروجه عن حقيقة المعاوضة. فليس مراده بقوله : «لو لم يرجع .. إلخ» أنه مع رجوعه إليه يخلو عن الإشكال.

(١) هذا هو الإشكال الثاني على تقدير النيابة عن الغير ، ومحصل الاشكال : أنّه بناء على جعل المال في ذمة الفضولي نيابة عن الغير ـ لا أصالة عن نفسه ـ يلزم الالتزام بفساد هذه المعاملة إذا ردّها الغير أي المنوب عنه ، لأنّ المفروض إنشاء الشراء له ، فإذا ردّه بطل من أصله ، لا أنّه يقع للمباشر.

(٢) استدراك على قوله : «لا أنّها تقع للمباشر» يعني : أنّ المعاملة تقع للمباشر في صورة واحدة ، وهي : ما إذا عجز العاقد المباشر عن إثبات جعل المال في ذمته نيابة عن الغير ـ لا أصالة عن نفسه ـ لزمه الشراء حينئذ ، وحكم بكون الشراء له ظاهرا ، لا عن ذلك الغير.

(٣) أي : إثبات جعل المال في ذمته نيابة عن الغير ، لا أصالة عن نفسه.

(٤) أي : وقوع الشراء له ظاهرا لا واقعا ، لعدم طريق إلى إثباته واقعا.

(٥) حيث تقدم قوله في (ص ٦٢٢) : «ان الطرف الآخر لو لم يصدقه على هذا القصد وحلف على نفي العلم حكم له على الفضولي ، لوقوع العقد له ظاهرا».

(٦) أي : على وقوع الشراء للمباشر ظاهرا.

(٧) كالمحقق وفخر المحققين والمحقق الكركي والسيوري والشهيد الثاني قدس‌سرهم.

قال في الشرائع : «الرابعة : إذا اشترى إنسان سلعة وادّعى أنه وكيل لإنسان ، فأنكر ، كان القول قوله مع يمينه ، ويقضى على المشتري بالثمن سواء اشترى بعين أم في ذمة.

٦٤٤

وكيف كان (١) فوقوع (٢) المعاملة في الواقع مردّدة بين المباشر والمنوي دون التزامه خرط القتاد.

ويمكن تنزيل العبارة (٣) على الوقوع للمباشر ظاهرا ، لكنّه بعيد (٤).

______________________________________________________

إلّا أن يكون ذكر أنّه يبتاع له في حالة العقد» (١).

(١) يعني : سواء جعل الثمن في ذمة الفضولي أصالة أم نيابة تكون المعاملة باطلة رأسا ، أو صحيحة للفضولي ، ولا تكون مردّدة بين الفضولي المباشر للعقد ومن عقد له الشراء ، فلا وجه لقول العلّامة بوقوع العقد مردّدا بين المباشر والمنوي.

(٢) مبتدء ، و «مرددة» حال من المعاملة ، و «خرط» مبتدء ثان ، و «دون» خبره. وهذه الجملة خبر «وقوع» يعني : فوقوع المعاملة حال كونها مرددة بين المباشر والمنوي خرط القتاد يكون أخفّ من الالتزام بوقوعها كذلك ، فإنّ هذا الالتزام أصعب وأشد إشكالا من خرط القتاد.

(٣) أي : عبارة العلّامة في التذكرة ، وهي «وإن ردّ نفذ عن المباشر».

(٤) يعني : لكن حمل العبارة المذكورة على الوقوع للمباشر ظاهرا بعيد. وجه بعده هو : أنّ تعليل العلّامة قدس‌سره وقوع العقد للمباشر الفضولي بقوله : «لأنه تصرّف في ذمته» يقتضي وقوعه له واقعا ، إذ المناسب لوقوع العقد للمباشر ظاهرا تعليله بقوله : «لأنّ العقد وقع له بمقتضى إطلاقه» فإن المناسب للوقوع الظاهري هو الإطلاق الدال على ثبوت شي‌ء ظاهرا.

هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل من الأمرين المذكورين في التتمة.

__________________

(١) الشرائع ، ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، وقد تقدم تخريج أقوال الآخرين في ص ٦٢٢ ، فراجع.

٦٤٥

الثاني (١) : الظاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا

______________________________________________________

الأمر الثاني : جريان بيع الفضولي في المعاطاة

(١) هذا هو ثاني الأمرين اللّذين قال الشيخ قدس‌سره في (ص ٦١٥) : «بقي هنا أمران» والغرض من عقده التنبيه على أمر آخر ممّا يتعلّق ببيع الفضولي ، وهو : أنّ محلّ النزاع في صحة بيع الفضولي هل يختص بالعقد اللفظي ، فلا تجدي إجازة المالك لو باع الفضولي بالمعاطاة ، أم يعمّ كلا القسمين؟

يظهر من صاحب المقابس الاختصاص ، وبطلان بيعه معاطاة ، قال قدس‌سره : «تذنيب : فليعلم أنّ ما سبق كلّه فيما إذا باع أو اشترى الفضولي بالصيغة. فأمّا لو باع أو اشترى بطريق المعاطاة فإنّه يلغو ويفسد من أصله ، ولا يقف على الإجازة على الأقرب ، للأصل .. إلخ» (١). ويظهر من استدلاله الآتي في المتن عدم الفرق بين القول بالملك والإباحة. وإن مال في آخر كلامه إلى جواز التصرف في مال المالك لو علم برضاه به.

ويظهر من السيد المجاهد قدس‌سره العموم ، لقوله في ثالث تنبيهات المسألة : «لا فرق في بيع الفضولي بين أن يكون معاطاة أو لا ، فلا يشترط في صحة بيع الفضولي عدم المعاطاة» (٢) ولعلّ هذا مبني على مختاره من ترتب الملك على المعاطاة ، لا الإباحة.

ويظهر من المصنف قدس‌سره التفصيل بين إفادة المعاطاة للملك فتجري الفضولية فيها ، وللإباحة فلا تجري فيها. كما نبّه عليه في آخر التنبيه.

ومحصّل ما أفاده قدس‌سره ـ بناء على ما هو الحق من كون المعاطاة بيعا كالعقد مفيدة للملك ـ هو عدم الفرق فيما تقدّم من أقسام بيع الفضولي بيع البيع العقدي والمعاطاتي إذا وقعت على نحو الفضولي ، فإنّ المعاطاة حينئذ تكون من مصاديق البيع العرفي ، ويجري عليها ما يجري على البيع اللفظي من الأحكام ، من دون فرق بينهما إلّا في الإنشاء ، حيث إنّ الإنشاء في المعاطاة يكون بالفعل ، وفي البيع بالصيغة يكون

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤١ و ٤٢.

(٢) المناهل ، ص ٢٨٩.

٦٤٦

من أقسام بيع الفضولي (١) بيع البيع العقدي والمعاطاة (*) بناء (٢) على إفادتها

______________________________________________________

بالقول. وهذا ليس بفارق بينهما في الأحكام بعد صدق البيع العرفي على كليهما بوزان واحد.

نعم بناء على كون الفضولي على خلاف القاعدة ، واختصاص دليله بالبيع اللفظي ـ ظهورا أو تيقنا ـ لا يجري الفضولي في المعاطاة ، للزوم الاقتصار على مورده ، إذ مع الشك في شمول دليله للبيع المعاطاتي لا يجوز التمسك به.

(١) من البيع لنفسه أو للمالك مع النهي وعدمه.

(٢) قيد لقوله : «لا فرق» يعني : أنّ جريان الفضولي في المعاطاة مبني على إفادتها الملك ، لا إفادتها الإباحة ، ولا إفادة التصرف أو التلف للملكية.

والحاصل : أنّ الفضولي الجاري في البيع اللفظي يجري في المعاطاة إذا كانت بيعا حتى تفيد بنفسها الملكية كالبيع بالصيغة ، إذ لو كانت الملكية مترتبة على التصرف أو التلف لخرجت المعاطاة عن السببية للملكية وعن حريم البيع ، مع أنّ جريان الفضولي في المعاطاة مبني على كونها بيعا مفيدا للملكية.

__________________

(*) ينبغي التكلم في مقامين ، الأوّل : في جريان الفضولي في المعاطاة وعدمه ، بناء على كونها بيعا مفيدا للملك.

الثاني : في جريان الفضولي وعدمه في المعاطاة بناء على إفادتها للإباحة.

أمّا المقام الأوّل فمجمل الكلام فيه : أنّه ينبغي التكلم في جهتين : إحداهما : كون المعاطاة بيعا مفيدا للملكية حال حدوثها.

وثانيتهما : إفادتها للملكية بقاء أي : حين التصرف أو تلف العينين أو إحداهما.

أمّا الجهة الأولى فهي : أنّه إذا كان كل من الفضولي والمعاطاة على طبق القاعدة فلا ينبغي الإشكال في جريان الفضولي في المعاطاة ، إذ المفروض كونها بيعا كالبيع بالصيغة ، فيشملها العمومات الدالة على صحة البيع بأقسامه ، فيجري على البيع المعاطاتي من الأحكام ما يجري على البيع القولي.

٦٤٧

للملك ، إذ لا فارق بينها (١) وبين العقد ، فإنّ (٢) التقابض بين الفضوليين أو فضولي وأصيل إذا وقع بنيّة التمليك والتملك ، فأجازه المالك ، فلا مانع من وقوع المجاز من حينه (٣) أو من حين الإجازة. فعموم (٤) مثل قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) شامل له.

______________________________________________________

(١) أي : بين المعاطاة.

(٢) هذا تصوير المعاطاة الجارية بين الفضوليين وهما البائع والمشتري ، أو بين فضولي ـ كالبائع لمال الغير فضولا ـ وأصلي كالمشتري لنفسه ، أو العكس ، فإنّه إذا وقعت المعاطاة بنية التمليك والتملك كانت بيعا مملّكا كالبيع القولي ، فإذا أجازها المالك فلا مانع من نفوذها.

(٣) أي : من حين التقابض ، وهذا الترديد إشارة إلى الخلاف في كاشفية الإجازة وناقليتها.

(٤) هذا متفرع على كون المعاطاة الفضولية بيعا مجازا ، ضرورة أنّه بعد فرض مصداقيتها للبيع الجامع للشرائط ـ التي منها رضا المالك وإجازته ـ يشملها عموم ما دلّ على صحة البيع مثل «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

__________________

وإذا كان الفضولي على خلاف القاعدة ، وأنّه مختص بالنكاح والبيع اللفظي فلا يجري إلّا في موارد دلّ الدليل على جريانه فيها ، ولا يتعدّى إلى غيرها.

وكذا إذا كانت المعاطاة على خلاف القاعدة فضلا عما إذا كان كلاهما على خلافها. فجريان الفضولية في المعاطاة منحصر فيما إذا كان كلاهما على طبق القاعدة.

والمناقشة في جريانه في المعاطاة في هذه الصورة «بأنّ الإقباض الموجب لحصول الملك حرام ، لكونه تصرفا في مال الغير ، فلا يترتب عليه الأثر وهو النقل والانتقال» في غير محلها ، لما في المتن من الوجوه الدافعة لها ، وقد أوضحناها في التوضيح.

٦٤٨

ويؤيّده (١) رواية عروة البارقي (١) ، حيث إنّ الظاهر (٢) وقوع المعاملة بالمعاطاة.

وتوهم الاشكال (٣) فيه من حيث (٤) «إنّ الإقباض الذي يحصل به التمليك

______________________________________________________

(١) لم يجعل الرواية دليلا وجعلها مؤيّدة ، لأنّ ظهور وقوع المعاملة بالمعاطاة ناش عن الغلبة والسيرة الجارية بين الناس خصوصا في المحقّرات ، وليس من الظهور اللفظي الذي هو حجّة عند أبناء المحاورة ومتّبع شرعا ، لعدم الردع عنه.

(٢) قد عرفت أنّ منشأ هذا الظهور هو الغلبة. وإنكار هذا الظهور خلاف الانصاف.

(٣) هذا إشكال على عدم الفرق بين أقسام البيع الفضولي ـ في وقوعه بالصيغة أو بالمعاطاة ـ بأنّ عدم الفرق في غير محله. ومحصل الاشكال : أنّ الإعطاء الذي يحصل به التمليك حرام ، لكونه تصرفا في مال الغير بدون إذنه ، فلا يترتب عليه الأثر وهو النقل والانتقال ، فلا يقع البيع الفضولي في المعاطاة.

(٤) هذا بيان لوجه الاشكال وحيثيته.

__________________

وإن كان الوجه الأخير منها وهو قوله : «مع أنّه لو دلّ لدل على عدم ترتب الأثر المقصود .. إلخ» غير ظاهر.

إذ فيه : أنّ النهي الدال على فساد متعلقة لا يرفع إلّا الأثر الذي كان ثابتا له لو لا النهي. ومن المعلوم أنّ الأثر المترتب على الإقباض لو لا النهي عنه هو كونه جزء السبب المؤثّر في الملكية أو الإباحة المركّب منه ومن رضا المالك ، ولم يكن للإقباض قبل تعلق النهي به أثر آخر حتى يقال ببقائه وعدم منافاته للنهي.

وبالجملة : فقوله قدس‌سره : «وهو استقلال الإقباض في السببية .. إلخ» لم يظهر له معنى ،

__________________

(١) تقدّم مصدرها في ص ٣٨١ ، فراجع.

٦٤٩

محرّم ، لكونه (١) تصرفا في مال الغير ، فلا يترتب عليه أثر» في غير محله (٢) ، إذ (٣) قد لا يحتاج إلى إقباض مال الغير ، كما لو اشترى الفضولي لغيره في الذمة.

______________________________________________________

(١) تعليل لحرمته ، إذ «لا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه» ومع حرمته لا يصلح شرعا لأن يتسبب به إلى النقل والانتقال.

(٢) خبر «وتوهم» ودفع له ، وقد دفعه بوجوه أربعة سيأتي بيانها.

(٣) هذا أوّل الوجوه الدافعة للإشكال ، ومرجع هذا الوجه إلى الأخصية من المدّعى ، ومحصله : أنّه قد لا تحتاج المعاطاة إلى إقباض مال الغير حتى يقال بحرمته المانعة عن التأثير في الملكية ، بناء على كفاية العطاء من طرف واحد في تحقق المعاطاة. كما إذا اشترى الفضولي متاعا بثمن ـ كدينار ـ في ذمته لزيد مثلا ، فإنّه لا يحتاج الفضولي في هذا الشراء إلى إقباض مال زيد حتى يقال : إنّه تصرف محرّم في مال الغير ، فلا يؤثّر في الملكية. هذا ما قيل.

__________________

إذ لم يكن الاستقلال ثابتا له قبل النهي حتى يقال بارتفاعه ، وعدم منافاة النهي لبقاء جزئية الإقباض للسبب المؤثّر في الملكية أو الإباحة.

والحاصل : أنّه لم يكن للإقباض أثر قبل النهي إلّا كونه جزء السبب للملكية أو الإباحة ، وهو قد ارتفع ، ولم يكن الثابت للإقباض قبل النهي الاستقلال في السببية حتى يقال : إنّ ارتفاعه بالنهي لا ينافي الجزئية.

مضافا إلى : أنّه لو كان الثابت للإقباض قبل النهي هو الاستقلال فأيّ دليل أثبت الجزئية بعد ارتفاع الاستقلال. فالوجه الرابع من الوجوه الدافعة للإشكال المذكورة في المتن مما لم يظهر له وجه وجيه.

وأمّا الجهة الثانية ـ وهي ترتب الملكية على المعاطاة بقاء لا حدوثا ـ فحاصل الكلام فيها : أنّه إن كان حصول الملك بالتصرف أو التلف لأجل اشتراط الملكية

٦٥٠

مع (١) أنّه قد يقع الإقباض مقرونا برضا المالك بناء على ظاهر كلامهم من : أنّ العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي.

______________________________________________________

لكن الظاهر أنّ المراد بقوله : «في الذمة» ذمة من اشترى له الفضولي في مقابل ماله الخارجي الذي يعطيه الفضولي إلى بائع المتاع. ففي هذه الصورة لا إقباض لمال الغير حتى يكون حراما غير قابل للتأثير في الملكية.

ثم إنّ هذا الوجه من الجواب والوجه الآتي ذكرهما صاحب المقابس في «إن قلت» فلاحظ قوله : «وربما يثق برضا المالك بذلك ـ أي بالقبض من الفضولي ـ فيكون إقباضه سائغا. وقد يكون أحد الطرفين مالكا فيجوز له إقباض ماله للفضولي وقابضا للعوض الآخر بإذن المالك ، أو حقّا ثابتا في ذمته قبل المعاطاة ، فيستغني عن إقباض الفضولي ..» (١) ثم أجاب عن هذين الوجهين في «قلت» فراجع.

(١) هذا ثاني الوجوه الدافعة للإشكال ، ومحصله : أنّه يمكن عدم حرمة الإقباض ، كما إذا كان مقرونا بالرضا من المالك ـ بناء على عدم خروج المعاملة

__________________

المعاطاتية شرعا بأحد هذين الأمرين ، بمعنى كون المعاطاة مقتضية للملك بشرط التصرف أو التلف ، كاشتراط تأثير بعض العقود بالقبض كالصرف والسلم والهبة ، فإنّها مقتضية للملكية بشرط القبض ، جرت الفضولية في المعاطاة كجريانها في العقود المشروطة بالقبض كالصرف ونحوه ، حيث إنّ الإجازة تتعلّق بما له اقتضاء التأثير في الملكية. والمعاطاة أيضا تقتضي الملكية مع حصول شرطها وهو التصرف أو التلف.

وإن كان حصول الملكية بنفس التصرف أو التلف ـ من دون اقتضاء المعاطاة للملكية ـ لا تجري فيه الفضولية ، إذ ليس هنا سبب ومقتض يؤثّر في الملكية حتى تنفّذه

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤١.

٦٥١

مع (١) أنّ النهي لا يدلّ على الفساد.

______________________________________________________

المقرونة بالعلم برضا المالك عن معاملة الفضولي ، فلا يكون الإقباض حينئذ حراما حتى لا يؤثّر في النقل والانتقال.

ومرجع هذا الوجه الثاني إلى الأخصية أيضا ، إذ المدّعى هو حرمة الإقباض في جميع الموارد ، والمفروض أنّه ليس كذلك ، لعدم حرمته مع فرض رضا المالك في بعض الموارد. هذا.

وأمّا تخيل الإذن من المالك في التصرف أو تخيل أنّه ماله ـ كما في حاشية السيد قدس‌سره (١) ـ فليس من موارد عدم حرمة الإقباض حتى لا يكون فاسدا ، بل من موارد عدم تنجز الحرمة ، وهو لا يرفع الفساد المترتب على الحرمة الواقعية.

(١) هذا ثالث الوجه الدافعة للإشكال ، وحاصله : أنّه لو سلّمنا دلالة النهي عن الإقباض على الحرمة ، لكن لا نسلّم دلالته على فساد البيع ، إذ لم يتعلق النهي بالإقباض من حيث إنّه بيع ، بل تعلّق به من حيث كونه تصرفا في مال الغير.

__________________

الإجازة.

وبعبارة أخرى : ليس في البين إنشاء وتسبيب قولي أو فعلي يتوقف تأثيره على الإجازة حتى يكون موردا للإجازة ، إذ المفروض عدم اقتضاء المعاطاة للتأثير في الملكية ، وكون الملكية مترتبة على نفس التصرف والتلف اللّذين هما فعلان خارجيان لم ينشئ المالك ملكية المال بهما ، بل حكم شرعا بملكيته بنفس التصرف أو التلف.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو كون المعاطاة مفيدة للإباحة ـ فالظاهر عدم جريان الفضولية فيها مطلقا سواء أكانت الإباحة شرعية أم مالكية ، إذ لا يتصوّر شي‌ء منهما قبل

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٤٧.

٦٥٢

مع (١) أنّه لو دلّ لدلّ على عدم ترتب الأثر المقصود ، وهو استقلال

______________________________________________________

(١) أي : مع أنّ النهي ، وهذا رابع الوجوه الدافعة للإشكال ، ومحصله : أنّه بعد تسليم تعلق النهي بالإقباض من حيث كونه بيعا حتى يدل على الفساد ـ لا من حيث إنه تصرف في مال الغير ـ نقول : إنّه يراد من الفساد عدم ترتب الأثر المقصود من الإقباض وهو النقل والانتقال الخارجي ، بأن يكون الإقباض سببا مستقلّا لحصول ذلك الأثر في الخارج. فالمراد بالفساد عدم استقلال الإقباض في التأثير ، وأنّه جزء السبب لتحقق الأثر في الخارج ، وجزؤه الآخر هو الرضا والإجازة.

__________________

الإجازة حتى يصح النزاع في ناقلية الإجازة وكاشفيتها.

توضيحه : أنّ الإباحة الشرعية مترتبة على المعاطاة مع تراضي المالكين ، فقبل التراضي لا يتمّ موضوع الإباحة الشرعية ، فإذا تراضيا حدثت الإباحة ، ولم يكن قبل التراضي إباحة ، بل بنفس الإجازة حصلت الإباحة ، لا أنّها كانت موجودة والإجازة كشفت عنها.

وكذا الإباحة المالكية ، فإنّها منوطة بالتراضي والتسليط الخارجي المالكي ، وليست هذه الإباحة ناشئة عن إنشاء الفضولي ، بل موضوعها هو التسليط الخارجي المالكي عن الرضا.

إلّا أن يقال : إنّ التسليط قابل للنيابة والتصدي عن الغير ، فإذا رضي المالك بإعطاء الفضولي وتسليطه كان ذلك إجازة موجبة لصحة معاطاة الفضولي.

إلّا أن يدفع ذلك بأنّ رضاه بالإعطاء ليس هو إمضاء لمعاطاة الفضولي وإجازة لها حتى يكون ذلك إجازة لعقد الفضولي ، بل هو رضا بتصرف قابض المال في ماله.

ولو لم يكن أخذه للمال بعنوان المعاطاة بل بأيّ عنوان وصل إليه ولو غصبا ، وليس لعقد الفضولي المعاطاتي دخل في إباحة التصرف.

٦٥٣

الإقباض في السببية ، فلا ينافي كونه (١) جزء السبب.

وربّما يستدلّ على ذلك (٢)

______________________________________________________

(١) يعني : فلا ينافي نفي استقلال الإقباض في السببية كون الإقباض جزء السبب المؤثر في النقل والانتقال كما مرّ آنفا.

(٢) أي : على بطلان الفضولي في المعاطاة ، والمستدل هو المحقق صاحب المقابس قدس‌سره.

وقد استدل على مدّعاه بوجوه ، منها الأصل ، ومنها : عدم اندراج المعاطاة المفيدة للإباحة في الأدلة المتكفلة لأحكام البيع ، لعدم كونها بيعا عند المشهور.

ومنها : الوجهان المذكوران في المتن ، قال قدس‌سره : «ويدلّ على ذلك أي ـ فساد

__________________

فالمتحصل : أنّ المعاطاة بناء على إفادتها للإباحة لا تقبل الفضولية ، لعدم تطرق الإجازة القابلة لنزاع الكشف والنقل فيها في المعاطاة المفيدة للإباحة.

نعم لا بأس بالإجازة الناقلة.

فتلخص ممّا ذكرناه وما لم نذكره أمور :

الأوّل : جريان الفضولية في المعاطاة إذا كانت بيعا ، سواء ترتبت الملكية عليها بنفسها أو بشرط التصرف أو التلف.

الثاني : عدم جريان الفضولية في المعاطاة إذا ترتبت الملكية على نفس التصرف أو التلف مع الغض عن المعاطاة.

الثالث : عدم جريان الفضولية في المعاطاة المترتبة عليها الإباحة شرعا مع قصد المتعاطيين التمليك ، لكون الإباحة خلاف قاعدة تبعية العقود للقصود ، فيقتصر على معاطاة خصوص المالكين.

الرابع : جريان الفضولية في المعاطاة المقصود بها الإباحة مع كون الإجازة ناقلة.

٦٥٤

بأنّ (١) المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك ، وهما من وظائف المالك ، ولا يتصور صدورهما من غيره (٢) ، ولذا (٣) ذكر الشهيد الثاني

______________________________________________________

المعاطاة الفضولية ـ أيضا : أن المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك للمعيّن أو المقدّر في الذمة ـ بناء على جوازه ـ وهما من وظائف المالك ، ولا يتصور صدورهما من غيره. ومشروطة أيضا بتحقق الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين ..» (١).

توضيح الوجه الأوّل : أنّ ما يعتبر في المعاطاة من التراضي وقصد الإباحة والتمليك متقوّم بالمالك ، ولا عبرة بهما إذا صدرا عن غير المالك كالفضولي. وعليه فلا تجري الفضولية في المعاطاة.

وتوضيح الوجه الثاني : إنّ المعاطاة مشروطة بالقبض والإقباض من الطرفين أو من أحدهما ، مع كونهما مقارنين للإباحة أو التمليك. ولا يؤثّر القبض والإقباض إلّا إذا صدرا من المالك الأصيل أو باذنه ، ومن المعلوم أنّ الفضولي ليس بمالك ولا مأذون منه ، فلا أثر للقبض والإقباض الصادرين من الفضولي. هذا.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدم تقريبه بقولنا : «ان ما يعتبر في المعاطاة من ..» إلخ.

(٢) أي : غير المالك. وضميرا «هما ، صدورهما» راجعان إلى التراضي وقصد الإباحة أو التمليك.

(٣) أي : ولأجل كون التراضي وقصد الإباحة أو التمليك من وظائف المالك ـ وأنّه لا يتصور صدورهما من غير المالك وهو العاقد الفضولي ـ ذكر الشهيد الثاني .. إلخ.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤١.

٦٥٥

«أنّ المكره والفضولي قاصدان للّفظ دون المدلول» وذكر (١) أنّ قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك. ومشروطة (٢) (*) أيضا (٣) بالقبض والإقباض من

______________________________________________________

(١) أي : وذكر الشهيد الثاني قدس‌سره في عقد الفضولي : «ولا يتحقق منه قصد مدلوله ـ أعني نقل الملك ـ لأنّ ذلك من وظائف المالك» (١).

ولا يخفى أنّ الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني وإن كان مذكورا في المقابس ، لكنّه ليس في تقرير الوجهين المتقدمين ، بل في جواب إشكال أورده على نفسه ، فراجع.

(٢) بالرفع معطوف على قوله : «منوطة» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الاستدلال. وقد تقدم بقولنا «ان المعاطاة مشروطة بالقبض والإقباض .. إلخ».

(٣) يعني : كما أنّ المعاطاة مشروطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك ، كذلك

__________________

(*) لا يخفى أنّه جعل بعض كلام صاحب المقابس دليلين على بطلان الفضولي في المعاطاة كما قرّرناه في التوضيح.

ولكن الظاهر خلافه ، وأنّه دليل واحد ، إذ المستفاد من مجموع ما حكاه عنه المصنف : أنّ المعاطاة هي التراضي وقصد الإباحة والتمليك ، والقبض المقرون بالرضا ، ومن المعلوم أنّه لا يتأتّى إلّا من المالك ، فإن قوله : «منوطة .. ومشروطة» مبيّن للمعاطاة ، فليست المعاطاة عند صاحب المقابس مجرّد التراضي.

فجوابه حينئذ منحصر في منع اعتبار مقارنة القبض والإقباض للرضا ، بل اعتبار الرضا في المعاطاة كاعتباره في البيع القولي ، ومن المعلوم عدم اعتبار مقارنة البيع القولي لرضا المالك. فجريان الفضولية في المعاطاة مما لا محذور فيه.

ثم لا يخفى أن الوجهين المزبورين دليلان على بطلان الفضولي مطلقا وفي جميع الموارد. فلعلّ ذكرهما هنا غير مناسب ، لأنّهما أجنبيان عن مورد البحث ، إذ مفروض كلامنا هو جريان الفضولي وعدمه في المعاطاة بعد الفراغ عن جريانه في غير المعاطاة.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٦.

٦٥٦

الطرفين أو من أحدهما مقارنا (١) للأمرين ، ولا أثر لهما (٢) إلّا إذا صدرا من المالك أو بإذنه.

وفيه (٣) : أنّ (*) اعتبار الإقباض والقبض في المعاطاة عند من اعتبره

______________________________________________________

مشروطة بالقبض والإقباض من الطرفين أو من أحدهما ، مع كونهما مقارنين للتراضي وقصد الإباحة أو التمليك.

(١) حال للقبض والإقباض ، أي : حال كونهما مقارنين للتراضي وقصد الإباحة أو التمليك. والظاهر أنّ الأولى أن يقال : «مقارنين» بصيغة المثنى.

والحاصل : أنّ مقارنة القبض والإقباض للتراضي وللتمليك أو الإباحة معتبرة ، وهذه المقارنة في المعاطاة الفضولية مفقودة ، فلا تجري الفضولية في المعاطاة.

(٢) أي : للقبض والإقباض.

(٣) محصله منع الصغرى ، وهي : كون حقيقة المعاطاة مجرّد تراضي المالكين وقصد التمليك أو الإباحة ، وذلك لأنّ القبض والإقباض آلة للإنشاء كالصيغة التي

__________________

(*) لا يخفى متانة هذا الاستدلال بناء على كون حقيقة المعاطاة مجرّد التراضي من دون اعتبار الإقباض والقبض في تحققها ، ضرورة أنّ التراضي من وظائف المالك. وقد اعترف به المصنف قدس‌سره أيضا بقوله الآتي : «نعم لو قلنا ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض ولو اتفق معها .. إلخ» إلّا أنّه رحمه‌الله منع كون المناط مجرّد التراضي ، والتزم بأنّ المناط في المعاطاة هو الإقباض والقبض اللّذان ينشأ بهما التمليك أو الإباحة.

وعليه فالمعاطاة سبب فعليّ لإنشاء أحدهما كسببية الصيغة للإنشاء في البيع القولي. ووزان اعتبار الرضا في البيع القولي والمعاطاتي وزان واحد ، لوحدة الدليل فيهما. فكما يصح البيع القولي بوقوع الصيغة من غير المالك مع حصول الرضا من المالك وإن لم يكن مقارنا له ، فكذلك يصح البيع الفعلي من غير المالك مع

٦٥٧

فيها (١) إنّما هو لحصول إنشاء التمليك أو الإباحة ،

______________________________________________________

هي سبب قولي للتمليك. وليس الإقباض والقبض كاشفين عن التراضي ، بل هما سبب فعلي للتمليك أو الإباحة. والتراضي المعتبر في المعاطاة يكون على حدّ اعتباره في البيع القولي كما سيأتي.

(١) أي : في المعاطاة ، وضمير «اعتبره» راجع الى الإقباض والقبض ، فالأولى تثنيته. وغرض المصنف من هذه الجملة أن اعتبار التعاطي من الطرفين أو الإعطاء من طرف واحد ليس معتبرا عند كلّ من يقول بإفادة المعاطاة للملك أو الإباحة ، لكفاية وصول العوضين إلى الطرفين عند بعض ، كما تقدم تفصيله في ثاني تنبيهات المعاطاة ، فراجع (١).

__________________

وقوع الرضا من المالك وإن لم يكن مقارنا للإقباض والقبض. فلا تكون المعاطاة مختصة بالمالك حتى لا تقع من غيره.

فتحصل ممّا تقدم أمور :

الأوّل : أنّ ما أفاده صاحب المقابس وجه واحد لعدم جريان الفضولية في المعاطاة ، لا وجهان كما زعمه غير واحد.

الثاني : أنّ المعاطاة سبب فعليّ للتمليك أو الإباحة. والظاهر أنّ صاحب المقابس أيضا ملتزم بذلك ، غاية الأمر أنّه يعتبر مقارنة الرضا للإقباض والقبض.

الثالث : أنّه لا إشكال في عدم اعتبار المقارنة للرضا التي اعتبرها صاحب المقابس ، لعدم الدليل على اعتبارها كذلك. ولو دلّ دليل على اعتبار المقارنة لكان دالّا على اعتبارها في البيع القولي أيضا.

الرابع : جريان الفضولية في البيع المعاطاتي كجريانها في البيع القولي.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٥٤.

٦٥٨

فهو (١) عندهم من الأسباب الفعلية كما صرّح الشهيد قدس‌سره في قواعده (١). والمعاطاة عندهم عقد فعليّ ، ولذا (٢) ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها «أنّ البيع ينعقد بالإيجاب والقبول وبالتعاطي» (٢) وحينئذ (٣) فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه المعنى القائم بنفسه المقصود من قوله : «ملّكتك».

واعتبار (٤) مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي ـ مع اتحاد أدلة اعتبار الرضا وطيب النفس في حلّ مال الغير ـ لا يخلو (٥) عن تحكّم

______________________________________________________

(١) أي : فالإقباض والقبض ، والأولى هنا أيضا تثنية الضمير.

(٢) أي : ولأجل أنّ المعاطاة عند الفقهاء عقد فعليّ يحصل به إنشاء الإباحة أو التمليك ، ذكر بعض .. إلخ.

(٣) أي : وحين القول بعدم دخل القبض والإقباض في مفهوم المعاطاة خارجا حتى يقال بامتناع وقوعه من الفضولي ـ بل هما من أسباب إنشاء الإباحة أو التمليك ـ فلا مانع .. إلخ.

(٤) هذا إشارة إلى دفع الوجه الثاني من وجهي استدلال صاحب المقابس قدس‌سره وهو قوله : «ومشروطة أيضا بالقبض والإقباض .. إلخ».

وحاصل الدفع : أنّ اعتبار مقارنة رضا المالك للإنشاء الفعلي دون القولي ـ مع وحدة أدلة اعتبار الرضا وطيب النفس فيهما ـ تحكّم ، وخال عن الدليل ، بل كلاهما بالنسبة إلى اعتبار مقارنة الرضا على نسق واحد.

(٥) خبر «واعتبار مقارنة» وملخص كلام صاحب المقابس هو : أنه استدلّ أوّلا على عدم جريان الفضولية في المعاطاة بأنّ حقيقة المعاطاة هي التراضي من

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٥٠ ، القاعدة : ١٧ وص ١٧٨ ، القاعدة : ٤٧ ، وتقدّم نصّ كلامه في الجزء الأوّل من هذا الشرح ، ص ٣٤٤.

(٢) راجع الفتاوى الهندية ، ج ٣ ، ص ٢.

٦٥٩

وما ذكره [من] الشهيد الثاني (١) لا يجدي فيما نحن فيه (٢) ، لأنّا (٣) لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد (٤) من القصد الموجود في قوله ، لعدم (٥) الدليل. ولو ثبت (٦) لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي أيضا.

______________________________________________________

المالكين ، وقصد الإباحة أو التمليك من دون اعتبار قبض وإقباض فيها أصلا. ومن المعلوم أنّهما من وظائف المالك ، ولا يعقل صدورهما من الفضولي.

وثانيا : بعد تسليم مدخلية الإقباض والقبض في المعاطاة ، وكونها مشروطة بهما ـ بأنّا لا نسلّم اعتبارهما فيها على الإطلاق ، بل نقول بدخلهما في المعاطاة بشرط المقارنة للتراضي وقصد التمليك أو الإباحة ، فلا أثر للإقباض والقبض إلّا مع صدورهما من المالكين أو بإذنهما.

(١) من قوله : «ان المكره والفضولي قاصدان للفظ دون المدلول».

(٢) وهو وقوع الفضولي في المعاطاة.

(٣) محصل هذا التعليل لعدم إجداء ما ذكره الشهيد قدس‌سره فيما نحن فيه هو : أنّ ما ذكره أمر زائد على مجرّد القصد إلى مدلول اللفظ ، وذلك الأمر الزائد هو الرضا ، فإنّه يعتبر الاقتران بالرضا في كلا المقامين ، ونحن لا نعتبر الاقتران به في البيع اللفظي ، فكيف نعتبره في البيع الفعلي؟ فمراد الشهيد هو نفي الرضا المقارن ، لا نفي قصد المدلول ، ضرورة أنّ المكره قاصد للمدلول وفاقد للرضا ، وليس فاقدا لقصد المدلول لغفلة أو ذهول. فمراده نفي مقارنة الرضا ، وهذا مما لا دليل عليه. فلو دلّ دليل على اعتبار مقارنة الرضا في البيع القولي لثبت في البيع المعاطاتي أيضا ، لوحدة الدليل.

(٤) والمراد بالأزيد هو مقارنة الرضا ، وضمير : «قوله» راجع الى الفضولي.

(٥) هذا تعليل لعدم اعتبار اقتران العقد بالرضا.

(٦) يعني : ولو ثبت دليل على اعتبار الاقتران بالرّضا في العقد الفعلي لثبت منه اعتباره في العقد القولي أيضا من دون فرق بينهما ، لصدق البيع عليهما بوزان واحد.

٦٦٠