هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

ثم إنّه ربما يقال (١) : بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي والمكره ، كما صرّح به في المسالك ، حيث قال : «إنّهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» (١).

______________________________________________________

(١) غرضه أن الشهيد الثاني قدس‌سره جعل الإشكال ـ في صحة عقد الفضولي والمكره ـ عدم القصد إلى مدلول العقد ، أي انتفاء إرادة المدلول جدّا. وذلك أمّا في الفضولي فلعدم تمشّي قصد النقل والانتقال منه ، لعلمه بعدم ملكه لأحد العوضين ، وعدم تأثير عقد غير المالك ، فيمتنع أن يقصد التمليك والمبادلة ، بل يكون تلفظه بالصيغة لقلقة لسان ، كإنشاء الهازل.

وأمّا في المكره فلأنّ الباعث له على الإنشاء توعيد المكره والخوف من التضرّر ، فيلتجئ المكره إلى الإنشاء تخلّصا من عقوبة المكره فهو وإن كان مالكا ، لكن لا يريد المعاملة. وهذا معنى انتفاء القصد إلى مدلول العقد فيه.

هذا وجه ما ذكره الشهيد الثاني قدس‌سره. وفصّل صاحب الجواهر (٢) ـ في بعض كلامه ـ بين الفضولي والمكره ، فذهب إلى انتفاء القصد في المكره ـ لو لا الإجماع على صحة عقده المتعقب بالرضا ـ وتحققه في الفضولي ، فراجع.

وكيف كان فناقش المصنف قدس‌سره في كلام المسالك بتحقق القصد الجدّي في كليهما ، أمّا في الفضول فبأنّ كونه أجنبيّا عن المال لا يمنع تمشّي القصد الجدّي إلى مدلول العقد ، بأن يكون إنشاؤه جزء المؤثّر ، ويتوقّف تمام تأثيره على لحوق إجازة المالك ، هذا بحسب الثبوت ، وأمّا بحسب الإثبات فسيأتي في بحث بيع الفضول إن شاء الله تعالى وفاء الأدلة بصحة عقد الفضول تأهّلا ، وعدم سقوطه عن التأثير رأسا.

وأمّا في المكره فلأنّه قاصد جدّا لمدلول العقد ، والمنتفي في حقّه هو الأمر الرابع أعني به طيب النفس بما ينشئه ، ومن المعلوم أنّ الرّضا بمضمون العقد من عوارض النفس وحالاتها. وهو أجنبي عن القصود الثلاثة المتقدمة.

__________________

(١) مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٦.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٦٧.

١٠١

وفيه : أنّه (١) لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقق مدلوله في صدق (٢) مفهوم العقد.

مضافا إلى ما سيجي‌ء في أدلة الفضولي (٣).

وأمّا معنى ما في المسالك (٤) فسيأتي في اشتراط الاختيار (٥).

______________________________________________________

(١) حاصله : أنّ القصد المقوّم لمفهوم العقد موجود في عقدي الفضولي والمكره ، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك ، إذا المنتفي في عقد المكره هو الرضا ، ويكفي لحوقه بالإنشاء ، ولا يلزم مقارنته له. والمنتفي في الفضول هو انتساب العقد إلى المالك ، ويكفي فيه الإجازة المتأخرة.

ولا يخفى أن نقاش المصنف في كلام الشهيد راجع إلى الصغرى ، بمعنى أن ظاهر المسالك انتفاء الإرادة الجدية في الفضول والمكره فيبطل عقداهما. وظاهر المصنف تحقق القصد الجدّي ، وأنّ المنتفي شي‌ء آخر وراء هذا القصد.

(٢) متعلق ب «المتحقق» يعني : لا دليل على اشتراط أزيد من القصد ـ الموجب لصدق مفهوم العقد ـ في عقد الفضولي والمكره.

وقد يقال : إنّ قوله : «في صدق» متعلق بقوله : «اشتراط» والمتعلق ب «المتحقق» محذوف ، يعني : القصد المتحقق في عقدي الفضول والمكره.

(٣) من قيام الدليل على كفاية هذا المقدار من القصد الموجود في الفضولي ، وهو الإجماع على صحة نكاح الفضولي وبيع المكره بحق ، فراجع (ص ٢٦٨ و ٤٠٧).

(٤) يعني : هل يكون مراد الشهيد الثاني انتفاء القصد الثاني وهو الإرادة الاستعمالية ، أم مراده انتفاء القصد الثالث وهو الإرادة الجدية ، أم مراده انتفاء الرّضا بالمنشإ؟

(٥) سيأتي هناك في جملة كلامه : «وغير ذلك ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع ، وعدم طيب النفس به ، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» فراجع (ص ١٦٥).

هذا ما يتعلق بأصل اعتبار القصد الجدّي للمضمون ، وسيأتي الكلام في ما رتّبه عليه المحقق التستري.

١٠٢

واعلم أنّه ذكر بعض المحققين ممّن عاصرناه (١) كلاما في هذا المقام (١) ، في أنّه (٢) هل يعتبر تعيين المالكين اللّذين يتحقق النقل والانتقال بالنسبة إليهما؟ أم لا (٣). وذكر أنّ في المسألة أوجها وأقوالا ، وأنّ المسألة في غاية الإشكال ،

______________________________________________________

هل يعتبر تعيين المالكين في العقد أم لا؟

(١) أي : في مسألة اعتبار قصد مدلول العقد.

(٢) متعلق ب «كلاما» و «في هذا» متعلق ب «ذكر».

(٣) حاصل هذا البحث : أنّه هل يعتبر ـ مضافا إلى قصد مدلول العقد ـ تعيين مالكي العوضين ، بمعنى أن يعيّن البائع المباشر للإيجاب مالك المبيع الذي يبيع له ، وأن يعيّن المباشر للقبول مالك الثمن الذي يشتري له.

ثم على فرض اعتباره هل يلزم تعريفه للمشتري ، وكذا تعريف المشتري للبائع أم لا ، فهنا مقامان.

ولا بأس ببيان صورة إجمالية عمّا فصّله المحقق التستري في المقام ، قبل الأخذ في شرح كلماته ، فنقول : إنّ المراد من التعيين قصد وقوع المعاملة بين جزئيين حقيقيين خارجيين ، كما في بيع كتاب زيد بدينار عمرو ، فتتحقق المعاوضة بين مملوكين شخصيّين لمالكين معيّنين.

ولعلّ الداعي إلى تعرّض هذا البحث هو : أنّ عناوين المعاملات متقومة بالقصد الجدّي إلى مضامينها كما تقدم في صدر المسألة ، ففي البيع مثلا لا بدّ من قصد مبادلة مال بمال ، أو قصد تمليك عين بمال ، وهل يكفي هذا القصد أم لا بدّ من قصد آخر ، وهو قصد وقوع البيع لمالك المبيع والثمن؟ بدعوى أنّ الملكية نسبة بين المالك والمملوك ، أو إضافة بينهما ، ولمّا كانت النسبة متقومة بالمنتسبين ولم يعقل التمليك المطلق أو المهمل ، فلا بدّ من قصد آخر وهو تعيين طرفي الملكية من المالك والمملوك.

وهذا البحث وإن كان جاريا في مطلق البيوع ، سواء أكان العاقد مالك

__________________

(١) هو المحقق الشيخ أسد الله الشوشتري في مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢ و ١٣.

١٠٣

وأنّه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدس الله أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه. ثم قال : «وتحقيق المسألة : أنّه إن توقّف (١) تعيّن المالك على التعيين

______________________________________________________

أحد العوضين أم وكيلا عنه أم وليّا عليه ، وسواء أكان العوض شخصيا أم كليّا في الذمة ، وسواء أكان الكلي مضافا إلى ذمة شخص معيّن ـ ككتاب المكاسب في ذمة زيد ـ أم مضافا إلى ذمم جماعة بأن يكون الكتاب الكلي في ذمة كل من زيد وعمرو وبكر ، إلّا أنّ عمدة الثمرة تظهر في بيع الكلّي فيما كان العاقد وليّا على جماعة يملك كل واحد منهم سلعة مماثلة لسلع الآخرين ، أو وكيلا عن جماعة كذلك.

فأمر التعيين سهل في موردين ، وهما : العقد على العين الشخصية ، والعقد على الكلي المضاف إلى ذمة معيّنة كالكتاب في ذمة زيد ، حيث يقع البيع بالنسبة إلى مالك العين الخارجية ومالك الكلي.

وأمّا إذا كان العاقد وكيلا عن جماعة فهل يصح أن يبيع الكتاب الذي في ذمة موكّله ـ من دون تعيين مصداق عنوان «الموكّل» مع فرض تعدد الموكّلين ـ أم لا بدّ من قصد شخص خاص يضاف الكلي إلى ذمته. وهكذا الحال إذا أنشأ العاقد البيع للفرد المبهم كعنوان «أحد الموكّلين» المنتشر في كل واحد منهم.

ويجري هذا البحث بالنسبة إلى الولي على جماعة كالأب والجد والحاكم الشرعي إذا كانوا أولياء على جماعة لهم سلع مماثلة.

وكذا الحال في طرف المشتري ، إذا كان العاقد وليّا على جماعة لهم أثمان متماثلة ، أو كان وكيلا عن جماعة كذلك ، وسيأتي ذكر بعض أمثلة المسألة ، هذا.

(١) فصّل المحقق التستري قدس‌سره بين كون العوضين شخصيين ـ مثل هذا الكتاب وهذا الدرهم ـ وبين كونهما كليّين ، وقدّم البحث عن حكم ما إذا كان العوضان كليين أو أحد العوضين كليا والآخر جزئيا. وأمثلة هذه الصورة كثيرة ، نذكر بعضها :

الأوّل : أن يكون العاقد وكيلا عن زيد وعمرو وبكر في بيع كتاب المكاسب ـ الكلّي ـ بدينار ، وأن يكون وكيلا عن كلّ من علي وحمزة وجعفر في شراء كتاب

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مكاسب بدينار ، فالعاقد وكيل عن جماعة البائعين والمبتاعين.

الثاني : أن يكون وليّا على الطرفين ، كما إذا كان العاقد حاكما شرعيا ، وأراد بيع شي‌ء لكل واحد من المفلّسين ، وأراد شراء ذلك الشي‌ء لكل واحد من أيتام ثلاثة بدينار.

الثالث : أن يكون العاقد وليا على كلّ من البائع والمشتري ، أو وكيلا عنهما ، إلّا أنّ كلّ واحد من العوضين قابل لأن يكون مبيعا أو ثمنا ، كما إذا وكّل زيد وعمرو بكرا في تبديل فرس لكلّ منهما بثور ، ووكّله علي وعبد الله في تبديل ثور لكلّ منهما بفرس ، ففي مثله يلزم العاقد رعاية أمرين :

أحدهما : تعيين مالك الفرس ، وأنّه زيد أو عمرو ، وكذا تعيين مالك الثور.

ثانيهما : تعيين أنّ البائع مالك الفرس أو أنّه مالك الثور ، فلا يكفي أن يقول :

«ملّكت فرس موكّلي زيد بثور موكّلي عبد الله» وذلك لاختصاص بعض الأحكام بعنوان البائع والمشتري ، كخيار الحيوان الثابت للمشتري ، فلا بدّ من تمييز أحدهما عن الآخر ، بأن ينوي كون مالك الفرس هو البائع ، ومالك الثور هو المشتري ، ليكون الخيار له ، لا للبائع.

ويمكن التمثيل له أيضا ببيع الصرف إذا كان العاقد وكيلا في الإنشاء والقبض ، فتوكّل عن جماعة لهم دنانير يريدون تحويلها دراهم ، وتوكّل عن جماعة آخرين لهم دراهم يريدون تبديلها دنانير.

هذا بعض أمثلة بيع الكلي في ذمة جماعة يصلح العقد لانتسابه إلى كل واحد منهم.

والذي أفاده المحقق التستري قدس‌سره أنّ بيع الكلي لا يخلو من أحد فروض ثلاثة ، يصح العقد في اثنين منها ، ويبطل في الثالث ، وهي :

الأوّل : أن يعيّن العاقد من يبيع له ومن يشتري له ، إمّا بالقصد ، وإمّا به

١٠٥

حال (١) العقد ، لتعدّد (٢) وجه وقوعه الممكن (٣) شرعا ، اعتبر تعيينه في النيّة ، أو مع التلفظ به أيضا ،

______________________________________________________

وبالتلفظ به ، كما إذا قال الوكيل عن جماعة في بيع كتاب المكاسب بدينار : «بعت كتاب المكاسب الكلّي في ذمة موكّلي زيد ، بدينار في ذمّة موكّلي في الشراء عليّ» وهذا صحيح بلا ريب.

الفرض الثاني : أن يطلق العاقد ولا يعيّن شخصا معيّنا من الموكّلين أو المولّى عليهم ، ولكنه قاصد لتعيينه بعد العقد ، كما إذا قال : «بعت كتاب المكاسب في ذمة موكّلي ، بدينار في ذمة موكّلي» وهذا باطل.

الفرض الثالث : أن يطلق العاقد ولم يكن قاصدا حين العقد لتعيين البائع والمشتري بعد العقد ، ولكن يحكم العرف بانصراف إطلاق الإنشاء إلى شخص معيّن من الموكّلين ، أو انصرافه إلى وقوعه عن نفس العاقد. وهذا صحيح أيضا.

هذه فروض المسألة ، واستدلّ المحقق التستري قدس‌سره بوجوه ثلاثة على اعتبار التعيين ، وسيأتي بيانها.

(١) متعلق بكلّ من «التعيّن والتعيين» على نهج التنازع.

(٢) علّة لتوقف التعيّن على التعيين حال العقد ، يعني : أنّ لزوم التعيين ينشأ من قابلية البيع لوقوعه لكلّ شخصين من الطائفتين ، بأن يكون البائع أحد الموكّلين في البيع ، ويكون المشتري أحد الموكّلين في الشراء. والوجه في هذه القابلية تعدد أفراد الموكّلين في البيع والشراء ، بحيث يكون لكل واحد منهم عوض مماثل لما يملكه الآخرون ، ومن المعلوم أنّ مالك الكلي لا يتعيّن حال العقد إلّا بالتعيين حينه إمّا بالنية مع التلفظ بها ، أو بالنيّة المجردة. وقد تقدم مثال ذلك بقولنا في الفرض الأوّل : «أن يعين العاقد من يبيع له ومن يشتري له إمّا بالقصد .. إلخ».

(٣) صفة ل «وجه» وقد عرفت وجه صلاحية العقد لوقوعه عن كل واحد من الموكلين في البيع والشراء.

١٠٦

كبيع الوكيل والولي العاقد عن اثنين في بيع (١) واحد ، والوكيل عنهما ، والولي عليهما في البيوع المتعددة ، فيجب (٢) أن يعيّن من يقع له البيع والشراء ، من نفسه (٣) ، أو غيره (٤). وأن يميّز (٥)

______________________________________________________

(١) هذا وقوله : «في البيوع المتعددة» متعلقان ب «العاقد» وغرضه أنّه عند تعدد الموكّلين لا بدّ من التعيين ، سواء أنشأ الوكيل عقدا واحدا عن الطرفين ، أم أنشأ عقودا متعددة. فمثال العقد الواحد هو : ما إذا وكّل زيد وعمرو بكرا في أن يبيع عن كل منهما منّا من الحنطة في ذمته ، ووكّله عليّ وعبد الله في شراء منّ من الحنطة بدينار في ذمته. فإن عيّن الوكيل البائع بأنّه زيد ، والمشتري بأنه عبد الله صحّ ، ووقع البيع والشراء لهما. وإن لم يعيّن ، وقال : «بعت منّا من الحنطة في ذمّة موكّلي في البيع ، بدينار في ذمة موكّلي في الشراء» لم يصح.

ومثال البيوع المتعددة : أن ينشئ الوكيل بيعين بلا إضافة إلى موكّل معيّن ، بأن يقول مرّتين : «بعت منّا من الحنطة عن موكّلي ، بدينار في ذمة موكّلي» فإنّه لا يصح من جهة الإبهام ، وعدم إضافة الكلّي إلى ذمة معيّنة.

هذا حال الوكيل عن اثنين. وكذا الحال في الوكيل عن جماعة إذا أنشأ العقد بعدد الموكّلين بدون تعيين أشخاصهم.

(٢) جواب الشرط في قوله : «ان توقف» والمراد بالوجوب الوضع ، وهو اشتراط صحة البيع بالتعيين.

(٣) بأن يقول : «بعت منّا من الحنطة التي هي في ذمة موكّلي زيد من نفسي بدينار» فيكون العاقد وكيلا في الإيجاب ، وأصيلا في القبول. ولا مانع منه.

(٤) هذا الغير إمّا موكّلوه في البيع أو الشراء ، أو غيرهم ، كما إذا اشترى لولده الصغير الذي يلي أمره ، أو اشترى لشخص آخر فضولا ، فيتوقف على الإجازة.

(٥) معطوف على «أن يعيّن» وهذا اعتبار أمر آخر زيادة على تعيين طرفي العقد ، ومورده قابلية كل واحد من العوضين للاتصاف بعنوان المبيع والثمن ، فيكون

١٠٧

البائع من المشتري إذا أمكن (١) الوصفان في كلّ منهما.

فإذا عيّن (٢) جهة خاصّة تعيّنت.

وإن (٣) أطلق ، فإن (٤) كان هناك جهة يصرف إليها الإطلاق كان (٥) كالتعيين ، كما لو دار الأمر بين نفسه وغيره ، إذا (٦) لم يقصد الإبهام والتعيين بعد

______________________________________________________

مالكاهما ـ بالتبع ـ قابلين لانطباق عنوان «البائع والمشتري» عليهما أيضا.

وقد ذكرناه (في ص ١٠٥) بقولنا : «الثالث أن يكون العاقد وليّا على كلّ من البائع والمشتري .. إلخ» فراجع.

(١) وأمّا إذا لم يمكن اجتماع الوصفين في واحد فحكمه واضح ، لحصول التمييز الواقعي بكون مالك العروض بائعا ومالك النقد مشتريا.

(٢) هذا شروع في بيان فروض المسألة عند تعدد الموكّلين أو المولّى عليهم ، والفرض الأوّل هو التعيين ، وقد تقدم بيانه في (ص ١٠٥) بقولنا : «الأوّل : أن يعين العاقد من يبيع له ومن يشتري له ..».

(٣) معطوف على «فإذا عيّن» ولعدم التعيين فرضان تقدما في (ص ١٠٦) ونشير إليهما مرّة أخرى.

(٤) هذا أوّل فرضي الإطلاق ، وقوامه بالإهمال بأن لا يكون قاصدا للترديد حين العقد ، وفرض انصراف الإطلاق إلى نفس العاقد ، أو إلى أحد الموكّلين ـ مثلا ـ بالخصوص.

(٥) أي : كان الإطلاق كالتعيين ، إذ عند دوران العقد بين وقوعه لنفسه ولغيره ينصرف إطلاقه إلى وقوعه لنفسه ، لتوقف انتسابه الى الغير على مئونة ثبوتا وإثباتا.

(٦) قيد للانصراف إلى النفس ، إذ لو قصد الإبهام والترديد بين نفسه وغيره حين العقد وأراد التعيين بعد العقد ، لم ينصرف الإطلاق ـ مع هذا الشرط ـ إلى نفسه ، بل يقع البيع باطلا.

١٠٨

العقد ، وإلّا (١) وقع لاغيا.

وهذا جار في سائر العقود من النكاح وغيره (٢).

والدليل على اشتراط التعيين ولزوم متابعته في هذا القسم (٣) : أنّه

______________________________________________________

(١) أي : وإن قصد الترديد حين العقد ، والتعيين بعده وقع العقد لاغيا. وعلى هذا فالمعتبر في انصراف الإطلاق خلوّه عن كلّ من قصد التعيين للنفس أو للغير ، ومن قصد الإبهام.

(٢) كالإجارة مثلا ، كما إذا وكّل زيد وعمرو وبكر خالدا في إجارة داره لمدة سنة بمائة دينار مثلا ـ مع فرض تماثل الدور وتساوي اجورها ـ ووكّله ثلاثة آخرون في استيجار دور ، اجرة كلّ منها مائة دينار. فإن أنشأ بمثل «آجرت دار أحد الموكلين ، بمائة دينار لأحد الموكلين في الاستيجار» بطل. وإن عيّن الطرفين صحّ.

وأمّا في النكاح ، فكما إذا وكّلت هند وزينب وسمية زيدا في التزويج من أشخاص موصوفين بصفات معيّنة ، ووكّله رجال ثلاثة في تزويج نساء معلومة وصفا وخلقا ، فإن قال : «زوّجت موكّلتي من موكّلي» بطل ، لإمكان التطبيق على كل واحد منهم ، وعلى كلّ واحدة منهن. وإن عيّن الموكّل والموكّلة صحّ. وهكذا

(٣) وهو كون العقد صالحا لوقوعه على وجوه عديدة ، لعدم معيّنة للإطلاق ، وملخّص ما أفاده في الدليل على وجوب التعيين يرجع الى وجوه ثلاثة :

الأوّل : عقلي ، وحاصله : أنّه لو لا التعيين لزم بقاء الملك بلا مالك ، إذ البيع يفيد الملكية ، فإذا لم يعيّن المشتري لزم صيرورة المبيع ملكا بلا مالك. وكذا بالنسبة إلى الثمن ، مع أن المملوكية والمالكية من المتضايفات ، فلا يعقل اعتبار المملوكية بدون المالكية.

الثاني : شرعي ، وحاصله : أنّه قام الإجماع على بطلان العقد بعدم الجزم ، وهو التردّد في المنشأ بجميع خصوصياته التي منها المالك. فلو سلّم إمكان الملك بلا مالك معيّن لزم التردد من حيث المالك ، وهو مبطل للعقد إجماعا.

١٠٩

لو لا ذلك (١) لزم بقاء الملك بلا مالك معيّن في نفس الأمر ، وأن (٢) لا يحصل الجزم بشي‌ء من العقود التي لم يتعيّن فيه العوضان ، ولا بشي‌ء (٣) من الأحكام والآثار المترتبة على ذلك. وفساد ذلك (٤) ظاهر.

ولا دليل (٥) على تأثير التعيين المتعقب

______________________________________________________

الثالث : شرعي أيضا ، وحاصله : أنّه لو أغمضنا عمّا ذكرنا من الدليلين المذكورين نقول : إنّه لا دليل على الصحة بدون التعيين ، لانصراف أدلتها إلى صورة التعيين لشيوعها فيرجع في غيرها إلى الأصل ، وهو أصالة الفساد.

(١) أي : لو لا التعيين. وهذا إشارة إلى الدليل الأوّل ، وهو مقتضى المعاوضة في الملكية عقلا.

(٢) معطوف على «لزم» وهذا هو الدليل الثاني ، أعني به اعتبار الشارع الجزم ـ حين الإنشاء ـ بالمنشإ بجميع ملابساته.

(٣) عدم الجزم بأحكام البيع مترتب على عدم تعيّن موضوعها من العوضين ومالكيهما ، فلو تعيّنا حصل الجزم بالأحكام من وجوب إقباض المبيع ، والخيار ونحوهما.

(٤) أي : وفساد العقد الفاقد للجزم بخصوصيات المنشأ ظاهر ، لما عرفت من الإجماع على اعتبار الجزم في العقود.

(٥) يعني : وأنّه لا دليل على تأثير التعيين بعد العقد ، وهذا دليل ثالث على اعتبار التعيين.

ويمكن جعل هذه العبارة تتمة للدليل الثاني ، فيكون الدليل على اعتبار التعيين في كلام صاحب المقابس الوجهين الأوّلين. وتقريب كون قوله : «ولا دليل» تتمة هو : أنّه ربما يورد على اعتبار الجزم في العقود بأن الجزم بالمنشإ وخصوصياته وإن كان إجماعيا ، إلّا أنّ المعتبر هو مطلق الجزم سواء أكان حال الإنشاء أم بعده. وعليه فلو أطلق العقد وأبهم وقصد تعيين من يقع له العقد بعده صحّ ولم يقع لغوا ،

١١٠

ولا (١) على صحة العقد المبهم ، لانصراف (٢) الأدلة إلى الشائع المعروف من الشريعة والعادة ، فوجب الحكم بعدمه (٣).

وعلى هذا (٤) فلو اشترى الفضولي لغيره في الذمة ، فإن عيّن ذلك الغير تعيّن ، ووقف على إجازته ، سواء تلفّظ بذلك أم نواه. وإن أبهم مع قصد الغير

______________________________________________________

لتعقبه بالجزم بالعوضين والمالكين. وهذا المقدار من الجزم كاف في صحة العقد.

وأجاب عنه صاحب المقابس باعتبار مقارنة الجزم للإنشاء ، ولا يجدي تعقبه به ، وذلك لأنّ أدلة الإمضاء ـ كحلّ البيع والأمر بالوفاء بالعقود ـ وإن كانت شاملة لكلّ من العقد المقارن للجزم وللمتعقب به ، إلّا أنّها منصرفة إلى العقود الشائعة المتداولة في الخارج ، وهي الّتي يتقدم فيها الإيجاب على القبول مثلا ، ويكون المنشئ جازما حين الإنشاء. وعليه فلا يبقى دليل على إمضاء العقد الفاقد للجزم حينه وإن تعقّبه ، فيحكم ببطلانه ، لأصالة الفساد ومن المعلوم أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، فلا ينقلب العقد الفاسد صحيحا ، هذا.

(١) هذا ليس مطلبا آخر ، بل الغرض إبهام العقد ، وتعقيبه بالتعيين.

(٢) تعليل لقوله : «ولا دليل» وقد عرفته آنفا.

(٣) أي : عدم تأثير التعيين المتعقب ، لأصالة الفساد الجارية في المعاملات.

(٤) أي : وبناء على اعتبار التعيين وعدم صحة العقد المبهم ، فلو اشترى .. إلخ. وغرضه تطبيق كبرى ما أفاده على مثال ، وهو : أنّ الفضول لو اشترى من زيد كتابا بدينار كلّيّ في ذمة شخص ، فإن عيّنه حال العقد بالنية أو بها وبالتلفظ به كأن يقول : «اشتريت هذا الكتاب بدينار في ذمة عمرو» صحّ العقد مراعى بإجازة عمرو ، فإن أجاز تمّ الشراء له ، وإن لم يجز بطل. وإن لم يعيّنه بل قال : «اشتريت هذا الكتاب بدينار في ذمة غيري» ولم يقصد شخصا معيّنا بطل ، ولا ينتظر وجود مجيز خارجا.

كما لا سبيل لتصحيح العقد بأن يقع الشراء لنفس الفضول ، وذلك لظهور لفظ «غيري» في المنع عن صرف الإطلاق إلى نفسه.

١١١

بطل ، ولا يوقف (١) إلى أن يوجد له مجيز» إلى أن قال (٢) : «وإن (٣) لم يتوقف تعيّن المالك على التعيين حال العقد ، بأن يكون العوضان

______________________________________________________

(١) يعني : ولا يحكم بكون هذا العقد معلّقا على أن يوجد له مجيز حتى تنكشف الحال من أنه يجيز أو يردّ.

(٢) يعني : قال المحقق التستري في المقابس.

(٣) معطوف على قوله (في ص ١٠٤) : «ان توقف تعيّن المالك على التعيين حال العقد» وهذا شروع في حكم صورة ثانية ، وهي كون العوضين جزئيين خارجيين لا كليّين ذميّين كما كان في الصورة السابقة. كما إذا كان المبيع كتاب المكاسب المتعيّن خارجا ، والثمن دينارا معيّنا أيضا ، فقال مالك الكتاب أو وكيله : «بعت هذا الكتاب بهذا الدينار» فهل يلزم تعيين المالكين أم لا؟ فيه وجوه ثلاثة :

الأوّل : لزوم التعيين ، إمّا بالتصريح بأن يقول : «بعتك كتابي هذا بدينار» فيعيّن البائع بضمير التكلم ، والمشتري بضمير الخطاب. وإمّا بالإطلاق لا بالتصريح ، لكفاية الإطلاق ـ المنصرف إلى المالكين ـ في مقام الإثبات ، فيحكم بوقوع العقد لهما ، فيصحّ أن يقول : «بعت كتابي هذا بهذا الدينار».

الثاني : عدم لزوم التعيين بالقصد أو باللفظ ، فيكفي كون العوضين الجزئيين ـ المملوكين لهذين المتعاملين ـ في وقوع العقد لهما. ولا يقدح في صحة هذه المعاملة ووقوعها للمالكين التصريح بالخلاف ، بأن يقول العاقد : «بعت هذا الكتاب ـ المملوك لزيد ـ عن عمرو بدينار بكر لخالد» مع أنّ عمروا وخالدا أجنبيان عن العوضين بالمرّة. وعلى كلّ فالبيع لو صحّ فقد وقع بين المالكين وهما زيد وبكر ، ويلغو التصريح باسم عمرو وخالد.

الثالث : التفصيل بين الإطلاق والتصريح بالخلاف ، فيصحّ في الأوّل ، ويبطل في الثاني. ويظهر مثاله من الوجهين المتقدمين. ولكل واحد من هذه الاحتمالات الثلاثة وجه سيأتي بيانه.

١١٢

معيّنين (١) ، ولا يقع العقد فيهما على وجه يصحّ إلّا لمالكهما ، ففي وجوب التعيين أو (٢) الإطلاق المنصرف إليه (٣) ، أو عدمه (٤) مطلقا ، أو التفصيل (٥) بين التصريح بالخلاف (٦) ، فيبطل ، وعدمه (٧) فيصح ، أوجه (٨). أحوطها [أقواها (٩)] الأخير (١٠) ،

______________________________________________________

(١) المراد من المعيّن هو الجزئي الخارجي ، في قبال الكلي المضاف إلى ذمّة معيّنة.

(٢) ظاهر العطف كون الإطلاق احتمالا آخر في مقابل وجوب التعيين ، لكنه ليس بمراد ، بل المراد التعيين إمّا بالتصريح به ، وإمّا بالتعويل على الإطلاق المنصرف إلى المالكين ، فقوله : «أو الإطلاق» بيان أحد عدلي الواجب التخييري. وعلى كلّ فقد تقدم آنفا مثال التعيين والإطلاق.

(٣) الضمير راجع إلى «المعيّن» المستفاد من «التعيين».

(٤) بالجر معطوف على «وجوب التعيين» وضميره راجع إلى الوجوب ، وهذا إشارة إلى الاحتمال الثاني. يعني : أنّ تعيّن المالكين واقعا مغن عن التعيين بالتصريح أو بالإطلاق ، بل لا يقدح التصريح بالخلاف.

(٥) بالجرّ معطوف على «وجوب التعيين» يعني : التفصيل ـ في وجوب التعيين ـ بين التصريح بالخلاف .. إلخ. وهذا إشارة إلى ثالث الاحتمالات.

(٦) أي : خلاف ما تقتضيه المعاوضة من كون البيع لمالك المبيع ، والشراء لمالك الثمن ، فيبطل مع التصريح بالمنافي.

(٧) بالجرّ معطوف على «التصريح» أي : وعدم التصريح بالخلاف ، فيصحّ العقد ، ويؤخذ بمقتضى إطلاقه ، من وقوعه للمالكين.

(٨) مبتدأ مؤخر لقوله : «ففي وجوب التعيين ..».

(٩) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في المقابس المطبوع «أحوطها».

(١٠) وهو الصحة مع عدم التصريح بالخلاف ، لوجود المقتضي للصحة وفقد المانع عنها.

١١٣

وأوسطها الوسط (١) ، وأشبهها بالقاعدة [للأصول] (٢) الأوّل.

وفي حكم المعيّن (٣) إذا ما عيّن المال بكونه في ذمة زيد مثلا.

______________________________________________________

أمّا المقتضي فهو الإطلاق المنصرف إلى المالكين. وأمّا عدم المانع فلأنّ المانع هو التصريح بما ينافي مقتضى المعاوضة ، والمفروض عدمه. بخلاف ما لو صرّح بالمنافي ، لوقوع التدافع بين مقتضى المعاوضة وبين المصرّح به ، وحيث لا مرجّح لأحدهما فيبطل العقد.

(١) يعني : الصحة مطلقا حتى مع التصريح بالخلاف. ووجه الصحة اقتضاء المعاوضة وقوع العقد لمالكي العوضين. والتصريح بالخلاف لغو لا أثر له ، لمنع انصراف العمومات ، وهي مقدمة على أصالة الفساد.

(٢) كذا في نسخ الكتاب ، والموجود في المقابس ما أثبتناه من قوله : «بالقاعدة» والمراد بالأصول أصالة الفساد وأصالة عدم ترتب الأثر ، وعدم حصول النقل والانتقال ، لكن مرجع الجميع واحد ، فالأولى ما أثبته في المقابس من قوله : «بالقاعدة».

وعلى كلّ فوجه الأشبهية بأصالة الفساد هو انصراف الأدلة الاجتهادية إلى العقود الشائعة المتعارفة ، لا النادرة التي تنسب العقود فيها إلى غير المالكين.

(٣) يعني : وفي حكم العوض المعيّن. وغرضه بيان جريان الاحتمالات الثلاثة ـ المتقدمة في العوضين الشخصيين ـ في ما إذا كان العوضان أو أحدهما كليّا في ذمّة شخص معين. كما إذا توكّل عن زيد في بيع كتاب المكاسب ـ الكلي ـ بدينار ، وعن عمرو في شراء كتاب المكاسب بدينار في ذمته ، فيقال : إنّه هل يجب على الوكيل تعيين من يقع له البيع ومن يقع له الشراء ، بأن يصرّح باسمهما ، أو يعوّل على الإطلاق بأن يقول : «بعت كتاب المكاسب بدينار» أم لا يعتبر التعيين أصلا ، بل لا يقدح التصريح بالخلاف ، أم يفصّل بين الإطلاق وبين التصريح بالخلاف؟

١١٤

وعلى الأوسط (١) : لو باع (٢) مال نفسه عن الغير وقع عنه ، ولغا قصد كونه عن الغير.

ولو باع (٣) مال زيد عن عمرو ،

______________________________________________________

وكيف كان فالكلّي المضاف إلى ذمّة معيّنة صورة ثالثة من صور المسألة ، ولكنها متحدة حكما مع العين الشخصيّة ، هذا.

(١) هذا متفرع على الاحتمالات الثلاثة في العقد على الأعيان الشخصية أو الكلية المضافة إلى ذمة شخصية كالمنّ من حنطة في ذمة زيد ، أو كتاب المكاسب في ذمة عمرو ، أو الدينار الكلي في ذمة بكر ، وهكذا. والمذكور في المتن فروع أربعة تختلف أحكامها بحسب الاحتمالات الثلاثة المتقدمة ، كما سيظهر.

(٢) هذا هو الفرع الأوّل ، وهو أن يبيع العاقد مال نفسه بدينار بقصد أن يقع عن الغير ، بمعنى دخول الدينار في ملك ذلك الغير ، وخروج المال عن ملك العاقد ، فبناء على الاحتمال الثاني يصح البيع ويقع لنفسه ، ويلغو التصريح بما يخالف مفهوم المعاوضة من دخول العوض في كيس من خرج عنه المعوّض.

وبناء على الاحتمال الأوّل والأخير يبطل ، لفقد تعيين المالك البائع ، بل وجود التصريح بالخلاف.

(٣) هذا هو الفرع الثاني ، بأن يبيع بكر كتاب زيد من خالد بدينار ، على أن يدخل الدينار في ملك عمرو الأجنبي عن الكتاب ، فبناء على الاحتمال الثاني فصّل صاحب المقابس بين كون العاقد وكيلا عن مالك الكتاب وبين كونه أجنبيا.

فإن كان وكيلا عن زيد في بيع كتابه صحّ البيع عنه ، لا عن عمرو ، فتؤثّر الوكالة في وقوع البيع لمالك المبيع ، ويلغو التصريح بوقوعه عن عمرو.

وإن لم يكن وكيلا عن زيد كان إنشاء العاقد فضوليا ، فإن أجاز زيد بيع كتابه صحّ ووقع لنفسه ، وإن ردّ بطل البيع. وعلى كلّ من الوكالة والفضولية يلغو التصريح بوقوع البيع عن عمرو ، لفرض كونه أجنبيا. هذا حكم المسألة بناء

١١٥

فإن كان وكيلا عن زيد صحّ عنه (١) ، وإلّا (٢) وقف على إجازته.

ولو اشترى (٣) لنفسه بمال في ذمة زيد ، فإن لم يكن وكيلا عن زيد وقع عنه (٤) ، وتعلّق المال بذمّته ، لا عن (٥) زيد ليقف على إجازته. وإن كان وكيلا

______________________________________________________

على الاحتمال الثاني.

(١) أي : عن زيد ، ووجه الصحة انتساب العقد إلى الموكّل بالوكالة.

(٢) أي : وإن لم يكن العاقد وكيلا عن زيد وقع البيع مراعى إلى أن يجيز زيد أو يردّ.

(٣) هذا هو الفرع الثالث ، وهو أن يشتري العاقد لنفسه شيئا بثمن كلّيّ مضاف إلى ذمة زيد ، فيقول للبائع : «اشتريت هذا الكتاب لنفسي بدينار في ذمّة زيد» فبناء على الاحتمال الثاني فصّل صاحب المقابس بين كون المشتري وكيلا عن زيد وبين عدم وكالته.

فإن لم يكن وكيلا صحّ البيع لنفسه ، واستقرّ الثمن على ذمته ، لأنّ التصريح بإضافة الشراء للنفس يلغي وقوع الشراء لزيد ، فكأنّه لم يتلفّظ به أصلا ، ضرورة عدم العبرة بالتصريح بالخلاف ، وعدم وجوب تعيين المالك كما هو فرض الاحتمال الثاني. ولا تصل النوبة إلى احتمال وقوع الشراء فضوليا عن زيد ليتوقف على إجازته أو ردّه.

وإن كان وكيلا عن زيد في شراء الكتاب مثلا احتمل أحد أمور :

الأوّل : بطلان العقد رأسا ، وعدم وقوعه لنفسه ولا لموكّله.

الثاني : صحته عن نفسه.

الثالث : صحته عن موكّله ، وسيأتي وجه كلّ منها.

(٤) أي : عن نفس العاقد ، بمقتضى الإضافة إلى النفس.

(٥) معطوف على «عنه» أي : لم يقع الشراء لزيد ، لانتفاء الاذن المصحّح لإضافة العقد إلى الآذن ، مضافا إلى وجود المانع وهو إضافة الشراء إلى النفس.

١١٦

فالمقتضي (١) لكلّ من العقدين (٢) منفردا موجود ، والجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما ، ولمّا لم يتعيّن (٣) احتمل البطلان ، للتدافع. وصحته (٤) عن نفسه ، لعدم

______________________________________________________

(١) هذا وجه بطلان الشراء رأسا ، وهو وجود مقتضيين متدافعين ، مع عدم مرجّح لأحدهما على الآخر. أمّا المقتضي لوقوعه عن نفسه فهو اشتراؤه لنفسه ، ومقتضى المعاوضة كون الثمن في ذمة نفسه ، فيكون الشراء له بعوض في ذمّته. وأمّا المقتضي لوقوعه عن زيد الموكّل له فهو جعل الثمن في ذمة زيد بمقتضى وكالته عنه بالفرض. ومقتضى المعاوضة كون الشراء لزيد.

والجمع بين المقتضيين متعذر ، إذ الكتاب الشخصي إمّا أن يدخل في ملك الوكيل ، أو الموكّل. وحينئذ فلا بدّ من إلغاء أحدهما ، ولمّا لم يتعيّن ما يلغى منهما ـ لعدم مرجح له ، ومن المعلوم امتناع الترجيح بدونه ـ يقع التدافع بين المقتضيين ، ويسقط كلاهما عن التأثير ، وهذا معنى البطلان رأسا.

(٢) الأولى أن تكون العبارة هكذا : «فالمقتضي لوقوع العقد لكلّ منهما منفردا موجود».

(٣) يعني : لم يتعيّن أحدهما الملغى ، ووجه عدم تعيّنه انتفاء المرجّح لتعيينه للإلغاء.

(٤) بالرفع معطوف على «البطلان» يعني : احتمل صحة العقد عن نفس العاقد ، وهو الاحتمال الثاني ، في قبال الاحتمال الآتي أعني صحته عن موكّله.

ووجه صحته عن نفسه : عدم تعلّق الوكالة بمثل هذا الشراء ، فيقع عن نفسه ، إذ الوكالة المتعارفة تقتضي إضافة العقد إلى خصوص الموكّل ، وعدم قصد دخول المبيع في ملك الوكيل مع خروج الثمن عن ملك موكّله ، فلمّا أضافه العاقد إلى نفسه وإلى غيره انعقد لنفسه ، لوجهين : أحدهما : الانصراف ، والآخر : ترجيح جانب الأصالة ، وتلغو وكالته حينئذ.

١١٧

تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء ، وترجيح (١) جانب الأصالة. وعن (٢) الموكّل ، لتعيّن العوض في ذمة الموكّل. فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن (٣).

ولو اشترى (٤) عن زيد بشي‌ء في ذمته فضولا ولم يجز فأجاز عمرو لم يصح عن أحدهما.

وقس (٥) على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب.

______________________________________________________

(١) بالجرّ معطوف على «لعدم» وظاهره أنّه وجه آخر لإثبات صحة العقد عن الوكيل ، إذ الترجيح منوط بشمول الوكالة لمثل هذا العقد حتى يرجّح الوقوع عن النفس على الوقوع عن الموكّل.

والوجه الأوّل ناظر إلى قصور دليل الوكالة عن شموله لمثل هذا العقد ، فلا يبقى إلّا البطلان رأسا ، أو الوقوع للنفس ، ولمّا كان المقتضي لصحته لنفسه موجودا اتّجه الالتزام به.

(٢) معطوف على «عن نفسه» يعني : احتمل صحة البيع عن الموكّل ، لتعيّن العوض في ذمته بتصريح الوكيل «في ذمة موكّلي وهو زيد» وقد تقدم أنّ تعيين المال الكلّي في ذمة شخص معيّن يكون بحكم الثمن الشخصي في كون التصريح بخلاف مقتضاه لغوا. وعليه فلا عبرة بإضافة الشراء إلى نفس الوكيل.

(٣) يعني : كما في العوض المعيّن ، حيث يلغو قصد الشراء أو البيع لغير مالكه.

(٤) هذا هو الفرع الرابع ، وهو أن يشتري الفضول شيئا بثمن في ذمة زيد ، فلم يجز زيد ، وأجازه عمرو. فيبطل البيع ، ولا يقع لا لزيد ولا لعمرو.

أمّا عدم وقوعه لزيد فلردّه للبيع ورفضه له.

وأمّا عدم وقوعه عن عمرو فلأنّ الفضول لم يقصد جعل الثمن في ذمته حتى تتمشّى منه الإجازة والردّ ، فهو أجنبي عن العقد ، ولا عبرة بإجازته.

(٥) يعني : تجري الاحتمالات الثلاثة في كلّ ما كان أحد العوضين فيه كلّيا ،

١١٨

ولا فرق (١) على الأوسط في الأحكام المذكورة بين النيّة المخالفة (٢) والتسمية (٣) ويفرق بينهما (٤) على الأخير. ويبطل الجميع (٥) على الأوّل» (١) انتهى كلامه.

______________________________________________________

وعيّنه العاقد ، لكن صرّح بما يخالفه. وتجري في غير البيع أيضا ، كالوكيل في إيجار دار لزيد بأجرة معيّنة في ذمته ، ثم جعل المنفعة لنفسه أو لشخص آخر غير زيد. والتخريج سهل بعد وضوح الضابطة.

(١) غرض صاحب المقابس قدس‌سره من هذه الجملة أنّ أحكام الفروع الأربعة المتقدمة لا تختلف بناء على تسليم الاحتمال الثاني ـ وهو عدم وجوب تعيين المالكين عند كون العوضين جزئيين أو كليين في ذمة معيّنين ـ سواء نوى العاقد وقوع البيع لغير المالكين أم لا ، وسواء تلفّظ بما نواه أم لم يتلفّظ به.

وأمّا بناء على الاحتمال الثالث ـ وهو قدح التصريح بالخلاف ـ فيلزم التفصيل بين نيّة وقوع العقد لغير المالك فيصح ، وبين التلفظ بوقوعه للغير ، فيبطل ، لمانعية التصريح عن الصحة.

وأمّا بناء على الاحتمال الأوّل ـ وهو وجوب التعيين ـ فلا فرق في البطلان بين قصد غير المالك وبين التلفظ به ، لاختلال شرط الصحة بكلّ من النية والقول.

هذه جملة من كلام صاحب المقابس في مسألة تعيين المالكين. وسيأتي كلام آخر منه في معرفة كل من المتعاقدين للآخر حتى يخاطبه بكاف الخطاب.

(٢) بأن يقصد بيع كتاب زيد عن عمرو بدينار ، ولكنّه لم يتلفظ به حين الإنشاء.

(٣) بأن يتلفظ بما نواه.

(٤) أي : بين النية المخالفة والتسمية.

(٥) لصدق عدم التعيين في جميع الفروع الأربعة ، فيبطل.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣.

١١٩

أقول : (١) مقتضى المعاوضة والمبادلة دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر ، وإلّا لم يكن كل منهما عوضا وبدلا.

______________________________________________________

المناقشة في ما أفاده صاحب المقابس

(١) ناقش المصنف قدس‌سره في ما تقدم من كلام صاحب المقابس بوجهين ، أحدهما ناظر إلى الخدشة في لزوم التعيين في المبيع الكلي ، والآخر إلى المناقشة في الشخصي.

توضيح الوجه الأوّل : أنّ البيع «مبادلة مال بمال» ومن المعلوم تقوّم مفهوم المعاوضة بقصد خروج المبيع عن ملك البائع إلى ملك المشتري ، وخروج الثمن من كيس المشتري إلى ملك البائع. وإلّا فلو قصد مالك المبيع تمليك ماله لزيد ، وقصد المشتري تمليك ماله لشخص آخر غير البائع ، لم تتحقق المعاوضة بين المالين ، بل تحقّق تمليكان مجّانيان ، وهذا أجنبيّ عن البيع. وعليه فمجرد قصد المعاوضة بين المالين كاف في صدق العنوان ، ولا يلزم إسناد البيع إلى مالكي العوضين. وهذا واضح في بيع الأعيان الشخصية.

وأمّا في الأعيان الكلّية فتعيين المالكين وإن كان مسلّما ، إلّا أنّه ليس شرطا مستقلّا زائدا على الشروط المتعارفة ، بل لأجل توقف صدق «المبادلة بين مالين» على إضافة الكلّي إلى ذمة معيّنة ، فإنّ العقلاء لا يعتبرون منّا من الحنطة الكلّية مالا ما لم يضف إلى ذمة معيّنة معتبرة تتمكّن من تسليمها إلى المشتري. وكذا الحال في الثمن الكلّي كالدينار.

وعليه فتعيين المالكين وقصد وقوع البيع لهما ـ أو التلفظ بما يقصده ـ مقوّم لمفهوم المعاوضة والمعاملة ، إذ الإنشاء على الكليّ غير المضاف إلى ذمة معلومة ملحق عرفا بالهزل ، وليس موضوعا للأثر ، كما إذا قال : «بعت عبدا بألف دينار» مع عدم قصده مالكي العبد والدينار.

والحاصل : أنّ ما يظهر من عبارة المقابس من جعل تعيين المالكين ـ في بيع الكلّيّات ـ شرطا مستقلّا في قبال سائر ما يعتبر في مفهوم المعاوضة ، لا يخلو من شي‌ء.

١٢٠