الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

فالأصل في الإتّباع هو إتباع المهتدي الهادي إلى الحق وللحق دون «من (لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) وهو في الكتب القرآن العظيم ، وفي سائر الدعاة المعصومون الرساليون رسلا وخلفاء لهم معصومون ، ثم في زمن غياب العصمة الظاهرة هو القرآن بمن يتبناه ويفتي به من الربانيين الذين هم دون العصمة الربانية ، قاصرين فيما يخطئون غير مقصرين : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣٩ : ١٨).

ذلك ورأس الزاوية هنا في (مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) هو الله تعالى شأنه العزيز إذ يهدي ولا يهتدي وهم قد يهتدون كالصالحين وقد ليسوا ليهتدوا كالطالحين وغير ذوي العقول والشعور ، ثم الذين يهدون بما اهتدوا يتبع الأهدى منهم ، فهم على هامش الهداية الطليقة الربانية ، وفي غيار (يَهْدِي لِلْحَقِ) الخاصة بالله إلى (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) لمحة للشمول ، فالهادي إلى الحق لا بد وأن يكون هاديا بذاته وهو الله ، أم مهتديا قبل أن يهدي كسائر المهتدين على درجاتهم ، حيث يحق لهم أن يهدوا قدر ما اهتدوا ، وأما الذي لا يهدي إلا أن يهدى فليس له أن يهدي قبل أن يهدى فيصبح أهدى من هاديه أم مثله في الهدى ، والمصداق الثالث ل (مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) هو علي والأئمة من ولده المعصومين (عليهم السلام) وكما تواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل قوله : «علي مع الحق والحق مع علي» (١).

__________________

(١) ملحقات إحقاق الحق ٥ : ٢٨ ، ٤٣ ، ٦٢٣ ـ ٦٣٨ و١٦ : ٣٨٤ ـ ٣٩٧ ، وفيه ٥ : ٧٧ «بل هو مع الحق والحق معه» وفيه ٤ : ٢٧ : «إن عليا مع الحق والحق معه كيفما دار دار به» وفيه : «اللهم أدر الحق معه» (٤ : ٤٤١ و٦ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، ٣٠٣ وج ١٦ : ٣٩٣ ـ ٣٩٦ و١٧ : ١٣٥ ـ ١٣٦ و٢٠ : ٥٨٤ ـ ٥٨٥ و٢١ : ٨٨ ، وفيه : «تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق ـ يعني عليا (عليه السلام)» (٥ : ٦٣٥ ، و١٧ : ١٦٩ و٢١ : ٣٩٦.

وبالنسبة للأئمة كلهم قوله : «فإنهم مع الحق والحق لا يفارقهم ولا يفارقونه» ٩ : ٤٧٩ و «لا يزايلوه ولا يزايلهم» ٥ : ٣٦ و «معنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها ـ

٨١

وهذه الآية من عساكر البراهين الدالة على فرض إتباع الأهدى فالأهدى ، فرأس الزاوية هو الحق المطلق الهادي إلى حقه وهو نفسه الحق ، دون من دون الله الذين لا يهدّون إلا أن يهدوا ، فضلا عمن لا يهدّي وأن هدي.

وهنا الهداية تعم التكوينية والتشريعية أماهيه ، فإن أزمة الأمور طرا بيده ، والكل مستمدة من مدده.

ولأن الله هو الحق لا سواه فهو ـ إذا ـ يهدي للحق ، لا إلى الحق إلا بتأويل ، ثم زواية تالية هي الزواية الرسالية لهندسة الهدى الحقة إلى الحق ، إذ ليس الله ليهدي إلى شرعة إلا بوسائط رسله ، فهم يهدون إلى الحق ـ لا للحق ـ بما هدوا بالوحي.

ومن ثم زواية ثالثة هي خلافة العصمة الرسالية ما حضر منهم من حضر.

ثم زاوية رابعة هم ربانيو الأمة الأعلم الأتقى منهم فالأتقى.

فأما المفضول في هدى الحق فضلا عمن لا يهدّي وإن هدي ، فلا يحق اتباعهم في سبيل الحق.

ذلك ، وكل هذه المراحل هي بإذن الله وكما حده الله انتجابا رسوليا أو رساليا ، بالنص الخاص ، أم خيرة ربانية انتجابا للأهدى فالأهدى في سبيل الحق.

وهكذا يكون دور كتب الهدى ، فالقرآن ـ إذا ـ يحتل القمة العليا في حقل الهدى ، أفيترك القرآن الهادي إلى الحق المطلق ، إلى الحديث الذي لا يهدّي إلا أن يهدى ، ولا سبيل في تصديقه بهداه إلّا وفقه للقرآن.

__________________

ـ غرق» ٩ : ٤٧٦ ، فقال عمر : لا بل الملك عقيم والحق لابن أبي طالب ٤ : ٨١ ، و «هو أحق بالنبي من جبرئيل ٦ : ٤٩٧ و١٧ : ٣٤ و «إن لعلي حقا لا يعلمه إلا الله وأنا ٥ : ١٢١.

٨٢

ذلك ، فإذا تحقق الحق إمرة وسواها في أهله فالمفروض أن يتبع ، وكما في خطبة للإمام الحق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) :

«أما بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم ، ولكم عليّ من الحق مثل الذي لي عليكم ، والحق أوسع الأشياء في التواصف ، وأضيقها في التناصف ، لا يجري لأحد إلا جرى عليه ، ولا يجري عليه إلا جرى له ، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه ، لقدرته على عباده ، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضاءه ، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله» (الخطبة ٢٠٧).

وفصل القول حول الآية أن الإتباع مخصوص لمن هو هاد لا يحتاج إلى الاهتداء ، أم هو مهتد فيهدي من ليس على هداه ، ففي مسرح الهدى الطليقة الذاتية «من يهدي للحق وإلى الحق» هو الله تعالى شأنه ليس إلّا هو ، وفي مسرح طليق الهدى فالحاصل عليها كأفضلها يتّبع ، وغير الحاصل أو غير الأفضل لا يتّبع ، وهذه ضابطة ثابتة في كل الأعراف العاقلة أن المتّبع لا بد وأن يتبع الأهدى فالأهدى ، فإذا وجد الهادي الطليق في هداه فهو المتّبع ليس إلّا ، وإلّا فمن دونه وهو فوق سائر الهادين.

فهذه الآية هي من عساكر البراهين القرآنية الدالة على وجوب تقليد الأعلم الأتقى فإنهما الهدى اللائقة بالاتباع ، ثم الأتقى العالم أمام التقى الأعلم ، حيث الهدى في أصلها في حقل التقى.

ثم «من لا يهدي إلّا أن يهدى» هو منطبق تماما على من يهتدى حين يهدى ، ثم على من لا يهتدى وإن يهد فإن فيه أصل قبول الهدى مهما يرفضها ، ثم من لا يمكن أن يهدى اللهم إلّا أن يخلق فيه قابلية الهدى ، وهي الجمادات أو الأشجار المعبودة من دون الله وسواها ، أو يقال إن الهدى هنا عامة تشمل الخلق كله إذ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) فالخلق ككل ليس ليهدّي إلّا أن يهدى ، والمهدي منه بين من يهدي إلى الحق ومن لا يهدي إلى حق أو باطل أم يهدي إلى

٨٣

ضلال ، فهل إن الله الذي يهدي ولا يهدّي أحق أن يتبع ، أم الخلق الذي لا يهدّي إلّا أن يهدى مهما كان من الهداة ، فضلا عن الضالين أو الذين لا يهدون ولا يضلون.

إذا فربنا هو الذي يهدي كأصل ، ثم الذين يهدون بأمره قدر ما اهتدوا ، الأهدى منهم فالأهدى.

وهنا (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) تعني غير الصالحين من الملائكة والنبيين إذ هم يهدون إلى الحق بإذن الحق ، وحتى إذا شملهم إلى الطواغيت والأصنام فهم ممن لا يهدّي إلا أن يهدى ، فهل يترك هاديهم ـ وهو الله ـ إليهم وهم المهتدون بالله.

ولو أنهم اتبعوا الملائكة والنبيين كوسطاء بينهم وبين الله فقد اتبعوا الله ، ولكنهم وهم يعبدونهم بين سائر المعبودين من دون الله ، إنهم ليسوا ـ إذا ـ يتّبعون أصالة ، إذ ليسوا ليهدّوا إلّا أن يهدوا ، والله هو الهادي غير المهدي ، فهو الأصل في الهدى ، فهو ـ إذا ـ الأصل في الإتباع ليس إلا.

(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) تكوينا وتشريعا كما الله الذي (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ففي حقل التكوين أن يضع نظاما كونيا ، وفي التشريع أن يرسل رسلا وينزل كتبا توقظ غفلان القلوب وتهديهم إلى الحق المرام ، وحق الملائكة والنبيين إذ هم مهتدون بما هداهم الله في عمالة التكوين وحمل الشرعة إلى الرسل ولم يكونوا ليهدوا أنفسهم فضلا عمن سواهم.

(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بواجب أو راجح الإتباع لغير الله طاعة وعبادة أماهيه من شئونه؟.

(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ)(٣٦).

هنا آيات عدة تندد بالظنون ، وهي الاعتقادات غير المسنودة إلى

٨٤

علم قاطع من قاطع الفطرة والعقلية السليمة ، أم قاطع الكتاب والسنة.

فالأصل عقليا وشرعيا في كل إقبال وقبول هو العلم الهادي إلى سواء السبيل ، في مثلث الفطرة والعقلية السليمة والشرعة الربانية.

وقد يعبر عن كل المحاصيل لهذه الثلاث ولا سيما الأخيرة بالعلم ، وتقابلها محاصيل من غيرها حيث يعبر عنها بالظن مهما كان علما.

فإنما الحجة المقبولة ، القابلة للاستناد إليها في حقل الشرعة الربانية ، إنما هيه محاصيل صالحة من المستندات الشرعية ، دون ما سواها مهما كانت علمية مصدقة عند كافة الأعراف البشرية.

ولأن الآيات التي تندد باتباع الظن ، وانه لا يغني من الحق شيئا ، لأنها تحمل موضوع الظن ، وهو كبرهان لتزييفه بنفسه ، فقد لا تقبل الإختصاص بظن دون ظن ، رغم ما خيّل اختصاصه بالظن في حقول الأصول العقائدية ، مهما وردت الكثيرة من آيات الظن في تلك الحقول ، ولكن منها التي تعمها وسواها ك (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٣ : ٧٨) مما يدل على أن الظن بالكتاب ـ الحاوي لكلا الأصول والفروع ـ إنه مرفوض مرضوض ، فإنما العلم هو الحجة لا سواه.

ذلك ، إضافة إلى أن المحتاج إليه في الكتاب كأصل ليس إلّا الفروع ، وأما الأصول العقيدية فلها حجج الفطرة والعقلية السليمة ، مهما تتبلور بحجج الكتاب.

ذلك ، وكما منها كالخاصة بالفروع ك (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..) (١٧ : ٣٦) بعد كثير من المحرمات الكبيرة الفرعية.

ذلك ، فحجية ظن أو شك أو احتمال ، مسنودة إلى علم ، هي نفسها حجية العلم ، فالأصول العملية المسنودة إلى قاطع العلم ، هي أصول علمية مهما لم تفد حتى الظن كما الاستصحاب والبراءة وما أشبه

٨٥

لضرورات موضوعية شخصية لا سبيل إليها بطليق العلم قضية قصور المكلفين.

وتقابلها الضوابط غير المسنودة إلى علم مهما حصل بها علم ، كالاجماعات والشهرات والقياسات والاستحسانات والاستصلاحات ، إما هو آت من غير المصادر العلمية المقبولة في شرعة الله.

فحين نستند إلى أحكام الأصول والأدلة غير العلمية ، المسنودة إلى علم أو أثارة من علم ، لسنا لنستند إلى أحكام غير مسنودة إلى الكتاب والسنة ، كغير الكتاب والسنة من مراجع متخيلة.

وهنا على ضوء الآيات الناهية عن العمل والإفتاء بغير علم ، روايات متواترة بنفس النمط وإليكم نماذج منها :

١ «خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر له من لبن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قولا آل منه إلى غيره ، وقال قولا وضع على غير موضعه وكذّب عليه ، فقام إليه علقمة وعبيدة السلماني فقالا : يا أمير المؤمنين فما ذا نصنع بما قد خبّرنا في هذه الصحف عن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال : سلا عن ذلك علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (١).

٢ «في وصيته (عليه السلام) للحسن (عليه السلام): «لا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم».

٣ وقال (عليه السلام): «لو سكت من لا يعلم سقط الإختلاف» (٢).

٤ وعن الباقر (عليه السلام) سئل : ما حق الله على العباد؟ قال :

__________________

(١) العوالم (٢ ـ ٣ : ٤١٨) عن كتاب عاصم بن حميد عن خالد بن راشد عن مولى لعبيدة بن السلماني قال: ..

(٢) المصدر (٤٢٠) عن كنز الكراجكي ١٤٧.

٨٦

«أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون» (١).

٥ وعنه (عليه السلام) قال : «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا»(٢).

٦ وعنه (عليه السلام) قال : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه» (٣).

٧ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن الله تبارك وتعالى عيّر عباده بآيتين من كتابه : ألا يقولوا حتى يعلموا ، ولا يردوا ما لم يعلموا ، قال الله عزّ وجلّ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وقال (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (٤).

٨ عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إياك وخصلتين فيهما هلك من هلك ، إياك أن تفتي الناس برأيك ، أو تدين بما لا تعلم» (٥).

٩ وعنه (عليه السلام): «إن من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحق وإن ضرك على الباطل وإن نفعك ، وأن لا يجوز منطقك علمك» (٦).

١٠ وعنه (عليه السلام) قال : إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت فيه والرد إلى أئمة المسلمين حتى يعرّفوكم فيه الحق ويحملوكم فيه على القصد قال الله عزّ وجلّ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧).

١١ وعن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : ليس لك أن تقعد مع من شئت لأن الله تبارك وتعالى يقول : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي

__________________

(١) المصدر (٤٢٠) عن أما لي الصدوق (٣٤٣).

(٢) المصدر (٤٢٠) عن المحاسن للبرقي.

(٣) المصدر عن المحاسن.

(٤) المصدر ٤٢٣ عن أما لي الصدوق (٣٤٣).

(٥) (٤٢٤) عن الخصال (٥٢).

(٦) المصدر عن الخصال ٥٣.

(٧) المصدر (٤٢٦) عن المحاسن ١ / ٢١٦ ح ١٠٤.

٨٧

آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وليس لك أن تتكلم بما شئت لأن الله عزّ وجلّ قال : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ولأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو صمت فسلم ، وليس لك أن تسمع ما شئت لأن الله عزّ وجلّ يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١).

ذلك ، والأسوة الطليقة برسول الله تقتضي لزاما ألا نعدو الكتاب والسنة فيما نفتي ونعمل به ، كما والأئمة (عليهم السلام) ما كانوا يفتون إلا بالكتاب والسنة : فحين يسأل الإمام الصادق (عليه السلام) : بأي شيء يفتي الإمام ، يقول : بالكتاب. فما لم يكن في الكتاب؟ يقول : بالسنة ، فما لم يكن في الكتاب والسنة؟ يقول : ليس شيء إلا في الكتاب والسنة ، فيكرّر عليه ، فيقول : يسدّد ويوفق ، فأما ما تظن فلا» (٢) يعني أن يفتي من غير سناد إلى كتاب أو سنة.

وكما عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : «يا جابر! إنا لو حدثناكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم» (٣).

وعنه (عليه السلام) قال : «لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ولكننا حدثنا بينة من ربنا بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فبيّنه لنا» (٤).

وعنه (عليه السلام) قال : «لو كنا نفتي برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، نفتيهم بآثار من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصول

__________________

(١) المصدر (٤٢٧) عن العلل ٦٠٥ ح ٨٠.

(٢) العوالم (٢ ـ ٣ : ٤٨٩ عن بصائر الدرجات ٣٨٧ ح ١.

(٣) المصدر ٤٨٦ عن الإختصاص ص ٢٧٤ والبصائر ٢٩٩ ح ١.

(٤) المصدر عن البصائر ٢٩٩ ح ٢.

٨٨

علم عندنا نتوارثها كابرا عن كابر ، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم» (١).

وعنه (عليه السلام): «إنا على بينة من ربنا بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لنا ، فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس» (٢).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ (٣).

وعن أبي الحسن (عليه السلام) قيل له : «كل شيء تقول في كتاب الله وسنته؟ أو تقولون فيه برأيكم؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنته» (٤).

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ

__________________

(١) المصدر انه (عليه السلام) قال : يا جابر ...

(٢) المصدر عن الإختصاص ص ٢٧٤ والبصائر ٣٠١ ،

(٣) المصدر عن منية المريد ١٩٤.

(٤) المصدر ٤٩ عن الإختصاص ٢٧٤ والبصائر ٣٠١.

٨٩

صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ

٩٠

اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ

٩١

لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٣٧).

(ما كانَ) هنا ـ وأيا كان ـ تضرب السلب المؤكد إلى أعماق الماضي وغيره من مثلث الزمان ، ف (ما كانَ) سلب لإمكانية هذه الكينونة للقرآن إذ يستحيل هكذا كلام منضد من الحق الطليق من غير الله ، لأن من سوى الله أيا كانوا وأيان هم لا يحيطون علما بكل شيء ، والقرآن يحمل هذه الحيطة المطلقة المطبقة دون أي نقص أو إمكانية نقص في أدب اللفظ أو حدب المعنى.

فكما أنه ما كان الله ليصبح مألوها ، كذلك ما كان كلام الله : القرآن ليصبح كلام مألوه ، وهذا من القضايا التي قياساتها معها ، فالقرآن هو بنفسه برهان لا مرد له على ربانية مصدره وصدوره دون حاجة إلى برهان سواه. ف (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (١٣ : ٤٣) حيث (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤ : ١٦٦).

فالله نفسه هو الذي يشهد بكتابه على رسالته الربانية ، فإن علمه البارع وحكمته البالغة باهرة في آياته ، ظاهرة في بيناته ، فلا بينة أبين ولا برهان أمتن على الله ورسالاته من هذا القرآن العظيم والتبيان الحكيم ، وكأن الله جاء بنفسه إلى المكلفين بهذا القرآن وكما (لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ٥٢) إذ تعني جئنا إليهم بكتاب ، فمجيء الكتاب كأنه مجيء الله ، فلو أمكن مجيء الله إليهم بنفسه سبحانه لما زادهم حجة على حجة الكتاب إذ جمع فيه كافة الحجج البالغة الدالة على الحقائق المعنية في حقول المكلفين.

٩٢

ف (ما كانَ) هنا بالنسبة للقرآن تنفي شأنية فريته من دون الله وإمكانيتها ، دون فعليته فقط ، فليس بالإمكان في مثلث الزمان أن يفترى هذا القرآن من دون الله لميّزته الربانية المتميزة عن الميزات الخلقية ، (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من كتاب لوحدة المصدر وتشابه الصادر قرآنا بغير قرآن مهما يربو القرآن على سواه في ربانية المصدر والصدور.

ولما ذا (بَيْنَ يَدَيْهِ) وهو بعد كل كتاب وخلفه ، حيث القرآن ناظر إليها ناظرة الهيمنة (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ..) (٥ : ٤٨).

فليس القرآن كسائر الكتب الخلقية مدبرا عما سلفه من كتاب ، ناقضا له ، بل هو مصدق للوحي كله قبله ، ومكمل له ومهيمن حفيظ عليه عمّا حرف ودسّ فيه بأيد أثمية لئيمة.

ثم (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) الحكيم عند الله ، والحكيم الذي أنزله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة القدر ، فإنه (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١) فكما الكتاب الحكيم هو عنده ومنه كذلك (تَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) : الكتاب من رب العالمين ، وتفصيل الكتاب من رب العالمين ، وتصديق الذي بين يديه من رب العالمين.

وقد يعني «الكتاب» بما عنى ، طليق الكتاب النازل على رسل الله ومنه النازل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة القدر ، فالقرآن المهيمن عليها يحمل تفصيلا لها ، تفصيلا لمحكم القرآن عن إحكامه ، وتفصيلا لما أبهم من الوحي قبله ، وتفصيلا لحقه عن الباطل المدمج فيه ، وتفصيلا لثابته عن منسوخه ، إذا فالقرآن يحمل حصيلا من ذلك التفصيل التحصيل ، ليس بعده تفصيل ولا تحصيل ، اللهم إلّا ما تشرحه السنة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) دونما أي نسخ أو تبديل.

ذلك ، وكيف «ما كان أن يفترى» وقد افتري عليه أنه من دون الله

٩٣

وليس من الله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (١١ : ١٣)؟.

(ما كانَ) هنا مثل (لا رَيْبَ فِيهِ) لا تنفي فرية الافتراء ، وإنما تنفي أهلية الفرية فيه ، فالذين يفترون عليه أنه مفترى هم خارجون عن حقل العقل والفطرة الإنسانية والمعرفة الكتابية ، فليس الافتراء هو المنفي ، بل المنفي هو جوازه وإمكانيته عقليا ، طالما يتقول مجاهيل أنه مفترى :

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣٨).

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٢ : ٢٤) وهذه هي قضية الحفاظ على صالح الوحي والذود عن ساحته ، الطالح المدعى ، حيث السكوت أمام الفرية إما جهالة أو عجز أم خيانة تعالى الله عنها علوا كبيرا : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٦٩ : ٤٤ ـ ٤٧) فمن هذا الذي يحجز عن أخذي باليمين وقطعي بالوتين؟ وإجرام الافتراء ليس إلّا علي وها أنا بريء منه كما ترونني : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (١١ : ٣٥) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٦ : ٨) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ..) (٣٢ : ٣)!.

فما الفرية على القرآن أنه فرية على الله إلا فرية على الله أنه جاهل أو عاجز أو بخيل أن يذود عن ساحة وحيه ، ومفترى عليه ، وحتى المشرك بالله ليس ليقوله على الله فأنى تؤفكون؟.

وهنا حجة تعجيزية على قولة الفرية (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وكما في البقرة (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) لا فحسب أنتم العرب العرباء بل (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه مفترى على الله.

٩٤

ذلك ، فتراه ـ بعد ـ تفصيلا للكتاب المقدس ـ على حد تعبير الحداد الشداد في تقولاته (١) ويكأن «الكتاب» في عرف القرآن يختص بذلك الكتاب دون القرآن نفسه بمراتبه السابقة ، في علم الله ، وفي نزوله ليلة القدر بصورة محكمة وما أشبه؟!.

وهنا النقطة الرئيسية في انحراف الحداد وانهرافه هي اعتباره لفظة : «الكتاب» أنه الكتاب المقدس ، وإنما مثله في هذه الدعوى مثل من أنس بكتاب خاص بكل مراس واكتراس ، فكلما يسمع لفظة «الكتاب» من أي كتاب ، يحسبه كتابه الخاص ، مشية عشواء حمقاء عمياء : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٦٧ : ٢٢).

وهل يستسيغ الحداد تفسير لفظة «الكتاب» في التوراة أنها تعني صحف إبراهيم ، لأنه كتاب سبقه؟.

و «الكتاب» المذكور في القرآن في عشرات من آياته تعني ـ كأصل ـ القرآن ولا سيما ، فيما يصرح بنزوله على رسول القرآن ، ثم وتعني سائر الكتاب بقرائن تعينه وتعنيه.

فقد تعني كل كتاب (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (٢ : ٢١٢).

وأخرى كتابا خاصا ك (إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ..) (٢ : ٥٣).

وثالثة ما فرضه الله في القرآن : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (٤ : ٢٤).

ورابعة كتاب العدة الرجعية : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) (٢ : ٢٣٥) فهل «الكتاب» هنا أيضا ـ كما يهواه الحداد ـ

__________________

(١) يقول في كتابه «القرآن والكتاب» (٦٦٢) «مهما يكن من شيء فلا شك أن القرآن تفصيل للكتاب المقدس للقول المكرر بانه تفصيل الكتاب وتصديقه فهل يفصل النبي كتابا لا يعرفه».

٩٥

هو التوراة ، فلا يجوز نكاح المعتدات حتى يبلغ التوراة أجله؟!.

ولو كان القرآن تفصيلا ل «الكتاب» التوراة دون وحي فذ ، إذا فدعوى وحيه الفذّ فرية على الله (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ..؟!.

(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وترى كيف تكون سورة مثله؟ وليس القرآن سورة ، بل هو مجموعة سور!.

«سورة» كأصل من سور البلد ، وهو الجدار المحيط به الذي يفصله عما سواه ، فهي في القرآن مجموعة آيات مفصولة عما سواها من آيات ، فصلا بالبسملة كما في السورة المصطلحة ، ومما تعنيها (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) (٢٤ : ١).

أم فصلا في عناية خاصة من مجموعة آيات غير مفصولة بالبسملة كما هنا (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) إذ تعني مجموعة آيات مثل القرآن كله ، فالقرآن إذا سورة واحدة ، وكما في (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (١١ : ١٣) حيث القرآن كله سورة من الوحي كسائر سور الوحي ، إذ لكل وحي سور يخصه ، ولا سيما لسور القرآن في حقل الفصاحة والبلاغة لفظيا وفي كافة الحقول المعنوية.

أم مجموعة هي قسم من القرآن غير مفصولة بالبسملة كما تعنيها (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) (٩ : ٨٦) و (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) (٩ : ٦٤).

وقد يحتملهما سائر السور المذكورة في القرآن ك (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٢ : ٢٣) (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) (٩ : ١٢٤) (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) (٩ : ١٢٧) (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ ..) (٤٧ : ٢٠).

٩٦

إذا فالسورة مصطلحة في القرآن لمجموعات ثلاث : القرآن كله ، المجموعات المفصولة بالبسملات ، المجموعات غيرهما وهي الآيات المرتبطات ببعضها البعض في عناية خاصة.

ولأن أقل سورة مفصولة بالبسملة هي آيات أربع كالكوثر ، فهي أقل المتحدى به في (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ـ أو ـ مثله» ثم كل آية مستقلة المعني هي من المتحدى بها لكونها آية وعلامة لربانية صدورها ومصدرها.

والقرآن يتحدى بسورة ، وهي أية مجموعة منه ومنها نفسه كله ، أم عشر مجموعات مفصولات بالبسملات وسواها ، أم مجموعة واحدة أقلها آيتان ، بل وآية واحدة لمكان كونها آية ، ما تعني معنى مستقلا كالبسملة وما أشبه.

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)(٣٩).

إنهم يصدقون صامدين ما ليس لهم به من سلطان ، ثم لا يصدقون ما يصدقه كل سلطان ، (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٧ : ٥٣).

إنهم (لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) أنه من علم الله ، إذ لم يتدبروا فيه حقه حتى يعرفوا معناه ومغزاه ، ثم (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) مأخذا ومرجعا ، فقد كذبوا جهلا بما يكذبون ، وليس للجاهل تكذيب ما يجهله ولا تصديقه ، وكان عليهم أن يصدقوه لو كانوا يتدبرون وأحاطوا بعلمه فيعرفوا أنه ليس من عند غير الله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤ : ٨٢) ولو كان أتاهم تأويله مأخذا قضية صالح التدبر فيه ، لكانوا يصدقون ، وحين يأتي تأويله مرجعا منذ يوم الموت وإلى القيامة الكبرى فلات حين مناص وقد فات يوم خلاص و (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ)

٩٧

حيث لم يتدبروا فيه (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ ..) (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)».

ذلك ، فلا يصح ويصلح تصديق شيء أو تكذيبه إلّا بعد معرفته والحيطة به قدر ما يسمح للحكم له أو عليه ، وهؤلاء الحماقي المجاهيل ـ الذين لا يسمحون لأنفسهم أن يسمعوا لهذا القرآن ـ يبتدرون بتكذيبه وأنه فرية على الله ، كإخوانهم الماديين الذين يحصرون الكون في المادة ثم يحكمون أن ليس الله كائنا لأنه ليس من المادة ، أم لأننا ما وجدناه في عالمنا ، وهذا تكذيب بما لم يحيطوا بعلمه.

وهكذا كل مصدّق أو مكذّب لا بد فيه من حيطة علمية قدر ما يصلح للحكم ، كما وأن كل علم أو ظن أو شك أو وهم بحاجة إلى برهان يقرره.

ذلك ول (لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) معنيان هما معا هنا معنيان ثانيهما التكذيب بما لا يعلم ولمّا يعلم ، وقد سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الأمور العظام التي تكون مما لم تكن فقال : لم يأن أو ان كشفها بعد وذلك قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (١).

ولقد «خص الله عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا ..» (٢).

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ)(٤٠).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٣٠٤ في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عنه (عليه السلام) وفيه عن حمران قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الأمور العظام من الرجعة وغيرها فقال : إن الذي تسألوني عنه لم يأت أو انه قال الله : ..

(٢) المصدر عن أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ... قال عزّ وجلّ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وقال : بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله.

٩٨

ف (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) مصلح إذ نحا نحو الحق المبين ، يصلح به نفسه ويصلح آخرين ، و (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) مفسد إذ يعرض عن مسرح الحق بمصرحه ، يفسد نفسه ويفسد آخرين (وَرَبُّكَ) الذي رباك بهذه التربية القمة السامقة (أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) غير المؤمنين به متجاهلين ، ولأن (لا يُؤْمِنُ) ليس إلا تقصيرا تركا للتدبير فيه أم سواه من تقصير ، إذا فعدم الإمعان في معانيه إفساد ، مهما اختلف إفساد عن إفساد.

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)(٤١).

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ) بعد كل هذه البراهين الباهرة ، فلا رجاء ـ إذا ـ فيهم لتقبّل هذه الدعوة ، فهنالك المفاصلة التامة (فَقُلْ لِي عَمَلِي) فلا يضركم ما أنا عليه لو كنت كاذبا (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) لا يضرني إذ أنتم كاذبون ، ثم إذا (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ) ف (أَنَا بَرِيءٌ) كما أنتم (مِمَّا تَعْمَلُونَ).

وهذه لمسة ماسة لوجدانهم ـ إن كان لهم وجدان ـ باعتزالهم بأعمالهم ، وانعزالهم لمصيرهم منفردين ، ليواجهوا مصيرهم دونما سند ولا عماد.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ)(٤٢).

هنا (يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) دون «لك ـ أو ـ يستمعونك» تقرر موقف استماعهم أنه ما كان بقصد الانتفاع ، بل هو الانتقاد للرسالة القرآنية ، مظهرين أنهم استمعوا إليه لقرآنه ، محيطين بعلمه ، فما وجدوه إلّا مفترى على ربه (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) الذين لا يسمعون (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) ما استمعوه وهم لاهون لاعبون ، أم لم يعوه إذ لم يستمعوه ، (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً. وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (١٧ : ٤٧).

٩٩

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ)(٤٣).

وهنا (يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ك (يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) يعني نظرا ظاهرا إبصارا إليه لا إبصارا به ، فلم ينظروا إليه ليعتبروا بآيات رسالته ، بل وليظهروا كأنهم ناظرون إليه نظر الإعتبار ، ولكنهم لم يعتبروا إذ لم يجدوا فيه معتبرا فهم عمي في ذلك النظر (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) فقد يبصر الأعمى بإزالة العمى ، ولكن الأعمى المصر على العمى ليس ليبصر ، فهم إذا يستمعون إليك ولا يسمعون ، وينظرون إليك ولا يبصرون : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ١٧٩).

ذلك ، والعمي هنا عن آيات الله البينات هم عمي هناك عن رحمات الله والجنات ف (مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١٧ : ٧٢). فهؤلاء العمي هنا عمي يوم الأخرى عن نتائج الإبصار يوم الدنيا وهي الجنات.

وهكذا العمي هنا عن معرفة الله هم عمي هناك عنها (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) فلا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يهديهم سبيلا.

ثم وهم عمي في أبصارهم لفترة عذابا فوق العذاب ، كما هم عمي في بصائرهم عن الرحمات ومعرفة الله عذابا فوق العذاب : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ..) (٢٠ : ١٢٦).

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٤٤).

فحين هم يستمعون إليك ولا يسمعون ، وينظرون إليك ولا يبصرون ، تجاهلا وعنادا ثم لا يهتدون ، فمن هو الذي ظلمهم إلّا أنفسهم حيث هم (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فليس الله ظالما ولا مظلوما ، وإنما هم

١٠٠