الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(١٢).

«لعلك» هنا تبيين لقاسية الظروف الرسالية لهذا الرسول العظيم ، أن لولا العصمة الربانية لكان ـ علّه ـ تاركا بعض ما يوحي الله من جراء تكذيبهم الدائب إياه ، (وَضائِقٌ بِهِ) : ـ ببعض ما يوحى إليك ـ «صدرك» حيث لا تتحمله حين يكذبونك فيه ، فمهما ينشرح صدره بما يوحى إليه ولكنه قد يضيق بما يكذّب فيما انشرح به صدره ، (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) كسائر النذر (عُذْراً أَوْ نُذْراً) وليس عليك هداهم ف (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٣ : ٢١) (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فلست أنت عليهم بوكيل ولا نائب ولا خليفة ولا مخول في أمرهم ، (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ).

وقد تمسك ب «لعل» هنا مجاهيل من المبشرين أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك بعض ما أوحي إليه وضاق به صدره (١) ويكأن «لعل» ـ المشكلة ـ في أدبهم غير الأديب ولا الأريب ، تعني «أنّ» الحاتمة لمدخولها ، وهي لا تعني إلّا بيانا لقاسية الظروف الرسالية مثل (لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) وما أشبه.

ولو أن «لعلّ» ـ التي تجعل مدخولها في بقعة الإمكان ، نافية للاستحالة ـ لو أنها تحتّم مدخولها لها بمجرد ذكرها ، لكان ـ إذا ـ كل ما

__________________

(١) كالحداد البيروتي في كتابه «القرآن والكتاب» ج ٢ : ٧٠٨ حيث يقول : الرابعة التسلسل التاريخي إمكان ترك النبي بعض ما يوحى إليه ، ما زالت تحديات المشركين تترى على محمد لإثبات رسالته بمعجزة كالأنبياء الأولين ، ولما ضايقوه همّ بترك بعض ما يوحى إليه «فلعلك ..» (١١ : ١٢) ... أجل لا يلزم من توقع النبي الشيء حدوثه ، ولكن مجرد التهمة شبهة ، وضيق صدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عدم وقوع المعجزة دليل على ما هم به من ترك بعض الوحي ، ولولا عزم النبي على ترك بعض الوحي ، ما كان القرآن وبّخه هذا التوبيخ اللاذع ، فلا يليق بالله توبيخ بلا ذنب ومعاقبة بلا زلّة ، وفي قصة النسيان المقصود من الله دليل على إمكانية وقوع الترك».

أقول : القصد من النسيان المقصود ما خيّل إليه من (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ ..) وليس الاستثناء إلا عن الإقراء ، سنقرئك إلا ما شاء الله ألا يقرئك.

٢٢١

بالإمكان واقعا لا محالة ، فليكن المستدل بها على الوقوع مجنونا جاهلا قاحلا لإمكانيتها فيه ، أم ليكن ميتا أو لمّا يولد وما أشبه من إمكانيات غير واقعة ، أنها واقعة.

إنما «لعل» هنا وفي أضرابه للتأشير إلى عشير النكير المتواتر من هؤلاء المجاهيل ـ كقائل هذه القولة الغائلة ـ لهذه الرسالة السامية.

ثم ومثل شديد التهديد (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٦٩ : ٤٦) كان يتربصه لو أنه غيّر سلبيا أو إيجابيا بعض ما أوحي إليه ، فكما أن الزيادة في الوحي توحي بفرية الوحي ، كذلك النقيصة منه توحى بعدم الوحي ، ف «أوحى إلي ربي» ولم يوح إليه ، لا يختلف عن «لم يوح إلي ربي» وقد أوحى إليه ، والرسول بكل كيانه الرسالي إذاعة للوحي قولا وعملا وتقريرا ، والسكوت عن بعض ما أوحي إليه نطق بأنه لم يوح إليه وقد أوحي!.

ذلك ، وقد شرح الله صدره عند بزوغ الوحي بهذه الرسالة القدسية ، فليس ليضيق صدره إلّا بما يضيّق صدره من تكذيبه في رسالته ، ضيق هو من قضايا الشرح ، ثم ولم يضق صدره لذلك أيضا ، وإنما كاد ، وعصمه الله عنه كما عصمه عن ترك بعض ما أوحى إليه.

ولو أنه ترك بعض ما أوحي إليه لكان متروكه مذكورا في الذكر الحكيم إذ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩) وكيف يحفظ القرآن بترك بعضه؟ إنما هو «لعلك» بيانا لإحراج موقفه لحد علّه يترك بعض ما أوحي إليه مخافة تكذيبه المتواصل ، ولكن الله طمأنه وآمنه فلم يترك ولن.

ثم وليس من المعقول ـ ولا سيما بالنسبة لأعقل العقلاء ـ أن يترك بعض الوحي ويفضح نفسه في كتاب وحيه نفسه ليسقط عن الإعتبار ، وهو خيانة في الوحي ، وليس الله بساكت عنها أبدا!.

وقد يعني «تارك» ـ إلى ما يعنيه ـ ترك إبلاغه إلى هؤلاء المكذبين وهو يبلغه إلى المصدقين حيث الترك ليس يختص بالسلب الطليق ، بل

٢٢٢

وسلب نسبي فيه إثبات مّا ك (تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) (٤ : ٩) فإنه سلب نسبي وهو عن أنفسهم بالموت ، ثم إيجاب لهم أنفسهم حيث عاشوا بعدهم ، فقد يترك بعض ما أوحي إليه كتمانا عن أهليه ، أو نسيانا ، أم يترك تناسيا تركا لبلاغه المستمر للمكذبين به ، بعد ما بلغه ولم يزدهم إلّا زائدا من الهزء والتكذيب ، ولكنه لم يكن ليتركه رسوليا «نسيانا» أم رساليا تناسيا عن بلاغه إلى أهليه ، ولا عن غير أهليه ، وإنما «لعلك» بالنسبة لهؤلاء الأنكاد المكذبين.

وعلّ (بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) دون «كله» يعني الآيات التي تصرح بمعجزة القرآن ، ألا يتلوها ـ بعد ـ عليهم ، قضية تواتر نكرانهم لمعجزة القرآن ، فقد يهتم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يترك قراءة الوحي على هؤلاء المكذبين لمحات يسيرة أو كثيرة أو مع الأبد ، غضبا وعقوبة عليهم ، كما الله قد يسلب بعض عباده نعمة نتيجة كفرهم أو كفرانهم إياها و : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٨ : ٥٣).

ولم يكن الرسول ليترك بعض ما يوحى إليه قضية ذلك التكذيب المتواصل المتعاضل إلّا بإذن ربه ، وقد عرف عدم إذنه تعالى بمثل هذه الآية فلم يتركه إذا ولن : ف (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) (٢١ : ٤٥).

فلا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك الوحي ، ولا بعض ما يوحى إليه أو كاد ، وعله يترك بإذن ربه عقوبة عليهم ونكاية ولكنه لم يؤذن بذلك ، ولكنه لم يتركه لهم حتى نسبيا حيث ضمن له الله وطمأنه ، وأنه من رعيل النذر الذين عليهم الإنذار «عذرا أو نذرا» «عذرا» حين لا يؤثر الإنذار «أو نذرا» فيما يؤثر.

ف (أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) هي قولة غائلة هائلة ضد هذه الرسالة السامية قد تحرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يترك بعض ما أوحي إليه بلاغا لهؤلاء الإنكاد ، ولكنه معصوم بعصمة ربانية تحافظ على «لعلك ـ و ـ ضائق به صدرك» فهو نافض يديه

٢٢٣

عن كل ما أوحي إليه دون إبقاء ، وكما نجد عشرات من الآيات التي تذكر مواجهته بها إياهم بهذه الذكريات وهم مكذبوه.

وهنا (بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) ليس إلا البعض الذي أحرجوه فيه ، كآيات التحدي التي تعرّف بالقرآن أنه أفضل آية رسولية ورسالية على مدار الزمن الرسالي ، ما نزلت منها وما لم تنزل بعد ، وكذلك آيات البشارات في كتابات السماء ، أن الله تعالى أودع فيها خبر هذه الرسالة السامية بكتابه المجيد.

فقد كان قضية ظرف النكران لأمثال هذه الآيات ، تطلبا بديلها ما ليست بآيات ك (أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) أم أية خارقة ليست لتدل على الرسالة ك (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) إذ (لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) كان قضيته أن يترك أمثال هذه الآيات التي ما كانت تزيدهم إلّا نفورا ، فلا يتلوها عليهم بعد ، بعد ما تلاها عليهم وما نفعتهم!.

ولكن الله لم يسمح له بهذا الترك رغم أنه قضية الحال اعتبارا بالصبغة الرسالية العامة : «عذرا أو نذرا».

ذلك ، فالمتوقع من النفس البشرية ـ لولا العصمة الربانية ـ أن تضيق صدرا بذلك الجهل القاحل ، والتعنت الماحل ، والاقتراحات السخيفة النحيفة التي تكشف عن بعدهم البعيد عن درك طبيعة الرسالة الربانية ووظيفتها.

فقد تشي هذه الآية وأضرابها بقساوة الجو لفترة حرجة مرجة في تأريخ الدعوة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) وما كان يعتور صدره المنشرح من ضيق بتكذيبه ، كما تشي بثقل المواجهة للجاهلية المتمردة المعاندة في الوقت الذي هلك فيه العشير والنصير ، وغمرت الوحشة قلب هذا البشير النذير ، وغشي الكرب على قلوب القلة المؤمنة بهذه الرسالة أمام الثلة الكافرة بها المكذبة إياها.

أفيقولون قد لا يكون هو رسولا إذ لم ينزل عليه كنز ولا جاء معه ملك :

٢٢٤

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١٤).

كل فرية لها سمة أو سمات ، فهل هنا سمة في القرآن أم وصمة تدل على أنه ليس رباني المصدر والصدور؟ (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) : القرآن ، مفتريات ، والخطاب المتحدي هنا يعم كافة المكلفين من الجنة والناس أجمعين ، حيث «يقولون» المستمرة بمضارعتها تعم كافة القائلين الغائلين أن يفترى على الله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١٧ : ٨٨).

لا فحسب بمثله أم بعشر سورة مثله ، بل وبسورة (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (١٠ : ٣٨) أو من مثله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢ : ٢٤).

والمماثلة المتحدى بها وإن في سورة هي الطليقة الشاملة لأية مماثلة في نسج العبارة ونضد التعبير ، في كافة الضروب البيانية بلاغة وفصاحة ، وفي كافة الحقول العلمية التي توجد في ذلك المسرح الفصيح القرآني الفسيح.

فكما أن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٤٢ : ١١) في ذات وصفة وفعل ، كذلك كتاب الله ليس كمثله شيء في أي شيء من كتابات الأرض ، ولا الكتابات السماوية غير المتحدى بها!.

(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) ـ وهم يكرّسون كافة إمكانياتهم وطاقاتهم تثبيتا لكونه مفترى على الله ـ إذا (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) حيث النازل بعلم غير الله له أمثال ونظائر قد تربوه أم تساويه وتوازيه ، والقرآن بنفسه شهيد على ربانية مصدره وصدوره : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ

٢٢٥

شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦ : ١٩ ـ ٢٠).

فعلم الله الذي لا يتغير ولا يتدرج ولا ينتقص ولا ينتقض ، ظاهر في آياته ، باهر في بيناته ، والركب السريع الهريع من العقل والعلم شاهد صدق على أنه علم الله و (أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ).

أجل ، وليس القرآن بحاجة لإثبات ربانية صدوره إلى شاهد سواه ، كما الله لا يحتاج إلى ما سواه ، فإنه نور وتبيان وشاهد وبرهان لا يوازيه أو يساميه أي برهان شهادة لربانيته ، ولا بيانا لما يحويه من حاجات المكلفين منذ بزوغه إلى يوم الدين : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤ : ٨٢) ولن تجدوا في هذا القرآن اختلافا كثيرا ولا يسيرا!.

إذا (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤ : ١٦٦) حيث يشهد بعلمه في كتابه على وحيه وعلى توحيده : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لله بكامل حججه وبيناته في كتابه؟.

ذلك ، ولما ذا يتحدى القرآن بمثلث (بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) و (بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) و «بسورة مثله ـ أو ـ من مثله»؟

هذا ليحلّق التحدي على مثلثه ، فلا يقال قد لا يؤتى بسورة واحدة مثل سورة واحدة منه ولكن يؤتى بسور قد تماثل القرآن بعضا مّا ، أم يؤتى بقرآن يماثله شطرا مّا.

فلكي تسد كافة الثغور على بلدة القرآن يؤتى بمثلث التحدي وأقله سورة مّا وإن مثل سورة الكوثر ، وأوسطه عشر سور بين صغيرة وكبيرة ومتوسطة ، وأكثره كل القرآن.

ذلك ، وليحلّق التحدي على كافة المواضيع القرآنية ـ العلمية ـ

٢٢٦

إضافة إلى أدبه البارع القمة ، وهنا الله تعالى مصرح بإعجازه العلمي (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) مهما شمل الجانب اللفظي الأدبي فإنه القشر في إعجازه وسائره هو اللب.

والتحديات الثلاث لا تعني الكمية المتحدى بها ، بل هو الكيفية والنوعية وإن في آية واحدة ، حيث الأسلوب القرآني هو منقطع النظير بين كافة الأساليب لمن سوى الله ، مهما كان من عباقرة العلم والتفكير ، فالمماثلة في مثلّثها يعنى منها جانب الكيفية لفظيا ومعنويا ، دون الكمية إذ لا خارقة فيها.

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)؟

مسلمون كما يصفه القرآن ورسول القرآن : مسلمون للرسالة القرآنية ، وهنا يصفه شاهد منه قائلا : «ثم إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه ، واصطنعه على عينه ، وأصفاه خير خلقه ، وأقام دعائمه على محبته ، أذلّ الأديان بعزته ، ووضع الملل برفعه ، وأهان أعداءه بكرامته ، وخذل محادّيه بنصره ، وهدم أركان الضلالة بركنه ، وسقى من عطش بحياضه ، وأناق الحياض بمواتحه ـ

ثم جعله لا انفصام لعروته ، ولا فك لحلقته ، ولا انهدام لأساسه ، ولا زوال لدعائمه ، ولا انقلاع لشجرته ، ولا انقلاع لمدته ، ولا عفاء لشرائعه ، ولا جذّ لفروعه ، ولا ضنك لطرقه ، ولا وعوثة لسهولته ، ولا سواد لوضحه ، ولا عوج لإنتصابه ، ولا عضل في عوده ، ولا وعث لفجّه ، ولا انقطاع لمصابيحه ، ولا مرارة لحلاوته ـ

فهو دعائم أساخ في الحق أسناخها ، وثبّت لها أساسها ، وينابيع غزرت عيونها ، ومصابيح شبت نيرانها ، ومنار اقتدى بها سفّارها ، وأعلام قصد بها فجاجها ، ومناهل روي بها ورّادها ، جعل الله فيه منتهى رضوانه ، وذروة دعائمه ، وسنام طاعته ، فهو عند الله وثيق الأركان ، ورفيع البنيان ، ومنير البرهان ، مضيء النيران ، عزيز السلطان ، مشرف المنار ، فشرّفوه واتبعوه ، وأدوا إليه حقه ، وضعوه مواضعه» (من الخطبة ١٨٩).

٢٢٧

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ)(١٥).

آية وحيدة بصيغة التعبير لتقرير مسير أنحس الكافرين ومصيرهم إلى جهنم وبئس المصير : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) طول حياته منذ أعماق ماضية حتى مضيّه عن الحياة ، لحد ركنت إرادة الحياة الدنيا وزينتها وركزت في أركان حياته ، دونما إرادة معها الحياة الآخرة ، فلا أعمال له ولا أحوال ولا أقوال إلّا ما يتبنى الحياة الدنيا وزينتها ، إذا ف (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) توفيه لها إليهم فيها كما يصح ونرضى ، لحد لا ظلم عليه فيها لأعماله لها : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ١٨ ـ ٢٠) و (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٤٢ : ٢٠) وإنما نصيبهم في الدنيا بما عملوا لها (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) عما يحق لهم بسعيهم على عيهم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦).

فهم أولاء الذين لم يعملوا إلّا للحياة الدنيا وزينتها ، هم في ثالوث منحوس من جرّاء أعمالهم وأثقالهم : ف (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) قرارا فيها دون فرار (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) إذ لم يصنعوا فيها لدار القرار (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) في دار الفرار ، إذ لم يعملوها لدار القرار ، ف (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ٢١).

وتراهم كانت لهم صالحات حتى تحبط وتبطل؟ كلّا ، وإنّما هي الصالحات التي يعملونها للحياة الدنيا وزينتها دون الآخرة وذلك شرط ألا يؤمن بالآخرة ، فإن إرادة الحياة الدنيا وزينتها قد تكون بعمل الدنيا وأخرى

٢٢٨

بعمل الآخرة ، فيا ويلاه أن تعمل عمل الآخرة للدنيا فإنه نفاق وهو أنحس من الكفر وأضل سبيلا.

وهنا (الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) قد تكون مستقلة مستغلة بعمل الدنيا أو الآخرة (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) ، أم مشتركة بينهما أن يعمل لهما ، أم هو خارج عن الإخلاص في أعماله للأخرى فأدنى عذابا إذ لا يسوّى بمن هو ملحد في أعماله (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٦ : ١٣٢) (١) والمعني من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن العمل الذي ليس إلّا للحياة الدنيا وزينتها هو حابط باطل في الأخرى وليس يعني أن بعض الأعمال الطالحة يحبط سائر الأعمال الصالحة (٢) وإنما لكلّ عمل أجره قدر قدره للآخرة ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فإن كان سعيه للدنيا فله ما سعى فيها ، وإن كان

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٣٢٣ ـ أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : أوّل من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن يقول الله تعالى له : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول : بلى ، فيقول فما ذا عملت فيما علمتك فيقول يا رب كنت أقوم به الليل والنهار فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن يقال : فلان قارى فقد قيل. اذهب ليس لك اليوم عندنا شيء ثم يدعى صاحب المال فيقول عبدي : ألم أنعم عليك ألم أوسع عليك؟ فيقول : بلى يا رب ، فيقول : فما ذا عملت فيما آتيتك؟ فيقول : يا رب كنت أصل الأرحام وأتصدق وأفعل فيقول الله له : كذبت بل أردت أن يقال : فلان جواد فقد قيل ذلك اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء ، ويدعى المقتول فيقول الله له : عبدي فيم قتلت؟ فيقول : يا رب فيك وفي سبيلك فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة : كذبت بل أردت أن يقال : فلان جريء فقد قيل ذلك ، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أولئك شر خلق الله يسعر بهم النار يوم القيامة.

وفي نور الثقلين ٢ : ٣٤٤ عن تفسير القمي في الآية قال : من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا أعطاه الله ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار ، وعن المجمع في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : بشر أمتي بالسناء والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عملا للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب»

أقول : يعني من هذا العمل ، وأما العمل الذي يعمله للآخرة فله فيها منه نصيب.

٢٢٩

للآخرة فله سعيه فيها وعند الله مزيد.

فمحور القصد في الآية هم الكفار الذين لا يعملون إلّا للحياة الدنيا ، لمكان «من كان» الدالة على الاستمرار في كل الأعمال ، و «ليس لهم إلا النار» وعلى هوامشهم المسلمون الذين قد يعملون أعمالا صالحة يقصدون بها الحياة الدنيا.

ذلك ، ولأن سنة الله جارية على الجزاء بالأعمال صالحة وطالحة هنا وفي الأخرى ، فلا تعجبك الأموال الوفيرة والقدرات والإمكانيات الكثيرة للذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها.

فلأن أكثر الجزاء للمؤمن هو في الآخرة ، وكل جزاء الكافر في الدنيا ، لذلك نرى زهر الحياة الدنيا لأهليها أكثر من أهل الآخرة ، وهنا نعرف المعني مما يروى أن «الدنيا سجن للمؤمن وجنة للكافر».

ذلك «وإنما الدنيا منتهى بصر الأعمى ، لا يبصر مما وراءها شيئا ، والبصير ينفذها بصره ، ويعلم أن الدار وراءها ، فالبصير منها شاخص ، والأعمى إليها شاخص ، والبصير منها متزود والأعمى لها متزود» (الخطبة ١٣٣).

فالحياة الدنيا هي لأهلها المبصرين إليها معمية ، وللمتذرعين بها إلى الحياة الأخرى المبصرين بها مبصرة ، فالدنيا في حد ذاتها ليست بمذمومة ولا ممدوحة ، وإنما هي مدرسة ينجح فيها جماعة ويسقط آخرون ، ف :

«أيها الذام للدنيا ، المغتر بغرورها ، المنخدع بأباطيلها ، أتغتر بالدنيا ثم تذمها؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرتك؟ أبمصارع آباءك من البلى ، أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بكفيك؟ وكم مرضت بيديك تبتغي لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الأطباء ، غداة لا يغني عنهم دواءك ، ولا يجدي عليهم بكاءك ، لم ينفع أحدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، ولم تدفع عنه بقوتك ، وقد مثلت لك به الدنيا نفسك ، بمصرعه مصرعك ـ

إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار

٢٣٠

غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن اتعظ بها ، مسجد أحباء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ـ

اكتسبوا فيها الرحمة ، وربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذّمها وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور؟ راحت بعافية ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا وتخويفا وتحذيرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكّرتهم الدنيا فتذكروا ، وحدثتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا» (١).

ذلك ، ومما يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في همّ الدنيا : «من كانت الدنيا همه وسدمه جعل الله فقرا بين عينيه» (٢) حيث يعني : «من جعل الدنيا همه ، وقرّ عليها باله ، وأعرض عن الآخرة بوجهه ، وأخرج ذكرها من قلبه ، وأقبل على تثمير الأموال ، واستضحام الأحوال ، عاقبة الله على ذلك بأن يزيده فقر نفس ، وضرع خد ، فلا تسد مفاقره كثرة ما جمع وعدد ، وعظيم ما أثل وثمر ، فكأنه يرى الفقر بين عينيه ، فهو أبدا خائف من الوقوع فيه ، والانتهاء إليه ، فلا يزال آكلا لا يشبع ، وشاربا لا ينفع ، فمعه حرص الفقراء ، وله مال الأغنياء» (٣).

أجل «وهذه الخطوط إلى جنبها الأعراض تنهشها» (٤) فهي أعراض الدنيا التي تعرض فيها من المصائب ، وتطرق من النوائب ، تشبيها لها بالحيات الناهشة ، والذؤبان الناهسة ، لأخذها من لحم الإنسان ودمه ، وتأثيرها في نفسه وجسمه.

أجل ، أولئك الأنكاد ، الأعمون البعاد : «آثروا عاجلا ، وأخروا آجلا ، وتركوا صافيا ، وشربوا آجنا ، كأني أنظر إلى فاسقهم وقد صحب

__________________

(١) نهج البلاغة الحكمة ١٢٧ قالها (عليه السلام) وقد سمع رجلا يذم الدنيا : أيها الذام ...

(٣) المجازات النبوية للسيد الشريف الرضي (٧٥).

(٤) المصدر ٧٧ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

٢٣١

المنكر فألفه ، وبسيء به ووافقه ، حتى شابت عليه مفارقه ، وصبغت به خلائقه ، ثم أقبل مزيدا كالتيار لا يبالي ما غرّق ، أو كوقع النار في الهشيم لا يحفل ما حرّق ـ

أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى ، والأبصار اللامحة إلى منار التقوى؟ ـ

أين القلوب التي وهبت وعوقدت على طاعة الله ـ

ازدحموا على الحطام ، وتشاحوا على الحرام ، ورفع لهم علم الجنة والنار فعرفوا عن الجنة وجوههم وأقبلوا إلى النار بأعمالهم ، ودعاهم ربهم فنفروا وولّوا ، ودعاهم الشيطان فاستجابوا واقبلوا» (الخطبة ١٤٤).

ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ

٢٣٢

بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(٢٤)

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(١٧).

(فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) هنا هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه هو الذي حشر بينات وشهودا في مثلث الزمان ، دون أهل الكتاب ، فإن البينة الأولى لهم هو كتاب موسى ، وليس هو من قبله ، بل هو معه ، ثم «أولئك» جمعا لا تناسب «من كان» المفرد ، ثم لا مرجع

٢٣٣

لضمير الغائب في «به» لا هنا ولا التي قبلها.

إذا فهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حشيرا وعشيرا لبينات وشهادات تدل على محتده الرسالي السامي.

و «كان» تضرب إلى أعماق الماضي ، ١ قبل ولادة ببينات البشارات الواردة بحقه في كتابات الوحي ، ٢ وبأصل ولادة حيث ظهرت عنده عجائب قاصده ، ٣ وطيلة الأربعين قبل رسالته وهي الحالة التحضيرية لرسالته ، بارقة مشرقة خارقة للعادات إذ لم ير في حياته تلك نقطة سوداء ، مما يبرهن ـ وهو في جو الإشراك وكافة الرذالات ـ على بالغ حاله واستقباله.

٤ ومنذ ابتعاثه إذ كان يحمل من بينات الرسالة الربانية كافة اللمحات والدلالات ، فحين نرى رسل المسيح يستدلون بأنفسهم على رسالاتهم أمام الناكرين : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (٣٦ : ١٦) فهذا النبي أحرى أن يكون بنفسه برهانا ساطعا على رسالته.

وبقرآنه وهو رأس الزاوية من (بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) منقطعة النظير عن كل بشير ونذير ، آيات بينات خمس تلو بعضها البعض ، أو مع بعضها البعض ، تحشره بنفسها.

ثم (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) من الله ، أو من نفسه ، أم من الله ثم منه بإذن الله ، فتراه نفسه؟ (١) وهو لا يتلو نفسه مهما كان شاهدا من ربه على رسالته بنفسه ، وشاهدا بنفسه بما اجتهد وسعى ووفقه الله!.

أم هو جبريل (عليه السلام) (٢)؟ وكيف يتلوه وهو معه نازلا بتفصيل الكتاب على قلبه! ، وليس هو شاهدا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا شاهدا من ربه له ، إذ تكفيه شهادة الوحي من ربه ، وأنه هو الذي عرفه جبريل وسيطا لوحيه ، دون أن يشهد على شيء!.

ولا هو شاهد من ربه للآخرين إذ لم يروه ، فلا دور له في حقل

__________________

(١) المصدر عن الحسين بن علي (عليه السلام) في الآية قال : محمد هو الشاهد من الله ، ومثله ما عن أبي العالية وإبراهيم.

(٢)المصدر عن ابن عباس انه جبرئيل ووافقه سعيد بن جبير وعطاء وابن عباس.

٢٣٤

الرسالة ولا الوحي شهادة ، إنما هو وسيط في تفصيل الوحي ، لا لحاجة منه إليه ، بل ليعرف الناس أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس إلها يقول من نفسه ، تثبيتا لإيمانهم أنه بشر رسول : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ..) (١٦ : ١٠٢).

أم هو لسانه الصدق (١) القرآن العظيم ، بينة له في زمنه ، ثم يتلوه على مدار الزمن حتى القيامة الكبرى ، شاهد من ربه على رسالته الأخيرة ، وهذا هو الحق ، فإن الله يشهد بالقرآن على وحيه وعلى رسالة من جاء به على طول الخط.

ثم ويتلوه شاهد من الله كأصل ، وهو شاهد منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أذن الله ، وهو الإمام علي (عليه السلام) كما تواترت به الروايات (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٣٢٤ عن محمد بن علي بن أبي طالب قال قلت لأبي أن الناس يزعمون في قول الله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أنك أنت التالي؟ قال : وددت أني أنا هو ولكنه لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

(٢) المصدر أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن ، فقال له رجل : ما نزل فيك؟ قال : أما تقرأ سورة هود : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) رسول الله على بينة من ربه وأنا شاهد منه ، وأخرجه عنه (عليه السلام) ابن عساكر ، وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) قال : علي.

أقول وفي ملحقات إحقاق الحق (٣ : ٣٥٢ ـ ٣٥٨) : أورد هذه الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كثير من الحفاظ منهم الثعلبي في تفسيره ، والبغوي في تفسيره معالم التنزيل بهامش تفسير الخازن ٣ : ١٨٣ والرازي ١٧ : ٢٠١ من تفسيره حيث أورده عن بعض ، والطبري في تفسيره ١٢ : ١٠ والقرطبي في تفسيره ٩ : ١٦ والكنجي في كفاية الطالب ص ١١٠ والنيسابوري في تفسيره ١٢ : ١٦ والخازن في تفسيره ٣ : ١٨٣ وصاحب فتح البيان على ما في فلك النجاة ٤٦١ وابو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط ٥ : ٢١١ والألوسي في روح المعاني ١٢ : ٢٥ والقندوزي في ينابيع المودة ص ٩٩.

٢٣٥

__________________

ـ وفي أمالي الشيخ الطوسي بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه إذا كان يوم الجمعة يخطب على المنبر فقال : والذي فلق الحبة وبريء النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواثيق إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عزّ وجلّ أعرفها كما أعرفه فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما آتيك التي نزلت فيك؟ فقال : إذا سألت فافهم ولا عليك ألا تسأل عنها غيري أقرأت سورة «هود» قال : نعم يا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : أفسمعت الله عزّ وجلّ يقول : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)؟ قال : نعم قال : فالذي على بينة من ربه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يتلوه شاهد منه وهو الشاهد وهو منه وأنا علي بن أبي طالب وأنا الشاهد وأنا منه.

وفيه عن الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه لبعض الزنادقة ـ وقد قال : وأجده يخبر أنه يتلو نبيه شاهد منه وكان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره ـ وأما قوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) فذلك حجة الله أقامها على خلقه وعرفهم أنه لا يستحق مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من يقوم مقامه ولا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله بمنزلته لئلا يتسع لمن ماسّه رجس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق لمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه إذ كان الله قد حظر على من مسّه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبياءه وأولياءه بقوله لإبراهيم : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله : إن الشرك لظلم عظيم ، فلما علم إبراهيم (عليه السلام) أن عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال : واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام ، واعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين والكفار على الأبرار فقد افترى على الله إثما عظيما إذ كان قد بين في كتابه الفرق بين المحق والمبطل والطاهر والنجس والمؤمن والكافر وانه لا يتلو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند فقده إلا من حل محله صدقا وعدلا وطهارة وفضلا.

وفي ملحقات إحقاق الحق (١٢ : ٣٠٩ ـ ٣٢١) المستدركات التالية حول نزول الآية في الإمام علي (عليه السلام) منها ما رواه عباد بن عبد الله عن علي (عليه السلام) رواه جماعة منهم ابن المغازلي في مناقبه والحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ٢٧٥) والثعلبي في الكشف والبيان (مخطوط) والسهيلي في التكملة (١١٧) والقندوزي في ينابيع المودة (٩٩) والأمر تسري في أرجح المطالب (٦٢).

وما رواه زادان عن علي (عليه السلام) رواه جماعة منهم الحمويني في فرائد السمطين (مخطوط) والنيسابوري في تفسيره الكشف والبيان (مخطوط) والقندوزي في ينابيع المودة (٧٤) والجري في تنزيل الآيات (١٣) والحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ـ ٢٨١). ـ

٢٣٦

فالشاهد الأصيل الدائم القائم طول الزمن الرسالي ما طلعت الشمس وغربت هو القرآن ، فإنه الثقل الأكبر والأطول والأتم والأعظم والأكمل ، بمتواتر السنة.

ثم على ضوءه الإمام علي كرأس الزواية من الأئمة الشهود حتى القائم المهدي (عليه السلام) فإنه يشهد له بما صنعه مثله وصنوه.

ولأن شاهد القرآن متفق عليه فلم ترد به رواية إلا لمحة ، ثم شاهد الإمام المختلف فيه تواترت به الرواية ، تلحيقا له بما هو متفق عليه.

فهو (عليه السلام) شاهد صدق على هذه الرسالة السامية يتلوه (صلى الله عليه وآله وسلم) نسخة ثانية طبق الأصل ، صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كمثله بأمر ربه ، ولقد حق القول من جموع من غير المسلمين ، لو لم يكن لرسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

__________________

ـ وما رواه الحارث عن علي (عليه السلام) رواه جماعة منهم الحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ٢٧٧) وابن أبي الحديد في شرح النهج (١ : ٢٠٨).

وما رواه جابر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) روى عنه ابن حسنويه في در بحر المناقب (٨٥ مخطوط) والخازن في تفسيره (٣ : ١٨٣) والحمويني في فرائد السمطين (مخطوط) والحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ٢٧٩) والترمذي في المناقب المرتضوية (١٢٠). وما رواه ابن عباس عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) روى عنه جماعة منهم الثعلبي في الكشف والبيان (مخطوط) والحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ٢٧٩) والحمويني في فرائد السمطين (مخطوط) والجري في تنزيل الآيات (١٤) مخطوط والأمر تسرى في أرجح المطالب (١٠٢).

وما رواه أبو ذر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وممن رواه عنه شهاب الدين الهمداني في مودة القربى (٨٣).

وما رواه أبو الطفيل عن علي (عليه السلام) روى عنه الحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ٢٧٧).

وما رواه أنس عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رواه عنه الحسكاني في شواهد التنزيل (١ : ٢٨٠).

وما رواه أبو جعفر (عليه السلام) رواه عنه ابن المغازي في مناقبه (مخطوط).

٢٣٧

برهان إلا علي لكفى برهانا ساطعا قاطعا على رسالته!.

ومن الفارق بين الشاهدين ، أن «يتلوه» في شاهد القرآن من التّلو اللحوق ، حيث يلحقه ـ كما عاشه ـ استمرارا لرسالته الصادقة المعصومة.

ثم و «يتلوه» في شاهد الإمام تعني التلاوة المتابعة إضافة إلى التّلو ، حيث الإمام المتابع إياه ، الآتي تلوه في حمل هذه الرسالة دون وحي ، إنما هو نسخة ثانية رسولية بخط يد الرسول بما أذن الله.

وإذا كان علي (عليه السلام) ـ وهو صنيعه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ شاهدا منه على رسالته ، فشهادته (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه على رسالته هي الأولى والأولى.

فقد كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) آية بينة من ربه ، وهو على بينة من ربه ، ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ، فهذه بينات أربع.

أم (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) هي البينة الرسالية ، بينة من نفسه ومن القرآن ، وهما صنوان اثنان متحدان لا يختلفان ، كما لا يختلفان عن كونهما بينة رسالية موّحدة.

فالقرآن هو اثنان هما محمد والقرآن ، فمحمد هو القرآن والقرآن هو محمد (صلى الله

عليه وآله وسلم) كما (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ف ـ «هو» هو الرسول (ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) يبين القرآن الكتاب بكتاب حياته الرسالية المستفادة من القرآن والسنة : أنا القرآن والسبع المثاني. وروح الروح بل روح المعاني.

وإذا كان سائر المرسلين هم شهود بأنفسهم على رسالاتهم وكما جاء في رسل المسيح (عليه السلام) : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (٣٦ : ١٦) فبأحرى لرسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون بنفسه شهيدا على رسالته نفسه ، كيف لا؟ وربّيه شاهد منه على رسالته!.

٢٣٨

وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهدا لربه برسالته لمكان تربيته القمة الرسولية ، فحري بعلي (عليه السلام) أن يكون شاهدا له (صلى الله عليه وآله وسلم) لمكان تربيته القمة الرسالية.

هنا (شاهِدٌ مِنْهُ) متأيَّد في تفسيره بما تواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله : «علي مني وأنا من علي» (١) وقد قررته آية المباهلة قراره نفسه : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٣ : ٦١)!.

وبيانا لهذه الولادة الروحية العلوية من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يروى عن علي (عليه السلام) نفسه من قوله : «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل إثر أمه ، يرفع لي كل يوم علما من أخلاقه ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه

__________________

(١) حديث صحيح رجاله كلهم ثقات وممن أخرجه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أحمد في مسنده ٤ : ١٦٤ و١٦٥ بأسانيد أربعة والحافظ ابن ماجة القزويني في سننه ١ : ٥٧ والترمذي في جامعه ١٢ : ١٦٩ و٢ : ٤٦٠ وفي صحيحه ٢ : ٢١٣ والنسائي في الخصائص ص ٢٦ و٢٧ وابن المغازلي في المناقب بأسانيد عدة والبغوي في المصابيح ٢ : ٢٧٥ والخطيب العمري في المشكاة ٥٥٦ والكنجي في الكفاية ٥٥٧ والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ٣ : ٧٤ عن الحافظ السلفي وسبط ابن الجوزي في التذكرة ٢٣ والذهبي في تذكرة الحفاظ وابن كثير في تاريخه والسخاوي في المقاصد الحسنة ، والمناوي في كنوز الدقائق ٩٢ والحمويني في فرائد السمطين ب ٧ والسيوطي في الجامع الصغير وجمع الجوامع ، وابن حجر في الصواعق ٧٣ والمتقي الهندي في كنز العمال عن (١١) حافظا والبدخشاني في نزل الأبرار ٩ والفقيه شيخ بن العيدروس في العقد النبوي ، والشبلنجي في نور الأبصار ٧٨ والصبان في الإسعاف هامش نور الأبصار ١٥٥ كلهم أخرجوه ورووه عن حبشي بن جنادة وعمران وأبي ذر الغفاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

٢٣٩

ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هذه الرنة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلَّا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير» (١).

وهكذا : «لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقَّ وصلة رحم وعائدة كرم».

ولقد تلى علي (عليه السلام) رسول الله في الإيمان زمنا ومحتدا وكما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أولكم واردا ـ وردا ـ على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب» (٢) «ولقد صلَّت الملائكة عليَّ وعلى عليَّ سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا» (٣).

أجل : وإنه «أول من أسلم وصلى» كما تواتر في زهاء مائة حديث (٤).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ل (عبده) الكلام ١٣٥ ص ٣١ عنه (عليه السلام).

(٢) كما أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٣٦ وصححه والخطيب البغدادي في تاريخه ٢ : ٨١ وفي الإستيعاب ٢ : ٤٥٧ وشرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٣ والسيرة الحلبية ١ : ٢٨٥ وسيرة زيني دحلان ١ : ١٨٨ ومناقب الفقيه ابن المغازلي ومناقب الخوارزمي.

(٣) مناقب الفقيه ابن المغازلي باسنادين وأسد الغابة ٤ : ١٨ ومناقب الخوارزمي وكتاب الفردوس للديلمي وشرح ابن أبي الحديد عن رسالة الاسكافي ٣ : ٢٥٨ وفرائد السمطين ب ٤٧.

(٤) ومن المروي عنهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنس بن مالك ـ بريدة الأسلمي ـ زيد بن أرقم ـ عبد الله بن عباس ـ عفيف ـ سلمان الفارسي ـ أبو رافع ـ أبو ذر الغفاري ـ المقداد بن عمرو الكندي ـ جابر بن عبد الله الأنصاري ـ أبو سعيد الخدري ـ حذيفة بن اليمان ـ عمر بن الخطاب ـ عبد الله بن مسعود ـ أبو أيوب الأنصاري ـ أبو مرازم ـ هاشم بن عتبة ـ مالك بن الحارث الأشتر ـ عدي بن حاتم ـ محمد بن الحنفية ـ طارق بن ـ

٢٤٠