الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٨

وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢)

يذكر شعيب إحدى عشرة مرة في أربع سور ، وينقص «مدين» عن شعيب مرة واحدة ، وفي هذه العشر أربعة منها خالية عن قصة شعيب أم ذكراه ، حيث يذكر فيها موسى باتجاهه إليها.

ومهما كانت صيغة الدعوة الأصلية لشعيب صيغتها لمن تقدمه من المرسلين ، ولكن الصيغة الفرعية تختلف عنها قضية ملابسات مدين إذ كانوا متورطين في نقص المكيال وبخس الناس أشياءهم وعثيهم في الأرض مفسدين.

٣٦١

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)(٨٤).

وترى كيف (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) وهم مشركون عقيديا وناقصون في المكيال والميزان وعاثون في الأرض مفسدين عمليا؟.

(إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) من العقلية الإنسانية فكيف ـ إذا ـ تعبدون من دون الله وتذرون ربكم وراءكم ظهريا ، تجاهلا عن العقلية والفطرة الإنسانية اللتين تحكمان بتوحيد العبودية كما تحكمان بتوحيد الربوبية.

ثم و (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) شرط إصلاح العقيدة والعملية ، كما و (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) قابلية لذلك الإصلاح وفاعلية ، فالأول بيان حقيقة واقعية ، والثاني حقيقة مشروطة ، والثالث تشويق وترغيب ألّا تنظروا إلى ما أنتم عليه من ضلال ، فإني أراكم بخير في تقبل الحق المرام.

كما و (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) في الحالة الاقتصادية ورخص الأثمان فلا حاجة لكم ولا رجاحة في بخس المكيال والميزان ، فالبخس في المكيال والميزان وأنتم بخير وغنىّ هو أنحس البخس وأنجسه!.

إذا ف (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) سناد إلى حجة تقضي على هذا التخلف العقيدي والعملي لهم.

ثم (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) في تمردكم عن الخير المرام ، وكفركم بما عندكم من خير المال (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) هنا استئصالا وفي الأخرى وهي أخوف وأنكى.

ومن عذاب يوم محيط هو الثورة القاضية من الناس المبخسين في أشياءهم ، سواء بصورة الشيوعية في ثورتها القاسية ، أم بصورة الإستنصار الإيماني من هؤلاء المبخسين ، وكما قال الله : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا

٣٦٢

تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٢ : ١٩٥) فحين يخلّف ترك الإنفاق في سبيل الله وعدم الإحسان إلى عباد الله ، تهلكة مهلكة ، فبأحرى أن تبخسوا الناس أشياءهم أن يلقيكم إلى تهلكة هي أهلك منها وأحلك.

وهذا المثلث المعني من (يَوْمٍ مُحِيطٍ) دركات مختلفة في مراحل العذاب ، متفقة في حيطة العذاب حيث لا مخلص عنه ولا مناص بأي مخلص أو خلاص ، لمكان الكفر المعمّد المعمق العريق حيث يخلف عريق الحريق.

وإنما وصف اليوم بالمحيط وعذابه هو المحيط ، لأنه يوم القيامة بنفسه وعذابه يحيط مستحقيه فإنه كالسياج المضروب بينهم وبين الخلاص من العذاب والإفلات من العقاب.

(وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٨٥).

ثالوث من عمل منحوس كانوا فيه متورطين ، ورأس زاويته نقص المكيال والميزان الذي يخلّف إفسادا في الأرض ، فإن لإنحراف الإقتصاد عن قسطه دورا عظيما في سائر الإفساد في الأرض ، ولقسطه قسط عظيم من الإصلاح في الأرض.

وترى ما هو موقع الأمر بايفاء المكيال والميزان بعد النهي عن نقصهما؟

لأن الإيفاء هو الإتياء على سبيل الكمال والتمام ، فقد يعني إعطاء قدر زائد عن الحق حائطة في هذه الزائدة ، وبركة في المعاملة ودركة عن المخاملة ، ولكنها ليست مفروضة حيث المفروض هنا من ذي قبل هو نقص المكيال والميزان ، فالعوان بين النقص والإيفاء في المكيال والميزان هو العوان بين المحظور والمحبور ، ولذلك أصبح مسكوتا عنه حيث هو المعروف في ذلك المضمار ككثير من أضرابه.

ووجه آخر أن هذا الأمر تأكيد لترك المنهي عنه كما في سائر الأمر

٣٦٣

والنهي المؤكدين بذلك التكرار في مختلف الصيغ ، كما أمر الله بالسعي إلى صلاة الجمعة ثم نهى عن البيع وقتها ، تأكيدا أكيدا للسعي إليها.

والجمع بينهما هو أجمع وأجمل ، تأكيدا لأصل المحظور ، وبيانا للمحبور ، والعوان بينهما عوان ولكلّ حكمه.

ذلك ، والإيفاء في الكيل والميزان بزيادتهما عن الحق المرام ، وهو معاكسة صالحة للبخس في المكيال والميزان ، يجبر كسره ، فهو من أسباب الغفران فيصبح لفترة مقدرة قدر البخس ـ من معدات الغفران.

فواجب الإيفاء الزيادة هو جبر للنقص والبخس السابق ، وراجحه هو المحبور على أية حال.

(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) وأشياءهم دون أموالهم مما يشي بعناية كل أشياءهم القابلة للبخس ، وهي كل نواميسهم الحيوية الخمس : نفسا وعقلا ودينا وعرضا ومالا ، فالبخس في هذه الخمس بخس في الحياة نحس ، وإفساد في أرض الحياة يحلّق على كافة الجنبات.

والعيث والعثيّ متقاربان إلّا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد المحسوس ، والعثيّ في غير المحسوس ، وكل يستعمل في الآخر قليلا ، وقد يعني (لا تَعْثَوْا) كلا العيث والعثي ، لجواز عنايتهما منه ، وأن أشياء الناس لا تختص بالمحسوس ، كما وأن الإفساد غير مخصوص بالمحسوس ، بل وهو أنكى وأشجى من المحسوس ، فأين بخس العقلية والعقيدة من بخس المال.

وهنا «لا تعثوا مفسدين» فهي مؤكد عن تقصّد الإفساد وهو السعي فيه ، وعبارته الأخرى «لا تفسدوا في الأرض مفسدين» فالإفساد غير المتقصد ، أو الأحياني منه دون أن يصبح عليه متعوّدة ، إنه خارج عن هذا الخطر مهما كان في أصله محظورا ، حيث القصد هنا هو أفسد الإفساد المعبر عنه في آية الإفساد ب (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً).

وهنا تقارن التناسب بين (لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) حيث تشملان النواميس الخمس في البخس والإفساد ،

٣٦٤

فليس فقط السعي في الإفساد في الأرض محظورا ، بل والإفساد بأي بخس في أي من الأشياء على أية حال محظور.

ولأن الأصل في الفساد والإفساد العقيدي هو الإشراك بالله ، ثم من الأصل فيهما جماعيا هو البخس في المكيال والميزان كما في قوم صالح حيث تعودوا عليه ، لذلك هما يتقدمان على كل فساد وإفساد في الأرض كرأسي الزواية فيهما.

أجل ، وللانحراف والظلم الاقتصادي موقعه العظيم العميم في سائر الإفساد في الأرض حيث يهلك الحرث والنسل ، ولأن صالح الإقتصاد هو الحاجة الحاضرة للجميع ، فقد يؤثر صالحه وطالحه ويعكسان على المجتمع برا وفاجرا.

فالقضية هنا هي قضية الأمانة والعدالة بعد قضية العقيدة ، أم هي قضية الشريعة وكل الصلات بين المكلفين بها ، التي تنبثق من أصل العقيدة التوحيدية ، فنقص الناس في المكيال والميزان ، وبخس الناس أشياءهم بسرقة أو اغتصاب أم أية حيلة معاملية وسواها ، إنها تنافي قضية صالح العقيدة ، حيث المفروض أن تنعكس العقيدة على الأعمال فلا تظل صورة خيالية لا خبر عنها في الواقع المرام.

فالأصل الذي تتبناه الحياة السعيدة بكل حقولها الصالحة هو صالح العقيدة ، وليس ما يهرفه أصحاب المذاهب الوضعية من تبعية الأخلاق والعقيدة للعلاقات الاقتصادية ، أو الجنسية أماهيه من علاقات غير عقيدية.

هذه تصرفات شرّيرة مهما خيل إلى أصحابها أنها خيّرة حيث الأكل بالباطل لا يكلف سعيا وراء الحاجات والحاجيات ، وحتى إذا كانت خيرة ف :

(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦)).

أنتم تتفكرون أن بقية نقص المكيال والميزان وبخس الناس

٣٦٥

أشياءهم ـ حيث تبقى لكم بما تبغون ـ هي بقية خير ، وهي فانية ماضية قاضية على حياتكم ، ولكن (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالله ، مهما كان إيمانا شركيا ، فإنه فيما تعتقدون هو إله الآلهة التي تتخيرون ، والبخس نحس أيا كان ومن أيّ كان ، نحس فطريا وعقليا وإيمانيا ، وإن في أدنى دركاته.

فهناك بقية الشيطان في نقصكم وبخسكم ، بغيّة شقية لا تأتي بأي خير إلا تخيلا عابرا.

وهنا (بَقِيَّتُ اللهِ) وهي الباقية من بيوعكم بحكم الله إن كنتم مؤمنين بالله ، ومراعين أمانة الله في شرعته (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) عن الأخطاء والأخطار ، فإن أنا إلّا رسول ليس عليّ هداكم ، ولكن الله يهدي من يشاء ، ولا أنا حفيظ عليكم حين يأتيكم عذاب الله ، فلا حفيظ عليكم إلّا الله ببقيته ، حيث الإيمان به والعمل الصالح له هما ضمانان لبقيته هنا وفي الأخرى (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (٦ : ١٠٤)

ذلك والبقية هي صفة لمحذوف هو الحالة أو الحياة المستمرة أو المنفعة ، خيّرة وشرّيرة ، ومن الأولى أولوا بقية : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ. وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١١ : ١١٧) (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ..) (٢ : ٢٤٨).

ف (أُولُوا بَقِيَّةٍ) هم الذين يتولون بقية الحياة الخيّرة السليمة بما ينهون عن الفساد في الأرض.

إذا فمن (بَقِيَّتُ اللهِ) هنا هو شعيب الذي يستبقى بدعواته الخيرة خير الحياة هنا وفي الأخرى ، استبقاء بأمر الله لكن (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) فإن أصل البقية هو الله ، ومنها المنفعة البقية من التجارة ، فالبقية الشيطانية شقية غير نقية لا تخلف إلّا فسادا أو كسادا لسلب الطمأنينة عن

٣٦٦

المشترين وبقية الله هي نقية تخلف ربحا لمكان الطمأنينة في المشترين ، ومن ثم هي خير في الأخرى ، وتلك الشيطانية هي شر فيها مهما تظاهرت بالوفيرة.

فل ـ (بَقِيَّتُ اللهِ) مصاديقها حسب ظروفها وملابساتها ومنها (بَقِيَّتُ اللهِ) في الدعوة المعصومة الرسالية وهي الحجة الأخيرة التي ليست بعدها حجة : القائم المهدي المنتظر من آل محمد (عليهم السلام) (١) كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وبأحرى ـ هو بقية الله في حقل الرسل (عليهم السلام).

صحيح أن شعيبا بدعوته البقية هو بقية الله ، وهكذا النبيون أجمع مع خلفاءهم ، وبأحرى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بخلفائه (عليهم السلام) (٢) ، ولكن صاحب الأمر هو بقية أخيرة عالمية ، ففيه

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٣٩٢ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بسند متصل عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال : خرج أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) علينا وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال (عليه السلام) : يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، انه سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى أن قال ـ : فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال : انا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعداءه ولا تطلب أثرا بعد عني ... وفيه بإسناده إلى محمد بن مسلم الثقفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) حديث طويل يذكر فيه القائم (عليه السلام) يقول فيه : فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فأول ما ينطق به هذه الآية : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ، وفيه عن كتاب الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) وقد ذكر الحجج ، هم بقية الله يعني المهدي (عليه السلام) الذي يأتي عند انقضاء هذه الفطرة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، وفيه عن أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله رجل عن القائم (عليه السلام) كيف يسلم عليه؟ قال : يقولون : السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

(٢) نور الثقلين ٢ : ٣٩١ في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) في باب ذكر مولد الرضا ـ

٣٦٧

__________________

ـ (عليه السلام) عن علي بن ميثم عن أبيه قال : سمعت أمي تقول : سمعت نجمة أم الرضا (عليها السلام) تقول : لما حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني فيفزعني ذلك ويهولني فإذا انتبهت لم أسمع شيئا فلما وضعته وقع إلى الأرض واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم ، فدخل إليه أبوه موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال لي : هنيئا يا نجمة كرامة ربك ، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه الأيمن وأقام في الأيسر ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم رده إلي وقال : خذيه فانه بقية الله عزّ وجلّ في أرضه.

وفيه عن أصول الكافي عن أبي بكر الحضرمي قال : لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بني أمية : إذا رأيتموني قد وبخت محمد بن علي ثم رأيتموني قد سكتّ فليقبل عليه كل رجل منكم فليوبخه ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبو جعفر (عليه السلام) قال بيده : السلام عليكم ، فعمهم جميعا بالسلام ثم جلس فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن فأقبل يوبخه ويقول فيما يقول له : يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ودعا إلى نفسه وزعم أنه الإمام سفها وقلة علم ، ووبخه بما أراد أن يوبخه ، فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتى انقضى آخرهم ، فلما سكت القوم نهض (عليه السلام) قائما ثم قال : يا أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله أولكم وبنا يختم الله آخركم فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكا مؤجلا وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة ، يقول الله عزّ وجلّ : والعاقبة للمتقين ، فأمر به إلى الحبس فلما صار إلى الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن إليه فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال له : يا أمير المؤمنين اني خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا ثم أخبره بخبره فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة وأمر ألا يخرج لهم الأسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدين فأغلق باب المدينة دونهم فشكى أصحابه الجوع والعطش ، قال : فصعد جبلا يشرف عليهم فقال بأعلى صوته : يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقية الله يقول الله : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) قال : وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم : يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني في هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فإني ناصح لكم ، فبادروا فأخرجوا إلى محمد بن علي (عليهما السلام) وأصحابه بالأسواق فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به.

٣٦٨

زوايا ثلاث من (بَقِيَّتُ اللهِ) : زاوية مشتركة مع سائر (بَقِيَّتُ اللهِ) هي رمز الإبقاء لحياة سليمة صالحة إيمانية.

وأخريان تختصان به ، أولاهما أنه البقية الأخيرة لحقل (بَقِيَّتُ اللهِ) وأخراهما أنه الذي به يملأ الله الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وهكذا بقية ربانية تحلق على المكلفين كلهم هي منقطع النظير بين كل بشير ونذير.

وفي التالي خطب للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حول بقية الله المهدي القائم عجل الله تعالى فرجه : «يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي».

«.. ألا وفي غد ـ وسيأتي غد بما لا تعرفون ـ يأتي الوالي من غيرها عمالها على مساوئ أعمالها ، وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها ، وتلقي إليه سلما مقاليدها ، فيريكم كيف عدل السيرة وتحيي ميّت الكتاب والسنة» (الخطبة ١٣٦).

«فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ، ولا تستبطئوا ما يجيء به الغد ، فكم من مستعجل بما أن أدركه ود أنه لم يدركه وما أقرب اليوم من تباشير غد ، يا قوم هذا إبّان ورود كل موعود ، ودنوّ من طلعة ما لا تعرفون ، ألا وإن من أدركها منا يسري فيها بسراج منير ، ويحذو فيها على مثال الصالحين ، ليحلّ فيها ربقا ، ويعتق رقا ، ويصدع شعبا ، ويشعب صدعا ، في سترة عن الناس ، لا يبصر القائف أثره ، ولو تابع نظره ، ثم ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين الفصل ، تجلى بالتنزيل أبصارهم ، ويرمى بالتفسير في مسامعهم ، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح .. قد لبس الحكمة جنتها ، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها والمعرفة بها والتفرغ لها ، فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها ، وحاجته يسأل عنها ، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام ، وضرب بعسيب ذنبه ، وألصق الأرض بجرانه ، بقية من بقايا حجته ، خليفة من خلائف أنبياءه» (١٨٠).

٣٦٩

أجل ، إنه البقية المتميزة بين (أُولُوا بَقِيَّةٍ) لا في مقامه السامي ، فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أسمى منه ، وإنما في تحقيق البقية المحمدية وسائر البقيات النقيات الرسالية على مدار الزمن الرسالي.

هنا في حقل البقية (اللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٢٠ : ٧٣) ثم بقية منه هم الدعاة إلى الله ، ثم الدعوة إلى الله ، ف (بَقِيَّتُ اللهِ) ـ هي في الأصل ـ البقية الربانية من الله ، إبقاء على من يتبع شرعة الله ، ثم الذين يحملون شرعة الله برسالته ودعوته ، ومن ثم البقية الباقية من الدعاة المعصومين (عليهم السلام) إلى الله ، وهو بقيت الله في الأرضين صاحب العصر وحجة الدهر القائم المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ففي حين يصدق على شعيب أنه من (بَقِيَّتُ اللهِ) ولكن (ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) يحوّل الأصل في هذه البقية إلى الله ، أنه البقية الحفيظة ، وما الذين يحملون رسالاته إلا بقيات منه وبإذنه ، وليسوا حفاظا لا في تحقق الهدى ولا في تطبيق شرعة ، اللهم إلّا هدى دلالية معصومة بالله ، وبمثل ذلك الأسلوب المرن الحذير ، البشير النذير ، يشعر المخاطبون بخطورة الموقف وثقل التبعة واقفين وجها لوجه أمام العاقبة التي ترقبهم بلا وسيط ولا حفيظ.

ذلك و (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تخرج الناقصين في المكيال والميزان عن الإيمان حين يزعمون أن هذه البقية الباغية خير من البقية النقية الساغية!.

فكما أن المتعودين على الربا يقال لهم : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٢ : ٢٧٩) كذلك الناقصين في المكيال والميزان يقال لهم : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

وإنما قالوا (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) لأنها أظهر مظاهر الإيمان ، وأن شعيبا كان دائب الصلاة لأنها خير موضوع وقربان كل تقي ، وهم كانوا دائبي الهزء به إذا مروا به وهو يصلي ، فلما وعظهم ردوا عليه بما كان يفعله ، قاصدين أنت شأنك وصلاتك فما يخصك بما نعتقد أو نعمل (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ...).

٣٧٠

(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٨٧).

ردّ مردود في كافة الحقول الإنسانية السليمة ، واضح التهكم ، بيّن الهزء. سخرية الجاهل المطموس المركوس حين لا يجد أي رد عاقل (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ..) فما هي الصلة بين صلاتك ، وأن نترك نحن حريتنا في العقيدة والعمل وأن نترك ما يعبد آباءنا أو (أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) فأنت على شغلك وهو صلاتك ونحن على أشغالنا بسنتنا العريقة التي لسنا لنتحلل عنها (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) يقولونها هازئين ، أم ومتسائلين مستنكرين أن لست حليما ولا رشيدا ، أم أن هذه الدعوة لا تناسب الحلم والرشد.

فكما أننا لا نتدخّل في صلاتك فلا تتدخل أنت كذلك في صلاتنا العقيدية والعملية أيها الحليم الرشيد! فليس من الرشد أن تأمرنا بما لا صلة له بصلاتك وسائر عبادتك وأية صلاتك ، فقد (كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) بالحلم والرشد ، فكيف تأمرنا بخلاف الرشد؟!.

ورغم أن هؤلاء الأغباش المجاهيل لم يجدوا بمحضرهم من الهزء في المفاصلة التامة إلّا صلاته وعبادتهم وتجارتهم الباخسة ، نرى أن الصلاة الناشئة عن عقيدة التوحيد هي مع سائر الشؤون الحيوية لحمة واحدة ، فالشعائر كلها ومعها المعاملات كلها هي ذات صلة عريقة قريبة بصالح العقيدة ، ف (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ ، وَالْمُنْكَرِ) فهي الآمرة بكل عرف والناهية عن كل نكر.

ذلك ، وقد نرى الجاهلية المتحضرة هي أنكى من الغابرة في أمثال هذه المواجهات الجاهلة مع دعاة الحق ، ولا فحسب في الجاهلية الملحدة أو المشركة. بل والجاهلية التي تسربت إلى أدمغة مجاهيل من المسلمين فترسبت فيها لحد خيّل إليهم أن لكل من العقيدة وعمليات الحياة دورها الخاص ، قد تجتمعان وقد تفترقان ، فقد يتساءلون : ما للإسلام وسلوكنا الشخصي الذي يخصنا في صالح الحياة ، وما أشبه من

٣٧١

تساءلات تشابه (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) تعريضا بضدهما حيث الحليم الرشيد لا يدعوا لما لا يخصه دون صلة بين اختصاصه واختصاص الآخرين! فليس من الرشد أن ينظر الإنسان إلى مجتمعه من منظره الشخصي ، فإذا هو مسلوب الحرية بصلاته أم أية صلاته ، يحاول أن يسلب ـ كذلك ـ حريات الآخرين!.

فلا حجة في صلاتك أن نترك نحن الجماهير حرياتنا العقيدية والعملية ، فلأن أنفسنا هي أنفسنا وأموالنا هي أموالنا ، فكلا التحديد والتهديد لما نعتقد أو نعمل خارجان عن الطريقة السليمة المألوفة بين بني نوع الإنسان.

ذلك لأنهم أجمع على مختلف دركاتهم لم يعرفوا صلة العقيدة الصالحة بصالح الحياة الإنسانية حاضرة في كل حقولها ، فأول ما تصلحه العقيدة الصالحة هو الحياة الحاضرة ومن وراء الأخرى التي هي من خلفياتها (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى).

وهنا يتلطف شعيب كأن لم يسمع إلى هذه السخرية ، حاسبا أنهم يتطلبون بينة يسندون إليها كسائر الدعاة إلى الله الذين يحاولون في حمل الناس إلى الحق دون صغي لباطلهم العاطل ، ولا إجابة عن سخرياتهم الهازئة :

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(٨٨).

(عَلى بَيِّنَةٍ) كسائر بينات الرسل في المغزى والمعنى ، والرسول بنفسه بينة تبين حق رسالته ، ثم (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) فلا أخالفكم في قضية الفطرة والعقلية السليمة أو الشرعة الربانية ، ولا أخالفكم بصلاتي إلى ما أنهاكم عنه ، فالفطرة والعقلية السليمة ورسالات

٣٧٢

الله كلها ، وصلاتي أنا ، كلها عساكر من البراهين لصالح ما أنهاكم وآمركم ، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) دون تأمر عليكم لا يعنى (وَما تَوْفِيقِي) في دعوة الحق وتحقيقه (إِلَّا بِاللهِ) فما أنا إلا رسول الله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) لا على سواه (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) لا إلى سواه.

وهنا في (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) لمحة صارحة أن إرادة مخالفة الناهي لما ينهى عنه هي من المنكرات ، فضلا عن أصل المخالفة ولا سيما إذا كانت جاهرة ، وهكذا الأمر في الأمر : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢ : ٤٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (١).

فهذه نصوص ثلاثة تحظر عن مخالفة الآمر والناهي ما يأمر به أو ينهى عنه ، وأنه خلاف العقل ومقت كبير.

ولما ذا (أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) دون «فيما أنهاكم عنه»؟ علّها المخالفة الناحية منحى النهي ، أنني ما أريد مخالفة في نفسي ناشبة إلى ما أنهاكم عنه حتى تحتجوا علي بما أخالفكم ، فإن الاقتراف الجاهر للحرام له تأثير عظيم سلبي في مادة النهي ، حيث يحرض المنهي على الإصرار فيه (٢).

وهنا (ما أُرِيدُ) تجعل نفس هذه الإرادة محظورة فضلا عن فعلها خفية أو جهارا ، فقد يحظر على ذلك الثالوث ، فيحظر عن النهي المخالف للإرادة والفعل.

ووجه آخر أنني ما أريد أن أخالفكم فيما تحكم به فطركم وعقولكم

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤٧ ـ أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود فقالت : انتهى عن المواصلة؟ قال : نعم ، قالت : فلعله في بعض نساءك ، فقال : ما حفظت إذا وصية العبد الصالح : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ).

(٢) المصدر أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي (عليه السلام) قال قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني ...

٣٧٣

قصدا فيها إلى ما أنهاكم عنه ، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) وليس إصلاح الفاسد تصرفا معاديا مهما سلب حرية ليست بحريّة للإنسان العاقل ، إذ ليست كلّ حرية محبورة ، حيث الحريات الجاهلة والشهوانية التي تصطدم كرامة الإنسان في شخصه وفي الآخرين ، هذه الحرية محظورة يجب على الصالحين تحديدها.

والعقلية الصالحة الحنونة في الإنسان ، المدني الاجتماعي بالطبع ، تقتضي المحاولة في إصلاح الآخرين العائشين معه كما يصلح نفسه ، فضلا عما إذا كان رسول ربه في الإصلاح.

ولأن الحريات الطليقة لأفراد المجتمع متصادمة ، فلا بد من تحديدها عن أي تصادم إلى تلائم يقوم به صالح المجتمع نفسه ، وإنما يقود ذلك التحديد المصلحون الصالحون ولا سيما الرساليون ، ومن أمارات ذلك الإصلاح أن يأمر المصلح بما هو مؤتمر به ، وأن ينهى عما هو منته عنه.

فالحرّيّة الحريّة بالإنسان في حياته الإنسانية هي المحددة بالفطرة والعقلية السليمة المكمّلتين بالحدود والقرارات الشرعية ، حتى يصبح المجتمع الإنساني آمنا عن كافة الاضطرابات والاصطكاكات والتحرّجات : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٢٨ : ٦٨) (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٣ : ٣٦).

فكما الحرية الإنسانية فطرية ، يتوخاها الإنسان كأصل في حياته ، كذلك تحديدها بالحدود الصالحة التي تصلحها ، ومثالا لذلك المركبات المقصود منها السير وسرعته ، ولكنها ـ أيضا ـ بحاجة إلى سواق عقلاء يضبطون مسيراتها ومصيراتها عن الاصطدامات.

أجل ، فالمصلح عليه أولا أن يصلح نفسه ثم يصلح الآخرين بصلاحه وبكل سلاحه الصالح في الدعوة ، دون مخالفة أو إرادتها إلى ما يأمر به أو ينهى عنه.

٣٧٤

ولأن إرادة المخالفة لما ينهى عنه إفساد للمنهي والنهي ، لذلك قابلها ب (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ).

وهنا لما يقول الإمام علي (عليه السلام) يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني ، قال : قل ربي الله ثم استقم ـ يقول ـ قلت : ربي الله وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب» قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا» (١).

وتوفيق الله هو جعل قال العبد وحاله وفعاله وفقا لمرضاته في محبور أو محظور ، فعلا لمحبور وتركا لمحظور (٢).

فحين خيل إلى قوم شعيب أنه ينهاهم عما لا صلة له بما هو شغله يرد عليهم صارخا (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) بل أنا أوافقكم في الانتهاء عما أنهاكم عنه ، فكما أن صلاتي تنهاني عن الفحشاء والمنكر عقيديا وعمليا ، فأنا أنهاكم عن الفحشاء عقيديا وعمليا.

(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ)(٨٩).

أنتم تشاقّونني في صالح الدعوة ، حيث تجعلونني في شق

__________________

(١) يقال خالفني فلان إلى كذا قصده وأنت مول عنه ، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه ذهب إليه واردا وأنا ذاهب عنه صادرا ، وهذا الأخير هو المعنى من الآية كما بيناه.

(٢) نور الثقلين ٢ : ٣٩٣ في كتاب التوحيد بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل وفيه : فقلت قوله عزّ وجلّ : وما توفيقي إلا بالله ، وقوله عزّ وجلّ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)؟ فقال : إذا فعل العبد ما أمره الله عزّ وجلّ به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عزّ وجلّ وسمي العبد به موفقا وإذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره ومتى خلى بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه.

٣٧٥

«صلاتي» وتجعلون أنفسكم في شق عبادتكم وفعلكم في أموالكم وكل شقاوتكم كما تشاءون ، قاطعي الصلة بين الشقين بكل مفاصلة ، كما تجعلون شقا بين رسالتي ككل وما أنتم عليه ، ولكن :

(يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) قطعا قاطعا لا مردّ له لثمرة الحياة الإنسانية (أَنْ يُصِيبَكُمْ) من جرّاءه (مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) مثل ما أصابهم بما أجرموا شقاقا قاطعا.

وقد يعني نفي بعدهم عنهم زمانيا ومكانيا ، فقد كان الفصل الزمني ثلاثة قرون ، ثم المكان هو القرب بين مدين وسدوم.

(وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)(٩٠).

أطلبوا غفره عما مضى رفعا ، وعما يستقبل دفعا ، طلبا بقال من حال في أعمال (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) بعد كامل الاستغفار ف ـ (إِنَّ رَبِّي) الذي رباني بهذه الرحمة والليونة والوداد ، «رحيم» بكم «ودود» لا يرد قاصديه ، إذا قصدوه ، ولا مستغفريه إذا استغفروه ، فهنا «ربي» اعتبارا بخبرته الرسالية أنه رحيم ودود ، وهناك «ربكم» اعتبارا بالمعرفة العامة بربوبيته ، ثم الجمع بينهما جمع بينهم وبينه في ربوبيته تعالى ، ولمحة إلى خاصة ربوبيته له رسولا إليهم.

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ)(٩١).

هنا ك «لا نفقه» وجوه عدة ، منها أن «على أذاننا وقر» فلا نصغي إليك حتى نفقه ما تقول ، وأخرى أنّ على قلوبنا أكنة أن نفقه ما تقول كما (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) (٦ : ٢٥) وثالثة أننا لا تقنعنا حججك ، فإنها داحضة لا تثبت حقا تدعيه ، فلا نفهم مدعاك بدعواك ، هذه وما أشبه من عاذرة غادرة من هؤلاء الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا.

ذلك والفقه هو التوصل بعلم حاضر إلى علم غائب ، وليست حجتك

٣٧٦

وصلة حاضرة لبغية غائبة ف (ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ ..).

أجل (قالُوا يا شُعَيْبُ) لأنك في شق صلاتك ونحن في شق آخر فلا تجاوب بيننا ولا تفاهم ، ولأنك لا تقول صالحا تقبله العقول.

إذا (ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) وهكذا تقول الجاهلية المتحضرة نسخة حاضرة عن الغابرة وعلى طول الخط ، تقول أمام كافة الحجج الرسالية البالغة «لا نفهم» حطّا لموقعها عن أن تفهم ، وأنها لغز وأساطير لا يفهمها الفاهمون ، وإعذارا لأنفسهم ألّا حجة فيما لا يفهمه المكلفون.

أجل (ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) فلا قوة لك في الحجة تفهم أو تفحم (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) لا تقوى علينا ، ولا تعني «ضعيفا» أنه أعمى كما قيل ، فقد يكون الأعمى أقوى من البصير ، وأن العمى ليست نسبية ، وهنا «فينا» تختص ضعفه بذلك الظرف ، فلا قوة لك في هذه اللجة تفحم ، فتحملنا على قبوله بتأمل أو تعمّل ، اللهم إلّا رهطك ، (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) وهو أنحس عذاب وأتعسه ثم (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) لا عزة الحجة ولا عزة القوة ، فأنت بيننا ضعيف ضعيف لا دور لك إلّا كور ، وإنما العزيز المانع من رجمك هو رهطك بعزة المنعة أم عزة الكرامة أماهيه.

فحين تفرغ النفوس من العقلية الصالحة وتغرق في الجاهلية الطالحة الكالحة ، فإنها تقبع على الأرض بشهواتها ومصالحها الحيوانية ، إذا فلا ترى حرمة لدعوة كريمة ، ولا تتحرّج عن أي بطش بالداعية الصالحة ، إلّا أن تكون عصبة تعصبه وتؤويه ، أم قوة مادية أخرى تحميه ، وأما حرمة الحق وكرامته فلا وزن لها ولا ظل في هذه النفوس النحيسة الذليلة الفارغة الخاوية! «فو الله الذي لا إله إلا هو ما هابوا جلال ربهم ما هابوا إلا العشيرة» (١).

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤٨ ـ أخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب : (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) قال : كان مكفوفا فنسبوه إلى الضعف (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) ، قال علي : فو الله الذي ...

٣٧٧

وهنا ينبري شعيب بالغيرة الرسولية على جلال ربه بدعوته الربانية السامية ، متحللا عن الاعتزاز برهطه ومن أشبه أو ما أشبه من قوة أرضية ، إجابة أخيرة عن شطحاتهم فيها كل قوة وشهامة ، إذراء وإزراء بما لهم من قوة ذرو الرياح :

(قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(٩٣).

كلمة أخيرة حاسمة قاصمة تفصل بينه وبين هؤلاء الأنكاد ، بعد ما فشلت كافة المحاولات الرسولية حكمة وموعظة حسنة في هؤلاء البعاد ، وهي كلمة القوة والغلبة بما قدر الله وقرر لرسله ورسالاته :

(أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) وأنتم تعرفون رهطي وتعرفون الله (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أمام آلهتكم التي ألهتكم ، وهو إله الآلهة كما تقولون (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) حيطة العلم والقدرة.

وهذا إزراء بازراء ، حيث انتقصوه (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ! ... إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هزء به ألا حلم لك ولا رشد ، أنكم لا عقلية لكم مهما كانت قليلة حيث تحسبون رهطي أعز عليكم من الله»!.

إذا ف (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) والمكانة هي الحالة التي يتمكن صاحبها فيها مما يريد ، فأنتم المتمكنون اعملوا في رجمي أمّا تريدون من القضاء عليّ ، بكل طاقاتكم وإمكانياتكم ، اعملوا ضدي رجما وسواه من رجوم (إِنِّي عامِلٌ) كما تعملون ، وأين عمل من عمل وأمل من أمل ، عمل شيطاني وعمل رباني و (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ـ عين اليقين ـ (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) بيننا أنا أو أنتم (وَارْتَقِبُوا) خلفيّة ما تعملون (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ما أعمل ، والذي سوف يصلكم من عذاب الله ويصلني من رحمته ، وإن «انتظار الفرج من الفرج» (١) كما انتظار الحرج من الحرج.

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٣٩٣ في تفسير العياشي عن محمد بن الفضل عن الرضا (عليه السلام) ـ

٣٧٨

ويا لها من حجة أخيرة حاسمة تغمرهم في لجّة ، فلو لم يكن رسولا من الله لاستراح في تهديدهم إلى رهطه الذين هم يحذرونهم ، دون أن يرفضهم ويفرض ما يدعوا إليه من توحيد الله وهم يرفضون.

فالعاقل يغتنم كل فرصة حاضرة في خضمّ الأخطار ، والغريق يتشبث بكل حشيش ، فضلا عما ينجيه دون تشبث ، فحين يترك شعيب رهطه الذين هم المنعة الوحيدة عن أخطار قومه ، وتشبث بعناية ربه ورحمته من ناحية ، ومن عذابه عليهم من أخرى ، فذلك الصمود برهان قاطع أخير لا مرد له أن صاحبه رسول من الله دون هوادة.

أجل ، والمؤمن لا يتعصب بأية عصبة وقوة في الظروف المحرجة إلّا بربه ، مما يزيده إيمانا على إيمانه ، ويزيد أعداءه حجة على حجته ، فعصبية المؤمن ليست لأي حول أو قوة أو منعة إلّا حول ربه وقوته ومنعته ، وهذا هو مفرق الطريق بين التصور الإيماني والجاهلي في كل أزماته وبيئاته.

ذلك ، وبعد هذه الكلمة الأخيرة الفاصلة (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (٧ : ٩٣) ومن ثم العذاب الموعود :

وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا

__________________

ـ قال : سألته عن انتظار الفرج من الفرج؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ).

وفيه عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قال الرضا (عليه السلام): ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عزّ وجلّ يقول : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ). وقوله : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فعليكم بالصبر فإنما يجيء الفرج على اليأس فقد كان الذي من قبلكم أصبر منكم ، وفيه عن المجمع روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال : كان شعيب (عليه السلام) خطيب الأنبياء.

٣٧٩

وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ

٣٨٠