الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣

لما قبله ، ووحي القرآن يتدرج طوال الرسالة ، فقد كان ينسخ ما عنده وقد كان يقرّه.

إذا ففي مثلث النسخ المدّعى لا نجد إلّا نسخ القرآن للسنة في نجومه النازلة هنا وهناك ، او تناسخ السنة أحيانا.

ثم النسخ ـ خلاف ما قد يزعم ـ ليس إلا في الأحكام التكليفية او الوضعية ، وأما الأحكام العقلية ، والإخبارات الكونية ، فليس التناسخ فيها إلّا تكاذبا ، كذبا فيهما او أحدهما ، وحاشا عن ذلك وحي القرآن والسنة.

وكما أن نسخ القرآن بالسنة لا يصدّق في إزالة حكم من أحكامه ، كذلك في تقييد إطلاقاته أو عموماته التي هي نص في الإطلاق او العموم (١) او في حمل ظاهر مستقر الى غير ظاهره ، فإنه أظهر من ظاهر الحديث أو ونصه ، أو في إطلاق آية مقيدة او تعميم آية خاصة او تخصيص آية عامة ، او تقييد آية مطلقة ، اللهم إلا في عام او خاص قرآني ليسا في مقام البيان فيصح تخصيص عامه وتقييد مطلقة بما ثبت من السنة ، وسوف تجد تفاصيلها في هذا التفسير.

__________________

(١) فقوله تعالى : وأمهات نساءكم ـ بعد ـ ربائبكم اللاتي في حجوركم من نساءكم اللاتي دخلتم بهن ـ انه نص في اطلاق الأمهات حيث هن أعم من أمهات النساء المدخول بهن وغير المدخول بهن ـ لمقابلته الربائب من النساء المدخول بهن إذ لو كانت الأمهات مقيدات لذكر قيدهن كما ذكر قيد أمهات الربائب.

لذلك يطرح الحديثان المقيدان لأمهات النساء رغم صحة سندهما ، ويقبل الحديث العلوي ـ على ضعف سنده ـ القائل ، لأنهن مرسلات وأمهات الربائب مقيدات. ومن النص في العموم قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وليس المحال شيئا حتى يستثنى تعلق القدرة به ، وكذلك العمومات والإطلاقات الظاهرة في العموم او الإطلاق ، الا ان تكون سنة ثابتة تخصّص او تقيّد.

٤١

صيانة القرآن عن التحريف :

لو لم تكن شنشنة أعرفها من جاهل او متجاهلين ، الذين يخرفون فيهرفون بما لا يعرفون عن القرآن ، هرفا في التحريف ، لما كتبت عنه شيئا ، لأن القرآن فوق هذه الأقاويل الزور ، والتي تسربت إلى أحاديث الإسلام فترسّبت عند من غرب عقله ، فلذلك أجمل البحث عنه كما أجمله شيخ الطائفة وأضرابه ، (١).

وجملة القول ممن تقوّل في هذا المضمار : أن القرآن محرف بنقصان فقط وفي التأليف (٢) واما الزيادة فمجمع على بطلانها ، ولا ريب أن الآيات الموجودة كلّها قرآن ، ومنها ما تصرّح بعدم التحريف أيا كان ، فقولة

__________________

(١) قال في مقدمة تفسيره «التبيان : واما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ايضا لان الزيادة مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر ايضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا والاولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه.

ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع اليه وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رواية لا يدفعها احد انه قال : اني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ـ وهذا يدل على انه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز ان يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به .. وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته فينبغي ان نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه ونترك ما سواه».

(٢) راجع ج ٢٩ ص ٢٨١ ـ ٢٨٤ على ضوء الآية : ان علينا جمعه وقرآنه.

٤٢

التحريف إذا تناقض القرآن : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩) والذكر هنا هو القرآن ، فانه منزّل ، وليس الرسول وهو الذكر المنزل : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ..) (٦٥ : ١٠) فالرسالة دفعية منزلة ، وليست تدريجية منزّلة ، ثم الذكر قبل آيته هو القرآن : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (١٥ : ٦) وحفظ قرآنه حفظا لبرهانه الرسالي الخالد يخفّف عنه وطأة تهمة الجنون ، فليس إلّا حفظا له ككلّ وفي أيّة ناحية كقرآن ، طوال الرسالة الإسلامية ، وبمتناول أيدي الناس ، لا حفظا في صدره هو وصدور المعصومين من خلفائه ـ فحسب ، فانه لا يحافظ على كيان الرسالة إلّا عند أهليها ، والآية في مقام الامتنان ، وماذا يجديه حفظه عنده إذا كان ضايعا عند الأمة ، فهل نزل هذا الذكر إلّا للأمة: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

ولا نجد آية كآية الحفظ ـ في أية مهمة إسلامية ـ فيها هذه التأكيدات العديدة : ١ ـ إنّ. ٢ ـ نا ـ ٣ ـ نحن. ٤ ـ نا. ٥ ـ إنّ. ٦ ـ نا. ٧ ـ له. ٨ ـ ل ٩ حافظون.

فهل نسي الله أم عجز أو بخل عن حفظه وصيانته في تأليفه؟ أو عن زيادته أو نقصانه إذ غلب على أمره؟ والله غالب على أمره! وهو القائل العزيز : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤١ : ٤٢) : لا يأتيه الباطل من اي تهريف او تحريف ، رغم ما يأتيه المبطلون ـ لا يأتيه من بين يديه من وحي سابق يكذبه ويبطله ، او لا حق او معاصر كذلك ، فضلا عن غير الوحي من دس المبطلين ، لأنه (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)! : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي

٤٣

لَوْحٍ مَحْفُوظٍ).

انه محفوظ جملة وتفصيلا ، نزولا وتنزيلا ، تأليفا وترتيبا ، حتى في حروفه ونقطه وإعرابه ، فضلا عن جمله وآياته ، وكما يشهد بذلك القرآن نفسه (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وقد يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عدد كلمات القرآن وحروفه.

ثم وحديث الثقلين ، وآيات العرض وأحاديثه ، شهود صدق على صيانته عن التحريف ، فكيف يكون القرآن المحرف معروضا عليه لكل حادث وحديث؟ او يكون الثقل الأكبر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصغره حتى يردا عليه الحوض؟.

وما خرافة تحريف القرآن إلّا اختلاقا إسرائيليا وجد له سبيلا الى غفلة جاهلين ، او طائفيين من سنة وشيعة ، كلّ يصدق اختلاقا حول التحريف ليثبت مذهبه تغافلا عن كيان القرآن وهو أساس الإسلام.

فالسني يهرف بنقصان آية الرجم : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ما يعرفه كل سوقي عربي انه لا يشبه الوحي القرآني.

والشيعي يخرف بنقصان اسم الامام علي وآله في مواضع هي غاية الكدّ والكدح في باطله من أخبار آحاد (١).

__________________

(١) كما فعله ميرزا حسين النوري في «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» كالتالي :

١ ـ فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء! ـ والذين ظلموا هنا هم جماعة من اليهود حيث ظلموا أنفسهم ونبيهم فبدلوا قول الحق «حطة» بقولهم «حنطة» ، استهزاء ، فأين ظلمهم بآل محمد او محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه في حنطتهم؟ ـ

٤٤

٢ ـ «بئسما اشتروا به أنفسهم ان يكفروا بما انزل الله في علي» وهم انما كفروا بما عرفوه من النبوة المحمدية ولما يصل الأمر بعد إلى علي!

٣ ـ «ولتكن منكم أئمة كنتم خير أئمة» والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختصان بالأئمة وانما هما واجب الامة على شروطهما.

٤ ـ «يا ايها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي وان تكفروا بولايته فان له ما في السماوات والأرض» وكأنما الرسول جاء بالحق فقط في ولاية علي قبل ان تثبت ولايته (صلى الله عليه وآله وسلم) ام ماذا؟.

٥ ـ «يا ايها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا في علي نورا مبينا» والآية (بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٤ :٤٧).

والكتابي المنكر للرسالة الاسلامية ـ وهي الأصل ـ كيف يوجّه الى فرعها وهو ولاية علي (عليه السلام)؟ ثم لا أدري كيف يتصل قوله : «نورا مبينة». ب (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ...)؟

٦ ـ «أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب» ويا ليت شعري ما هي المناسبة بين عقد الولاية وبعدها : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) اللهم الا ان مختلق هذا الحديث هو من بهيمة الانعام!.

٧ ـ «بلغ ما انزل إليك في علي» وقد وردت في روايات ان «في علي» تفسير لمورد الآية وليست من الآية.

٨ ـ «والله ربنا ما كنا مشركين بولاية علي بن أبي طالب» وناكر الولاية وحتى النبوة لا يسمى مشركا ، وانما هو المشرك بالله ، ثم وهذه مقالة أصاب الجحيم ونائر ولاية علي (عليه السلام) لا يستحق بذلك النار.

٩ ـ «إنما أنت منذر وعلي لكل قوم هاد» وليس علي هاديا للأقوام السابقين كما محمد لم يكن ، وانما هو هاد منذ خلافته ، كما محمد منذر منذ رسالته.

١٠ ـ «رب اغفر لي ولولدي إسماعيل وإسحاق ـ او ـ إسحاق ويعقوب ـ او ـ الحسن والحسين» وليت شعري كيف أقحم إسحاق مع إسماعيل ولمّا يولد ، فضلا عن : إسحاق ويعقوب ، وأخيرا : الحسن والحسين! وأبوهما وجدهما أحرى بالدعاء لو أن ـ

٤٥

ـ ابراهيم يريد الدعاء لمن يأتي.

١١ ـ «ان هذا صراط عليّ مستقيم» وهنا غفل المفتري عن ان «مستقيم» وصفا ل «صراط» المعرف بالاضافة الى علي ـ كما زعم ـ يجب تعريفه «المستقيم».

١٢ ـ «ان تكون أئمة هي ازكى من أئمتكم»! ...

١٣ ـ «ولقد عهدنا الى آدم من قبل في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم» ولم يكن العهد المنسي الا الطاعة المطلقة لله وعدم طاعة الشيطان ، واما في محمد وآله (عليهم السلام) فالآيات تلمح والروايات تصرح انه كان عارفا بهم مؤمنا.

١٤ ـ «يا ليتني اتخذت مع الرسول عليا وليا».

١٥ ـ «يا محمد يا علي القيا في جهنم كل كفار عنيد» وليسا هما من الزبانية! ١٦ ـ (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) والمودّة لا تقتل وإنما الموءودة هي التي كانت تقتل! ١٧ ـ (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) بولاية الشياطين (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) وهنا يبدو الاختلاق الاسرائيلي واضحا حيث يفتري على سليمان ـ وفقا لما في التورات ـ ان ملكه كان بولاية الشياطين ـ وقد غفل المفترى عن ذيل الآية (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) ومن هؤلاء الشياطين مختلقو هذه الفرية على سليمان في التورات وفي الآية المزعومة القرآنية!.

(١٨) «متاعا الى الحول غير إخراج مخرجات» وليته يشعر ماذا تفيده «مخرجات» الا تناقضا في الحكم ـ حيث المعنى : متعوا المتوفى عنهن أزواجهن الى الحول دون إخراج لهن حالكونهن مخرجات!

(١٩) «لقد جاءكم رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم» ومعلوم ان «كم» هم المرسل إليهم و «نا» هو المرسل ، فهل هناك جمع من الآلهة بعثوا واحدا منهم رسولا الى الناس؟ او ان الله عبر عن نفسه بصيغة الجمع عناية الى جمعية الصفات ، ثم الرسول هو من ذاته تعالى!

هذه زبانيتهم التسعة عشر التي اضرموها ليحرقوا بها القرآن ولكنهم مفضوحون! وأكثرها من هرطقات بعض المتظاهرين انهم شيعة ، وليسوا إلا شنيعة ، يروون او يصدقون ـ

٤٦

ولكنما القرآن يقول كلّه تلميحا ، وتقول بعض آياته تصريحا ، انه لم يحرف ولن ، ولكنما الحرفة الطائفية ليست لتسمح الرجوع في ذلك الى القرآن نفسه ، لحدّ يستدل قائله بآية مشوهة حيث لم يجد فرصة للرجوع الى القرآن ، إذ كان يسبر أغوار الأحاديث من عشرات وعشرات مؤلفات تضمها (١).

وقد يعني [البعض من أحاديث التحريف ـ غير الصريحة في نقص او زيادة لفظية ـ تعني] تحريف المعنى ، إمالة لمعاني آيات الى غير معانيها ، وهذا مما نعانيه منذ نزول القرآن : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ ... عَنْ مَواضِعِهِ ..» (٥ : ٤١ ـ ٤ : ٤٦) وكما تشهد له رسالة الإمام الباقر (عليه السلام) الى سعد الخير : (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية) (٢) كما وان التأويل المصطلح

__________________

ـ روايات إسرائيلية تنوّه كأنما القرآن نزل ـ فقط ـ ليثبت فضل آل محمد ، واما محمد فليس إلّا رسولا ليبلغ الى الناس هامة الولاية لآله فقط!

ان المحاولة الاسرائيلية المسيحية وجدت بين جهال من المسلمين من يستجيب لهم ، كخدمات مذهبية : شيعية او سنية ، ليشوهوا سمعة القرآن كما كانت كتبهم ولكن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).

(١) ينقل المحدث حسين النوري آية الذكر في كتابه المخطوط بيده : «انا أنزلنا الذكر وانا له حافظون» ثم يقول : الإنزال لا يدل على أنه الكتاب بل استعمل الإنزال للرسول في قوله :

«أنزلنا إليكم ذكرا رسولا» هذا! رغم ان آية الحفظ تقول «نزلنا» وهو ينقلها (أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) فلم ينظر الى آية الذكر حتى يعرف انه ذكر منزّل وليس منزلا ، ولا الى ما قبلها ليعرف أنّه القرآن! فيا له مراما ما أبعده وذكرا ما أغفله!

(٢) اصول الكافي.

٤٧

للآيات ـ وهو تفسيرها بخلاف ظواهرها المستقرة ـ هو ايضا تحريف وتفسير بالرأي.

فالتحريف لغويا هو الإمالة للشيء عن وجهه الى غير وجهه ، فيشمل وجه اللفظ الى لفظ آخر ، ووجه المعنى ـ وهو ظاهره ـ إلى معنى آخر ، ووجه التركيب الى تركيب آخر وما الى ذلك من وجوه التحريف في الآيات ، ونحن لا نصدق إلّا واقع التحريف في وجوه المعاني الصريحة او الظاهرة الى غيرها ، المندّد به في القرآن والحديث ، دون غيره حيث يكذبه القرآن والحديث.

ثم وفي صيانة القرآن عن التحريف صيانة للسنة المحمدية عن التجديف وصيانة لسائر كتب السماء عما تدخل فيها من وحي الأرض ، حيث يهيمن على ما قبله من كتاب ، وعلى حدّ ما يروى عن رسول القرآن واهل بيته الكرام (عليهم السلام) فانه الثقل الأكبر بعد الرسول ، حيث يستمر به الثقل الأصغر ، إذ تعرض رواياتهم عليه فيعرف الخائن المفترى من الأمين والغث من السمين.

وفي تحريف القرآن ـ وهو كتاب الزمن ـ ضياع لكافة الرسالات الإلهية ولرسالة القرآن ، وزوال للحجة البالغة الإلهية عن العالمين.

(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٦ : ٦٤) (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) (٥ : ١٦).

وهذا القرآن فيه من التواتر العام طوال القرون الإسلامية لحد أصبح كالشمس في رايعة النهار ، وما تهريف التحريف الا كذباب أو ذباب تحاول

٤٨

كسف الشمس بجناحها وذبها.

فكل أمر يرجع إلى القرآن لفظا ومعنى وترتيبا وقراءة ، إذ لا نصدق أية قراءة لا توافقها المتواترة المتداولة ، المخطوطة والمطبوعة ، فذة او في التفاسير ، ولا سيما القراءات التي تغير المعاني.

وسوف ترى في هذا التفسير ان وصمة التحريف تهريف هراء من بعض الجهال او المعاندين ، وتجديف في أحاديثنا من إسرائيليات ومسيحيات تعني تشويه القرآن كما شوهت سائر كتابات السماء ، وأن القرآن بنفسه يذود عن نفسه هذه الوصمة الجاهلة ، بألفاظه ومعانيه ، كما هو يثبت كونه وكيانه أنه إلهي واصب كالشمس في رايعة النهار ، فهو هو دليل لكل دليل ومدلول ، ولا يحتاج بنفسه إلى دليل ، اللهم الّا لمن لم يعش القرآن قلبه ، او يعشو قلبه عن نوره المبين وتبيانه المتين ، فلينبّه لذكراه ، ليهتدي إلى هداه.

ومن آياته أن تسمت جملاته بالآيات ، حيث اتسمت بأنها دالات بكونها بذواتها إلهيات ، فكما أن معجزات الرسالات آيات كذلك القرآن كله آيات ولكنها خالدات.

التفسير المأثور :

نجد الكثير من أحاديث التفسير لا تعني تفسير المفاهيم ، وانما المصاديق الجلية او الخفية او المختلف فيها ، دون أن تحصر الآيات بنفسها إذ لا تتحملها.

فتفسير النباء العظيم والصراط المستقيم بعلي امير المؤمنين (عليه السلام) هو من قبيل الجري والتطبيق ، وبيان مصداق مختلف فيه ، ولو كان هو ـ فقط ـ الصراط المستقيم لأصبح النبي طالبا في صلواته ليل نهار صراط علي كأنه (عليه السلام) أعلى منه (صلى الله عليه وآله وسلم)!

٤٩
٥٠

الظاهر والباطن :

ظاهر القرآن هو اللائح من المعنى المطابقي حسب قانون الأدب اللفظي ، نصّا أو ظاهرا مستقرا ، والباطن هو الإشارة واللطيفة والحقيقة ، وهذه مراحل اربع وكما يرويه الامام الحسين عن أبيه علي امير المؤمنين : «كتاب الله على أربعة أشياء على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقايق للأنبياء» ولعل الحقائق هي التأويلات : المآخذ والنتائج كما ياتي حول آية التأويل.

فالعبارة هي المعبّرة عن المعنى الظاهر دون مجرد اللفظ بلا عبارة له عن المعنى ، ولو كانت هي اللفظ لكان ثانيه المعنى دون الإشارة ، وقد ثنّاه بالإشارة التي هي بعد المعنى ، ثم هذه العبارة المعنى تشير للخواص الى لطائف ، وهذه اللطائف قد تشير إلى الحقايق وهي خاصة بأهل الوحي : أهل بيت الرسالة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذا فالمعاني الباطنية هي سلسلة إشارات فلطائف ثم حقائق تنبع من المعاني الظاهرية لمن شرح الله صدره بالقرآن ، عاش قلبه القرآن فعاش القرآن قلبه ، فأصبح عشيرا للوحي القرآني (١).

__________________

ـ رفعه إلى خثيمة قال قال ابو جعفر (عليه السلام) : ...

(١) قال المغفور له الفيض الكاشاني في المقدمة الخامسة من تفسيره : ان من زعم ان لا معنى للقرآن الا ما يترجمه ظاهر التفسير فهو مخبر عن حدّ نفسه ولكنه مخطئ في الحكم برد الخلق كافة الى درجته التي هي حده ومقامه ، بل القرآن والاخبار والآثار تدل على أن في معاني القرآن لأرباب الفهم متسعا بالغا ومجالا رحبا قال الله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) وقال : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على احسن الوجوه».

٥١

فليست الإشارات إلا من مشيرات المعاني الواسعة لمن شرح الله صدره ، ولا اللطائف إلّا من هذه الإشارات ، درجات تلو بعض لمن يتدرج إليها بمدارج التدبير ولطيف التفكير وواسع الصدر ، دون فوضى ادّعاء لكل من يهوى ما يهواه فيسميه إشارة او لطيفة او حقيقة!.

فليتجنب المفسر عن استعمال القياس في القرآن ـ ف «من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس» (١) ـ «مائلا عن المنهاج ، طاعنا في الاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل» (٢).

وفي الصادقي (عليه السلام): «إن للقرآن بطنا وللبطن ظهرا وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ، إن الآية لتنزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف على وجوه» (٣).

__________________

ـ ثم قال : فالصواب ان يقال : من أخلص الانقياد لله ولرسوله وأهل البيت (عليهم السلام) وأخذ علمه منهم وتتبع آثارهم واطلع على جملة من أسرارهم بحيث حصل له الرسوخ في العلم والطمأنينة في المعرفة وانفتح عينا قلبه وهجم به العلم على حقائق الأمور وباشر روح اليقين واستلان ما استوعره المترفون ، وأنس بما استوحش منه الجاهلون وصحب الدنيا ببدن روحه معلقة بالمحل الأعلى ، فله ان يستفيد من القرآن بعض غرائبه ويستنبط منه نبذا من عجائبه ، ليس ذلك من كرم الله تعالى بغريب ولا من جوده بعجيب ، فليست السعادة وقفا على قوم دون آخرين وقد عدوا جماعة من أصحابهم المتصفين بهذه الصفات من أنفسهم قالوا : سلمان منا أهل البيت.

(١) قرب الاسناد حدثني هارون بن مسلم قال وحدثني مسعدة بن صدقة قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه ان عليا (عليه السلام) قال : ...

(٢) المستدرك عن الامام الحسين (عليه السلام).

(٣) العياشي عن جابر قال قال ابو عبد الله (عليه السلام) يا جابر : ..

٥٢

وفي النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن» وهذه السبعة ـ كما في الصادقي (عليه السلام) هي ادنى ما للإمام ان يفتي علي سبعة وجوه ـ ثم قال : «هذا عطاءنا فامنن أو أمسك بغير حساب». (١).

وفي الباقري (عليه السلام): «إن للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا»(٢).

وهكذا يشار الى مراتب البطون ، ان الظهر الاول ظهر لأولى البطون وهذا البطن ظهر للبطن الثاني والثاني ظهر للثالث ، فكل بطن ظهر لما بعده وبطن لما قبله ، سلسلة تنبّؤات وخواطر متدرجة تنبع من منبع النص والظاهر القرآني.

وفي العلوي (عليه السلام): ان الله جل ذكره لسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبطلون من تغيير كلامه قسم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلّا من صفى ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلّا الله وأنبياءه والراسخون في العلم ، وانما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، ويقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم ... (٣).

__________________

(١) العياشي عن حماد بن عثمان قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) ان الأحاديث تختلف عنكم؟ قال فقال عليه السلام : ان القرآن نزل على سبعة أحرف ...

(٢ ـ ٣). تفسير البرهان ونور الثقلين.

٥٣

فتجريد الآية عن مضيق من شأن نزولها هو من البطن الاوّل (١) فإذ يقول الله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) لا يحمل الآية فقط على (الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) بل يجريها وبأحرى ـ على : «الذين حملوا القرآن ثم لم يحملوها» فمثلهم إذا ليس فقط ـ كمثل الحمار ، بل أضل سبيلا ، كما أن حمل القرآن أثقل فإنه أقوم قيلا.

إذا فنحن المسلمين المحمّلين القرآن كل على حدّه المستطاع ، كثير منا مثله كأضل سبيلا من الحمار ، من تارك حمله في علومه ومعارفه ، ومن تارك تطبيقه بعد معرفته ومن ...!.

ثم وتحريرها عما تستأنسه الأفهام العامة من معاني محدودة هو من البطن الثاني ، وتزويدها سعة وعمقا وإيضاحا بنظائرها من آيات هو من البطن الثالث ، وتحريرها عما قبلها وما بعدها من قرائن ومتعلقات غير أصيلة من البطن الرابع ، وهكذا الى بطون اخرى ، رعاية لأصل الدلالة اللفظية كمنطلق ، وحجج ودلالات قرانية أخرى كوسائل للتحرير والتوسعة ، معتمدين في كل ذلك على حجة من علم الكتاب أو أثارة من علم ، متجنبين عما نهواه من أهواء علمية أمّاهيه ، لكي نبتعد عن تفسير القرآن بالرأي ، وانما القرآن بالقرآن ، وعلى ضوء السنة والله هو الموفق لهداه.

والقول ان القرآن هدى للناس وهو بيّن لهم كلهم ومبين فلا حاجة الى التأمل الزائد في تفهّم معانيه أو بطون له؟ إنه غير متين ، كما مضت في هذه

__________________

(١) ومن البطن الاوّل هم الذين عملوا بمثل اعمال من نزلت الآية فيهم كما يروي عن الامام الباقر (عليه السلام) «ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذي عملوا بمثل اعمالهم» (البرهان ١ : ٢٠ عن حمران بن أعين عنه (عليه السلام).

٥٤

الروايات وصرحت به آيات التفقه (١) والتدبر (٢) والتفكر (٣) والتعقل (٤) والتذكر (٥) والعلم (٦) والشعور (٧).

اجل ان القرآن بيان وتبيان وهدى للناس إذا تفقهوا وتدبروا وتفكروا وعقلوا وتذكروا وعلموا وشعروا ، وأما أن يتقنوا فقط اللغة ثم يحيطوا علما

__________________

(١) (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦ : ٦٥) (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٦ : ٩٨).

(٢) (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٤٧ : ٢٤) (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٣ : ٦٨) (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣٨ : ٢٩).

(٣) (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢ : ٢١٩) و ٢٢٦) (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٧ : ١٧٦) (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٠ : ٢٤) (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٣ : ٣) (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٦ : ٦٩) (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٥٩ : ٢١)

(٤) (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢ : ٢٤٢) (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٣ : ١١٨) (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٢ : ٢) (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٤ : ٦١)

(٥) (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١٦ : ١٧) (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٢٤ : ١) (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٥١ : ٤٩) (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ). ٥٦ / ٦٣

(٦) (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٢٩ : ٤٣). (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ). (١٣ : ١٩) (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣٨ : ٢٩).

(٧) آيات تحمل تنديدات كثيرة بالذين لا يشعرون (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (٢ : ١٢) (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٣ : ٦٩) (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٦ : ٢٦) (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٦ : ١٢٣)

٥٥

بكل معاني القرآن فلا! حيث الفرق بين الترجمة والتفسير ام ماذا؟

الترجمة والتفسير والتأويل

فقد يترجم القرآن من لغته الى اخرى تحويلا للمعنى المفهوم منه ـ كما يفهمه العربي الساذج ـ إلى لغات أخرى.

او يفسّر كشفا للقناع عن المفهوم منه حيث المفاهيم القرآنية درجات فوق بعض ولا يفهمها كل عارف باللغة العربية ، أم كشفا للقناع عن الإجمال المقصود حيث لا يراد التفصيل فلتفسّر الآية بآية أو آيات أخرى تعني تفصيل ما أجمل فيها (١).

واما ان يفسر كشفا عن قناع في المعنى الذي لا سبيل إلى تفهمه ، أم قناع في اللفظ قصورا (٢) او تقصيرا (٣) ، فساحة القرآن بريئة عن هذا المثلث فانه بيان للناس ، لا قصور في دلالته ولا تقصير ، ولا غموض في معانيه لحد لا يمكن تفهمه.

والتأويل راجع الى المعنى المفهوم من القرآن إرجاعا إلى مأخذه أو نتيجته ، ولم يأت التأويل في سائر القرآن إلّا بهما ، خلاف ما يهرف أنه تفسير بخلاف النص او الظاهر لدلالة عقلية أو علمية أو حسية أم ماذا!.

__________________

(١) فمثل قوله تعالى : «أَقِيمُوا الصَّلاةَ» لا يدل على تعدادها وأوقاتها ، وإنما المتكفل لهذا البيان آياتها المفصلة حيث تفسّر أعداد الصلاة وأوقاتها.

(٢) قصور الدلالة فيما يقصر المتكلم عن بيان مراده ولا قصور في ساحة الألوهية

(٣) التقصير في الدلالة فيما يقصر المتكلم في بيان مراده على امكانية البيان كما في بعض العبارات المغلقة الغامضة رغم وضوح المفهوم لو كانت الدلالة ظاهرة.

٥٦

فالترجمة راجعة إلى اللفظ والتأويل يخص المعنى والتفسير يشملهما ، معنى عاليا بعيدا عن تفهم الناس إلا من كان عاليا في التفهم ، أم لفظا لا يعني فيما يعني هنا ما تطلبه من تفصيل ، ففي خماسيّة المحتملات للمعنى من التفسير لا يصح إلا هذان دون الثلاثة الأخرى.

٥٧
٥٨

سورة الفاتحة

٥٩
٦٠