الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣

الله جل جلاله : بدء عبدي باسمي وحقّ عليّ أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله ـ فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال الله جل جلاله : حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي وأن البلايا التي دفعت عنه فبطولي ، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا ، فإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال الله جل جلاله : شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم ، أشهدكم لأوفّرن من نعمتي حظه ولاجزلنّ من عطائي نصيبه ، فإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله جل جلاله : أشهدكم كما اعترف أني أنا مالك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه ولأتجاوزن عن سيئاته فإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قال الله عز وجل : صدق عبدي ، إياي يعبد ، أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي ، فإذا قال : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله عز وجل : بي استعان عبدي والتجأ إلي أشهدكم لأعيننّه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه ، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ... قال الله عز وجل : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ، فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل ، وآمنته مما منه وجل (١).

إذا فالسبع المثاني صورة مجملة وضّاءة عن سيرة الله وسيرة العبد تجاه الله ، تجمع من جوامع القرآن العظيم محكمات ، مما يتوجب على العباد معرفيا وعمليا وجاه رب العالمين ، لمّاعة لمّاحة إلى مثلث الأصول الدينية : المبدء ، والمعاد ، وما بين المبدء والمعاد من نبوّات وتشريعات.

__________________

(١) رواه شيخ الطائفة الطوسي في اماليه والشيخ الأجل الصدوق في عيونه عن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي قال : حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) عن ...

١٤١

وفي قران بين ما نقوله نحن المسلمين في صلواتنا وما يقوله المسيحيون نرى قرانا بين النور والنار ، بين أدب بارع وسوء هارع.

ففي إنجيل متّى الفصل ٦ الآية ٩ ـ ١٣ فصلوا أنتم هكذا : ونحن نصلي هكذا :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ـ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٧).

أبانا الذي في السماوات

ليتقدس اسمك (٩)

ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض (١٠)

خبزنا كفافنا أعطنا اليوم (١١)

واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن

أيضا للمذنبين إلينا (١٢)

ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير لأنّ لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين (١٣)

 فهل الله تعالى «أباهم»؟ وأصل النص المتواتر في الإنجيل «الآب» : الخالق حسب اليوناني!

ثم أهو فقط (فِي السَّماواتِ) والأرض خلو منه؟ غلطتان في آية منها واحدة!

ثم من الموعود في «لتكن مشيئتك ..»؟ وهل هذه المشيئة حتى الآن ما أتت الأرض ، فما ذا يقول المسيح (عليه السلام) إذا في الأرض ، أليس ليحقق مشيئة الله في شرعته لأهل الأرض؟ ثم من هذا الذي ينزل مشيئة الله إلى الأرض!. غلطات تلو بعض ، ظلمات بعضها فوق بعض!!!

١٤٢

والصلاة حسب الإنجيل لا يؤتى بها إلا لله تعالى (مت ٤ : ١٠ ـ مقابل تث ٦ : ١٣ و ١٠ : ٢٠) ففي الأول «لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» وهذه من الآيات الإنجيلية النادرة في فرض السجود ، ولكن «تث» لا تذكر إلا فرض الصلاة.

والأوقات المقررة حست الكتاب المقدس للصلاة ثلاثة ، ففي «مز ٥٥ : ١٦ ـ ١٧ ودا ٦ : ١٠)» أمّا أنا فإلى الله أصرخ والرب يخلّصني مساء وصباحا وظهرا أشكو وأنوح ، فيسمع صوتي ـ وفي «دا» فلما علم دانيال .. فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك.

مسألة فقهية حول الحمد.

وهل تجوز ترجمة الحمد في الصلاة؟ أقوال (١) أقواها عدم الجواز إلّا لمن لا يتمكن من قرائتها عربية ولا الاقتداء بمن يقرءها ولا متابعته في قراءتها ، فما لا يدرك كله لا يترك كله ، فان ترجمة الحمد غير الحمد وقد أمرنا بقراءة الحمد في الصلاة وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلوا كما رأيتموني أصلي ، ولو جازت الترجمة لقرءها أحيانا تدليلا على الجواز (٢).

وهل تجب القراءة على المقتدي؟ الحق عدم وجوبها حيث الإمام

__________________

(١) قال الشافعي انها لا تجوز إطلاقا وقال ابو حنيفة تجوز إطلاقا وقال ابو يوسف ومحمد بما قلناه.

(٢) وهو اجماع تحقق عندنا ومصرح به في كلام جماعة حد الاستفاضة كالناصريات والخلاف والذكرى.

١٤٣

يتحملها عنه حسب متواتر الحديث ، مهما جازت في الإخفاتية ، وفي الجهرية إذا لم يسمع صوت الإمام بل هي أحوط ، وإذا سمع حرمت لوجوب الاستماع كما قال الله (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٧ : ٢٠٤) ومن أصدق مصاديقه قراءة الحمد والسورة في الصلاة.

وهل تجوز قراءة الحمد والسورة التي بعدها في الصلاة من المصحف؟ الظاهر هو الجواز لا سيما لمن لا يحفظها أو يلحن فيها ، والمتعارضتان في الجواز وعدمه متساقطتان لو لا ترجيح رواية الجواز ، فالأصل هو الجواز (١).

وهل يجوز التأمين بعد (وَلَا الضَّالِّينَ) أم لا يجوز ، وعلى الحرمة هل تبطل به الصلاة أم لا تبطل؟ أقوال (٢) : أقواها البطلان.

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ج ٥ ص ١٨٧ باسناده عن الحسن بن زياد الصيقل قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه فقال لا بأس بذلك ، وتعارضها رواية قرب الأسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلي؟ قال : لا يعتد بتلك الصلاة.

(٢) في الخلاف ١ : ١٠٤ قول آمين يقطع الصلاة سواء كان ذلك سرا أو جهرا في آخر الحمد او قبلها للإمام والمأموم وعلى كل حال ـ وقال ابو حامد الاسفرايني إن سبق الإمام المأمومين بقراءة الحمد لم يجز ان يقولوا آمين فان قالوا ذلك استأنفوا قراءة الحمد وبه قال بعض اصحاب الشافعي ، وقال الطبري وغيره من اصحاب الشافعي لا يبطل ذلك قراءة الحمد ويبني على قرائته ـ

فاما قوله عقيب الحمد فقال الشافعي وأصحابه يستحب للإمام إذا فرغ من فاتحة الكتاب ان يقول آمين ويجهر به واليه ذهب عطاء وبه قال احمد وإسحاق وابو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وابو بكر بن المنذر وداود ـ وقال ابو حنيفة وسفيان : يقول الامام ويخفيه ، وعن مالك روايتان إحداهما مثل أبي حنيفة والثانية لا يقول آمين أصلا ـ

١٤٤

فيما يرويه إخواننا عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) متظافرا الأمر به فرضا او ندبا (١) وفيما يرويه أصحابنا عن عترته الطاهرة (عليهم السلام) النهي عنه (٢) إلّا شاذا ، وقضية التعارض هنا هي تقديم رواية

__________________

واما المأموم فان الشافعي قال في الجديد يسمع نفسه وقال في القديم يجهر به واختلف أصحابه فمنهم من قال المسألة على قولين ومنهم من قال إذا كانت الصفوف قليلة متقاربة يسمعون قول الامام يستحب الإخفاء وإذا كانت الصفوف كثيرة ويخفى على كثير منهم قول الامام يستحب لهم الجهر ليسمعوا من خلفه وقال احمد وإسحاق وابو ثور وعطا يستحب لهم الجهر وقال ابو حنيفة وسفيان الثوري لا يستحب لهم الجهر بذلك.

دليلنا اجماع الفرقة فأنهم لا يختلفون في ان ذلك يبطل الصلاة وايضا فلا خلاف انه إذا لم يقل ذلك ان صلاته صحيحة ماضية وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال : ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين وقول آمين من كلام الآدميين.

(١) في الدر المنثور ١ : ١٧ ـ اخرج قراءة آمين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جماعة عن : أبي ميسرة ووائل بن حجر الحضرمي وعلي (عليه السلام) وأبي موسى الاشعري وأبي هريرة وعائشة وابن عباس ومعاذ بن جبل وانس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلمة واحدة قراءة آمين او الأمر بها.

(٢) في جامع أحاديث الشيعة ٥ : ١١٢ باب عدم جواز التامين عن محمد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين؟ قال : لا ومثله في حسنة جميل عنه (عليه السلام) وتعارضها صحيحته سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الناس في الصلاة جماعة حتى تقرأ فاتحة الكتاب آمين؟ قال : ما أحسنها وأخفض الصوت بها وعن معاوية بن وهب قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) أقول آمين إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ قال : هم اليهود والنصارى ولم يجب في هذا ، والجعفريات باسناده عن علي (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تزال امتي على شريعة من دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القبلة باقدامهم وما لم يصرخوا ينصرفوا قياما كفعل اهل الكتاب وما لم تكن لهم ـ

١٤٥

أهل البيت (عليهم السلام) فإنهم أحد الثقلين فالأقوى ـ إذا ـ عدم الجواز والظاهر البطلان.

ولا عبرة بعديد الرواة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يخالف نقلها أحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فضلا عن إجماعهم ، فان عصمة النقل لهم تفوق كل راوية ودراية كما في حديث الثقلين المتواتر.

ثم الروايات المتواترة من طريق الفريقين الآمرة بقراءة الحمد في الركعتين تساند القول ان آمين ليس فيها فانها حسب تواتر القرآن خالية

__________________

ـ ضجة؟؟؟ آمين ورواه الدعائم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) انه قال لا تزال أمتي بخير وعلى شريعة وذكر مثله ، وروى الريان عن الرضا (عليه السلام) عن أبي محمد العسكري (عليه السلام) في حديث طويل انه عد الخصال التي خص الله تعالى بها الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم ثم ذكر ان العامة خالفهم فيها ـ إلى ان قال ـ : والإخفات في السورتين خلافا علي الجهر. وآمين بعد ولا الضالين عوضا عن القنوت ، الخبر ، وفي الدعائم وروينا عنهم (عليهم السلام) انهم قالوا يبتدء بعد بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ... وكرهوا (حرموا) ان يقال بعد فراغ فاتحة الكتاب آمين كما تقول العامة ، وقال جعفر بن محمد (عليه السلام) انما كانت النصارى تقولها ، وفي المستدرك ابو القاسم علي بن احمد الكوفي في كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة في سياق مطاعن الثاني ، أجمع اهل النقل عن الائمة من اهل البيت (عليهم السلام) انهم بأجمعهم قالوا : من قال آمين فقد أفسد صلاته وعليه الاعادة لأنها عندهم كلمة سريانية معناها بالعربية افعل كسبيل من يدعو بدعاء فيقول في آخره اللهم افعل ثم استن أنصاره بروايات متخرصة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول ذلك بأعلى صوته وأنكر اهل البيت هذه الرواية وفي روايات عدة «وعلى من خلفه ان يقولوا الحمد لله رب العالمين» رواه جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفضيل.

١٤٦

عنها ، إذا فهي كلام خارج عن فرض الصلاة وندبها ، فتبطل به الصلاة ام ـ ولأقل تقدير يحرم.

والقول أن دعاء الهداية في قلب السبع المثاني وهي قلب الصلاة ، إنها خير دعاء ، والتأمين بعد الدعاء من السنة فهو هنا أحرى ، وقد أمرنا بالدعاء في الصلاة وهو من الدعاء بعد الدعاء ، إذا فهو ـ لأقل تقدير ـ جائز ان لم يكن ندبا.

إنه مردود إلى قائلة لكونه اجتهادا ضد النص ، ولا نقبل حديثا يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين يكذبه عترته المعصومون (عليهم السلام).

وهذه ضابطة سارية المفعول أن الروايتين المتعارضتين المرويتين عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرضان على كتاب الله ، ثم على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعترة هم حملة السنة حين تثبت عنهم له (صلى الله عليه وآله وسلم) رواية ، سواء أسندوها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم لم يسندوها ، فإنهم ـ على أية حال ـ ليسوا إلّا حملة السنة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزيدون عليها ولا ينقصون عنها ، كما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله.

١٤٧
١٤٨

سورة البقرة

١٤٩
١٥٠

سورة البقرة ـ مدنية ـ وآياتها مائتان وست وثمانون

اسماء السور القرآنية التي هي ايضا بتسمية الرسول وحيا ، كترتيب السور والآيات الذي يساور التنزيل في الوحي ، مما يؤيد وحي التأليف ، فالقرآن المفصل وحيان ، وحي التنزيل ووحي التأليف ، ولو أن مات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قرآن التنزيل مبعثرة الآيات دون تأليف ، فكيف إذا هذه التسميات ، هل هي تسميات مسبقة عن السور المسميات التي ألفها أناس بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وما هي إلّا فوضى جزاف ، يستحيل معها انضباط هذه الأسماء دون خلاف واختلاف على مر العصور!

فكما أن وحي التنزيل في محكم القرآن ومفصله من الله كذلك وحي الجمع والتأليف كما تدل عليه آية الجمع (١).

ولقد روى تسمية هذه السورة ب «البقرة» جمّ غفير عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (٢) مما يؤكد أنها كغيرها ألفها الرسول (صلى

__________________

(١) هي قوله تعالى : لا تحرك به لسانه لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه .. راجع ج ٢٩ ص ٢٨٠ ففيها بحث موضوعي حول جمع القرآن.

(٢) الدر المنثور ١ : ١٨ ـ أخرجه جماعة عن الحفاظ وارباب السنن عن أبي امامة الباهلي ونواس بن سمعان وبريدة وابن عباس وابو ذر الهروي ومحمد بن نصر وعبد الواحد بن أعين وابن مسعود وأبي هريرة وأبي الدرداء وعبد الله بن مفضل وأبي مسعود وسهل بن سهل الساعدي والحسن ومعقل بن ياسر والسيد بن حضير والصلصال بن الدلهمس وعروة وعائشة كل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها سورة البقرة وروى انس وابو سعيد الخدري وربيعة الحرشي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ان لا تقولوا سورة البقرة وآل عمران بل السورة التي يذكر فيها البقرة. ومن طريق أئمة اهل ـ

١٥١

الله عليه وآله وسلم) دون المؤلفين الزاعمين تأليف القرآن :

ومن لطيف الترتيب تقدّم فاتحة الكتاب كبراعة استهلال للكتاب ، ثم سورة البقرة وهي اوّل ما نزلت في المدينة ، تلمح لموقع الدولة الاسلامية فيها ، كأنها بداية الإسلام ، كما وأن تأريخ الإسلام يبتدء باوّل العهد المدني ، وكأنما العهد المكي لم يكن من عهود الإسلام ، رغم انه جذورها الأوّلية ، مهما كان نماؤها في المدينة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ

__________________

ـ البيت رواها ابو بصير عن الصادق (عليه السلام) وعن علي بن الحسين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعاني الاخبار الى سفيان الثوري عن الصادق (عليه السلام).

١٥٢

وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٧)

(الم)

وترى ماذا تعني أمثال هذه الحروف المقطعة المتصدرة بها البعض من سور القرآن؟

فهل هي اسماء لها؟ وليست إلّا في (٢٨) سورة ، وهي اقل من ربعها فلما ذا لم تسم بها ثلاثة أرباعها؟ ، ثم للمصدّرة بها أسماء غيرها إلّا قليلا منها (١)؟؟؟ ثم الأسماء لا بد وان تعرب عن مسمياتها بما تحمل من معاني

__________________

(١) وهي خمس : طه ـ يس ـ ص ـ ق ـ ن ، ثم الباقية ال : ٢٣ لها اسماء غيرها.

١٥٣

ولا معاني معروفة لهذه الحروف إلّا عند أهلها!

٢ ـ ام هي تنبيهات أن آياتها البالغة ذروة معارج الإعجاز هي مركبة عنها؟ إذا فلما ذا لم تتصدر بها اوائلها نزولا كالحمد والعلق والمزمل والمدثر؟ وهي أحرى بالتنبيه لها؟ ولماذا لم تستغرق المكيّة ال (٨٦) إلّا في ٢٥ منها دون ال (٦١) الأخرى ، ونراها في ثلاث من المدنيات ال (٢٨) دون (٢٥) الأخرى منها ، فمجموع المصدرة بها بين (١١٤) سورة ليست إلّا (٢٨)! (١).

ثم وهذه لعبة إذ توضح الواضح عند ايّ سامع لها ، وهي لا تستحق ان تكون آيات كسائر الآيات ثابتة في صدورها!.

ثم وهذه الحروف لا تستغرق حروف الهجاء ال (٢٨) وإنما هي نصفها (٢) وقد تكررت مرات ومرات (٣) فليست هي إذا ـ فقط ـ لهذه الإشارة المنبهة.

٣ ـ أو أنها فصول بين السور؟ وقد تحققت بالبسملات! اللهم إلّا

__________________

(١) فالمكية ال ٢٥ هي : ١ ـ الأعراف ـ المص ـ ٢ ـ يونس : الر : ٣ ـ هود : الر ـ ٤ ـ يوسف : الر ـ ٥ ـ ابراهيم : الر ـ ٦ ـ الحجر : الر ـ ٧ ـ العنكبوت : آلم ـ ٨ ـ مريم : كهيعص ـ ٩ ـ طه ـ و ١٠ ـ الشعراء : طسم ـ ١١ ـ القصص : ١٢ ـ النمل : طس : ١٣ ـ الروم : آلم ـ ١٤ ـ لقمان : آلم ـ ١٥ ـ السجدة : آلم ـ ١٦ ـ يس ـ ١٧ ـ ص ـ ١٨ ـ المؤمن : حم ـ ١٩ ـ فصلت : حم ـ ٢٠ ـ الدخان : حم ـ ٢١ ـ الزخرف : حم ـ ٢٢ ـ الأحقاف : حم ٢٣ ـ الجاثية : حم ـ ٢٤ ـ ق ـ ٢٥ ـ ن ـ.

والمدنية ال : ٣ هي : البقرة : آلم ـ آل عمران : آلم ـ الرعد : المر فالمجموع ٢٨.

(٢) وهي ا ـ ل ـ م ـ ر ـ ه ـ ي ـ ع ـ ص ـ ط ـ س ـ ح ـ ق ـ ن ـ ك ـ ولم تذكر ١٤ ـ الاخرى : ب ـ ت ـ ث ـ ج ـ خ ـ د ـ ذ ـ ز ـ ش ـ ض ـ ظ ـ غ ـ ف ـ و.

(٣) وقد كررت آلم خمس مرات ـ والر : ٥ ـ وحم : ٦ ـ وطسم : ٢ ـ ثم في التسع الباقية مرة مرة ك : المر والمص وكهيعص وطه ويس وص وق ون وطس!

١٥٤

البراءة وهي يتيمة عنها ، وهي متحققة بأسمائها إلّا قليلا منها! ثم ولا يجوز الفصل بما هو أجنبي عن القرآن!.

٤ ـ او أنها للإسكات؟ فلتصدّر المكية ولا سيما أولياتها بها ، وكذلك مهامّ. الآيات وإن في أوساط السور دون اختصاص بأوائلها ، وأن الإسكات لا يناسب حروفا لا يفهمونها!.

٥ ـ او هي مجمل معاني السور المتصدرة بها؟ فلما ذا حرمت عنها أربعة أخماسها؟ ولماذا كررت في عديد منها وحرمت عنها أكثرها!

٦ ـ او هي المعاني النازلة ليلة القدر؟. فكذلك الأمر ، ولماذا تحرم عنها سورة الحمد التي هي صورة باهرة عنها.

٧ ـ او أنها تعني ما يعنيه حساب الأعداد؟ ولا حجة فيها إلّا خيالات إسرائيليات وكما زيفت بروايات إسلاميات! (١).

__________________

(١) في معاني الاخبار للصدوق باسناده الى محمد بن قيس قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث ان حييا وأبا ياسر ابني اخطب ونفرا من يهود اهل نجران أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : أليس فيما تذكر فيما أنزل الله عليك «الم» قال : بلى ـ قالوا أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال : نعم ـ قالوا : لقد بعث أنبياء قبلك وما نعلم نبيا منهم اخبر ما مدة ملكه وما اجل أمته غيرك! قال : فاقبل حي بن اخطب على أصحابه فقال لهم : الالف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه احدى وسبعون سنة ، فعجب أن يدخل في دين مدة ملكه واجل أمته احدى وسبعون سنة؟ قال : ثم اقبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له يا محمد! هل مع هذا غيره؟ قال : نعم ـ قال : فهاته ـ قال : «المص» قال : هذه أثقل وأطول : الالف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة وإحدى وستون سنة! ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فهل مع هذا غيره؟ قال : نعم ـ قال : هاته ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الر» قال : هذه أثقل

١٥٥

٨ ـ أو هي اسم الله الأعظم مقطّعة في القرآن؟ ولا أعظم من «الله» : الأعظم الظاهر ، ولا من «هو» : الأعظم الباطن! وأن المركب منها سلسلة حروف لا تؤلف اسما عربيّا! ثم ولا حجة تثبتها!

٩ ـ أو هي أقسام أقسم الله بها؟ فلمن يقسم وهم لا يفهمونها ، ولو عني بها خصوص الرسول بما يعرف من هذه الرموز فهو لا يحتاج الى أقسام إذ يصدّق وحي ربه دونما إقسام.

١٠ ـ ثم ولا يحتمل ألّا تحمل أية معاني او فوائد فإنه لغو وكلام الله كله معاني وفوائد!

١١ ـ من المؤكد أن لها معاني لم توضع هي لها في أية لغة فلا يعرفها أصحاب اللغات بأسرها ، فانما هي رموز خاصة بين الله ورسوله (١) اختص

__________________

ـ وأطول : الالف واحد واللام ثلاثون والراء مائتان! ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فهل مع هذا غيره؟ قال : نعم ، قال : هاته ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) «المر» قال هذه أثقل وأطول : الالف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان! ثم قال : «هل مع هذا غيره؟ قال : نعم ، قالوا : قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت ثم قاموا عنه ، ثم قال ابو ياسر لحي أخيه : ما يدريك لعل محمدا قد جمع له هذا كله واكثر منه ، قال : فذكر ابو جعفر (عليه السلام) ان هذه الآيات أنزلت فيهم (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ).

أقول : ما احسن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ترتيبا لذكر هذه الحروف مترتبا متصاعدا حسب الأعداد ، ولكي يحتاروا في أمره ويندحروا عما هم يزعمون انها بحساب الأعداد في حساب اجل الامة الاسلامية رجما مضاعفا بالغيب!.

(١) في تفسير الفخر الرازي ٢ : ٣ روي في الخبر : للعلماء سر وللخلفاء سر وللأنبياء سر وللملائكة سر ولله من بعد ذلك كله سر ، فلو اطلع الجهال على سر العلماء لأبادوهم ولو اطلع العلماء على سر الخلفاء لنابذوهم ولو اطلع الخلفاء على سر الأنبياء لخالفوهم ولو اطلع الأنبياء. على سر الملائكة لاتهموهم ولو اطلع الملائكة على سر الله تعالى لتاهوا حائرين وبادوا بائرين.

١٥٦

الله بها رسوله بعد عموم سائر القرآن لسائر المكلفين ، فهي إذا صفوة القرآن كما عن الامام علي (عليه السلام): «إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» و «إنها مفاتيح كنوز القرآن» وإن كانت لها هامشيا بعض الفوائد المذكورة في العشرة السالفة.

فليس لغير صاحب السرّ التنقّب عن معانيها ، او التخرّس بالغيب فيها ، اللهم إلّا ما ثبت منها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، او الائمة من آل الرسول (عليهم السلام) او ما يعرف بالتأمل أحيانا في محالّها بقرائنها ، كالبعض مما عني منها أن يعرفها تأنقا وتعمقا أهلوها ، غير المتطاولين فيها ما لم يعرفوها ،

وقد تحمل هذه الرموز أنباء غيبية في مثلث الزمان : ماضيا وحالا واستقبالا ، مما يهمّ الرسول والأمة الإسلامية ، أو حقائق علمية معرفية مما تختص بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهليه المعصومين ، وقد يبرزون منها ما نستأهلها دون جميعها ، فإن منهما ما لا يتحمله غيرهم وهم في ذلك درجات.

ومما يؤكد أنها تعني معاني سرية أن كلّا منها آية فذّة في سورتها (١) او آيتين (٢) إلّا قلة قليلة منها هي ضمن آيتها (٣).

__________________

ـ أقول : الخلفاء هنا خلفاء الأنبياء المنصوصون ، ثم وكما للملائكة سر خاص قد لا يعرفه الأنبياء كذلك لهم سر لا تعرفه الملائكة ، ولا سيما محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لا يعرف أسراره المحمدية الخاصة غير الله إذ لا يتحملونها!.

وفيه روي انه (عليه السلام) قال : «ان من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه الا العلماء بالله فإذا نطقوا به أنكره اهل الغرّة بالله».

(١) كما في ٢٤ منها

(٢) كما في حم عسق

(٣) كما في ست منها : يوسف ـ الحجر ـ النمل ـ ص ـ ق ـ ن.

١٥٧

وكيف تكون آية او بعض آية لا تعني ايّ معنى ، إن هي إلّا قولة فارغة هراء وكتاب الله تعالى منها براء.

وقد نتنبأ من بعضها أن هذه الحروف التلغرافية الرمزية تعم النبيين أجمع وإن لم تذكر في كتاباتهم السماوية : (حم ١ ـ عسق ٢ ـ كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فالمشار اليه ب «كذلك» البعيد البعيد في محتد الوحي ليس إلّا حم عسق : كذلك : الرمز المستسر (يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) وحيا خاصا لا يعدو أصحاب الرسالات إلى المرسل إليهم!

وقد يكون بينها وبين السور المتصدرة بها ارتباطات ، وإلّا لماذا اختصت هي بها دون سواها ، ولماذا لم تجتمع في سورة فذة بحيالها ، اللهم إلّا أن تحمل بعض ما مضى من وجوه سلفت من إسكات وتنبيهات أم ماذا؟ مما لا نتأكدها إلّا ان يؤكدها أهلوها (١) ولتطلب في محالها بطيّات سورها.

ومهما يكن من شيء فلا تعني أهمية خاصة للمتصدرة بها إذ خلت عنها مهامّها كالحمد والإخلاص ، اللهم إلّا أن تكون هذه بآياتها تكفي معونة رموزها ، فإن الحمد ـ مثلا ـ وهي السبع المثاني : سورة هي صورة محكمة عن القرآن كله.

وقد تعني الأخبار القائلة أنها أسماء الله مقطّعة في القرآن (٢) العلامات

__________________

(١) كما في بعض أحاديثنا مثل ما رواه الصدوق باسناده عن الإمام الحسن بن علي العسكري في حديث طويل قال فيه : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) اي : يا محمد! هذا الكتاب الذي أنزلته إليك هو الحروف المقطعة التي منها الف ولام وميم وهو بلغتكم وحروف هجاءكم فأتوا بمثله ان كنتم صادقين (البرهان ج ١ : ٥٤ ح ٩).

(٢) الدر المنثور ١ : ٢٢ عن ابن مسعود قال : الم حروف اشتقت من حروف هجاء ـ

١٥٨

الرمزية الخاصة بالله التي يختص بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي تعني ما تعنيه الأخرى أنها رموز بين الله ورسوله ، أم ماذا.

فمهما يكن من شيء فإنها من أفضل القرآن ، ولها معاني «من قرء حرفا منها فله حسنة» (١) والحرف لفظيا كلمة جانبية ، ومعنويا معنى جانبيّ ، فانه طرف الكلام ، فان قرأت : الف ـ او ـ لام ـ او ميم ، قاصدا التي في «آلم» أم ماذا ، فقد قرأت حرفا لها حسنتها ، كما إذا قصدتها حرفا من غيرها في سائر القرآن كما يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (٢) مما يدل على أن لمفردات حروف الكلمات في الآيات معاني كما لجملاتها ، فهي إذا تنحو منحى رموز القرآن وللبحث عنها مجالات أخرى علنا نأتي عليها.

ثم وهي تعتبر آيات (٣) ، إذا فحروفها كلمات دالات على ما تعني

__________________

ـ اسماء الله ، ومثله عن ابن عباس وعامر والسدي وقتادة ، ولا نجده مسندا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا عن أئمة أهل بيته (عليهم السلام) فلا حجة فيه.

(١) الدر المنثور ١ : ٢٢ ـ اخرج البخاري تاريخه والترمذي وصححه وابن الضريس ومحمد بن نصر وابن الانباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه وابو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في شعب الايمان عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قرء حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا تقول : آلم حرف ، ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف.

(٢) الدر المنثور ١ : ٢٢ ـ اخرج محمد بن نصر والبيهقي في شعب الايمان والسنجري عن عوف بن مالك قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قرء حرفا من القرآن كتب الله به حسنة. لا أقول بسم الله ولكن باء وسين وميم ، ولا أقول : الم ولكن الالف واللام والميم.

(٣) ولسوف نعرف على ضوء تاملات اكثر ان لحروف القرآن وكلماتها وآياتها وسورها ـ

١٥٩

كبرقيات رمزية بين الله وأهل الله الخصوص كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهليه (عليهم السلام) وإن كانت حرفا واحدا ك : ن ـ ق ـ ص فضلا عن كثراتها. (١)

وليس لنا أن نتمسك في معانيها إلّا بعرى وثيقة من كتاب الله أو سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الثابتة اللائحة ، دون ما يرويها أرباب السنن في روايات آحاد لا تغني في تفسير آيات مفصلات فضلا عن تلكم المحكمات وهي مفاتيح كنوز القرآن وصفوة القرآن!

وكون هذه رموزا كسائر التأويل في القرآن لا يناحر الأوامر المؤكدة للتدبر في القرآن ، حيث التدبر خاص بالممكن تفهمه ، دون سواه الخاص بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كبعض التأويل لآيات مفصلات ، وكعامة التأويل لسائر الحروف المقطعة التي لا دلالة فيها وضعيا حتى تتحمل التدبر والتأويل ، فمن القرآن ما له تأويل وتنزيل ، مما يتحمل تأويلا على ضوء التنزيل ، كسائر القرآن ، ومنه ما له تأويل ولا تنزيل كالحروف المقطعة ، والآيات الآمرة بالتدبر تعني الميسرة : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٥٤ : ١٦) والعربية : اللائحة : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٢ : ٢) (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٤٦ : ١٢) ولا عربية دلالة ولا إنذارا بهذه الحروف فانها ليست عربية ولا أعجمية ولا أية لغة موضوعة ، إنما هي حروف كأسرها ، مفردة او مجموعة تتألف منها كافة اللغات ، مهما اختلفت في

__________________

ـ واسماءها ـ بترتيباتها وتركيباتها ومحالّها الخاصة ، لكل ذلك إشارات كامنة يمكن استنباطها واستبطانها لحدّ ما.

(١) كما نرى في كتب القرآن وتؤيده روايات.

١٦٠