مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٧

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك. وفي «التحرير (١) والمنتهى (٢) والتذكرة (٣) وغاية المراد (٤)» انّه الأقرب. وفي «التحرير (٥) والنفلية» انّ ذلك مستحبّ (٦). وفي «الفوائد الملية» انّه أشهر (٧).

وفي «جامع الشرائع» يجب فيه نية الخروج (٨). وفي «الذكرى» انّي لا أعلم له موافقاً (٩). وفي «كشف اللثام» تبعاً «لجامع المقاصد» إن كان جزء لم يجب نيّة الخروج به ولا نيّته كسائر أجزاء الصلاة ، وإن لم يكن له فوجهان (١٠) ، انتهى. لكنّه في «جامع المقاصد» قال : إن لم يكن له جزء اتجه الوجوب (١١).

وفي «شرح المفاتيح» انّ الأخبار في غاية الظهور على عدم الوجوب ، واستدلّ الموجب بأنّه من كلام الآدميين ولذا تبطل به الصلاة إذا وقع في أثنائها عمداً ، فإذا لم يقترن بنية تصرّفه إلى التحليل كان مناقضاً وبأنّه يجب على الحاجّ والمعتمر نية التحليل وهي كما ترى لكنّ الواجب قصد الامتثال والتعيين كما هو الشأن في أجزاء الصلاة (١٢) ، انتهى ما في شرح المفاتيح.

وليعلم أنّ صاحب «إرشاد الجعفرية» اعترض على القائلين بأنّ الأحوط في التسليم نية الوجوب بأنّه كيف يجوز لمن أقام الدليل على استحباب التسليم الإغماض عن دليله المقتضي لذلك ومخالفة رأيه وينوي الوجوب ، ثمّ استظهر أنّه

__________________

(١) تحرير الأحكام : في التسليم ج ١ ص ٤١ س ٢٦.

(٢) منتهى المطلب : في التسليم ج ١ ص ٢٩٧ س ٣٠.

(٣) تذكرة الفقهاء : في التسليم ج ٣ ص ٢٤٧.

(٤) غاية المراد : في التسليم ج ١ ص ١٦٠.

(٥) تحرير الأحكام : في التسليم ج ١ ص ٤١ س ٢٧.

(٦) النفلية : في سنن التسليم ص ١٢٣.

(٧) الفوائد الملية : في سنن التسليم ص ٢٢٣.

(٨) الجامع للشرائع : في التسليم ص ٧٧.

(٩) ذكرى الشيعة : في التسليم ج ٣ ص ٤٢٢.

(١٠) كشف اللثام : في التسليم ج ٤ ص ١٣٠.

(١١) جامع المقاصد : في التسليم ج ٢ ص ٣٢٨.

(١٢) مصابيح الظلام : في التسليم ج ٢ ص ٢٦٠ س ١٦ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

لو فعل ذلك لم تبرأ ذمّته (١).

وأجاب الشهيد الثاني بأنّ ذلك لا يقدح في الصلاة بوجه ، لأنّه إن طابق الواقع وإلّا كان فعلاً خارجاً من الصلاة ، فلا يضرّ عدم مطابقة نية الوجوب به بخلاف الأفعال الداخلة فيها فإنّ نيّتها لا بدّ أن تكون مطابقة لاعتقاد الفاعل حذراً من زيادة واجب في الصلاة أو إيقاع واجب بنيّة الندب. قال : ولو اشترطنا في الخروج من الصلاة على تقدير القول بندبية التسليم الخروج به أو فعل المنافي كما يظهر من الشهيد في بعض كتبه وجماعة كان التسليم حينئذٍ بنيّة الوجوب كفعل المنافي فلا يقدح أيضاً بوجه (٢) ، انتهى.

هذا تمام القول في الوجوب وما يتعلّق به ويبقى الكلام في دليله وسيأتي إن شاء الله تعالى واضح الدلالة ساطع البرهان.

القول الثاني : إنّ التسليم مستحبّ كما في «المقنعة (٣) والنهاية (٤) والاستبصار (٥) والجُمل والعقود (٦) والسرائر (٧) والإرشاد (٨) والتذكرة (٩) ونهاية الإحكام (١٠) والتحرير (١١) والمختلف (١٢) ومجمع البرهان (١٣)

__________________

(١) المطالب المظفّرية : في التسليم ص ١١٠ س ٢ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٢) المقاصد العلية : في التسليم ص ٢٨٠.

(٣) المقنعة : في مسنونات الصلاة ص ١٣٩.

(٤) النهاية : في مسنونات الصلاة ص ٨٩.

(٥) الاستبصار : في أنّ التسليم ليس بفرض ج ١ ص ٣٤٦ ذيل ح ٢.

(٦) الجُمل والعقود : في مسنونات الصلاة ص ٧٢.

(٧) السرائر : في التسليم ج ١ ص ٢٤١.

(٨) إرشاد الأذهان : في مندوبات الصلاة ج ١ ص ٢٥٦.

(٩) تذكرة الفقهاء : في التسليم ج ٣ ص ٢٤٣.

(١٠) نهاية الإحكام : في التسليم ج ١ ص ٥٠٤.

(١١) تحرير الأحكام : في التسليم ج ١ ص ٤١ س ٢٦.

(١٢) مختلف الشيعة : في التسليم ج ٢ ص ١٧٥.

(١٣) مجمع الفائدة والبرهان : في التسليم ج ٢ ص ٢٧٨.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمدارك (١)» ونقله في «كشف اللثام (٢)» عن ابن طاووس والقاضي. وهو ظاهر «الخلاف (٣)» وظاهر عليّ بن الحسين كما في «غاية المراد (٤)» وهو أرجح كما في «جامع المقاصد (٥)» وأوضح دليل وأكثره وأكثر قائلاً كما في «تعليق النافع (٦)» وهو أبين دليلاً كما في «فوائد الشرائع (٧)». وفي «الكفاية (٨) والذخيرة» انّه أقرب (٩). وهو الأظهر من مذهب أصحابنا كما في «الخلاف (١٠)» وإليه ذهب أجلّاء الأصحاب كما في «جامع المقاصد (١١)» أيضاً والشيخ وأتباعه كما في «غاية المراد (١٢)» ومذهب أكثر القدماء كما في «الذكرى (١٣)» وأكثر المتأخّرين كما في «المدارك (١٤)» وجمهور المتأخّرين كما في «الحدائق (١٥)». وقال البهائي : إنّه مذهب مشايخنا المتأخّرين عن عصر الشهيد (١٦). وفي «غاية المراد» أيضاً انّ الأصحاب

__________________

(١) مدارك الأحكام : في التسليم ج ٣ ص ٤٣٠.

(٢) كشف اللثام : في التسليم ج ٤ ص ١٢٧.

(٣) الخلاف : في التسليم ج ١ ص ٣٧٦ مسألة ١٣٤.

(٤) غاية المراد : في التسليم ج ١ ص ١٥٢ ١٥٣.

(٥) جامع المقاصد : في التسليم ج ٢ ص ٣٢٦.

(٦) تعليق النافع : في التسليم ص ٣٣٨ السطر الأخير (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٤٠٧٩).

(٧) فوائد الشرائع : في التسليم ص ٤٢ س ١٧ وفيه : أمتن (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(٨) ذخيرة المعاد : في التسليم ص ٢٨٩ س ٣٥.

(٩) كفاية الأحكام : في التسليم ص ١٩ س ٣٤.

(١٠) الخلاف : في التسليم ج ١ ص ٣٧٦ مسألة ١٣٤.

(١١) جامع المقاصد : في التسليم ج ٢ ص ٣٢٦.

(١٢) غاية المراد : في التسليم ج ١ ص ١٥٢.

(١٣) ذكرى الشيعة : في التسليم ج ٣ ص ٤٣٢.

(١٤) مدارك الأحكام : في التسليم ج ٣ ص ٤٢٩ ٤٣٠.

(١٥) الحدائق الناضرة : في التسليم ج ٨ ص ٤٧١.

(١٦) الحبل المتين : في التسليم ص ٢٥٥.

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ضبطوا الواجب والندب وكلّهم جعلوه من قبيل الندب (١). وفي «الروض» انّ أدلّة الندب لا تخلو عن رجحان (٢). وفي «السرائر» انّه ظاهر المفيد (٣). وفي «كشف الرموز» انّ الشيخ متردّد في المبسوط والخلاف (٤) والمقطوع به ما نقلناه عن الثلاثة. ولم يرجّح شي‌ء من المذهبين في «التبصرة (٥) وغاية المراد (٦) وإرشاد الجعفرية (٧)» ولم يتعرّض لشي‌ء منهما في الانتصار وجُمل العلم.

هذا وليعلم أنّه لا بدّ قبل الخوض في الاستدلال من تحقيق مذهب الشيخين اللذين هما عمدة القائلين بالاستحباب بل هما رضي‌الله‌عنهما أوّل من صرّح به ولم يعهد من غيرهما ممّن تقدّم عليهما إلّا ما في «غاية المراد» من أنّه ظاهر عليّ ابن الحسين.

والّذي يظهر من كلامهما في «التهذيبين (٨) والمقنعة» انحصار تحليل الصلاة في التسليم (٩) ، وقضية ذلك أنّ كلّما يصدر من المنافيات قبل التسليم يكون حراماً كصدوره في الصلاة ، وهذا لا يجتمع مع استحباب التسليم مع أنّهما صرّحا به.

وقد تعرّض صاحب «الذخيرة» للجمع بين الكلامين ، فجمع بأنّ المراد أنّ الخروج عن الصلاة بالكلّية منحصر في التسليم بخلاف الخروج عن واجباتها فإنّه بالصلاة على النبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بناءً على ما صرّح به الشيخ في الاستبصار

__________________

(١) غاية المراد : في التسليم ج ١ ص ١٥٧.

(٢) روض الجنان : في التسليم ص ٢٨٠ س ٣٠.

(٣) نسب الاستحباب في السرائر إلى المفيد بالقطع لا بالظاهر ، فراجع السرائر : ج ١ ص ٢٣٢. نعم نسبه إليه في كشف الرموز بالظهور ، فراجع كشف الرموز : ج ١ ص ١٦٢.

(٤) كشف الرموز : في التسليم ج ١ ص ١٦٢.

(٥) تبصرة المتعلّمين : في التسليم ص ٢٨.

(٦) غاية المراد : في التسليم ج ١ ص ١٥١ ١٥٩.

(٧) المطالب المظفّرية : الصلاة في التسليم ص ٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٨) تهذيب الأحكام : في التسليم ج ٢ ص ١٥٩ ح ٨٤ ، والاستبصار : في التسليم ج ٢ ص ٣٤٥ ح ٢.

(٩) المقنعة : في التشهّد ص ١١٤.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

من أنّ آخر الصلاة هو الصلاة على النبيّ وآله صلّى الله عليهم أجمعين (١).

وفيه : أنّ كلامه في مواضع اخر من «الاستبصار» ظاهر في أنّ آخرها نفس الشهادتين (٢) ، وكلامه في شرح كلام المفيد (٣) عند قوله «لا يجوز ترك التسليم في ركعتي الوتر» يأبى عن ذلك حيث قال : عندنا أنّ من يقول «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقد انقطعت صلاته ، فإن قال بعد ذلك «السلام عليكم» جاز وإن لم يقل جاز (٤). وبه جمع بين الأخبار الدالّة على وجوب التسليم والدالّة على استحبابه ، على أنّ ظاهر كلام المفيد يأبى هذا الجمع ، لأنّ ظاهره أنّه إذا ترك التسليم في الوتر تصيران موصولة بالثالثة كما هو مذهب جماعة من العامّة (٥) ، لأنّه إذا كان التشهّدان والصلاتان مخرجين عن الصلاة لا تصيران موصولة قطعاً.

فإن قلت : لعلّ مراد الشيخين أنّ التسليم إنّما يجب في خصوص ركعتي الوتر تعبّداً أو للرواية الواردة في ذلك بخصوصه دون الفريضة.

قلت : ظاهر الشيخ (٦) أنّ القاعدة في الصلاة من حيث هي فريضة كانت أو نافلة وتراً أو غيرها أنّه إذا قال «السلام علينا» بعد التشهّد فقد انقطعت صلاته ، على أنّه لم يرد في الوتر إلّا أنّها ركعتان مفصولتان عن الثالثة وما يؤدّي هذا المعنى ، وورد أيضاً : «إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم (٧)». وهذا عين ما يقولانه في الفريضة من أنّ الخروج عن نفس الركعتين يتحقّق بالتشهّدين أو الصلاتين فيكونان مفصولتين ، فلا يعارض ما دلّ (٨) على التخيير في التسليم ، وما ورد في

__________________

(١) ذخيرة المعاد : في التسليم ص ٢٩٢ س ٣.

(٢) الاستبصار : في التسليم ج ٢ ص ٣٤٦ ذيل ح ٢.

(٣) تقدّم منّا في هامش ١٥ من ص ٤٩٣ بأنّ كلام المفيد لا يفيد أكثر من الرجحان ، فراجع.

(٤) تهذيب الأحكام : في كيفية الصلاة ج ٢ ص ١٢٩ ذيل ح ٢٦٤.

(٥) المجموع : ج ٤ ص ٢٢.

(٦) تهذيب الأحكام : في كيفية الصلاة ج ٢ ص ١٢٧ ح ٢٥٢ و ٢٥٣.

(٧) المصدر السابق : ص ١٢٩ ح ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٨) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب التسليم ح ٨ ج ٤ ص ١٠٠٨.

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعض الأخبار (١) من الأمر بالتسليم بعد الركعتين في الوتر لا يقضي بالوجوب لمكان الأخبار الناطقة بالتخيير فإنّها كاشفة عن أنّ الأمر ليس على الوجوب.

وهذا عين ما يذهبان إليه في الفريضة ، مع أنّ الأوامر الواردة في الفرائض أكثر من أن تحصى ، مضافاً إلى أنّها محفوفة بقرائن ظاهرة في الوجوب آبية عن حمل الأمر فيها على إرادة الخروج عن الصلاة وأنّه كناية عنه ، فالأمر في الوتر حينئذٍ أسهل شي‌ء عندهما لخلوّه عن القرائن المذكورة ، على أنّك قد سمعت أنّ الشيخ جمع بما ذكره في شرح كلام المفيد بين الأخبار الدالّة على الوجوب والدالّة على الاستحباب ، فخصّ الوجوب بالسلام علينا ، والاستحباب بالسلام عليكم.

ونظره في هذا إنّما هو إلى الأخبار الواردة في خصوص الانصراف بالسلام علينا وهي إنّما وردت في الفرائض ، بل لم يرد خبر كذلك في خصوص الوتر ، بل لم نعرف أحداً من علمائنا خصّ هذا الحكم بالوتر ، بل ملاحظة كلام الشيخ عند ذكر ما دلّ على ذلك قاضية بأنّ الخروج عن الفريضة عنده غير متحقّق قبل «السلام علينا» وناهيك بذلك ما فهمه المحقّق منه في «المعتبر (٢)» حيث نسب إليه القول بوجوب السلام علينا وتعيينه للخروج عن الصلاة كما مرَّ آنفاً.

وما في «الذخيرة (٣)» من أنّ الخروج عن الواجبات يتحقّق قبل «السلام علينا» وإن أراد أن يأتي بالمستحبّات خرج عنها به يصير «السلام عليكم» لأن كان بعده مثل تسبيح الزهراء عليها‌السلام وغيره من التعقيبات. وقد استند في «الذخيرة» فيما ذكر إلى ما ذكره في «الذكرى» حيث قال : وهنا سؤال وهو أنّ القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون إلى أنّ آخر الصلاة الصلاة على النبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما صرّح به الشيخ في الاستبصار وهو ظاهر كلام الباقين ، فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة «السلام علينا» .. إلى آخرها وقد انقطعت بانتهائها فلا تحتاج إلى قاطع وقد دلّت

__________________

(١) تهذيب الأحكام : في كيفية الصلاة ج ٢ ص ١٢٧ ح ٢٥٤.

(٢) المعتبر : في التسليم ج ٢ ص ٢٣٤.

(٣) ذخيرة المعاد : في التسليم ص ٢٩١ س ٣.

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأخبار على أنّ «السلام علينا» قاطع؟ ولا جواب عنه إلّا بالتزام أنّ المصلّي قبل هذه الصيغة يكون في مستحبّات الصلاة وإن كانت الواجبات قد مضت وبعد هذه الصيغة لا يبقى للصلاة أثر ويبقى ما بعدها تعقيباً لا صلاة. قال : وبهذا يظهر القول بندبيّته وأنّه مخرج من الصلاة إلّا أنّه يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين وإن طال ، ولا استبعاد فيه حتّى يخرج عن كونه مصلّياً أو يأت بمنافٍ.

فإن قلت : البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه ووجوب ما يجب فعله والأمران منفيّان هنا فينتفي ملزومهما وهو البقاء في الصلاة.

قلت : لا نسلّم انحصار البقاء في هذين اللازمين على الإطلاق ، إنّما ذلك قبل فراغ الواجبات ، أمّا مع فراغها فينتفي هذان اللازمان ويبقى باقي اللوازم من المحافظة على الشروط وثواب المصلّي واستحباب الدعاء (١) ، انتهى ما في الذكرى.

ونحن نقول : حمل انحصار التحليل في التسليم في الأخبار وكلام الأصحاب على ذلك مستبعد جداً ، لأنه إذا حصل تحليل كلّ ما حرّم فعله قبل التسليم فبالتسليم لا يحصل تحليل شي‌ء أصلاً ، لامتناع تحصيل الحاصل وجعل التسليم آخر مستحبّات الصلاة مشروطاً بالطهارة والاستقبال وغيرهما مزيداً في ثواب الصلاة لا يناسب كونه محلّلاً منها فضلاً عن انحصار التحليل فيه كما أفصح به كلام الشيخين اللذين هما العمدة في القول بالاستحباب.

والحاصل : انّ الّذي صرّح به الفريقان ونطقت به الأخبار أنّ الصلاة من العبادات الّتي تحتاج إلى محلّل وأنّها ليست ممّا يخرج منه بتمامه من دون صفة زائدة وهي المحلّلية. وقد اتفق علماء الإسلام بأنّ آخر التشهّد ليس له هذه الصفة. واتفق علماؤنا بأنّ المنافي ليس محلّلاً ، لأنّ معنى التحليل هو الإتيان بما يحلّل المنافي لا نفس المنافي ، فانحصر المحلّل في التسليم فكان واجباً لوجوب

__________________

(١) ذكرى الشيعة : في التسليم ج ٣ ص ٤٢٩ ٤٣١.

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الخروج من الصلاة بالضرورة ولا خروج إلّا به لانحصار المحلّل فيه كما عرفت. ولا فرق في ذلك بين كونه جزءً واجباً أو خارجاً واجباً. فالقول باستحبابه مع التصريح بانحصار التحليل فيه غير مستقيم ، على أنّا لا نجد فرقاً بينه وبين التكبيرات الستّ من التكبيرات السبع إذا جعل المصلّي السابعة تكبيرة الإحرام ، إذ التحريم حينئذٍ لم يتحقّق إلّا من السابعة وقبلها لا يكون تحريم قطعاً ، ومع ذلك نقول إنّ التكبيرات الستّ من مستحبّات الصلاة وليست بتكبيرة الإحرام ولم يعدّها أحد منها فضلاً عن حصر الإحرام فيها. هذا مع أنّه منع من مساواة جميع أجزاء الصلاة في جميع الأحكام ، فلا وجه للحكم بكون التسليم جزءً مستحبّاً من الصلاة دون التعقيبات ، بل ينبغي أن يكونا من سنخ واحد كما هو الشأن في الإقامة والتكبيرات الستّ ، وهذا ممّا يضعّف القول بالاستحباب.

وقال الاستاذ أدام تعالى حراسته في «حاشية المدارك (١) وشرح المفاتيح (٢)» : انّ السبب الّذي دعا الشيخين إلى ما قالاه هو أنّ المعروف عند الخاصّة والعامّة أنّ التسليم يراد منه «السلام عليكم» وهو الظاهر من الأخبار. قلت : وكذا قال في «الذكرى (٣)». قال الاستاذ : ولمّا شاع وذاع بين العامّة أنّ «السلام علينا» من أجزاء التشهّد وليس بتسليم واستقرّ على ذلك اصطلاحهم ولذا يذكرونه في التشهّد الأوّل كما استقرّ اصطلاحنا على أنّ «السلام عليك أيّها النبي» من أجزاء التشهّد وكان ما اصطلح عليه العامّة مخالفاً للحقّ أظهر الأئمة صلوات الله عليهم أنّ من قال «السلام علينا» خرج من الصلاة من غير تنبيه على أنّ ما اصطلح عليه العامّة من أنّ «السلام علينا» من أجزاء التشهّد فاسد ، بل وافقوهم على اصطلاحهم وتابعوهم في تعبيرهم إمّا تقيةً كما في بعض المواضع أو مماشاةً بناءً على أنّه لا مشاحة في الاصطلاح بعد العلم بأنّ الخروج يتحقّق «بالسلام علينا» فلذا نبّهوا على

__________________

(١) حاشية المدارك : في التسليم ص ١١٣ س ١٧ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ١٤٧٩٩).

(٢) مصابيح الظلام : في التسليم ج ٢ ص ٢٥٦ س ٢٣ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٣) ذكرى الشيعة : في التسليم ج ٣ ص ٤٢٧.

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخروج به ، وأرادوا فيما إذا أطلقوا التسليم «السلام عليكم» وإن صرّحوا في بعض الأخبار أنّ التسليم «السلام علينا» ومن هنا وقع التوهّم في كون التسليم مستحبّاً أو واجباً خارجاً أو مستحبّاً خارجاً. قال : والشيخان لمّا وجدا أنّ المكلّف يخرج «بالسلام علينا» من الصلاة وأنّه من جملة التشهّد وأنّ التسليم هو «السلام عليكم» وأنّه بعد الخروج عن الصلاة لا شي‌ء عليه وأنّه يظهر من غير واحد من الأخبار عدم وجوب شي‌ء في التشهّد سوى الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاهما جميع ما ذكر إلى القول بالاستحباب. وأنت بعد خبرتك بما ذكرناه ظهر عليك أنّ ذلك غفلة عن حقيقة الحال. ولذا قال الشيخان بعدم الخروج عن الصلاة إلّا بالتسليم ، لما ظهر غاية الظهور من أنّ التحليل في الصلاة لا بدّ منه كالتحريم وأنّ التسليم محلّ أحكام كثيرة ككون سجدتي السهو بعده ، وكذا الأجزاء المنسية الّتي تتدارك بعد الصلاة ، وكذا صلاة الاحتياط الواجبة ، إلى غير ذلك حتى أنّهما ومن تبعهما صرّحوا بوجوب التسليم في ثانية الوتر ، بل ربما حكموا به في ثالثته وكثير من الصلاة مع تصريحهم بأنّ النافلة أهون من الفريضة ، ويعلّلون عدم لزوم فعل جزء من أجزاء النافلة فيها وجواز تركه بأنّه جزء النافلة وليس بركن في الفريضة وغفلوا عمّا أشرنا إليه من الأحكام وأنّ محلّ تدارك الواجبات الّتي لا تحصى بعده (١) ، انتهى.

وقال في «الذكرى» : انّ الشيخ ومن تبعه جعلوا التسليم الّذي هو خبر عن التحليل هو «السلام عليكم» وأنّ «السلام علينا» قاطع للصلاة وظاهرهم أنّه ليس بواجب ولا يسمّى تسليماً (٢).

وأمّا أدلّة الوجوب فهي بعد المركّب كما عرفت أنّ العبادة توقيفية والعلم ببراءة الذمّة والخروج عن العهدة في الواجب اليقيني لا يقطع به إلّا مع التسليم ،

__________________

(١) حاشية المدارك : في التسليم ص ١١٣ س ١٨ ، ومصابيح الظلام : في التسليم ج ٢ ص ٢٥٦ س ٢٤ وص ٢٥٧.

(٢) ذكرى الشيعة : في التسليم ج ٣ ص ٤٢٨.

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وما رواه الصدوق في «الفقيه» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال باب افتتاح الصلاة وتحريمها وتحليلها «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (١)». وقد رواه ثقة الإسلام بسند معتبر عن الصادق عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). وقال في «الهداية» : قال الصادق عليه‌السلام : «تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم (٣)». وقد رواه الشيخ في «الخلاف (٤)».

وصاحب «الغوالي (٥)» والسيّد في «الناصريات (٦)» والسيّد حمزة في «الغنية (٧)» والمحقّق في «المعتبر (٨)» واليوسفي في «كشف الرموز (٩)» والمصنّف في «التذكرة (١٠)» وفخر الإسلام في «الإيضاح (١١)» والمقداد في «التنقيح (١٢)» والكركي في «جامع المقاصد (١٣)» والصيمري في «كشف الالتباس (١٤)» والشهيد الثاني في «الروض (١٥)»

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : الطهارة ج ١ ص ٣٣ ح ٦٨.

(٢) الكافي : باب النوادر من الطهارة ج ٣ ح ٢ ص ٦٩.

(٣) الهداية : باب تحريم الصلاة .. ص ١٣٣.

(٤) الخلاف : في التسليم ج ١ ص ٣٧٦ ذيل المسألة ١٣٤.

(٥) ظاهر عبارة الشارح أنّ المذكورين في المقام كلّهم قائلون بوجوب التسليم صريحاً ، ولكن بعضهم مثل العوالي انّما رواه من دون التصريح بالإفتاء بمضمونه ، راجع عوالي اللآلي : ج ٣ ص ٨ ح ٢ وص ٩٣ ح ١٠٢.

(٦) الناصريات : في التسليم ص ٢١١.

(٧) غنية النزوع : في كيفية الصلاة ص ٨١.

(٨) المعتبر : في التسليم ج ٢ ص ٢٣٣.

(٩) كشف الرموز : في التسليم ج ١ ص ١٦٣.

(١٠) تذكرة الفقهاء : في التسليم ج ٣ ص ٢٤٣.

(١١) إيضاح الفوائد : في التسليم ج ١ ص ١١٥.

(١٢) التنقيح الرائع : في التسليم ج ١ ص ٢١١.

(١٣) جامع المقاصد : في التسليم ج ٢ ص ٣٢٣.

(١٤) كشف الالتباس : في التسليم ص ١٣٠ س ٩ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

(١٥) روض الجنان : في التسليم ص ٢٧٩ س ٣.

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وصاحب «إرشاد الجعفرية (١)» وغيرهم (٢) قائلين إنّه يدلّ على الوجوب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفي «السرائر (٣) والشرائع (٤) والمختلف (٥) والمهذّب البارع (٦)» روايته بقول روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفي «المنتهى» انّ هذا الخبر تلقّته الامّة بالقبول ونقله الخاصّ والعامّ (٧). وفي «المختلف (٨) وجامع المقاصد» انّه من المشاهير (٩) وفي «روض الجنان» انّه مشهور (١٠).

وفي كتاب «المناقب» لابن شهرآشوب عن أبي حازم «قال : سئل عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : ما افتتاح الصلاة؟ قال : التكبير ، قال : ما تحليلها؟ قال : التسليم (١١)». وفي كتاب «معاني الأخبار» عن عبد الله بن الفضل الهاشمي بسند معتبر «قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة (١٢)». وفي «عيون أخبار الرضا عليه‌السلام» فيما كتبه للمأمون «قال عليه‌السلام : تحليل الصلاة التسليم (١٣)». وفي حديث الفضل بن شاذان المروي في «العلل (١٤)

__________________

(١) المطالب المظفّرية : في التسليم ص ١٠٩ س ٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٢) منهم الوحيد البهبهاني في مصابيحه : ج ٢ ص ٢٤٨ س ٣ ، والبحراني في حدائقه : ج ٨ ص ٤٧٩.

(٣) السرائر : في التسليم ج ١ ص ٢٣٢.

(٤) الظاهر أنّ ذكر الشرائع في المقام سهو لأنّا لم نجد هذا المحكي في المطبوع منه ويؤيّده أنّه لم يذكره في النسخة الاخرى من المفتاح التي بأيدينا فراجع الشرائع : ج ١ ص ٧٩ و ٨٩.

(٥) مختلف الشيعة : في التسليم ج ٢ ص ١٧٦.

(٦) المهذّب البارع : في التسليم ج ١ ص ٣٨٥.

(٧) منتهى المطلب : في التسليم ج ١ ص ٢٩٥ س ٣٣.

(٨) مختلف الشيعة : في التسليم ج ٢ ص ١٧٨.

(٩) جامع المقاصد : في التسليم ج ٢ ص ٣٢٤.

(١٠) روض الجنان : في التسليم ص ٢٧٩ س ٢٤.

(١١) مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ص ١٣٠.

(١٢) معاني الأخبار : باب معنى التسليم في الصلاة ص ١٧٦.

(١٣) عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ١٢٢ ضمن ح ١ من الباب ٣٥.

(١٤) علل الشرائع : ص ٢٦٢ ضمن ح ٩ من الباب ١٨٢.

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعيون الأخبار» : «إنّما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر (١) .. الحديث». وفي كتاب «العلل» أيضاً في باب علّة التسليم في الصلاة بسنده عن المفضّل بن عمر عن «الصادق عليه‌السلام سأله عن العلّة الّتي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، قال : لأنّه تحليل الصلاة إلى أن قال : قلت : لم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال : لأنّه تحيّة الملَكين (٢)». وفي آخر «الخصال» في باب شرائع الدين عن الأعمش عن «الصادق عليه‌السلام أنّه قال : لا يقال في التشهّد الأوّل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم (٣)».

وهذه الروايات مع صلاحيّتها للاستقلال بالاستدلال مؤيّدة وجابرة للرواية المشهورة ، فهي عند العجلي متواترة ، لأن كان التواتر عنده يحصل بالثلاثة (بثلاثة ل خ ل) أخبار فما زاد ، فسقط ما في «السرائر» من أنّها خبر آحاد لا توجب علماً ولا عملاً (٤) ، على أنّ السيّدين علم الهدى وأبا المكارم لا يعملان بأخبار الآحاد وقد استدلّا بها ، فلو لا أنّها مقطوع بها عندهما لما صحّ لهما الاستدلال بها ، على أنّ هذا المذهب مرغوب عنه عند غيرهم مجمع على خلافه ، وسقط ما في «المختلف (٥)» وجملة من كتب (٦) المتأخّرين من أنّها مرسلة غير متصلة الرجال.

وأمّا ما في «الذخيرة» من أنّ طريقة السيّد والشيخ إيراد الأخبار العاميّة للاحتجاج بها على العامّة (٧) فليس في روايتهما لها وإيرادها ما يدلّ على التعويل

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ١٠٧ ضمن ح ١ من الباب ٣٤.

(٢) علل الشرائع : ص ٣٥٩ ح ١ من الباب ٧٧.

(٣) الخصال : ج ٢ ص ٦٠٤ ضمن ح ٩.

(٤) السرائر : في التسليم ج ١ ص ٢٣٢.

(٥) مختلف الشيعة : في التسليم ج ٢ ص ١٧٨.

(٦) منها ذكرى الشيعة : في التسليم ج ٣ ص ٤٢٦ ، وجامع المقاصد : في التسليم ج ٢ ص ٣٢٤ ، ومدارك الأحكام : في التسليم ج ٣ ص ٤٣٢.

(٧) ذخيرة المعاد : في التسليم ص ٢٩٠ س ٣٨.

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عليها بل هو محلّ التأمّل ، ففيه : أنّ السيّد في «الناصريات (١)» استدلّ بها من دون إيماء إلى الردّ على العامّة ، بل هي العمدة عنده في فتواه ، وهو الّذي فهمه منه العجلي والمصنّف وغيرهما في «السرائر (٢) والمختلف (٣)» وغيرهما (٤). والشيخ في «الخلاف (٥)» جعلها دليل بعض أصحابنا القائلين بالوجوب ، وليس في كلامه ما يوهم احتمال الاحتجاج بها على العامّة أصلاً ، على أنّ في رواية ثقة الإسلام (٦) والصدوق (٧) وابن شهرآشوب (٨) وغيرهم لها بلاغاً.

وأمّا وجه الاستدلال بها فهو أنّ «التسليم» وقع خبراً عن «التحليل» لأنّ هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر ، لكونهما معرفتين وحينئذٍ فيجب كونه مساوياً للمبتدأ أو أعمّ منه ، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعمّ ولأنّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم ، كذا ذكر في المعتبر (٩) وغيره (١٠).

واحتجّ آخرون (١١) بوجه آخر وهو أنّ «تحليلها» مصدر مضاف إلى الصلاة فيعمّ كلّ تحليل يضاف إليها ، ووجّه الحصر في «المختلف» بأنّ تقديم الخبر يدلّ

__________________

(١) الناصريات : في التسليم ص ٢١١.

(٢) السرائر : في التسليم ج ١ ص ٢٣٢.

(٣) مختلف الشيعة : في التسليم ج ٢ ص ١٧٦.

(٤) كالشهيد الأوّل في الذكرى : في التسليم ج ٣ ص ٤١٨.

(٥) الخلاف : في التسليم ج ١ ص ٣٧٦ مسألة ١٣٤.

(٦ و ٧ و ٨) تقدّم ذكر هذه الروايات الثلاث في ص ٥٠٨ وص ٥٠٩ فراجع.

(٩) المعتبر : في التسليم ج ٢ ص ٢٣٣.

(١٠) كالمحقّق الكركي في جامعه : ج ٢ ص ٣٢٤ ، والسيّد السند في المدارك : ج ٣ ص ٤٣٢.

(١١) منهم العلّامة في المنتهى : ج ١ ص ٢٩٥ س ٢٨ ، والكركي في جامعه : ج ٢ ص ٣٢٤ ، والسيّد السند في المدارك : ج ٣ ص ٤٣٢.

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

على حصره في الموضوع (١). وكأنّه يرى أنّ إضافة المصدر إلى معموله إضافة غير محضة كإضافة الصفة إلى معمولها وهو خلاف ما عليه محقّقو العربية.

واعترض على هذا الاستدلال بأنحائه جماعة (٢) ، قالوا : نمنع لزوم كون الخبر مساويا للمبتدأ أو أعمّ فإنّه يجوز الإخبار بالأعمّ من وجه كزيد قائم وبالأخصّ كقول حيوان يتحرّك كاتب. ومنشأ ذلك أنّ المراد بالإخبار الإسناد في الجملة لا دائماً. ومنه يعلم أنّه لا يجب تساوي المفردين في الصدق والمفهوم.

وقالوا : نمنع كون إضافة المصدر للعموم ، لجواز كونها للجنس أو العهد ، على أنّ التحليل قد يحصل بغير التسليم كالمنافيات وإن لم يكن الإتيان بها جائزاً. وحينئذٍ فلا بدّ من تأويل التحليل بالذي قدّره الشارع ، فكما أمكن إرادة التحليل الّذي قدّره على سبيل الوجوب أمكن إرادة الّذي قدّره على سبيل الاستحباب.

وقالوا : الخبر متروك الظاهر ، فإنّ التحليل ليس نفس التسليم ، فلا بدّ من إضمار ، ولا دليل على ما يقتضي الوجوب. فإن قلت : يراد بالمصدر هنا اسم الفاعل مجازاً. قلنا : المجاز والإضمار متساويان ، فلا يتعيّن أحدهما. هذا جميع ما ذكروه في المقام.

ونحن نقول : المشهور المعروف بين النحويين وأهل الميزان منع كون الخبر أخصّ من المبتدأ وإلّا لعرى الكلام عن الفائدة ، ولهذا لا يجوز الحيوان انسان واللون سواد. وفي «كشف الرموز (٣)» انّ ذلك ثابت عند أهل اللسان ، انتهى. والمشهور أيضاً عند النحويين أنّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ. وفي «المنتهى (٤)» نقل اتفاق النحويين على ذلك.

__________________

(١) مختلف الشيعة : في التسليم ج ٢ ص ١٧٦.

(٢) منهم المحقّق الكركي في جامعه : ج ٢ ص ٣٢٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ص ٢٩٠ س ٣٩.

(٣) كشف الرموز : في التسليم ج ١ ص ١٦٣.

(٤) منتهى المطلب : في التسليم ج ١ ص ٢٩٥ س ٢٩.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد تقرّر في الاصول (١) أنّ الإضافة حيث لا عهد تفيد العموم ولا عهد هنا والأصل عدمه ، على أنّ الجنس نافع في المقام كالاستغراق.

وإذا تعارض المجاز والإضمار فالأقوال ثلاثة وترجيح المجاز قول جماعة (٢) ، على أنّا في غنية عن ذلك. وقد يدّعى أنّ المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين كان الحمل حمل مواطاة لا حمل متعارف وبذلك أثبتوا مفهوم الحصر في زيد المنطلق والمنطلق زيد.

وما ذكروه من أنّ التحليل قد يحصل بالمنافيات ففيه : أنّ إفساد الصلاة وإبطالها غير التحليل ، أمّا على القول بأنّها اسم للصحيحة فظاهر ، وأمّا على القول بأنّها اسم للأعمّ فمع أنّه باطل نقول الفاسدة غير محتاجة إلى تحليل ، مع أنّ المتبادر من الإطلاق إنّما هو الصحيحة ، على أنّ معنى التحليل هو الإتيان بما يحلّل المنافي لا أنّه نفس المنافي على أنّ القائلين بالاستحباب يقولون يحصل التحليل بالتشهّد. ومن المعلوم أنّ تحصيل الحاصل محال ، مع أنّ مفاد الخبر بقاء التحريم إلى إتمام التسليم.

قولكم كما أمكن إرادة التحليل على سبيل الوجوب أمكن على سبيل الاستحباب ممنوع ، لأنّ وجوب الطهارة وتكبيرة الافتتاح يرجّحان الوجوب ، هذا مع قطع النظر عن أدلّة المسألة ، فيتعيّن حينئذٍ إضمار ما يقتضي الوجوب.

وقال الاستاذ أدام الله تعالى حراسته في «شرح المفاتيح» : ويدلّ على الوجوب أيضاً الروايات الكثيرة الصحيحة الدالّة على كون السجود الفائت والتشهّد الفائت وسجدتا السهو موضعها شرعاً بعد التسليم ، ولا معنى لكون أمر واجب موضعه بعد أمر مستحبّ ، إذ على اختيار ترك المستحبّ إمّا يترك الواجب شرعاً ويكون تركه جائزاً شرعاً وهو فاسد جزماً ، وإمّا أن يفعل من دون مراعاة

__________________

(١) قوانين الاصول : في العموم والخصوص ج ١ ص ٢١٦ س ١٧.

(٢) منهم العلّامة في مبادئ الوصول : ص ٧٦ ، والشيخ الحائري في الفصول الغروية : ص ٤٠ س ٢٧.

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الموضع المقرّر شرعاً وهو أيضا فاسد جزماً ، وإمّا أن لا يكون بعد التسليم موضعه المقرّر جزماً وهو خلاف منطوق تلك الأخبار ، بل وربما يحكمون بأنّ سجدة السهو بعد التشهّد قبل التسليم مذهب العامّة وكذا كونه للزيادة بعده وللنقيصة قبله. والروايات المذكورة صحيحة معتبرة مفتى بها عند الكلّ ومنهم القائلون باستحباب التسليم ، بل في هذه الروايات دلالة من جهة اخرى أيضاً مثل موثّقة عمّار (١) في نسيان السجدة حيث «قال عليه‌السلام : ولا يسجد حتى يسلّم فإذا سلّم سجد». وفي رواية محمد بن منصور (٢) : «فإذا سلّمت سجدت». وفي خبر إسماعيل بن جابر (٣) : «فليمض على صلاته حتى يسلّم ثمّ يسجدها فإنّها قضاء». وفي رواية أبي بصير (٤) : «فإذا انصرف قضاها» وستعرف معنى الانصراف ، ومثل صحيحة الحسين بن أبي العلاء (٥) في نسيان التشهّد : «فليتمّ صلاته ثمّ يسلّم ويسجد سجدتي السهو». وفي صحيحة الحلبي (٦) : «فامض في صلاتك حتى تفرغ فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم». وفي صحيحة الفضيل (٧) : «فليمض في صلاته وإذا سلّم سجد سجدتين» ومفهوم الشرط حجّة. وفي صحيحة سليمان بن خالد (٨) : «فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم» إلى غير ذلك ، وفي القيام موضع القعود سهواً وبالعكس في صحيحة معاوية بن عمّار (٩) «يسجد سجدتي السهو بعد التسليم» إلى غير ذلك ، وفي التكلّم ناسياً في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (١٠) «يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتي السهو ، فقلت : سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعده؟ قال :

__________________

(١ ـ ٣) وسائل الشيعة : ب ١٤ من أبواب السجود ح ٢ و ٦ و ١ ج ٤ ص ٩٦٨ ٩٧٠.

(٤) وسائل الشيعة : ب ١٤ من أبواب السجود ح ٤ ج ٤ ص ٩٦٩.

(٥) وسائل الشيعة : ب ٧ من أبواب التشهّد ح ٥ ج ٤ ص ٩٩٦.

(٦) وسائل الشيعة : ب ٩ من أبواب التشهّد ح ٣ ج ٤ ص ٩٩٨.

(٧) وسائل الشيعة : ب ٩ من أبواب التشهّد ح ١ ج ٤ ص ٩٩٧.

(٨) وسائل الشيعة : ب ٧ من أبواب التشهّد ح ٣ ج ٤ ص ٩٩٥.

(٩) وسائل الشيعة : ب ٣٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١ ج ٥ ص ٣٤٦.

(١٠) وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١ ج ٥ ص ٣١٣.

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بعده (١)» إلى غير ذلك ، وفي الشكّ بين الأربع والخمس في صحيحة عبد الله بن سنان (٢) : «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ سلّم بعدهما» ومثلها صحيحة أبي بصير (٣). وفي صحيحة الحلبي (٤) : «فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين» إلى غير ذلك. وأشدّ ممّا ذكر الأخبار الواردة في الشكّ بين الركعات والإتيان بالاحتياط مثل صحيحة ابن أبي يعفور (٥) في الشكّ بين الركعتين والأربع : «قال عليه‌السلام : يتشهّد ويسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين .. الحديث» ومثلها صحيحة زرارة (٦) ومثلهما صحيحة الحلبي (٧). وفي الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع في الصحيحة : «أنّه يصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ثمّ يأتي بركعتين من جلوس (٨) ويسلّم». وفي اخرى (٩) : «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم». وفي الشكّ بين الثلاث والأربع وردت أخبار (١٠) كثيرة معتبرة في أنّه يبني على الأربع ويسلّم ويأتي بركعتين جالساً ، إلى غير ذلك. ومنها ما ورد في قضاء الفوائت مثل صحيحة زرارة (١١) الطويلة إذ فيها : «وإن كنت صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر وأتمّها بركعتين ثمّ سلّم ثمّ صلّ المغرب ، إلى أن قال : فانوها المغرب وسلّم وقم فصلّ العشاء» وفي صلاة الخائف في صحيحة الحلبي (١٢) : «ثمّ يسلّم بعضهم على بعض إلى أن قال : ثمّ يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمة ..

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١ و ٢ ج ٥ ص ٣١٤.

(٣) وسائل الشيعة : ب ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٣ ج ٥ ص ٣٢٦.

(٤) وسائل الشيعة : ب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٥ ج ٥ ص ٣٢١.

(٥) وسائل الشيعة : ب ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٢ ج ٥ ص ٣٢٣.

(٦ و ٧) وسائل الشيعة : ب ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٣ و ١ ج ٥ ص ٣٢٣ و ٣٢٢.

(٨ و ٩) وسائل الشيعة : ب ١٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١ و ٤ ج ٥ ص ٣٢٥.

(١٠) وسائل الشيعة : ب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج ٥ ص ٣٢٠.

(١١) وسائل الشيعة : ب ٦٣ من أبواب المواقيت ح ١ ج ٣ ص ٢١١.

(١٢) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح ٤ ج ٥ ص ٤٨٠.

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى آخر الحديث» فلاحظ ، ومثلها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) وغيرها (٢) فلاحظ. وحمل هذه الصحاح المعتبرة التي لا تكاد تحصى وكلّها مفتى بها على ما إذا اتفق أنّ المكلّف اختار التسليم وأنّه إن اتفق أنّه لم يسلّم تكون صلاة الاحتياط والجزء المنسي وسجدة السهو والصلاة الآتية بعد الإتيان المنسية وغير ذلك وقتها بعد الفراغ من خصوص التشهّد بعيد غاية البُعد ، إذ لم يتحقّق في واحد منها إشارة إلى ذلك ، بل حمل خبر واحد منها بعيد وخلاف الظاهر فضلاً عن المجموع واجتماعها على البعد ولا سيّما بعد ملاحظة الأوامر الواردة فيها ، بل والتأكيدات في بعضها ، مضافاً إلى السياق والقرائن الاخر كما سنشير إليه والله يعلم.

وممّا ذكر ظهر فساد جواب صاحب الذخيرة عن كلّما ذكر بأنّ الأوامر في أخبار الأئمة عليهم‌السلام لم يثبت كونها حقيقة في الوجوب ، وفساد هذا ظاهر ، مع أنّ القائلين بالاستحباب يسلّمون أنّ الأمر حقيقة في الوجوب ومدار فقههم وفقه غيرهم على ذلك ، وفي الأخبار الواردة في التعقيبات هكذا : «إذا سلّمت فاقرأ كذا وما يؤدّي مؤدّاه.» وممّا يدلّ على الوجوب أيضاً الأخبار المتضمّنة للأمر بالتسليم ، وهو حقيقة في الوجوب والأخبار في غاية الكثرة إلّا أنّي أذكر بعضها وأكتفي به عن البواقي ، مضافاً إلى الأخبار السابقة المتضمّنة للأمر فدلالتها من وجهين كما عرفت ، بل ليس بمجرّد الأمر بل السياق أيضاً يقتضي الحمل على الوجوب مثل قولهم : ابن على كذا وتشهّد وصلّ ركعتين بعد الأمر بالتسليم ، أو اسجد كذلك ، إلى غير ذلك ممّا هو مسلّم كون الأمر به على الوجوب ، فالدلالة صارت من وجوه كثيرة والأخبار أيضا في غاية الكثرة ، إذ الّذي ذكرنا إنّما هو في بعض تلك الأخبار.

وأمّا البعض الّذي أذكره الآن فهو صحيحة ابن أذينة المروية في «الكافي (٣)»

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح ١ و ٢ ج ٥ ص ٤٧٩.

(٣) الكافي : باب النواد من كتاب الصلاة ح ١ ج ٣ ص ٤٨٢.

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «العلل (١)» بطرق متعدّدة منها الصحيح والمعتبر ، وهي تتضمّن تعليم الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عرشه هيئة الصلاة وفيها بعد أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلاة على نفسه وآله «فقال : يا محمد سلّم ، فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلى أن قال عليه‌السلام : ومن ذلك كان السلام مرّة واحدة تجاه القبلة» فالدلالة فيها أيضاً ليس من مجرّد الأمر ، بل السياق والمقام أيضاً قرينتان على الوجوب.

ويدلّ عليه أيضاً معتبرة أبي بصير (٢) عن «الصادق عليه‌السلام عن رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف ، قال : فليخرج وليغسل أنفه ثمّ ليرجع فيتمّ صلاته فإن آخر الصلاة التسليم». وأجاب عنه في «الذخيرة» بعد الإغماض عن السند بأنّ كون آخر الصلاة التسليم لا يقتضي وجوبه ، مع أنّ الغاية قد تكون خارجة. ولا يخفى أنّ السند لا غبار عليه إلّا من عثمان بن عيسى وهو ممّن اجتمعت العصابة له وغير ذلك ممّا ذكرنا في ترجمته ، مع انجبارها بفتوى الأكثر وغير ذلك مما مرَّ. وسيجي‌ء تعليل الأمر بالتشهّد بكون آخر الصلاة التسليم وهو ظاهر في كون المراد أنّ آخر المأمور به هو التسليم لا آخر المستحبّات ، لعدم المناسبة ، بل هو مضرّ ، لأنّ المستحبّ يجوز تركه فيلزم منه كون التشهّد أيضاً كذلك. والأخبار المتضمّنة لأمثال ما ذكر قيّدوها بعدم فعل المنافي للصلاة ، والمقيّد هو الشيخان ، وهذه من جملة تلك الأخبار ، مع أنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية غير مانع عندهم عن التمسّك بالباقي ، بل القطع بعدم حجيّة البعض أيضاً كذلك عندهم ، ولذا تمسّكوا بالأخبار الدالّة على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سها ، مع تصريحهم بأنّ عصمته تمنع عن ذلك عندنا قطعاً. وقس عليها الأخبار الاخر وهي من الكثرة بمكان ، بل مدارهم عليه سيّما على التخصيص ، نعم في مقام التعارض ترجيح السالم عن ذلك أولى إن لم يعارضه أولوية اخرى.

__________________

(١) علل الشرائع : باب ١ في علل الوضوء والأذان والصلاة ح ١ ص ٣١٢.

(٢) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب التسليم ح ٤ ج ٤ ص ١٠٠٤.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ عليه أيضاً صحيحة زرارة وابن مسلم (١) «قالا : قلنا للباقر عليه‌السلام : رجل صلّى في السفر أربعا أيعيد؟ قال : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعاد» ومثلها الأخبار الدالّة على أنّ الناسي يعيد ، وقد مرّت في مبحثها. وسيجي‌ء أخبار دالّة على أنّ من زاد في صلاته فعليه الإعادة وأنّ ذلك مسلّم عند القائل بالاستحباب. ووجه الدلالة أنّه إذا كان الخروج عن الصلاة بمجرّد الفراغ عن التشهّد كما هو صريح كلامه فلا وجه للإعادة ، لأنّ حاله حال من أتمّ صلاته وسلّم جميع تسليماته فقام وصلّى ركعتين اخراوين سهواً. وما أجاب به بعضهم بأنّ الأمر لعلّه باعتبار أنّه نوى المجموع فيكون إتيان الفعل على غير وجهه قد ظهر فساده ، فإنّ التغيير لم يقع في نفس المأمور به ، بل وقع زيادة خارجة عنه بعد إتمام المأمور به وإتيانه تامّاً ، فعلى فرض الحرمة يكون النهي تعلّق بالخارج ، مع أنّ القائل بالاستحباب قال ما ذكرنا ولم يشترط عدم وقوع زيادة ولم يقل بأنّ مع الزيادة لم يكن المكلّف بالفراغ عن التشهّد خارجاً عن الصلاة وإذا فعل أمراً خارجا عن الصلاة أيّ ضرر يكون فيه سيّما في حال النسيان ، فظهر فساد ما أجاب به في الذخيرة بأنّ العلّة لا نسلّم أنّها ما ذكره المستدلّ ، إذ لا نصّ عليها. وفيه : مضافاً إلى ما عرفت أنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء إجماعاً ولو لا كون العلّة ما ذكر لزم خرق القاعدة المسلّمة ، مع أنّ مداره ومدار غيره على أنّ إيجاب الإعادة دليل على عدم الصحّة شرعاً وهم يوجبون الإعادة هنا ، على أنّه سيجي‌ء استدلال القائل بالاستحباب بصحّة صلاة من زاد ركعة بعد التشهّد ، فاعترفوا بأنّ عدم البطلان ليس منشأه إلّا استحباب التسليم ، مع أنّه ظاهر أنّ ذلك لا يقتضي الاستحباب كما ستعرف.

ويدلّ عليه أيضاً صحيحة الفضلاء (٢) الواردة في صلاة الخوف حيث «قال عليه‌السلام : فصار للأوّلين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم» فجعل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ح ٤ ج ٥ ص ٥٣١.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح ٢ ج ٥ ص ٤٨٠.

٥٢٠