من هدى القرآن - ج ٤

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-07-6
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٧٢

لأنفسهم.

[٥٥] ويستخلص السياق القرآني الفكرة الاصيلة لهذا الدرس وهي : ان مقياس الصلاح والفساد عند الله في البشر هو الايمان والكفر ، وليس أيّ شيء آخر ، وانه أسوأ الناس بل شر الأحياء الكافر.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

فالكافر الذي تاب. الى ربّه وآمن ليس شر ما يدب ويتحرك على الأرض ، بل الذي بقي مستمرا على كفره وضلاله برغم وجود نور في قلبه يهديه الى الحق.

[٥٦] ولكن يبقى سؤال : لماذا يهبط الكافر الى هذا الحضيض الأسفل عند الله؟

الجواب :

اولا : لان الكافر لا عهد له ، فهو لا يحترم نفسه ولا الآخرين ، ويلغي بذلك دوره في الحياة ويصبح كأنه لا وجود له ولا حضور في المجتمع ، فتراه يعاهدك ثم ينقض عهده معك ، ثم يعود يعاهدك فيخالف عهده مرة اخرى.

ثانيا : انه لا يلتزم ببرنامج الرسالة ، بل لا يتعهد بمسؤولية.

(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ)

٨١

سورة الأنفال

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها

____________________

٥٧ [تثقفنهم ] : الثقف الظفر والإدراك بسرعة.

[فشرد بهم ] : التشريد التفريق على اضطراب.

٥٨ [خيانة ] : الخيانة نقض العهد فيما أو تمن عليه.

[فانبذ ] : النبذ إلقاء الخبر الى من لا يعلمه.

[سواء ] : السواء العدل.

٨٢

سورة الأنفال

وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)

٨٣

استراتيجيات القتال :

الردع. السلام الشريف. الاعداد

هدى من الآيات :

بعد ان بين الدرس السابق طبيعة الكفار وضرورة قتالهم ، امر الله في هذا الدرس بالحرب الرادعة التي تلقي الرعب في افئدة الأعداء خلف المعركة عن طريق إنزال الضربات القوية بمن هم في الجبهة ، وإذا خشي المسلمون خيانة من العدو فعليهم ان ينذروهم ويهددوهم بالغاء المعاهدة.

وليعلم المسلمون ان الكفار ليسوا بسابقين ، وانهم لا يستطيعون تعجيز المسلمين ولكن على المسلمين ان يعدّوا كل قوة ممكنة لردعهم وردع القوى الحليفة لهم من المنافقين الذين لا يعلم بهم سوى الله. وفي سبيل دعم القوى المسلحة لا بد من بذل المال الذي لا يذهب هدرا ولا يؤخذ زيادة.

وإذا مال العدو الى الصلح فعلى المسلمين الا يخشوا من الصلح بل يتوكلوا على الله ، ويقبلوا بالصلح ، والله سميع عليم. ذلك لان العدو لا يستطيع تحقيق احلامه ، وعلينا ان نعتمد على نصر الله الذي ايدّ رسوله والمؤمنين بنصره ، ومن آيات نصره انه

٨٤

سبحانه ألف بين قلوبهم و (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

بينات من الآيات :

الاجراءات الهجومية في العسكرية الاسلامية :

[٥٧] ما هو الهدف القريب للعسكرية الاسلامية؟

الهدف هو الهجوم الصاعق والماحق على العدو بغية تحطيمه عسكريا والحاق الهزيمة بمعنويات حلفائه من أجل ان يتركوا طغيانهم ويعودوا الى العقل.

(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ)

اي إذا أدركتهم في ساحة الحرب.

(فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ)

اي العدو الذي يدعمهم من خلف.

(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) اي يعودوا الى رشدهم.

الخيانة ونقض العهد :

[٥٨] وحين تخاف من قوم خيانة بالعهود والمواثيق ، فلا بد ان تعلمهم بخيانتهم وتهددهم بالحرب ، و (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)

اي عاملهم في قضية العهد كما هم يعاملونك دون ان تتجاوز ذلك ويدعوك

٨٥

نقضهم للعهد الى الاعتداء عليهم لان الله تعالى لا يحب الخائنين. واما هم فان خيانتهم سوف تسبب لهم ضررا ولان (اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).

[٥٩] والذين كفروا يزعمون انهم أقوى وأحق بالحكم ، لأنهم السابقون ، وان بامكانهم ـ بسبب هذا السبق والتقدم الزمني ـ ان يقضوا على قوة المسلمين ويعجزوهم ولكن كلا.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ)

ان السبق الزمني مع الكفر لا يعني شيئا فالكفر يعمي البصر ويغلق القلب ويشوش الرؤية.

[٦٠] ولكن متى لا ينفع السبق؟

حين يكون هناك سعي دائب من أجل الحصول على القوة الذاتية. وهذا السعي يعني عدة أمور :

الاول : الاستعداد للمستقبل ، والا يكون العمل في لحظة الحاجة فقط.

الثاني : ان يكون هذا الاستعداد بالنشاط المكثف الذي لا يدع امكانية ولا مقدرة ولا جهدا ولا فرصة الا وتستغل من أجل بناء القوة الذاتية.

الثالث : ان يكون الهدف هو التغلب على كل نقاط الضعف وكل الثغرات الامنية والاجتماعية.

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)

وهكذا يأمرنا ربنا بتقوية أنفسنا بما نملك من استطاعة اي تحويل طاقاتنا

٨٦

الكامنة في أنفسنا الى كيان واقعي .. يجب ان يتحول الفكر والعقل الى علم وخبرة ، والخبرة الى ابنية وعمارات وفنادق ، وكذلك المقدرة الجسدية يجب ان تتحول الى اسلحة وأدوات وصناعات مختلفة.

كما ان البرامج الفكرية الاسلامية يجب ان تتحول الى قوة اجتماعية متماسكة ، اما المعادن والذخائر فيجب ان تتحول الى قوة اقتصادية وثروة مالية.

ولكن القوة يجب الا تكون فقط في تعبئة القوى البشرية والمادية في صناعة الاسلحة ، بل يجب ان يبلغ حد الاستعداد لخوض القتال مباشرة لذلك أكّد ربنا سبحانه على هذه الجهة قائلا :

(وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)

اما الهدف الا بعد للاستعداد فليس مجرد القدرة على الدفاع ، بل القدرة على الهجوم فيما لو اختار العدو الاعتداء على المسلمين حتى يلقي في افئدته الرعب.

(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ)

كما ان بناء القوة الذاتية الرادعة تمتن الجبهة الداخلية ولا تدع ضعاف النفوس يرتبطون بالأجنبي ابتغاء العزّة والقوة.

(وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ)

وبناء القوة الذاتية بحاجة الى العطاء ، وهذا العطاء سوف لا يذهب عبثا بل يعود الى المجتمع وزيادة.

(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ)

٨٧

اي يعود إليكم وافيا غير منقوص.

(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)

[٦١] والاستعداد للقتال لا يعني انبعاث روح البطش والاعتداء في الامة ، بل من الضروري ان يكون انضباط الامة بمستوى قوتها ، وان يهتموا بالسلام أكثر من اهتمامهم بالحرب.

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)

وقرار السلم يجب ان تتخذه القيادة ، ويجب الا يدفع الخوف من اعتداء العدو علينا ، لا يدفعنا نحو المبادرة بالهجوم بل لمقاومة هذا الضعف النفسي وهذا الخوف يجب ان نتوكل على الله تعالى.

(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

أسباب الحروب :

[٦٢] ان الدافع الاساسي لكثير من الحروب الدامية ، هو الخوف المتبادل من هجوم الطرف الاخر. وإذا كان عند أحد الطرفين اطمئنان كاف بالقدرة ، فانه لا يهاجم خوفا من الطرف الاخر ولا يستجيب لاستفزازاته .. لذلك يؤكد ربنا سبحانه على ضرورة التوكل على الله تعالى والثقة بنصره ، وعدم الاستجابة لهاجس الخوف من العدو للقيام بحرب وقائية.

(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)

[٦٣] وكان من ابرز آيات نصره لك هو توحيد جبهتك الداخلية ، حيث ان الله هو الذي الف بين قلوب المؤمنين.

٨٨

(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)

وتأليف القلوب يبدو في الظاهر عملية بسيطة بينما هو مستحيل من دون تأييد الله.

(لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)

حين هداهم الى توحيده وزكاهم عن الذاتيات ، وبعث إليهم كتابا ورسولا يعتصمون بحبله عن طريق تطبيق برامج كتاب الوحدة وتنفيذ أوامر الرسول القائد (ص )

(إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

٨٩

سورة الأنفال

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ

____________________

٦٢ [يخدعوك ] : الخدع والخديعة إظهار المحبوب في الأمر مع المكروه.

٦٦ [خفف ] : التخفيف رفع المشقة بالخفة.

٦٧ [عرض الدنيا ] : متاع الدنيا.

٩٠

سورة الأنفال

وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)

٩١

بين القيادة والأمة :

الثقة ، التحريض ، اقتحام الصعاب

هدى من الآيات :

ولا يزال السياق يحرض على القتال ، ويبين بعض الجوانب الاساسية من الحرب وأبرزها : الاعتماد على الجيش الاسلامي المسلح بالايمان ، ذلك لأنه مع عشرين مؤمنا صابرا ينتصر الجيش الاسلامي على مائتين ، اي عشرة أضعافهم ، ومع مائة ينتصرون على الف جندي كافر ، ذلك لأنهم لا يفقهون.

والرأي السديد يكسب الحرب قبل اليد الشجاعة ، وإذا ضعف المسلمون ـ كما حدث بعدئذ ـ فان جيشهم يغلب ضعف عدوه فالمائة الصابرة تغلب مائتين ، والالف الصابرة تغلب ألفين لاهمية الصبر ، و (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

ومرة اخرى يذكرنا القرآن بأمرين :

الاول : ان تأييد الله لا يعني ان يتوقف المسلمون عن التضحية ، فمن دون وجود مقاومة مسلحة لا يكون للرسول اسرى.

٩٢

الثاني : يجب الا يكون هدف الحرب الحصول على مغانم مادية ، ولو لا ان تقدير الله كان انتصاركم على العدو بالرغم من وجود ثغرات في أنفسكم ، مثل الرغبة في عرض الدنيا إذا مسكم عذاب عظيم بسبب اخذكم المغانم.

ثم جاء الأمر القرآني بحليّة المغانم ، ولكنه امر بالتقوى وعدم تجاوز الحد في أخذ أو صرف المغانم.

بينات من الآيات :

دور القائد في الحرب :

[٦٤] ان يثق القائد بجيشه ولا يستضعفه : انه شرط اساسي للنصر ، لذلك امر الله نبيه الاكتفاء بما يملكه من الجيش.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

[٦٥] ولكن على القائد ان يرفع أبدا معنويات جيشه. فان النقص المادي في الجيش الرسالي سوف يعوض بالمعنويات المرتفعة.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ)

اي ادفعهم نحو القتال.

مظاهر قوة المؤمنين :

(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)

اي عشرة أضعاف العدو ، والقرآن لم يقل ان يكن واحد يغلب عشرة ، أو كل فرد يساوي عشرة افراد ، ربما لان العشرين بما لديهم من انسجام وتعاون وتلاحم

٩٣

يقابل المائتين بما فيهم من اختلاف وتناقض.

(وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)

لا يعرفون اهمية الايمان والصبر ، والتضحية ابتغاء الجنة ورضوان الله وسائر القوى المعنوية.

ان المعرفة تشبه كيانا متكاملا ، فاذا أنهار ركن اساسي منه فتحت ثغرات واسعة في كيان المعرفة .. والايمان بالله وبالقيم ركن شديد في بناء العلم أو ليست القيم والمعنويات جزء هام من العالم ، والذي يكفر بها لا يعرف العلم على حقيقته. أ رايت الأطفال الذين لا يحسنون التلفظ ببعض الأحرف كالدال واللام والراء والسين أنهم يشتبهون في أكثر الكلمات ، لان كثيرا من الكلمات تحتوي على هذه الأحرف فالذي يكفر بالله لا يفقه حقيقة العلم لان جزء من حقيقة العلم لا أقل هو العبودية والخضوع لله.

[٦٦] حين تكون الامة في بداية انطلاقها يكون أبناؤها صفوة المجتمع الذين بادروا الى الرسالة الجديدة بوعي كاف ، وبإرادة حديدية تتحدى الضغوط المحتملة ، بل الواقعية من قبل الاباء والأقارب والمجتمع والسلطة. لذلك فقدرتهم على الدفاع كبيرة ، بالاضافة الى ان التوجيه مركز بالنسبة إليهم والارادة منضبطة. لذلك فان العشرين منهم يعادلون مائتين ، اما بعدئذ فالوضع مختلف إذ يكون الواحد يعادل اثنين فقط وذلك بسبب الضعف.

(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ)

ولم يكلفكم بالهجوم ما دام عددكم أقل من نصف العدو.

(وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً)

٩٤

من الناحية المعنوية.

(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ)

فان انتصاركم انئذ ليس حتميا ، بل انما هو بإذن الله ، ومع تطبيق واجبات الشريعة.

(وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)

[٦٧] ولا يمكن ان ننتظر الغنائم والمكاسب من دون تقديم تضحيات ، فلا نبي يحصل على اسرى حتى يثقل الأرض بالقتلى والمجروحين.

(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)

والثخن والغلظ والكثافة بمعنى واحد.

(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

اي انكم تريدون المكاسب السريعة بينما الله يريد الاخرة.

[٦٨] ولو لا كتاب ربنا سبق بنصر المؤمنين ، إذا لكانوا يستوجبون عذابا شديدا بسبب تهافتهم على المغانم ، بينما المفروض عليهم وهم امة رسالية ان يكفروا في تبليغ الرسالة ، لا في المكاسب المادية ، وربما المراد من العذاب العظيم هو الهزيمة.

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

[٦٩] ولكن حرمة التفكير في المكاسب المادية من وراء الحرب لا تتعارض مع عدالة التشريع الاسلامي فيما يخص غنائم الحرب إذ يجوز الاكل مما غنمه المسلمون

٩٥

حلالاً طيبا.

(فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)

والاكل غير الامتلاك.

(وَاتَّقُوا اللهَ)

فلا تتجاوزوا حدود العرف.

(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

٩٦

سورة الأنفال

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ

____________________

٧٢ [آووا ] : الإيواء ضم الإنسان غيره إليه بانزاله عنده وتقريبه له.

[ولايتهم ] : الولاية عقد النصرة للموافقة في الديانة.

٩٧

سورة الأنفال

تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥) )

٩٨

المسلمون امة واحدة

هدى من الآيات :

بمناسبة الحديث عن الحرب ، يوجه القرآن الكريم خطابه الى الأسرى ويسليهم بشرط ان تكون نيتهم حسنة ، ويحذرهم إذا كانوا خونة ، ويأمر الرسول بألا يخشاهم.

ويعود القرآن الى المقاتلين في سبيل الله ويقول : ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا هم والذين اووا هؤلاء ونصروهم يشكلون امة واحدة ، بعضهم أولياء بعض ، اما الذين لم يهاجروا ولم يلتحقوا بدار الإسلام فإنهم لا ولاية لهم .. اللهم الّا في حالة واحدة وهي حالة استنصاركم ففي تلك الحالة يجب عليكم نصرتهم إلا إذا كان حربهم مع جماعة تربطكم بهم معاهدة.

وكما ان المؤمنين امة واحدة ، فالكفار أيضا امة واحدة ، بعضهم أولياء بعض ، ومن دون القبول بهذه الفكرة فان الأرض تعمها فتنة وفساد كبير.

المؤمنون حقا هم الذين هاجروا والذين نصروا ، اما الذين هاجروا من بعد قوة

٩٩

الإسلام فإنهم يحسبون أيضا منكم ، وكل هذه العلاقات والروابط الجهادية والرسالية لا تمنع من وجود علاقات اخرى هي علاقات الرحم التي يجب ان تلاحظ هي الاخرى لان الله بكل شيء عليم.

بينات من الآيات :

كيف يوصي الإسلام بالأسرى؟

[٧٠] من أجل اعادة الشخصية المفقودة لدى الأسير الكافر عند المسلمين ويعطيه أملا في المستقبل ، ولكي يصلح ضميره دون ظاهره يخاطب ربنا نبيه قائلا :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ)

فقد أخذ منكم عرض الدنيا بينما يعطيكم الحياة الحقيقية في الآخرة ثم ان الايمان الصادق والعمل الصالح في ظل الإسلام سوف يوفر لهم تقدما ماديا ومعنويا كاملا.

(وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

ولذلك فخير لكم إصلاح نفوسكم ، وعدم الاكتفاء بالتظاهر بالايمان.

[٧١] اما إذا لم تصلحوا أنفسكم وتنافقون ، فان الله عليم حكيم ، اما الرسول فعليه الا يضيق عليهم خشية الخيانة لان الله أوسع علما وحكمة منهم ، وهو ينصرك عليهم وعلى خياناتهم.

(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

فلا يجوز الهلع من الأسرى لان الله الذي أمكن الرسول (ص ) منهم واخضعهم

١٠٠