من هدى القرآن - ج ٤

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-07-6
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٧٢

للرسالة ، انه سبحانه قادر على ان يمكنك منهم في المستقبل أيضا.

صفات المجتمع الواحد :

[٧٢] المسلمون امة واحدة لا فرق بين قريبهم وبعيدهم مواطنهم وغريبهم. فالمهاجرون والأنصار اخوة متحابين.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ)

وكان ابرز مصاديق هؤلاء أولئك المسلمين الذين هاجروا من مكة الى المدينة. ويصدق أيضا على أبناء حركات التحرر الاسلامية وسائر الرساليين الذين يهاجرون من بلادهم التي يسود عليها الطاغوت ليجاهدوا في سبيل الله وينقذوا عباد الله من شر الطاغوت.

(وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا)

مثل الأنصار من أهل المدينة وسائر المؤمنين الذين يستقبلون المجاهدين ويبذلون لهم كلما يملكون من مال وجاه.

(أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)

تربطهم صلة الايمان وتجمعهم كلمة التوحيد وتجعل منهم امة واحدة من دون تأثير الفوارق أبدا ، فلهؤلاء المهاجرين الحق في توجيه سياسة البلد المضيف ، ولأولئك الحق في توجيه سياسة الحركة الرسالية .. اما أولئك الذين لا يزالون في وطنهم المحتل أو المحكوم بنظام الطاغوت فليس لهم الحق في عضوية الامة الرسالية ، ولكن هذه الامة تسعى من أجل إنقاذهم من براثن الطاغوت.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ

١٠١

اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ)

أي في تحقيق واجبات الدين وقيمه من اقامة الشعائر والتحرر والرفاه.

(فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)

لهم ، لأن نصرة المؤمن المستضعف هي من ابرز واجبات الامة أو الحركة الرسالية ، وهنا يبرز سؤال عريض وملح : كيف إذا تعارضت مصلحة الدولة الرسالية الناشئة ومصلحة الجماعات المسلمة غير المهاجرة والمجاهدة؟ وتعرض كيان هذه الدولة الى الخطر إذا هبت لمساعدة أولئك المسلمين مثلا : مصلحة الجماعة الاسلامية في مرحلة صلح الحديبية الا تثير عداوة قريش وتحتفظ بمعاهدة السلم التي بينهم وبينها ، بينما مصلحة مسلمي مكة غير المهاجرين نقض هذه المعاهدة كيف الحكم في ذلك؟ يقول القرآن :

(إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ)

ذلك لان كرامة الدولة والجماعة الناشئة أعظم وأهم من سلامة المسلمين المتواجدين في البلاد الاخرى.

وقد يستنبط من هذه الآية : ان مصلحة الدولة الاسلامية اخطر من مصلحة الثورة العالمية للمسلمين ، إذ الميثاق الذي تبرمه الدولة الاسلامية يجسد مصالحها قبل كل شيء ، وعقليا من دون وجود ركيزة للثورة العالمية وهي الدولة الاسلامية كيف يمكن الامتداد هنا وهناك وصنع الثورة العالمية؟!

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

فعليكم تقييم الأمور بدقة متناهية.

١٠٢

الكفر امة واحدة :

[٧٣] كما ان المؤمنين امة واحدة بالرغم من اختلاف اقاليمهم ولغاتهم وطموحاتهم ، كذلك الكفار يجب النظر إليهم كأمة واحدة ، وعدم التلاحم والتعاون مع جهة منها ضد جهة اخرى ، لان حبال الارتباط بين هذه الجهة وتلك امتن من الصلة بيننا وبين أحد الطرفين ، وفي ساعة المواجهة يتفق الجميع ضدنا.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)

وإذا اختلطت الأوراق وتعاون المسلمون مع طائفة من الكفار باعتبارهم أهون عداء من طائفة اخرى ، فتحالفوا مع الشرق ضد الغرب ، أو أوروبا دون امريكا أو ما أشبه فان ذلك يسبب فتنة وفسادا.

(إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)

الفتنة هنا ـ حسبما يبدو لي ـ النفاق والضلالة ، وتشويش الرؤية وافتقاد البصيرة الرسالية ، مثل تبدل الثقافة الاصيلة والنقية بثقافات متناقضة مختلطة ذات أصول اجنبية ، تماما مثل ثقافة الأحزاب السياسية في بلادنا الذين يأخذون افكارا من الغرب والشرق ، وافكارا من الدين والتقاليد ويمزجونها ببعضها ليصنعوا منها ثقافة غربية غير متجانسة.

وبسبب الصلات الوثيقة التي تربط أبناء الامة الاسلامية بهذا الجانب الكافر أو ذاك بهذا السبب تنتشر بينها مثل هذه الثقافة الباطلة ، التي تبعد عن الله وعن الحق ، والتي يسميها القرآن ب (الفتنة ).

وهذه الفتنة تنعكس على الواقع الخارجي للامة فتسبب الخلافات الحادة بين أبناء الامة المحتفظين بخط الدين الأصيل وبين أولئك الذين تأثروا بالغرب أو

١٠٣

الشرق ، وفي بعض الأوقات بين المتأثرين بالأجنبي مع بعضهم البعض ، وهذا أحد مظاهر الفساد الكبير ، ومن مظاهره عدم القدرة على اتخاذ القرار.

[٧٤] ويجب ان يسعى المسلمون نحو إيجاد علاقة الايمان الحقيقية.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)

[٧٥] المؤمنون حقا هم المهاجرون اما الذين يهاجرون بعدئذ فهم يعتبرون من المؤمنين أيضا بشرط الجهاد في سبيل الله.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ)

ووجود علاقة الايمان لا تلغي دور القرابة والعلاقات الطبيعية التي يهتم بها الإسلام.

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

١٠٤

سورة التوبة

١٠٥
١٠٦

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل السورة

قال رسول الله محمد (ص ) :

«ما نزل علي القرآن إلّا آية آية وحرفا حرفا خلا سورة البراءة وقل هو الله أحد فإنهما نزلتا عليّ ومعهما سبعون صف من الملائكة كلّ يقول يا محمد استوص بنسية الله خيرا»

(مجمع البيان ص ٢ ج ٦٥ )

لماذا تركت التسمية في أولها قراءة وكتابة؟

للعلماء والمفسرين في ذلك أقوال :

١ ـ أنها ضمت الى الأنفال بالمقاربة فصارتا كسورة واحدة إذ الاولى في ذكر العهود والثانية في رفع العهود (عن أبي بن كعب ).

١٠٧

٢ ـ انه لم ينزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على رأس سورة البراءة لأن بسم الله للأمان والرحمة ونزلت براءة لرفع الامان بالسيف.

٣ ـ ما روى عن ابن عباس انه قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم الى براءة وهي من المئين والى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموهما في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال : ان النبي (ص ) عند ما تنزل عليه الآيات فيدعو بعض من يكتب له فيقول له هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل من القرآن بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننا أنها منها رسول الله (ص ) ولم يبين انها منها فوضعناهما في السبع الطوال ولم نكتب بينهما سطر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وكانتا تدعيان القرينتين.

١٠٨

الإطار العام

اسم السورة :

ـ بالرغم من ان الطابع العام للسورة هو الإنذار الصاعق للمشركين ، فان وجود آيات التوبة خصوصا في بداية السورة تفتح بابا عريضا للرحمة في جو الغضب الرهيب. لذلك سميت بسورة التوبة .. اشارة الى ان المخرج من الوضع الحرج هو الذي يجب ان يركز الضوء عليه ، وقد تسمى هذه السورة بالبراءة اشارة الى الجو العام لها.

الإطار العام :

ـ لا يختلف كثيرا عن اطار سورة الأنفال. حتى ان بعضهم رأى ان التوبة امتداد لسورة الأنفال ، ذلك ان السياق يتحدث عن ضرورة هدم كيان الشرك من الأساس ، وبناء الكيان التوحيدي ، واستخدام العنف كآخر وسيلة لحسم المواقف. ولكي يتقبل المجتمع الجهاد بما فيه من عنف وتضحيات فإنّه بحاجة ..

١٠٩

أولا : الى انفصال نفسي بينه وبين العدو.

ثانيا : الى الاستعداد للتضحية ، وجعل التضحية والشهادة في سبيل الهدف القيمة الأعلى.

ثالثا : تهيئة الوسائل المساعدة للجهاد .. وهذه بعض الموضوعات التي يتحدث عنها السياق ، بالاضافة الى بيان اهداف الجهاد الانسانية. حتى لا يتحول الى حالة عدوانية شاذة.

ويتحدث السياق في الآيات (٥٨) عن الصدقات لعلاقتها بالجهاد ، ثم يتحدث عن المنافقين ودورهم التخريبي في الصراع .. الآيات (٦١) وعن المؤمنين ووحدتهم وصفاتهم المثلى .. الآيات (٧١) ثم عن قتال المنافقين والكفار ، وعن النفاق بعد الايمان الذي يتعرض له بعض الناس .. الآيات (٧٥) وعن الذين يمنعون الصدقات من المنافقين .. الآيات (٧٩) أو التقاعس عن الجهاد أو سائر صفاتهم الشاذة .. الآيات (٨١) ويتحدث السياق عن أعذار المنافقين في الجهاد وعن استثناءات الجهاد (٩٠) وعن الاعراب المنافقين منهم والمؤمنين .. الآيات (٩٧) وعن أهل المدينة .. وفي الاعراب منافقون غير معروفين .. الآيات (١٠١).

وان هناك طائفة اعترفوا بذنوبهم ويجب ان تؤخذ من أموالهم صدقات .. زكاة ، وطهارة لهم ، وقبولا لتوبتهم .. الآيات (١٠٢) وبعد الحثّ على العمل يحدثنا السياق عن الذين اتّخذوا مسجد الضرار إرصادا لمن حارب الله ورسوله ، وضرورة مقاطعة هذا المسجد ، والاستبدال عنه بمسجد التقوى .. الآيات (١٠٥) ولقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم .. الآيات (١١١) وليس بين الكفار والمؤمنين ولاء حتى بالاستغفار ، وان الله يتم حجته على عباده ، وان الله يتوب على

١١٠

من ختم امره بالجهاد أو بالتوبة .. الآيات (١١٣) من هنا يجب على المؤمنين القتال وليعرفوا ان أعمالهم الصالحة جميعا محسوبة ومجزية خيرا .. الآيات (١١٩) ولا بدّ أن ينفر طائفة للتفقّه والإنذار الآية (١٢٢) ويجب القتال ابتداء بأقرب الكفار .. الآية (١٢٣) وحين تنزل سورة يستهزئ بها المنافقون الذين في قلوبهم مرض .. الآيات (١٢٤) والرسول يحب خيركم ولكن إذا تولى عنه أحد فحسبه الله .. الآيات (١٢٨) ، وهكذا تختتم السورة بذكر القيادة الاسلامية التي تنفّذ تعاليم السماء بشأن الأعداء ، كما تكرر اسم الكريم في بداية السورة.

١١١

سورة التوبة

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ

____________________

١ [براءة ] : البراءة انقطاع العصمة.

٢ [فسيحوا ] : السيح هو السير على مهل.

٣ [وأذان ] : الاعلام وقيل أن أصله من النداء الذي يسمع بالاذن.

٤ [ولم يظاهروا ] : أي لم ينضموا الى أعدائكم حتى يكونوا ظهرا (عونا ) لهم عليكم.

٥ [انسلخ ] : الانسلاخ خروج الشيء مما لابسه وأصله من سلخ الشاة وهو نزع الجلد عنها.

١١٢

سورة التوبة

الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)

١١٣

الإنذار الأخير لأعداء الرسالة

هدى من الآيات :

لكي يبني الإسلام سورا عاليا حول المجتمع المسلم يحصنه من الشرك والكفر ، ومن آثار الضلالة نفسيّا وثقافيا واجتماعيا ، تأتي آيات الدرس الاول في هذه السورة صاعقة حاسمة ، براءة من الله ورسوله الى الذين سكت الإسلام عنهم سابقا بسبب معاهدة سابقة. أما الآن ، فعليهم الاختيار بين الحرب والإسلام بعد أربعة أشهر وليعلموا ان قوتهم المادية لا تقف أمام قوة الله وان الخزي يلاحقهم بكفرهم.

وإعلان عام يصدر في موسم الحج الأكبر حيث يتوافد الى بيت الله الناس من كلّ مكان ان الله بريء من المشركين ، وكذلك رسوله إلّا أن يتوبوا.

والذين عاهدهم المسلمون من المشركين عهدا مؤقتا بمدة فان الإسلام يفي بعهده ما داموا وافين به.

أما بعد الأشهر الحرم التي تنتهي بشهر صفر فان الأرض ستطهر منهم إلّا ان

١١٤

يتوبوا ويؤمنوا ويسلموا لواجبات الدين ، فان الله غفور رحيم.

بينات من الآيات :

لماذا ألغيت المعاهدات :

[١] بعد ان هيمن الإسلام على شبه الجزيرة بفتح عاصمتها مكة ، والانتصار على كبري القبائل فيها كالهوازن. بقيت القبائل الصغيرة التي أمّنها الإسلام ولكنها بطبيعة كفرها وشركها كانت تشكل جيوب المقاومة ، وتعرقل وحدة الجزيرة الادارية ، وكان من الواجب إنهاء الصراع معها استعدادا للانتقال الى العالم ، (خارج الجزيرة ) لذلك جاءت البراءة ، والغاء المعاهدات بين المسلمين والمشركين ، ولكن أعطيت لهم مهلة اربعة أشهر يستعدون خلالها أما للتسليم أو للحرب ـ إن شاؤوا ـ ولكن القرآن حذرهم ، ان المقاومة لا تجديهم نفعا.

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

[٢] (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ)

فلا تستطيعون تعجيز الله وسلبه قدرته المطلقة سبحانه ، ولكم الحق في التجوّل الحر في ارض الجزيرة لمدة أربعة أشهر.

(وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ)

يفشل خططهم ، ويسلب منهم إرادتهم ، ولا يبلغهم أهدافهم.

جاء في الحديث المأثور عن أبي جعفر (عليه السلام ) قال : خطب علي (عليه السلام ) في الناس واخترط سيفه فقال :

«لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن البيت مشرك ، ومن كانت له مدة فهو

١١٥

الى مدته ، ومن لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر»

وكان خطب يوم النحر ، وكانت عشرون من ذي الحجة ومحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر ، و قال :

«يوم النصر يوم الحج الأكبر»

ويبدو من هذا الحديث : ان القرآن انما ألغى العهود التي كانت مطلقة وقابلة للالغاء وكانت تلك شريعة المتعاهدين من العرب. أما العهود التي كانت لها مدة معينة ، فانها لم تلغ بهذا القرار.

ومن جهة اخرى .. في تلك السنة جرت بدعة النسيء وتأخير أشهر الحرم عن موعدها المحدد ، والتي يتحدث عنها القرآن في آية اخرى ولذلك حدد القرآن العهود الى أربعة أشهر وفي آية قادمة ربط الموضوع بانتهاء الأشهر الحرم .. بينما كان الإعلان في موسم الحج الأكبر والذي كان في أيام الاجتماع الكبير بمنى.

[٣] وكرّر القرآن إعلانه العام لكل المشركين الذين تربطهم أولا تربطهم مع الجبهة الاسلامية معاهدة.

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)

ويكرر كلمة الرسول هنا لأنه منفذ تعاليم الله ، وللاشارة الى ان القضية ليست وصية دينية فقط ، بل هي أيضا حقيقة سياسية جديدة.

(إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)

يوم الاجتماع العظيم في مكة ، بمناسبة الحج في ذي الحجة الحرام. وقد كانت هناك مواسم اخرى أقل اجتماعا من الحج الأكبر ، وقيل أن المراد بالحج الأكبر هو

١١٦

الموسم الذي اجتمع فيه المؤمنون والمشركون معا ، لأنه بعد تلك السنة لم يحج المشركون أبدا.

(أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ)

ومقاومتكم لا تجديكم شيئا.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)

في الآخرة ، كما في الدنيا.

[٤] إلغاء العهود والاحلاف التي كانت بين المسلمين والمشركين كان محددا بما يلي

ألف : اما الغائها بسبب نقض المشركين لروح المعاهدة أو لبنودها.

باء : واما لانتهاء مدة المعاهدة.

جيم : واما لان المعاهدة كانت أساسا مطلقة ويجوز لأحد الطرفين الغاؤها بشرط إعطاء مهلة كافية للطرف الثاني .. ويبدو ان أكثر المعاهدات التي كانت تعقد بين العرب كانت من هذا النوع ، ولذلك جاء في هذه الآية تأكيد على الوفاء بالمعاهدات المحددة بمدة معينة ، والتي لم ينقضها الطرف الآخر ولم يخالف روحها.

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً)

أي لم يخالفوا بنودها.

(وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً)

١١٧

فلم يخالفوا روح المعاهدة.

(فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ)

أي الى انتهاء مدتهم كما فعل الرسول بقوم من بني كنانة ، وبني ضمرة. كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر فأمر بإتمامها لهم لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين ولم ينقضوا عهد رسول الله.

وكما فعل مع أهل هجر وأهل البحرين وايلة ودومة الجندل ، حيث وفي بعهده معهم الى نهاية حياته [صلّى الله عليه وآله ].

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)

الذين يلتزمون بالعهود والمواثيق مع المسلم والكافر والبر والفاجر.

لا لتجديد العهود :

[٥] بعد أشهر الحرم التي يحترمها الإسلام إذا احترمها الأعداء. بعدئذ يجب قتل المشركين أينما وجدوا.

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)

والأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، وبعدها يأتي شهر صفر الذي كان آخر مهلة للكفار.

(وَخُذُوهُمْ)

أسرى.

(وَاحْصُرُوهُمْ)

١١٨

أي ضعوهم في محاصرة قواتكم لكسر شوكتهم وهزيمتهم معنويا ، للتقليل من نسبة القتلى.

(وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)

أي انشروا حول مواقعهم مراكز الرصد والرقابة حتى تعرفوا تحركاتهم.

(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)

دون أن تحققوا في مدى صحة ادعائهم بأنهم اسلاميون.

(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

مع شدة الأمر وعظم المصيبة التي امر الله سبحانه بانزالها بالمشركين .. يوضح السياق أنّ بابا عريضا قد فتح امامهم وهو باب التوبة. وان الله غفور رحيم بكل من يقبل بولاية الإسلام ويسلم تسليما.

وما ذلك البلاغ الصارم .. إما الإسلام أو الحرب ، ما هو إلّا رحمة للناس أرادها الله لهم.

١١٩

سورة التوبة

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)

١٢٠