من هدى القرآن - ج ٤

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-07-6
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٧٢

المقياس الاول : أن تحسب مقدار عنائك وتعبك.

المقياس الثاني : أن تقيس مقدار تجسّد عملك في الخارج وبالذات أثره في عدوّك ، فان الله سبحانه حسب هذا المقياس أو ذاك سوف يجزيك دون أن يضيع عنك أجرا.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) :

[١٢١] كذلك الله يحسب حساب نفقاتك وحتى خطواتك.

(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)

فالجزاء دقيق وأفضل من العمل ، ولذلك لا تنظر الى عملك نظرة مطلقة وعامة ، بل انظر الى كل جزء من عملك ، واعلم بأن لكل جزء جزاء. مثلا : اعلم بأن كل تسبيحة تعني شجرة في الجنة فاشتل أكبر عدد ممكن من الأشجار في الجنان بأكبر قدر ممكن من التسبيح ، واعلم بأنّ كل خطوة تجازى بغرفة فابن لك غرفا أكثر بخطوات أكثر تخطوها للعمل الاسلامي.

الامة الاسلامية وواجب الطليعة :

[١٢٢] المجتمع الاسلامي مجتمع رسالي متحفز أبدا الى الامام ، وهو لذلك بحاجة الى طليعة رائدة همّها الوحيد التفقه في الدين والتعمق في رسالته السماوية فهما وتطبيقا. وتكون هذه الطليعة شاهدة في الأحداث وقريبة من القيادة ، بينما يبقى الآخرون في أرضهم يقومون بأعمالهم العادية.

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)

٣٠١

فيجتمعوا جميعا حول الرسول في المدينة أو يخرجوا معه الى الغزوات.

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)

اي نفر من كل فريق ومجموعة متماسكة بعض ليقوموا بالواجب نيابة عن الآخرين ، فمثلا من كل عشيرة ، ومن كل منطقة بعض أهل العشيرة ، وأهل المنطقة ليكون أقرب الى واقعهم وأعرف بمشاكلهم.

(لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)

أي ليعرفوا الدين أعمق وأفضل ، أما وظيفة هؤلاء بعد التفقّه في الدين فليس الجلوس واجترار الحسرات بل الإنذار.

(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)

صفات الفقهاء :

الفقهاء في الإسلام يتصفون بثلاث صفات :

أولا : انهم ليسوا من طبقة أو عرق معين بل من صميم كل المجتمعات.

ثانيا : انهم يتعلّمون الفقه داخل ساحة العمل الرسالي وليس في زوايا المساجد أو المدارس ، بل أنهم ينفرون مع الرسول أو مع القيادة الرسالية ، ويتعلمون الدين عبر الصراع القائم بين الجاهلية والإسلام.

ثالثا : انهم سوف لا يجمدون بعد التفقه ليأتي إليهم الناس ، بل ينطلقون الى مواقع قومهم ويقومون بواجب الإنذار.

والإنذار بهدف إيجاد روح الحذر والتقوى عند الناس لذلك يجب الّا يقتصر

٣٠٢

الإنذار على مجرّد إسقاط الواجب الشرعي ، بل يستمر الى تحقيق هدفه وهو تربية روح الحذر في الناس.

٣٠٣

سورة التوبة

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَ وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧)

٣٠٤

موقف المنافقين من القرآن

هدى من الآيات :

وفي نهايات سورة التوبة المخصصة لبيان جوانب من شرائع الجهاد الاسلامي يبلغنا السياق الحكيم ضرورة البدء بقتال العدو الأقرب إلينا بشدة وغلظة. مع المحافظة على حدود الله ، واتقاء تجاوزها حتى يكون الله معنا.

كما يبلغنا عن نفسية المنافقين وموقفهم السلبي تجاه الآيات القرآنية زاعمين انها لا تنفع شيئا ويتساءلون بسخرية وربما بغباء أي واحد من المؤمنين زادته هذه الآية ايمانا ويجيب القرآن : بأن المؤمنين استفادوا زيادة في الايمان ووجدوا في الآيات نعمة يبشّر بعضهم بها بعضا ، بينما الكفّار والمنافقون توغّلوا في العناد حيث أصرّوا على موقفهم السلبي ، فازدادوا رجسا بسبب كفرهم الجديد الذي استمر معهم الى النهاية.

وكما لا ينتفع المنافقون بالآيات القرآنية النازلة وحيا ، كذلك لا ينتفعون بالآيات الكونية كالكوارث والمصائب التي عادة تنزل عليهم كل سنة ، أما مرة أو

٣٠٥

مرتين ومع ذلك لا يتوبون الى الله ولا يتذكرون.

وهكذا موقفهم من الآيات إذا أنزلت آية أخذ بعضهم ينظر الى بعض مشيرا الى عدم فهمه لمحتوى الآية ، ثم يلتفتون الى من حولهم خشية أن يراهم المؤمنون فيكتشفون موقفهم السلبي من الآية ، ثم ينصرفون ويذهبون ، وسبق أن أبعد الله تعالى قلوبهم عن الايمان بسبب جهلهم وعدم فهمهم.

بينات من الآيات :

قرار الحرب لأقرب الأعداء :

[١٢٣] حينما تكون الأمة مستقلة في قرار الحرب والسلم ، وغير متأثرة بالأعلام المضلل الذي يقوم به الأعداء فانها تبدأ بقتال أقرب أعدائها خطرا عليها كما أمر الله ، ثم إذا تفرّغت منه توجه عداءها ضد العدو البعيد ، كما أمر الله في هذه الآية وقال :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)

ومثل هذه الأمة لا تلين بسبب الاحساس بالخطر ، بل تتصلب أكثر فأكثر ضد مصدر الخطر القريب لأنها أمة مستقلة تعتز بكرامتها وأصالتها ، ولا تساوم على كرامتها أحدا.

والله تعالى يعد المؤمنين إذا كانوا كذلك ، وإذا احترموا حدوده فلم يدفعهم الى القتال غرور أو طمع ، وبالتالي إذا اتّقوا يعدهم أن يكون معهم.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

اما الامة المهزومة نفسيا ، والتابعة لتهديد الآخرين وإعلامهم فانها تعادي أبدا

٣٠٦

العدو الضعيف والبعيد الذي لا تحس منه الأمة بخطر مباشر عليها.

فالمسلمون حين كانوا أقوياء ناطحوا الروم الذي أحسّوا بخطرهم المباشر ، وخاضوا معركة تبوك ومؤتة ، ولم يستسلموا للروم ليحاربوا معهم الفرس ، ولم يقولوا : ان الروم أقرب إلينا دينا لأنهم نصارى والفرس مجوس ، ولكن اليوم حيث يشعر المسلمون أولا أقل بعض الأنظمة الحاكمة عليهم بالضعف فإنهم يستسلمون للعدو الأقرب والأخطر ويتحالفون معه ضد العدو الأبعد والأقل خطرا ، فترى البلاد القريبة من الشرق تحارب الغرب بينما تتحالف مع العدو المجاور لها ، كما فعل نظام أفغانستان سابقا خضع لضغوط الروس ، وزعم بأن عدوه الأصيل هو أمريكا لا العدو القابع على بعد أمتار من أراضيه ، وانتهى بهذا العدو الى التحرك والقيام بانقلاب عسكري ، ثم التدخل العسكري المباشر. ومثلما يفعل اليوم النظام المصري حيث يتحالف مع النظام الاسرائيلي ويوجه أنظار شعبه الى خطر ليبيا الضعيف. أو مثلما تفعله بعض الحركات الاسلامية تهادن النظام الغربي المتسلط على رقاب شعوبهم المستضعفة وتختلق الصراع مع الشيوعية ، وهكذا تتحالف مع العدو النازل في بيتها لتحارب السرّاق الأجانب الذين لا يعرف هل يأتون. أم هم مجرّد بعبع يخوف به السارق الفعلي ضحاياه؟

وهذا الضعف هو الذي خلق جيوب النفاق داخل الأمة الاسلامية ، فقد حاولت الأنظمة الطاغوتية أبدا أن تختلق أعداء وهميين ، وتغذي بعض ضعفاء النفوس بالحقد عليهم. يتّخذ منهم أدوات طيّعة لتحقيق تسلطهم السافر على الناس مثلما فعل نظام شاه إيران السابق مع جيشه الذي ربّاه لمعاداة الشيوعية ، ومثلما يفعل اليوم نظام أفغانستان بجيشه المرتزق الذي يحاول اقناعه بأن العدو رقم واحد لأفغانستان هو (أمريكا ) لا المعتدي الروسي.

٣٠٧

موقفنا وموقفهم :

[١٢٤] والمنافقون أبدا يشكّكون بقيمة الآيات القرآنية ، ولا يعرفون مدى انتفاع المؤمنين بها.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)

وهكذا كان موقف المنافقين سلبيّا أمام السور القرآنية بسبب جهلهم بالحاجة الماسة إليها ، بينما المؤمنون فقد كانوا يشعرون بالحاجة لذلك كانوا يستبشرون كلما نزلت عليهم سورة ويتدبّرون فيها وبذلك يزدادون ايمانا فوق ايمانهم.

متى يكون الهدى سببا في الضلال؟

[١٢٥] ولأن المنافقين كانوا يكفرون بالسور الجديدة ، فان ذلك الكفر كان يكرس العناد في ذواتهم ويزيدهم رجسا الى رجسهم.

(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ)

قلب البشر مزوّد بجهاز رؤية يحدد مساره في شؤون الحياة ، فاذا وجد هذا الجهاز عقبة اجتماعية نبّه القلب الى ضرورة التحدي. وإذا واجه أزمة ذكّر القلب بضرورة مضاعفة السعي ، وإذا أنذر حذّر وإذا بشّر اندفع وهكذا .. فاذا أصيب القلب بمرض وتعطّب الجهاز فان النتائج سوف تكون عكسية وخطيرة. فمثلا حين يواجه عقبة ليس لا ينبّه القلب الى وجودها فقط بل وأيضا يقول انها طريق معبّد ، وإذا وجد أزمة يحسبها رفاها ويحتسب المشكلة رفاها وهكذا.

وهكذا تكون كل ظاهرة خارجية مفيدة لصاحب القلب السليم. بينما تكون

٣٠٨

مضرّة بالنسبة الى القلب المريض ، وهكذا الكلمة الحق بالنسبة الى القلب السليم هدى وموعظة. بينما هي بالذات تتحول بالنسبة الى القلب المريض ضلالة ورجسا. كيف؟

لنضرب مثلا : انك تنصح أخاك وتقول له : اقرأ كتاب نهج البلاغة ، وهو بدوره يرى فيك الأخ الناصح ويتقبّل نصيحتك ولكن إذا قلت ذات الكلمة لعدوك فلأنه مصاب بعقدة تجاهك يفسر كل كلمة منك على أنها أسلوب تستخدمه لتحطيمه. فانه سوف يترك قراءة نهج البلاغة لو كان يقرؤه سابقا ، وكذلك لو ألقيت هذه الكلمة الناصحة على شخص متكبر مغرور بنفسه فلا يكون رد فعله سوى الاستياء منك ومن الكتاب الذي تأمره بمطالعته ، وهكذا كانت بعض القبائل من قريش الذين كانوا يعتبرون بني هاشم منافسا تاريخيا لهم ، كانت مواقفهم من الرسالة نابعة من هذه العقدة. فعارضوا الرسالة ، وازدادوا معارضة لأفكارها وتوجيهاتها الحقة لمجرد أنها تجلّت في بيت بني هاشم.

التفسير الخاطئ للاحداث وسببه :

[١٢٦] وكما موقف القلب المريض من الكلمة الحق ، موقف عكسي مضر كذلك موقف الإنسان ذي الرؤية الفاسدة من الظاهرة الخارجية ، فبدل أن يفسّرها تفسيرا مناسبا تراه يفسّرها معكوسة ويعمل حسب ذلك التفسير. فاذا وجد تخلّفا في حياته الاجتماعية فسّره على أنه نتيجة تمسّكه بالتقاليد الأصيلة فتركها وازداد تخلّفا. بينما كان عليه أن يفسّرها على أنها نتيجة تبعيّته للآخرين وتكاسله عن العمل.

وهكذا الفتنة التي هي ظاهرة صعبة في الحياة الاجتماعية مثلا : الفقر والمرض والحرب والمجاعة ، كل ذلك أشارات خطر تدل على سلوك فاسد لذلك الإنسان ، ولكنها بالنسبة الى المنافقين ذوي القلوب المريضة والرؤوس الفاسدة ، ليست نافعة

٣٠٩

أبدا. لأنهم يفسّرونها تفسيرا شاذا.

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)

فلا هم يعودون من الأعمال السيئة التي تسبّبت في تلك المشاكل ولا هم يتعمقون في فهم الحياة بسبب تلك المشاكل.

ويبدو من هذه الآية ان المجتمعات تصاب عادة بفتن ومشاكل عامة. بين فترة وأخرى وان عليها أن تعتبر منها وتدرسها دراسة معمّقة.

[١٢٧] وكان موقف المنافقين من سور القرآن الحكيم الجديدة ليس الملاحظة النظيفة والدراسة السليمة من العقد ، بل تجاهلها والعودة الى عصبياتهم وأفكارهم الجاهلية وتقييم السور الجديدة على أساسها.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ)

ربما كان ينظر بعضهم الى بعض ليرى كل واحد موقف رفاقه من السورة دون أن يكون لديه ثقة بعقله هو والاستفادة منه في دراسة السورة.

(ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)

لا يفقهون أن فوائد السورة لهم إذا نظروا إليها بتجرّد ودون اتخاذها وسيلة لنفاقهم ، والانصراف عنها الى قيمهم الفاسدة.

٣١٠

سورة التوبة

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩) )

٣١١

صفات الرسول (ص )

هدى من الآيات :

في الآيتين الأخيرتين لسورة التوبة يذكرّنا السياق بأن الرسول قادم من صميم قومه الذين أرسل إليهم فهو من أنفسهم ، وأنه يتأثر ويحزن إذا وجد مكروها يصيب قومه ، وأنه يحرص على سلامتهم ، وأنه رؤف رحيم بالمؤمنين.

ولكن لا يعني ذلك أن الرسول (ص ) يعتمد على قومه ويتأثر بسلبياتهم. كلا .. بل يصمد أمامها اعتمادا على الله تعالى فان تولوا فان حسبه الله يتوكل عليه ، (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

بينات من الآيات :

سيرة الرسول (ص ):

[١٢٨] المواقف الخاطئة للمنافقين من الرسالة ربما كانت بسبب سوء فهمهم لواقع الرسول (ص ) وأنه جاء منقذا لهم من الآلام التي يعانون منها.

٣١٢

(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ)

فهو يتحسس بالعناء الذي يعيشونه ويحزن لهم ويسعى من أجل تخفيف الألم عنهم.

(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ)

يحرص على راحتهم ، ويسعى من أجل حصولهم على الراحة.

(بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)

يوفر لهم أسباب الخير والرفاه ، ويغض عن نواقصهم ، والأذى الذي يصيبه منهم.

لو لم يؤمنوا برسالته؟

[١٢٩] ولكن رحمة الرسول (ص ) ليست بعاطفة قومية أو اقليمية بل لأنه رسول الله ، والله يأمره بذلك ، لذلك لا يوقفه تولّيهم عن متابعة مسيرته.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)

ولأنه رب العرش فهو الذي يدبّر. شؤون العباد وعرشه عظيم ، فهو أكبر من سلطان ذوي السلطان.

٣١٣
٣١٤

سورة يونس

٣١٥
٣١٦

بسم الله الرحمن الرحيم

أحاديث في فضل السورة :

عن النبي محمد (ص ) :

«قال من قرأها أعطي عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق مع فرعون» (مجمع البيان ـ ص ـ ٨٧ ج ٥ )

و عن الامام الحسين (ع ) قال :

«من قرأها في كل شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين وكان يوم القيامة من المقربين» (مجمع البيان ـ ص ٨٧ ـ ج ٦ ـ ٥ )

٣١٧
٣١٨

الإطار العام

لكي يتحدى الإنسان ضغوط الطبيعة ، وإرهاب الطغاة ، كما فعل شيخ المرسلين نوح عليه السلام ، وكما امر موسى قومه بان يفعلوا. فلا بد ان يؤمن بالله وبسلطانه على خلقه وتدبيره له ، ويؤمن بان جزاءه حق ، وانه يعاقب الكافرين بيوم الجزاء كما يثيب الصالحين بأفضل الجزاء.

ومتى يعي البشر حقيقته وانه عبد الله ، وانه لا اله الا الله؟

يعي ذلك عند الضراء ، حين تتساقط حجب الغفلة والشرك وتتجلى قدرة الله سبحانه.

وتتأكد الذكرى بهذه الحقيقية في سورة يونس ثلاث مرات ، وتتناسب مع قصة قوم يونس حيث سمّى القرآن السورة باسمه ، لأنه قد رفع الله عنه العذاب بعد ان أحاط بهم.

٣١٩

نقرأ في آي السورة ، عن جدل الكفار حول القرآن ، وكيف يفنده الذكر ، ولعلّ ذلك ، كجزء من التحدي الذي أمر به القرآن في هذه السورة (١٥).

ولكي يتم عند النفس حالة التحدي في مواجهة الطغاة والقوى الطبيعية ، لا بد ان يستهين المؤمن بالشركاء ، الذين لا يضرون ولا ينفعون (١٨) وتأخير العذاب عنهم ليس الا لكلمة سبقت من الرّب (١٩) والغيب عند الله (٢٠) والله أسرع مكرا ورسله يكتبون ما يمكر المجرمون (٢١).

وبعد ان يذكر القرآن الناس مرة اخرى بحالتهم عند إماطة الخطر ، وكيف انهم ينسون المشركين (٢٢) يضرب مثل الحياة الدنيا ، والمثل مقتبس من دورة حياتية ، يميز بها النيات (٢٤) والسلام عند الله ، وهو الذي يهدي الى الصراط المستقيم (٢٥) وسلام الله انما هو للذين أحسنوا ، اما المجرمون فلهم النار (٢٦).

وهكذا يأمرنا بالكفر بالشركاء ، لأنهم يتبرءون من اتباعهم ، وعند الله الجزاء (٢٨) ويستمر السياق القرآني في بيان حقيقة الشركاء وانهم تافهون وان اتباعهم ليس الا اتباعا للظن (٣٦) ويعود الى بيان : ان القرآن لا ريب فيه وان جهلهم به هو الذي دعاهم الى التكذيب به (٤٠) ويأمرنا بتحدي المشركين والبراءة منهم ويبين ضلالة الذين يكفرون بالقرآن ، وانهم هم عمي وان عماهم وصممهم منهم لان الله لا يظلمهم (٤٤).

ثم يعود ويبين ان الله هو الذي يملك الضر والنفع فلا بد ان نتوكل عليه ، ونترك الشركاء (٥٢) ويؤكد أن القرآن وما فيه حق ، وان الجزاء واقع ، وان وعد الله حق ، وان الله يحي ويميت وان القرآن موعظة وشفاء (٥٨).

كل ذلك يثبت فؤاد المؤمنين تمهيدا للبراءة من الشركاء.

٣٢٠