قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٧ ]

406/602
*

ببنيامين يشبه ما فعلوه بيوسف فقال : «بل سولت لكم أنفسكم أمرا ...».

وقال بعض الناس : لما كان صنيعهم هذا مرتبا على فعلهم الأول ، سحب حكم الأول عليه ، وصح قوله «بل سولت لكم أنفسكم أمرا ...».

والخلاصة أن الذي حمل يعقوب ـ عليه‌السلام ـ على هذا القول لهم ، المفيد لتشككه في صدق ما أثبتوه لأنفسهم من البراءة ، هو ماضيهم معه ، فإنهم قد سبق لهم أن فجعوه في يوسف بعد أن عاهدوه على المحافظة عليه.

ولكن يعقوب هنا أضاف إلى هذه الجملة جملة أخرى تدل على قوة أمله في رحمة الله ، وفي رجائه الذي لا يخيب في أن يجمع شمله بأبنائه جميعا فقال ـ عليه‌السلام ـ (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

أى : عسى الله ـ تعالى ـ أن يجمعني بأولادى جميعا ـ يوسف وبنيامين وروبيل الذي تخلف عنهم في مصر ـ إنه ـ سبحانه ـ هو العليم بحالي ، الحكيم في كل ما يفعله ويقضى به.

وهذا القول من يعقوب ـ عليه‌السلام ـ يدل دلالة واضحة على كمال إيمانه ، وحسن صلته بالله ـ تعالى ـ وقوة رجائه في كرمه وعطفه ولطفه ـ سبحانه ـ.

وكأنه بهذا القول يرى بنور الله الذي غرسه في قلبه ، ما يراه غيره بحواسه وجوارحه.

ثم يصور ـ سبحانه ـ ما اعترى يعقوب من أحزانه على يوسف ، جددها فراق بنيامين له فقال ـ تعالى ـ (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ ، وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ).

وقوله «يا أسفا» من الأسف وهو أشد الحزن والتحسر على ما فات من أحداث. يقال : أسف فلان على كذا يأسف أسفا ، إذا حزن حزنا شديدا.

وألفه بدل من ياء المتكلم للتخفيف والأصل يا أسفى.

وكظيم بمعنى مكظوم ، وهو الممتلئ بالحزن ولكنه يخفيه من الناس ولا يبديه لهم.

ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) أى : المخفين له ، مأخوذ من كظم فلان السقاء : إذا سده على ما بداخله.

والمعنى : وبعد أن استمع يعقوب إلى ما قاله له أبناؤه ، ورد عليهم ... انتابته الأحزان والهموم ، وتجددت في قلبه الشجون ... فتركهم واعتزل مجلسهم وقال :

«يا أسفا على يوسف» أى : يا حزنى الشديد على يوسف أقبل فهذا أوان إقبالك.