معقول ، صرنا بحاجة إلى تقدير شيء في البين هو الوجود أو التقرّر ، وحينئذ يعود المحذور المذكور.
ولعلّ الأولى أن يقال : إنّ هذه الجملة الشريفة لا تحتاج إلى هذه التكلفات ، فإنّ المنفي فيها ـ وهو الإله ـ مشتقّ من المشتقّات ، فيكون وزانه وزان قولنا لا رازق إلاّ الله ولا راحم إلاّ هو ، فيكون قولنا لا إله إلاّ الله بمنزلة قولنا لا معبود إلاّ الله ، وحينئذ يكون لفظ الجلالة بدلا من الضمير المستتر في ذلك المشتق ، فلا يكون من الاستثناء المفرّغ. والأقرب جعله هو الفاعل أو النائب عن الفاعل في أمثال هذه المشتقّات ، فيكون من الاستثناء المفرّغ.
والجملة لا تحتاج إلى الخبر ، لأنّ محصّل قولك لا رازق إلاّ الله أنّه لا يرزقنا إلاّ الله. وهكذا الحال في كلّ ما يكون من هذا القبيل من المشتقات ، مثل قولك لا راحم إلاّ الله ، ونحو ذلك ، بل إنّ هذا التوجيه يتمشّى في الأسماء الجامدة التي تكون بمعنى المشتق ، مثل قولك لا رجل إلاّ زيد أو لا إنسان إلاّ زيد مثلا ، ممّا كان الغرض منه نفي كمالية الرجولية والإنسانية وحصرها في زيد.
ومن ذلك يظهر لك أنّ محصّل قولنا لا إله إلاّ الله هو أنّه لا يعبد إلاّ الله ـ بالبناء للمفعول ـ وبعد إرجاعه إلى أصله من البناء للفاعل يكون وزانه وزان قوله تعالى : ( أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ )(١) ونحوه ممّا يكون مساقه مساق حصر العبادة فيه تبارك وتعالى ، وهذا هو محصّل الشهادة بالتوحيد في العبادة ، فإنّ الغرض منه نفي عبادة غير الله وإثبات العبادة له تبارك وتعالى ، فكأنّ المتكلّم قد نظر إلى تلك الأصنام المعبودة واعترف بأنّه لا يعبدها ، وأنّه إنّما يعبد الله وحده. وليست المسألة ناظرة إلى واجب الوجود في قبال الممكن ، وحصر واجب الوجود فيه
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٢٣ ، يوسف ١٢ : ٤٠.