فنقول : إنّ الذي يظهر من القضية الأولى أمران : الأوّل كون السفر شرطا وعلّة منحصرة لوجوب القصر ، على وجه لا يقوم غيره الذي هو خوف العدو مقامه. الثاني كون السفر هو تمام العلّة والموضوع لوجوب القصر ، على وجه يكون وجوده وحده كافيا في تحقّق وجوب القصر ، ولا يحتاج إلى ضمّ غيره إليه الذي هو خوف العدو. وهكذا الحال في القضية الثانية.
أمّا الأوّل ـ أعني الانحصار ـ : فقد أثبتناه باطلاق الشرط في قبال احتمال عطف الخوف عليه بلفظ أو ، بإحدى الطرق المتقدّمة (١) التي كان أهم تقريباته التمسّك باطلاق قيدية الشرط وأنّ السفر قيد بقول مطلق في وجوب القصر حتّى في حال وجود الخوف وحده ، وأنّ وجوب القصر يتوقّف على وجود السفر ، سواء كان الخوف موجودا أو كان الخوف معدوما.
أمّا الثاني ، أعني استقلال السفر في علّية وجوب القصر ، في قبال احتمال احتياجه في ذلك إلى انضمام الخوف معه ، فلنا في التمسّك على نفي هذا الاحتمال الذي مفاده عطف الخوف على السفر بلفظ الواو طريقان :
الطريق الأوّل : هو التمسّك باطلاق الشرط ، وأنّ ظاهر تعليق الوجوب عليه أنّه يؤثّر في الوجوب وحده ، من دون أن يقيّد هو ـ أعني السفر ـ باجتماعه مع الخوف الذي هو مفاد عطفه عليه بالواو ، فإنّ ظاهر إطلاق الشرط من هذه الجهة وعدم عطف الخوف عليه بلفظ الواو أنّه ـ أعني السفر ـ مستقل في تحقيق الوجوب ، ولا يحتاج في تحقيقه الوجوب إلى عطف الخوف عليه بلفظ الواو.
الطريق الثاني : هو إطلاق نفس الوجوب المستفاد من قوله قصّر ، فإنّ هذا
__________________
(١) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٤١٠ وما بعدها من المجلّد الرابع من هذا الكتاب.