بيان المراد الواقعي وإنّما كان بصدد بيان الحكم الظاهري والجعل القانوني ، وأنّ هذا التأخير لم يكن تأخيرا لبيان ما أراد المتكلّم بيانه ، فلا بأس به.
نعم يتوجّه عليه زيادة على ما أفاده شيخنا قدسسره ما أشرنا إليه من أنّ قبح تأخير البيان إن كان مرجعه إلى نقض الغرض ، وأنّه لو كان بصدد بيان الحكم الواقعي لم يجز له تأخير البيان لكونه نقضا لغرضه الذي هو البيان ، فذلك مشترك بين تأخير البيان عن وقت الحاجة وتأخير البيان عن وقت الخطاب ، ويكون ورود الخاص في كلّ من الصورتين كاشفا عن خطئنا في حكمنا عليه بأنّه بصدد بيان الواقع الجدّي ، وإن كان مرجع القبح إلى قبح إلقاء المكلّف في خلاف الواقع ، فهذا القبح حاصل في صورة استكشاف أنّه لم يكن بصدد بيان المراد الجدّي ، لأنّ هذا القبح لو سلّم يكون مانعا من فرض كون المتكلّم لا يبيّن مراده الجدّي عند حضور وقت العمل به ، وحينئذ لا مندوحة لنا إلاّ أن نقول بأنّ تأخير بيان المراد الجدّي عند حضور وقت العمل لا يكون قبيحا وإن كان فيه تفويت الواقع على المكلّف ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاحه من شيخنا قدسسره في الأمر الثالث (١).
وبالجملة : يرد على الكفاية أوّلا : ما أفاده شيخنا قدسسره من أنّه لا محصّل لكون العام متكفّلا للحكم الظاهري وأنّه غير متعرّض لبيان الحكم الواقعي.
وثانيا : أنّه لو سلّمنا ذلك نقول : إنّ مدرك القبح إن كان هو عدم البيان في مورد إرادته البيان ، نظير ما حرّرناه في مقدّمات الحكمة في كون عدم البيان نقضا لغرض المتكلّم الذي هو كونه في مقام البيان ، كما هو مقتضى تفصيله بين كون العام واردا لبيان الحكم الواقعي وعدم كونه واردا لبيان الحكم الواقعي ، فذلك يقتضي اتّصال البيان بالخطاب ، ولا يجوز تأخيره عنه حتّى إلى ما قبل الحاجة.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٦ ( المقدّمة الثالثة ).