هذه القضية يزاحمه الاطلاق فيها من الجهة الثانية ، وهكذا الحال في القضية الأخرى يكون فيها أيضا عين ذلك التزاحم. وليس المراد أنّ الاطلاق من الجهة الأولى في هذه القضية مزاحم أو معارض للإطلاق من الجهة الأولى في القضية الأخرى.
وحينئذ لا يتّجه ما أورده عليه في الحاشية على ص ٤٢٤ من الطبعة الجديدة (١) من عدم المزاحمة بين جهتي الاطلاق وبتعيّن الجهة الأولى لرفع اليد عنها ، بتقريب أنّ التعارض بين القضيتين إنّما هو من ناحية الجهة الأولى من إطلاقيهما دون الجهة الثانية ، وإن كان رفع اليد عن الجهة الثانية يكون رافعا لذلك التعارض ، إلاّ أنّه بلا موجب ، بل هو من قبيل الجمع التبرّعي. وذلك لأنّ هذا الايراد إنّما يتوجّه لو كان التعارض منصبّا ابتداء إلى الجهة الأولى في القضيتين ليتعيّن إصلاحه برفع اليد عنهما ، ويكون حينئذ رفع اليد عن الجهة الثانية من الاطلاق بلا موجب. لكنّك قد عرفت أنّ التدافع بين القضيتين والتعارض بينهما إنّما يكون مع الاحتفاظ بكلا جهتي الاطلاق ، ودواء هذا التعارض هو رفع اليد عن إطلاقهما من إحدى الجهتين ، وإذ لا مرجّح لإحدى الجهتين على الأخرى وجب التوقّف.
وينبغي أن يعلم أنّ المستفاد ممّا حرّره المرحوم الشيخ محمّد علي رحمهالله (٢) في قبال هذا التوقّف احتمالات ثلاثة :
الأوّل : تعيّن الجهة الثانية للاحتفاظ بها وتعيّن الجهة الأولى للاسقاط ، بدعوى أنّ دلالة الجملة الشرطية على كون الشرط علّة تامّة أقوى من دلالتها على
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٢٦١.
(٢) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩.