الأمر الثالث : أن لا يكون للعلّة المذكورة إضافة إلى خصوص المورد بحيث يحتمل أن تكون العلّة في ذلك الحكم هي خصوص المضاف منها إلى ذلك المورد دون غيرها ممّا يضاف إلى الموارد الأخر كأن يقول الخمر حرام لإسكاره ، فإنّه يحتمل فيه كون العلّة في التحريم هو خصوص الإسكار المضاف إلى الخمر دون مطلق الإسكار ، بل لا بدّ أن تكون العلّة المذكورة مطلقة بأن يقول الخمر حرام لأجل الإسكار ليكون العلّة في التحريم هو مطلق الإسكار ، وتكون صحّة التعليل متوقّفة على تحقّق الكبرى الكلّية القائلة إنّ كلّ مسكر حرام ، فيكون التحريم ساريا إلى كلّ مورد تتحقّق فيه العلّة المذكورة أعني الإسكار ، بخلاف ما لو قال : الخمر حرام لأجل إسكاره ، فإنّ صحّة التعليل فيه لا تتوقّف على تحقّق تلك الكبرى الكلّية ، بل يكفي في صحّته كون إسكار خصوص الخمر علّة في تحريمه من دون حاجة إلى تلك الكبرى الكلّية.
وبالجملة : لا يمكن أن يكون التعليل راجعا إلى الكبرى الكلّية إلاّ حيث يكون حسن التعليل أو صحّته متوقّفا على تحقّق تلك الكبرى ، ولا يكون ذلك متوقّفا على ما ذكر إلاّ بعد تحقّق هذه الأمور الثلاثة ، ولو اختلّ واحد منها لم تكن صحّة التعليل متوقّفة على تلك الكبرى ليكون ذلك التعليل طريقا إلى استكشاف تلك الكبرى الكلّية ، انتهى ما حرّرته عنه قدسسره.
ثمّ لا يخفى أنّ المستفاد من مجموع هذا التحرير أنّ لنا أمورا ثلاثة ، الأوّل : الواسطة في العروض ، وهي المسمّاة بالعلّة المنصوصة. والثاني : الواسطة في [ الثبوت ] ، وهي علّة الحكم ، وهي المسمّاة بالعلّة المستنبطة ، وهي التي تكون متحقّقة في جميع أفراد ذلك الموضوع ، وحينئذ إن كان الحكم فيها ساريا إلى كلّ ما وجدت فيه تلك العلّة سمّيت بتنقيح المناط ، وصارت مطّردة ومنعكسة.