وقد ظهر بما ذكرنا ضعف القول الأوّل أيضاً ( وهو الدخول مطلقاً ) كما ظهر أنّ الحقّ هو القول الخامس ، وهو أنّه لا ظهور لأداة الغاية لا في دخول الغاية في المغيّى ولا في خروجها عنه ، فلا بدّ من تعيين ما تقتضيه القرينة ، وهي مختلفة بحسب اختلاف المقامات والمناسبات ، ومع عدم وجود قرينة يصير الكلام مجملاً ، وقد يؤيّد ذلك ما نشاهده في المحاورات العرفيّة من السؤال عن أنّ الغاية داخلة في المغيّى أو خارجة عنه؟ ففي ما إذا قيل مثلاً : « اقرأ القرآن إلى الجزء العاشر » ولا توجد في البين قرينة قإنهّ يتساءل : هل تجب قراءة الجزء العاشر أيضاً أو لا؟
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأصل العملي في صورة الشكّ والإجمال وفقد القرينة هو البراءة لا الاستصحاب ، لأنّ من أركان الاستصحاب وحدة الموضوع ، ولا إشكال في أنّ ما بعد الغاية موضوع آخر غير ما قبلها ، ولا أقلّ في أنّه كذلك في أكثر الموارد.
بقي هنا شيء
وهو كلام شيخنا المحقّق الحائري رحمهالله في الدرر : فإنّه قال : « التحقيق في المقام أنّ الغاية التي جعلت محلاً للكلام في هذا النزاع لو كان المراد منها هو الغاية عقلاً أعني انتهاء الشيء فهذا مبني على بطلان الجزء غير القابل للتقسيم وصحّته ، فإن قلنا بالثاني فالغاية داخلة في المغيّى يقيناً فإنّ انتهاء الشيء على هذا عبارة عن جزئه الأخير ، فكما أنّ باقي الأجزاء داخلة في الشيء كذلك الجزء الأخير ، وإن قلنا بالأوّل فالغاية غير داخلة لأنّها حينئذٍ عبارة عن النقطة الموهومة التي لا وجود لها في الخارج ... » ثمّ ذكر احتمالاً ثانياً وهو أن يكون محلّ النزاع مدخول حتّى وإلى ، وأن لا يكون غاية عقلاً ، وفصّل بين ما إذا كانت الغاية قيداً للفعل ( للموضوع ) وما إذا كانت قيداً للحكم (١). ( انتهى محلّ الحاجة ).
أقول : الإنصاف أنّ المسألة لفظيّة لا تناسبها ولا ترتبط بها مسألة عقليّة ، فلا مجال لما ذكره في الشقّ الأوّل من كلامه.
__________________
(١) راجع درر الفوائد ، ص ٢٠٥ ، طبع جماعة المدرّسين.