المقام الأوّل : هل للأشياء حسن
وقبح ذاتاً؟
فلا بدّ فيه
أوّلاً من تعريف الحسن والقبح إجمالاً ، فنقول : المراد من حسن الفعل وقبحه ما يستحقّ المدح أو الذمّ على
إتيانه ، فالنزاع عنهما مقصور في عالم الأفعال ولا يشمل عالم التكوين ، فإنّه لا
إشكال في أنّ هناك أشياء حسنة كحسن جمال يوسف وحسن صوت العندليب وحسن كواكب السماء
وغيرها ، كما أنّ هناك أشياء قبيحة من قبيل قبح صوت الحمير وغيره ، فالبحث في
المقام مرتبط بحسن الأفعال وقبحها لا حسن الأشياء التكوينيّة وقبحها.
نعم ، لا إشكال في
أنّ حسن الفعل أو قبحه ناشٍ من شيء تكويني حسن أو شيء تكويني قبيح لا محالة ،
فالاحسان حسن لأنّه موجب لكمال الفرد والمجتمع خارجاً ، والظلم قبيح لأنّه موجب
لنقصانهما كذلك ، وهذا هو الذي يعبّر عنه في أيّامنا هذه بأنّ لزوم الأفعال ولزوم
تركها يرتبطان بالوجودات والاعدام الخارجيّة التكوينيّة ، وينشآن منهما ( ويعبّر
عنه أيضاً بإرتباط معرفة الكون والايدئولوجي ) فقتل النفس قبيح لأنّه يوجب حرمان
إنسان من الوجود ، وإشباع العطشان بالماء حسن لإيجابه إحياء النفس ، والأوّل نقص
والثاني كمال في عالم التكوين.
نعم ، قد يختلف
الكمال والنقص بحسب الآراء والأنظار ، فالإنسان الإلهي يرى الكمال في القرب إلى
الله تعالى والنقص في البعد عنه حينما يريهما الإنسان المادّي في رفاه العيش وعدمه
، وهناك امور مشتركة بين جميع المذاهب البشريّة مثل حسن العدل والإحسان وقبح الظلم
والعدوان.
إذا
عرفت ما ذكرنا من معنى
الحسن والقبح نقول : لا إشكال في حسن الأفعال وقبحها ذاتاً ويدلّ عليه امور :
الأوّل
: الوجدان ، فإنّ
وجدان كلّ إنسان يحكم بأنّ هناك أفعالاً حسنة ذاتاً وأفعالاً اخرى قبيحة كذلك ،
والمنكر ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان ، نظير ما يقال في باب الجبر
والاختيار في علم الكلام في قبال الجبريّة ، وفي باب أصل وجود أشياء في عالم
الخارج في الفلسفة من أنّ الوجدان أصدق شاهد على اختيار الإنسان ووجود الواقع
الخارجي ، وبالجملة إنّا ندرك حسن العدل والإحسان وقبح الظلم والعدوان ولو لم تكن
هناك شريعة.